مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏‹اتمام مهمة طويلة›‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٢٢
    • ‏‹اتمام مهمة طويلة›‏

      منذ خمسين سنة تكلمت سيدة مسنة،‏ والعالم بأسره أصغى.‏ حدث ذلك في پاريس في ١٠ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ عام ١٩٤٨.‏ فقد اجتمعت الجمعية العامة للامم المتحدة في قصر پاليه شايّو المبني حديثا حيث وقفت رئيسة لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة،‏ إليانور روزڤلت،‏ ارملة الرئيس الاميركي السابق فرانكلين د.‏ روزڤلت،‏ بطولها الفارع،‏ وقالت بصوتها الجهوري في خطاب امام المجتمعين:‏ «نقف اليوم امام حدث عظيم في تاريخ الامم المتحدة وتاريخ الجنس البشري،‏ ألا وهو موافقة الجمعية العامة على الاعلان العالمي لحقوق الانسان».‏

      وبعد سماع العبارات الرنانة التي تؤلف ديباجة الاعلان،‏ ومواده الـ‍ ٣٠،‏ تبنت الجمعية العمومية تلك الوثيقة.‏a ثم وقف اعضاء الامم المتحدة وصفقوا لـ‍ «سيدة العالم الاولى»،‏ كما كانت تُدعى السيدة روزڤلت،‏ وذلك بسبب قدراتها القيادية المميزة.‏ وفي نهاية ذلك النهار كتبت السيدة روزڤلت:‏ «أتممت مهمة طويلة».‏

      من خيارات عديدة الى اعلان واحد

      قبل سنتين،‏ في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٧،‏ بُعيد ابتداء اللجنة بالعمل،‏ تبيَّن ان وضع وثيقة لحقوق الانسان يوافق عليها كل اعضاء الامم المتحدة سيكون مهمة في غاية الصعوبة.‏ فمن بداية العملية،‏ كانت اللجنة المؤلفة من ١٨ عضوا تتخبَّط في خلافات عميقة،‏ ومشاجرات لا تنتهي،‏ مما اخَّر عملها.‏ فقد شعر المندوب الصيني بأن الوثيقة يجب ان تتضمن فلسفة كونفوشيوس،‏ وكان احد اعضاء اللجنة الكاثوليك يؤيد تعاليم توما الأكويني،‏ وكانت الولايات المتحدة تناصر قانون الحقوق الاميركي،‏ وأراد السوڤيات شمل آراء كارل ماركس —‏ وهذا مجرد غيض من فيض الآراء التي جرى التعبير عنها!‏

      اتعب الاقتتال المستمر بين اعضاء اللجنة السيدة روزڤلت.‏ وفي خطاب لها في جامعة السوربون بپاريس عام ١٩٤٨،‏ ذكرت انها كانت تعتقد ان تربية عائلتها الكبيرة قد وضعت صبرها على المحك.‏ لكنَّها تابعت قائلة ان «الاشراف على عمل لجنة حقوق الانسان تطلَّب صبرا اكثر»،‏ مما اضحك سامعيها.‏

      غير ان خبرتها كأم تبيَّن انها نافعة دون شك.‏ فقد كتب احد المراسلين الصحفيين في ذلك الوقت ان طريقة تعامل السيدة روزڤلت مع اعضاء اللجنة ذكَّرته بأم «تشرف على عائلة كبيرة مؤلفة من صبية هم في الغالب ضجَّاجون،‏ ومشاغبون احيانا،‏ لكنَّهم طيبو القلب،‏ ويحتاجون الى التأديب الحازم من وقت الى آخر».‏ (‏إليانور روزڤلت —‏ حياتها الخاصة والعامة،‏ بالانكليزية)‏ إلّا انها كانت تجمع بين اللباقة والحزم مما مكَّنها من إقناع معارضيها دون معاداتهم.‏

      ونتيجة لذلك،‏ بعد سنتين من الاجتماعات،‏ ومئات التعديلات،‏ وآلاف التصريحات،‏ و ٤٠٠‏,١ جلسة تصويت على كل كلمة وكل عبارة تقريبا،‏ تمكَّنت اللجنة من وضع وثيقة تعدد فيها حقوق الانسان التي اعتقدت اللجنة ان كل رجل وامرأة في كل مكان من العالم له الحق فيها.‏ وسُمِّيت «الاعلان العالمي لحقوق الانسان».‏ وهكذا تمَّت المهمة التي بدت مستحيلة احيانا.‏

      آمال كبيرة

      طبعا،‏ لم يعتقد احد ان جدران الظلم ستنهار عند صوت البوق الاول هذا.‏ لكنَّ آمالا كبيرة عُلقت على تبنّي هذا الاعلان العالمي.‏ وتكهَّن رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة في ذلك الوقت،‏ الدكتور هربرت ڤ.‏ إڤات الاوسترالي،‏ ان «ملايين الرجال،‏ النساء،‏ والاولاد في كل انحاء العالم،‏ على بعد اميال كثيرة من پاريس ونيويورك،‏ سيلتفتون الى هذه الوثيقة طلبا للمساعدة،‏ التوجيه،‏ والإلهام».‏

      مر خمسون عاما منذ تلفظ الدكتور إڤات بهذه الكلمات.‏ وبالفعل،‏ تطلَّع كثيرون خلال هذه الفترة الى الوثيقة طلبا للتوجيه،‏ واستعملوها كمقياس لمدى احترام حقوق الانسان حول العالم.‏ فماذا وجدوا؟‏ هل تبلغ ممارسات الدول الاعضاء شروط هذا المقياس؟‏ وما هي حالة حقوق الانسان في العالم اليوم؟‏

      ‏[الحاشية]‏

      a صوَّتت ثمانٍ وأربعون دولة لصالح الوثيقة،‏ ولم تصوِّت ايّة دولة ضدها.‏ أما اليوم،‏ فقد تبنى الاعلان كل اعضاء الامم المتحدة الـ‍ ١٨٥،‏ بمن فيهم الاعضاء الذين امتنعوا عن التصويت عام ١٩٤٨.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٤]‏

      ما هي حقوق الانسان؟‏

      تعرِّف الامم المتحدة حقوق الانسان بأنها «الحقوق التي تلازمنا بطبيعتنا،‏ والتي لا يمكننا العيش ككائنات بشرية من دونها».‏ وقد وُصفت حقوق الانسان ايضا بأنها «لغة البشرية المشتركة» —‏ وصدق من وصفها بذلك.‏ فكما ان المقدرة على تعلم اللغات تولد معنا وتسمنا بأننا بشر،‏ هنالك حاجات وصفات اخرى تلازمنا منذ ولادتنا وتميِّزنا من المخلوقات الاخرى على الارض.‏ مثلا،‏ يحتاج البشر الى المعرفة،‏ التعبير الفني،‏ والروحيات.‏ وإذا حُرم انسان من هذه الحاجات الاساسية،‏ اضطر الى العيش حياة دون المستوى المقبول للبشر.‏ وتوضح محامية في مجال حقوق الانسان انه لحماية البشر من حرمان كهذا،‏ «نستعمل التعبير ‹حقوق الانسان› وليس ‹حاجات الانسان› لأن كلمة ‹حق› لها وزن قانوني اثقل من الكلمة ‹حاجة›.‏ وبتسميتها ‹حق› نرفع إشباع الحاجات البشرية الى منزلة الامور التي يحق،‏ ادبيا وقانونيا،‏ لكل انسان التمتع بها».‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٥]‏

      الاعلان العالمي لحقوق الانسان

      وصف الكاتب الحائز جائزة نوبل،‏ الكسندر سولجنيتسين،‏ الاعلان العالمي بأنه «افضل وثيقة» وضعتها الامم المتحدة على الاطلاق.‏ ويمكننا ان نفهم لماذا يوافقه عديدون على رأيه اذا القينا نظرة خاطفة على محتوياته.‏

      تُذكر فلسفة الاعلان الاساسية في المادة ١:‏ «يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق.‏ وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء».‏

      وعلى هذا الاساس،‏ ضمن واضعو الاعلان مجموعتين من حقوق الانسان.‏ وتوجَز المجموعة الاولى في المادة ٣:‏ «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الامان على شخصه».‏ وهذه المادة هي اساس حقوق الانسان المدنية والسياسية المعددة في المواد ٤ الى ٢١.‏ والمجموعة الثانية من الحقوق مؤسسة على المادة ٢٢ التي تقول جزئيا ان لكل شخص حقا في ان توفَّر له الحقوق «التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرية».‏ وهي تمهِّد للمواد ٢٣ الى ٢٧ التي تعدِّد حقوق الانسان الاقتصادية،‏ الاجتماعية،‏ والثقافية.‏ وكان الاعلان العالمي اول وثيقة دولية تعترف بهذه المجموعة الثانية من الحقوق بصفتها جزءا من حقوق الانسان الاساسية.‏ وكان ايضا اول وثيقة دولية تستعمل عبارة «حقوق الانسان».‏

      توضح عالمة الاجتماع البرازيلية روث روشا بلغة بسيطة ما يقوله لنا الاعلان العالمي:‏ «بغضّ النظر عن عرقك؛‏ بغضّ النظر عمّا اذا كنت رجلا او امرأة؛‏ بغضّ النظر عن ايّة لغة تتكلم،‏ او ما هو دينك،‏ او آراؤك السياسية،‏ او الى ايّ بلد تنتمي،‏ او مَن هي عائلتك؛‏ بغضّ النظر عمّا اذا كنت غنيا او فقيرا؛‏ بغضّ النظر عن ايّ منطقة من العالم تأتي منها،‏ او هل دولتك مملكة او جمهورية،‏ فإن هذه الحقوق والحريات ينبغي ان يتمتع بها كل شخص».‏

      ومنذ تبنّي الاعلان العالمي،‏ تُرجمت الوثيقة بأكثر من ٢٠٠ لغة وصارت جزءا من دساتير بلدان عديدة.‏ أما اليوم،‏ فهنالك بعض القادة الذين يعتقدون انه يلزم اعادة كتابة الاعلان.‏ لكنَّ امين عام الامم المتحدة،‏ كوفي انان،‏ لا يشاطرهم الرأي.‏ وتقتبس منه واحدة من رسميِّي الامم المتحدة قوله:‏ «كما انه لا حاجة الى إعادة كتابة الكتاب المقدس او القرآن،‏ كذلك لا حاجة الى تعديل الاعلان.‏ فما يلزم تعديله هو تصرف مؤيِّدي الاعلان العالمي،‏ وليس نصّه».‏

      الامين العام للامم المتحدة كوفي انان

  • نظرة من الطابق التاسع والعشرين
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٢٢
    • نظرة من الطابق التاسع والعشرين

      حين تخرجون من المصعد في الطابق التاسع والعشرين من مبنى الامم المتحدة في مدينة نيويورك،‏ تدلكم اشارة زرقاء صغيرة الى مكتب المفوَّض السامي لحقوق الانسان (‏OHCHR)‏.‏ وهذا المكتب هو الممثِّل للمركز الرئيسي لمفوَّضية حقوق الانسان في جنيڤ،‏ سويسرا،‏ الذي يعمل كمحور لنشاطات الامم المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان.‏ وفيما ترأس ماري روبنسون،‏ المفوَّضة السامية لحقوق الانسان،‏ المكتب في جنيڤ،‏ ترأس اليونانية إلسا ستاماتوپولو المكتب في نيويورك.‏ وفي اوائل هذه السنة،‏ تكرَّمت السيدة ستاماتوپولو واستقبلت احد افراد هيئة الكتابة في استيقظ!‏،‏ وتذكَّرت معه خمسة عقود من انشطة حقوق الانسان.‏ وإليكم بعض المقتطفات من المقابلة.‏

      س برأيكِ،‏ ايّ تقدم أُحرز في تعزيز حقوق الانسان؟‏

      ج سأعطيك ثلاثة امثلة عن التقدم الذي احرزناه:‏ اولا،‏ منذ ٥٠ عاما،‏ كان مفهوم حقوق الانسان غائبا عن الساحة الدولية؛‏ أما اليوم،‏ فهو موجود في كل مكان،‏ وهو نافذ.‏ والحكومات التي لم تكن قد سمعت بحقوق الانسان منذ بضعة عقود تتكلم عنها الآن.‏ ثانيا،‏ لدينا الآن مجموعة قوانين دولية،‏ او كتاب قوانين دولي،‏ تتألف من عدد كبير من الاتفاقيات التي تقول للحكومات بالكلمة المطبوعة ما هي واجباتها تجاه مواطنيها.‏ [انظروا الاطار:‏ «الشرعة الدولية لحقوق الانسان» في الصفحة ٧.‏] لقد تطلَّب وضع مجموعة القوانين هذه سنوات كثيرة من العمل الدؤوب.‏ ونحن فخورون جدا بها.‏ والمثل الثالث هو ان عددا متزايدا من الناس اليوم يشتركون في حركات حقوق الانسان ويتمكنون من التكلم بإسهاب عن مسائل حقوق الانسان.‏

      س ما هي العوائق؟‏

      ج بعد العمل ١٧ سنة في برامج حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة،‏ أُدرك طبعا اننا نواجه مشاكل عويصة.‏ وأكبر مشكلة هي ان الحكومات غالبا ما تعتبر حقوق الانسان مسألة سياسية اكثر منها انسانية.‏ وقد تمتنع عن تطبيق معاهدات حقوق الانسان لأنها تشعر بأنها تهددها سياسيا.‏ وفي حالات كهذه،‏ تصير معاهدات حقوق الانسان حبرا على ورق.‏ وهنالك عائق آخر وهو عدم تمكن الامم المتحدة من الحؤول دون حصول انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في اماكن كيوغوسلاڤيا السابقة،‏ رواندا،‏ والآن في الجزائر.‏ وعجز الامم المتحدة عن منع المجازر التي حدثت في هذه البلدان كان فشلا ذريعا.‏ فآ‌ليات حقوق الانسان موجودة،‏ ولكن يلزم ان يشغلها احد.‏ ومَن سيكون هذا ‹الاحد›؟‏ فحين لا تكون مصالح الدول القادرة على منح الحماية مهدَّدة،‏ غالبا ما لا تُعرب هذه الدول عن استعداد سياسي للعمل على ايقاف هذه الانتهاكات.‏

      س ما هي توقعاتكِ للمستقبل؟‏

      ج ارى تهديدا وأملا على السواء في الطريق المؤدية الى حصول الجميع على حقوق الانسان.‏ فما يقلقني هو التهديد الناجم عن عولَمة الاقتصاد،‏ الذي يشمل استقرار شركات كبيرة في البلدان حيث اليد العاملة رخيصة.‏ فاليوم يمكننا،‏ اذا لزم الامر،‏ لوم الحكومات على انتهاكات حقوق الانسان والضغط عليها.‏ ولكن مَن نلوم اذا انتقلت السلطة اكثر فأكثر من يد الحكومات الى يد القوى الاقتصادية العالمية بفعل الاتفاقيات التجارية المتبادلة؟‏ فبما انه لا سلطة لنا على هذه القوى الاقتصادية،‏ فسيضعف هذا موقف المنظمات الحكومية الدولية كالامم المتحدة،‏ ويضرّ بحقوق الانسان.‏ فمن المهم جدا الآن ان نكسب اهتمام القطاع الخاص بمسائل حقوق الانسان.‏

      س وماذا بشأن الأمل؟‏

      ج انه نمو حضارة عالمية مؤسسة على احترام حقوق الانسان.‏ وأعني انه ينبغي ان نجعل الناس مدركين اكثر لحقوق الانسان بواسطة التعليم.‏ طبعا،‏ هذا تحدٍّ كبير لأنه ينطوي على تغيير طريقة تفكيرهم.‏ ولهذا السبب اطلقت الامم المتحدة حملة توعية عالمية،‏ منذ عشر سنوات،‏ هدفها تعليم الناس حقوقهم،‏ والبلدان واجباتها.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ اطلقت الامم المتحدة على السنوات ١٩٩٥ الى ٢٠٠٤ التسمية:‏ «عقد تعليم حقوق الانسان».‏ ونأمل ان يغيِّر التعليم عقول وقلوب الناس.‏ قد يبدو ذلك كالانجيل،‏ لكنني مؤمنة حقيقية في ما يتعلق بتعليم حقوق الانسان.‏ وأرجو ان يتبنى العالم حضارة تتمحور حول حقوق الانسان كإيديولوجيته في القرن المقبل.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٧]‏

      الشرعة الدولية لحقوق الانسان

      فضلا عن الاعلان العالمي لحقوق الانسان،‏ هنالك ايضا شرعة دولية لحقوق الانسان.‏ فما علاقة واحدهما بالآخر؟‏

      حسنا،‏ اذا شبهتم الشرعة الدولية لحقوق الانسان بكتاب مؤلف من خمسة فصول،‏ يكون الاعلان العالمي الفصل الاول منه.‏ ويكون الفصلان ٢ و ٣ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،‏ والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.‏ ويحتوي كلٌّ من الفصلَين ٤ و ٥ على پروتوكول اختياري.‏

      وفيما يُعتبر ان لهذا الاعلان العالمي قيمة ادبية،‏ إذ يقول للدول ما يحسن بها ان تفعله،‏ فإن الوثائق الاربع الاضافية ملزِمة قانونيا،‏ وهي تقول للدول ما يجب عليها ان تفعله.‏ ومع ان العمل على هذه الوثائق ابتدأ عام ١٩٤٩،‏ فقد مرَّت عشرات السنين قبل ان توضع موضع التطبيق.‏ واليوم،‏ تؤلف هذه الوثائق الاربع مع الاعلان العالمي الشرعة الدولية لحقوق الانسان.‏

      وفضلا عن هذه الشرعة الدولية،‏ فقد وافقت الامم المتحدة على اكثر من ٨٠ معاهدة اخرى لحقوق الانسان.‏ «ولذلك،‏ من الخطإ التفكير ان معاهدات حقوق الانسان التي تتضمنها الشرعة الدولية هي الاهم»،‏ كما تعلِّق خبيرة بحقوق الانسان.‏ وتضيف:‏ «مثلا،‏ ان الاتفاقية حول حقوق الطفل التي وُضعت عام ١٩٩٠ هي وثيقة الامم المتحدة الاكثر شمولا والتي جرت الموافقة عليها اكثر من غيرها،‏ لكنها ليست جزءا من الشرعة الدولية.‏ وقد ابتُكرت عبارة ‹الشرعة الدولية لحقوق الانسان› للدعاية اكثر منها كمفهوم رسمي.‏ وتوافقون انها فعلا عبارة تلفت الانتباه».‏a

      ‏[الحاشية]‏

      a في وقت كتابة هذه المقالة،‏ كان ١٩١ بلدا (‏١٨٣ عضوا في الامم المتحدة و ٨ دول ليست اعضاء)‏ قد وافق على اتفاقية حقوق الطفل.‏ بلَدان فقط لم يوافقا عليها:‏ الصومال والولايات المتحدة.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٦]‏

  • حقوق الانسان وانتهاكاتها اليوم
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٢٢
    • حقوق الانسان وانتهاكاتها اليوم

      حقق مؤيِّدو حقوق الانسان مؤخرا انجازا كبيرا.‏ فقد جمعوا اولا اكثر من ٠٠٠‏,١ منظمة في ٦٠ بلدا في حركة اطلقوا عليها اسم «الحملة العالمية لحظر الالغام الارضية».‏ ثم عملوا على ابرام معاهدة دولية تحظر هذه الاسلحة.‏ وبعد ذلك ربحت «الحملة العالمية لحظر الالغام الارضية» ومديرتها التي لا تكل،‏ الناشطة الاميركية جودي وليامز،‏ جائزة نوبل للسلام لعام ١٩٩٧.‏

      غير ان انجازات كهذه،‏ ترافقها احداث تدعو الى التفكير.‏ فكما يذكر التقرير العالمي لمراقبة حقوق الانسان لعام ١٩٩٨،‏ لا تزال شمولية حقوق الانسان «تحت الهجوم المستمر».‏ ولا يقع اللوم فقط على ما يسمَّى بالدكتاتوريات الصغيرة الشأن.‏ «فالقوى العظمى»،‏ كما يتابع التقرير،‏ «اظهرت ميلا ملحوظا الى تجاهل حقوق الانسان حين تبيَّن ان احترامها سيكون مضرا بمصالحها الاقتصادية او الاستراتيجية —‏ وهذا الميل تُبتلى به اوروپا والولايات المتحدة على السواء».‏

      وبالنسبة الى ملايين الناس حول العالم،‏ لا يمكن تجاهل انتهاكات حقوق الانسان.‏ فحياتهم اليومية لا تزال معكرة بسبب التمييز،‏ الفقر،‏ المجاعة،‏ الاضطهاد،‏ الاغتصاب،‏ الاساءة الى الاولاد،‏ الاسترقاق،‏ والميتات العنيفة.‏ والعالم الذي تعرفه تلك الضحايا بعيد كل البعد عن الاحوال المشرقة التي تعد بها الكومة المتعاظمة من معاهدات حقوق الانسان.‏ فحتى الحقوق الاساسية المعددة في المواد الـ‍ ٣٠ التي تشكِّل الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا تزال حبرا على ورق بالنسبة الى معظم البشرية.‏ ولإيضاح ذلك،‏ تأملوا بإيجاز كيف تُطبَّق في الحياة اليومية الحقوق السامية المذكورة في الاعلان.‏

      الجميع متساوون؟‏

      يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق.‏ —‏ المادة ١.‏

      حين وُضعت مسودة الاعلان العالمي،‏ كانت المادة ١ على الشكل التالي:‏ «يولد كل امرئ .‏ .‏ .‏ مساويا لغيره».‏ ولكن لضمان ان هذه الجملة لن تُفهم على ان النساء غير مشمولات،‏ اصرت النساء في لجنة نص مسودة الاعلان على تغيير الكلمة.‏ فكان لهن ما اردن وبذلك غُيِّرت جملة:‏ «يولد كل امرئ .‏ .‏ .‏ مساويا لغيره» الى:‏ «يولد جميع الناس .‏ .‏ .‏ متساوين».‏ (‏إمالة الحروف لنا.‏)‏ لكن هل اثَّر تغيير كلمات هذه المادة في حالة النساء؟‏

      في ١٠ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٧،‏ يوم حقوق الانسان،‏ اخبرت السيدة الاميركية الاولى،‏ هيلاري كلينتون،‏ الامم المتحدة ان العالم ماضٍ في «معاملة النساء كمواطنات ادنى».‏ وأعطت بعض الامثلة:‏ ٧٠ في المئة من فقراء العالم هم نساء.‏ ثلثا الـ‍ ١٣٠ مليون ولد الذين لا يمكنهم الذهاب الى المدرسة هم بنات.‏ وثلثا الـ‍ ٩٦ مليون اميّ في العالم هم نساء.‏ وتعاني النساء الكثير من جراء العنف المنزلي والجنسي،‏ الذي لا يزال «احد الانتهاكات لحقوق الانسان الاكثر انتشارا والاقل نشرا في العالم»،‏ كما تابعت السيدة كلينتون.‏

      وبعض الاناث يقعن ضحية العنف حتى قبل ان يولدن.‏ ففي بعض بلدان آسيا خصوصا،‏ تجهض بعض النساء بناتهن لأنهن يفضلن البنين على البنات.‏ وفي بعض البلدان جعل هذا التفضيل الفحص الوراثي لجنس الجنين تجارة مزدهرة.‏ وقد ذكر احد المختبرات لفحص جنس الجنين في الاعلانات عن خدماته انه من الافضل ان تدفعوا الآن ٣٨ دولارا لإنهاء حياة الجنين الانثى على ان تدفعوا ٨٠٠‏,٣ دولار لاحقا ثمنا للدوطة.‏ وإعلانات كهذه فعّالة جدا.‏ فقد وجدت دراسة أُجريت في احد المستشفيات الآسيوية الكبرى ان ٥‏,٩٥ في المئة من الاجنة التي يحدد انها اناث تُجهض.‏ وهذا التفضيل للبنين شائع ايضا في انحاء اخرى من العالم.‏ فحين سئل بطل ملاكمة اميركي سابق عن عدد اولاده،‏ اجاب:‏ «صبي واحد وسبع غلطات».‏ وتذكر المطبوعة النساء والعنف (‏بالانكليزية)‏ الصادرة عن الامم المتحدة ان «تغيير موقف الناس وتفكيرهم نحو النساء سيستغرق وقتا طويلا —‏ جيلا،‏ باعتقاد البعض،‏ وربما اكثر».‏

      اولاد حُرموا طفولتهم

      لا يجوز استرقاق احد او استعباده،‏ ويحظّر الرِّق والاتّجار بالرقيق بجميع صورهما.‏ —‏ المادة ٤.‏

      لقد أُلغي الرِّق على الورق.‏ فقد وقَّعت الحكومات اعدادا هائلة من المعاهدات جعلت بموجبها الرِّق غير شرعي.‏ ولكن وفقا لجمعية مقاومة الرِّق البريطانية،‏ التي تُعرف بأنها اقدم منظمة لحقوق الانسان في العالم،‏ فإن «عدد الرقيق اليوم اكثر من ايّ وقت مضى».‏ ويشمل الرِّق اليوم انتهاك عدد من حقوق الانسان.‏ فتشغيل الاولاد قسرا يقال انه نوع من الاسترقاق العصري.‏

      وأحد الامثلة المحزنة لذلك هو ديريڤان،‏ صبي من اميركا الجنوبية.‏ ‹فيداه الصغيرتان خشنتان بسبب الاوراق القاسية لنبتة السيزال،‏ وهي مصدر لألياف نباتية تُستعمل في صناعة الفُرش.‏ فوظيفته هي جمع الاوراق الموجودة في مخزن وحملها الى آلة التصنيع على بعد نحو ٩٠ مترا [٣٠٠ قدم].‏ وعند نهاية كل يوم عمل من ١٢ ساعة،‏ يكون قد نقل طنا من الاوراق.‏ وقد ابتدأ ديريڤان بهذا العمل حين كان في الخامسة من العمر،‏ وهو اليوم في الحادية عشرة من عمره›.‏ —‏ وورلد پرس ريڤيو،‏ بالانكليزية.‏

      وتقدِّر منظمة العمل الدولية ان ربع بليون ولد تتراوح اعمارهم بين ٥ و ١٤ سنة يعملون اليوم —‏ مشكِّلين جيشا من العمال الصغار يقارب عددهم عدد سكان البرازيل والمكسيك معا!‏ وكثيرون من هؤلاء الاولاد الذين حُرموا طفولتهم يكدُّون في المناجم،‏ اذ يجرّون حاويات ملآنة فحما؛‏ او يمشون في الوحل لحصاد المزروعات؛‏ او ينحنون فوق الانوال لصنع البُسط.‏ حتى الاطفال —‏ الذين هم بعمر ثلاث،‏ اربع،‏ او خمس سنوات —‏ يُربطون معا في فرق،‏ للحرث،‏ البَذر،‏ او التقاط فضلات الحصاد من الحقول،‏ وذلك من الفجر الى الغسق.‏ ويقول احد مالكي الاراضي في بلد آسيوي:‏ «ان تشغيل الاولاد ارخص من تشغيل الجرَّارات،‏ وهم اذكى من الثيران».‏

      اختيار المرء دينه وتغييره

      لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين،‏ ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه.‏ —‏ المادة ١٨.‏

      في ١٦ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٧،‏ تسلَّمت الجمعية العامة للامم المتحدة «تقريرا مؤقَّتا عن ازالة كل انواع التعصب الديني».‏ ويعدد التقرير،‏ الذي اعده المقرِّر الخاص للجنة حقوق الانسان،‏ عبد الفتَّاح عمر،‏ انتهاكات مستمرة للمادة ١٨.‏ ويذكر التقرير،‏ الذي يتناول بلدانا متنوعة جدا،‏ اعدادا من حالات ‹المضايقة،‏ التهديد،‏ اساءة المعاملة،‏ الاعتقال،‏ الحجز،‏ الاختفاء،‏ وجرائم القتل›.‏

      وعلى نحو مماثل،‏ تشير تقارير حقوق الانسان لعام ١٩٩٧ (‏بالانكليزية)‏،‏ التي وضعها المكتب الاميركي للديمقراطية،‏ حقوق الانسان،‏ والعمل،‏ الى انه حتى الدول التي لديها سجل طويل من الديمقراطية «حاولت تقييد حرية مجموعة منوَّعة من اديان الاقليات،‏ جامعة اياها في بوتقة اطلقت عليها اسم ‹المذاهب›».‏ وهذه الحوادث مقلقة.‏ يذكر ويلي فوتْريه،‏ رئيس منظمة حقوق الانسان بلا حدود،‏ التي تتخذ من بروكسل مركزا لها:‏ «ان الحرية الدينية هي احد افضل الادلة على حالة حقوق الانسان العامة في ايّ مجتمع».‏

      عمل يقصم الظهر ولا يسد الجوع

      لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية.‏ —‏ المادة ٢٣.‏

      يكسب قاطعو قصب السكر في الكاريبي ثلاثة دولارات في اليوم،‏ لكنَّ كلفة الايجار والمعدات تجعلهم فورا تحت وطأة دين لأصحاب المزارع.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ لا يُدفع لهم نقدا،‏ انما بموجب قسائم.‏ وبما ان المتجر التابع للشركة التي تمتلك المزرعة هو المتجر الوحيد القريب من العمال،‏ فإنهم يضطرون الى شراء ما يلزمهم من زيت،‏ ارز،‏ وفاصولياء منه.‏ وعلاوة على ذلك،‏ يحسم المتجر ١٠ الى ٢٠ في المئة من قيمة القسائم كرسم خدمة مقابل قبولها.‏ قال بيل اونيل،‏ نائب مدير لجنة المحامين لحقوق الانسان،‏ في برنامج اذاعي للامم المتحدة:‏ «في نهاية الموسم لا يبقى لهم قرش واحد بعد شهور عديدة من العمل الذي يقصم الظهر.‏ فلم يدَّخروا قرشا واحدا،‏ ويكادون لا يتمكنون من سد جوعهم خلال الموسم».‏

      العناية الطبية للجميع؟‏

      لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته،‏ وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية.‏ —‏ المادة ٢٥.‏

      ‏‹ريكاردو وهوستينا هما مزارعان فقيران من اميركا اللاتينية يبعد بيتهما نحو ٨٠ كيلومترا (‏٥٠ ميلا)‏ عن اقرب مدينة.‏ وحين مرضت ابنتهما الصغيرة هيمَّا،‏ اخذاها الى مستوصف خاص قريب منهما؛‏ لكنَّ موظفي المشفى رفضوا استقبالها لأنهم عرفوا ان ريكاردو لن يتمكن من دفع النفقات.‏ وفي اليوم التالي،‏ اقترضت هوستينا مالا من جيرانها لتدفع كلفة النقل العام،‏ وقامت بالرحلة الطويلة الى المدينة.‏ حين وصلت هوستينا والطفلة اخيرا الى المستشفى الحكومي الصغير في المدينة،‏ قيل لها ان لا اسرَّة شاغرة وإنه يجب ان تعود في الصباح التالي.‏ وبما انه لا أقارب لها في المدينة ولم تكن تملك المال لاستئجار غرفة لتبيت فيها،‏ قضت الليل على طاولة في السوق العامة.‏ وضمت هوستينا الطفلة اليها لتؤاسيها وتمنحها بعض الحماية،‏ لكن دون جدوى.‏ ففي تلك الليلة،‏ ماتت هيمَّا الصغيرة›.‏ —‏ حقوق الانسان والعمل الاجتماعي،‏ بالانكليزية.‏

      في كل انحاء العالم يجاهد ١ من كل ٤ اشخاص للعيش بأقل من دولار اميركي واحد في اليوم.‏ وأشخاص كهؤلاء يجدون أنفسهم في الموقف الصعب نفسه كريكاردو وهوستينا:‏ ان الرعاية الصحية الخاصة متوفرة لكنَّهم لا يستطيعون تحمل تكاليفها،‏ أما الرعاية الصحية الحكومية فيمكنهم تحمل تكاليفها لكنها غير متوفرة.‏ فمع ان فقراء العالم الذين يزيد عددهم على البليون قد نالوا ‹الحق في العناية الطبية›،‏ من المحزن انها لا تزال بعيدة عن منالهم.‏

      ولا نهاية لقائمة انتهاكات حقوق الانسان الشنيعة.‏ والحالات التي ذُكرت آنفا تتكرر مئات ملايين المرات.‏ فرغم الجهود الحثيثة التي تبذلها منظمات حقوق الانسان،‏ ورغم اخلاص آلاف الناشطين الذين يخاطرون حرفيا بحياتهم لتحسين وضع الرجال والنساء والاولاد حول العالم،‏ لا تزال فكرة تمتع الجميع بحقوق الانسان مجرد حلم.‏ فهل يتحقَّق يوما؟‏ حتما سيتحقَّق،‏ لكن ينبغي ان تسبقه تغييرات عديدة.‏ وستناقش المقالة التالية اثنين منها.‏

  • تمتُّع الجميع بحقوق الانسان —‏ حقيقة عالمية!‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٢٢
    • تمتُّع الجميع بحقوق الانسان —‏ حقيقة عالمية!‏

      سُئلت محامية في مجال حقوق الانسان تتمتع بخبرة طويلة:‏ «ما هو السبب الاساسي لانتهاكات حقوق الانسان؟‏».‏ فأجابت:‏ «الجشع».‏ وتابعت:‏ «الجشع للسلطة السياسية والاقتصادية».‏ وبما ان الجشع ينبع من فكر الانسان،‏ فانتهاكات حقوق الانسان تعكس في النهاية نمط التفكير.‏ والسبب الآخر هو القومية.‏ ففلسفة «بلدي اولا» تؤجِّج انتهاكات حقوق الانسان.‏ ولذلك لن تتحقق حقوق الانسان إلّا اذا ‹اتت حكومة عالمية يمكنها تطبيق التدابير التي تتخذها›،‏ كما يقول استاذ الحقوق والاقتصاد،‏ الپروفسور يان بركاور.‏

      وبكلمات اخرى،‏ يجب تحقيق امرين قبل ان تصير حقوق الانسان حقيقة عالمية:‏ تغيير نمط التفكير،‏ وتغيير الحكومة.‏ فهل من الواقعي توقع حدوث ذلك؟‏

      سبب ثنائي للتغيير

      فيما يوشك ما اسمته الامم المتحدة «عقد التعليم عن حقوق الانسان» دخول عامه الخامس،‏ ينجح برنامج تعليمي عالمي غير حكومي لعقود عديدة في تغيير نمط تفكير ملايين الاشخاص.‏ ونتيجة لذلك،‏ يعامل هؤلاء الافراد رفقاءهم البشر بكرامة.‏ ويجري هذا البرنامج،‏ الذي يقوم به شهود يهوه،‏ في اكثر من ٢٣٠ بلدا.‏ فلماذا ينجح؟‏

      احد الاسباب هو ان هذا البرنامج التعليمي العالمي المؤسس على الكتاب المقدس يزيد فهم البشر لمصدر حقوق الانسان.‏ فالاعلان العالمي لحقوق الانسان يقول ان للانسان حقوقا لأنه كائن ادبي ذكي.‏

      ولا بد ان يكون الانسان قد حصل على قدراته التفكيرية وضميره من مصدر اسمى.‏ (‏انظروا الاطار:‏ «مصدر حقوق الانسان»،‏ في هذه الصفحة.‏)‏ ان الاعتراف بهذا المصدر الالهي الاعلى،‏ يعطيكم سببا وجيها لاحترام رفيقكم الانسان.‏ فتعاملون بالتالي الآخرين بكرامة ليس فقط لأن ضميركم يحثكم على ذلك،‏ بل لسبب اهم،‏ ألا وهو محبتكم واحترامكم للخالق مما يدفعكم الى معاملة خليقته بكرامة.‏ وهذا الاقتراب الثنائي من المسألة مؤسس على كلمات يسوع المسيح:‏ «تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك»،‏ وأيضا:‏ «تحب قريبك كنفسك».‏ (‏متى ٢٢:‏٣٧-‏٣٩‏)‏ فالشخص الذي يحترم الخالق بعمق لن ينتهك حقوق رفيقه الانسان لأنها ميراث من عند اللّٰه.‏ ومنتهِك حقوق الانسان هو سارق لهذا الميراث.‏

      التعليم الذي يصنع فرقا

      الى ايّ حد ينجح هذا البرنامج التعليمي المؤسس على الكتاب المقدس والذي يقوم به شهود يهوه في تخفيف انتهاكات حقوق الانسان؟‏ ان افضل طريقة للاجابة عن هذا السؤال هي بالنظر الى نتائج البرنامج لأن «الحكمة تبررها اعمالها»،‏ كما قال يسوع.‏ —‏ متى ١١:‏١٩‏،‏ الترجمة العربية الجديدة.‏

      يذكر نقش مشهور على جدار في مبنى الامم المتحدة في مدينة نيويورك:‏ «يطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل.‏ لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد».‏ وتشير الامم المتحدة،‏ بهذا الاقتباس من سفر اشعياء الاصحاح ٢ العدد ٤‏،‏ الى طريقة مهمة لخفض الانتهاكات البالغة لحقوق الانسان —‏ انهاء الحرب.‏ فالحرب هي ‹نقيض حقوق الانسان›،‏ كما تقول إحدى المطبوعات التي تصدرها الامم المتحدة.‏

      ان البرنامج التعليمي الذي يقوم به شهود يهوه يفعل اكثر من نقش كلمات اشعياء على جدار حجري.‏ فهو «يكتب» كلمات اشعياء على القلوب البشرية.‏ (‏قارنوا عبرانيين ٨:‏١٠‏.‏)‏ كيف؟‏ يزيل هذا البرنامج الحواجز العرقية والعنصرية ويهدم جدران القومية بتعليم وجهة نظر الكتاب المقدس الى العروق،‏ وهي:‏ يوجد عرق واحد فقط —‏ العرق البشري.‏ (‏اعمال ١٧:‏٢٦‏)‏ وتنمو عند الاشخاص الذين ينخرطون في هذا البرنامج رغبة في ‹التمثل باللّٰه›،‏ الذي يقول عنه الكتاب المقدس:‏ «لا يقبل الوجوه.‏ بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده».‏ —‏ افسس ٥:‏١؛‏ اعمال ١٠:‏٣٤،‏ ٣٥‏.‏

      ونتيجة لهذا التعليم المؤسس على الكتاب المقدس،‏ هنالك ملايين الاشخاص اليوم «لا يتعلمون الحرب في ما بعد».‏ لقد حصل فعلا تغيير في القلب ونمط التفكير.‏ وهذا التغيير دائم.‏ (‏انظروا الاطار:‏ «التعليم الذي يروِّج السلام»،‏ في الصفحة ١٤.‏)‏ وفي الوقت الحاضر،‏ يكمل ما معدله اكثر من ٠٠٠‏,١ شخص يوميا المقررات الدراسية الاساسية التي يديرها شهود يهوه وينضمون الى صفوف هذه القوة العالمية للسلام.‏

      وإلى ايّ حدّ هي جذرية هذه التغييرات في نمط التفكير وما تؤثر فيه بالتالي من قرارات تحترم حقوق الانسان برفض الاشتراك في الحروب؟‏ انها جذرية تماما.‏ مثلا،‏ وُضع مدى احترام الشهود لحقوق الانسان تحت امتحان قاس خلال الحرب العالمية الثانية،‏ وخصوصا في المانيا النازية.‏ ذكر المؤرخ بريان دَن:‏ «لم يكن شهود يهوه على انسجام مع النازية.‏ والشيء الاهم الذي لم يكن النازيون يوافقونهم فيه هو حيادهم السياسي.‏ وعنى ذلك انه ما من مؤمن سيحمل السلاح».‏ (‏تجاوب الكنائس مع المحرقة،‏ بالانكليزية)‏ وفي كتابه تاريخ للمسيحية (‏بالانكليزية)‏،‏ قال پول جونسون:‏ «كثيرون حُكم عليهم بالموت بسبب رفض الخدمة العسكرية .‏ .‏ .‏،‏ او انتهى بهم الامر الى داخاو او مستشفيات المجانين».‏ ومع ذلك ثبتوا.‏ ووصفت عالمة الاجتماع آنا پاڤيلشينسكا هؤلاء الشهود بأنهم «جماعة صغيرة من المقاومة التي لا تضعف موجودة وسط امة مذعورة».‏

      تخيَّلوا كم كانت ستخف انتهاكات حقوق الانسان حول العالم لو اتخذ كل العالم هذا الموقف اليوم و ‹لم يتعلموا الحرب في ما بعد›!‏

      حكومة عالمية —‏ هل هي ‹يوطوپيا›؟‏

      ذكرت احدى العاملات مع الامم المتحدة:‏ ‹يشكِّل تغيير نمط التفكير تحدِّيا،‏ أما تشكيل حكومة عالمية،‏ فهو يوطوپيا›.‏ وما يدعم هذا الاستنتاج هو واقع ان الحكومات اظهرت عدم رغبتها في التخلي عن سيادتها لصالح الامم المتحدة او ايّة منظمة اخرى.‏ ولكن،‏ كما يذكر الپروفسور بركاور،‏ ان الذين يرفضون فكرة حكومة عالمية «من واجبهم الادبي ان يشيروا الى وسيلة اخرى لحل مشاكل العالم.‏ غير ان الحلول البديلة غير متوفرة»،‏ اي ان الحلول البشرية غير متوفرة.‏ إلّا انه يوجد حل فوق الطبيعة البشرية.‏ فما هو؟‏

      تماما كما يظهر الكتاب المقدس أن الخالق هو مصدر القدرات التي تشكل الاساس لحقوق الانسان،‏ يخبرنا ايضا انه هو مصدر الحكومة العالمية التي يمكن ان تضمنها.‏ وهذه الحكومة السماوية غير منظورة،‏ انما حقيقية.‏ وفي الواقع يصلي ملايين الاشخاص،‏ ربما عن غير علم،‏ من اجل هذه الحكومة العالمية حين يقولون في ما يُعرف عموما بالصلاة الربانية:‏ «ليأتِ ملكوتك.‏ لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض».‏ (‏متى ٦:‏١٠‏)‏ ورئيس حكومة الملكوت هذه المعيَّن من اللّٰه هو رئيس السلام،‏ يسوع المسيح.‏ —‏ اشعياء ٩:‏٦‏.‏

      وستنجح هذه الحكومة العالمية في خلق حضارة تروِّج حقوق الانسان وتكون حقا عالمية وطويلة الامد بإزالة الحرب الى الابد بين امور اخرى.‏ ينبئ الكتاب المقدس:‏ «[الخالق] مسكِّن الحروب الى اقصى الارض.‏ يكسر القوس ويقطع الرمح.‏ المركبات يحرقها بالنار».‏ —‏ مزمور ٤٦:‏٩‏.‏

      وكم سيطول الانتظار قبل ان يحدث ذلك على صعيد عالمي؟‏ يتضمن البرنامج التعليمي الذي يقوم به شهود يهوه اجابة وافية عن هذا السؤال.‏ ونحن نشجعكم على الاطلاع على هذا البرنامج.‏a وإذا كنتم مهتمين بحقوق الانسان،‏ فلن يخيب املكم ابدا.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a اذا كنتم ترغبون في تلقي المزيد من المعلومات بشأن هذا البرنامج التعليمي المؤسس على الكتاب المقدس،‏ فاتصلوا بناشري هذه المجلة او بشهود يهوه في جواركم.‏ والبرنامج مجاني.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٢]‏

      مصدر حقوق الانسان

      تذكر المادة ١ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان:‏ «يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق».‏ وبذلك،‏ توصف حقوق الانسان بأنها حق وراثي يناله الاولاد من والديهم،‏ تماما كما ان النهر يحمل الماء للعائشين على ضفافه.‏ فمن اين ينبع نهر حقوق الانسان هذا؟‏

      وفقا للاعلان العالمي،‏ يتمتع البشر بالحقوق لأنهم «وُهبوا العقل والوجدان».‏ وتوضح احدى مطبوعات الامم المتحدة:‏ «لأن الانسان هو كائن ادبي ذكي،‏ فهو يختلف عن غيره من المخلوقات على الارض،‏ وبناء عليه فهو مخوَّل بعض الحقوق والحريات التي لا تتمتع بها المخلوقات الاخرى».‏ (‏إمالة الحروف لنا.‏)‏ فكما يقال،‏ ان امتلاك العقل والوجدان هو الاساس لامتلاك حقوق الانسان.‏ وعندئذ،‏ يكون مصدر عقل ووجدان الانسان هو ايضا مصدر حقوقه.‏

      ان القول ان حقوق الانسان مرتبطة بالعقل والضمير (‏الوجدان)‏ يشكِّل معضلة بالنسبة الى مناصري حقوق الانسان الذين يؤمنون بالتطور البيولوجي.‏ يعترف الكتاب المؤيِّد للتطور ترقّي الحياة (‏بالانكليزية)‏:‏ «تعترينا الحيرة عندما نسأل كيف امكن لعملية [التطوُّر] .‏ .‏ .‏ ان تولّد صفات كحبّ الجمال والحقيقة،‏ الرأفة،‏ الحرية،‏ وقبل كل شيء رحابة الروح الانسانية».‏ وهذه الحيرة هي بمحلها.‏ فالتأكيد ان موهبة العقل والضمير عند الانسان تنبع من اسلاف ادنى من البشر يفتقرون الى العقل والضمير،‏ هو كالقول ان نهرا ينبع من بئر تفتقر الى الماء.‏

      بما ان موهبتَي العقل والضمير عند الانسان لا يمكنهما ان تنبعا من مصدر ادنى من البشر،‏ فلا بد ان تنبعا من مصدر اسمى من البشر.‏ فالبشر وحدهم لديهم الصفات المرتبطة بحقوق الانسان —‏ العقل والضمير —‏ لأنهم،‏ بخلاف الحيوانات،‏ خلقوا «على صورة» اللّٰه،‏ كما يوضح الكتاب المقدس.‏ (‏تكوين ١:‏٢٧‏)‏ ولذلك فإن الجواب المقنع عن السؤال:‏ لماذا يتمتع الناس بحقوق ادبية هو،‏ كما يذكر الكتاب حقوق الانسان —‏ دراسات في التبريرات والتطبيقات (‏بالانكليزية)‏،‏ «لأنهم يملكون قيمة وكرامة ملازمتَين لهم او لأنهم .‏ .‏ .‏ اولاد اللّٰه».‏

      ‏[الاطار/‏الصور في الصفحة ١٤]‏

      التعليم الذي يروِّج السلام

      منذ بضع سنوات،‏ فيما كانت الحرب تمزق بلاد البلقان،‏ كان برانڠكو يخدم كحارس مسلح لمستوصف في الجزء الكرواتي من البوسنة.‏b وهناك كان يوجد طبيب يدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه.‏ فأخبره ذات ليلة ما كان يتعلمه من درسه.‏ وما سمعه برانڠكو دفعه الى التخلي عن السلاح.‏ وبعد فترة،‏ بعد ان كان قد انتقل الى بلد اوروپي آخر،‏ حضر اجتماعا لشهود يهوه،‏ حيث التقى سلوبودان.‏

      سلوبودان هو ايضا من البوسنة.‏ وقد اشترك في الحرب نفسها التي كان برانڠكو متورطا فيها —‏ إلّا انه كان من الطرف الآخر.‏ فقد كان سلوبودان يحارب مع الصرب ضد الكرواتيين.‏ وعندما التقى الاثنان،‏ كان سلوبودان قد صار واحدا من شهود يهوه؛‏ وعرض ان يدرس الكتاب المقدس مع برانڠكو،‏ عدوه السابق.‏ ومع تقدم الدرس،‏ نمت محبة برانڠكو للخالق يهوه،‏ ولم يمض وقت طويل حتى قرر ان يصير واحدا من شهود يهوه.‏c

      كان سلوبودان قد صار واحدا من شهود يهوه بمساعدة عدو سابق.‏ وكيف ذلك؟‏ بعد ان ترك سلوبودان منطقة الحرب في البوسنة،‏ زاره مويو،‏ الذي كان هو ايضا من البوسنة ولكنه تربى في دين يختلف تمام الاختلاف عن دين سلوبودان.‏ وكان مويو قد صار واحدا من شهود يهوه.‏ ومع ان سلوبودان ومويو كانا عدوَّين سابقَين،‏ قبل الاول عرضا من الثاني ان يدرس معه الكتاب المقدس،‏ ثم صار واحدا من شهود يهوه.‏

      فماذا جعل هؤلاء الرجال يتغلَّبون على البغض العرقي المتأصل عميقا ويتحولوا من اعداء الى اصدقاء؟‏ لقد نمَّوا المحبة ليهوه من خلال درسهم للكتاب المقدس.‏ وبعد ذلك صاروا راغبين في ‹التعلم من اللّٰه ان يحب بعضهم بعضا›.‏ (‏١ تسالونيكي ٤:‏٩‏)‏ وكما يلاحظ الپروفسور ڤويتشيخ مودجليسكي بشأن شهود يهوه عامة،‏ فإن «العامل الاهم في موقفهم السلمي هو فكرة اتباعهم منذ الآن المبادئ المذكورة في الكتاب المقدس».‏

      ‏[الحاشيتان]‏

      b كل الاسماء المذكورة في هذا الاطار جرى تغييرها.‏

      c علم برانڠكو لاحقا،‏ ولفرحه،‏ ان الطبيب الذي تكلم معه اولا صار هو ايضا واحدا من شهود يهوه.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة