-
المورِّثات، الدَّنا، وأنتماستيقظ! ١٩٩٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
المورِّثات، الدَّنا، وأنتم
انظروا الى نفسكم بتمعن في المرآة. لاحظوا لون عينيكم، بنية شعركم، لون بشرتكم، وشكل جسمكم. فكروا في المواهب التي تتحلون بها. لماذا تبدون على ما انتم عليه؟ لماذا تملكون هذه الصفات والمواهب الخاصة بكم؟ يجري توضيح هذا اللغز اليوم من خلال التعمق في علم الوراثة وتأثيرات البيئة.
وتقولون بتأفف: ‹علم الوراثة؟ يبدو هذا الموضوع علميا وصعبا الى حد يعجز المرء عن فهمه!›. لكن هل سبق ان اخبرتم فتاة انها تملك عيني والدها الخضراوين وأنها أخذت عن امها شعرها الاحمر ونمشها؟ اذا كان الامر كذلك، فأنتم تعرفون حتى الآن واقعا اساسيا في علم الوراثة، ألا وهو أن الميزات الجسدية تُنقل من الوالدين الى الولد. وبالاضافة الى ذلك، قد يكون هذا الواقع بداية فهمكم لكيفية وصول الانسان الى هنا — بالتطور او بالخلق. لكن بادئ ذي بدء، لنرَ كيف يحمل كلٌّ منا ميراث اجيال كثيرة.
يتألف جسمكم من وحدات حية صغيرة جدا تدعى الخلايا، ويبلغ عددها وفقا لأحد التقديرات نحو ١٠٠ تريليون خلية. وفي نواة كل خلية هنالك آلاف المورِّثات. وهي وحدات وراثية مستقلة تتحكم في الخلية وتحدِّد بالتالي بعض صفاتكم المميِّزة. وقد يحدِّد عدد من المورِّثات فئة دمكم؛ وتحدِّد اخرى بنية شعركم، لون عينيكم، وهلمَّ جرّا. وهكذا تحمل كل خلية مخطَّطا وراثيا مصغَّرا، او شفرة وراثية، يحتوي على كل المعلومات اللازمة لبناء جسمكم، إصلاحه، او تنظيم عمله. (انظروا الرسم البياني في الصفحة ٥.) فهل من الممكن ان يكون كل ذلك قد حدث صدفة؟
كيف كُشف النقاب عن اللغز
ان النظرية القائلة اننا نرث الصفات من خلال الدم ابتكرها أرسطو في القرن الرابع قم ولاقت رواجا لأكثر من الف سنة. وقد اثرت هذه النظرية في الفكر اليوم حتى انها صارت جزءا من عدة لغات بما فيها اللغة العربية. فنقول مثلا، «قرابة الدم»، او إذا تحدثنا عن الولد وأبيه نقول انه «من لحمه ودمه».
في القرن الـ ١٧، جرى اكتشاف البُييضات والخلايا المنوية، لكن لم يُفهم دورها الفعلي. وظنَّ البعض ان مخلوقات بالغة الصغر مكتملة الشكل موجودة إما داخل البييضة او داخل الخلية المنوية. لكن بحلول القرن الـ ١٨، ادرك الباحثون بالصواب ان البييضة والخلية المنوية تتحدان لتكوين جنين. لكن لم يكن قد وُجد بعد تفسير دقيق للوراثة.
ولم يكن حتى سنة ١٨٦٦ ان نشر راهب نمساوي يدعى ڠريڠور منْدل اول نظرية صحيحة عن الوراثة. فقد اكتشف منْدل، من خلال التجارب التي اجراها على البازلّا، ما دعاه «العناصر الوراثية المتميِّزة» المختبئة في الخلايا الجنسية، وأكد انها المسؤولة عن نقل الميزات من جيل الى جيل. وهذه «العناصر الوراثية المتميِّزة» ندعوها اليوم المورِّثات.
