مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • حُبُّنا للحدائق
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • حُبُّنا للحدائق

      هل ترحِّبون بسكون حديقة جميلة كملجإ من صخب الحياة وسرعتها الجنونية؟‏ هل الحدائق العامة الهادئة بمروجها،‏ ازهارها،‏ اشجارها المظلِّلة،‏ وبِرَكها هي المحيط الذي تفضِّلونه لنزهة مع عائلتكم او للتمشِّي مع صديق؟‏ نعم،‏ يا للشعور بالهدوء،‏ الانتعاش،‏ السلام،‏ وحتى الشفاء الذي تبعثه فينا الحديقة!‏

      مع ان البعض قد يعرضون عن الاعتناء بحديقة،‏ وذلك ربما بسبب ضيق الوقت،‏ نتمتع جميعا بألوان الحديقة،‏ عبيرها،‏ اصواتها،‏ وأثمارها.‏ كان توماس جفرسون —‏ مهندس معماري،‏ عالِم،‏ محامٍ،‏ مخترِع،‏ ورئيس للولايات المتحدة —‏ يحبّ الحديقة.‏ فقد كتب:‏ «ليس هنالك عمل يُبهجني اكثر من زراعة الارض.‏ .‏ .‏ .‏ وأنا لا ازال احب الحدائق.‏ ومع انني رجل متقدم في السن،‏ إلا انني بستاني شاب.‏»‏

      لدى كثيرين وجهة النظر نفسها.‏ فكل سنة يتدفق ملايين الزوَّار على حدائق العالم المشهورة —‏ حدائق كْيو (‏الحدائق النباتية الملكية)‏،‏ في انكلترا؛‏ الحدائق في كيوتو،‏ اليابان؛‏ حدائق قصر ڤرساي،‏ في فرنسا؛‏ حدائق لونڠوود،‏ في پنسلڤانيا،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ هذا اذا ذكرنا القليل.‏ وفي بلدان كثيرة هنالك ايضا مناطق في المدن تحيط ببيوتها،‏ الواقعة على طول طرق مشجَّرة على الجانبَين،‏ جُنُب وأشجار وتنوُّع من ألوان الازهار —‏ كفردوس مصغَّر.‏

      الحدائق يمكن ان تعزِّز الصحة

      لوحظ انه عندما يبقى البشر على اتصال بعالم الطبيعة،‏ قد تصير صحتهم افضل،‏ مع ان الاتصال لا يكون اكثر من رؤية الازهار والاشجار والجُنُب والطيور من خلال نافذة.‏ وهذا ما جعل احد المستشفيات في مدينة نيويورك يُنشئ حديقة على سطحه.‏ قال احد رسميي المستشفى:‏ «رُحِّب بها بفرح وحماس.‏ لقد كانت شيئا يعزِّز معنويات المرضى وهيئة العاملين على السواء.‏ .‏ .‏ .‏ نرى انه يمكن ان يكون لها دور مهم في العلاج.‏» وفي الواقع،‏ تُظهر الدراسات ان الناس يمكن ان يستفيدوا جسديا وعقليا وعاطفيا عندما يمتِّعون حواسهم بالطبيعة.‏

      وفضلا عن ذلك،‏ قد يشعر الشخص الميَّال الى الامور الروحية بأنه اقرب الى اللّٰه عندما يكون وسط عمل يديه.‏ وهذا الوجه للحدائق يمكن ان يعود الى اول حديقة على الارض،‏ جنة عدن،‏ حيث اتصل اللّٰه اولا بالانسان.‏ —‏ تكوين ٢:‏١٥-‏١٧؛‏ ٣:‏٨‏.‏

      ان حبّ الحدائق عالمي النطاق.‏ وهذا امر ذو مغزى،‏ كما سنرى.‏ ولكن قبل ان نناقش هذا الوجه،‏ ندعوكم الى «جولة» في بعض الحدائق عبر التاريخ لتروا كم هو عميق حقا التوق الى الفردوس في قلوب البشر.‏

  • زيارة لبعض الحدائق المشهورة
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • زيارة لبعض الحدائق المشهورة

      ابتدأ اختبار الانسان مع الفردوس في حديقة كانت تقع في منطقة تُدعى عدنا،‏ ربما قرب بحيرة ڤان في تركيا الحديثة.‏ وكان هنالك نهر تتفرَّع منه اربعة انهر ويسقي الجنة لآدم وحواء،‏ اللذين كان عليهما ان ‹يعملاها ويحفظاها.‏› فما ابهج ادارة جنة كانت تكثر فيها «كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل»!‏ —‏ تكوين ٢:‏٨-‏١٥‏.‏

      كانت عدن موطنا كاملا.‏ وكان على آدم وحواء وذريتهما ان يوسِّعوا حدودها،‏ مستخدمين دون شك تصميم اللّٰه الاصلي المتقن كنموذج لهم.‏ ومع الوقت،‏ كانت الارض بكاملها ستصير فردوسا ملآنا بالناس بشكل مريح.‏ لكنَّ عصيان ابوينا الاولين العمدي ادَّى الى طردهما من هذا المكان المقدس.‏ ومن المؤسف ان كل الاعضاء الآخرين من العائلة البشرية وُلدوا خارج هذا الموطن العدني.‏

      لكنَّ قصد الخالق كان ان يعيش الجنس البشري في فردوس.‏ لذلك كان من الطبيعي ان تحاول الاجيال القادمة إحاطة نفسها بما يشبهه.‏

      الحدائق الاولى

      تُعتبر جنائن بابل المعلَّقة احدى عجائب العالم القديم.‏ لقد بناها الملك نبوخذنصر قبل اكثر من ٥٠٠‏,٢ سنة لزوجته الماديّة التي كانت تحنّ الى غابات وتلال موطنها.‏ وهذا البناء المدرَّج الذي يبلغ علوّه ٢٢ مترا (‏٧٥ قدما)‏ المؤلف من قناطر مقوَّسة زُرعت كلها بكثرة،‏ كان يحتوي على تراب يكفي لتغذية اشجار كبيرة.‏ وعلى الارجح كانت الملكة المشتاقة الى موطنها تتعزَّى عندما تتنزَّه في هذه المنطقة الشبيهة بعدن المصنوعة على شكل مصاطب.‏

      كانت هندسة الحدائق بارزة في وادي النيل الخصيب في مصر.‏ يقول دليل أوكسفورد الى الحدائق (‏بالانكليزية)‏:‏ «مصر هي مصدر اقدم صور للحدائق في العالم وموقع .‏ .‏ .‏ لطراز بستنة دام طويلا بشكل استثنائي.‏» فهنالك خريطة لمنظر طبيعي يملكها رسميّ مصري في الطيبة،‏ يعود تاريخها الى سنة ١٤٠٠ ق‌م تقريبا،‏ تُظهر البِرَك،‏ الشوارع المشجَّرة على الجانبين،‏ والمقاصير.‏ وبعد الحدائق المَلَكية،‏ كانت حدائق الهياكل هي الاكثر تنوُّعا ونضارة،‏ بغِياضها،‏ ازهارها،‏ وأعشابها التي كانت تُسقى بواسطة قنوات من البِرَك والبحيرات الزاخرة بالطيور المائية،‏ الاسماك،‏ وزنابق اللوطس.‏ —‏ قارنوا خروج ٧:‏١٩‏.‏

      اشتهر الفُرس ايضا بعالم الحدائق.‏ فكانت حدائق فارس ومصر خلَّابة جدا بحيث انه عندما عادت جيوش الاسكندر الكبير الغازية الى اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد،‏ اتت محمَّلة بالبزور،‏ النباتات،‏ والافكار.‏ وفي اثينا،‏ جمع أرسطو وتلميذه ثيوفراستوس الاعداد المتزايدة من النبات وأنشأا حديقة نباتية لدرس النباتات وتصنيفها.‏ وكان لدى كثيرين من اليونانيين الاثرياء،‏ كالمصريين والفُرس قبلهم،‏ حدائق كثيرة.‏

      وقد جمع سكان المدن الرومانية بين المنازل والحدائق في المساحات الضيقة للمدينة.‏ وصمَّم الاثرياء متنزهات تمتِّع النظر في داراتهم في الريف.‏ وحتى الطاغية نيرون اراد جنة عدنه،‏ لذلك طرد دون رحمة مئات العائلات،‏ هدم بيوتهم،‏ وابتكر متنزهه الخاص البالغ اكثر من ٥٠ هكتارا (‏١٢٥ اكرا)‏ حول قصره.‏ وفي ما بعد،‏ نحو السنة ١٣٨ ب‌م،‏ في دارة الامبراطور هادريان في تيڤولي،‏ بلغ فنّ تنسيق المناظر الطبيعية الروماني ذروته.‏ فقد كان للدارة ٢٤٣ هكتارا (‏٦٠٠ اكر)‏ من المتنزهات،‏ البِرَك،‏ البحيرات،‏ والنوافير.‏

      وكانت للاسرائيليين القدماء ايضا حدائق ومتنزهات.‏ يكتب المؤرخ اليهودي يوسيفوس عن المتنزهات المبهجة الزاخرة بالجداول في مكان يدعى عيطام،‏ يبعد نحو ثلاثة عشر الى ستة عشر كيلومترا (‏٨-‏١٠ اميال)‏ عن اورشليم.‏ وربما كانت متنزهات عيطام بين ‹الجنات،‏ الفراديس،‏ البِرَك،‏ والمغارس› التي يقول الكتاب المقدس ان سليمان ‹عملها لنفسه.‏› (‏جامعة ٢:‏٥،‏ ٦‏)‏ وخارج اورشليم مباشرة على جبل الزيتون كان بستان جثسيماني الذي اشتهر بسبب يسوع المسيح.‏ هنا،‏ كان يسوع يجد ملجأ يمكنه فيه ان يعلِّم تلاميذه بهدوء.‏ —‏ متى ٢٦:‏٣٦؛‏ يوحنا ١٨:‏١،‏ ٢‏.‏

      من الحدائق العربية الى الحدائق الانكليزية

      عندما انتشرت الجيوش العربية شرقا وغربا في القرن السابع بعد الميلاد،‏ رأت،‏ كالاسكندر،‏ حدائق فارس.‏ (‏قارنوا استير ١:‏٥‏.‏)‏ يكتب هاوارد لوكستون:‏ «وجد العرب ان الحدائق الفارسية تشبه كثيرا الجنة التي وُعد بها الاتقياء في القرآن.‏» وعلى غرار الحدائق الفارسية،‏ كانت الحدائق العربية النموذجية،‏ من بلاد الاندلس الى كَشْمير،‏ مقسَّمة الى اربعة اقسام بأربعة جداول تتحد عند المركز ببركة او نافورة،‏ مما يذكِّر بأنهر عدن الاربعة.‏

      في الهند الشمالية،‏ قرب بحيرة دال في وادي كَشْمير الجميل،‏ انشأ حكام المغول في القرن الـ‍ ١٧ اكثر من ٧٠٠ حديقة فردوسية.‏ فشكَّلت هذه مجموعة متألقة من الالوان المزيَّنة بمئات النوافير،‏ المصاطب،‏ والشلالات.‏ والمقصورة من الرخام الاسود التي بناها شاه جهان (‏باني تاج مَحَلّ)‏ على شاطئ بحيرة دال لا تزال تحمل النقش:‏ «اذا كان هنالك فردوس على وجه الارض،‏ فإنه هنا،‏ انه هنا،‏ انه هنا.‏»‏

      قبل ذلك ببضعة قرون،‏ كانت اوروپا قد انتقلت من القرون الوسطى الى عصر النهضة في القرن الـ‍ ١٤.‏ وطراز البستنة الروماني،‏ الذي جرى تجاهله عندما ابتدأت القرون الوسطى في القرن الخامس بعد الميلاد،‏ شرع يزدهر مرة اخرى —‏ وهذه المرة تحت حكم الكنيسة.‏ فقد اعتبر العالم المسيحي الحديقة ‹فردوسا مؤقتا.‏› وتُظهر خريطة من القرن التاسع لدير حديقتَين مصنَّفتين «فردوسا.‏» وسرعان ما صارت حدائق العالم المسيحي اكبر وأفخم،‏ ولكن بدل ان تعكس المُثل الروحية العليا،‏ صار الكثير منها رمزا للسلطة والثروة.‏

