-
لماذا يدخِّن الناس، لماذا يجب ألا يدخِّنوااستيقظ! ١٩٨٧ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
لماذا يدخِّن الناس، لماذا يجب ألا يدخِّنوا
استحوذت المجاعة الافريقية على العناوين في عام ١٩٨٥، ولكنّ تدخين لفائف التبغ هو الذي قتل ما يزيد على مليوني نسمة. احدثت المجاعة ضجة كبيرة وحرّضت العالم على العمل، وأما التدخين فلم يكد يُحدث مويجة في بركة. ان وضع حد لاستعمال التبغ سيكون اعظم «لكمة للمخدرات» في كل الازمان، ولكن لا تحبسوا انفاسكم منتظرين حدوثه. فثمة قوى جبّارة تعمل ضد ذلك.
أمسى التدخين وبأ عالميا. فاكثر من بليون نسمة يدخِّنون خمسة تريليونات لفافة تبغ سنويا. وفي عام ١٩٦٤ حذَّر كبير اطباء مديرية الصحة في الولايات المتحدة، س. افريت كوب، من مخاطر التدخين. ومنذ ذلك الحين انخفضت نسبة المدخنين الاميركيين، ولكنّ استعمال التبغ ازداد ٢٠ في المئة. واستعمال التبغ العالمي النطاق نما الى ٧٥ في المئة. وهو يبلغ مستويات وبائية في البلدان المتقدمة ويصل الى حد الانفجار في الامم النامية. والامراض المرتبطة بالتدخين تطالب بحياة الملايين كل سنة. وخمس في المئة من الوفيات في العالم تتعلق بالتبغ. وضريبة الوفيات السنوية للتبغ في اوروبا والولايات المتحدة هي ٢٠ في المئة من مجموع الوفيات. وتبلغ في كندا ١٧ في المئة من وفيات البالغين.
وذروة السخرية والمأساة في كل ذلك هي الحقيقة المتعلقة بالتدخين التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية: «أهم مشكلة صحية يمكن تجنبها في العالم.» اذاً لماذا يستمر الناس في التدخين وحصد غلة التبغ المميتة؟ ان سبب وجوب عدم استمرارهم انما هو واضح. أما سبب استمرارهم فيمتد الى اعمق من ذلك قليلا.
ثمة تقرير عن التدخين مُثقل بالمستندات اصدره في كانون الثاني ١٩٨٦ معهد الرصد العالمي في واشنطن، دي. سي.، يزود المعلومات الآنفة واكثر بكثير. «يقتل التبغ من الاميركيين ١٣ مرة اكثر مما تقتل المخدرات القوية،» كما قال، «وثماني مرات اكثر من حوادث السيارات.» ويحصد في كل سنة من حياة الاميركيين اكثر مما فُقد في الحرب العالمية الثانية. ولاحظ ايضا تقرير الرصد العالمي: «تدير الحكومات عمليات شبه عسكرية ضد انتاج او نقل المرهوانة او الافيون، ولكن ليس ضد التبغ، وهو المحصول الاكثر فتكا.»
كلما تعلَّم العلم اكثر انكشفت اكثر طبيعة التبغ المميتة. وفي كل سنة يموت اكثر من مليوني مدخِّن بسبب مرض القلب وسرطان الرئة وانتفاخ الرئة. ويعمل قلب المدخِّن بصعوبة اكثر من قلب غير المدخِّن. فهو يعمل بمعدل ثماني الى عشر خفقات اكثر في الدقيقة خلال النهار وثلاث الى خمس خفقات اكثر خلال النوم. وذكر بحث نُشر في مجلة «العلم»: «تدخين لفائف التبغ هو السبب الرئيسي الواحد المعروف للوفيات السرطانية في الولايات المتحدة، ويُقدَّر بأن مساهمة التبغ في كل الوفيات السرطانية هي ٣٠ في المئة.» ومعظم هذه الـ ٣٠ في المئة هو بسبب سرطان الرئة. وفي جنوب افريقيا أعطب ادمان احد المدخِّنين على ٩٠ لفافة تبغ في اليوم عصب بصره وتركه اعمى — ضحية للكمش (إظلام البصر من غير علة عضوية ظاهرة) بسبب التبغ.
التحرر الى العبودية؟
ان المرأة العصرية، المتحررة الآن، تدخِّن اكثر وتحصد من الغلال اكثر. فسرطان الثدي كان القاتل الاكبر للنساء الاميركيات — والآن سرطان الرئة. فقد ارتفع فجأة ٥٠٠ في المئة منذ عام ١٩٥٠، وقضى على اكثر من ٠٠٠,٣٨ امرأة في سنة ١٩٨٥. ومرض القلب يدرك النساء ايضا. ويُرهق التدخين القلب وجهاز الدورة الدموية، وفي كل سنة تُصاب ٠٠٠,٨٠٠ امرأة إما بنوبات قلبية او بسكتات دماغية. والنساء المصابات بالتهاب القصبات المزمن اللواتي يُدخنَّ يحظين بالتفوق المشكوك في نتيجته بأن عددهنَّ الآن يتجاوز الرجال بمليون اصابة. والمواد الكيميائية في دخان لفائف التبغ تسبب ضررا وراثيا يستطيع بدء السرطان في النساء الحوامل وفي أجنَّتهن. فهل المرأة العصرية متحررة؟ وهل هي متحررة الى عبودية التبغ، ربما جنبا الى جنب مع نظرائها الذكور؟
وبغية تقليل الاخطار يتحوَّل بعض المدخِّنين من لفائف التبغ الى الغليون او السيجار. وفي كانون الاول ١٩٨٥ اطلقت «مجلة الجمعية الطبية الاميركية» هذا الحلم في الدخان. فالتبغ المستعمل في الغلايين ولفائف السيجار يحتوي على نيكوتين اكثر، وعلى القطران المسبب للسرطان اكثر، ويُنتج من غاز اول اكسيد الكربون ما هو اكثر خطورة من ذاك المستعمل في لفائف التبغ. والاستقصاءات تُظهر ان الكثيرين، وخصوصا المراهقين، يعتقدون ان التبغ العديم الدخان بديل آمن للفائف التبغ. ولكنّ الامر ليس كذلك. ففي سنة ١٩٨٥ مات فتى يبلغ من العمر ١٩ سنة في الولايات المتحدة من سرطان الفم. وقالت امه امام لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ انه بدأ يستعمل العاطوس في سن الـ ١٢، ولكنه ابى ان يكف عنه لان التبغ العديم الدخان لم يحمل لافتة تحذير ولان الرياضيين كانوا يعلنونه.
وسواء مضغتم او مصصتم العاطوس الرطب المحجوز بين الخد واللثة (ويسمى ذلك الغمس)، فأنتم انما تطلبون سرطان الفم وامراض اللثة وادمان النيكوتين. والسرطان يتطوَّر حيث يلامس التبغ الخد واللثة، وغالبا ما يمتد الورم الخبيث الى اجزاء اخرى من الجسم. ويحتوي التبغ العديم الدخان على ٢٠ او اكثر من نتروز الامينات المسببة للسرطان والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات. وقال تقرير الرصد العالمي انه على مدى الـ ٢٠ سنة الاخيرة ازداد استعمال التبغ والعاطوس اللذين يُمضغان بنسبة ٤٠ في المئة، مع ازدياد متماثل في سرطان الفم.
ضحايا دخان الآخرين
ان مستعملي التبغ لا يُعرِّضون صحتهم للخطر وحسب بل ايضا صحة الآخرين. وأظهرت اكثر من عشر دراسات في سنة ١٩٨٥ ان التدخين التأثّري — تنشُّق الدخان من لفائف تبغ الآخرين — سبَّب سرطان الرئة في زوجات المدخِّنين اللواتي لا يدخِّنَّ. وتشير الابحاث في اليابان والمانيا الغربية واليونان والولايات المتحدة الى ان «احتمال اصابة زوجات المدخِّنين بسرطان الرئة هو مرتان او ثلاث مرات اكثر من زوجات غير المدخِّنين.» واحدى الدراسات «قدَّرت ان التدخين التأثّري يسبّب في الولايات المتحدة وفيات سرطانية اكثر من كل ملوّثات الهواء الصناعية المضبوطة جمعاء.» وذكر العلماء الكنديون انه لا يوجد مستوى آمن للدخان غير المباشر. وهو يحتوي على «اكثر من ٥٠ مادة معروفة تولّد السرطان و ٨٠٠,٣ مركب كيميائي.» قالت مجلة طبية: «كلما عاش المرء مع عدد اكبر من المدخِّنين ازداد خطر تعرضه للسرطان.»
وما يلوّث هواء الآخرين هو اكثر من نفث الدخان. فبين النَّفثات يتصاعد الدخان غير المُصفَّى بشكل لولبي من لفائف التبغ الممسكة بالايدي او المستقرة في المنافض. وهذا المجرى الجانبي للدخان مسؤول عن ٨٥ في المئة من الدخان في الغرفة ذات المدخِّنين. وهو يحتوي على مواد مهيِّجة مثل ألدهيد النمل، نشادر، أكرولئين، اكسيد الآزوتي، هيدروكربونات ومواد دقائقية. وهو يزيد من المواد المولّدة للسرطان التي يتنشقها غير المدخِّنين القريبين بنسبة ٥٠ في المئة.
والاولاد الذين يُدخِّن آباؤهم يعانون اكثر من الزكام، الانفلونزا، التهاب القصبات، الربو والتهاب الرئة. وتتضرر القدرة على التعلم في اولاد الامهات اللواتي يدخِّنَّ. واظهرت الدراسات انهم يقرأون ببطء اكثر وقد يتخلّفون في المدرسة عدة اشهر عن اولاد غير المدخِّنات. والامهات اللواتي يُدخِّنَّ ينجبن اطفالا ناقصي الوزن بنسبة ضعف ما تنجبه الامهات غير المدخِّنات. وفي الهند تمضغ ٣٩ في المئة من النساء التبغ. وتكون النتيجة اطفالا ناقصي الوزن. وختمت «الرسالة الصحية لمدرسة هارفرد الطبية،» عدد تموز ١٩٨٥، مقالتها عن مخاطر التدخين التأثّري بعنوان «اللُهاث الاخير؟» بهذه العبارة: «وينبغي ان يدرك الراشدون المدخِّنون انهم حين يُشعلون لفافة تبغ في وجود الاطفال انما ينهمكون في شكل غير لطيف من اشكال الاساءة الى الاطفال.» والاساءة الى كل امرىء آخر حولهم!
-
-
لماذا يدخِّن الناس، لماذا يجب ألا يدخِّنوااستيقظ! ١٩٨٧ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
[الاطار في الصفحة ١٤]
قالت افتتاحية في «مجلة الجمعية الطبية الاميركية» ما يلي عما دعته التبغيَّة:
«كمجتمع لم نصحُ بعدُ لجدية الخطر الصحي للتبغ. فينبغي لنا ان ندرك ان التبغيَّة هي افتك ادمان للمخدرات في الولايات المتحدة اليوم وانها تتطلَّب ضريبة في الحياة والدولارات اثقل من الكوكايين، والهيرويين، والاعراض المتزامنة لنقص المناعة المكتسبة، وحوادث السير، وجرائم القتل، وهجمات الارهاب مجتمعة.»
وبعد لفت الانتباه الى انفاق بليون دولار سنويا على شن الحرب على السرطان تقول: «ما ينقص هو شن حرب موازية على اسباب السرطان. . . . ويُقدَّر حاليا ان مواطني هذا البلد يفقدون حياتهم نتيجة التبغيَّة بمعدل ٠٠٠,١ في اليوم.»
ولشنّ هذه الحرب على التبغيَّة وآفتها من «السرطان، انتفاخ الرئة، والمرض القلبي الوعائي،» نصحت الافتتاحية قائلة: «الهدف في آخر الامر هو انشاء دخل ضريبي من مبيعات التبغ يعادل الكلفة لمجتمع يستعمل التبغ. فاذا كان يكلِّف مجتمعنا واقتصادنا (جميعا) اكثر من ٦٠،٢ دولار عن كل علبة لفائف تبغ، فعندئذ يجب ان يُطلب من الذين يبتغون التدخين ان يدفعوا ثمن سبيلهم. . . . ويجب السعي الى خفض بارز في العون المالي الاتحادي لزراعة التبغ. . . . ويجب وضع بطائق تحذير على كل منتجات التبغ. . . . وينبغي ازالة كل الاعلانات عن التبغ من الوسائل العمومية. . . . ويجب ثني الاشخاص المشهورين وصانعي الافلام عن ترفيع استعمال التبغ.»
وتختتم الافتتاحية: «اعتقد انه حان الوقت لرؤيةٍ وشجاعةٍ واضحتين. فالخطوط مرسومة. وبوق النداء مُدوٍّ.» — مجلة الجمعية الطبية الاميركية، ١١ نيسان ١٩٨٦.
[الصورة في الصفحة ١١]
وفيات اوروبا⁄الولايات المتحدة ٢٠٪ بسبب التدخين
وفيات كندا ١٧٪ بسبب التدخين
وفيات العالم ٥٪ بسبب التدخين
[الصورة في الصفحة ١٢]
ان المدخِّنين، سجنى ادمان النيكوتين، يجعلون الضحايا البريئة تتألم ايضا
-