حوالي سنة ١٩١٠، اكتُشف ان المورِّثات موجودة في بنى داخل الخلية تدعى الصبغيات. وتتألف الصبغيات بشكل رئيسي من الپروتين والدَّنا DNA (الحَمض الريبي النووي المنقوص الاكسجين). وبما ان العلماء كانوا مدركين اهمية دور الپروتين في الوظائف الاخرى للخلية، فقد افترضوا لسنوات عديدة ان الپروتين الصبغي يحمل المعلومات الوراثية. ثم في سنة ١٩٤٤، قدَّم الباحثون اول برهان على ان المورِّثات مؤلفة من الدَّنا، وليس من الپروتين.
سنة ١٩٥٣، عندما اكتشف جيمس واطسون وفرنسيس كريك التركيب الكيميائي للدَّنا اللولبي الشكل، المؤلف من جزيئات شبيهة بالخيوط، كان ذلك خطوة كبيرة في المضي قدما لكشف النقاب عن لغز الحياة.
-
-
ما يكشفه المجهراستيقظ! ١٩٩٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
ما يكشفه المجهر
دُعيت الخلية وحدة الحياة الاساسية. فالاشياء الحية — بما فيها النبات، الحشرات، الحيوانات، والبشر — مصنوعة من الخلايا. وعلى مر السنين، يمعن العلماء النظر في العمليات التي تحدث داخل الخلية ويكشفون الكثير من اسرار علم الاحياء الجزيئي وعلم الوراثة. فلنلقِ نظرة اقرب على الخلايا ونتأمل في ما اكتشفه العلم عن هذه الوحدات الحياتية المجهرية الرائعة.
نظرة خاطفة عبر المجهر
تختلف الخلايا في الشكل. فبعضها مستطيل والآخر مربع. وهنالك خلايا كروية، خلايا بيضاوية الشكل، وخلايا تبدو مثل البقع. تأملوا في الآميبا، عضوية ذات خلية واحدة لا تملك شكلا محدَّدا، فهي تغيِّر شكلها كلما تحركت. والمثير للاهتمام ان شكل الخلية غالبا ما يشير الى عملها. مثلا، بعض خلايا العضلات طويلة ورفيعة وتتقلص عندما تنجز عملها. أما الخلايا العصبية — التي تنقل الرسائل الى انحاء الجسم — فلها اغصان طويلة.
وتختلف الخلايا في الحجم ايضا. لكنَّ معظمها فائق الصغر بحيث لا يُرى بالعين المجردة. ولتدركوا كم يبلغ حجم خلية متوسطة الحجم، انظروا الى النقطة في آخر هذه الجملة. ان هذه النقطة الصغيرة يمكن ان تتسع لنحو ٥٠٠ خلية متوسطة الحجم! وإذا بدت لكم هذه الخلايا صغيرة جدا، فما القول في بعض الخلايا الجرثومية التي هي اصغر بنحو ٥٠ مرة؟ والخلية الكبرى؟ ينطبق هذا الوصف على الجزء الاصفر من بيضة النعام — «عملاق» من خلية واحدة، يعادل حجمه حجم كرة البايسبول او الكريكيت تقريبا!
وبما ان معظم الخلايا لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، يستعمل العلماء ادوات، كالمجهر، لدراستها.a لكن حتى بهذه الوسيلة، تبقى بعض التفاصيل المعقَّدة في الخلية التي لا يمكن تمييزها بشكل كامل. تأملوا في ما يلي: يمكن ان يكبِّر مجهر إلكتروني خلية نحو ٠٠٠,٢٠٠ مرة — تكبير يمكن ان يجعل النملة تبدو بطول يتعدى الـ ٨٠٠ متر (٢/١ ميل). لكن حتى مع هذا التكبير، هنالك تفاصيل في الخلية لا يمكن رؤيتها!
وهكذا وجد العلماء ان الخلية معقدة بشكل مذهل. يعلن الفيزيائي پول دايڤيس في كتابه المعجزة الخامسة (بالانكليزية): «تمتلئ كل خلية ببنى صغيرة تبدو كأنها آتية مباشرة من كتيِّب مهندس. فتجدون وفرة من البنى التي تشبه الملاقط، المقصات، المضخّات، المحركات، الرافعات، الصمامات، الانابيب، السلاسل، حتى المركبات المتناهية الصغر. لكنَّ الخلية هي طبعا اكثر من مجرد كيس من الادوات. فمختلف العناصر تجتمع بعضها مع بعض لتؤدي عملا منسجما، مثل خط تجميع متقن في مصنع».
الدَّنا — جُزَيء الوراثة
يبدأ البشر كما النباتات والحيوانات المتعددة الخلايا بخلية واحدة. وبعد ان تبلغ هذه الخلية حجما معينا، تنقسم وتؤلف خليّتين. ثم تنقسم هاتان الخليّتان وتشكلان اربع خلايا. وإذ تستمر الخلايا في الانقسام، تتخصَّص — اي، تتميَّز لتصبح خلايا عضلية، عصبية، جلدية وهلمَّ جرّا. وفيما تستمر العملية تجتمع خلايا كثيرة بعضها مع بعض لتؤلف انسجة. فالخلايا العضلية مثلا تتحد وتشكل النسيج العضلي. وتؤلف انواع الانسجة المختلفة الاعضاء، مثل القلب، الرئتين والعينين.
وتحت الغلاف الرقيق لكل خلية هنالك سائل هلامي يدعى السيتوپلازما. وداخل هذا السائل، ضمن غشاء رقيق، توجد النواة. وقد دعيت النواة مركز التحكم في الخلية لأنها توجِّه تقريبا كل نشاطات الخلية. وتتضمَّن النواة البرنامج الوراثي للخلية، مكتوبا في الحَمض النووي الريبي المنقوص الاكسجين — الدَّنا DNA.
تقع جُزيئات الدَّنا الملتفة بإحكام في صبغيات الخلية. وتحتوي مورِّثاتكم التي هي اجزاء من جُزيئات الدَّنا على كل المعلومات اللازمة لجعلكم ما انتم عليه. توضح دائرة معارف الكتاب العالمي (بالانكليزية): «ان البرنامج الوراثي الموجود في الدَّنا يجعل كل كائن حي مختلفا عن كل الاشياء الحية الاخرى». وتضيف: «ان هذا البرنامج يجعل الكلب مختلفا عن السمكة، حمار الزَّرد عن الوردة، والصفصاف عن الزنبور. وهو يجعلكم مختلفين عن اي شخص آخر على الارض».
ان كمية المعلومات التي يحتويها الدَّنا في خلية واحدة فقط هي مذهلة. فهي تستطيع ان تملأ نحو مليون صفحة بحجم هذه الصفحة التي تقرأونها! وبما ان الدَّنا مسؤول عن نقل المعلومات الوراثية من جيل من الخلايا الى آخر، فقد دُعي المخطَّطَ التوجيهي للحياة بكاملها. لكن كيف يبدو الدَّنا؟
يتألف الدَّنا من سلسلتين ملتفتين احداهما حول الاخرى بحيث تشكِّلان بنية لولبية مزدوجة تشبه دَرَجا لولبيا. وتتصل السلسلتان بواسطة اتحاد اربعة عناصر تدعى القواعد. فكل قاعدة في احدى السلسلتين تقترن بقاعدة في السلسلة الاخرى. وكل قاعدتين مقترنتين تؤلفان درجة من درجات سلَّم الدَّنا اللولبي. والترتيب الدقيق للقواعد في جُزيء الدَّنا هو ما يحدِّد المعلومات الوراثية التي يحملها. وببسيط العبارة، ان هذا التسلسل يحدِّد عمليا كل شيء عنكم، بدءا من لون شعركم حتى شكل انفكم.
الدَّنا، الرَّنا، والپروتينات
ان الپروتينات هي الجزيئات الكبيرة الاكثر وفرة في الخلايا. وقد قدِّر انها تؤلف اكثر من نصف الوزن الجاف لمعظم العضويات! وتتألف الپروتينات من وحدات بناء اصغر تدعى الحموض الأمينية. بعضها يصنعه جسمكم؛ وبعضها الآخر تحصلون عليه من خلال غذائكم.
وللپروتينات وظائف كثيرة. مثلا، هنالك الهيموڠلوبين، وهو پروتين موجود في خلايا الدم الحمراء ينقل الاكسجين عبر جسمكم. ثم هنالك الاجسام المضادة التي تساعد جسمكم على تفادي الامراض. وتساعد پروتينات اخرى، مثل الإنسولين، على استقلاب الطعام بالاضافة الى تنظيم مختلف وظائف الخلايا. وعموما، قد يكون هنالك آلاف الانواع المختلفة من الپروتينات في جسمكم. وقد يكون هنالك مئات في خلية واحدة فقط!
ينجز كل پروتين وظيفة معيّنة تحدِّدها مورثة الدَّنا الخاصة به. لكن كيف يجري فك رموز المعلومات الوراثية في مورِّثة الدَّنا لكي يُصنع پروتين معيَّن؟ كما يظهر في الرسم البياني المرفق «كيف تُصنع الپروتينات»، ينبغي اولا ان تُنقل المعلومات الوراثية المخزَّنة في الدَّنا من نواة الخلية الى السيتوپلازما، حيث تقع الجُسيمات الريبية، اي المعامل المنتجة للپروتينات. ويُنجز هذا النقل بواسطة الحمض الريبي النووي (الرَّنا RNA). ثم «تقرأ» الجُسيمات الريبية في السيتوپلازما تعليمات الرَّنا وتجمع الحموض الأمينية بالتسلسل الملائم لتشكيل پروتين معيَّن. اذًا، هنالك علاقة وثيقة بين الدَّنا، الرَّنا وتكوُّن الپروتينات.
اين ابتدأ؟
اسرت دراسة علم الوراثة وعلم الاحياء الجزيئي اهتمام العلماء طوال عقود. ورغم الشكوك التي ساورت الفيزيائي پول دايڤيس حول وجود خالق وراء كل هذه الامور، فقد اعترف قائلا: «كل جُزيء لديه وظيفة معيَّنة ومكان محدَّد في التصميم العام بحيث يجري صنع المواد الصحيحة. وهنالك الكثير من الذهاب والاياب في الخلية. فينبغي ان تسافر الجُزيئات عبر الخلية لتلتقي اخرى في المكان المناسب والوقت المناسب لكي تستطيع ان تنجز وظائفها بشكل جيد. ويحدث كل ذلك دون وجود رب عمل يأمر الجُزيئات بما يجب ان تفعله ويوجِّهها الى اماكنها الملائمة. ولا يوجد مشرف لمراقبة نشاطاتها. فبكل بساطة تقوم الجُزيئات بما ينبغي ان تقوم به: تضرب جميع الجهات وهي تنتقل على غير هدى، تصطدم بعضها ببعض ثم ترتد، او تلتصق بعضها ببعض. . . . فبطريقة ما، وبشكل جماعي، تتحد هذه الذرَّات معا مؤدية رقصة الحياة بدقة متناهية».
لسبب وجيه، استنتج كثيرون ممَّن درسوا العمليات التي تحدث داخل الخلايا انه لا بد من وجود قوة ذكية مسؤولة عن خلقها. فدعونا نتأمل في السبب.
[الحاشية]
a لدراسة محتوى الخلايا وميزاتها من الناحية الكيميائية، يستعمل العلماء ايضا فرّازة، وهي اداة تفصل مكوِّناتها.
[الاطار/الرسم في الصفحة ٥]
نظرة الى داخل الخلية
داخل كل خلية توجد نواة — مركز التحكُّم في الخلية. وفي النواة، هنالك الصبغيات التي تتألف من جُزَيئات الدَّنا الملتفة بإحكام والپروتين. ومورِّثاتنا هي في جُزَيئات الدَّنا هذه. والجُسيمات الريبية، المعامل المنتجة للپروتين، هي في سيتوپلازما الخلية الموجود خارج النواة.
[الرسم]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
الخلية
الجسيمات الريبية
السيتوپلازما
النواة
الصبغيات
الدَّنا — سلَّم الحياة
[الرسم في الصفحة ٧]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
كيف تتناسخ الدَّنا
من اجل تبسيط الصورة، رُسمت الدَّنا اللولبية مسطَّحة
١ قبل ان تنقسم الخلايا لتنتج الجيل التالي من الخلايا، ينبغي ان تتناسخ الدَّنا. اولا، تساعد الپروتينات على فلق اجزاء من سلسلتي الدَّنا المزدوجتين
پروتين
٢ ثم، باتباع مبدإ تزاوج القواعد الصارم، ترتبط قواعد حرة (متوفرة) في الخلية بالقواعد الملائمة لها في السلسلتين الاصليتين
قواعد حرة
٣ اخيرا، تُصنع نسختان من المخطَّطات الوراثية. وهكذا، عندما تنقسم الخلية، تحصل كل خلية جديدة على مخطَّط وراثي مطابق للآخر
پروتين
پروتين
قانون تزاوج القواعد في الدَّنا:
أ دائما مع ت
أ ت تيمين
ت أ أدنين
س دائما مع ڠ
س ڠ ڠوانين
ڠ س سيتوزين
[الرسم في الصفحتين ٨ و ٩]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
كيف تُصنع الپروتينات
للتبسيط نصوِّر پروتينا مؤلفا من ١٠ حوامض امينية. فمعظم الپروتينات تحتوي على اكثر من ١٠٠
١ يفلق پروتين معيَّن جزءا من سلسلتي الدَّنا
پروتين
٢ تتصل قواعد الرَّنا الحرة بقواعد الدَّنا المكشوفة على سلسلة واحدة فقط، مشكِّلة بذلك سلسلة من الرَّنا الرسول
قواعد رنا حرة
٣ ينفصل الرَّنا الرسول المشكَّل حديثا عن الدَّنا ويتحرك مبتعدا نحو الجُسيمات الريبية
٤ يختار احد جزيئات الرَّنا الناقل حمضا امينيا ويأتي به الى الجُسيم الريبي
الرَّنا الناقل
الجسيمات الريبية
٥ فيما يتحرك الجُسيم الريبي على طول الرَّنا الرسول، تتألف سلسلة من الحوامض الامينية
حوامض امينية
٦ فيما تتكوَّن السلسلة الپروتينية، تبدأ بالالتفاف حتى تتَّخذ الشكل اللازم لإنجاز وظيفتها كما ينبغي. بعد ذلك، يُطلق الجسيم الريبي هذه السلسلة
للرَّنا الرسول طرفان مهمان:
واحد يفهم شفرة الرَّنا الرسول
الآخر يحمل الحمض الاميني الصحيح
الرَّنا الناقل
قواعد الرَّنا تستعمل الـ ي عوض الـ ت، اذًا الـ ي تتحد بالـ أ
أ ي يوراسيل
ي أ أدنين
-
-
ماذا وراء لغز الحياة؟استيقظ! ١٩٩٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
ماذا وراء لغز الحياة؟
يقوم جُزَيء الدَّنا DNA بأمور مذهلة. فهو يلعب كلا الدورين اللذين تتطلبهما الخلايا من المواد الوراثية. اولا، يُستنسخ الدَّنا بدقة متناهية بحيث تنتقل المعلومات من خلية الى خلية. ثانيا، يخبر التسلسل في الدَّنا الخلية اي پروتين ينبغي صنعه، محدِّدا بذلك ماذا ستصبح عليه الخلية والوظيفة التي ستقوم بها. لكنَّ الدَّنا لا يقوم بهذه العمليات دون مساعدة. فهنالك پروتينات كثيرة متخصِّصة لها علاقة بالامر.
لا يستطيع الدَّنا وحده ان يخلق الحياة. فهو يحتوي على كل المعلومات اللازمة لصنع كل الپروتينات التي تحتاج اليها الخلية الحية، بما فيها الپروتينات التي تنسخ الدَّنا لانتاج الجيل التالي من الخلايا والپروتينات التي تساعد الدَّنا على صنع پروتينات جديدة. لكنَّ كمية المعلومات الهائلة المخزَّنة في مورِّثات الدَّنا عديمة الجدوى دون الرَّنا RNA والپروتينات المتخصِّصة، التي تشمل الجسيمات الريبية، اللازمة من اجل «قراءة» واستخدام هذه المعلومات.
وبشكل مماثل، لا تستطيع الپروتينات وحدها ان تنتج الحياة. فالپروتين المنعزل لا يستطيع ان ينتج المورِّثة التي تملك الشفرة لصنع المزيد من ذلك الپروتين عينه.
اذًا، ماذا اظهر كشف النقاب عن لغز الحياة؟ يزوِّد علم الوراثة وعلم الاحياء الجزيئي الحديثان برهانا كافيا على العلاقات الشديدة التعقيد والتي يعتمد بعضها على بعض بين الدَّنا، الرَّنا، والپروتين. وتدل هذه الاكتشافات ضمنيا ان الحياة تعتمد على وجود كل هذه العناصر في آن واحد. وعلى هذا الاساس لا يمكن ان تنشأ الحياة صدفة.
والتفسير المعقول الوحيد هو ان خالقا فائق الذكاء وضع المعلومات في الدَّنا ضمن شفرة وصنع في الوقت نفسه الپروتينات بشكلها المكتمل. وابتكر التفاعل في ما بينها بشكل رائع، بحيث تضمن هذه العملية حالما تبدأ استمرار قيام الپروتينات بنسخ الدَّنا لصنع المزيد من المورِّثات، فيما تفك پروتينات اخرى رموز الشفرة لتصنع المزيد من الپروتينات.
فمن الواضح ان مَن ابدأ دورة الحياة الرائعة هو المصمِّم البارع، يهوه اللّٰه.
مصنوعون بطريقة رائعة
رغم ان الكتاب المقدس ليس كتابا علميا، فهو يلقي بعض الاضواء على دور الخالق، مصمِّم شفرة الحياة. فمنذ نحو ثلاثة آلاف سنة خلت، قال ملك اسرائيل داود، الذي لم يكن يعرف شيئا عن التقدم الذي يحصل اليوم في الابحاث الوراثية، موجها كلامه الى خالقه بأسلوب شعري: «انت اقتنيت كليتيَّ. نسجتني في بطن امي. احمدك من اجل اني قد امتزت عجبا. عجيبة هي اعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا. لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنعتُ في الخفاء ورُقِمتُ في اعماق الارض». — مزمور ١٣٩:١٣-١٥.
لذلك انظروا مجددا الى نفسكم بتمعن في المرآة. لاحظوا لون عينيكم، بنية شعركم، لون بشرتكم، وشكل جسمكم. فكروا كيف ورثتم هذه الميزات من الاجيال التي مضت وكيف انها تنتقل الى ذريتكم. والآن، فكروا في الذي نظَّم هذه الآليَّة الرائعة. فقد يدفعكم ذلك الى ترديد الكلمات التي كتبها الرسول يوحنا: «انت مستحق، يا يهوه الهنا، ان تنال المجد والكرامة والقدرة، لأنك خلقت كل الاشياء، وهي بمشيئتك وُجدت وخُلقت». — كشف ٤:١١.
[الاطار/الصور في الصفحة ١٠]
صدفة عمياء؟
تؤكد نتائج الابحاث الحديثة التي قام بها عالمان بريطانيان ان الشفرة الوراثية ليست وليدة صدفة عشوائية. تذكر مجلة العالِم الجديد (بالانكليزية): «اظهرت ابحاثهما ان [الشفرة الوراثية] هي الافضل بين نحو بليون بليون الشفرات المحتملة». فمن ١٠٢٠ (١ يتبعه ٢٠ صفرا) من الشفرات الوراثية المحتملة، اختيرت واحدة فقط في التاريخ الباكر للحياة. ولماذا هذه الشفرة بالذات؟ لأنها تقلِّل الى الحد الادنى الاخطاء الناجمة عن عملية انتاج الپروتين وعن الطفرات الوراثية. وبكلمات اخرى، تضمن هذه الشفرة الخصوصية ان تُتبع القوانين الوراثية بدقة. ورغم ان البعض يعزو اختيار هذه الشفرة الوراثية الى «ضغوط قوية تساهم في الانتقاء»، فقد استنتج الباحثان انه «من المستبعد جدا ان تكون هذه الشفرة الفعالة وليدة الصدفة».
-