      عندما استولى شارل الثامن ملك فرنسا على ناپولي،‏ ايطاليا،‏ عام ١٤٩٥،‏ كتب لأفراد في موطنه:‏ «لن تصدِّقوا ما لديَّ من حدائق جميلة في هذه المدينة .‏ .‏ .‏ يبدو انه لا ينقصها إلّا آدم وحواء لتصير فردوسا ارضيا.‏» ولكن لو عاش شارل حتى القرن الـ‍ ١٧ لرأى على الارض الفرنسية الحدائق الفسيحة للملك لويس الرابع عشر.‏ يؤكد كتاب الحديقة (‏بالانكليزية)‏ ان الحدائق في قصر ڤرساي «لا يزال بالامكان اعتبارها الاكبر والأفخم في العالم.‏»‏

      ولكنَّ عصر النهضة اعطى الفردوس تعريفا جديدا:‏ يلزم ان تكون الطبيعة خاضعة للانسان المستنير الذي يلزم ان يفرض النظام على الحديقة بتجريدها من كل طابع برِّي.‏ فكانت كل الاشجار والازهار تُرتَّب في اشكال هندسية دقيقة.‏ وهكذا فإن التشذيب الفني الروماني الباكر —‏ فنّ صنع اشكال للاشجار والجُنُب بقصّها او توجيه نموّها —‏ أُحيي احياء مذهلا.‏

      ثم في القرنين الـ‍ ١٨ والـ‍ ١٩،‏ عرَّف الاستكشاف والتجارة البحريان العالم الغربي بنباتات وأفكار في البستنة جديدة.‏ فابتدأت انكلترا تولي اهمية لتصميم الحدائق.‏ تقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة (‏بالانكليزية)‏:‏ «في انكلترا القرن الـ‍ ١٨،‏ صار الانسان يدرك بشكل متزايد عالم الطبيعة الذي هو جزء منه.‏ وعوضا عن فرض تنظيمه الهندسي البشري على عالم الطبيعة،‏ ابتدأ يفكر في تكييف حياته بموجبه.‏» وتفوَّق رجال مثل وليم كَنْت ولانسِلوت براون في هندسة المناظر الطبيعية.‏ فقد صمَّم براون اكثر من مئتي عقار في انكلترا.‏ والرجلان اللذان صارا رئيسَين للولايات المتحدة،‏ توماس جفرسون وجون أدامس،‏ قاما بجولة في انكلترا سنة ١٧٨٦ لدراسة الحدائق الانكليزية.‏

      المناظر الطبيعية في الشرق

      ان طراز البستنة في الصين هو بالنسبة الى الحضارة الشرقية كطُرُز مصر،‏ اليونان،‏ وروما بالنسبة الى الحضارة الغربية.‏ وقد كان الصينيون يعتنقون في بادئ الامر دينا روحانيا،‏ تُعتبر بموجبه الانهر،‏ الصخور،‏ والجبال كلها ارواحا مجسَّمة في مادة ولذلك يلزم ان تُحترم.‏ وبعد ذلك،‏ اجتاحت الطاوية،‏ الكونفوشيوسية،‏ والبوذية البلاد وصنعت اشكالها الخاصة من الحدائق.‏

      وفي الجانب الآخر لبحر اليابان،‏ طوَّرت الحدائق اليابانية نمطها الخاص،‏ حيث يأخذ الشكل الاولوية على اللون ويكون لكل شيء مكانه الصحيح.‏ وفي محاولة لتمثيل جمال الطبيعة وتنوُّعها،‏ ضمن مساحة محدودة،‏ يضع البستاني صخوره بعناية ويغرس حديقته ويوجِّه نموّ النباتات بدقة بالغة.‏ وهذا واضح في «البونساي» (‏التي تعني «النبات الموضوع في اناء»)‏،‏ فنّ توجيه شجرة مصغَّرة او ربما غيضة في شكل ونسبة دقيقين.‏

      ومع ان طراز الحديقة الشرقية قد يختلف عن نظيرتها الغربية،‏ فهي تعكس ايضا توقا الى الفردوس.‏ مثلا،‏ يكتب العالِم بتاريخ الحدائق ويبه كاوتيرت انه خلال عصر هِيا في اليابان (‏٧٩٤-‏١١٨٥)‏،‏ كان البستانيون يحاولون ان يخلقوا جو «فردوس على الارض.‏»‏

      حب عالمي

      ان حب الحدائق عالمي،‏ اذ يشمل حتى قبائل الصيادين-‏الجامعين الذي يعيشون في الحدائق «الطبيعية» —‏ الادغال،‏ الغابات،‏ والمروج.‏ وفي ما يتعلق بالـ‍ «الازتكيين في المكسيك والإنكاويين في پيرو،‏» تقول دائرة المعارف البريطانية (‏بالانكليزية)‏،‏ «اخبر الفاتحون الاسپان عن حدائق متقنة بتلال ذات مصاطب،‏ غِيَاض،‏ نوافير،‏ وبِرك مزخرفة .‏ .‏ .‏ لا تختلف عن الحدائق المعاصرة في الغرب.‏»‏

      نعم،‏ الغِيَاض القديمة الواقعة على جانبَي النيل،‏ المناظر الطبيعية في الشرق،‏ متنزهات المدن الحديثة،‏ والحدائق النباتية —‏ ماذا تكشف هذه؟‏ تكشف توق الجنس البشري الى فردوس.‏ وعندما ذكر الكاتب تِري كوميتو عن هذا «الحنين الى الفردوس» المستمر،‏ قال:‏ «الحدائق امكنة يشعر فيها الانسان انه في بيته.‏» وأيّ انسان لا يفرح بالقول،‏ ‹بيتي هو كجنة عدن›؟‏ ولكن هل عدن عالمية —‏ وليس فقط للاثرياء —‏ هي مجرد حلم؟‏ ام انها حقيقة مستقبلية؟‏

  • طريق العودة الى الفردوس
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • طريق العودة الى الفردوس

      نظرا الى توق البشر الشديد الى فردوس والمحاولات الكبيرة والصغيرة على السواء لخلقه من جديد،‏ يعتقد المرء ان الارض قد اصبحت الآن فردوسا حقيقيا.‏ لكنها ليست فردوسا.‏

      وعوضا عن ذلك،‏ اعطى البشر الاولوية للجشع الذي يسيطر دائما على حساب البيئة ومختلف كائناتها الحية.‏ واعتقاد كثيرين ان الغنى المادي سينتصر جعلهم يفقدون كل رجاء بأن هذه الارض ستتحول يوما ما الى فردوس عدني.‏ وبدلا من ذلك،‏ يتطلعون الى حياة ما بعد الموت في السماء كرجاء وحيد لهم بالفردوس.‏ وهذه النظرة تشير اولا الى ان توقنا البشري الى عدن سيُحبَط دائما،‏ وثانيا الى ان اللّٰه قد تخلّى عن هذا الكوكب لحماقة البشر وجشعهم.‏ فهل الامر هو كذلك؟‏ ماذا يخبئ المستقبل؟‏ وأين سيكون هذا المستقبل؟‏

      الفردوس —‏ في السماء ام على الارض؟‏

      قبل ٠٠٠‏,٢ سنة تقريبا،‏ قال يسوع المسيح عند تحدثه الى لص تائب معلَّق الى جانبه:‏ «تكون معي في الفردوس.‏» (‏لوقا ٢٣:‏٤٣‏)‏ فهل عنى يسوع ان اللص سيذهب معه الى السماء؟‏ كلا.‏

      لم تخطر ببال فاعل الشر هذه الفكرة قط.‏ ولِمَ لا؟‏ ربما لأنه كان مطَّلعا على مقاطع من الاسفار المقدسة العبرانية الموجودة في ايامه،‏ كالجزء الاول من المزمور ٣٧:‏٢٩‏:‏ «الصديقون يرثون الارض.‏»‏ وعلَّم يسوع هذه الحقيقة نفسها،‏ معلنا:‏ «طوبى للودعاء.‏ لأنهم يرثون الارض.‏»‏ (‏متى ٥:‏٥‏)‏ وتنسجم هذه الآية مع ما يُدعى عموما الصلاة الربانية،‏ التي تقول:‏ «لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.‏» —‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠‏.‏

