-
المانياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٩
-
-
اعادة التنظيم لتقوية معشر الاخوة
خلال فترة محاولة الحكام الشيوعيين ابقاء الشهود الذين في ذلك الجزء من العالم منعزلين عن اخوتهم المسيحيين في بلدان اخرى، كانت تجري تغييرات مهمة حول العالم في هيئة شهود يهوه نفسها. وهذه التغييرات، التي صُنعت كمحاولة للعمل بشكل أدّق وفق ما يقوله الكتاب المقدس عن الجماعة المسيحية في القرن الاول، عملت على تقوية معشر الاخوة العالمي كما اعدَّت الهيئة للنمو السريع خلال السنوات اللاحقة. — قارنوا اعمال ٢٠:١٧، ٢٨.
وهكذا ابتداء من تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٧٢، لم يعد يشرف على الجماعات مجرد شخص واحد يُعرف بخادم الجماعة ويهتم بالاعمال الضرورية بمساعدة معاونين. وعوضا عن ذلك، عُيِّنت هيئة شيوخ للاشراف على كل جماعة. وبحلول سنة ١٩٧٥، بدأت تظهر النتائج الجيّدة لهذا التغيير.
ولكن، كما يتذكر إرڤين هَرتسيخ، ناظر جائل خدم لفترة طويلة، لم يرحِّب الجميع بهذا التغيير. ويقول انه عمل على كشف «الحالة القلبية لبعض الخدام في الجماعة». ومع ان الاغلبية الساحقة كانت قلوبها وليّة، ساهم هذا التغيير في ازالة القليلين الذين كانوا طموحين وتواقين اكثر ان «يكونوا الاوائل» بدل ان يخدموا اخوتهم.
وكانت ستحدث عما قريب تغييرات اضافية. فخلال سبعينات الـ ١٩٠٠، توسَّعت الهيئة الحاكمة لشهود يهوه ثم أُعيد تنظيمها. وقُسِّم عملها على ست لجان بدأت بالعمل في ١ كانون الثاني (يناير) ١٩٧٦. وبعد شهر واحد، في ١ شباط (فبراير) ١٩٧٦، جرى التعديل في الاشراف على مكاتب الفروع حول العالم. فلم يعد الفرع يعمل تحت ادارة خادم فرع واحد. وعوضا عن ذلك، اصبح كل فرع تحت اشراف لجنة فرع تعيِّنها الهيئة الحاكمة.
كان كلٌّ من الاخوة فروست، فرانكي، وكِلْسي قد خدم لفترات مختلفة كخادم فرع في المانيا. ولكن وجد الأخ فروست انه من الضروري ان يترك بيت ايل لأسباب صحية. (مات سنة ١٩٨٧ عن عمر ٨٦ سنة. ونجد قصة حياته في برج المراقبة عدد ١٥ نيسان [ابريل] ١٩٦١، بالانكليزية.) وعندما تأسست لجنة الفرع من خمسة اعضاء في المانيا سنة ١٩٧٦، شملت الأخوين كونْرات فرانكي (الذي سُجن مرارا خلال العصر النازي) وريتشارد كِلْسي (متخرِّج من مدرسة جلعاد كان قد مضى على خدمته في المانيا حتى ذلك الوقت ٢٥ سنة). وشملت ايضا ڤيلي پول (ناجٍ من معسكرات الاعتقال النازية حضر الصف الـ ١٥ لجلعاد)، ڠونتر كونْس (خريج الصف الـ ٣٧ لجلعاد)، وڤرنر روتكي (ناظر جائل سابق).
وما زال هؤلاء الاعضاء الاولون، باستثناء الأخ فرانكي الذي مات سنة ١٩٨٣، يخدمون في لجنة الفرع. (قصة حياة كونْرات فرانكي نجدها في برج المراقبة عدد ١٥ آذار (مارس) ١٩٦٣، بالانكليزية.) وهنالك اخوان آخران خدما مدة من الوقت قبل موتهما: إيڠون پيتر، من سنة ١٩٧٨ الى سنة ١٩٨٩، وڤولفڠانڠ كْرولوپ من سنة ١٩٨٩ الى سنة ١٩٩٢.
في الوقت الحاضر، تتألف لجنة الفرع من ثمانية اعضاء. فبالاضافة الى المذكورين آنفا، هنالك ادمونت آنشتات (منذ سنة ١٩٧٨)، پيتر ميتريڠه (منذ سنة ١٩٨٩)، ايضا أيْبرهارت فابيان ورايمون تمْپلتن (منذ سنة ١٩٩٢).
عندما ابتُدئ العمل بموجب الترتيب المُعدَّل للاشراف على الفرع سنة ١٩٧٦، كان هنالك ١٨٧ شخصا فقط في عائلة بيت ايل في ڤيسبادن، المانيا الغربية. ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد المستخدَمين الى ١٣٤,١ شخصا، بمن فيهم اشخاص من ٣٠ دولة. يعكس ذلك الى حدّ ما الاوجه العالمية للعمل الذي يحظى الفرع بامتياز المشاركة فيه.
تسهيلات الطباعة لسدّ الحاجات المتزايدة
في اواسط سبعينات الـ ١٩٠٠، كانت تسهيلات الفرع في المانيا تقع في جزء من ڤيسبادن يُعرف بـ كولهِك. كان في ما مضى ضاحية هادئة عند طرف غابة لكنه الآن قسم من المدينة ينمو بسرعة. وكانت الجمعية قد اشترت المزيد من الاملاك في هذه المنطقة ١٣ مرة. لكنَّ عدد ناشري الملكوت في المانيا الغربية ازداد الى حوالي ٠٠٠,١٠٠. فكانت هنالك حاجة الى مكتب اكبر للاشراف على الحقل ومكان طباعة اوسع لتزويد مطبوعات الكتاب المقدس. لكنَّ الحصول على ممتلكات اضافية للتوسع كان صعبا جدا. فكيف كانت ستُحلّ هذه المشكلة؟ صلَّت لجنة الفرع طلبا لارشاد يهوه.
وفي اواخر سنة ١٩٧٧، بدأ اعضاء لجنة الفرع المعيَّنون حديثا بدرس امكانية بناء بيت ايل جديد في مكان آخر. ولكن هل كان ذلك ضروريا فعلا؟ كان الشعور العام ان نهاية النظام القديم لا بد ان تكون قريبة جدا. ولكن، كان يلزم ايضا اخذ عامل آخر بعين الاعتبار. فأساليب الطباعة كانت تتغير، وكانت الجمعية تحت ضغط تبنِّيها اذا كان الطبع سيستمر على نطاق واسع مهما تبقَّى لهذا النظام القديم من وقت. ومن المثير للاهتمام ان الخبرة المكتسبة في معالجة الوضع في المانيا الشرقية خلال الحظر على شهود يهوه هناك سهَّلت على الاخوة في ڤيسبادن ان يصنعوا التغييرات عندما صارت ضرورية. فكيف كان ذلك؟
قرار تبنِّي طباعة الأوفست
بعد بناء جدار برلين سنة ١٩٦١، ازدادت صعوبة تزويد شهود يهوه في المانيا الشرقية بالمطبوعات. ولتسهيل ذلك، أُعدّت لهم طبعة خصوصية من برج المراقبة بحجم اصغر احتوت على مقالات الدرس فقط. ولكن استلزم انتاج هذه الطبعة تنضيد الحروف المطبعية للمقالات مرة ثانية. وكانت الطباعة على اوراق رقيقة جدا صعبة، كما شكّل طَيّ الاوراق المطبوعة تحدّيا. وعندما وجد الاخوة مكنة طَيّ اوتوماتيكية تنجز هذا العمل، اكتشفوا انها صُنعت في لَيْپتزيڠ، المانيا الشرقية — البلد الذي حُظر فيه شهود يهوه، والذي لأجله صُمِّمت هذه الطبعة من برج المراقبة التي قلَّما تلفت النظر. فيا لها من مفارقة!
لتبسيط العمل، اقترح اخ، كان قد تعلّم طباعة الأوفست قبل مجيئه الى بيت ايل، اعادة انتاج المجلات بطريقة الأوفست. فكان يمكن تصوير مقالات الدرس، تصغير حجمها، ثم وضعها على لوح أوفست. وقد وُضعت مطبعة أوفست صغيرة تُغذَّى بصحائف الورق تحت تصرف الفرع كهدية. وبمرور الوقت، صار من الممكن اصدار لا مقالات الدرس فحسب بل كامل المجلة ايضا، اولا بالابيض والاسود وأخيرا بالالوان الطبيعية. وحتى الكتب الصغيرة الحجم أُنتجت بالطريقة نفسها.
عندما زار ناثان نور، رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك، ڤيسبادن سنة ١٩٧٥، راقب طريقة العمل باهتمام. وبعد تفحصه المواد المطبوعة قال انها مقبولة. وعندما وُضِّح ان هذه طبعة خصوصية لالمانيا الشرقية وأننا مسرورون بالطريقة الجديدة في انتاجها، اجاب الاخ نور: «يستحق الاخوة الذين يعانون الكثير ان نعطيهم افضل ما في وسعنا». وعلى الفور منح الاذن بشراء مكنات اضافية لإنجاز العمل.
وهكذا عندما زار ڠرانت سوتر، عضو في الهيئة الحاكمة، المانيا سنة ١٩٧٧ وذكر ان الجمعية لطالما فكرت جديا في التحوُّل الى طباعة الأوفست وأنها قررت الآن استخدامها على نطاق واسع، كان الاخوة في ڤيسبادن يملكون بعض الخبرة فيها. فبشكل غير مباشر، جهّزهم الحظر في المانيا الشرقية لهذا التغيير.
ولكنَّ الامر شمل اكثر من مجرد قبول الفكرة ان تغييرا في اساليب الطباعة ضروري. فقد اوضح الاخ سوتر انه ستكون هنالك حاجة الى مطابع اكبر وأثقل. ولكن اين يمكن وضعها؟ كانوا يحلمون بمطابع أوفست بشريط ورق، وتطبع بالالوان الطبيعية، لكنّ الحلم امر وتحقيقه امر آخر. فجرى البحث في عدة امكانيات لتوسع اضافي في كولهِك، لكن وُجد انها كلها تنطوي على مشاكل. فماذا يجب فعله؟
مجمَّع فرع جديد
بدأ البحث عن ملكية في مكان آخر. وفي ٣٠ تموز (يوليو) ١٩٧٨، أُعلم حوالي ٠٠٠,٥٠ شاهد مجتمعين في محفل في دوسَلْدورف وحشد مؤلف من نحو ٠٠٠,٦٠ في ميونيخ ان الخطط تُصنع لشراء ملكية حيث يمكن بناء مجمَّع فرع جديد. وكان ذلك مفاجأة لهم.
خلال سنة واحدة تقريبا، جرى تفحُّص ١٢٣ موقعا اختير منها اخيرا ملكية تقع على تلة تشرف على قرية زلترس. وهكذا في ٩ آذار (مارس) ١٩٧٩، جرى شراؤها بموافقة الهيئة الحاكمة. والمفاوضات الاضافية مع ١٨ من اصحاب الملكيات جعلت من الممكن الحصول على ٦٥ قطعة ارض اخرى من الملكيات المجاورة، مما زوّد ٣٠ هكتارا (٧٤ اكرا) للتوسع. وبحكم موقع زلترس على مسافة نحو ٤٠ كيلومترا (٢٥ ميلا) شمالي ڤيسبادن، كان الوصول اليها سهلا من اجل عمليات النقل بالشاحنات. وكان مطار راين-مَيْن الدولي في فرانكفورت على بُعد اقل من ٦٥ كيلومترا (٤٠ ميلا).
كان العمل في اكبر مشروع بناء في تاريخ شهود يهوه في المانيا على وشك الابتداء. فهل كنا فعلا على مستوى المهمة؟ يتذكر رولف نويفَرت، عضو في لجنة البناء: «لم يسبق لأحد، باستثناء الاخ الذي كان مهندسنا المعماري، ان عمل في مشروع ضخم كهذا. لا يمكنكم ان تتخيلوا مدى صعوبة هذه المهمة. فمشروع بهذا التعقيد والضخامة يتعهده عادة مكتب شركة له سنوات من الخبرة وكل الخبراء اللازمين». لكنَّ الاخوة فكروا انه اذا اراد يهوه ان يقوموا بعمل البناء، فسيبارك النتيجة ايضا.
كان يلزم الحصول على اربعين رخصة بناء مختلفة، لكنَّ الرسميين المحليين تعاونوا بشكل جيد وقد قُدِّر ذلك كثيرا. صحيح انه كانت هنالك بعض المقاومة في بادئ الامر، الاّ انها اتت بشكل رئيسي من رجال الدين الذين رتبوا اجتماعات للتحريض على المقاومة، لكن دون جدوى.
تطوّع شهود من كل انحاء البلد للمساعدة في العمل. والروح التي اظهروها كانت رائعة. فقد كان هنالك كمعدل ٤٠٠ عامل قانوني في موقع البناء كل يوم، الى جانب حوالي ٢٠٠ عامل ايام «العطلة» في اي وقت كان. فخلال سنوات البناء الاربع، قدَّم ما لا يقل عن ٠٠٠,١٥ شاهد خدماتهم طوعا.
يتذكر احد الاخوة: «بغض النظر عن الصعوبات، وكيفما كان الطقس، سواء كان حارا او معتدل البرودة او حتى قارس البرودة، كان العمل يستمر. ففي الاوقات التي فيها كان الآخرون يوقفون اعمالهم، كنا نحن نبدأ العمل».
اتت ايضا بعض المساعدات من بلدان اخرى. وحتى السفر آلاف الاميال للمساعدة لم يكن بعيدا جدا على جاك ونورا سميث، مع ابنتهما بيكي البالغة من العمر ١٥ سنة، الذين اتوا من أوريڠون في الولايات المتحدة. فقد كانوا في المحفل الاممي في ميونيخ عندما أُعلن ان الجمعية تخطط لبناء تسهيلات فرع جديدة في المانيا. فقالوا: «يا له من امتياز ان نعمل في بناء بيت ايل جديد!». وجعلوه معروفا انهم متوفرون. يتذكر جاك: «بينما كنا نقوم بالعمل الاعدادي للمحفل سنة ١٩٧٩، تسلَّمنا طلبا ودعوة للمجيء بأسرع ما يمكن. كنا متحمسين جدا بحيث لم نستطع ان نركِّز على عملنا او على المحفل».
لإيواء عمّال البناء، كان يلزم تجديد الابنية الموجودة اصلا في الملكية. فأُكمل اول بيت بحلول شتاء ١٩٧٩/١٩٨٠. وفي ايلول (سبتمبر) ١٩٨٠ وُضع الاساس لبيت ايل جديد. وابتدأ العمل ايضا في معمل الطباعة، لكنه لم يكن باكرا كفاية. فمطبعة أوفست بشريط ورق يبلغ طولها ٢٧ مترا [٨٩ قدما]، والتي قُدِّم طلب الحصول عليها في كانون الثاني (يناير) ١٩٧٨، كانت ستُسلَّم في اوائل سنة ١٩٨٢. وبحلول ذلك الوقت، كان يجب انهاء مكان الطباعة ولو جزئيا.
كان ممكنا ان نقوم نحن بمعظم الاعمال. ولا يزال احد الاخوة يقول بدهشة: «لم تكن لأحد منا اية خبرة في العمل في مشروع ضخم كهذا بفريق عمل دائم التغيّر. فغالبا ما كنا نعتقد، في مجال او آخر، اننا بلغنا مرحلة لا نستطيع فيها المتابعة، وذلك لعدم توفر الاختصاصيين اللازمين لبعض الاعمال. ولكن عدة مرات، كنا في اللحظة الاخيرة نتسلَّم فجأة طلبا من اخ مؤهَّل لها. وهكذا كلما كانت تنشأ حاجة الى اخوة يملكون مهارات معينة، كان يظهر متطوعون بهذه المهارات». فشكروا يهوه على توجيهه وبركته.
الانتقال الى زلترس
شمل نقل الاثاث والامتعة الشخصية لحوالي ٢٠٠ عضو في بيت ايل الكثير من العمل، هذا إن لم نذكر كل المكنات والمعدات اللازمة لعملهم. كانت مهمة اكبر بكثير من ان تُنجز في وقت واحد. لذلك انتقلت عائلة بيت ايل الى زلترس تدريجيا، قسما تلو الآخر، فيما كان عمل البناء يُتابَع.
بين اوائل المنتقلين كان العاملون في مكان الطباعة، لانه القسم الاول الذي اكتمل بناؤه من المجمَّع. ففُكِّكت ونُقلت المكنات شيئا فشيئا الى زلترس. في تلك الاثناء، في ١٩ شباط (فبراير) ١٩٨٢، بدأت الطباعة بالالوان الطبيعية بمطبعة الأوفست الدوَّارة الجديدة في زلترس. ويا له من سبب للاحتفال! وبحلول ايار (مايو)، عمَّ السكون مكان الطباعة في ڤيسبادن. فبعد ٣٤ سنة، انتهت طباعتنا في ڤيسبادن.
كان اول عمل كبير لمطبعة الأوفست الجديدة طباعة كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض. وقد خُطِّط لإصدار هذه المطبوعة الجديدة في المحافل الكورية لسنة ١٩٨٢، وطُلب من المانيا ان تنتجها بسبع لغات. لكنّ المشكلة كانت ان مكان تجليد الكتب ما زال في ڤيسبادن. وفي الواقع، لم يُنقل الى زلترس إلا بعد اكثر من سنة. لذلك بعد ان كانت مَلازِم الكتب تُطبع في زلترس كانت تُرسل بسرعة بشاحنة الجمعية الى ڤيسبادن من اجل التجليد. ورغم العمل الاضافي الذي شمله ذلك، استطاع الاخوة انهاء ٣٦٥,٤٨٥ نسخة من الـ ٥٨٢,٣٤٨,١ في الطبعة الاولى، مما جعل حشودا اممية في المحافل في عدة بلدان تبتهج بالإصدار الجديد.
من الطبيعي ان يكون الانتقال قد ولّد مشاعر متضاربة. فبالنسبة الى اعضاء عائلة بيت ايل، كانت ڤيسبادن بيتهم لنحو ٣٥ سنة. ولكن سرعان ما قُسّم مجمَّع بيت ايل في ڤيسبادن وبيع لأفراد مختلفين. واحتُفظ بقسم صغير واحد فقط من مكان التجليد السابق وصُنع قاعة ملكوت. وكنموذج لوحدة شعب يهوه الاممية، تجتمع في هذه القاعة اليوم اربع جماعات — اثنتان المانيتان، واحدة انكليزية، وواحدة روسية.
يوم التدشين
بعد وضع اللمسات الاخيرة لمجمَّع بيت ايل في زلترس، عُقد برنامج التدشين في ٢١ نيسان (ابريل) ١٩٨٤. وكل الذين شاركوا في المشروع شعروا بقوة بأن يد يهوه كانت معهم. فقد تطلعوا اليه من اجل الارشاد، وشكروه عندما أُزيلت العقبات التي بدا انها لا تُذلَّل. ورأوا الدليل الملموس على بركته في هذه التسهيلات المكتملة التي تُستخدم لترويج العبادة الحقة. (مزمور ١٢٧:١) حقا، كان ذلك وقتا لفرح خصوصي.
في بداية هذا الاسبوع، فتح المجمَّع ابوابه للزوّار. وقد دُعي مختلف الرسميين الذين تعاملت معهم الجمعية الى القيام بجولة في المباني. ورُحِّب ايضا بالجيران. اخبر احد الزوّار انه اتى بفضل قسِّيس كنيسته. ثم اوضح ان القسِّيس كثيرا ما تشكَّى من الشهود في السنوات الاخيرة حتى ان الرعية بكاملها سئمت سماعه. ويوم الاحد السابق، كان قد هاجم الشهود مجددا وحذَّر الرعية من قبول دعوتهم المفتوحة. شرح الزائر: «كنت على علم بدعوتكم، لكنني نسيت موعدها. فلو لم يذكره القسِّيس يوم الاحد الماضي لسهوت عنه بالتأكيد».
بعد الجولات التمهيدية، اتى اخيرا يوم برنامج التدشين. وعندما بدأ البرنامج بالموسيقى عند الساعة ٢٠:٩ صباحا، شعرنا بفرح عظيم عندما عرفنا ان ١٣ عضوا من اصل الـ ١٤ في الهيئة الحاكمة آنذاك كانوا قادرين على قبول الدعوة للحضور! وبما انه كان من المستحيل ان يحضر شخصيا كل مَن ساهم بطريقة او بأخرى في نجاح المشروع، فقد صُنعت الترتيبات لوصل ١١ موقعا آخر في البلد بواسطة الهاتف. وبهذه الطريقة تمكّن حشد من ٥٦٢,٩٧ شخصا من التمتع بالبرنامج الرائع.
بين الحاضرين في زلترس في ذلك اليوم الذي لا يُنسى، كان هنالك كثيرون ممَّن برهنوا عن ايمانهم فيما كانوا مسجونين في معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية، مع بعض الذين أُطلق سراحهم مؤخرا من السجن في المانيا الشرقية. وكان بينهم أرنست وهيلدِڠَرت زايليڠِر. بدأ الاخ زايليڠِر عمله في الخدمة كامل الوقت قبل ٦٠ سنة، وقضى هو وزوجته ما مجموعه اكثر من ٤٠ سنة في السجون ومعسكرات الاعتقال في ظل الحكم النازي والشيوعي. وبعد حضورهما برنامج التدشين، كتبا: «هل يمكنكم ان تتخيلوا كيف شعرنا اذ تمكنّا من حضور هذه الوليمة الروحية الرائعة في فردوسنا الروحي؟ من البداية الى النهاية، كان الاستماع الى هذا البرنامج الرائع كالاستماع الى سمفونية الهية للوحدة والانسجام الثيوقراطيين». (من اجل التفاصيل عن امتحانات الايمان التي اختبراها، انظروا برج المراقبة عدد ١٥ تموز (يوليو) ١٩٧٥، بالانكليزية.)
‹بيوت لاسم يهوه›
غالبا ما يندهش الناس من رؤية شهود يهوه يبنون قاعات الملكوت في اسابيع قليلة — او ربما مجرد ايام — ويشيّدون قاعات محافل كبيرة بواسطة عمّال متطوعين، ويموِّلون مجمَّعات بيوت ايل بملايين الدولارات من التبرعات الطوعية. وقد أُتيحت للمقيمين في المانيا فرص كثيرة لرؤية كل هذه النشاطات بأم عينهم.
في اوائل سبعينات الـ ١٩٠٠، دُشنت في برلين الغربية اول قاعة محافل في المانيا الغربية. وتلتها قاعات اخرى، حتى انه بحلول سنة ١٩٨٦ صارت تُعقد كل المحافل الدائرية في المانيا الغربية في قاعات يملكها الشهود.
كانت بركة يهوه واضحة فيما كان الاخوة يعملون في هذه المشاريع. ففي ميونيخ، نتيجة تعاون رسميي المدينة، جرى الحصول على ملكية لبناء قاعة محافل بسعر معقول جدا في الجانب الآخر من الطريق الرئيسي مقابل المدرَّج الاولمپي الضخم، عند طرف الحديقة الاولمپية العامة ذات المناظر الطبيعية الرائعة.
بُذلت جهود دؤوبة لإبقاء نفقات البناء وكلفة المعدات في الحدّ الادنى. وبسبب تغيير موقع محطة لتوليد الطاقة وعرضها خزائن المفاتيح الكهربائية ولوحة التوزيع الهاتفية للبيع، استطاع الاخوة شراءها بسعر اقل ٥ في المئة من سعرها الاصلي. وهدْم مجمَّع ابنية في الوقت المناسب جعل من الممكن الحصول على ما يلزم من مغاسل، مراحيض، ابواب، شبابيك، ومئات الامتار من انابيب المياه، الغاز، والتهوية بأسعار زهيدة. ووُفِّر المزيد من المال نتيجة صنع الاخوة كراسيهم وطاولاتهم. وانسجاما مع سياسة المدينة في ما يتعلق بالمناظر الطبيعية، كان على الاخوة ان يزرعوا ٢٧ شجرة زيزفون في ملكية قاعة المحافل. والعدد المطلوب كان موجودا في مشتل سيتوقف عن العمل، وكانت كل الاشجار بالعلوّ المطلوب، فجرى شراؤها بعُشر سعرها العادي. وبعد ان انهت مدينة ميونيخ تعبيد معظم شوارعها المرصوفة بالحجارة، كانت اطنان من هذه الحجارة متوفرة بأسعار شبه مجانية، فاستُخدمت لرصف الممرات حول القاعة وموقف السيارات المتاخم لها.
ويمكن سرد روايات مماثلة عن قاعات المحافل الاخرى في المانيا التي يتميز كلٌّ منها بتصميم منفرد ورائع. فكل واحدة منها هي حقا، كما وصف الملك سليمان هيكل اورشليم قبل اكثر من ٠٠٠,٣ سنة، «بيت لاسم الرب [«يهوه»، عج]». — ١ ملوك ٥:٥.
بالاضافة الى ذلك، يسير عمل بناء قاعات الملكوت بسرعة للاعتناء بحاجات الـ ٠٨٣,٢ جماعة في المانيا. وهنالك الآن ١٧ لجنة بناء اقليمية. وقبل ان تُشكَّل اولى هذه اللجان سنة ١٩٨٤، كان الشهود يملكون ٢٣٠ قاعة ملكوت فقط في كل المانيا. ومنذ ذلك الحين حتى آب (اغسطس) ١٩٩٨، بُني كمعدل ٥٨ قاعة جديدة سنويا — اكثر من واحدة في الاسبوع في السنوات الـ ١٢ الماضية!
وفي شؤون البناء ايضا، نظر شهود يهوه في المانيا الى ابعد من الحدود القومية. فهم جزء من عائلة عالمية. لذلك يعمل اكثر من ٤٠ شخصا من المانيا كخدام امميين مستعدين للاشتراك في عمل البناء اينما ترسلهم الجمعية، وما دامت هنالك حاجة. وعدد آخر من ٢٤٢ شخصا يخدمون لفترات مختلفة من الوقت في مشاريع كهذه في بلدان اخرى.
نظار جائلون يرعون الرعيّة
احد العوامل المهمة في الحالة الروحية للهيئة هو العمل الذي ينجزه النظار الجائلون. فهؤلاء الرجال هم حقا رعاة لرعيّة اللّٰه. (١ بطرس ٥:١-٣) وهم، كما وصفهم الرسول بولس، «عطايا في رجال». — افسس ٤:٨.
بعد الحرب العالمية الثانية، زار النظار الجائلون الجماعات، قوّوها، واشتركوا معها في خدمة الحقل. وكان بين هؤلاء اخوة مثل ڠَيرهارت اولتْمانس، يوزيف شارنِر، وپاول ڤروبِل، جميعهم اعتمدوا سنة ١٩٢٥. وكان هنالك ايضا أوتو ڤوليه وماكس زانتْنِر، كلاهما اعتمدا خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠.
وإذ نشأت الحاجة، أُضيف اخوة آخرون الى لائحة النظار الجائلين. ومن نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن، شارك اكثر من ٢٩٠ أخا في العمل الجائل في المانيا الغربية وأكثر من ٤٠ آخرين في المانيا الشرقية. وبذلوا انفسهم حقا لتقدم مصالح الملكوت. فعنى ذلك للبعض ان لا يروا اولادهم الراشدين او احفادهم في اغلب الاحيان. ورتَّب آخرون ان يقضوا الوقت قانونيا مع والديهم المسنين او المرضى فيما يعتنون بتعييناتهم.
قام بعض هؤلاء الخدام الجائلين لعقود بهذا العمل الشاق لكن المكافئ. على سبيل المثال، هورست وڠيرتْرُوت كريتشمِر هما في العمل الجائل في كل انحاء المانيا منذ اواسط خمسينات الـ ١٩٠٠. وما زال الاخ كريتشمِر يتذكر انه عندما كان في بيت ايل في ڤيسبادن في اقامة قصيرة سنة ١٩٥٠، وضع أريك فروست يده بمحبة على كتفه وقال: «لا تقلق ابدا يا هورست. اذا بقيت امينا ليهوه، فسيعتني بك. لقد اختبرتُ ذلك؛ وستختبره انت ايضا. ابقَ امينا فقط».
وفي سنة ١٩٩٨، كان هنالك ١٢٥ أخا في المانيا يخدمون كنظار دوائر او كور. وهؤلاء هم رجال ناضجون قضوا ما معدله ٣٠ سنة في خدمة يهوه كامل الوقت. وزوجاتهم ايضا غيورات في الخدمة ومصدر تشجيع خصوصي للاخوات في الجماعات التي يزرنها.
ناظر جائل يذهب الى بروكلين
كان مارتن وڠيرتْرُوت پويتسنڠر معروفَين جيدا بين شعب يهوه في المانيا. فكلاهما خدما يهوه بأمانة قبل، خلال، وبعد الرايخ الثالث تحت حكم هتلر. وفور اطلاق سراحهما من السجن النازي، استأنفا النشاط كامل الوقت. واستمرا لأكثر من ٣٠ سنة في العمل الجائل، خادمَين الدوائر في كل انحاء المانيا. فصار آلاف الشهود يحبونهما ويحترمونهما.
سنة ١٩٥٩، حضر الاخ پويتسنڠر الصف الـ ٣٢ لجلعاد. ورغم ان ڠيرتْرُوت التي كانت تجهل اللغة الانكليزية لم ترافقه، فرحت معه بامتيازه. ولم يكن انفصالها عن زوجها شيئا جديدا. فالاضطهاد النازي فصل احدهما عن الآخر قسرا طوال تسع سنوات، وذلك بعد اشهر قليلة فقط من الزواج. والآن، عندما طلبت منهما هيئة يهوه ان ينفصلا طوعا من اجل النشاط الثيوقراطي، لم يتردَّدا، وطبعا لم يتذمَّرا.
لم يخدم ايٌّ منهما يهوه من اجل المنفعة الشخصية. فقد كانا دائما يقبلان طوعا التعيينات الثيوقراطية. ومع ذلك، فوجئا عند دعوتهما، سنة ١٩٧٧، ليكونا عضوين في عائلة بيت ايل في المركز الرئيسي العالمي في بروكلين، نيويورك، الولايات المتحدة الاميركية. فكان الاخ پويتسنڠر سيصير عضوا في الهيئة الحاكمة!
وقيل لهما ان يبقيا في بيت ايل في ڤيسبادن الى ان يتمكنا من الحصول على اوراق الاقامة في الولايات المتحدة. وكان انتظارهما اطول مما توقعا، اذ انتظرا اشهرا عديدة. وفيما كان مارتن يحسِّن معرفته للغة الانكليزية، كانت زوجته النشيطة ڠيرتْرُوت تدرسها ايضا. ولم يكن تعلُّم لغة جديدة مهمة سهلة على امرأة في اواسط ستيناتها. لكنهما كانا مستعدَّين لبذل قصارى جهدهما من اجل خدمة يهوه!
وجد اعضاء كثيرون ممَّن يتكلمون الانكليزية في عائلة بيت ايل في ڤيسبادن فرحا عظيما في مساعدة مارتن وڠيرتْرُوت في اللغة. وكل مرة كانت تقلق فيها ڠيرتْرُوت وهي تدرس الانكليزية، كان زوجها ينصحها بلطف: «هوِّني الامر على نفسك، ڠيرتْرُوت، هوِّني الامر على نفسك». لكنَّ ڠيرتْرُوت لم تكن قط ميّالة الى ‹تهوين الامر على نفسها›. فكامل حياتها في خدمة يهوه اتسمت بالانهماك والتصميم من كل النفس. وبالروح عينها، انكبّت على تعلّم اللغة، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧٨، حالما وصلت تأشيرتا الدخول الدائمتان، رافقت زوجها الى بروكلين.
رغم ان مشاعر الاخوة في المانيا كانت متضاربة عند رحيلهما، لكنهم فرحوا معهما بامتيازاتهما الجديدة في الخدمة. وتأثروا بعمق ايضا عندما سمعوا بعد نحو عقد، في ١٦ حزيران (يونيو) ١٩٨٨، ان مارتن انهى مسلكه الارضي عن عمر ٨٣ سنة.
بعد موت زوجها، عادت ڠيرتْرُوت الى المانيا حيث تخدم كعضو في عائلة بيت ايل. وهي ما زالت لا ‹تهوِّن الامر على نفسها›. ويبدو انها لن تفعل ذلك ابدا. فبالاضافة الى الاعتناء بتعيينها في بيت ايل، غالبا ما تقضي ڠيرتْرُوت عُطَلها في الفتح الاضافي. (لمزيد من المعلومات عن الزوجين پويتسنڠر، انظروا برج المراقبة، الاعداد ١ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٦٩، بالانكليزية؛ ١ آب (اغسطس) ١٩٨٤، بالانكليزية؛ و ١٥ ايلول (سبتمبر) ١٩٨٨.)
مدارس خصوصية تساعد على سدّ الحاجات العالمية
منذ سنة ١٩٧٨، قُبيل سفر الزوجين پويتسنڠر الى بروكلين، تساعد مدرسة خدمة الفتح، وهي مقرَّر تدريب عملي يدوم عشرة ايام، على تقوية الفاتحين في المانيا. وكل سنة تنعقد المدرسة في دوائر في كل انحاء البلد. ويُدعى اليها كل الفاتحين القانونيين الذين انخرطوا في الفتح لسنة على الاقل والذين لم يحضروها من قبل. وبحلول اوائل سنة ١٩٩٨، كان قد حضر المدرسة ٨١٢,١٦ فاتحا. وبالاضافة الى الالمانية، عُقدت الصفوف بالاسپانية، الانكليزية، الايطالية، الپرتغالية، الپولندية، التركية، الروسية، الصربية الكرواتية، الفرنسية، واليونانية.
حضر بعض الاخوة مدرسة خدمة الفتح على الرغم من الظروف الصعبة التي واجهوها. فقبل اكثر من اسبوع من حضور كريستين آموس المدرسة، قُتل ابنها في حادث سيارة وهو في طريقه من الاجتماع الى البيت. وفي هذه الظروف، هل كانت ستستفيد من المدرسة؟ وكيف كان سيتدبر زوجها امره اذا تُرك وحده في البيت خلال هذه الفترة؟ لكنهما قرَّرا ان تذهب الى المدرسة؛ فانشغال فكرها بالامور الروحية سيكون بركة. ودُعي زوجها الى العمل في بيت ايل خلال هذه الفترة. وبُعيد ذلك، دُعيا كلاهما الى زلترس للاشتراك في عمل البناء. وعند انتهاء العمل هناك، تمتعا بالاشتراك في مشاريع البناء في اليونان، اسپانيا، وزمبابوي. والآن يخدمان من جديد كفاتحين في المانيا.
بين الذين حضروا مدرسة خدمة الفتح كان هنالك بعض الذين استطاعوا ان يجعلوا خدمة الفتح مهنة لهم — مهنة وجدوا انها تتسم دائما بالتحدي وتمنح اكتفاء عميقا. تقول إنڠه كورت، فاتحة منذ سنة ١٩٥٨: «تقدِّم الخدمة كامل الوقت فرصة خصوصية لأظهر محبتي وشكري العميقين ليهوه كل يوم». وتضيف ڤالتراوت ڠان، التي بدأت بخدمة الفتح في سنة ١٩٥٩: «خدمة الفتح حماية في هذا النظام الشرير. والشعور بيد يهوه المساعِدة يجلب السعادة الحقيقية والاكتفاء الداخلي، الامر الذي لا يمكن ان تقارَن به القيم المادية». وتضيف مارتينا شاكس، التي تخدم كفاتحة مع زوجها: «خدمة الفتح ‹مدرسة للحياة›، لأنها تساعدني على تطوير صفات معينة، كضبط النفس والصبر. وكفاتحة اشعر بأني قريبة جدا من يهوه وهيئته». وبالنسبة الى آخرين، تبيَّن ان خدمة الفتح كانت معبرا الى خدمة بيت ايل، العمل الارسالي، او العمل الدائري.
وللمساعدة على سدّ الحاجة الملحة الى مزيد من المرسلين، أُسست مدرسة جلعاد الفرعية في المانيا سنة ١٩٨١ لجعل هذا المقرَّر الرائع متوفِّرا للفاتحين الذين يتكلمون الالمانية. وبما ان مجمَّع بيت ايل الجديد في زلترس لم يكن قد أُكمل، أُدير اول صفَّين في ڤيسبادن. وبعد الانتقال الى زلترس، أُديرت ثلاثة صفوف هناك. وقد حضر هذه الصفوف الخمسة تلاميذ يتكلمون الالمانية من لوكسمبورڠ، سويسرا، وهولندا، بالاضافة الى ١٠٠ تلميذ من المانيا. وبعد التخرج، وُزِّع التلاميذ على ٢٤ بلدا آخر، بما فيها اماكن في افريقيا، اميركا اللاتينية، اوروپا الشرقية، والمحيط الهادئ.
بحلول اواسط سبعينات الـ ١٩٠٠، كان قد حضر مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس ١٨٣ خادما كامل الوقت من المانيا. أما بحلول نهاية سنة ١٩٩٦، والى حدّ ما بفضل مدرسة جلعاد الفرعية، فقد ارتفع هذا العدد الى ٣٦٨. وكم هو مسرّ ان نعرف انه في كانون الثاني (يناير) ١٩٩٧، ما زال نحو نصف هؤلاء التلاميذ يخدمون كمرسلين في تعيينات اجنبية! وبين هؤلاء هنالك پاول أنڠلِر، الذي كان في تايلند منذ سنة ١٩٥٤؛ ڠونتر بوشبِك، الذي خدم في اسپانيا منذ سنة ١٩٦٢ الى ان عُيِّن في النمسا سنة ١٩٨٠؛ كارل زوميش، الذي خدم في إندونيسيا والشرق الاوسط قبل ان يُنقل الى كينيا؛ مانفرِت توناك، الذي طُلب منه بعد ان خدم في كينيا الانتقال الى فرع إثيوپيا لسدّ حاجة هناك؛ ومرڠريتا كونيڠر، التي اخذتها سنوات خدمتها الارسالية خلال السنوات الـ ٣٢ الماضية الى مدغشقر، كينيا، بينين، وبوركينا فاسو.
تزوِّد مدرسة اخرى ايضا، مدرسة تدريب الخدام، ارشادات للشيوخ والخدام المساعدين غير المتزوجين وتُعقد دوريا في المانيا منذ سنة ١٩٩١. وقد انضم الى الاخوة في المانيا اخوة يتكلمون الالمانية من النمسا، بلجيكا، الجمهورية التشيكية، الدانمارك، هنڠاريا، لوكسمبورڠ، هولندا، وسويسرا للتمتع بالتدريب الرائع الذي تقدمه المدرسة. وبعد التخرج نال بعض التلاميذ مسؤوليات اضافية، اذ أُرسلوا الى افريقيا، اوروپا الشرقية، ومناطق اخرى حيث توجد حاجة خصوصية.
وفي الواقع، تبين ايضا ان بيت ايل والمطبعة في زلترس هما بحدّ ذاتهما «مدرسة»، اذ صار الاخوة مجهَّزين لسدّ الحاجات التي نشأت عندما فُتح باب العمل في اوروپا الشرقية. فقد علّمتهم الحياة في بيت ايل ان يعملوا مع كل انواع الناس وأن يدركوا ان يهوه يستخدم اناسا من كل الانواع، رغم النقص البشري، لإنجاز عمله. وصار الاخوة الذين عملوا في دائرة الخدمة يقدِّرون انه يمكن حلّ المشاكل بتطبيق مبادئ الكتاب المقدس دائما واتِّباع توجيهات الهيئة الحاكمة بدقة. وتعلَّموا من الاخوة الذين، حتى تحت اشدّ الضغوط، يستمرون في اظهار ثمار الروح، اظهار موقف متزن، ووضع ثقتهم المطلقة في يهوه. يا لها من دروس قيّمة ليشتركوا فيها مع اخوتهم في فروع اخرى!
التغلب على عقبة بالتعليم والمحبة
خلال العقد الماضي، أُنجز برنامج تعليم عالمي لتقوية موقف شهود يهوه في تصميمهم على اطاعة تحريم الكتاب المقدس لاستعمال الدم. (اعمال ١٥:٢٨، ٢٩) وشمل ذلك هدم سدّ من التحامل والمعلومات الخاطئة. وفي ما يتعلق بهذا البرنامج، أُدخل قسم خدمات معلومات المستشفيات الى المانيا سنة ١٩٩٠. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من تلك السنة، عُقدت حلقة دراسية في المانيا حضرها ٤٢٧ اخا، كثيرون منهم من المانيا والباقون من تسعة بلدان اخرى. فقوَّى ذلك الروابط الاممية بين الاخوة. وقدّر الشيوخ المساعدة التي تلقوها تقديرا رفيعا. ذكر شيخ من مانهايم: «جُهِّزنا لجعل وجهة نظرنا واضحة بثبات واحترام واجب لكن دون ان نكون مقيّدين بالخوف». وقال شيخ من النمسا كان حاضرا: «لم احضر قط حلقة دراسية عولج فيها حقل واسع من المعلومات بهذا الاسلوب البسيط والسَّلِس».
ومنذ ذلك الحين، عُقدت عدة حلقات دراسية اخرى لتعلِّم لجان الاتصال بالمستشفيات الـ ٥٥ التي شُكِّلت في تلك الاثناء في المانيا لخدمة حاجات الشهود في ما يتعلق بالمعالجات الطبية غير الدموية. والعمل الذي انجزته هذه اللجان اتى بثمر جيد. فبحلول آب (اغسطس) ١٩٩٨، عبّر اكثر من ٥٦٠,٣ طبيبا في كل المانيا عن استعدادهم للتعاون في معالجة الشهود دون دم. ويشمل هذا الرقم ربع الاطباء الذين دعتهم مجلة فوكَس (بالالمانية) قبل عدة سنوات «افضل ٠٠٠,١ طبيب في المانيا».
في كانون الثاني (يناير) ١٩٩٦، بدأت لجان الاتصال بالمستشفيات بتوزيع الكتيِّب المصمَّم بشكل خصوصي الذي يحمل عنوان العناية العائلية والتدبير الطبي لشهود يهوه. (هذا الكتيِّب الملائم، الذي صُمِّم لاستعمال الهيئة الطبية والرسميين على وجه الحصر، يحتوي على معلومات عن البدائل الطبية غير الدموية المتوفِّرة. وبُذل جهد موحَّد لوضعه بين ايدي القضاة، العمال الاجتماعيين، وأطباء الاطفال.) وقد عبّر معظم القضاة عن تقديرهم، معلِّقين تكرارا على مستوى الكتيِّب الرفيع وعلى كونه عمليا. وفوجئ كثيرون عندما عرفوا عن العديد من العلاجات البديلة غير الدموية المتوفِّرة للاشخاص غير الراغبين في قبول نقل الدم. قال قاض في نورتلينڠن: «هذا ما احتاج اليه بالضبط». واستخدم پروفسور في جامعة السّار مواد في الكتيِّب كأساس لمناقشةٍ وامتحان خطي لفريق يأخذ مقرَّرا متقدما في القانون المدني.
وبما ان لجان الاتصال بالمستشفيات تعمل الآن في كل انحاء العالم، صار التعاون الاممي ممكنا في الحالات الطارئة. ففي الحالات التي وصف فيها طبيب ادوية معينة غير متوفِّرة في البلد الذي يوجد فيه المريض، سهَّلت شبكتنا الاممية الحصول عليها وإرسالها من المانيا. وبالاضافة الى ذلك، صُنعت الترتيبات ليكون اخوة وأخوات من اكثر من اثني عشر بلدا على اتصال بالاطباء المتعاونين في المانيا، بغية صنع الترتيبات لإجراء علاج يمكنهم تحمُّل نفقاته.
بالطبع، يستفيد ايضا الاخوة العائشون في المانيا من هذا التعاون الاممي. ففي سنة ١٩٩٥، تعرَّضت اخت لحادث وهي في رحلة الى النَّروج، وأُدخلت الى المستشفى. وعند ابلاغ ابنها في المانيا بالحادث، طلب فورا المساعدة من قسم خدمات معلومات المستشفيات. فأبلغوا مكتب الفرع في النَّروج. وفي اليوم التالي، زار الاخت شاهد نروجي كان قد قطع، لاجل تقديم مساعدة افضل، مسافة ١٣٠ كيلومترا (٨٠ ميلا) ليجلب معه امرأة مهتمة تتكلم الالمانية. ولاحقا عبّر الابن عن تقديره كاتبا: «يا لها من هيئة! يا لها من محبة! . . . تعجز الكلمات غالبا عن التعبير عما يشعر به المرء. فأمر كهذا فريد حقا!».
وهكذا، بالتعليم والمحبة أُنجز تقدم كبير في التغلب على عقبة سبق ان كانت هائلة. وقبل ذلك بقليل، أُزيلت عقبة اخرى ايضا.
فجأة — سقط جدار برلين!
ذهل العالم بفجائية هذا الحدث! فقد شاهده الناس حول العالم على شاشات التلفزيون، وضج الآلاف في برلين احتفالا به. لقد أُزيل الحاجز بين الشرق والغرب! وكان ذلك في ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٩.
قبل هذا التاريخ بأكثر من ٢٥ سنة، فوجئ سكان برلين في ساعات الصباح الاولى يوم ١٣ آب (اغسطس) ١٩٦١، عندما اكتشفوا ان الرسميين في برلين الشرقية يبنون جدارا يفصل القطاع الذي يسيطر عليه الشيوعيون عن باقي المدينة. فكانت برلين تُقسم فعليا الى شرقية وغربية، عاكسة بالتالي الحالة بين المانيا الشرقية والغربية. وربما كان جدار برلين الرمز الاكثر مأساوية الى الصراع بين القوتين العظميين خلال الحرب الباردة.
ثم في ١٢ حزيران (يونيو) ١٩٨٧، قبل اكثر من سنتين فقط من الحوادث المدهشة التي حصلت سنة ١٩٨٩، طلب الرئيس الاميركي رونالد ريڠن، وهو يلقي خطابا على مقربة من بوابة براندنبورڠ وجدار برلين خلفه: «يا سيد ڠورباتشوڤ، افتح هذه البوابة. يا سيد ڠورباتشوڤ، اهدم هذا الجدار». ولكن هل كانت هنالك اية اشارة الى ان طلبه هذا سيُستجاب؟ وهل كان هذا سيتعدى اللغو الذي شاع خلال الحرب الباردة؟ بدا ذلك مستبعدا. ففي اوائل سنة ١٩٨٩، قال إريك هونيكر، رئيس نظام الحكم في المانيا الشرقية، وكأنه يردّ على ما قاله الرئيس الاميركي، ان الجدار «سيبقى بعدُ ٥٠ وأيضا ١٠٠ سنة».
لكن فجأة، فُتحت بوابة براندنبورڠ وسقط جدار برلين. يتذكر عضو من عائلة بيت ايل في زلترس انه حضر اجتماعا للجماعة مساء الخميس في ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٩، وبعد عودته الى البيت ادار جهاز التلفزيون ليشاهد نشرة الاخبار المسائية. وكم كانت دهشته كبيرة فيما تتبَّع التقارير عن فتح الحدود بين برلين الشرقية والغربية. فقد كان سكان برلين الشرقية يدخلون برلين الغربية بحرية لأول مرة بعد ٢٧ سنة! ولم يصدِّق ما رأته عيناه من سيارات تعبر الحدود مطلقةً ابواقها احتفالا بالحدث فيما اتَّجه المزيد والمزيد من سكان برلين الغربية، الذين استيقظ بعضهم من النوم، الى الحدود ليصطفّوا على طول الطريق ويعانقوا زوَّارهم غير المتوقَّعين. وكم انهمرت دموع الفرح! فقد سقط الجدار — حرفيا بين ليلة وضحاها!
خلال الـ ٢٤ ساعة التالية، بقي الناس حول العالم مسمَّرين امام اجهزة التلفزيون. فقد كان التاريخ يُكتب في تلك اللحظات عينها. فماذا كان ذلك سيعني لشهود يهوه في المانيا، وللشهود في كل العالم؟
سيارة من طراز ترابي تأتي لزيارتنا
صباح يوم السبت التالي وقبيل الساعة الثامنة، التقى احد الاخوة من عائلة بيت ايل وهو في طريقه الى عمله في زلترس عضوا رفيقا في العائلة، وهو كارلهاينس هارتكوپف، الذي يخدم الآن في هنڠاريا. فقال الاول بحماسة: «انا متأكد انه قبل مضي وقت طويل سنرى هنا في زلترس اول الاخوة الآتين من المانيا الشرقية!». فأجاب الاخ هارتكوپف بطريقته الهادئة والواقعية المعهودة: «انهم هنا». ففي الواقع، كان اخوان قد وصلا في الصباح الباكر في سيارتهما التي من طراز ترابي ذات المحرِّك الثنائي الشوط التي تصنِّعها المانيا الشرقية وقد اوقفا السيارة خارج بوابة بيت ايل بانتظار ان يبدأ يوم العمل.
وسرعان ما انتشر خبر ذلك في كل بيت ايل. لكن قبل ان يتسنّى للجميع ان يروا ويحيّوا هذين الزائرين غير المتوقَّعين انما المرحَّب بهما، كانا في طريق العودة الى المانيا الشرقية وسيارتهما محمَّلة بالمطبوعات. فمع ان المطبوعات كانت لا تزال محظورة رسميا هناك، كما كان عمل شهود يهوه، فإن اثارة تلك الفترة جدَّدت شجاعتهما. وقد اوضحا: «يجب ان نعود قبل الاجتماع غدا صباحا». وتخيَّلوا فرح الجماعة عندما وصل هذان الاخوان ومعهما صناديق كرتونية ملآنة بالمطبوعات التي كانت لزمن طويل تصل بكميات ضئيلة!
خلال الاسابيع القليلة التالية، تدفق آلاف الالمان الشرقيين عبر الحدود على المانيا الغربية، وكثيرون منهم لأول مرة في حياتهم. وبدا واضحا انهم كانوا يتمتعون بحرية التنقل التي حُرموا منها لفترة طويلة. وعند الحدود كان الالمان الغربيون يرحبون بهم ملوِّحين لهم بأيديهم. وشهود يهوه ايضا كانوا بين جماهير المحيِّين، لكنهم كانوا يحملون ما هو اهمّ من مجرد تعابير خارجية عن المشاعر. لقد كانوا يوزِّعون مطبوعات الكتاب المقدس بحرية لهؤلاء الزوار من المانيا الشرقية.
وفي بعض المدن الحدودية، بذلت الجماعات جهودا خصوصية للوصول الى الزائرين من المانيا الشرقية. وبما ان مطبوعات شهود يهوه كانت محظرة لعقود، كان كثيرون يعرفون القليل او لا شيء عنها. وبدلا من نشاط الخدمة من باب الى باب، صارت الخدمة «من ترابي الى ترابي» شائعة. وكان الناس توّاقين الى معرفة كل شيء جديد بما في ذلك الدين. وأحيانا كان الناشرون يكتفون بالقول: «انتم على الارجح لم تقرأوا هاتين المجلتين، لأنهما كانتا محظورتَين في بلدكم لحوالي ٤٠ سنة». فكان الجواب في اغلب الاوقات: «اذا كانتا محظورتَين، فلا بد انهما جيدتان. اريد ان احصل عليهما». وثمة ناشران في مدينة هوف الحدودية وزع كل منهما ٠٠٠,١ مجلة في الشهر. ولا حاجة الى القول ان الجماعة المحلية والجماعات المجاورة لم يعد لديها مخزون فائض من المجلات.
-
-
المانياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٩
-
-
[الصورة في الصفحة ٦٩]
محفل «الملكوت الظافر» الاممي، نورمبورڠ، ١٩٥٥
[الصور في الصفحة ٧٣]
ساعد الشهود الالمان كثيرين من المهاجرين على الاستفادة من حق الكتاب المقدس
[الصورة في الصفحة ٨٨]
مجمَّع بيت ايل في ڤيسبادن سنة ١٩٨٠
[الصورة في الصفحة ٩٠]
لجنة الفرع (من اليسار الى اليمين). الصف الامامي: ڠونتر كونْس، ادمونت آنشتات، رايمون تمْپلتن، ڤيلي پول. في الخلف: أيْبرهارت فابيان، ريتشارد كِلْسي، ڤرنر روتكي، پيتر ميتريڠه
[الصور في الصفحة ٩٥]
بعض قاعات المحافل العشر التي تُستخدم في المانيا
١- ڠلاوْخاوْ
٢- رُويْتْلنڠن
٣- ميونيخ
٤- مكنهايم
٥- برلين
[الصورة في الصفحة ٩٩]
مارتن وڠيرتْرُوت پويتسنڠر
[الصور في الصفحتين ١٠٠ و ١٠١]
تسهيلات الفرع في زلترس
[الصور في الصفحة ١٠٢]
بعض الذين من المانيا في الخدمة الارسالية الاجنبية: (١) مانفرِت توناك، (٢) مرڠريتا كونيڠر، (٣) پاول أنڠلِر، (٤) كارل زوميش، (٥) ڠونتر بوشبِك
[الصور في الصفحة ١١٠]
عندما رُفع الحظر في بلدان اوروپا الشرقية، أُرسلت اليها شحنات كبيرة من المطبوعات
[الصور في الصفحة ١١٨]
محفل برلين، ١٩٩٠
[الصور في الصفحة ١٢٤]
اول قاعة ملكوت بُنيت في المانيا الشرقية السابقة
[الصور في الصفحتين ١٣٢ و ١٣٣]
برنامج التدشين — في زلترس (كما هو ظاهر اعلاه)، ثم في ستة مدرَّجات في كل انحاء المانيا
[الصورة في الصفحة ١٣٩]
وسائل لمواجهة فيض من المعلومات الخاطئة
[الصور في الصفحتين ١٤٠ و ١٤١]
على الرغم من سَجن هؤلاء المسيحيين الاولياء في معسكرات الاعتقال (حيث كانت تحدَّد هوية شهود يهوه بمثلَّث ارجواني)، بقوا ثابتين في الايمان (يظهرون هنا في براندنبورڠ سنة ١٩٩٥)
[الصور في الصفحة ١٤٧]
في الصفحة المقابلة، بحسب دوران عقارب الساعة: هاينريخ ديكمان، آن ديكمان، ڠيرتْرُوت پويتسنڠر، ماريا هومباخ، يوزِف رايڤالد، إلفريدا لور
-