مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • هل من الطبيعي ان اشعر هكذا؟‏
    عندما يموت شخص تحبونه .‏ .‏ .‏
    • هل من الطبيعي ان اشعر هكذا؟‏

      يكتب شخص فقد اباه:‏ «كولد في انكلترا،‏ تعلَّمت ان لا اعبِّر عن مشاعري علنا.‏ يمكنني ان اتذكر ابي،‏ رجل عسكري سابق،‏ يقول لي وهو يصرّ بأسنانه،‏ ‹لا تبكِ!‏› عندما كان شيء ما يسبب لي الالم.‏ ولا يمكنني ان اتذكر ما اذا كانت امي قد قبَّلت او عانقت يوما ما احدا منا نحن الاولاد (‏وكنا اربعة)‏.‏ كنت بعمر ٥٦ سنة عندما رأيت ابي ميتا.‏ شعرت بخسارة كبيرة.‏ لكنني لم اكن في البداية قادرا على البكاء.‏»‏

      في بعض المجتمعات،‏ يعبِّر الناس عن مشاعرهم علنا.‏ وسواء كانوا سعداء او حزانى،‏ يعرف الآخرون شعورهم.‏ ومن ناحية اخرى،‏ في بعض انحاء العالم،‏ وخصوصا في اوروپا الشمالية وبريطانيا،‏ يُكيَّف الناس،‏ وخصوصا الرجال،‏ لكي يخفوا مشاعرهم،‏ يكبتوا عواطفهم،‏ يتحملوا الشدائد بصمت ولا يفصحوا عن مشاعرهم.‏ ولكن عندما تعانون فقدان شخص عزيز،‏ هل يكون الى حد ما خطأً ان تعبِّروا عن تفجُّعكم؟‏ ماذا يقول الكتاب المقدس؟‏

      اولئك الذين بكوا في الكتاب المقدس

      كتب الكتاب المقدس عبرانيون من منطقة شرقي البحر الابيض المتوسط،‏ وكانوا اشخاصا يعبِّرون عن مشاعرهم.‏ وهو يحتوي على امثلة كثيرة لاشخاص اظهروا تفجُّعهم علنا.‏ فالملك داود ناح على فقدان ابنه المقتول امنون.‏ وفي الواقع،‏ «بكى .‏ .‏ .‏ بكاء عظيما جدا.‏» (‏٢ صموئيل ١٣:‏​٢٨-‏٣٩‏)‏ وتفجَّع ايضا لخسارة ابنه الخائن ابشالوم،‏ الذي حاول ان يغتصب المُلك.‏ تخبرنا رواية الكتاب المقدس:‏ «فانزعج [داود] الملك وصعد الى عليَّة الباب وكان يبكي ويقول هكذا وهو يتمشى يا ابني ابشالوم يا ابني يا ابني ابشالوم يا ليتني متُّ عوضا عنك يا ابشالوم ابني يا ابني.‏» (‏٢ صموئيل ١٨:‏٣٣‏)‏ لقد ناح داود كأيِّ اب عادي.‏ وكم مرة تمنى الوالدون لو انهم ماتوا عوضا عن اولادهم!‏ يبدو غير طبيعي البتة ان يموت الولد قبل الوالد.‏

      وكيف كان رد فعل يسوع لموت صديقه لعازر؟‏ لقد بكى قرب قبره.‏ (‏يوحنا ١١:‏​٣٠-‏٣٨‏)‏ وفي ما بعد،‏ بكت مريم المجدلية عندما اقتربت من مدفن يسوع.‏ (‏يوحنا ٢٠:‏​١١-‏١٦‏)‏ صحيح ان المسيحي الذي يملك فهما لرجاء القيامة من الكتاب المقدس لا يتفجَّع دون عزاء،‏ كما يفعل البعض الذين لا يملكون اساسا واضحا من الكتاب المقدس لمعتقداتهم المتعلقة بحالة الموتى.‏ لكنَّ المسيحي الحقيقي،‏ كإنسان لديه مشاعر طبيعية،‏ يتفجَّع وينوح على فقدان ايِّ شخص يحبه،‏ على الرغم من امتلاكه رجاء القيامة.‏ —‏ ١ تسالونيكي ٤:‏​١٣،‏ ١٤‏.‏

      ان نبكي او لا نبكي

      وماذا عن ردود فعلنا اليوم؟‏ هل تجدون ان إظهار مشاعركم امر صعب او مربك؟‏ بماذا يوصي المشيرون؟‏ في اغلب الاحيان لا تردِّد وجهات نظرهم العصرية إلا حكمة الكتاب المقدس القديمة الموحى بها.‏ فهم يقولون انه يجب ان نعبِّر عن تفجُّعنا،‏ لا ان نكبته.‏ ويذكِّرنا ذلك برجال الايمان القدماء،‏ كأيوب،‏ داود،‏ وإرميا،‏ الذين توجد تعابيرهم عن التفجُّع في الكتاب المقدس.‏ فهم بالتأكيد لم يحبسوا مشاعرهم.‏ لذلك ليس من الحكمة ان تعتزلوا عن الناس.‏ (‏امثال ١٨:‏١‏)‏ وطبعا،‏ يُعبَّر عن النوح بطرائق مختلفة في مجتمعات مختلفة،‏ ويعتمد ذلك ايضا على المعتقدات الدينية السائدة.‏a

      وماذا اذا شعرتم برغبة في البكاء؟‏ انه جزء من الطبيعة البشرية ان نبكي.‏ وتذكَّروا من جديد مناسبة موت لعازر حين ‹انزعج يسوع بالروح وبكى.‏› (‏يوحنا ١١:‏​٣٣،‏ ٣٥‏)‏ وهكذا اظهر ان البكاء هو رد فعل طبيعي لموت شخص تحبونه.‏

      اشخاص مفجوعون

      من الطبيعي ان نتفجَّع ونبكي عندما يموت شخص نحبه

      وتدعم ذلك حالة أُم،‏ تُدعى آن،‏ فقدت طفلتها راكيل بالـ‍ SIDS (‏متلازمة موت الرُّضع المفاجئ)‏.‏ علَّق زوجها:‏ «الامر المدهش كان انه لا آن ولا انا بكينا في المأتم.‏ كل شخص آخر كان ينتحب.‏» وعلى ذلك ردَّت آن:‏ «نعم،‏ لكنني بكيت كثيرا عن كلينا.‏ اعتقد ان ذلك صدمني حقا بعد المأساة بأسابيع قليلة عندما كنت اخيرا وحدي ذات يوم في البيت.‏ فبكيت طوال النهار.‏ لكنني اعتقد ان ذلك ساعدني.‏ شعرت بأنني افضل حالا ازاء ذلك.‏ فكان عليَّ ان انوح لخسارة طفلتي.‏ وأعتقد حقا انه يجب ان تدَعوا الناس المتفجِّعين ينتحبون.‏ ومع انه رد فعل طبيعي ان يقول الآخرون،‏ ‹لا تبكي،‏› فإن ذلك حقا لا يساعد.‏»‏

      كيف يكون رد فعل البعض

      كيف كان رد فعل البعض عندما غمرتهم الكآ‌بة لفقدان شخص يحبونه؟‏ لنتأمل،‏ مثلا،‏ في خوانيتا.‏ انها تعرف ما ينطوي عليه الشعور بفقدان الطفل.‏ فقد اجهضت تلقائيا خمس مرات.‏ والآن ها هي حامل من جديد.‏ لذلك،‏ عندما اضطرت الى دخول المستشفى بسبب حادث سيارة،‏ كانت قلقة،‏ ويمكن فهم سبب ذلك.‏ وبعد اسبوعين بدأ مخاضها —‏ قبل الاوان.‏ وبعد ذلك بوقت قصير وُلدت ڤانيسا الصغيرة —‏ وكانت تزن اكثر بقليل من پاوندين (‏٩‏,‏٠ كلغ)‏.‏ «كنت مبتهجة جدا،‏» تتذكر خوانيتا.‏ «فأنا اخيرا ام!‏»‏

      لكنَّ سعادتها لم تدم طويلا.‏ فبعد اربعة ايام ماتت ڤانيسا.‏ تتذكر خوانيتا:‏ «شعرت بفراغ كبير.‏ فقد انتُزعت امومتي مني.‏ وشعرت بالنقص.‏ وكان مؤلما ان اعود الى البيت الى الغرفة التي اعددناها لڤانيسا وأنظر الى القمصان الداخلية الصغيرة التي اشتريتها لها.‏ وطوال الاشهر التالية،‏ كنت اتذكر يوم ولادتها وأعيشه من جديد.‏ ولم اكن راغبة في الاتصال بأحد.‏»‏

      ردُّ فعل متطرف؟‏ قد يصعب على الآخرين ان يفهموا ذلك،‏ لكنَّ اولئك الذين اختبروه،‏ كخوانيتا،‏ يوضحون انهم تفجَّعوا لموت طفلهم كما يتفجَّعون لموت شخص عاش لوقت طويل.‏ ويقولون انه قبل ان يولد الطفل بوقت طويل،‏ يحبه والداه.‏ وهنالك ارتباط خصوصي بينه وبين الام.‏ فعندما يموت هذا الطفل،‏ تشعر الام بفقدان شخص حقيقي.‏ وهذا ما يلزم ان يفهمه الآخرون.‏

      كيف يمكن ان يؤثر الغضب والذنب فيكم

      عبَّرت أُم اخرى عن مشاعرها عندما أُخبرت ان ابنها البالغ من العمر ست سنوات مات فجأة بسبب مشكلة خِلقية في القلب.‏ «اختبرتُ سلسلة من ردود الفعل —‏ فقدان الحس،‏ عدم التصديق،‏ الذنب،‏ والغضب على زوجي والطبيب لعدم ادراكهما مدى خطورة حالته.‏»‏

      يمكن ان يكون الغضب احد الاعراض الاخرى للتفجُّع.‏ فقد يكون غضبا على الاطباء والممرضين،‏ اذ يشعر الشخص بأنه كان يجب ان يفعلوا اكثر من ذلك في الاعتناء بالفقيد.‏ او قد يكون غضبا على الاصدقاء والاقرباء الذين،‏ كما يبدو،‏ يقولون او يفعلون امرا في غير محله.‏ ويغضب البعض على الراحل لإهماله صحته.‏ تتذكر ستيلا:‏ «اتذكر انني كنت غضبانة على زوجي لأنني عرفت انه كان من الممكن ان يكون الامر مختلفا.‏ فقد كان مريضا جدا،‏ لكنه تجاهل تحذيرات الاطباء.‏» وأحيانا يكون هنالك غضب على الراحل بسبب الاعباء التي يجلبها موته او موتها على من بقي حيا.‏

      ويشعر البعض بالذنب بسبب الغضب —‏ اي انهم قد يدينون انفسهم لأنهم يشعرون بالغضب.‏ ويلوم آخرون انفسهم على موت الشخص الذي يحبونه.‏ «لم يكن ليموت،‏» يقنعون انفسهم،‏ «لو انني جعلته يذهب الى الطبيب في وقت ابكر» او «جعلته يرى طبيبا آخر» او «جعلته يعتني بصحته بشكل افضل.‏»‏

      ام تتذكر نفسها وهي تحضن طفلها

      فقدان ولد هو جرح نفسي رهيب —‏ التعاطف والتقمص الوجداني الحقيقيان يمكن ان يساعدا الوالدين

      وبالنسبة الى آخرين يصل الذنب الى ابعد من ذلك،‏ وخصوصا اذا مات الذي يحبونه فجأة،‏ على نحو غير متوقع.‏ ويبتدئون بتذكُّر الاوقات التي فيها غضبوا على الراحل او تجادلوا معه.‏ او قد يشعرون بأنهم لم يكونوا حقا كما كان يجب ان يكونوا مع الفقيد.‏

      ان عملية التفجُّع الطويلة الامد للكثير من الامهات تدعم ما يقوله خبراء كثيرون،‏ ان فقدان الولد يترك فراغا دائما في حياة الوالدين،‏ وخصوصا الام.‏

      عندما تفقدون رفيق الزواج

      ان فقدان رفيق الزواج جرح نفسي آخر،‏ وخصوصا اذا كانا كلاهما يعيشان معا حياة نشيطة جدا.‏ فيمكن ان يعني ذلك نهاية كامل نمط الحياة الذي اشتركا فيه من سفر،‏ عمل،‏ تسلية،‏ واعتماد متبادل احدهما على الآخر.‏

      توضح يونيس ما حصل عندما مات زوجها فجأة بسبب نوبة قلبية.‏ «طوال الاسبوع الاول،‏ كنت في حالة من فقدان الحس العاطفي،‏ كما لو انني توقفت عن الحركة.‏ لم اكن قادرة حتى على التذوُّق او الشم.‏ لكنَّ تفكيري استمر يعمل بشكل مستقل.‏ ولأنني كنت مع زوجي عندما كانوا يحاولون جعل حالته مستقرة باستعمال الـ‍ CPR (‏الانعاش القلبي الرئوي)‏ والمداواة،‏ لم اختبر اعراض الانكار العادية.‏ ومع ذلك،‏ كان هنالك شعور قوي بالخيبة،‏ كما لو انني اشاهد سيارة تسقط من على جُرف وليس هنالك ما يمكنني فعله حيال ذلك.‏»‏

      وهل بكت؟‏ «طبعا بكيت،‏ وخصوصا عندما قرأت مئات بطاقات التعاطف التي تسلمتها.‏ بكيت عند قراءة كل واحدة.‏ لقد ساعدني ذلك على مواجهة باقي النهار.‏ ولكنَّ ما لم يساعدني هو ان أُسأل تكرارا عن شعوري.‏ فمن الواضح انني كنت تعيسة.‏»‏

      ماذا ساعد يونيس على اجتياز تفجُّعها؟‏ «دون ان ادرك ذلك،‏ اتخذت بشكل لاشعوري القرار ان اتابع حياتي،‏» تقول.‏ «لكنَّ ما يؤلمني بعدُ هو ان اتذكر ان زوجي،‏ الذي كان يحب الحياة كثيرا،‏ ليس هنا ليتمتع بها.‏»‏

      ‏«لا تدَعوا الآخرين يفرضون .‏ .‏ .‏»‏

      ينصح مؤلِّفو الرحيل —‏ متى وكيف تقولون وداعا:‏ «لا تدَعوا الآخرين يفرضون عليكم كيف يجب ان تتصرفوا او تشعروا.‏ فعملية التفجُّع تجري بشكل مختلف لدى كل شخص.‏ فقد يعتقد الآخرون —‏ ويجعلونكم تعرفون انهم يعتقدون —‏ انكم متفجِّعون اكثر مما ينبغي او انكم لستم متفجِّعين كفاية.‏ سامحوهم وانسوا ذلك.‏ وبمحاولة وضع نفسكم قسرا في قالب خلقه الآخرون او المجتمع ككل،‏ تعيقون تقدمكم الى استعادة الصحة العاطفية.‏»‏

      طبعا،‏ يعالج مختلف الاشخاص تفجُّعهم بطرائق مختلفة.‏ ونحن لا نحاول ان نقترح ان احدى الطرائق هي بالضرورة افضل من الاخرى لكل شخص.‏ ولكن ينشأ الخطر عندما تبدأ حالة الجمود،‏ عندما يصير المتفجِّع غير قادر على قبول حقيقة الوضع.‏ عندئذ تلزم المساعدة من اصدقاء متعاطفين.‏ يقول الكتاب المقدس:‏ «الصدِّيق يحب في كل وقت.‏ أما الأخ فللشدة يولد.‏» لذلك لا تخافوا من ان تطلبوا المساعدة،‏ تتكلموا،‏ وتبكوا.‏ —‏ امثال ١٧:‏١٧‏.‏

      التفجُّع هو ردُّ فعل طبيعي للخسارة،‏ وليس من الخطإ ان يَظهر تفجُّعكم للآخرين.‏ لكنَّ اسئلة اضافية تستلزم الاجوبة:‏ ‹كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟‏ هل من الطبيعي ان اختبر مشاعر الذنب والغضب؟‏ كيف اعالج ردود الفعل هذه؟‏ ماذا يمكن ان يساعدني على تحمُّل الخسارة والتفجُّع؟‏› سيجيب الجزء التالي عن هذه وغيرها من الاسئلة.‏

  • هل من الطبيعي ان اشعر هكذا؟‏
    عندما يموت شخص تحبونه .‏ .‏ .‏
    • عملية التفجُّع

      ان الكلمة «عملية» لا تدل على ان للتفجُّع جدولا او برنامجا محدَّدا.‏ فقد تتداخل ردود فعل التفجُّع وتستغرق فترات متفاوتة من الزمن،‏ وفقا للفرد.‏ فهذه القائمة غير كاملة.‏ ويمكن ان تَظهر ردود فعل اخرى ايضا.‏ وما يلي هو بعض اعراض التفجُّع التي يمكن ان يختبرها المرء.‏

      ردود الفعل الباكرة:‏ صدمة اولية؛‏ عدم تصديق،‏ انكار؛‏ فقدان حس عاطفي؛‏ مشاعر ذنب؛‏ غضب.‏

      قد يشمل التفجُّع الحاد:‏ فقدان الذاكرة وأرقا؛‏ اجهادا مفرطا؛‏ تغيُّرات مفاجئة في المزاج؛‏ خللا في الحكم والتفكير؛‏ نوبات من البكاء؛‏ تغيُّرات في الشهية مع نقص او زيادة ناتجة في الوزن؛‏ مجموعة متنوعة من اعراض اضطراب الصحة؛‏ نعاسا غير سويّ؛‏ قدرة منخفضة على العمل؛‏ هلوسات —‏ شعورا بوجود الفقيد،‏ سماعه،‏ رؤيته؛‏ وعند فقدان ولد،‏ نقمة غير منطقية على رفيق زواجكم.‏

      فترة الاستقرار:‏ حزن مع حنين الى الماضي؛‏ ذكريات عن الفقيد سارَّة اكثر،‏ فيها مسحة من الفكاهة ايضا.‏

  • هل من الطبيعي ان اشعر هكذا؟‏
    عندما يموت شخص تحبونه .‏ .‏ .‏
    • الاجهاض التلقائي وولادة الجنين ميتا —‏ فاجعة الامهات

      رغم حيازتها اولادا آخرين،‏ كانت منى تتطلع بشوق الى ولادة طفلها التالي.‏ وحتى قبل الولادة،‏ كانت طفلة «لعبَتْ معها،‏ تحدثَتْ اليها،‏ وحلمَتْ بها.‏»‏

      كانت عملية الارتباط بين الام والطفلة غير المولودة قوية.‏ وتتابع:‏ «كانت راشيل آن طفلة ترفس الكتب عن بطني،‏ وتبقيني مستيقظة في الليل.‏ استطيع حتى الآن ان اتذكر رفساتها الضعيفة الاولى،‏ مثل وكزات لطيفة مُحِبّة.‏ وكلما تحرَّكَت،‏ كنت امتلئ من محبة كهذه.‏ عرفتها جيدا الى حد انني كنت اعرف متى تتألم ومتى تكون مريضة.‏»‏

      وتتابع منى روايتها:‏ «لم يصدقني الطبيب الا بعد فوات الاوان.‏ وطلب مني ان اكف عن القلق.‏ اعتقد انني احسست بها تموت.‏ فقد انقلبَت فجأة بعنف.‏ وفي اليوم التالي كانت ميتة.‏»‏

      ليس اختبار منى حدثا استثنائيا.‏ واستنادا الى المؤلفَين فريدمن وڠرادشتين في كتابهما العيش بعد فقدان الحمل،‏ تكابد نحو مليون امرأة سنويا في الولايات المتحدة وحدها حملا غير ناجح.‏ طبعا،‏ ان الرقم حول العالم هو اكبر بكثير.‏

      وغالبا ما يفشل الناس في الادراك ان اجهاضا تلقائيا او ولادة جنين ميتا مأساةٌ للمرأة وهي تتذكرها —‏ ربما كل حياتها.‏ مثلا،‏ تتذكر ڤيرونيكا،‏ وهي الآن تتجاوز الـ‍ ٥٠ من عمرها،‏ ما اختبرته من اجهاضات تلقائية وتتذكر خصوصا الطفل المولود ميتا الذي عاش حتى الشهر التاسع ووُلد بزنة ١٣ پاوندا (‏٦ كلغ)‏.‏ لقد حملته ميتا في احشائها طوال الاسبوعين الاخيرين.‏ وكما قالت:‏ «ان ولادة طفل ميت هي امر مريع للأم.‏»‏

      وردود فعل هؤلاء الامهات المتثبطات لا تُفهم دائما،‏ حتى من قِبل النساء الاخريات.‏ كتبت امرأة فقدت طفلها بالاجهاض التلقائي:‏ «ما تعلمته بطريقة مؤلمة جدا هو انه،‏ قبلما اصابني ذلك،‏ لم تكن لدي حقا ادنى فكرة عمَّا تحتمله صديقاتي.‏ وكنت عديمة الاحساس والفهم تجاههن تماما كما اشعر الآن بأن الناس هم كذلك تجاهي.‏»‏

      زوجان حزينان يعانقان واحدهما الآخر

      والمشكلة الاخرى للأم المتفجِّعة هي الانطباع أن زوجها ربما لا يشعر بالخسارة كما تشعر هي.‏ عبَّرت زوجة عن ذلك بهذه الطريقة:‏ «خاب املي كليا في زوجي آنذاك.‏ فبقدر ما يتعلق الامر به،‏ لم يكن هنالك حبَل حقا.‏ ولم يستطع اختبار التفجُّع الذي كنت اكابده.‏ كان متعاطفا جدا مع مخاوفي ولكن ليس مع تفجُّعي.‏»‏

      قد يكون رد الفعل هذا طبيعيا عند الزوج —‏ فهو لا يختبر الارتباط الجسدي والعاطفي عينه الذي تختبره زوجته الحامل.‏ ولكنه يكابد خسارة.‏ ومن الحيوي ان يدرك الزوج والزوجة انهما يتألمان معا،‏ وإنْ كان ذلك بطريقتين مختلفتين.‏ وينبغي ان يشتركا في تفجُّعهما.‏ فإذا كتم الزوج ذلك،‏ فقد تظن زوجته انه عديم الاحساس.‏ ولذلك اشترِكا معا في الدموع والافكار والمعانقات.‏ أَظهِرا انكما تحتاجان احدكما الى الآخر اكثر من ايّ وقت مضى.‏ نعم،‏ ايها الأزواج،‏ أَظهروا تقمُّصكم العاطفي.‏

  • هل من الطبيعي ان اشعر هكذا؟‏
    عندما يموت شخص تحبونه .‏ .‏ .‏
    • متلازمة موت الرُّضع المفاجئ —‏ مواجهة التفجُّع

      ان الموت المفاجئ لطفل هو مأساة مدمِّرة.‏ فالطفل الذي يبدو سليما وطبيعيا لا يستيقظ في احد الايام.‏ وهذا غير متوقَّع كليا،‏ لانه مَن يتصوَّر ان يموت ايّ رضيع او ولد قبل والدَيه؟‏ والطفل الذي صار محور محبة الام غير المحدودة يكون فجأة سبب تفجُّعها غير المحدود.‏

      وتبدأ مشاعر الذنب بالتدفق.‏ فقد يشعر الوالدون بالمسؤولية عن الوفاة،‏ كما لو انها بسبب اهمال ما.‏ ويتساءلون،‏ ‹ماذا كان يمكن ان نفعل لمنع ذلك؟‏›‏b وفي بعض الحالات قد يلوم ايضا الزوج دون اساس زوجته عن غير قصد.‏ فعندما ذهب الى العمل،‏ كان الطفل حيا وسليما.‏ وعندما عاد الى البيت،‏ كان قد مات في فراشه!‏ ماذا كانت زوجته تفعل؟‏ وأين كانت في ذلك الوقت؟‏ هذان السؤالان المزعجان يجب ان يتوضَّحا كي لا يجعلا الزواج متوترا.‏

      ان الظروف العَرَضية وغير المتوقَّعة هي التي سبَّبت المأساة.‏ يذكر الكتاب المقدس:‏ «فعدت ورأيت تحت الشمس ان السعي ليس للخفيف ولا الحرب للاقوياء ولا الخبز للحكماء ولا الغنى للفهماء ولا النعمة لذوي المعرفة لانه الوقت والعرَض يلاقيانهم كافة.‏»‏ —‏ جامعة ٩:‏١١‏.‏

      كيف يمكن ان يساعد الآخرون عندما تفقد العائلة طفلا؟‏ اجابت أُم ثكلى:‏ «اتت صديقة ونظَّفت بيتي دون ان اضطر الى قول كلمة.‏ وأعدَّت اخريات وجبات الطعام لنا.‏ وبعضهنّ ساعدنني بمعانقتي —‏ لا بالتكلم اليّ،‏ بل بمجرد المعانقة.‏ لم أُرد ان اتكلم عن ذلك.‏ لم أُرد ان اشرح مرارا وتكرارا ما قد حدث.‏ لم اكن احتاج الى اسئلة فضولية،‏ وكأنني فشلت في فعل شيء ما.‏ انا الام؛‏ وكنت سأفعل ايّ شيء لأنقذ طفلتي.‏»‏

  • كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟‏
    عندما يموت شخص تحبونه .‏ .‏ .‏
    • كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟‏

      ‏«شعرتُ بأنني تحت ضغط شديد لأكبت مشاعري،‏» يوضح مايك اذ يتذكر موت ابيه.‏ فبالنسبة الى مايك،‏ كان كبت تفجُّعه الامر الذي يليق بالرجل ان يفعله.‏ لكنه ادرك لاحقا انه كان على خطإ.‏ لذلك عندما فقد صديق مايك جده،‏ عرف مايك ما يجب فعله.‏ يقول:‏ «لو كان ذلك قبل سنوات قليلة،‏ لكنت ربتُّ على كتفه وقلت،‏ ‹كن رجلا.‏› أما الآن فأمسكت بذراعه وقلت،‏ ‹اشعر كيفما شئت.‏ فسيساعدك ذلك على مواجهة الامر.‏ إذا اردتَ ان اذهب،‏ فسأذهب.‏ وإذا اردتَ ان ابقى،‏ فسأبقى.‏ ولكن لا تخف من اظهار مشاعرك.‏›»‏

      شعرت ماري آن ايضا بالضغط لتكبت مشاعرها عندما مات زوجها.‏ تتذكر:‏ «كنت قلقة جدا ازاء الكينونة مثالا جيدا للآخرين،‏ حتى انني لم اسمح لنفسي بالتعبير عن المشاعر الطبيعية.‏ لكنني تعلمت اخيرا ان محاولة الكينونة دعامة قوة للآخرين لم تساعدني.‏ وابتدأت بتحليل وضعي والقول،‏ ‹ابكي ان اردتِ ان تبكي.‏ لا تحاولي ان تكوني قوية اكثر مما ينبغي.‏ أَطلقي العِنان لمشاعرك.‏›»‏

      لذلك يوصي مايك وماري آن كلاهما:‏ تفجَّعوا!‏ وهما على حق.‏ لماذا؟‏ لان التفجُّع هو للعاطفة اطلاق عِنانٍ ضروري.‏ فإطلاق العِنان لمشاعركم يمكن ان يخفِّف من الضغط الذي انتم تحت وطأته.‏ والتعبير الطبيعي عن العواطف،‏ اذا اقترن بالتفهُّم والمعلومات الدقيقة،‏ يجعلكم تضعون مشاعركم في مكانها المناسب.‏

      طبعا،‏ لا يعبِّر كل شخص عن التفجُّع بالطريقة نفسها.‏ فالعوامل مثل ما اذا مات الشخص الذي تحبونه فجأة او بعد مرض طويل الامد قد تؤثر في رد الفعل العاطفي لمن بقوا احياء.‏ لكنَّ امرا واحدا يبدو اكيدا:‏ كبت مشاعركم يمكن ان يكون مؤذيا جسديا وعاطفيا على السواء.‏ ومن الصحي اكثر بكثير ان تطلقوا العِنان لتفجُّعكم.‏ كيف؟‏ تحتوي الاسفار المقدسة على نصيحة عملية.‏

      اطلاق العِنان للتفجُّع —‏ كيف؟‏

      التكلُّم يمكن ان يكون اطلاق عِنان مساعدا.‏ فبعد موت اولاده العشرة جميعهم،‏ بالاضافة الى بعض المآ‌سي الشخصية الاخرى،‏ قال الاب الجليل ايوب:‏ «قد كرهت نفسي حياتي.‏ أُسيّب [الكلمة العبرانية تعني «أُطلق»] شكواي.‏ اتكلم في مرارة نفسي.‏» ‏(‏ايوب ١:‏​٢،‏ ١٨،‏ ١٩؛‏ ١٠:‏١‏)‏ فأيوب لم يعد قادرا على ضبط شكواه.‏ لقد احتاج الى اطلاقها؛‏ كان يجب ان ‹يتكلم.‏› وبشكل مماثل،‏ كتب المؤلف المسرحي الانكليزي شكسپير في مكبث:‏ «صعِّد كربك في كلمات.‏ إن الشجا الصامت يظل يدوّي في الفؤاد حتى يفطِّره.‏»‏

      لذلك فإن التكلم عن مشاعركم الى ‹رفيق حقيقي› يصغي بصبر وبتعاطف يمكن ان يجلب مقدارا من الراحة.‏ (‏امثال ١٧:‏١٧‏،‏ ع‌ج‏)‏ والتعبير عن الاختبارات والمشاعر بالكلمات غالبا ما يجعل فهمها ومعالجتها اسهل.‏ واذا كان المصغي شخصا آخر فقد حبيبا وواجه خسارته بفعَّالية،‏ فقد تتمكنون من جمع بعض الاقتراحات العملية عن كيفية التغلب على ذلك.‏ عندما مات ولدها،‏ اوضحت احدى الامهات لماذا كان مساعدا ان تتحدث الى امرأة اخرى واجهت خسارة مماثلة:‏ «ان اعرف ان امرأة اخرى مرّت بالامر نفسه،‏ خرجت منه سليمة،‏ وأنها لا تزال على قيد الحياة وحياتها طبيعية نوعا ما كان مقويا جدا لي.‏»‏

      امرأة حزينة تكتب ما تحس به

      تُظهر امثلة الكتاب المقدس ان التعبير عن مشاعركم بالكتابة يمكن ان يساعدكم على التعبير عن تفجُّعكم

      وماذا اذا لم تشعروا بالارتياح في التكلم عن مشاعركم؟‏ بعد موت شاول ويوناثان،‏ نظم داود مرثاة عاطفية جدا سكب فيها تفجُّعه.‏ وهذا النَّظْم الحزين صار اخيرا جزءا من السجل المكتوب لسفر الكتاب المقدس صموئيل الثاني.‏ (‏٢ صموئيل ١:‏​١٧-‏٢٧؛‏ ٢ أخبار الايام ٣٥:‏٢٥‏)‏ وبشكل مماثل،‏ يجد البعض انه من الاسهل ان يعبِّروا عن انفسهم بالكتابة.‏ اخبرت ارملة انها كانت تعبِّر عن مشاعرها بالكتابة ثم بعد ايام كانت تقرأ ما كتبته.‏ ووجدت ان ذلك اطلاق عِنانٍ مساعد.‏

      سواء كان ذلك بالتكلم او بالكتابة،‏ يمكن للافصاح عن مشاعركم ان يساعدكم على اطلاق العِنان لتفجُّعكم.‏ ويمكن ان يساعد ايضا على ايضاح سوء الفهم.‏ توضح أُم ثكلى:‏ «سمعنا زوجي وأنا عن رفقاء زواج آخرين انفصلوا بالطلاق بعد فقدان ولد،‏ ولم نكن نريد ان يحدث ذلك لنا.‏ لذلك كلما شعرنا بالغضب،‏ بالرغبة في لوم واحدنا الآخر،‏ كنا نناقش ذلك ونحلّه.‏ وأَعتقد اننا صرنا حميمَين اكثر بفعلنا ذلك.‏» وهكذا فإن الافصاح عن مشاعركم يمكن ان يساعدكم لتفهموا انه في حين انكم قد تشاركون الآخرين في الخسارة نفسها،‏ قد يتفجَّع الآخرون بطريقة مختلفة —‏ بسرعتهم الخاصة وبطريقتهم الخاصة.‏

      والامر الآخر الذي يمكن ان يسهِّل اطلاق العِنان للتفجُّع هو البكاء.‏ «للبكاء وقت،‏» يقول الكتاب المقدس.‏ (‏جامعة ٣:‏​١،‏ ٤‏)‏ وبالتأكيد يسبِّب موت شخص نحبه وقتا كهذا.‏ ويبدو ان ذرف دموع التفجُّع جزء ضروري من عملية الشفاء.‏

      توضح شابة كيف ساعدتها صديقة حميمة على مواجهة موت امها.‏ تتذكر:‏ «كانت صديقتي متوافرة دائما لاجلي.‏ كانت تبكي معي.‏ كانت تتحدث الي.‏ وكان من الممكن ان اصارحها بعواطفي،‏ وهذا كان مهما لي.‏ لم يكن البكاء يربكني.‏» (‏انظروا رومية ١٢:‏١٥‏.‏)‏ لا يجب ان تشعروا بالخجل من دموعكم.‏ فالكتاب المقدس،‏ كما رأينا،‏ ملآن أمثلة لرجال ونساء الايمان —‏ بمن فيهم يسوع المسيح —‏ الذين ذرفوا دموع التفجُّع علنا دون ايّ ارتباك ظاهر.‏ —‏ تكوين ٥٠:‏٣؛‏ ٢ صموئيل ١:‏​١١،‏ ١٢؛‏ يوحنا ١١:‏​٣٣،‏ ٣٥‏.‏

      اشخاص يعزون المحزونين

      في كل مجتمع،‏ يقدِّر الناس المتفجِّعون نيل التعزية

      قد تجدون ان عواطفكم ستكون غير مستقرة نوعا ما لمدة من الوقت.‏ وقد تسيل الدموع دون انذار مسبق.‏ وجدت ارملة ان التسوُّق في السوق المركزية (‏امر غالبا ما كانت تقوم به مع زوجها)‏ يجعلها تبكي،‏ وخصوصا عندما تمد يدها،‏ كما اعتادت،‏ لتتناول الاطعمة المفضَّلة لدى زوجها.‏ كونوا صبورين على نفسكم.‏ ولا تشعروا بأنه يجب ان تحبسوا الدموع.‏ تذكروا ان ذلك جزء طبيعي وضروري من التفجُّع.‏

      معالجة الذنب

      كما ذُكر سابقا،‏ تنتاب البعض مشاعر الذنب بعد فقدان شخص يحبونه.‏ ويمكن ان يساعد ذلك على ايضاح سبب التفجُّع الشديد لرجل الايمان يعقوب عندما حُمل على الاعتقاد ان ابنه يوسف قتله «وحش رديء.‏» فيعقوب هو مَن ارسل يوسف ليتحقق سلامة اخوته.‏ لذلك ازعجت على الارجح مشاعر الذنب يعقوب،‏ مثل،‏ ‹لماذا ارسلت يوسف وحده؟‏ لماذا ارسلته الى منطقة تكثر فيها الوحوش؟‏› —‏ تكوين ٣٧:‏​٣٣-‏٣٥‏.‏

      ربما تشعرون بأن اهمالا من جهتكم ساهم في موت الشخص الذي تحبونه.‏ وادراككم ان هذا الذنب —‏ حقيقيا كان ام خياليا —‏ هو رد فعل طبيعي للتفجُّع يمكن ان يكون في حد ذاته مساعدا.‏ وهنا من جديد،‏ لا تشعروا بأنه يجب ان تحتفظوا بمثل هذه المشاعر لنفسكم.‏ فالتحدث عن مدى شعوركم بالذنب يمكن ان يزوِّد اطلاق عِنانٍ ضروريا جدا.‏

      ولكن أَدركوا انه مهما كنا نحب الشخص الآخر،‏ لا يمكننا ان نتحكم في حياته او حياتها،‏ ولا يمكننا ان نمنع «الوقت والعرَض» من ان يلاقيا مَن نحبهم.‏ (‏جامعة ٩:‏١١‏)‏ ومما لا شك فيه ايضا هو ان دوافعكم لم تكن رديئة.‏ مثلا،‏ بعدم اخذكم موعدا عاجلا من الطبيب،‏ هل كنتم تنوون ان يمرض ويموت مَن تحبونه؟‏ طبعا لا!‏ اذًا هل انتم فعلا مذنبون بكونكم سبب موت ذلك الشخص؟‏ كلا.‏

      تعلَّمت احدى الامهات معالجة الذنب بعد موت ابنتها في حادث سيارة.‏ توضح:‏ «شعرت بالذنب لأنني ارسلتها.‏ لكنني ادركت انه من السخافة ان اشعر هكذا.‏ فلم يكن هنالك خطأ ما في ارسالها مع ابيها للتحوُّج.‏ لقد كان ذلك مجرد حادث رهيب.‏»‏

      وقد تقولون،‏ ‹لكن هنالك امور كثيرة اتمنى لو انني قلتها او فعلتها.‏› هذا صحيح،‏ ولكن مَن منا يمكن ان يقول انه الاب،‏ الام،‏ او الولد الكامل؟‏ يذكِّرنا الكتاب المقدس:‏ «في اشياء كثيرة نعثر جميعنا.‏ إن كان احد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل.‏» (‏يعقوب ٣:‏٢؛‏ رومية ٥:‏١٢‏)‏ لذلك اقبلوا الواقع انكم لستم كاملين.‏ والتفكير المتواصل «لو انني فقط .‏ .‏ .‏» لن يغيِّر شيئا،‏ ولكن يمكن ان يؤخِّر شفاءكم.‏

      اذا كانت لديكم اسباب وجيهة لتعتقدوا ان ذنبكم حقيقي،‏ لا خيالي،‏ فعندئذ تأملوا في اهمّ عامل للتخفيف من الذنب —‏ غفران اللّٰه.‏ يؤكد لنا الكتاب المقدس:‏ «إن كنتَ تراقب الآثام يا رب يا سيد فمن يقف.‏ لأن عندك المغفرة.‏» (‏مزمور ١٣٠:‏​٣،‏ ٤‏)‏ فلا يمكنكم ان تعودوا الى الماضي وتغيِّروا شيئا.‏ ولكن يمكنكم ان تلتمسوا غفران اللّٰه من اجل الاخطاء الماضية.‏ اذًا،‏ ماذا؟‏ اذا كان اللّٰه قد وعد بتبييض صفحتكم،‏ أَفلا يجب ان تسامحوا انتم ايضا نفسكم؟‏ —‏ امثال ٢٨:‏١٣؛‏ ١ يوحنا ١:‏٩‏.‏

      معالجة الغضب

      هل تشعرون ايضا بالغضب الى حد ما،‏ ربما على الاطباء،‏ الممرضين،‏ الاصدقاء،‏ او حتى على مَن مات؟‏ أَدركوا ان ذلك ايضا هو رد فعل عادي للخسارة.‏ وربما يكون غضبكم الامر الطبيعي الذي يرافق الاذية التي تشعرون بها.‏ قال احد الكتَّاب:‏ «فقط بإدراككم للغضب —‏ لا بعملكم وفقه بل بمعرفتكم أنكم تشعرون به —‏ يمكن ان تتحرروا من تأثيره المدمِّر.‏»‏

      وقد يكون مساعدا ايضا ان تعبِّروا او تخبروا عن الغضب.‏ كيف؟‏ طبعا ليس بانفجارات غير مضبوطة.‏ فالكتاب المقدس يحذِّر ان الغضب المطوَّل خطِر.‏ (‏امثال ١٤:‏​٢٩،‏ ٣٠‏)‏ ولكن قد تجدون التعزية في التكلُّم عن ذلك مع صديق متفهِّم.‏ ويجد البعض ان التمرين النشيط عندما يكونون غِضابا هو اطلاق عِنانٍ مساعد.‏ —‏ انظروا ايضا افسس ٤:‏​٢٥،‏ ٢٦‏.‏

      وفي حين انه من المهم ان تتصفوا بالصراحة والاستقامة في ما يتعلق بمشاعركم،‏ تكون كلمة تحذير ملائمة.‏ فهنالك فرق شاسع بين التعبير عن مشاعركم وصبِّها على الآخرين.‏ ولا حاجة الى لوم الآخرين على غضبكم وخيبتكم.‏ لذلك احرصوا على الافصاح عن مشاعركم،‏ ولكن ليس بطريقة عدائية.‏ (‏امثال ١٨:‏٢١‏)‏ وهنالك عون فائق واحد في مواجهة التفجُّع،‏ وسنناقشه الآن.‏

      المساعدة من اللّٰه

      يؤكِّد لنا الكتاب المقدس:‏ «قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلِّص المنسحقي الروح.‏» ‏(‏مزمور ٣٤:‏١٨‏)‏ نعم،‏ اكثر من ايّ شيء آخر،‏ يمكن للعلاقة باللّٰه ان تساعدكم على مواجهة موت شخص تحبونه.‏ كيف؟‏ كل الاقتراحات العملية المقدَّمة حتى الآن مؤسَّسة على او منسجمة مع كلمة اللّٰه،‏ الكتاب المقدس.‏ وتطبيقها يمكن ان يساعدكم.‏

      وبالاضافة الى ذلك،‏ لا تستخفوا بقيمة الصلاة.‏ يحضنا الكتاب المقدس:‏ «أَلقِ على الرب همك فهو يعولك.‏» (‏مزمور ٥٥:‏٢٢‏)‏ واذا كان التكلم عن مشاعركم مع صديق متعاطف يمكن ان يساعد،‏ فكم بالحري سيساعدكم اكثر سكب قلبكم لِـ‍ «اله كل تعزية»!‏ —‏ ٢ كورنثوس ١:‏٣‏.‏

      ليس الامر ان الصلاة تجعلنا نشعر بأننا افضل حالا وحسب.‏ ‹فسامع الصلاة› يعد بمنح الروح القدس لخدامه الذين يسألونه بإخلاص.‏ (‏مزمور ٦٥:‏٢؛‏ لوقا ١١:‏١٣‏)‏ وروح اللّٰه القدوس،‏ او قوته الفعَّالة،‏ يمكن ان يمدَّكم بـ‍ «القدرة فوق ما هو عادي» لتواصلوا العيش يوما بعد يوم.‏ (‏٢ كورنثوس ٤:‏٧‏،‏ ع‌ج‏)‏ تذكَّروا:‏ يستطيع اللّٰه ان يساعد خدامه الامناء على تحمُّل اية مشكلة وكل مشكلة قد يواجهونها.‏

      تتذكر امرأة فقدت ولدا كيف ساعدتها قوة الصلاة هي وزوجها في خسارتهما.‏ «اذا كنا في البيت مساء وتفاقم التفجُّع،‏ كنا نصلي معا بصوت عال،‏» توضح.‏ «المرة الاولى التي فيها كان يجب ان نفعل شيئا بدونها —‏ اول اجتماع للجماعة ذهبنا اليه،‏ اول محفل حضرناه —‏ كنا نصلي من اجل القوة.‏ وعندما نستيقظ في الصباح وتبدو حقيقة ذلك لا تطاق،‏ كنا نصلي الى يهوه ليساعدنا.‏ لا ادري لماذا كان مؤلما حقا ان ادخل البيت وحدي.‏ وكل مرة كنت آتي فيها الى البيت وحدي،‏ كنت اصلي الى يهوه راجية ان يساعدني على المحافظة على الهدوء الى حد ما.‏» هذه المرأة الامينة تؤمن بثبات وبحق ان تلك الصلوات صنعت الفرق.‏ واستجابة لصلواتكم اللجوجة قد تجدون انتم ايضا ان «سلام اللّٰه الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم.‏» —‏ فيلبي ٤:‏​٦،‏ ٧؛‏ رومية ١٢:‏١٢‏.‏

      ان المساعدة التي يزوِّدها اللّٰه تصنع الفرق حقا.‏ وذكر الرسول المسيحي بولس ان اللّٰه «يعزِّينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزِّي الذين هم في كل ضيقة.‏» صحيح ان المساعدة الالهية لا تزيل الالم،‏ لكنها تجعل احتماله اسهل.‏ وهذا لا يعني انكم لن تبكوا بعدُ او ستنسون الذي تحبونه.‏ ولكن يمكن ان تشفوا.‏ وفي هذه الاثناء،‏ فإن ما اختبرتموه يمكن ان يجعلكم اكثر تفهُّما وتعاطفا في مساعدة الآخرين على مواجهة خسارة مماثلة.‏ —‏ ٢ كورنثوس ١:‏٤‏.‏

      اسئلة للتأمل فيها

      • لماذا من المهم ان تتفجَّعوا؟‏

      • كيف يمكنكم ان تطلقوا العِنان لتفجُّعكم؟‏

      • كيف يمكن ان تساعدكم الاسفار المقدسة على معالجة مشاعر الذنب والغضب؟‏

      • بأية طريقة يمكن ان تساعدكم العلاقة باللّٰه على مواجهة موت شخص تحبونه؟‏

      • ما هي بعض الاقتراحات العملية لمواجهة التفجُّع؟‏

      بعض الاقتراحات العملية

      اعتمدوا على الاصدقاء:‏ لا تترددوا في جعل الآخرين يساعدون اذا عرضوا فعل ذلك ويمكنكم حقا ان تستفيدوا من بعض العون.‏ افهموا ان ذلك يمكن ان يكون طريقتهم ليظهروا لكم كيف يشعرون؛‏ فربما كانوا غير قادرين على ايجاد الكلمات الملائمة.‏ —‏ امثال ١٨:‏٢٤‏.‏

      اعتنوا بصحتكم:‏ يمكن للتفجُّع ان يضنيكم،‏ وخصوصا في البداية.‏ فجسمكم يحتاج اكثر من ايّ وقت مضى الى راحة كافية،‏ تمرين صحي،‏ وتغذية ملائمة.‏ وقد يكون الفحص الدوري من قِبل طبيب عائلتكم امرا مناسبا.‏

      أَرجئوا القرارات الرئيسية:‏ إن امكن،‏ انتظروا بعض الوقت على الاقل لتفكروا بوضوح اكثر قبل ان تقرِّروا امورا مثل ما اذا كنتم ستبيعون بيتكم او تغيِّرون عملكم.‏ (‏امثال ٢١:‏٥‏)‏ تتذكر ارملة انها بعد موت زوجها بعدة ايام،‏ وهبت الكثير من ممتلكاته الشخصية.‏ وفي ما بعد،‏ ادركت انها وهبت تذكارا تعزّه.‏

      تأنَّوا على نفسكم:‏ كثيرا ما يدوم التفجُّع وقتا اطول مما يدرك الناس عموما.‏ فالمُذكِّرات السنوية بالفقيد الحبيب قد تجدِّد اللوعة.‏ وصور معيَّنة،‏ اغانٍ معيَّنة،‏ او حتى روائح معيَّنة يمكن ان تثير الدموع.‏ اوضحت دراسة علمية في الثُّكل عمليةَ التفجُّع كما يلي:‏ «قد يتأرجح الثاكل فجأة وبسرعة من حالة شعور الى اخرى،‏ وقد يتعاقب تجنُّب ما يذكِّر بالراحل مع التنمية المتعمَّدة للذكريات لفترة من الزمن.‏» أَبقوا وعود يهوه العظمى في ذهنكم.‏ —‏ فيلبي ٤:‏​٨،‏ ٩‏.‏

      التمسوا الاعذار للآخرين:‏ حاولوا ان تتأنَّوا على الآخرين.‏ وأدركوا ان الوضع محرج لهم.‏ واذ لا يعرفون ما يجب ان يقولوه،‏ قد يقولون بعدم لباقة امرا خاطئا.‏ —‏ كولوسي ٣:‏​١٢،‏ ١٣‏.‏

      احذروا من استعمال الادوية او الكحول لمواجهة تفجُّعكم:‏ مهما كانت الراحة التي تقدمها العقاقير او الكحول فهي وقتية في احسن الاحوال.‏ والدواء يجب اخذه فقط تحت اشراف الطبيب.‏ ولكن انتبهوا؛‏ هنالك مواد كثيرة تسبِّب الادمان.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ يمكن ان تؤخر عملية التفجُّع.‏ يحذِّر عالِم بعلم الامراض:‏ «المأساة يجب تحمُّلها،‏ معاناتها وأخيرا تعليلها تعليلا عقليا،‏ وتأخير ذلك بلا لزوم بإرهاق [الشخص] بالعقاقير قد يطيل العملية او يشوِّهها.‏» وستأتي الراحة الدائمة من خلال التأمل في مقاصد يهوه العظمى.‏ —‏ مزمور ١:‏٢؛‏ ١١٩:‏٩٧‏.‏

      عودوا الى الروتين المعتاد:‏ في البداية قد تجبرون نفسكم على الذهاب الى العمل،‏ التسوُّق،‏ او الاعتناء بالمسؤوليات الاخرى.‏ ولكن قد تجدون ان طبيعة روتينكم اليومي ستكون مفيدة لكم.‏ فابقوا مشغولين بالنشاطات المسيحية.‏ —‏ قارنوا ١ كورنثوس ١٥:‏٥٨‏.‏

      لا تخافوا من ان ينتهي التفجُّع الشديد:‏ مهما بدا الامر غريبا،‏ يخاف بعض الثَّكالى من ان ينتهي التفجُّع الشديد،‏ معتقدين ان ذلك قد يدل على ان محبتهم للفقيد تتناقص.‏ ولكن ليست هذه هي الحال.‏ فانتهاء الالم يفسح مجالا للذكريات العزيزة التي ستبقى معكم دائما دون شك.‏ —‏ جامعة ٣:‏​١،‏ ٤‏.‏

      لا تقلقوا بإفراط:‏ قد تجدون نفسكم قلقين،‏ ‹ماذا سيحدث لي الآن؟‏› ينصح الكتاب المقدس ان تحيوا كل يوم بيومه.‏ توضح ارملة:‏ «عيش كل يوم بيومه يساعدني حقا.‏» وقال يسوع لتلاميذه:‏ «لا تهتموا للغد.‏ لان الغد يهتم بما لنفسه.‏» —‏ متى ٦:‏​٢٥-‏٣٤‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة