مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • المانيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٩
    • فجأة —‏ سقط جدار برلين!‏

      ذهل العالم بفجائية هذا الحدث!‏ فقد شاهده الناس حول العالم على شاشات التلفزيون،‏ وضج الآلاف في برلين احتفالا به.‏ لقد أُزيل الحاجز بين الشرق والغرب!‏ وكان ذلك في ٩ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩.‏

      قبل هذا التاريخ بأكثر من ٢٥ سنة،‏ فوجئ سكان برلين في ساعات الصباح الاولى يوم ١٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦١،‏ عندما اكتشفوا ان الرسميين في برلين الشرقية يبنون جدارا يفصل القطاع الذي يسيطر عليه الشيوعيون عن باقي المدينة.‏ فكانت برلين تُقسم فعليا الى شرقية وغربية،‏ عاكسة بالتالي الحالة بين المانيا الشرقية والغربية.‏ وربما كان جدار برلين الرمز الاكثر مأساوية الى الصراع بين القوتين العظميين خلال الحرب الباردة.‏

      ثم في ١٢ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٨٧،‏ قبل اكثر من سنتين فقط من الحوادث المدهشة التي حصلت سنة ١٩٨٩،‏ طلب الرئيس الاميركي رونالد ريڠن،‏ وهو يلقي خطابا على مقربة من بوابة براندنبورڠ وجدار برلين خلفه:‏ «يا سيد ڠورباتشوڤ،‏ افتح هذه البوابة.‏ يا سيد ڠورباتشوڤ،‏ اهدم هذا الجدار».‏ ولكن هل كانت هنالك اية اشارة الى ان طلبه هذا سيُستجاب؟‏ وهل كان هذا سيتعدى اللغو الذي شاع خلال الحرب الباردة؟‏ بدا ذلك مستبعدا.‏ ففي اوائل سنة ١٩٨٩،‏ قال إريك هونيكر،‏ رئيس نظام الحكم في المانيا الشرقية،‏ وكأنه يردّ على ما قاله الرئيس الاميركي،‏ ان الجدار «سيبقى بعدُ ٥٠ وأيضا ١٠٠ سنة».‏

      لكن فجأة،‏ فُتحت بوابة براندنبورڠ وسقط جدار برلين.‏ يتذكر عضو من عائلة بيت ايل في زلترس انه حضر اجتماعا للجماعة مساء الخميس في ٩ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩،‏ وبعد عودته الى البيت ادار جهاز التلفزيون ليشاهد نشرة الاخبار المسائية.‏ وكم كانت دهشته كبيرة فيما تتبَّع التقارير عن فتح الحدود بين برلين الشرقية والغربية.‏ فقد كان سكان برلين الشرقية يدخلون برلين الغربية بحرية لأول مرة بعد ٢٧ سنة!‏ ولم يصدِّق ما رأته عيناه من سيارات تعبر الحدود مطلقةً ابواقها احتفالا بالحدث فيما اتَّجه المزيد والمزيد من سكان برلين الغربية،‏ الذين استيقظ بعضهم من النوم،‏ الى الحدود ليصطفّوا على طول الطريق ويعانقوا زوَّارهم غير المتوقَّعين.‏ وكم انهمرت دموع الفرح!‏ فقد سقط الجدار —‏ حرفيا بين ليلة وضحاها!‏

      خلال الـ‍ ٢٤ ساعة التالية،‏ بقي الناس حول العالم مسمَّرين امام اجهزة التلفزيون.‏ فقد كان التاريخ يُكتب في تلك اللحظات عينها.‏ فماذا كان ذلك سيعني لشهود يهوه في المانيا،‏ وللشهود في كل العالم؟‏

      سيارة من طراز ترابي تأتي لزيارتنا

      صباح يوم السبت التالي وقبيل الساعة الثامنة،‏ التقى احد الاخوة من عائلة بيت ايل وهو في طريقه الى عمله في زلترس عضوا رفيقا في العائلة،‏ وهو كارلهاينس هارتكوپف،‏ الذي يخدم الآن في هنڠاريا.‏ فقال الاول بحماسة:‏ «انا متأكد انه قبل مضي وقت طويل سنرى هنا في زلترس اول الاخوة الآتين من المانيا الشرقية!‏».‏ فأجاب الاخ هارتكوپف بطريقته الهادئة والواقعية المعهودة:‏ «انهم هنا».‏ ففي الواقع،‏ كان اخوان قد وصلا في الصباح الباكر في سيارتهما التي من طراز ترابي ذات المحرِّك الثنائي الشوط التي تصنِّعها المانيا الشرقية وقد اوقفا السيارة خارج بوابة بيت ايل بانتظار ان يبدأ يوم العمل.‏

      وسرعان ما انتشر خبر ذلك في كل بيت ايل.‏ لكن قبل ان يتسنّى للجميع ان يروا ويحيّوا هذين الزائرين غير المتوقَّعين انما المرحَّب بهما،‏ كانا في طريق العودة الى المانيا الشرقية وسيارتهما محمَّلة بالمطبوعات.‏ فمع ان المطبوعات كانت لا تزال محظورة رسميا هناك،‏ كما كان عمل شهود يهوه،‏ فإن اثارة تلك الفترة جدَّدت شجاعتهما.‏ وقد اوضحا:‏ «يجب ان نعود قبل الاجتماع غدا صباحا».‏ وتخيَّلوا فرح الجماعة عندما وصل هذان الاخوان ومعهما صناديق كرتونية ملآنة بالمطبوعات التي كانت لزمن طويل تصل بكميات ضئيلة!‏

