-
«هوذا هذا الهنا»برج المراقبة ٢٠٠٣ | ١ تموز (يوليو)
-
-
«هوذا هذا الهنا»
ان المعلومات التي تناقشها هاتان المقالتان مؤسسة على كتاب اقترب الى يهوه، الذي صدر في المحافل الكورية التي عُقدت حول العالم خلال السنة ٢٠٠٢/٢٠٠٣. — انظر المقالة: «ملأَت فراغا في قلبي»، في الصفحة ٢٠.
«هوذا هذا الهنا انتظرناه فخلَّصنا. هذا هو الرب». — اشعياء ٢٥:٩.
١، ٢ (أ) ماذا دعا يهوه الاب الجليل ابراهيم، وعمّ يجعلنا ذلك نتساءل؟ (ب) كيف يؤكد لنا الكتاب المقدس ان العلاقة الحميمة باللّٰه ممكنة؟
«خليلي». هكذا دعا يهوه، خالق السماء والارض، الاب الجليل ابراهيم. (اشعياء ٤١:٨) تخيَّل ان يصير مجرّد انسان صديقا للسيد المتسلط في الكون! وقد تتساءل: ‹هل يمكنني انا ان اقترب بهذا القدر الى اللّٰه؟›.
٢ يؤكد لنا الكتاب المقدس انه بإمكاننا حيازة علاقة حميمة باللّٰه. فإبراهيم تمتع بعلاقة حميمة كهذه لأنه ‹آمن بيهوه›. (يعقوب ٢:٢٣) واليوم ايضا يتمتع المستقيمون ‹بمودة› يهوه. (امثال ٣:٣٢، الترجمة اليسوعية الجديدة) وفي يعقوب ٤:٨ يحثّنا الكتاب المقدس: «اقتربوا الى اللّٰه فيقترب اليكم». فمن الواضح انه اذا قمنا بالخطوات اللازمة للاقتراب من يهوه، فسيبادلنا بالمِثل وسيقترب الينا. ولكن هل تعني هذه الكلمات الموحى بها اننا — نحن البشر الخطاة وغير الكاملين — نحن مَن ينبغي ان يقوم بالخطوة الاولى؟ طبعا لا. ‹فالصداقة› مع يهوه ما كانت ممكنة لو لم يتَّخذ هو خطوتين مهمَّتين. — مزمور ٢٥:١٤، عج.
٣ اية خطوتين اتخذهما يهوه ليمكّننا من حيازة صداقة معه؟
٣ اولا، هيّا يهوه ان «يبذل [يسوع] نفسَه فدية عن كثيرين». (متى ٢٠:٢٨) وهذه الذبيحة الفدائية تجعل اقترابنا الى اللّٰه ممكنا. يذكر الكتاب المقدس: «اما نحن فنحب، لأنه هو احبنا اولا». (١ يوحنا ٤:١٩) نعم، عندما «أحبّنا [اللّٰه] اولا» وضع لنا الاساس كي نتمتع بصداقته. والخطوة الثانية هي ان يهوه كشف لنا عن نفسه. فالرباط في اية صداقة حميمة يقوم على معرفة الآخر معرفة وثيقة، مع اعجاب وتقدير لصفاته المميَّزة. تأمّل في ما يعنيه ذلك. لو كان يهوه الها مخفيا، لا يمكن معرفته، لما تمكنّا قط من الاقتراب اليه. غير ان يهوه لا يخفي نفسه، بل يريد ان نتعرّف به. (اشعياء ٤٥:١٩) فهو يكشف في كلمته، الكتاب المقدس، عن نفسه بتعابير مفهومة. وهذا الامر لا يدل فقط على انه يحبنا، بل ايضا انه يريد ان نعرفه ونحبه كأب سماوي لنا.
٤ كيف نشعر حيال يهوه كلما ازداد فهمنا لصفاته؟
٤ هل رأيت مرةً ولدا صغيرا يشير بإصبعه الى والده امام اصدقائه ويقول بفرح واعتزاز بريئَين: «هذا ابي»؟ هنالك اسباب كثيرة تجعل عبّاد اللّٰه يشعرون شعورا مماثلا نحو يهوه. وينبئ الكتاب المقدس عن وقت يهتف فيه الناس الامناء: «هوذا هذا الهنا». (اشعياء ٢٥:٨، ٩) وكلما زاد فهمنا لصفات يهوه، زاد شعورنا بأن لدينا افضل اب وأقرب صديق يمكن تخيله. ففهم صفات يهوه يمنحنا اسبابا كثيرة لنقترب اليه. فلنَرَ كيف يكشف الكتاب القدس صفات يهوه الرئيسية: القدرة، العدل، الحكمة، والمحبة. وفي هذه المقالة سنناقش الصفات الثلاث الاولى.
«عظيم القوة»
٥ لماذا من الملائم ان يُدعى يهوه وحده «القادر على كل شيء»، وبأية طرائق يستخدم قدرته المهيبة؟
٥ يهوه «عظيم القوة». (ايوب ٣٧:٢٣) وتقول ارميا ١٠:٦: «لا مثل لك يا رب عظيم انت وعظيم اسمك في الجبروت». وبخلاف كل المخلوقات، يتمتع يهوه بقدرة غير محدودة. لهذا السبب يُدعى وحده «القادر على كل شيء». (كشف ١٥:٣) ويستخدم يهوه قدرته المهيبة للخلق والإهلاك والحماية والرد. تأمّل في مثلَين فقط: قدرته على الخلق، وقدرته على الحماية.
٦، ٧ ما مدى قوة الشمس، وعلى اية حقيقة مهمة تشهد؟
٦ عندما تقف في الخارج، في يوم ساطع من ايام الصيف، بماذا تحسّ على بشرتك؟ تحسّ بدفء الشمس. لكنّك في الواقع تحسّ بنتائج قدرة يهوه على الخلق. فما مدى قوة الشمس؟ تبلغ الحرارة في لبّ الشمس نحو ١٥ مليون درجة مئوية. وإذا اخذت جزءا بحجم رأس الدبوس من لبّ الشمس ووضعته هنا على الارض، فلن تتمكن من الوقوف ضمن مسافة ١٥٠ كيلومترا من هذا المصدر الصغير للحرارة دون ان تتأذّى! ففي كل ثانية تطلق الشمس طاقة تعادل انفجار مئات الملايين من القنابل النووية. غير ان الارض تدور على البُعد المناسب تماما من هذا الاتون الحراري النووي المهيب. فلو كانت اقرب من اللازم، لَتبخّر الماء على الارض؛ ولو كانت ابعد من اللازم، لَتجمدت كل المياه. وفي كلتا الحالتين تستحيل الحياة على كوكبنا.
٧ مع ان حياة الناس تعتمد على الشمس، لا يعلّق كثيرون اهمية كبيرة عليها. لذلك يغفلون عمّا تعلِّمنا الشمس اياه. يقول المزمور ٧٤:١٦ عن يهوه: «انت هيأت النور والشمس». نعم، تجلب الشمس الاكرام ليهوه، «صانع السموات والارض». (مزمور ١٤٦:٦) وهي مجرد واحدة من الخلائق العديدة التي تعلِّمنا عن قدرة يهوه الهائلة. وكلما تعلَّمنا عن قدرة يهوه على الخلق، ازددنا مهابة له.
٨، ٩ (أ) اي تشبيه يُظهِر رغبة يهوه في رعاية وحماية عبّاده؟ (ب) كيف كان الراعي في ازمنة الكتاب المقدس يحمي الخراف، وماذا يعلِّمنا ذلك عن راعينا العظيم؟
٨ بالاضافة الى ذلك، يستعمل يهوه قدرته الفائقة ليحمي خدامه ويعتني بهم. ويستخدم الكتاب المقدس بعض التشابيه الحية والمؤثرة لوصف وعد يهوه بتزويد الحماية. لاحِظ، مثلا، اشعياء ٤٠:١١ حيث يشبّه يهوه نفسه براعٍ، وشعبه بخراف. نقرأ: «كراعٍ يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات». هل يمكنك ان تتخيل ما تصفه هذه الآية؟
٩ قليلة هي الحيوانات التي تتميز بعجزها وضعفها كالخراف الداجنة. فكان على الراعي في ازمنة الكتاب المقدس ان يتحلى بالشجاعة ليحمي خرافه من الذئاب والدببة والاسود. (١ صموئيل ١٧:٣٤-٣٦؛ يوحنا ١٠:١٠-١٣) ولكن في بعض الاحيان، كانت حماية الخراف والعناية بها تستلزم اظهار الحنان. مثلا، عندما تلد نعجة صغيرها بعيدا عن القطيع، كيف كان الراعي يحمي الحمَل الضعيف؟ كان يحمله، وربما طوال ايام، في «حضنه»، اي في طيات لباسه الفوقاني. انما كيف كان الحمَل الصغير سيصل الى «حضن» الراعي؟ ربما يقترب الحمَل من الراعي ويلامس رجله. لكنّ الراعي هو الذي كان ينحني ويمسك بالحمَل ويضعه في حضنه آمنا مطمئنا. فما ارقّ هذا التشبيه لحرص راعينا العظيم على رعاية وحماية خدامه!
١٠ اية حماية يزودها يهوه اليوم، ولماذا هذه الحماية مهمة خصوصا؟
١٠ لكنّ يهوه لم يَعِد بالحماية وحسب. فقد اظهر في ازمنة الكتاب المقدس انه قادر «ان ينقذ المتعبدين له من المحنة» بطرائق عجائبية. (٢ بطرس ٢:٩) وماذا عن ايامنا؟ نحن نعرف انه لا يستعمل قدرته ليحمينا من كل اذى. لكنه يزودنا بشيء اهم: الحماية الروحية. فإلهنا المحب يحمينا من الاذى الروحي بتجهيزنا بما نحتاج اليه لنحتمل المحن ونصون علاقتنا به. مثلا، تذكر لوقا ١١:١٣: «ان كنتم وأنتم اشرار تعرفون كيف تعطون اولادكم عطايا صالحة، فكم بالأحرى الآب في السماء يعطي روحا قدسا للذين يسألونه!». ويمكن لهذه القدرة الفائقة ان تدعمنا لنواجه اية محنة او مشكلة قد تنشأ. (٢ كورنثوس ٤:٧) وهكذا يحفظ يهوه حياتنا، لا لفترة سنوات قصيرة فقط، بل مدى الابدية. وإذ نفكر في هذا الرجاء، لا شك اننا سنعتبر كل ألم في هذا النظام ‹وجيزا وخفيفا›. (٢ كورنثوس ٤:١٧) أفلا ننجذب الى اله يستعمل قدرته بكل محبة لأجلنا؟
يهوه ‹يحب العدل›
١١، ١٢ (أ) لماذا يجذبنا عدل يهوه اليه؟ (ب) الى اي استنتاج توصل داود في ما يتعلق بعدل يهوه، وكيف تطمئِننا هذه الكلمات الموحى بها؟
١١ لا يفعل يهوه إلا ما هو صائب ومنصف، ويفعل ذلك دون تمييز ولا محاباة. وليس العدل الالهي صفة باردة منفّرة وخالية من كل مشاعر، بل هو صفة جميلة تقرّبنا الى يهوه. ويتناول الكتاب المقدس بوضوح الطبيعة الجذابة لهذه الصفة. فلنتأمل في ثلاث طرائق يمارس بها يهوه العدل.
١٢ اولا، ان عدل يهوه يدفعه الى الاعراب عن الامانة والولاء نحو خدامه. وقد صار المرنم الملهم داود يقدِّر هذا الجانب من عدل يهوه. فأي استنتاج توصل اليه داود من تجربته الخاصة ومن درسه لطرق اللّٰه؟ أعلن: «لأن الرب يحب الحق [«العدل»، ترجمة تفسيرية] ولا يتخلى عن اتقيائه [«اوليائه»، عج]. الى الابد يُحفظون». (مزمور ٣٧:٢٨) يا لَهذا الوعد المطمئِن! فاللّٰه لن يتخلى على الاطلاق عن الاولياء له. لذلك يمكننا الاعتماد على العلاقة الوثيقة به ورعايته الحبية. وعدله إنما هو الضمانة لذلك! — امثال ٢:٧، ٨.
١٣ كيف يتجلى اهتمام يهوه بالمحتاجين في الشريعة التي اعطاها لإسرائيل؟
١٣ ثانيا، يتميز العدل الالهي بالتعاطف مع حاجات المحرومين. ويتجلى اهتمام يهوه بالمحتاجين في الشريعة التي اعطاها لإسرائيل. مثلا، اتُّخذت في الشريعة الترتيبات لضمان مساعدة اليتامى والارامل. (تثنية ٢٤:١٧-٢١) وكان يهوه يعرف مدى صعوبة العيش على هذه العائلات، لذلك صار كأب يقضي لهم ويحامي عنهم. (تثنية ١٠:١٧، ١٨) وحذر الاسرائيليين من انهم اذا اساءوا معاملة هؤلاء النساء والاولاد الضعفاء، فإنه سيسمع صراخهم. وعندئذ ‹يحمى غضبه›، كما هو مسجَّل في خروج ٢٢:٢٢-٢٤. وفي حين ان الغضب ليس من صفات اللّٰه الغالبة، يغضب يهوه غضبا بارا حين يرى المظالم التي تُرتكب عمدا، وخصوصا عندما يكون الضحايا اشخاصا لا حول لهم ولا قوة. — مزمور ١٠٣:٦.
١٤ ما هو احد الادلة البارزة على عدم محاباة يهوه؟
١٤ ثالثا، يؤكد لنا الكتاب المقدس في التثنية ١٠:١٧ ان يهوه «لا يأخذ بالوجوه ولا يقبل رشوة». فبخلاف اناس كثيرين يتمتعون بالسلطة او النفوذ، لا يتأثر يهوه بالغنى المادي او المظهر الخارجي. ولا تحيُّز عنده او محاباة. وأحد الادلة البارزة على عدم محاباته هو ان فرصة الصيرورة من عباده الحقيقيين، مع امل العيش الى الابد، لا تقتصر على نخبة صغيرة فقط. تذكر الاعمال ١٠:٣٤، ٣٥: «اللّٰه ليس محابيا، بل في كل أمة، من يخافه ويعمل البر يكون مقبولا عنده». وهذا الوعد هو للجميع بصرف النظر عن مقامهم الاجتماعي، لون جلدهم، او البلد الذي يعيشون فيه. أفَليس هذا اسمى درجات العدل؟! فعلا، اذا امتلكنا فهما افضل لعدل يهوه، فإننا ننجذب اليه!
‹يا لَعمق حكمة اللّٰه!›
١٥ ما هي الحكمة، وكيف يعرب يهوه عنها؟
١٥ لقد اندفع الرسول بولس ليهتف، كما هو مسجل في روما ١١:٣٣: «يا لَعمق غنى اللّٰه وحكمته وعلمه!». نعم، عندما نتأمل في الاوجه المختلفة لحكمة يهوه الواسعة، لا يسَعنا الا ان نمتلئ رهبة. لكن كيف نعرِّف هذه الصفة؟ تجمع الحكمة المعرفة والتمييز والفهم لكي تحقق الغاية المنشودة. ويهوه، باستخدامه معرفته الواسعة وفهمه العميق، يتخذ دائما افضل القرارات الممكنة، وهو ينفّذها بأفضل طريقة يمكن تصوّرها.
١٦، ١٧ كيف تشهد خلائق يهوه على حكمته الواسعة؟ أعطوا مثلا.
١٦ ما هي بعض البراهين على حكمة يهوه الواسعة؟ يذكر المزمور ١٠٤:٢٤: «ما اعظم اعمالك يا رب. كلها بحكمة صنعتَ. ملآنة الارض من غناك». فكلّما تعلّمنا اكثر عن مصنوعات يهوه، ملأتنا حكمته رهبة اكثر. حتى العلماء تعلّموا الكثير من درسهم لخلائق يهوه! وهنالك مجال في الهندسة يُدعى علم التقليد الاحيائي، وهو يسعى الى تقليد التصاميم الموجودة في الطبيعة.
١٧ على سبيل المثال، ربما حدث ان وقفتَ امام نسيج عنكبوت وتفرّجت على جماله بتعجُّب. انه فعلا اعجوبة في التصميم! فبعض الخيوط التي تبدو ضعيفة هي اقوى من الفولاذ لو صُيِّر بحجم الخيط، وهي كذلك أمتن من الألياف المستعملة في صنع الصُّدرة الواقية من الرصاص. وماذا يعني ذلك بالتحديد؟ تخيّل ان هذا النسيج كبير جدا بحيث يناهز حجم شبكة تُستعمل لصيد الاسماك. ستكون هذه الشبكة قوية جدا حتى إنها توقف طائرة ركاب وهي محلّقة! نعم، صنع يهوه كل هذه الاشياء «بحكمة».
١٨ كيف تُرى حكمة يهوه في استخدامه بشرا لتسجيل كلمته، الكتاب المقدس؟
١٨ وأكبر دليل على حكمة يهوه موجود في كلمته، الكتاب المقدس. فالمشورة الحكيمة في صفحات هذا الكتاب تهدينا الى افضل طريق للعيش. (اشعياء ٤٨:١٧) لكنّ حكمة يهوه التي لا تُضاهى تُرى ايضا في الطريقة التي كُتب بها الكتاب المقدس. كيف؟ لقد اختار يهوه بحكمته ان يستخدم بشرا ليسجّلوا كلمته. فلو استخدم ملائكة، هل كان الكتاب المقدس سيحافظ على نفس جاذبيته؟ صحيح ان الملائكة كانوا سيصفون يهوه من وجهة نظرهم الرفيعة ويعبّرون عن تعبّدهم الشديد نحوه. ولكن هل كنا سنشعر بأننا نشاطر هذه المخلوقات الروحانية الكاملة نظرتها، هي التي تملك معرفة وخبرة وقوة اسمى منا بكثير؟ — عبرانيين ٢:٦، ٧.
١٩ أعطوا مثلا يُظهر ان استخدام بشر لكتابة الكتاب المقدس يُكسبه دفئا وجاذبية كبيرَين.
١٩ ان استخدام كتبة بشر يُكسِب الكتاب المقدس دفئا وجاذبية كبيرَين. فقد كان كتبته اناسا بمشاعر مثلنا. ولكونهم ناقصين، واجهوا محنا وضغوطا مشابهة لما نتعرض له نحن. وفي بعض الحالات، كتبوا بصيغة المتكلم عن مشاعرهم وكفاحاتهم. (٢ كورنثوس ١٢:٧-١٠) فكتبوا كلمات ما كان ايّ ملاك ليستطيع التعبير عنها. خُذ على سبيل المثال كلمات داود المسجلة في المزمور ٥١. فبحسب العنوان، نظم داود هذا المزمور بعدما ارتكب خطايا خطيرة. وفيه سكب قلبه وعبّر عن حزن عميق والتمس الغفران من اللّٰه. يذكر العددان ٢ و ٣: «اغسلني كثيرا من اثمي ومن خطيتي طهِّرني. لأني عارف بمعاصيَّ وخطيتي امامي دائما». ولاحِظ العدد ٥: «هأنذا بالاثم صُوِّرت وبالخطية حبلت بي امي». ويضيف العدد ١٧: «ذبائح اللّٰه هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا اللّٰه لا تحتقره». أفلا تشعر بعذابات الكاتب؟ مَن غير الانسان الناقص يمكنه ان يعبّر عن مشاعر قلبية كهذه؟!
٢٠، ٢١ (أ) لماذا يمكن القول ان الكتاب المقدس يحتوي على حكمة يهوه رغم استخدام كتبة بشر؟ (ب) ماذا ستناقشه المقالة التالية؟
٢٠ باستخدام بشر ناقصين كهؤلاء، زوَّدَنا يهوه بما نحتاج اليه تماما: سجل «موحى به من اللّٰه» انما دون اهمال العنصر البشري. (٢ تيموثاوس ٣:١٦) نعم، كان هؤلاء الكتبة موجَّهين بالروح القدس. لذلك كانوا يسجلون حكمة يهوه لا حكمتهم الخاصة. وتلك الحكمة يُعتمد عليها الى اقصى الحدود. فهي اسمى من حكمتنا الخاصة، حتى ان اللّٰه يحثنا بمحبة: «توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد. في كل طرقك اعرفه وهو يقوِّم سبلك». (امثال ٣:٥، ٦) وبالاستماع الى هذه النصيحة الحكيمة، نقترب اكثر الى الهنا الكلّي الحكمة.
٢١ أما اجمل صفات يهوه وأرقّها فهي المحبة. وستناقش المقالة التالية كيف يعرب يهوه عن المحبة.
-
-
«اللّٰه محبة»برج المراقبة ٢٠٠٣ | ١ تموز (يوليو)
-
-
«اللّٰه محبة»
«مَن لا يحب لم يعرف اللّٰه، لأن اللّٰه محبة». — ١ يوحنا ٤:٨.
١-٣ (أ) ماذا يقول الكتاب المقدس عن صفة المحبة عند يهوه، وماذا يجعل هذا القول فريدا؟ (ب) لماذا يقول الكتاب المقدس ان «اللّٰه محبة»؟
كل صفات يهوه رائعة، كاملة، وتمسّ القلب. لكنَّ المحبة هي اجمل صفات يهوه. فما من صفة تقرّبنا الى يهوه بقدر ما تقرّبنا اليه محبته لنا. ومن المفرح ان المحبة هي ايضا صفة اللّٰه الغالبة. فكيف نعرف ذلك؟
٢ يقول الكتاب المقدس عن المحبة شيئا لا يقال ابدا عن صفات يهوه الرئيسية الاخرى. فالاسفار المقدسة لا تقول ان اللّٰه قدرة او اللّٰه عدل، او حتى ان اللّٰه حكمة. فهو يملك هذه الصفات، وهو المصدر الاسمى لها جميعا. ولكن يُقال عن المحبة شيء اعمق في ١ يوحنا ٤:٨: «اللّٰه محبة». نعم، المحبة تتغلغل عميقا في كيان يهوه. فهي جوهره او طبيعته. ويمكننا عموما ان نفكر في المسألة على هذا الوجه: قدرة يهوه تمكِّنه من العمل؛ عدله وحكمته يوجّهان الطريقة التي يعمل بها؛ أما محبته فتدفعه الى العمل. وتُرى محبته دائما في طريقة استخدامه صفاته الاخرى.
٣ يُقال غالبا ان يهوه هو مجسِّم المحبة. لذلك اذا اردنا ان نتعلم شيئا عن المحبة، يجب ان نتعلم عن يهوه. فلنفحص بعض اوجه محبة اللّٰه التي لا تضاهى.
اعظم اعراب عن المحبة
٤، ٥ (أ) ما هو اعظم اعراب عن المحبة في كل التاريخ؟ (ب) لماذا يمكننا القول ان يهوه وابنه متحدان بأقوى رباط محبة تشكَّل على الاطلاق؟
٤ يعرب يهوه عن المحبة بطرائق كثيرة، ولكن ثمة طريقة واحدة تفوقها جميعا. فما هي؟ انها ارسال ابنه ليتألم ويموت من اجلنا. ويمكننا القول بملء الثقة انها اعظم اعراب عن المحبة في كل التاريخ. فلماذا نقول ذلك؟
٥ يدعو الكتاب المقدس يسوع «بكر كل خليقة». (كولوسي ١:١٥) تخيَّل هذا! لقد كان ابن يهوه موجودا قبل الكون المادي. فكم بلغت المدة التي بقي خلالها الآب والابن معا؟ يقدّر بعض العلماء ان عمر الكون يبلغ ١٣ بليون سنة. ولكن حتى لو كان هذا التقدير صحيحا، فلن يكون كافيا ليمثِّل طول عمر ابن يهوه البكر! فماذا كان يفعل طوال كل هذه العصور؟ كان الابن سعيدا في عمله ‹كصانع› لدى ابيه. (امثال ٨:٣٠؛ يوحنا ١:٣) فقد عمل يهوه وابنه معا لصنع سائر الاشياء. وكم كانت تلك الاوقات سعيدة ومثيرة! فمَن يستطيع ان يسبر كاملا عمق الرباط الذي نما بين يهوه اللّٰه وابنه على مدى تلك الفترة الهائلة من الزمن؟! من الواضح انهما متحدان بأقوى رباط محبة تشكَّل على الاطلاق.
٦ عندما اعتمد يسوع كيف عبَّر يهوه عن مشاعره تجاه ابنه؟
٦ رغم ذلك، ارسل يهوه ابنه الى الارض ليولد كطفل بشري. وعنى ذلك ان يتخلى يهوه بضعة عقود عن علاقته الحميمة بابنه الحبيب في السماء. وباهتمام شديد، اخذ يراقب يسوع من السماء وهو يكبر ليصير رجلا كاملا. وبعمر ٣٠ سنة تقريبا، اعتمد يسوع. وتكلّم الآب بنفسه في تلك المناسبة من السماء قائلا: «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت». (متى ٣:١٧) ولا بد ان الآب كان سعيدا برؤية يسوع ينفذ بأمانة كل ما أُنبئ به وكل ما طُلب منه. — يوحنا ٥:٣٦؛ ١٧:٤.
٧، ٨ (أ) ماذا عانى يسوع في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ بم، وكيف شعر ابوه السماوي حيال ذلك؟ (ب) لماذا سمح يهوه بأن يتألم ابنه ويموت؟
٧ ولكن كيف شعر يهوه في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ بم، حين جرت خيانة يسوع واعتقله رعاع غاضبون؟ حين استُهزئ به وبُصق عليه ولُكِم؟ حين جُلد وتمزّق لحم ظهره تمزيقا؟ وحين سُمِّر في يديه وقدميه على عمود خشبي وتُرك هناك معلَّقا فيما الناس يشتمونه؟ كيف شعر الآب حين صرخ ابنه الحبيب اليه في غمرة عذابه؟ وكيف شعر يهوه حين لفظ يسوع آخر انفاسه ولم يعُد لابنه الوحيد وجود لأول مرة منذ فجر كل خليقة؟ — متى ٢٦:١٤-١٦، ٤٦، ٤٧، ٥٦، ٥٩، ٦٧؛ ٢٧:٢٦، ٣٨-٤٤، ٤٦؛ يوحنا ١٩:١.
٨ بما ان يهوه يملك مشاعر، فلا توجد كلمات تصف الألم الذي احسّ به بسبب تألم ابنه وموته. ولكن توجد كلمات تصف الدافع الذي جعل يهوه يسمح بحدوث ذلك. فلماذا عرَّض الآب نفسه لهذا الألم؟ يكشف يهوه لنا شيئا رائعا في يوحنا ٣:١٦، آية مهمة للغاية حتى انها اعتُبرت انجيلا مصغَّرا. تقول: «ان اللّٰه أحب العالم كثيرا حتى إنه بذل الابن، مولوده الوحيد، لكي لا يهلك كل من يمارس الإيمان به، بل تكون له حياة ابدية». اذًا، ان ما دفع يهوه الى فعل ذلك هو: المحبة. ولم يعبِّر احد عن محبة اعظم من هذه.
كيف يؤكد يهوه لنا محبته
٩ ماذا يريد الشيطان حملنا على اعتقاده بشأن نظرة يهوه الينا، ولكن ماذا يؤكد لنا يهوه؟
٩ ولكن ينشأ سؤال هام: ‹هل يحبنا اللّٰه إفراديا؟›. قد يوافق المرء على القول ان اللّٰه يحب الجنس البشري عموما، كما تذكر يوحنا ٣:١٦. غير انه يقول في نفسه ان ‹اللّٰه لا يمكن ان يحبني انا كفرد›. في الحقيقة، يسعى الشيطان ابليس جاهدا لحملنا على الاعتقاد ان يهوه لا يحبنا ولا يعتبرنا ذوي قيمة. ولكن مهما كنا نحسب انفسنا بلا قيمة او لا يمكن ان نُحَبّ، فإن يهوه يؤكد لنا ان كل واحد من خدامه الامناء ذو قيمة في نظره.
١٠، ١١ كيف يُظهر ايضاح يسوع عن العصافير الدورية اننا ذوو قيمة في نظر يهوه؟
١٠ على سبيل المثال، تأمَّل في كلمات يسوع المسجلة في متى ١٠:٢٩-٣١. فلكي يوضح يسوع قيمة تلاميذه، قال: «أما يباع عصفوران دوريان بقطعة نقود قيمتها زهيدة؟ ومع ذلك لا يسقط واحد منهما على الأرض بدون علم ابيكم. أما انتم فشعر رأسكم نفسه معدود كله. فلا تخافوا: انتم اثمن من عصافير دورية كثيرة». تأمَّل في ما عنته هذه الكلمات لسامعي يسوع في القرن الاول.
١١ كان الدوري في ايام يسوع من ارخص الطيور التي تُباع للأكل. فبقطعة نقود قيمتها زهيدة، كان الشاري يحصل على عصفورين دوريَّين. لكنّ يسوع يذكر بعد ذلك، بحسب لوقا ١٢:٦، ٧، انه اذا دفع الشخص قطعتَي نقود، لا يحصل على اربعة عصافير دورية بل على خمسة. فالطائر الاضافي كان يُعطى كما لو ان لا قيمة له على الإطلاق. ربما كانت هذه الطيور بلا قيمة في عيون البشر، ولكن هل كانت هذه نظرة الخالق اليها؟ قال يسوع: «لا يُنسى واحد منها [حتى العصفور الدوري الذي يُعطى مجانا] امام اللّٰه». ربما بدأنا الآن نفهم فكرة يسوع. فبما ان للعصفور الدوري الواحد قيمة عند يهوه، فكم بالأكثر هي قيمة الانسان في نظره! وكما قال يسوع، يعرف يهوه كل تفصيل عنا. حتى شعر رأسنا معدود كله!
١٢ لماذا يمكننا ان نتأكد ان يسوع لم يكن يبالغ عندما قال ان شعر رأسنا معدود؟
١٢ قد يقول البعض ان يسوع كان يبالغ هنا. ولكن فكر لحظة في رجاء القيامة. فلا بدّ ان يهوه يعرفنا معرفة عميقة للغاية كي يتمكَّن من إعادة خلقنا! وهو يعتبرنا ذوي قيمة كبيرة الى حد انه يتذكر كل تفصيل، بما في ذلك الشِّفرة الوراثية المعقدة لدينا وكل الذكريات والخبرات التي جمعناها على مرّ السنين. وليس عدّ شعر رأسنا — الذي يناهز الـ ٠٠٠,١٠٠ شعرة كمعدل — بالإنجاز الصعب اذا ما قورن بذلك. فما اروع كلمات يسوع التي يؤكد لنا فيها ان يهوه يهتم بنا كأفراد!
١٣ كيف تُظهر حالة الملك يهوشافاط ان يهوه يبحث عن الصلاح فينا رغم نقصنا؟
١٣ يكشف الكتاب المقدس شيئا آخر يؤكّد لنا محبة يهوه: ان اللّٰه يبحث عن الصلاح الموجود فينا ويقدّره. خُذْ على سبيل المثال الملك الصالح يهوشافاط. فعندما قام الملك بعمل احمق، قال له نبيّ يهوه: «الغضب عليك من قِبَل الرب». وما كان افظع ذلك! لكنَّ رسالة يهوه لم تنتهِ هنا، بل مضت قائلة: «غير انه وُجد فيك امور صالحة». (٢ أخبار الايام ١٩:١-٣) فغضب يهوه البار لم يُعمِه عن ‹الامور الصالحة› الموجودة في يهوشافاط. أفَلَيس مطمئِنا ان نعرف ان الهنا يبحث عن الصلاح فينا رغم نقصنا؟
اله «غفور»
١٤ اية مشاعر مزعجة قد تنتابنا عندما نخطئ، لكن كيف نستفيد من غفران يهوه؟
١٤ عندما نخطئ، قد يجعلنا ما نشعر به من خيبة وعار وذنب نفكِّر اننا لن نكون أهلا على الاطلاق لخدمة يهوه. لكن تذكَّر ان يهوه «غفور». (مزمور ٨٦:٥) نعم، اذا تبنا عن خطايانا وبذلنا قصارى جهدنا لئلا نقع فيها من جديد نستفيد من غفران يهوه. تأمّل كيف يصف الكتاب المقدس هذا الوجه الرائع من محبة يهوه.
١٥ الى ايّ حد يُبعد يهوه خطايانا عنا؟
١٥ استخدم المرنم الملهم داود تعبيرا تصويريا ليصف غفران يهوه قائلا: «كبُعد المشرق من المغرب ابعدَ عنا معاصينا». (مزمور ١٠٣:١٢، امالة الحروف لنا) فكم يبعد المشرق عن المغرب؟ يُعتبر المشرق دائما ابعد ما يكون عن المغرب، وهاتان النقطتان لا تلتقيان البتة. ويذكر احد العلماء ان هذه العبارة تعني «ابعد ما يمكن، الى ابعد حد يمكن تخيله». لذلك نفهم من كلمات داود الملهمة ان يهوه، عندما يغفر، يُبعد عنا خطايانا الى اقصى حد يمكننا تخيله.
١٦ عندما يغفر يهوه خطايانا، لماذا يمكننا ان نتأكد انه يعتبرنا انقياء بعد ذلك؟
١٦ هل حاولتَ يوما ان تزيل لطخة عن ثوب فاتح اللون؟ ربما تبقى اللطخة ظاهرة رغم كل محاولاتك. ولكن لاحظ كيف يصِف يهوه قدرته على المغفرة: «إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيَضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي [«كالقرمز القاني»، عج] تصير كالصوف». (اشعياء ١:١٨، امالة الحروف لنا) تشير كلمة «قرمز» الى اللون الاحمر الزاهي.a اما «القرمز القاني» فكان احد اغمق الالوان المستخدَمة في الصباغة. وهكذا يستحيل علينا ان نزيل لطخة الخطية بجهودنا الخاصة. لكنَّ يهوه قادر على ازالة الخطايا التي هي كالقرمز، حتى القاني منه، وجعلها تبيَضّ كالثلج او كالصوف غير المصبوغ. وعندما يغفر يهوه خطايانا، لا ينبغي ان نشعر بأننا سنحمل وصمة هذه الخطايا باقي حياتنا.
١٧ بأي معنى يطرح يهوه خطايانا وراء ظهره؟
١٧ قال حزقيا ليهوه في ترنيمة شكر مؤثرة نظمها بعدما استُبقي حيا اثر مرض مميت: «طرحتَ وراء ظهرك كل خطاياي». (اشعياء ٣٨:١٧، امالة الحروف لنا) فيهوه يصوَّر هنا وكأنه يأخذ خطايا فاعل الاثم التائب ويطرحها وراءه بحيث لا يعود يراها ولا يعيرها اهتماما. وبحسب احد المراجع، يمكن التعبير عن الفكرة على هذا الشكل: «جعلتَ [خطاياي] تبدو وكأنها لم تحدث قط». أفَلا يجعلنا ذلك نشعر بالاطمئنان؟
١٨ كيف يشير النبي ميخا الى ان يهوه، حين يغفر، يزيل خطايانا الى الابد؟
١٨ في احد وعود الرد، عبَّر النبي ميخا عن اقتناعه بأن يهوه سيغفر لشعبه التائب قائلا: «مَن هو اله مثلك . . . صافِح عن الذنب لبقية ميراثه. . . . تُطرح في اعماق البحر جميع خطاياهم». (ميخا ٧:١٨، ١٩، امالة الحروف لنا) تخيَّل ما عنته هذه الكلمات للناس العائشين في ازمنة الكتاب المقدس. فلم تكن هنالك اية امكانية لاسترداد شيء طُرح «في اعماق البحر»! لذا تشير كلمات ميخا الى ان يهوه، حين يغفر، يزيل خطايانا الى الابد.
«حنان إلهنا» ورأفته
١٩، ٢٠ (أ) ما هو معنى الفعل العبراني الذي يترجَم «رَحِم» او «اشفق»؟ (ب) كيف يستخدم الكتاب المقدس المشاعر التي تكنُّها الامّ لطفلها ليعلِّمنا عن معنى رأفة يهوه؟
١٩ الرأفة وجه آخر لمحبة يهوه. فما هي الرأفة؟ نجد في الكتاب المقدس ارتباطا وثيقا بين الرأفة والرحمة. وهنالك عدد من الكلمات العبرانية واليونانية التي تنقل معنى الرأفة. إليك مثلا الفعل العبراني رَحَم، الذي يترجَم غالبا بالعربية «رَحِم» او «اشفق». ويرتبط هذا التعبير العبراني، الذي يطبِّقه يهوه على نفسه، بموضع الجنين في بطن الامّ، اي الرَّحِم. لذا يمكن ان يُستعمَل هذا التعبير لوصف «حنان الامّ».
٢٠ يستخدم الكتاب المقدس المشاعر التي تكنُّها الامّ لطفلها ليعلِّمنا عن معنى رأفة يهوه. تذكر اشعياء ٤٩:١٥: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم [رَحَم] ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا انساك». من الصعب تخيُّل أمّ تنسى إطعام رضيعها والعناية به. فالطفل كائن عاجز، وهو يحتاج ليلَ نهار الى رعاية امه وعطفها. ولكن من المؤسف القول ان بعض الامهات لا يهتممن بصغارهن، وخصوصا في هذه ‹الازمنة الحرجة›. (٢ تيموثاوس ٣:١، ٣) لكنَّ يهوه يقول: «انا لا انساكِ». فحنان يهوه ورأفته تجاه خدامه اعمق بكثير من حنان الامّ على طفلها، الذي نعتبره ارقّ شعور طبيعي يمكن تخيُّله.
٢١، ٢٢ ماذا عانى الاسرائيليون في مصر القديمة، وكيف تجاوب يهوه مع آلامهم؟
٢١ كيف يظهِر يهوه، كأب محب، الحنان والرأفة؟ تُرى رأفة يهوه بوضوح في طريقة تعامله مع امة اسرائيل القديمة. فبحلول نهاية القرن الـ ١٦ قم، كان ملايين الاسرائيليين مستعبَدين في مصر القديمة حيث لقوا معاملة قاسية جدا. (خروج ١:١١، ١٤) وفي ضيقهم صرخ الاسرائيليون الى يهوه ليساعدهم. فكيف تجاوب إله الحنان والرأفة؟
٢٢ تأثر قلب يهوه بما يحدث. فقال: «اني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم . . . اني علمت اوجاعهم». (خروج ٣:٧) وكان من غير الممكن ان يرى يهوه آلام شعبه او يسمع صراخهم دون ان يشاطرهم شعورهم. فيهوه هو اله التعاطف. والتعاطف — الذي هو الاحساس بألم الآخرين — مرتبط جدا بالرأفة. لكنَّ يهوه لم يشاطر شعبه شعورهم فحسب، بل اندفع الى اتخاذ اجراء من اجلهم. تقول اشعياء ٦٣:٩: «بمحبته ورأفته هو فكّهم». و ‹بيد شديدة›، انقذ يهوه الاسرائيليين من مصر. (تثنية ٤:٣٤) وبعد ذلك زوَّدهم بطعام عجائبي وأدخلهم ارضا مثمرة ليمتلكوها.
٢٣ (أ) كيف تؤكد لنا كلمات المرنم الملهم ان يهوه يهتم اهتماما عميقا بنا كأفراد؟ (ب) بأية طرائق يساعدنا يهوه؟
٢٣ لا يعرب يهوه عن الرأفة نحو شعبه كمجموعة فقط. فإلهنا المحِب يهتم اهتماما عميقا بنا كأفراد. وهو يعرف جيدا ايّ ألم نعانيه. كتب المرنم الملهم: «عينا الرب نحو الصدِّيقين وأذناه الى صراخهم. قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلّص المنسحقي الروح». (مزمور ٣٤:١٥، ١٨) وكيف يساعدنا يهوه كأفراد؟ انه لا يزيل بالضرورة سبب معاناتنا. لكنَّه هيَّأ تدابير وافرة من اجل الذين يصرخون اليه طلبا للمساعدة. فكلمته تقدِّم نصائح عملية قد تجعل وضعنا افضل. ويزوِّد يهوه في الجماعة نظارا اكفاء روحيا يعملون جاهدين ليعكسوا رأفته عند مساعدة الآخرين. (يعقوب ٥:١٤، ١٥) وبما انه «سامع الصلاة»، فهو يعطي «روحا قدسا للذين يسألونه». (مزمور ٦٥:٢؛ لوقا ١١:١٣) وكل هذه التدابير تعبير عن «حنان إلهنا» ورأفته. — لوقا ١:٧٨.
٢٤ كيف ستتجاوب مع محبة يهوه؟
٢٤ ألَيس من الرائع التأمل في محبة ابينا السماوي؟ في المقالة السابقة جرى تذكيرنا ان يهوه مارس قدرته، عدله، وحكمته بطرائق محِبّة لفائدتنا. وفي هذه المقالة رأينا ان يهوه يعبّر عن محبته بشكل مباشر نحو الجنس البشري — ونحونا إفراديا — بطرائق لافتة للنظر. لذلك يحسن بكلٍّ منا ان يطرح على نفسه السؤال التالي: ‹كيف سأتجاوب مع محبة يهوه؟›. فتجاوَبْ مع محبة يهوه وأحِبَّه بكل قلبك وعقلك ونفسك وقوتك. (مرقس ١٢:٢٩، ٣٠) ولتعكس طريقة حياتك يوما فيوما رغبتك القلبية في الاقتراب اكثر فأكثر الى يهوه. وليقترب يهوه، اله محبة، اكثر اليك الى ابد الآبدين! — يعقوب ٤:٨.
[الحاشية]
a يقول احد العلماء ان القرمز «كان لونا من الالوان الثابتة. فلا يمكن للندى ولا للمطر ولا الغسل ولا الاستعمال الطويل ان يزيله».
-