      يعلِّم الكتاب المقدس ان اللّٰه خلق الارض،‏ لا السماء،‏ كموطن للعائلة البشرية.‏ وتذكر كلمته انه «لم يخلق [الارض] باطلا» بل «للسكن صوَّرها.‏» (‏اشعياء ٤٥:‏١٨‏)‏ ولكم من الوقت؟‏ «المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر والابد.‏» (‏مزمور ١٠٤:‏٥‏)‏ نعم،‏ «الارض قائمة الى الابد.‏» —‏ جامعة ١:‏٤‏.‏

      ان قصد اللّٰه نحو الغالبية العظمى من الذين يخدمونه هو ان يجعل هذه الارض موطنهم الى الابد.‏ لاحظوا كيف تعلِّق كلمة اللّٰه،‏ الكتاب المقدس،‏ على ذلك.‏ يُنبئ المزمور ٣٧:‏١١‏:‏ «الودعاء .‏ .‏ .‏ يرثون الارض ويتلذذون في كثرة السلامة.‏» ولكم من الوقت؟‏ يقول المزمور ٣٧:‏٢٩‏:‏ «الصديقون يرثون الارض ويسكنونها الى الابد.‏»‏ فستتحقق آنذاك الآية التي تعلن:‏ «تفتح [اللّٰه] يدك فتشبع [«رغبة،‏» ع‌ج‏] كل حي،‏» اي الرغبة التي تنسجم مع مشيئة اللّٰه.‏ —‏ مزمور ١٤٥:‏١٦‏.‏

      وماذا عن الذين ليست لديهم رغبة في فعل مشيئة اللّٰه؟‏ تعلن الامثال ٢:‏٢١،‏ ٢٢‏:‏ ‹المستقيمون يسكنون الارض والكاملون يبقون فيها.‏ اما الاشرار فينقرضون من الارض والغادرون يُستأصلون منها.‏›‏

      ردّ الفردوس

      قريبا،‏ ستُنفَّذ احكام اللّٰه في العالم الشرير.‏ (‏متى ٢٤:‏٣-‏١٤؛‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥،‏ ١٣‏)‏ لكنَّ اللّٰه سيحفظ ‹جمعا كثيرا› من الناس عبر ذلك الدمار الآتي الى عالم جديد من صنعه.‏ —‏ رؤيا ٧:‏٩-‏١٧‏.‏

      ثم سيوجه اللّٰه المهمة المبهجة التي ستكون لرعاياه البشر وهي ان يحولوا الارض بكاملها الى موطن فردوسي للجنس البشري.‏ يعد الكتاب المقدس:‏ «تفرح البرية والارض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس.‏ .‏ .‏ .‏ لأنه قد انفجرت في البرية مياه وأنهار في القفر.‏» —‏ اشعياء ٣٥:‏١،‏ ٦‏.‏

      في ذلك الفردوس الموسَّع،‏ لن يكون هنالك بعد جوع،‏ فقر،‏ احياء للفقراء،‏ مشرَّدون،‏ او مناطق تسود فيها الجريمة.‏ «تتكاثر الغلال في الارض.‏» (‏مزمور ٧٢:‏١٦‏،‏ ترجمة تفسيرية‏)‏ «تعطي شجرة الحقل ثمرتها وتعطي الارض غلّتها.‏» (‏حزقيال ٣٤:‏٢٧‏)‏ «يبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون اثمارها.‏ لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل.‏» (‏اشعياء ٦٥:‏٢١،‏ ٢٢‏)‏ «يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يرعب.‏» —‏ ميخا ٤:‏٤‏.‏

      لماذا يذهب البعض الى السماء

      يعترف معظم الناس على الارجح بأنهم يتوقون الى فردوس ارضي.‏ وهذا طبيعي،‏ لأن اللّٰه لم يغرس فيهم قط التوق الى السماء؛‏ وهم لا يستطيعون ابدا ان يتخيلوا ما هي عليه الحياة في السماء.‏ مثلا،‏ على الرغم من ان پات عضو مخلص في كنيسة انكلترا،‏ قالت في محادثة مع خادم كنيستها:‏ «لم افكر قط في الذهاب الى السماء.‏ وأنا لا اريد ان اذهب،‏ فماذا افعل هناك؟‏» —‏ قارنوا مزمور ١١٥:‏١٦‏.‏

      نعم،‏ يعلِّم الكتاب المقدس ان عددا محدَّدا من البشر،‏ ٠٠٠‏,١٤٤،‏ سيذهبون الى السماء.‏ (‏رؤيا ١٤:‏١،‏ ٤‏)‏ وهو يوضح ايضا السبب:‏ «جعلتَ منهم ملكوتا وكهنة لإلهنا يملكون على الارض.‏»‏ (‏رؤيا ٥:‏٩،‏ ١٠‏،‏ الترجمة العربية الجديدة‏)‏ فمع ملكهم،‏ يسوع المسيح،‏ يؤلف هؤلاء ‹الملكوت،‏› الحكومة السماوية الجديدة للارض التي يصلي المسيحيون من اجلها.‏ وهذه الحكومة ستشرف على الاصلاح التام للارض والجنس البشري.‏ —‏ دانيال ٢:‏٤٤؛‏ ٢ بطرس ٣:‏١٣‏.‏

      ولكن،‏ بما ان الرغبة في العيش في السماء ليست موجودة طبيعيا في البشر،‏ فإن عملا فريدا لروح اللّٰه «يشهد» للـ‍ ٠٠٠‏,١٤٤ بحيث يدركون هذه ‹الدعوة العليا› الخصوصية.‏ (‏رومية ٨:‏١٦،‏ ١٧؛‏ فيلبي ٣:‏١٤‏)‏ من الواضح اذًا ان مثل هذا العمل لروح اللّٰه ليس ضروريا للجنس البشري ككل لأن موطنهم الابدي سيكون على ارض فردوسية.‏

      فردوس روحي يمهِّد الطريق

      كيف يصير المرء اهلا للحياة الابدية في فردوس على الارض؟‏ قال يسوع:‏ «هذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.‏» (‏يوحنا ١٧:‏٣‏)‏ وإذ تربط اشعياء ١١:‏٩ العلاقات البشرية السلمية بمعرفة اللّٰه،‏ تقول:‏ «لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر.‏» —‏ قارنوا اشعياء ٤٨:‏١٨‏.‏

      طبعا،‏ ان هذه المعرفة ليست مجرد معرفة في الرأس.‏ فهي تؤثر في شخصية المرء وتعزز الصفات الالهية،‏ مثل ‹المحبة الفرح السلام طول الاناة اللطف الصلاح الايمان الوداعة التعفف.‏› (‏غلاطية ٥:‏٢٢،‏ ٢٣‏)‏ ويجاهد شهود يهوه لتنمية هذه الصفات،‏ وهكذا يُباركون حتى في هذا الوقت بفردوس روحي سليم.‏ —‏ اشعياء ٦٥:‏١٣،‏ ١٤‏.‏

      يا للتباين بين حالتهم الروحية وتلك التي للعالم الذي ينغمس اكثر فأكثر في الشر والفساد!‏ ولكن قريبا سيدمر اللّٰه هذا العالم الشرير.‏ وفي غضون ذلك،‏ يدعوكم شهود يهوه ان تروا —‏ نعم،‏ تتفحَّصوا —‏ الفردوس الروحي الذي يتمتعون به.‏ واكتشفوا انتم بأنفسكم ان يسوع،‏ الملك السماوي غير المنظور،‏ يقود بهدوء في هذا الوقت السكان المقبلين لذلك العالم الجديد على طول الطريق الضيق المؤدي الى الفردوس الارضي والحياة الابدية!‏ —‏ متى ٧:‏١٣،‏ ١٤؛‏ رؤيا ٧:‏١٧؛‏ ٢١:‏٣،‏ ٤‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة