-
وباء البغض العالمياستيقظ! ٢٠٠١ | آب (اغسطس) ٨
-
-
وباء البغض العالمي
هنالك وحش طليق — وحش يدعى البغض. وهو يجول مكتسحا العالم بأسره.
ففي دول البلقان لا تزال احدى المقاطعات تعاني من آثار حملة تطهير عرقي حديثة العهد. فقد ادَّت الضغائن المتراكمة على مر القرون الى عمليات الاعدام الجماعية، الاغتصاب، التهجير، حرق وسلب المنازل والقرى، إتلاف المحاصيل الزراعية والقضاء على المواشي، وأيضا الى المجاعة. ولا تزال الالغام الارضية تعم المكان.
وفي شرق تِيمور الواقعة في جنوب شرق آسيا، دفع الخوف ٠٠٠,٧٠٠ شخص الى الهرب من هول المجازر، الضرب، إطلاق النار العشوائي، والترحيل القسري. فتركوا وراءهم اراضي دمرتها الميليشيات الغازية. قال واحد من الضحايا باكيا: «اشعر بأنني حيوان مطارَد».
وفي موسكو ادَّى الانفجار الهائل لقنبلة وضعها ارهابي الى تدمير مبنى سكني. فتطايرت اشلاء ٩٤ شخصا بريئا — بعضهم اولاد — وجُرح اكثر من ١٥٠ شخصا. وعلى اثر هذه الكارثة المَهولة صار الناس يتساءلون: ‹مَن الضحايا التالية يا ترى؟›.
اما في لوس انجلوس، كاليفورنيا، فقد اطلق متعصب عنصري النار على مجموعة اولاد هم دون سن الذهاب الى المدرسة، ثم قتل ساعي بريد فيليپينيا.
فعلا، من الملائم اعتبار البغض وباء عالميا. فيوميا تقريبا، تكشف التقارير الاخبارية ما يحدث حين يقترن الحقد العرقي، العنصري، او الديني بالتمرد على القانون. فالاوطان والمجتمعات تتمزق، وشمل العائلات يتفرق. كما تتورط بلدان في ابادات جماعية وتُرتكب اعمال وحشية لا توصف لمجرد ان بعض الناس «مختلفون».
فإذا اردنا ان نكبح يوما ما جماح هذا الوحش المدعو بغضا، ينبغي ان ندرك مصدر هذا العنف المفعم بالبغض. فهل البغض مزروع في المورِّثات البشرية؟ هل هو سلوك مكتسَب؟ وهل يمكن الخروج من دوامة البغض؟
[مصدر الصورة في الصفحة ٣]
Kemal Jufri/Sipa Press
-
-
جذور البغضاستيقظ! ٢٠٠١ | آب (اغسطس) ٨
-
-
جذور البغض
وُلد البغض مع بداية تاريخ الجنس البشري. تقول رواية الكتاب المقدس في التكوين ٤:٨: «حدث اذ كانا في الحقل ان قايين قام على هابيل اخيه وقتله». «ولماذا ذبحه؟» سأل يوحنا، احد كتبة الكتاب المقدس. «لأن اعماله كانت شريرة، وأعمال اخيه بارة». (١ يوحنا ٣:١٢) لقد ذهب هابيل ضحية احد اسباب البغض الاكثر شيوعا: الغيرة. فكما تقول الامثال ٦:٣٤ بحسب ترجمة تفسيرية: «الغيرة تفجِّر غضب الرجل». واليوم، تستمر الغيرة من الآخرين، بسبب مركزهم الاجتماعي، ثرائهم، مواردهم، وميزاتهم الاخرى في اثارة الناس واحدهم ضد الآخر.
الجهل والخوف
ليست الغيرة سوى احد اسباب البغض العديدة. فغالبا ما يتأجج البغض ايضا بسبب الجهل والخوف. قال شاب ينتمي الى فريق عنصري يروِّج العنف: «قبل ان اتعلم البغض، تعلمت الخوف». وفي اغلب الاحيان تكون جذور هذا الخوف متأصلة في الجهل. فبحسب دائرة معارف الكتاب العالمي (بالانكليزية)، يميل الناس المتحاملون الى حيازة آراء «يعتنقونها بغضّ النظر عن البراهين المتوفرة. . . . كما يميل الاشخاص المتحاملون الى تحريف، تشويه، اساءة تفسير، او حتى تجاهل الوقائع التي تتضارب مع آرائهم المكوَّنة مسبقا».
ومن اين تأتي هذه الآراء؟ يقول احد المراجع على الإنترنت: «التاريخ مسؤول عن العديد من الانطباعات التي يكوِّنها الناس في حضارات معينة، لكنَّ خلفيتنا مسؤولة ايضا عن الكثير من تحاملاتنا».
ففي الولايات المتحدة، مثلا، خلَّفت تجارة الرقيق توترا في العلاقات بين العديد من البيض والمتحدرين من الافريقيين استمر حتى يومنا هذا. وغالبا ما تنتقل الآراء العنصرية من الآباء الى الاولاد. اعترف رجل ابيض يجاهر بعنصريته انه طوَّر مشاعر عنصرية سلبية «في غياب تام لأية علاقة ولو عابرة بالشعب الاسود».
وثمة مَن يعتقدون بكل بساطة ان الناس الذين يختلفون عنهم هم ادنى منهم. وقد يتكوَّن هذا الرأي بعد مجرد لقاء واحد حدث مصادفة مع شخص بغيض من عرق آخر او حضارة مختلفة. فيقفزون الى الاستنتاج ان جميع الذين ينتمون الى ذلك العرق او تلك الحضارة لا بد ان لديهم نفس الصفات الكريهة.
وفي حين ان التعصب الاعمى على صعيد فردي بغيض جدا، فقد يصبح مميتا عندما يفسد امة بكاملها او عرقا بأسره. فقد يتولد التعصب الاعمى ورهاب الاجانب (الازدراء بكل شخص او كل شيء اجنبي) من اعتقاد المرء ان قوميته، لون بشرته، حضارته، او لغته تجعله متفوقا على الآخرين. وخلال القرن العشرين، غالبا ما كان العنف الوسيلة للتعبير عن هذا التعصب.
والمثير للاهتمام هو ان البغض والتعصُّب الاعمى لا يقتصران بالضرورة على لون البشرة او القومية. يكتب الباحث كلارك ماكولي من جامعة پنسلڤانيا ان «تقسيم الافراد عشوائيا الى فريقين، حتى برمي قطعة نقود، يكفي لخلق التحيُّز». وقد برهنت معلمة للصف الثالث هذا الواقع عندما قسمت صفها، كجزء من تجربة شهيرة، الى فريقين: الاولاد ذوو العيون الزرقاء والاولاد ذوو العيون البنية. فلم تلبث العداوات ان نشأت بين الفريقين. حتى التحالفات المبنية على امور تافهة مثل تفضيل فريق رياضي قد تنتج خلافات عنيفة.
لمَ كل هذا العنف؟
لكن لماذا يُتَّخذ العنف غالبا وسيلة للتعبير عن هذه العداوات؟ يسبر الباحثون اغوار هذه المسائل ولكن كل ما استطاعوا تقديمه حتى الآن هو مجرد نظريات. لقد جمع كلارك ماكولي مراجع واسعة للبحث الذي أُجري بشأن العنف والعدائية البشريين. وهو يشير الى دراسة تذكر ان «الجريمة العنيفة ترتبط بخوض الحروب وربحها». فقد وجد الباحثون ان «الدول التي اشتركت في الحربين العالميتين الاولى والثانية، وخصوصا الدول المنتصرة في هاتين الحربين، تشهد زيادات في جرائم القتل بعد انتهاء الحرب». ووفقا للكتاب المقدس، نحن نعيش في عصر الحروب. (متى ٢٤:٦) فهل يمكن ان تكون هذه الحروب قد ساهمت بطريقة ما في تفاقم اشكال اخرى من العنف؟
ويسعى باحثون آخرون الى تفسير العدائية البشرية من الناحية البيولوجية. فقد حاولت احدى الدراسات ان تربط بعض اشكال العدائية «بالمستويات المنخفضة للسيروتونين في الدماغ». وثمة فرضية شائعة اخرى تقول ان العدائية تكمن في مورِّثاتنا. فقد حاجّ احد المتخصصين في العلوم السياسية: «جزء كبير من [البغض] قد يكون وراثيا».
يقول الكتاب المقدس نفسه ان البشر الناقصين يولدون بصفات سيئة ونقائص. (تكوين ٦:٥؛ تثنية ٣٢:٥) طبعا، تنطبق هذه الكلمات على كل الجنس البشري. لكن لا يضمر البشر كلهم حقدا مفرطا على الآخرين. فالحقد يُكتسب. وقد لاحظ الاختصاصي المشهور في علم النفس ڠوردن و. اولپورت ان الاطفال لا يظهرون «دلائل على غرائز هدّامة. . . . فالطفل تملأه الثقة، وهو يقترب من كل ما يثيره تقريبا، ومن شتى الاشخاص». ومثل هذه الملاحظات تدعم الفكرة ان العدائية، التحامل، والبغض هي في الدرجة الاولى سلوك مكتسَب! وقدرة البشر الظاهرية هذه على تعلم البغض يستغلها بشكل كبير اساتذة البغض.
تسميم العقول
يأتي في الطليعة قادة مجموعات مختلفة تروِّج البغض، مثل محلوقي الرأس النازيين الجُدد، ومنظمة الكوكلوكس كلان. وغالبا ما تهدف هذه المجموعات الى ضم الاحداث السريعي التأثر المنتمين الى عائلات مفكَّكة. وقد يشعر الاحداث الذين يعتريهم احساس بعدم الامان وعقدة النقص ان المجموعات التي تروِّج البغض تقدم لهم شعورا بالانتماء.
والإنترنت ايضا وسيلة فعالة خصوصا يستعملها البعض لتعزيز البغض. فوفقا لإحصاء حديث، قد يكون هنالك ٠٠٠,١ موقع وبْ على الإنترنت يروِّج البغض. وتقتبس مجلة ذي إيكونوميست (بالانكليزية) قول احد اصحاب مواقع الوبْ متباهيا: «اتاحت لنا الإنترنت فرصة ايصال وجهة نظرنا الى مئات آلاف الاشخاص». ويتضمن موقع الوبْ الخاص به «صفحة للاولاد».
وعندما يتصفح المراهقون الإنترنت بحثا عن الموسيقى، يمكن ان يقعوا على خطوط اتصال بمواقع تتيح لهم تحميل download موسيقى تروِّج البغض. وتكون هذه الموسيقى عادة صاخبة وعنيفة، وتبث كلماتها رسائل عنصرية قوية. ومواقع الوبْ هذه تزود بدورها خطوط اتصال بمجموعات اخبار، غرف دردشة، او مواقع وبْ اخرى تروِّج البغض.
وتقدم بعض مواقع الوبْ اقساما خاصة تشمل ألعابا ونشاطات للاحداث. وأحد مواقع الوبْ الخاص بالنازية الجديدة يحاول استعمال الكتاب المقدس لتبرير التمييز العنصري واللاسامية. كما اوجدت المجموعة ايضا صفحة تقدم احاجي كلمات متقاطعة مع تعليقات عنصرية. وهدفها؟ «مساعدة الاعضاء الاحداث من العرق الابيض على فهم كفاحنا».
لكن ليس كل مروِّجي البغض من المتطرفين. كتب عالِم اجتماع عن النزاعات التي حدثت مؤخرا في دول البلقان مبديا رأيه في كتّاب مشهورين وأشخاص يؤثرون في الرأي العام: ‹صعقتني رؤيتهم يتبنون نمطا في الكتابة يشبع غرائز ابناء بلدهم الاكثر انحطاطا، يحرك بغضهم المتأجج، ويعمي حكمهم، نمطا يحثهم على عدم اعتبار ايّ تصرف محرَّما . . . وعلى تشويه الواقع›.
ولا ينبغي ان نتغاضى في هذا المجال عن دور رجال الدين. يذكر المؤلِّف جايمس أ. هوت هذه الملاحظة المروِّعة في كتابه البغض المقدَّس: النزاعات الدينية في التسعينات (بالانكليزية): «اكثر ما يدعو الى الغرابة في تسعينات الـ ١٩٠٠ هو ان الدين — المفترَض ان يكون منبع اللطف والتعاطف البشري — كان في طليعة العوامل التي ساهمت في ترويج البغض، الحرب، والارهاب».
وهكذا يُرى ان اسباب البغض عديدة ومعقدة. فهل يعني ذلك ان ما من طريقة تحول دون استمرار الجنس البشري في ارتكاب الحماقات التي وسمت تاريخه المليء بالبغض؟ وهل يمكن القيام بأي شيء على الصعيدين الفردي والعالمي لمكافحة سوء التفاهم، الجهل، والخوف التي تولِّد البغض؟
[النبذة في الصفحة ٦]
التحامل والبغض سلوكان مكتسَبان!
[الصورة في الصفحتين ٤ و ٥]
لم نولد وفي داخلنا . . .
. . . مشاعر البغض والتعصب الاعمى
[الصورة في الصفحة ٧]
تستعمل المجموعات التي تروِّج البغض الإنترنت لتحث الاحداث على الانضمام اليها
[الصورة في الصفحة ٧]
غالبا ما يؤجج الدين النزاعات
[مصدر الصورة]
AP Photo
-
-
الخروج من دوامة البغضاستيقظ! ٢٠٠١ | آب (اغسطس) ٨
-
-
الخروج من دوامة البغض
‹أحِبّوا اعداءكم›. — متى ٥:٤٤.
طوال ايام، اجرى زعيما امتين عدوتين مفاوضات سلام مكثَّفة. وحضر رئيس دولة صناعية كبرى المناقشات، مستعملا تأثيره الكبير ومهاراته الدبلوماسية في محاولة لجعل القائدين يعقدان اتفاقا. لكنَّ ما اسفرت عنه هذه الجهود المضنية لم يكن سوى المزيد من الاسى. ففي غضون اسابيع تورطت الامتان في ما دعته مجلة نيوزويك (بالانكليزية) «اسوأ عنف حدث بينهما خلال عقدين».
في كل انحاء العالم، يأبى البغض والعداء بين مختلف المجموعات القومية والعرقية ان ينتهيا، رغم الجهود الدؤوبة التي يبذلها قادة البلدان. وتزداد دوامة البغض قوة اليوم اكثر من اي وقت مضى، اذ يغذيها الجهل، التعصب الاعمى، والدعاية المغرضة. وفي حين ان زعماء اليوم يتلمسون دون جدوى حلولا جديدة ومبتكرة، فهم عاجزون عن الادراك ان الحل الافضل قديم قِدَم الموعظة على الجبل. فخلال هذه الموعظة شجع يسوع المسيح سامعيه على الخضوع لطرق اللّٰه. وفي سياق الكلام ذكر العبارة المذكورة في مستهل المقالة: ‹أحِبّوا اعداءكم›. وهذه المشورة ليست فقط الحل الافضل لمشكلة البغض والتحامل بل الحل العملي الوحيد!
يستبعد المتشككون فكرة محبة الاعداء اذ يجدونها غاية في المثالية ويستحيل تطبيقها عمليا. ولكن اذا كان البغض سلوكا مكتسَبا، أفليس منطقيا ان نفترض انه بالامكان عدم اكتسابه؟ اذًا، تعطي كلمات يسوع رجاء حقيقيا للجنس البشري. فهي تظهر انه من الممكن انهاء العداوات ولو كانت طويلة الامد.
تأملوا الحالة في ايام يسوع بين اليهود الذين كانوا يستمعون اليه. لقد كانوا في غنى عن البحث عن اعداء. فقد كانت الجيوش الرومانية لا تزال تحكم قبضتها على المنطقة، مخضعة اليهود لضرائب اثقلت كاهلهم، ولاجئة الى المناورات السياسية، المعاملة السيئة، والاستغلال. (متى ٥:٣٩-٤٢) ومن ناحية اخرى، كان يمكن ان ينظر البعض الى الرفقاء اليهود ايضا كأعداء بسبب خلافات تافهة لم تُحَلّ بل سُمح لها بأن تتأزم. (متى ٥:٢١-٢٤) فهل كان يسوع يتوقع فعلا من سامعيه ان يحبوا اشخاصا سببوا لهم الاذى والالم؟
معنى كلمة أحِبّوا
اولا، اعلموا انه بكلمة ‹أحِبّوا›، لم يقصد يسوع المودة التي تربط بين الاصدقاء الاحماء. فالعبارة اليونانية مقابل ‹أحِبّوا› المستعملة في متى ٥:٤٤ تأتي من الكلمة اڠاپِه. وهذه الكلمة تحمل معنى المحبة التي يوجهها او يقودها المبدأ. وهي لا تشمل بالضرورة المودة الشديدة. ولأن ما يوجِّه هذه المحبة هو المبدأ البار، فهي تدفع المرء الى طلب مصالح الآخرين الفضلى بغضّ النظر عن سلوكهم. فمحبة اڠاپِه اذًا يمكن ان تتجاوز العداوات الشخصية. وقد اعرب يسوع نفسه عن هذه المحبة عند موته. فعوض ان يستنزل الشر على الجنود الرومان الذين علقوه على الخشبة، صلى قائلا: «يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون». — لوقا ٢٣:٣٤.
فهل من الواقعي ان نتوقع ان يعتنق العالم تعاليم يسوع على نطاق شامل وأن يبدأ الناس بمحبة واحدهم الآخر؟ كلا، لأن الكتاب المقدس يشير الى ان هذا العالم سيستمر في الاندفاع سريعا نحو الكارثة. تنبئ ٢ تيموثاوس ٣:١٣: «اما الناس الاشرار والدجالون فسيتقدمون من سيئ الى اسوأ، مضِلّين ومضَلّين». لكنَّ الافراد يمكنهم ان يخرجوا من دوامة البغض بتعلم المبادئ البارة من خلال درس الكتاب المقدس. وتُظهر الوقائع بوضوح ان كثيرين تعلموا ان يقاوموا تيار البغض الذي يحيط بهم. تأملوا في بعض القصص من واقع الحياة.
تعلُّم المحبة
بعمر ١٣ سنة، تورط هوسّيه في حرب العصابات اذ كان عضوا في مجموعة ارهابية.a وقد علموه ان يبغض الناس، ويقتلهم إذا امكن، بحجة انهم مسؤولون عن المظالم التي يراها حوله. وعندما رأى هوسّيه العديد من رفقائه يموتون خالجته مشاعر العداوة وحب الانتقام. ولطالما راودت ذهنه اسئلة وهو يصنع القنابل اليدوية، مثل: ‹لماذا هنالك الكثير من الالم؟ اذا كان يوجد اله أفلا يلاحظ ما يحصل؟›. وكم من مرة ذرف الدموع، مشوَّشا ومكتئبا!
اخيرا، تعرف هوسّيه بجماعة محلية لشهود يهوه. وفي اول اجتماع حضره في الجماعة، لاحظ سريعا جو المحبة السائد. وقد سلم عليه الجميع بود وحرارة. ولاحقا، اعطته مناقشة موضوع «لماذا يسمح اللّٰه بالشر؟» اجوبة عن الاسئلة نفسها التي كان يطرحها.b
مع مرور الوقت، دفعت معرفة الكتاب المقدس المتزايدة هوسّيه الى صنع التغييرات في حياته وفي طريقة تفكيره. وصار يعرف انه «من لا يحب فإنه يبقى في الموت. كل من يبغض . . . فهو قاتل إنسان، و . . . ما من قاتل انسان له حياة ابدية باقية فيه». — ١ يوحنا ٣:١٤، ١٥.
لكنَّ قطع علاقته بزملائه الارهابيين كان مشكلة. فكلما ذهب الى قاعة ملكوت شهود يهوه، كان احدهم يتعقبه. حتى ان عددا من زملائه السابقين حضروا بعض الاجتماعات ليفهموا سبب التغيير الكبير الذي طرأ على هوسّيه. وعندما تأكدوا انه ليس خائنا ولن يشكل خطرا عليهم تركوه وشأنه. وفي الـ ١٧ من العمر، اعتمد هوسّيه كواحد من شهود يهوه. وسرعان ما بدأ بالكرازة كامل الوقت. وعوض ان يخطط لقتل الناس، هو اليوم يوصل اليهم رسالة محبة ورجاء!
تخطي الحواجز العرقية
هل يمكن ان يتخطى اعضاء من مجموعات عرقية مختلفة حواجز البغض التي تفصل بينهم؟ تأملوا في فريق من شهود يهوه يتكلم الامهرية في لندن، انكلترا. يضم هذا الفريق نحو ٣٥ شخصا — ٢٠ إثيوپيّا و ١٥ إريتريّا. وهم يقدمون العبادة معا بسلام ووحدة بالرغم من الواقع السائد في افريقيا، وهو ان الإريتريين والإثيوپيين خاضوا مؤخرا حربا مريرة واحدهم ضد الآخر.
كانت عائلة احد الشهود الإثيوپيين تقول له: ‹لا تثق ابدا بالإريتريين!›. لكنه الآن لا يثق فقط برفقائه المسيحيين الإريتريين بل يدعوهم ايضا اخوته وأخواته! ورغم ان هؤلاء الإريتريين يتكلمون عادة لغة تِڠرينيا، فقد اختاروا ان يتعلموا الامهرية — لغة اخوتهم الإثيوپيين — لكي يستطيعوا ان يدرسوا معا الكتاب المقدس. فيا لها من شهادة رائعة على قوة المحبة التقوية التي هي «رباط وحدة كامل»! — كولوسي ٣:١٤.
نسيان الماضي
لكن ماذا اذا وقع شخص ما ضحية المعاملة الوحشية؟ أليس من الطبيعي ان يضمر الضغينة لمعذبيه؟ خذوا مثلا مانفريت، وهو شاهد ليهوه من المانيا. لقد سجنه الشيوعيون ست سنوات لمجرد كونه من شهود يهوه. فهل شعر مرة بالبغض تجاه ظالميه او الرغبة في الانتقام؟ اجاب: «كلا». ووفقا للصحيفة الالمانية زاربروكّر تسايتونڠ، اوضح مانفريت: «ان اقتراف المظالم او الانتقام بسبب هذه المظالم . . . يخلق دوامة تؤدي مرارا وتكرارا الى مظالم اخرى». فمن الواضح ان مانفريت طبَّق كلمات الكتاب المقدس: «لا تبادلوا احدا سوءا بسوء. . . . إن أمكن، فسالموا جميع الناس، على قدر ما يكون الامر بيدكم». — روما ١٢:١٧، ١٨.
عالم دون بغض!
لا يدَّعي شهود يهوه انهم كاملون في هذا المجال. فهم غالبا ما يجدون ان وضع العداوات والضغائن جانبا ليس بالامر السهل. انما يلزم عمل دؤوب ومستمر ليطبق المرء مبادئ الكتاب المقدس في حياته. ولكن عموما، شهود يهوه هم مثال حي لقوة الكتاب المقدس التي تتيح الخروج من دوامة البغض. فمن خلال برنامج عقد دروس بيتية في الكتاب المقدس، يساعد الشهود آلاف الاشخاص كل سنة على التحرر من قيود العنصرية والتعصب الاعمى.c (انظروا الاطار بعنوان «مشورة الكتاب المقدس تساعد على إزالة البغض».) وهذا النجاح هو لمحة مسبقة الى نتائج البرنامج التعليمي العالمي الذي سيلغي قريبا البغض وأسبابه كليا. وسيجري برنامج التعليم المستقبلي هذا في ظل ملكوت اللّٰه، او حكومته العالمية. وقد علَّمنا يسوع ان نصلي طلبا لهذا الملكوت في الصلاة الربانية عندما قال: «ليأت ملكوتك». — متى ٦:٩، ١٠.
يعد الكتاب المقدس ان ‹الارض ستمتلئ من معرفة الرب› في ظل هذه الحكومة السماوية. (اشعياء ١١:٩؛ ٥٤:١٣) وستتحقق على نطاق عالمي الكلمات المقتبسة غالبا من النبي اشعيا: «يقضي [اللّٰه] بين الامم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد». (اشعياء ٢:٤) وعندئذ، سينهي اللّٰه نفسه دوامة البغض مرة وإلى الابد.
[الحواشي]
a ليس اسمه الحقيقي.
b انظروا الفصل ٨: «لماذا يسمح اللّٰه بالالم؟» في كتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية، اصدار شهود يهوه.
c يمكن ترتيب درس بيتي مجاني في الكتاب المقدس بالاتصال بشهود يهوه محليا او بالكتابة الى ناشري هذه المجلة.
[الاطار في الصفحة ١١]
مشورة الكتاب المقدس تساعد على إزالة البغض
● «من اين الحروب، ومن اين المشاجرات بينكم؟ أليست من هنا، اي من رغباتكم التواقة الى الملذات، التي تخوض صراعا في اعضائكم؟». (يعقوب ٤:١) في معظم الاحيان، يمكن ان تُزال الخلافات مع الآخرين اذا تعلمنا كبح رغباتنا الانانية.
● «[لا تنظروا] باهتمام شخصي الى اموركم الخاصة فحسب، بل ايضا باهتمام شخصي الى تلك التي للآخرين». (فيلبي ٢:٤) ان وضع مصالح الآخرين قبل مصالحنا طريقة اخرى لإزالة الخلافات غير الضرورية.
● «كفَّ عن الغضب واترك السخط ولا تغَر لفعل الشر». (مزمور ٣٧:٨) بإمكاننا ضبط ميولنا الهدَّامة وعلينا فعل ذلك.
● «صنع [اللّٰه] من انسان واحد كل امة من الناس، ليسكنوا على كل سطح الارض». (اعمال ١٧:٢٤، ٢٦) ليس منطقيا ان نشعر بأننا ارفع منزلة من الناس الذين ينتمون الى عرق آخر، بما اننا جميعا اعضاء العائلة البشرية ذاتها.
● ‹لا تعملوا شيئا عن نزعة الى الخصام او عن عجب، بل باتضاع عقلي اعتبروا ان الآخرين يفوقونكم›. (فيلبي ٢:٣) من الحماقة النظر بازدراء الى الآخرين — فالآخرون يتمتعون غالبا بصفات وقدرات لا نملكها نحن. فالامور الجيدة ليست حكرا على عرق او حضارة واحدة.
● «فإذًا، ما دامت لنا الفرصة، فلنصنع الصلاح الى الجميع». (غلاطية ٦:١٠) اذا اخذنا المبادرة في الاعراب عن الود للآخرين ومساعدتهم، بغضّ النظر عن عرقهم او حضارتهم، فسيساهم ذلك كثيرا في تضييق هوة الاتصال وإزالة سوء التفاهم.
[الصورتان في الصفحتين ٨ و ٩]
الشهود الإثيوپيون والإريتريون يقدمون العبادة معا بسلام
[الصورة في الصفحة ١٠]
مانفريت، ناجٍ من احد السجون الشيوعية، رفض ان يستسلم للبغض
[الصورة في الصفحة ١٠]
يمكن ان يساعد الكتاب المقدس على تخطي الحواجز التي تفصل بين الناس
-