      خلال الاسابيع القليلة التالية،‏ تدفق آلاف الالمان الشرقيين عبر الحدود على المانيا الغربية،‏ وكثيرون منهم لأول مرة في حياتهم.‏ وبدا واضحا انهم كانوا يتمتعون بحرية التنقل التي حُرموا منها لفترة طويلة.‏ وعند الحدود كان الالمان الغربيون يرحبون بهم ملوِّحين لهم بأيديهم.‏ وشهود يهوه ايضا كانوا بين جماهير المحيِّين،‏ لكنهم كانوا يحملون ما هو اهمّ من مجرد تعابير خارجية عن المشاعر.‏ لقد كانوا يوزِّعون مطبوعات الكتاب المقدس بحرية لهؤلاء الزوار من المانيا الشرقية.‏

      وفي بعض المدن الحدودية،‏ بذلت الجماعات جهودا خصوصية للوصول الى الزائرين من المانيا الشرقية.‏ وبما ان مطبوعات شهود يهوه كانت محظرة لعقود،‏ كان كثيرون يعرفون القليل او لا شيء عنها.‏ وبدلا من نشاط الخدمة من باب الى باب،‏ صارت الخدمة «من ترابي الى ترابي» شائعة.‏ وكان الناس توّاقين الى معرفة كل شيء جديد بما في ذلك الدين.‏ وأحيانا كان الناشرون يكتفون بالقول:‏ «انتم على الارجح لم تقرأوا هاتين المجلتين،‏ لأنهما كانتا محظورتَين في بلدكم لحوالي ٤٠ سنة».‏ فكان الجواب في اغلب الاوقات:‏ «اذا كانتا محظورتَين،‏ فلا بد انهما جيدتان.‏ اريد ان احصل عليهما».‏ وثمة ناشران في مدينة هوف الحدودية وزع كل منهما ٠٠٠‏,١ مجلة في الشهر.‏ ولا حاجة الى القول ان الجماعة المحلية والجماعات المجاورة لم يعد لديها مخزون فائض من المجلات.‏

      في غضون ذلك،‏ كان الاخوة في المانيا الشرقية يتمتعون بحريتهم الجديدة،‏ مع انهم كانوا يتصرفون بحذر في البداية.‏ يتذكر ڤِلفريت شروتر،‏ الذي تعلَّم الحق تحت الحظر سنة ١٩٧٢:‏ «خلال الايام القليلة الاولى التي تلت سقوط الجدار،‏ كان من الطبيعي ان نشعر ببعض الخوف من ان تنعكس الحالة فجأة».‏ ولكن بعد اقل من شهرين حضر الاخ محفلا في قاعة برلين للمحافل.‏ وقال لاحقا عن هذا المحفل:‏ «لقد غمرني الفرح لتمكُّني من معاشرة اخوة كثيرين.‏ واغرورقت عيناي بالدمع عندما رنَّمنا ترانيم الملكوت،‏ وهذا ما حدث مع كثيرين آخرين.‏ لقد كانت فرحتنا في حضور ‹محفل حي› عارمة».‏

      وعبَّر مانفرِت تامه عن تقدير مماثل.‏ فخلال الحظر كان يحضر الاجتماعات عدد قليل ولم يكن لأجهزة الصوت لزوم.‏ أما الآن فيقول:‏ «بعد ان خدمت كفاتح خصوصي لأكثر من ٣٠ سنة،‏ تكلمت لأول مرة في حياتي عبر الميكروفون.‏ ولا ازال اتذكر كم خفت عندما سمعت صوتي عبر مكبِّرات الصوت».‏ ولكنه يتابع:‏ «كان رائعا ان نكون فجأة جالسين مع الجماعة بكاملها في قاعة مستأجَرة».‏

      كان من المفرح سماع تعابير اخرى،‏ كالتي سمعها مانفرِت بعد بضعة اشهر.‏ يخبر:‏ «في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠،‏ قصدت الحمام البخاري من اجل معالجة طبية.‏ والتقيت هناك بعميل رسمي سابق للشرطة الوطنية.‏ فقال خلال حديث ودّي:‏ ‹مانفرِت،‏ انا ادرك الآن اننا كنا نحارب الناس الذين لا يلزم ان نحاربهم›».‏

      وفرة من الطعام الروحي!‏

      ‏«لا يحيَ الانسان بالخبز وحده،‏ بل بكل قول يخرج من فم يهوه».‏ وشهود يهوه اينما كانوا يعرفون جيدا هذه الحقيقة الاساسية التي اقتبسها يسوع المسيح من الاسفار العبرانية الموحى بها.‏ (‏متى ٤:‏٤؛‏ تثنية ٨:‏٣‏)‏ وبالمساعدة الحبية التي قدَّمها معشر الاخوة حول العالم كان الشهود في المانيا الشرقية،‏ حتى خلال سنوات الحظر،‏ يتسلَّمون الطعام الروحي انما بكميات محدودة.‏ وكم كانوا توّاقين ان يتمتعوا بوفرة من الطعام الروحي كإخوتهم في بلدان اخرى!‏

      حالما سقط جدار برلين،‏ ابتدأ افراد من الشهود يأخذون معهم كميات من المطبوعات الى الجهة الشرقية.‏ ولكن بعد نحو اربعة اشهر،‏ في ١٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٠،‏ نال شهود يهوه في جمهورية المانيا الديموقراطية الاعتراف الرسمي.‏ لذلك صار بإمكان الجمعية ان ترسل شحنات مباشرة.‏ وفي ٣٠ آذار (‏مارس)‏ انطلقت شاحنة محمَّلة ٢٥ طنا من الطعام الروحي من المجمَّع في زلترس وتوجهت شرقا.‏ وفي ما بعد ذكر كتاب دائرة المعارف البريطانية للسنة ١٩٩١ (‏بالانكليزية)‏:‏ ‏«خلال شهرين فقط،‏ شحن مكتب فرع جمعية برج المراقبة في المانيا الغربية ٢٧٥ طنا من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ بما فيها ٠٠٠‏,١١٥ كتاب مقدس،‏ الى المانيا الشرقية وحدها».‏

      في ذلك الوقت تقريبا،‏ كتب اخ من لَيْپتزيڠ لأحد الرفقاء الشهود في المانيا الغربية:‏ «منذ اسبوع كنا لا نزال نجلب الطعام الروحي سرّا وبكميات قليلة؛‏ لكن قريبا سنفرغ شاحنة تحمل اربعة اطنان من هذا الطعام!‏».‏

      يتذكر هاينز ڠورلاخ من كمنتز:‏ «وصلت الشحنة الاولى للمطبوعات بسرعة كبيرة حتى اننا لم نكن مستعدين لها.‏ وبعد وصول هذه الشحنة،‏ كان صعبا عليّ ان اصل الى سريري اذ كانت غرفة نومي ملآنة بالصناديق الكرتونية.‏ شعرت وكأنني انام في مخبإ للكنوز».‏

      ذاق الاخوة في زلترس،‏ ولو قليلا،‏ ما عناه الوضع الجديد لمَن حُرموا لفترة طويلة مما كان الشهود في الحرية معتادينه.‏ يذكر ناظر في المطبعة:‏ «ثمة اخ مسنّ يرتدي ثيابا متواضعة وقف يراقب عمل احدى آلات الطباعة.‏ وكان الفريق الذي اتى معه قد مضى متابعا الجولة،‏ لكنه بقي في مكانه مستغرقا في التفكير يراقب المجلات وهي تتدفق من المطبعة بأقصى سرعة.‏ فتقدم من احد الاخوة والدموع تملأ عينيه،‏ وقد بدت عليه امارات التأثر الشديد.‏ ثم حاول قول شيء بلغته الالمانية الضعيفة،‏ لكنَّ الكلمات اختنقت في حلقه.‏ غير اننا فهمنا معنى ابتسامته حين أخرج بضع اوراق من جيب سترته الداخلي،‏ اعطانا اياها،‏ ومضى مسرعا.‏ وماذا اعطانا؟‏ عددا من برج المراقبة بالروسية يكاد لا يكون مقروءا،‏ منسوخا على اوراق دفتر مدرسي.‏ وكم استغرق نسخ هذا العدد من المجلة؟‏ لا يمكننا ان نعرف.‏ ولكن لا شك انه استغرق اكثر بكثير من اللحظة التي يستغرقها انتاج مجلة بواسطة المطبعة».‏

      لم يعد الشهود مضطرين في كل فريق درس ان يتدبروا امرهم بنسخ قليلة من المجلات المطبوعة بأحرف صغيرة او المنسوخة بخط اليد،‏ والتي كانوا يحتفظون بها لبضعة ايام فقط.‏ فكل شخص الآن صارت لديه نسخته بالصور والالوان،‏ اضافة الى نسخ اضافية لاستعمالها في خدمة الحقل.‏

      القيام بتعديلات للعبادة علنا

      كان للمزيد من الحرية تحدياتها.‏ فالكرازة في ظل الحظر الحكومي تطلبت الشجاعة.‏ وقد علَّمت ايضا الذين قاموا بها ان يتَّكلوا كاملا على يهوه.‏ ولكن بعد رفع الحظر،‏ قال رالف شڤارتس،‏ وهو شيخ مسيحي في مدينة ليمباخ-‏اوبرفرونا:‏ «يجب ان نحترز اكثر لئلا نتلهى بالمادية وهموم الحياة».‏ فبعد ان توحَّدت المانيا الشرقية والجمهورية الفدرالية في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٠ ارتفعت الايجارات.‏ ولذلك انتقلت،‏ في بعض الحالات،‏ عائلات للشهود في الجزء الشرقي الى بيوت اكثر تواضعا كي يتمكنوا من دفع ايجارات بيوتهم دون ان يضطروا الى العمل وقتا اضافيا ويفوِّتوا الاجتماعات.‏ —‏ متى ٦:‏٢٢،‏ ٢٤‏.‏

      حتى خلال السنوات الصعبة التي قضاها الاخوة تحت الحكم الشيوعي،‏ استمروا في الاشتراك في خدمة الحقل.‏ حتى انهم كانوا يذهبون من بيت الى بيت،‏ ولكن بحذر،‏ اذ كانوا يزورون بيتا واحدا في وحدة سكنية ثم يزورون بيتا آخر في وحدة سكنية اخرى.‏ والبعض كانوا يقومون بذلك حتى عندما كان خطر السجن في ذروته.‏ اوضح مارتن يان،‏ الذي كان بعمر ١١ سنة فقط عندما فُرض الحظر،‏ بعض التغييرات التي صاروا يواجهونها الآن:‏ «كان يجب اعادة تقسيم كل المقاطعات بحيث يتمكن الناشرون من زيارة كل البيوت في الوحدات السكنية.‏ فقد كنا معتادين النمط القديم لزيارة بيوت معينة او طوابق معينة.‏ وكانت هذه الطريقة متبعة لفترة طويلة جدا بحيث كان علينا ان نتعامل بصبر مع الذين استصعبوا التغيير.‏ وتوزيع المطبوعات بدل اعارتها كان امرا جديدا بالنسبة الى الناشرين والمهتمين على السواء.‏ وبما اننا كنا معتادين اعارة المطبوعات،‏ كان الناشرون يعودون من خدمة الحقل بمطبوعات في حقائبهم اكثر مما كان في حوزتهم حين انطلقوا!‏».‏

      وتغيرت مواقف الناس ايضا.‏ فخلال سنوات الحظر،‏ كان كثيرون يعتبرون شهود يهوه ابطالا لأنهم يتحلّون بالشجاعة للثبات في اقتناعاتهم،‏ مما جعلهم موضع احترام.‏ وعندما ازدادت الحرية،‏ صار الناس يستقبلون الشهود بحماسة.‏ لكنَّ الاحوال تغيَّرت في غضون عدة سنوات.‏ فصار الناس منهمكين في نمط الحياة السائد في ظل الاقتصاد الحر؛‏ وابتدأ البعض يعتبرون زيارات الشهود معكِّرة لسلامهم وهدوئهم،‏ حتى ان البعض اعتبروها مزعجة.‏

      تطلبت الشهادة تحت الحظر شجاعة.‏ والتكيُّف مع الوضع الجديد تطلَّب تصميما مماثلا.‏ وفي الواقع،‏ يوافق شهود كثيرون على ما ذكره ناظر في احد بلدان اوروپا الغربية حيث كان العمل محظورا لفترة طويلة،‏ فقد قال:‏ «العمل تحت الحظر اسهل من العمل في الحرية».‏

      المقاومة تفشل في الإبطاء بالعمل

      مع ان عمل الكرازة بالبشارة في المانيا الشرقية ابتدأ بحماسة متجدِّدة،‏ لم يكترث رجال دين العالم المسيحي كثيرا لذلك في البداية.‏ ولكن عندما بدا واضحا ان الناس كانوا يستمعون حقا الى شهود يهوه،‏ ازداد قلق رجال الدين.‏ واستنادا الى صحيفة دويتشس ألڠماينس سونتاڠسبلات (‏بالالمانية)‏،‏ ادَّعى خادم ديني من درسدِن اعتبر نفسه خبيرا بالاديان:‏ «شهود يهوه هم كالحزب الشيوعي».‏ فبدل ان يدَّعي رجال الدين ان الشهود جواسيس اميركيون معارضون للشيوعية،‏ كما زعموا خلال خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كانوا الآن يحاولون الربط بينهم وبين الشيوعيين.‏ طبعا،‏ ان الناس الذين يعرفون ان الحكومة الشيوعية حظرت الشهود مدة ٤٠ سنة ادركوا ان ما كان يُقال هو تشويه جسيم للحقائق.‏

      وماذا كان الهدف؟‏ لقد امل رجال الدين ان يُحظر شهود يهوه من جديد،‏ تماما كما حُظروا خلال العهد النازي وأيضا في ظل الحكم الشيوعي.‏ ومع ان العناصر الدينية التي دعمها المرتدون جاهدت لمنع شهود يهوه من التمتع بحرياتهم التي ينص عليها الدستور،‏ انتهز الشهود كل فرصة لتقديم الشهادة،‏ كما امر يسوع المسيح.‏ —‏ مرقس ١٣:‏١٠‏.‏

      بعض الذين اعتنقوا الحق

      بين الذين تجاوبوا مع رسالة الملكوت،‏ كان اشخاص على علاقة وثيقة بالنظام القديم.‏ فطوال ٣٨ سنة،‏ عمل إيڠون كشرطي في المانيا الشرقية.‏ وحين ابتدأت زوجته بالدرس مع شهود يهوه،‏ لم يعجبه ذلك اطلاقا.‏ لكنه تأثر بسلوكهم الودود،‏ المهذب،‏ والمتسم بالمحبة.‏ وأُعجب ايضا بمقالات استيقظ!‏ التي غالبا ما كانوا يجلبونها الى بيته،‏ والتي وجدها في حينها.‏ وفي يوم من الايام حضر يوم المحفل الخصوصي مع زوجته.‏ وصُدم اذ وجد نفسه وجها لوجه امام اخ كان قد اعتقله ذات مرة.‏ ويمكنكم ان تتصوروا مدى الارتباك،‏ وبالاحرى الذنب،‏ الذي شعر به.‏ لكن بغض النظر عن الماضي،‏ نمت صداقة بين الرجلين.‏ والآن،‏ فإن إيڠون وزوجته هما شاهدان معتمدان.‏

      كان ڠونتر،‏ طوال ١٩ سنة،‏ عضوا في جهاز امن الدولة،‏ وقد رُقِّي الى رتبة رائد.‏ ولكن عندما سقط النظام الذي عمل لأجله طوال هذا الوقت شعر بالمرارة وخيبة الامل.‏ ثم التقى الشهود لأول مرة سنة ١٩٩١.‏ وتأثر بسلوكهم وبالتفهم الذي اظهروه له ولمشاكله.‏ فابتُدئ بدرس في الكتاب المقدس؛‏ ومع انه كان ملحدا،‏ اقتنع في النهاية بأن اللّٰه موجود فعلا.‏ وعام ١٩٩٣ كان مستعدا للمعمودية.‏ وهو اليوم سعيد بالعمل لدعم ملكوت اللّٰه.‏

      وثمة رجل آخر لم يكن يؤمن باللّٰه،‏ وكان مقتنعا تماما بأن الشيوعية هي امل البشرية الوحيد.‏ ولم يتردد هذا الرجل في الدخول خلسة الى هيئة يهوه ليتمكن من نقل المعلومات عن نشاطها الى جهاز امن الدولة.‏ وبعد ان «اعتمد» سنة ١٩٧٨ عاش حياة خداع مدة عشر سنوات.‏ ولكنه يعترف الآن:‏ «ان سلوك شهود يهوه،‏ الذي لمسته لمس اليد،‏ ودرسي لكتابَي الخلق و الرؤيا اقنعاني بأن الكثير مما كان الاعداء يقولونه عن الشهود عارٍ عن الصحة.‏ فالدلائل على وجود خالق لا يمكن دحضها».‏ وقُبيل سقوط جدار برلين،‏ وجد نفسه امام خيار صعب:‏ فإما ان يجد عذرا لينسحب من بين شعب يهوه ويستمر في دعم نظام لم يعد يؤمن به،‏ او يعترف بكونه خائنا ثم يسعى بجهد ليكون خادما حقيقيا ليهوه.‏ فاختار الخيار الثاني.‏ وقد تبع توبته الاصيلة درس في الكتاب المقدس،‏ ومعمودية مرة ثانية،‏ مؤسسة هذه المرة على المعرفة الدقيقة والانتذار الاصيل.‏

      صار الآن بإمكانهم الإخبار

      بعد رفع الحظر،‏ تمكَّن الاخوة من المانيا الشرقية ان يتكلموا بأكثر حرية عن اختباراتهم تحت الحكم الشيوعي.‏ فخلال حفل تدشين مبنى اداري لشهود يهوه في برلين،‏ في السابع من كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٦،‏ قام عدد من الشيوخ الذين لعبوا دورا حيويا في ابقاء الرعية في المانيا الشرقية في حالة روحية جيدة باستعادة ذكريات الماضي.‏

      تذكَّر ڤولفڠانڠ مايزه،‏ وهو شاهد طوال ٥٠ سنة،‏ ما حدث في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٥١ حين كان في العشرين من عمره.‏ ففي محاكمة صورية أُحيطت بضجة اعلامية،‏ حُكم عليه بأربع سنوات سجن.‏ وفيما اقتيد مع عدد من الاخوة الآخرين المحكوم عليهم الى خارج قاعة المحكمة،‏ احاط بهم نحو ١٥٠ شاهدا كانوا حاضرين في المحاكمة،‏ وصافحوهم،‏ وابتدأوا يرنمون احدى ترانيم الملكوت.‏ فظهرت رؤوس من كل نوافذ المحكمة،‏ اذ اراد الناس معرفة ما يجري.‏ ولم تكن السلطات تريد ترك هذا الانطباع في اذهان العامة.‏ فوضع هذا حدًّا لهذه المحاكمات الصورية للشهود.‏

      وتذكَّر إيڠون رينك انه في اوائل الحظر،‏ كانت مقالات افرادية من برج المراقبة تُطبع على الآلة الكاتبة ويُنتج منها ست الى تسع نسخ كربونية.‏ يقول:‏ «كان هنالك اخ من برلين الغربية،‏ وهو سائق شاحنة يعمل بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية،‏ وقد وضع نفسه تحت تصرفنا لنتمكن من تزويد الطعام الروحي للجماعات.‏ كان ‹الطعام› يُنقل بسرعة —‏ في غضون ثلاث الى اربع ثوانٍ —‏ ومعه كانت تُنقل دُميتان كبيرتان متطابقتا الحجم على شكل دبّ بين شاحنة وأخرى.‏ وفور وصول الاخوة الى بيوتهم،‏ كان يجري ‹افراغ› جوف الدبَّين لاكتشاف الرسائل المهمة والمعلومات بشأن اللقاء التالي».‏ —‏ قارنوا حزقيال ٣:‏٣‏.‏

      ورُويت اختبارات عن الشجاعة التي اظهرها سعاة البريد الذين كانوا يهرِّبون المطبوعات من برلين الغربية الى الشرقية قبل تشييد الجدار.‏ وكان الاخوة يعون انهم قد لا يتمكنون في ما بعد من الذهاب الى برلين الغربية.‏ فدُعي عدد من الاخوة الالمان الشرقيين الى اجتماع في ٢٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٠ لمناقشة احتمال حدوث ذلك.‏ وقال الاخ مايزه:‏ «لا شك ان هذا كان بتوجيه من يهوه،‏ لأنه في ١٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦١،‏ حين شُيِّد الجدار على حين غفلة،‏ كانت هيئتنا مستعدة».‏

      وروى هرمان لاوب انه سمع الحق لأول مرة حين كان اسير حرب في اسكتلندا.‏ وبعدما عاد الى موطنه،‏ المانيا الشرقية،‏ ادرك الحاجة الى تزويد الاخوة بالطعام الروحي قدر ما امكن حين فُرض الحظر.‏ فقام الاخوة بالطباعة بأنفسهم مستعملين مطبعة رديئة النوعية لم يتمكنوا من الحصول على افضل منها.‏ وعندما تذكر الاخ لاوب اليوم الذي قيل له ان مخزون الورق لا يكفي لأكثر من ثلاثة اعداد اضافية من المجلات،‏ قال:‏ «حتى افضل المطابع لا تنفع شيئا دون ورق!‏».‏ فماذا كانوا سيفعلون؟‏

      تابع الاخ لاوب:‏ «بعد بضعة ايام،‏ سمعنا طرقا على مزاريب البيت.‏ فقد كان اخا من باوتسن،‏ قال:‏ ‹انتم تطبعون.‏ وهنالك عدد من لفائف ورق الجرائد في مرمى النفايات في باوتسن،‏ وهي من مخلَّفات مطبعة الصحف،‏ وهم يخططون لطمرها.‏ فهل تحتاجون اليها؟‏›».‏

      لم يضيِّع الاخوة الوقت.‏ «في تلك الليلة نفسها،‏ جمعنا عددا من الاخوة وذهبنا الى باوتسن.‏ لم تكن هذه مجرد لفائف قليلة من الورق،‏ بل نحو طنين من الورق!‏ ويصعب التصديق اننا تمكنَّا من نقل كل الورق في سياراتنا المتداعية في وقت قصير.‏ فصار عندنا مخزون كافٍ من الورق،‏ ساعدنا على الاستمرار في الطباعة الى ان رتَّبت الجمعية لتزويدنا بمطبوعات على ورق رقيق،‏ وبخط صغير».‏

      وفي تلك الظروف،‏ كان لا بد من توخي الحذر الشديد لعدم كشف هوية الافراد في الرعية.‏ يتذكر رولف هينترماير:‏ «في احد الايام،‏ بعد ان كنت قد التقيت الاخوة،‏ قُبض عليّ وجرى اقتيادي الى احد الابنية من اجل الاستجواب.‏ كان في حوزتي عدد من الاوراق التي تحتوي على عناوين ومعلومات اخرى.‏ وفور وصولنا الى البناء،‏ لزم ان نصعد سلَّما لولبيا،‏ مما أتاح لي فرصة ابتلاع الاوراق.‏ لكنَّ عددها كان كثيرا جدا،‏ فتطلَّب ابتلاعها وقتا.‏ فتنبَّه الرسميون في اعلى السلَّم لما كنت افعله،‏ وأمسكوني بعنقي.‏ فوضعت انا ايضا يديّ على عنقي وقلت:‏ ‹لقد ابتلعتها›.‏ وعندئذ تركوني،‏ مما سمح لي بأن انتهي حقا من ابتلاعها،‏ اذ قد صغرت وترطَّبت».‏

      اتى هورست شلويسنر الى الحق في اواسط الخمسينات حين كان الاضطهاد في اوجه؛‏ ولذلك كان يعرف ماذا يقول حين ذكر:‏ «من المؤكد ان يهوه اللّٰه بمحبة زود خدامه الحماية خلال السنوات الاربعين تقريبا التي دام فيها الحظر».‏

      احتفال نصر في برلين

      بعد مضي ذلك العهد من القمع الشيوعي،‏ شعر الاخوة بأنهم لا بد ان يحتفلوا.‏ فكانوا يتوقون الى التعبير ليهوه،‏ في اجتماع عام،‏ عن شكرهم على الفرصة التي أُتيحت لهم الآن ليخدموه بمزيد من الحرية.‏

      وحالما سقط جدار برلين في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩،‏ اعطت الهيئة الحاكمة ارشادات بشأن اعداد الخطط لعقد محفل اممي في برلين.‏ فأقيمت بسرعة هيئة للاعتناء بشؤون المحفل.‏ وكان مقرَّرا ان تجتمع هذه الهيئة مساء ١٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٠ لمناقشة ترتيبات المحفل.‏ ولا يزال هلموت مارتن يذكر حين طلب منه ديتريخ فورستر،‏ ناظر المحفل المعيَّن،‏ ان يعلن للاخوة المجتمعين انه في وقت ابكر من ذلك اليوم مُنح الاعتراف الرسمي لشهود يهوه في المانيا الشرقية.‏ نعم،‏ لقد رُفع الحظر رسميا!‏

      بما ان الترتيبات لعقد المحفل كانت تجري في وقت متأخر نسبيا،‏ لم يكن بالامكان الحصول على الملعب الاولمپي في احدى نهايات الاسابيع.‏ ولذلك حُدِّد موعد عقد المحفل من الثلاثاء الى الجمعة،‏ من ٢٤ الى ٢٧ تموز (‏يوليو)‏.‏ وعندما حان الوقت لتسلُّم الملعب،‏ لم يكن لدى الاخوة سوى يوم واحد ليهيِّئوا التسهيلات للمحفل،‏ ومجرد ساعات قليلة ليزيلوا كل التجهيزات بعد المحفل.‏

      ولذلك،‏ يوم الاثنين في ٢٣ تموز (‏يوليو)‏،‏ كان مئات المتطوعين حاضرين في الملعب قبل الساعة الخامسة صباحا.‏ ويتذكر ڠريڠور رايخارت،‏ وهو عضو في عائلة بيت ايل في زلترس،‏ ان «الاخوة الذين اتوا من المانيا الشرقية انكبوا على العمل بحماسة،‏ وكأنهم قد اعتادوا القيام بعمل كهذا لسنوات».‏ وذكر لاحقا احد الرسميين في الملعب انه مسرور لأن «الملعب نُظِّف لأول مرة تنظيفا شاملا».‏

      سافر نحو ٥٠٠‏,٩ الماني شرقي الى المحفل على متن ١٣ قطارا مستأجرا.‏ وأتى آخرون على متن ٢٠٠ باص مستأجر.‏ ويخبر احد الشيوخ انه حين كان يصنع الترتيبات لاستئجار احد القطارات،‏ قال لموظف في السكك الحديدية انه يجري التخطيط لاستئجار ثلاثة قطارات من منطقة درسدِن وحدها.‏ فجحظت عينا الموظف وسأله:‏ «هل هنالك حقا هذا العدد الكبير من شهود يهوه في المانيا الشرقية؟‏!‏».‏

      بالنسبة الى مَن سافروا على متن القطارات المستأجرة،‏ بدأ المحفل قبل بلوغهم برلين.‏ يتذكر هارالت پيسلر،‏ شيخ من ليمباخ-‏اوبرفرونا:‏ «التقينا في محطة القطارات في كمنتز لنستقل القطار المخصص لنا.‏ وكانت الرحلة الى برلين لا تُنسى.‏ فبعد سنوات الحظر الطويلة،‏ التي تابعنا خلالها عملنا سرا في فرق صغيرة،‏ تمكَّنا فجأة من رؤية عدد كبير جدا من الاخوة في وقت واحد.‏ وخلال كامل الرحلة،‏ كنا نعاشر واحدنا الآخر في مختلف عربات القطار،‏ ونتكلم مع الاخوة الذين لم نرَهم لسنوات،‏ لا بل لعقود.‏ لا يمكن للكلمات ان تعبِّر عن فرحة اللقاء!‏ فكل واحد منا كان قد كبر في السن لكننا كلنا قد احتملنا بأمانة.‏ جرى استقبالنا في المحطة في برلين-‏ليختنبرڠ،‏ وأرشدتنا مكبِّرات الصوت الى مختلف نقاط التجمع حيث كان اخوتنا في برلين ينتظروننا ومعهم لافتات كبيرة.‏ فيا له من اختبار جديد كليا —‏ لم نعد متخفين بعد الآن!‏ فقد لمسنا لمس اليد ما كنا نقرأ او نسمع عنه فقط في الماضي:‏ اننا حقا معشر اخوة عالمي كبير!‏».‏

      وبالنسبة الى شهود كثيرين،‏ كان هذا اول محفل لهم على الاطلاق.‏ يتذكر ڤِلفريت شروتر:‏ «لقد غمرنا الفرح حين تسلمنا الدعوة الى الحضور».‏ ويمكننا ان نفهم شعوره.‏ فقد انتذر سنة ١٩٧٢،‏ حين كان العمل لا يزال محظورا.‏ ويتابع:‏ «قبل موعد المحفل بأسابيع كنا ننتظر بشوق غامر.‏ فأنا لم أرَ مثل ذلك قبلا،‏ ولا رآه اخوة عديدون آخرون.‏ فلم نكن نصدِّق اننا سنرى معشر اخوة عالميا مجتمعين معا في ملعب كبير».‏

      فلَكَم تمنى الاخوة الذين كانوا يعيشون في برلين الشرقية ان يذهبوا مسافة الكيلومترات القليلة لينضموا الى اخوتهم المجتمعين في المحافل في الجهة الاخرى من المدينة!‏ وها قد اتى الوقت الذي يمكنهم فيه القيام بذلك.‏

      كان عدد الحضور نحو ٠٠٠‏,٤٥ اتوا من ٦٤ بلدا.‏ وبينهم كان سبعة اعضاء من الهيئة الحاكمة.‏ فقد اتوا ليفرحوا مع اخوتهم المسيحيين الآتين من المانيا الشرقية في تلك المناسبة التاريخية.‏ ففي هذا الملعب نفسه كان ان الرايخ الثالث سعى الى استعمال الالعاب الاولمپية لسنة ١٩٣٦ ليذهل العالم بإنجازاته.‏ لكنَّ التصفيق الحاد الذي تردَّد صداه في هذه المرة في كل ارجاء الملعب عينه،‏ لم يكن احتفاءً بالرياضيين وتعبيرا عن الفخر الوطني.‏ فالجماهير المحتشدة في الملعب كانوا اعضاء في عائلة شعب يهوه الاممية الفرحة حقا،‏ وتصفيقهم كان تعبيرا عن الشكر ليهوه والتقدير لحقائق كلمته الثمينة.‏ وفي تلك المناسبة قدم ٠١٨‏,١ شخصا انفسهم لمعمودية الماء،‏ ومعظمهم كانوا قد تعلَّموا الحق تحت الحظر في المانيا الشرقية.‏

      ان الفريق الذي ربما تمكن اعضاؤه من فهم مشاعر الاخوة الالمان الشرقيين على نحو افضل كان الفريق المؤلف من نحو ٥٠٠‏,٤ مندوب حماسي من پولندا،‏ المجاورة لألمانيا الشرقية.‏ فقد عانوا هم ايضا الحظر لسنوات عديدة وحضروا مؤخرا اول محفل كبير لهم منذ سنوات طويلة.‏ كتب احد الشهود الپولنديين لاحقا:‏ «يقدِّر الاخوة الذين اتوا من پولندا كثيرا روح التضحية بالذات التي اعرب عنها جيرانهم في الغرب،‏ الذين زوَّدوهم مجانا بأماكن الاقامة،‏ الطعام،‏ والنقليات الى ومن مكان المحفل؛‏ ودون ذلك لما استطاع كثيرون منا المجيء».‏

      وحتى الاخوة من المانيا الغربية الذين كانوا معتادين المحافل في الحرية تأثروا جدا.‏ علَّق كلاوس فايڠه،‏ من عائلة بيت ايل في زلترس قائلا:‏ «لقد ابتهج قلبنا برؤية عدد من اخوتنا الاكبر سنا الامناء —‏ وبعضهم لم يُضطهد فقط خلال السنوات الـ‍ ٤٠ من الحكم الشيوعي،‏ بل ايضا خلال عهد الرايخ الثالث —‏ يجلسون في القسم المخصص لهم،‏ حيث جلس في السابق ادولف هتلر وغيره من الاعيان النازيين».‏ فقد خُصِّص بمحبة هذا الجزء المميَّز من الملعب للمسنين والمقعدين.‏ فيا له من رمز رائع الى ملكوت اللّٰه المنتصر الآن على القوى السياسية التي تآ‌مرت لوقف مسيرته نحو النصر النهائي!‏

      ايجاد اماكن للاجتماع معا

      بعد رفع الحظر في المانيا الشرقية،‏ صُنعت الترتيبات بسرعة ليستفيد الاخوة هنالك من البرنامج القانوني للمحافل الذي يتمتع به خدام يهوه في كل انحاء الارض.‏ حتى قبل ان يُعاد تنظيم الدوائر كاملا،‏ جرت دعوة الجماعات الى حضور ايام المحافل الخصوصية والمحافل الدائرية في المانيا الغربية.‏ وفي بادئ الامر كان الحضور يتألف من المان غربيين وألمان شرقيين بالتساوي.‏ وهذا وطَّد اواصر الاخوَّة وأعطى ايضا الاخوة الالمان الشرقيين فرصة ليتعلموا ترتيبات المحافل بالعمل مع نظرائهم من المانيا الغربية.‏

      وحين تشكلت الدوائر،‏ دُعي الاخوة في المانيا الشرقية الى استعمال قاعات المحافل الموجودة في المانيا الغربية.‏ وكان خمس منها —‏ في برلين،‏ ميونيخ،‏ بوخنباخ،‏ مولبيرڠن،‏ وتراپنكامپ —‏ قريبا كفاية من الحدود السابقة ليتمكن الاخوة من استعمالها.‏ لكن حالما سنحت الفرصة،‏ ابتدأ العمل ببناء قاعة محافل في المانيا الشرقية.‏ وهذه القاعة الواقعة في ڠلاوْخاوْ،‏ قرب درسدِن،‏ دُشِّنت في ١٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٤،‏ وهي الآن اكبر قاعة محافل لشهود يهوه في المانيا،‏ وتتسع لـ‍ ٠٠٠‏,٤ شخص.‏

      وقد اولي الانتباه ايضا لبناء قاعات الملكوت.‏ فذلك لم يكن مسموحا به في جمهورية المانيا الديموقراطية،‏ ولكنَّ القاعات صارت لازمة الآن من اجل الاعتناء بالشهود الاكثر من ٠٠٠‏,٢٠ في تلك الناحية من العالم.‏ وقد دُهش الآخرون من طريقة القيام بعمل البناء.‏

      كتبت احدى الصحف بشأن بناء قاعة ملكوت في ستاڤنهاڠن:‏ «لقد اخذت الدهشة المشاهدين الفضوليين بسبب طريقة تشييد البناء وسرعة تشييده.‏ .‏ .‏ .‏ فقد قام بالبناء نحو ٢٤٠ بنَّاء متمرِّسا يعملون بـ‍ ٣٥ مهنة،‏ وكلهم متطوعون وكلهم شهود ليهوه.‏ كل ذلك جرى في غضون نهاية اسبوع واحدة ودون ان يتقاضوا اجرا».‏

      وكتبت صحيفة اخرى بشأن قاعة ملكوت بُنيت في زاڠارت على جزيرة روڠن في بحر البلطيق:‏ «يقوم نحو ٥٠ رجلا وامرأة،‏ كقفير نحل،‏ بتحضير اساسات البناء.‏ لكنَّ الفوضى لا تعمّ موقع البناء.‏ فالغريب في الامر هو ان الجو مريح وودي.‏ ورغم السرعة الواضحة التي يجري بها العمل،‏ لا تبدو علامات التوتر على احد،‏ فلا احد يجرح رفقاءه العمال بكلامه كما يحدث في معظم مواقع البناء».‏

      وبحلول نهاية سنة ١٩٩٢،‏ كانت سبع قاعات ملكوت قد بُنيت،‏ وكانت ١٦ جماعة تستعملها.‏ كان يجري التخطيط لبناء نحو ٣٠ قاعة اخرى.‏ وبحلول سنة ١٩٩٨،‏ كانت اكثر من ٧٠ في المئة من الجماعات في ما كان سابقا المانيا الشرقية تجتمع في قاعاتها الخاصة للملكوت.‏

  • المانيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٩
    • ‏[الصور في الصفحة ١١٨]‏

      محفل برلين،‏ ١٩٩٠

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة