-
‹اتمام مهمة طويلة›استيقظ! ١٩٩٨ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
‹اتمام مهمة طويلة›
منذ خمسين سنة تكلمت سيدة مسنة، والعالم بأسره أصغى. حدث ذلك في پاريس في ١٠ كانون الاول (ديسمبر) عام ١٩٤٨. فقد اجتمعت الجمعية العامة للامم المتحدة في قصر پاليه شايّو المبني حديثا حيث وقفت رئيسة لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، إليانور روزڤلت، ارملة الرئيس الاميركي السابق فرانكلين د. روزڤلت، بطولها الفارع، وقالت بصوتها الجهوري في خطاب امام المجتمعين: «نقف اليوم امام حدث عظيم في تاريخ الامم المتحدة وتاريخ الجنس البشري، ألا وهو موافقة الجمعية العامة على الاعلان العالمي لحقوق الانسان».
وبعد سماع العبارات الرنانة التي تؤلف ديباجة الاعلان، ومواده الـ ٣٠، تبنت الجمعية العمومية تلك الوثيقة.a ثم وقف اعضاء الامم المتحدة وصفقوا لـ «سيدة العالم الاولى»، كما كانت تُدعى السيدة روزڤلت، وذلك بسبب قدراتها القيادية المميزة. وفي نهاية ذلك النهار كتبت السيدة روزڤلت: «أتممت مهمة طويلة».
من خيارات عديدة الى اعلان واحد
قبل سنتين، في كانون الثاني (يناير) ١٩٤٧، بُعيد ابتداء اللجنة بالعمل، تبيَّن ان وضع وثيقة لحقوق الانسان يوافق عليها كل اعضاء الامم المتحدة سيكون مهمة في غاية الصعوبة. فمن بداية العملية، كانت اللجنة المؤلفة من ١٨ عضوا تتخبَّط في خلافات عميقة، ومشاجرات لا تنتهي، مما اخَّر عملها. فقد شعر المندوب الصيني بأن الوثيقة يجب ان تتضمن فلسفة كونفوشيوس، وكان احد اعضاء اللجنة الكاثوليك يؤيد تعاليم توما الأكويني، وكانت الولايات المتحدة تناصر قانون الحقوق الاميركي، وأراد السوڤيات شمل آراء كارل ماركس — وهذا مجرد غيض من فيض الآراء التي جرى التعبير عنها!
اتعب الاقتتال المستمر بين اعضاء اللجنة السيدة روزڤلت. وفي خطاب لها في جامعة السوربون بپاريس عام ١٩٤٨، ذكرت انها كانت تعتقد ان تربية عائلتها الكبيرة قد وضعت صبرها على المحك. لكنَّها تابعت قائلة ان «الاشراف على عمل لجنة حقوق الانسان تطلَّب صبرا اكثر»، مما اضحك سامعيها.
غير ان خبرتها كأم تبيَّن انها نافعة دون شك. فقد كتب احد المراسلين الصحفيين في ذلك الوقت ان طريقة تعامل السيدة روزڤلت مع اعضاء اللجنة ذكَّرته بأم «تشرف على عائلة كبيرة مؤلفة من صبية هم في الغالب ضجَّاجون، ومشاغبون احيانا، لكنَّهم طيبو القلب، ويحتاجون الى التأديب الحازم من وقت الى آخر». (إليانور روزڤلت — حياتها الخاصة والعامة، بالانكليزية) إلّا انها كانت تجمع بين اللباقة والحزم مما مكَّنها من إقناع معارضيها دون معاداتهم.
ونتيجة لذلك، بعد سنتين من الاجتماعات، ومئات التعديلات، وآلاف التصريحات، و ٤٠٠,١ جلسة تصويت على كل كلمة وكل عبارة تقريبا، تمكَّنت اللجنة من وضع وثيقة تعدد فيها حقوق الانسان التي اعتقدت اللجنة ان كل رجل وامرأة في كل مكان من العالم له الحق فيها. وسُمِّيت «الاعلان العالمي لحقوق الانسان». وهكذا تمَّت المهمة التي بدت مستحيلة احيانا.
آمال كبيرة
طبعا، لم يعتقد احد ان جدران الظلم ستنهار عند صوت البوق الاول هذا. لكنَّ آمالا كبيرة عُلقت على تبنّي هذا الاعلان العالمي. وتكهَّن رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة في ذلك الوقت، الدكتور هربرت ڤ. إڤات الاوسترالي، ان «ملايين الرجال، النساء، والاولاد في كل انحاء العالم، على بعد اميال كثيرة من پاريس ونيويورك، سيلتفتون الى هذه الوثيقة طلبا للمساعدة، التوجيه، والإلهام».
مر خمسون عاما منذ تلفظ الدكتور إڤات بهذه الكلمات. وبالفعل، تطلَّع كثيرون خلال هذه الفترة الى الوثيقة طلبا للتوجيه، واستعملوها كمقياس لمدى احترام حقوق الانسان حول العالم. فماذا وجدوا؟ هل تبلغ ممارسات الدول الاعضاء شروط هذا المقياس؟ وما هي حالة حقوق الانسان في العالم اليوم؟
[الحاشية]
a صوَّتت ثمانٍ وأربعون دولة لصالح الوثيقة، ولم تصوِّت ايّة دولة ضدها. أما اليوم، فقد تبنى الاعلان كل اعضاء الامم المتحدة الـ ١٨٥، بمن فيهم الاعضاء الذين امتنعوا عن التصويت عام ١٩٤٨.
[الاطار في الصفحة ٤]
ما هي حقوق الانسان؟
تعرِّف الامم المتحدة حقوق الانسان بأنها «الحقوق التي تلازمنا بطبيعتنا، والتي لا يمكننا العيش ككائنات بشرية من دونها». وقد وُصفت حقوق الانسان ايضا بأنها «لغة البشرية المشتركة» — وصدق من وصفها بذلك. فكما ان المقدرة على تعلم اللغات تولد معنا وتسمنا بأننا بشر، هنالك حاجات وصفات اخرى تلازمنا منذ ولادتنا وتميِّزنا من المخلوقات الاخرى على الارض. مثلا، يحتاج البشر الى المعرفة، التعبير الفني، والروحيات. وإذا حُرم انسان من هذه الحاجات الاساسية، اضطر الى العيش حياة دون المستوى المقبول للبشر. وتوضح محامية في مجال حقوق الانسان انه لحماية البشر من حرمان كهذا، «نستعمل التعبير ‹حقوق الانسان› وليس ‹حاجات الانسان› لأن كلمة ‹حق› لها وزن قانوني اثقل من الكلمة ‹حاجة›. وبتسميتها ‹حق› نرفع إشباع الحاجات البشرية الى منزلة الامور التي يحق، ادبيا وقانونيا، لكل انسان التمتع بها».
[الاطار/الصورة في الصفحة ٥]
الاعلان العالمي لحقوق الانسان
وصف الكاتب الحائز جائزة نوبل، الكسندر سولجنيتسين، الاعلان العالمي بأنه «افضل وثيقة» وضعتها الامم المتحدة على الاطلاق. ويمكننا ان نفهم لماذا يوافقه عديدون على رأيه اذا القينا نظرة خاطفة على محتوياته.
تُذكر فلسفة الاعلان الاساسية في المادة ١: «يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء».
وعلى هذا الاساس، ضمن واضعو الاعلان مجموعتين من حقوق الانسان. وتوجَز المجموعة الاولى في المادة ٣: «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الامان على شخصه». وهذه المادة هي اساس حقوق الانسان المدنية والسياسية المعددة في المواد ٤ الى ٢١. والمجموعة الثانية من الحقوق مؤسسة على المادة ٢٢ التي تقول جزئيا ان لكل شخص حقا في ان توفَّر له الحقوق «التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرية». وهي تمهِّد للمواد ٢٣ الى ٢٧ التي تعدِّد حقوق الانسان الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. وكان الاعلان العالمي اول وثيقة دولية تعترف بهذه المجموعة الثانية من الحقوق بصفتها جزءا من حقوق الانسان الاساسية. وكان ايضا اول وثيقة دولية تستعمل عبارة «حقوق الانسان».
توضح عالمة الاجتماع البرازيلية روث روشا بلغة بسيطة ما يقوله لنا الاعلان العالمي: «بغضّ النظر عن عرقك؛ بغضّ النظر عمّا اذا كنت رجلا او امرأة؛ بغضّ النظر عن ايّة لغة تتكلم، او ما هو دينك، او آراؤك السياسية، او الى ايّ بلد تنتمي، او مَن هي عائلتك؛ بغضّ النظر عمّا اذا كنت غنيا او فقيرا؛ بغضّ النظر عن ايّ منطقة من العالم تأتي منها، او هل دولتك مملكة او جمهورية، فإن هذه الحقوق والحريات ينبغي ان يتمتع بها كل شخص».
ومنذ تبنّي الاعلان العالمي، تُرجمت الوثيقة بأكثر من ٢٠٠ لغة وصارت جزءا من دساتير بلدان عديدة. أما اليوم، فهنالك بعض القادة الذين يعتقدون انه يلزم اعادة كتابة الاعلان. لكنَّ امين عام الامم المتحدة، كوفي انان، لا يشاطرهم الرأي. وتقتبس منه واحدة من رسميِّي الامم المتحدة قوله: «كما انه لا حاجة الى إعادة كتابة الكتاب المقدس او القرآن، كذلك لا حاجة الى تعديل الاعلان. فما يلزم تعديله هو تصرف مؤيِّدي الاعلان العالمي، وليس نصّه».
الامين العام للامم المتحدة كوفي انان
-
-
نظرة من الطابق التاسع والعشريناستيقظ! ١٩٩٨ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
نظرة من الطابق التاسع والعشرين
حين تخرجون من المصعد في الطابق التاسع والعشرين من مبنى الامم المتحدة في مدينة نيويورك، تدلكم اشارة زرقاء صغيرة الى مكتب المفوَّض السامي لحقوق الانسان (OHCHR). وهذا المكتب هو الممثِّل للمركز الرئيسي لمفوَّضية حقوق الانسان في جنيڤ، سويسرا، الذي يعمل كمحور لنشاطات الامم المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان. وفيما ترأس ماري روبنسون، المفوَّضة السامية لحقوق الانسان، المكتب في جنيڤ، ترأس اليونانية إلسا ستاماتوپولو المكتب في نيويورك. وفي اوائل هذه السنة، تكرَّمت السيدة ستاماتوپولو واستقبلت احد افراد هيئة الكتابة في استيقظ!، وتذكَّرت معه خمسة عقود من انشطة حقوق الانسان. وإليكم بعض المقتطفات من المقابلة.
س برأيكِ، ايّ تقدم أُحرز في تعزيز حقوق الانسان؟
ج سأعطيك ثلاثة امثلة عن التقدم الذي احرزناه: اولا، منذ ٥٠ عاما، كان مفهوم حقوق الانسان غائبا عن الساحة الدولية؛ أما اليوم، فهو موجود في كل مكان، وهو نافذ. والحكومات التي لم تكن قد سمعت بحقوق الانسان منذ بضعة عقود تتكلم عنها الآن. ثانيا، لدينا الآن مجموعة قوانين دولية، او كتاب قوانين دولي، تتألف من عدد كبير من الاتفاقيات التي تقول للحكومات بالكلمة المطبوعة ما هي واجباتها تجاه مواطنيها. [انظروا الاطار: «الشرعة الدولية لحقوق الانسان» في الصفحة ٧.] لقد تطلَّب وضع مجموعة القوانين هذه سنوات كثيرة من العمل الدؤوب. ونحن فخورون جدا بها. والمثل الثالث هو ان عددا متزايدا من الناس اليوم يشتركون في حركات حقوق الانسان ويتمكنون من التكلم بإسهاب عن مسائل حقوق الانسان.
س ما هي العوائق؟
ج بعد العمل ١٧ سنة في برامج حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، أُدرك طبعا اننا نواجه مشاكل عويصة. وأكبر مشكلة هي ان الحكومات غالبا ما تعتبر حقوق الانسان مسألة سياسية اكثر منها انسانية. وقد تمتنع عن تطبيق معاهدات حقوق الانسان لأنها تشعر بأنها تهددها سياسيا. وفي حالات كهذه، تصير معاهدات حقوق الانسان حبرا على ورق. وهنالك عائق آخر وهو عدم تمكن الامم المتحدة من الحؤول دون حصول انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في اماكن كيوغوسلاڤيا السابقة، رواندا، والآن في الجزائر. وعجز الامم المتحدة عن منع المجازر التي حدثت في هذه البلدان كان فشلا ذريعا. فآليات حقوق الانسان موجودة، ولكن يلزم ان يشغلها احد. ومَن سيكون هذا ‹الاحد›؟ فحين لا تكون مصالح الدول القادرة على منح الحماية مهدَّدة، غالبا ما لا تُعرب هذه الدول عن استعداد سياسي للعمل على ايقاف هذه الانتهاكات.
س ما هي توقعاتكِ للمستقبل؟
ج ارى تهديدا وأملا على السواء في الطريق المؤدية الى حصول الجميع على حقوق الانسان. فما يقلقني هو التهديد الناجم عن عولَمة الاقتصاد، الذي يشمل استقرار شركات كبيرة في البلدان حيث اليد العاملة رخيصة. فاليوم يمكننا، اذا لزم الامر، لوم الحكومات على انتهاكات حقوق الانسان والضغط عليها. ولكن مَن نلوم اذا انتقلت السلطة اكثر فأكثر من يد الحكومات الى يد القوى الاقتصادية العالمية بفعل الاتفاقيات التجارية المتبادلة؟ فبما انه لا سلطة لنا على هذه القوى الاقتصادية، فسيضعف هذا موقف المنظمات الحكومية الدولية كالامم المتحدة، ويضرّ بحقوق الانسان. فمن المهم جدا الآن ان نكسب اهتمام القطاع الخاص بمسائل حقوق الانسان.
س وماذا بشأن الأمل؟
ج انه نمو حضارة عالمية مؤسسة على احترام حقوق الانسان. وأعني انه ينبغي ان نجعل الناس مدركين اكثر لحقوق الانسان بواسطة التعليم. طبعا، هذا تحدٍّ كبير لأنه ينطوي على تغيير طريقة تفكيرهم. ولهذا السبب اطلقت الامم المتحدة حملة توعية عالمية، منذ عشر سنوات، هدفها تعليم الناس حقوقهم، والبلدان واجباتها. وبالاضافة الى ذلك، اطلقت الامم المتحدة على السنوات ١٩٩٥ الى ٢٠٠٤ التسمية: «عقد تعليم حقوق الانسان». ونأمل ان يغيِّر التعليم عقول وقلوب الناس. قد يبدو ذلك كالانجيل، لكنني مؤمنة حقيقية في ما يتعلق بتعليم حقوق الانسان. وأرجو ان يتبنى العالم حضارة تتمحور حول حقوق الانسان كإيديولوجيته في القرن المقبل.
[الاطار في الصفحة ٧]
الشرعة الدولية لحقوق الانسان
فضلا عن الاعلان العالمي لحقوق الانسان، هنالك ايضا شرعة دولية لحقوق الانسان. فما علاقة واحدهما بالآخر؟
حسنا، اذا شبهتم الشرعة الدولية لحقوق الانسان بكتاب مؤلف من خمسة فصول، يكون الاعلان العالمي الفصل الاول منه. ويكون الفصلان ٢ و ٣ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويحتوي كلٌّ من الفصلَين ٤ و ٥ على پروتوكول اختياري.
وفيما يُعتبر ان لهذا الاعلان العالمي قيمة ادبية، إذ يقول للدول ما يحسن بها ان تفعله، فإن الوثائق الاربع الاضافية ملزِمة قانونيا، وهي تقول للدول ما يجب عليها ان تفعله. ومع ان العمل على هذه الوثائق ابتدأ عام ١٩٤٩، فقد مرَّت عشرات السنين قبل ان توضع موضع التطبيق. واليوم، تؤلف هذه الوثائق الاربع مع الاعلان العالمي الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
وفضلا عن هذه الشرعة الدولية، فقد وافقت الامم المتحدة على اكثر من ٨٠ معاهدة اخرى لحقوق الانسان. «ولذلك، من الخطإ التفكير ان معاهدات حقوق الانسان التي تتضمنها الشرعة الدولية هي الاهم»، كما تعلِّق خبيرة بحقوق الانسان. وتضيف: «مثلا، ان الاتفاقية حول حقوق الطفل التي وُضعت عام ١٩٩٠ هي وثيقة الامم المتحدة الاكثر شمولا والتي جرت الموافقة عليها اكثر من غيرها، لكنها ليست جزءا من الشرعة الدولية. وقد ابتُكرت عبارة ‹الشرعة الدولية لحقوق الانسان› للدعاية اكثر منها كمفهوم رسمي. وتوافقون انها فعلا عبارة تلفت الانتباه».a
[الحاشية]
a في وقت كتابة هذه المقالة، كان ١٩١ بلدا (١٨٣ عضوا في الامم المتحدة و ٨ دول ليست اعضاء) قد وافق على اتفاقية حقوق الطفل. بلَدان فقط لم يوافقا عليها: الصومال والولايات المتحدة.
[الصورة في الصفحة ٦]
-
-
حقوق الانسان وانتهاكاتها اليوماستيقظ! ١٩٩٨ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
حقوق الانسان وانتهاكاتها اليوم
حقق مؤيِّدو حقوق الانسان مؤخرا انجازا كبيرا. فقد جمعوا اولا اكثر من ٠٠٠,١ منظمة في ٦٠ بلدا في حركة اطلقوا عليها اسم «الحملة العالمية لحظر الالغام الارضية». ثم عملوا على ابرام معاهدة دولية تحظر هذه الاسلحة. وبعد ذلك ربحت «الحملة العالمية لحظر الالغام الارضية» ومديرتها التي لا تكل، الناشطة الاميركية جودي وليامز، جائزة نوبل للسلام لعام ١٩٩٧.
غير ان انجازات كهذه، ترافقها احداث تدعو الى التفكير. فكما يذكر التقرير العالمي لمراقبة حقوق الانسان لعام ١٩٩٨، لا تزال شمولية حقوق الانسان «تحت الهجوم المستمر». ولا يقع اللوم فقط على ما يسمَّى بالدكتاتوريات الصغيرة الشأن. «فالقوى العظمى»، كما يتابع التقرير، «اظهرت ميلا ملحوظا الى تجاهل حقوق الانسان حين تبيَّن ان احترامها سيكون مضرا بمصالحها الاقتصادية او الاستراتيجية — وهذا الميل تُبتلى به اوروپا والولايات المتحدة على السواء».
وبالنسبة الى ملايين الناس حول العالم، لا يمكن تجاهل انتهاكات حقوق الانسان. فحياتهم اليومية لا تزال معكرة بسبب التمييز، الفقر، المجاعة، الاضطهاد، الاغتصاب، الاساءة الى الاولاد، الاسترقاق، والميتات العنيفة. والعالم الذي تعرفه تلك الضحايا بعيد كل البعد عن الاحوال المشرقة التي تعد بها الكومة المتعاظمة من معاهدات حقوق الانسان. فحتى الحقوق الاساسية المعددة في المواد الـ ٣٠ التي تشكِّل الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا تزال حبرا على ورق بالنسبة الى معظم البشرية. ولإيضاح ذلك، تأملوا بإيجاز كيف تُطبَّق في الحياة اليومية الحقوق السامية المذكورة في الاعلان.
الجميع متساوون؟
يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. — المادة ١.
حين وُضعت مسودة الاعلان العالمي، كانت المادة ١ على الشكل التالي: «يولد كل امرئ . . . مساويا لغيره». ولكن لضمان ان هذه الجملة لن تُفهم على ان النساء غير مشمولات، اصرت النساء في لجنة نص مسودة الاعلان على تغيير الكلمة. فكان لهن ما اردن وبذلك غُيِّرت جملة: «يولد كل امرئ . . . مساويا لغيره» الى: «يولد جميع الناس . . . متساوين». (إمالة الحروف لنا.) لكن هل اثَّر تغيير كلمات هذه المادة في حالة النساء؟
في ١٠ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٧، يوم حقوق الانسان، اخبرت السيدة الاميركية الاولى، هيلاري كلينتون، الامم المتحدة ان العالم ماضٍ في «معاملة النساء كمواطنات ادنى». وأعطت بعض الامثلة: ٧٠ في المئة من فقراء العالم هم نساء. ثلثا الـ ١٣٠ مليون ولد الذين لا يمكنهم الذهاب الى المدرسة هم بنات. وثلثا الـ ٩٦ مليون اميّ في العالم هم نساء. وتعاني النساء الكثير من جراء العنف المنزلي والجنسي، الذي لا يزال «احد الانتهاكات لحقوق الانسان الاكثر انتشارا والاقل نشرا في العالم»، كما تابعت السيدة كلينتون.
وبعض الاناث يقعن ضحية العنف حتى قبل ان يولدن. ففي بعض بلدان آسيا خصوصا، تجهض بعض النساء بناتهن لأنهن يفضلن البنين على البنات. وفي بعض البلدان جعل هذا التفضيل الفحص الوراثي لجنس الجنين تجارة مزدهرة. وقد ذكر احد المختبرات لفحص جنس الجنين في الاعلانات عن خدماته انه من الافضل ان تدفعوا الآن ٣٨ دولارا لإنهاء حياة الجنين الانثى على ان تدفعوا ٨٠٠,٣ دولار لاحقا ثمنا للدوطة. وإعلانات كهذه فعّالة جدا. فقد وجدت دراسة أُجريت في احد المستشفيات الآسيوية الكبرى ان ٥,٩٥ في المئة من الاجنة التي يحدد انها اناث تُجهض. وهذا التفضيل للبنين شائع ايضا في انحاء اخرى من العالم. فحين سئل بطل ملاكمة اميركي سابق عن عدد اولاده، اجاب: «صبي واحد وسبع غلطات». وتذكر المطبوعة النساء والعنف (بالانكليزية) الصادرة عن الامم المتحدة ان «تغيير موقف الناس وتفكيرهم نحو النساء سيستغرق وقتا طويلا — جيلا، باعتقاد البعض، وربما اكثر».
اولاد حُرموا طفولتهم
لا يجوز استرقاق احد او استعباده، ويحظّر الرِّق والاتّجار بالرقيق بجميع صورهما. — المادة ٤.
لقد أُلغي الرِّق على الورق. فقد وقَّعت الحكومات اعدادا هائلة من المعاهدات جعلت بموجبها الرِّق غير شرعي. ولكن وفقا لجمعية مقاومة الرِّق البريطانية، التي تُعرف بأنها اقدم منظمة لحقوق الانسان في العالم، فإن «عدد الرقيق اليوم اكثر من ايّ وقت مضى». ويشمل الرِّق اليوم انتهاك عدد من حقوق الانسان. فتشغيل الاولاد قسرا يقال انه نوع من الاسترقاق العصري.
وأحد الامثلة المحزنة لذلك هو ديريڤان، صبي من اميركا الجنوبية. ‹فيداه الصغيرتان خشنتان بسبب الاوراق القاسية لنبتة السيزال، وهي مصدر لألياف نباتية تُستعمل في صناعة الفُرش. فوظيفته هي جمع الاوراق الموجودة في مخزن وحملها الى آلة التصنيع على بعد نحو ٩٠ مترا [٣٠٠ قدم]. وعند نهاية كل يوم عمل من ١٢ ساعة، يكون قد نقل طنا من الاوراق. وقد ابتدأ ديريڤان بهذا العمل حين كان في الخامسة من العمر، وهو اليوم في الحادية عشرة من عمره›. — وورلد پرس ريڤيو، بالانكليزية.
وتقدِّر منظمة العمل الدولية ان ربع بليون ولد تتراوح اعمارهم بين ٥ و ١٤ سنة يعملون اليوم — مشكِّلين جيشا من العمال الصغار يقارب عددهم عدد سكان البرازيل والمكسيك معا! وكثيرون من هؤلاء الاولاد الذين حُرموا طفولتهم يكدُّون في المناجم، اذ يجرّون حاويات ملآنة فحما؛ او يمشون في الوحل لحصاد المزروعات؛ او ينحنون فوق الانوال لصنع البُسط. حتى الاطفال — الذين هم بعمر ثلاث، اربع، او خمس سنوات — يُربطون معا في فرق، للحرث، البَذر، او التقاط فضلات الحصاد من الحقول، وذلك من الفجر الى الغسق. ويقول احد مالكي الاراضي في بلد آسيوي: «ان تشغيل الاولاد ارخص من تشغيل الجرَّارات، وهم اذكى من الثيران».
اختيار المرء دينه وتغييره
لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه. — المادة ١٨.
في ١٦ تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٩٧، تسلَّمت الجمعية العامة للامم المتحدة «تقريرا مؤقَّتا عن ازالة كل انواع التعصب الديني». ويعدد التقرير، الذي اعده المقرِّر الخاص للجنة حقوق الانسان، عبد الفتَّاح عمر، انتهاكات مستمرة للمادة ١٨. ويذكر التقرير، الذي يتناول بلدانا متنوعة جدا، اعدادا من حالات ‹المضايقة، التهديد، اساءة المعاملة، الاعتقال، الحجز، الاختفاء، وجرائم القتل›.
وعلى نحو مماثل، تشير تقارير حقوق الانسان لعام ١٩٩٧ (بالانكليزية)، التي وضعها المكتب الاميركي للديمقراطية، حقوق الانسان، والعمل، الى انه حتى الدول التي لديها سجل طويل من الديمقراطية «حاولت تقييد حرية مجموعة منوَّعة من اديان الاقليات، جامعة اياها في بوتقة اطلقت عليها اسم ‹المذاهب›». وهذه الحوادث مقلقة. يذكر ويلي فوتْريه، رئيس منظمة حقوق الانسان بلا حدود، التي تتخذ من بروكسل مركزا لها: «ان الحرية الدينية هي احد افضل الادلة على حالة حقوق الانسان العامة في ايّ مجتمع».
عمل يقصم الظهر ولا يسد الجوع
لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية. — المادة ٢٣.
يكسب قاطعو قصب السكر في الكاريبي ثلاثة دولارات في اليوم، لكنَّ كلفة الايجار والمعدات تجعلهم فورا تحت وطأة دين لأصحاب المزارع. وبالاضافة الى ذلك، لا يُدفع لهم نقدا، انما بموجب قسائم. وبما ان المتجر التابع للشركة التي تمتلك المزرعة هو المتجر الوحيد القريب من العمال، فإنهم يضطرون الى شراء ما يلزمهم من زيت، ارز، وفاصولياء منه. وعلاوة على ذلك، يحسم المتجر ١٠ الى ٢٠ في المئة من قيمة القسائم كرسم خدمة مقابل قبولها. قال بيل اونيل، نائب مدير لجنة المحامين لحقوق الانسان، في برنامج اذاعي للامم المتحدة: «في نهاية الموسم لا يبقى لهم قرش واحد بعد شهور عديدة من العمل الذي يقصم الظهر. فلم يدَّخروا قرشا واحدا، ويكادون لا يتمكنون من سد جوعهم خلال الموسم».
العناية الطبية للجميع؟
لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية. — المادة ٢٥.
‹ريكاردو وهوستينا هما مزارعان فقيران من اميركا اللاتينية يبعد بيتهما نحو ٨٠ كيلومترا (٥٠ ميلا) عن اقرب مدينة. وحين مرضت ابنتهما الصغيرة هيمَّا، اخذاها الى مستوصف خاص قريب منهما؛ لكنَّ موظفي المشفى رفضوا استقبالها لأنهم عرفوا ان ريكاردو لن يتمكن من دفع النفقات. وفي اليوم التالي، اقترضت هوستينا مالا من جيرانها لتدفع كلفة النقل العام، وقامت بالرحلة الطويلة الى المدينة. حين وصلت هوستينا والطفلة اخيرا الى المستشفى الحكومي الصغير في المدينة، قيل لها ان لا اسرَّة شاغرة وإنه يجب ان تعود في الصباح التالي. وبما انه لا أقارب لها في المدينة ولم تكن تملك المال لاستئجار غرفة لتبيت فيها، قضت الليل على طاولة في السوق العامة. وضمت هوستينا الطفلة اليها لتؤاسيها وتمنحها بعض الحماية، لكن دون جدوى. ففي تلك الليلة، ماتت هيمَّا الصغيرة›. — حقوق الانسان والعمل الاجتماعي، بالانكليزية.
في كل انحاء العالم يجاهد ١ من كل ٤ اشخاص للعيش بأقل من دولار اميركي واحد في اليوم. وأشخاص كهؤلاء يجدون أنفسهم في الموقف الصعب نفسه كريكاردو وهوستينا: ان الرعاية الصحية الخاصة متوفرة لكنَّهم لا يستطيعون تحمل تكاليفها، أما الرعاية الصحية الحكومية فيمكنهم تحمل تكاليفها لكنها غير متوفرة. فمع ان فقراء العالم الذين يزيد عددهم على البليون قد نالوا ‹الحق في العناية الطبية›، من المحزن انها لا تزال بعيدة عن منالهم.
ولا نهاية لقائمة انتهاكات حقوق الانسان الشنيعة. والحالات التي ذُكرت آنفا تتكرر مئات ملايين المرات. فرغم الجهود الحثيثة التي تبذلها منظمات حقوق الانسان، ورغم اخلاص آلاف الناشطين الذين يخاطرون حرفيا بحياتهم لتحسين وضع الرجال والنساء والاولاد حول العالم، لا تزال فكرة تمتع الجميع بحقوق الانسان مجرد حلم. فهل يتحقَّق يوما؟ حتما سيتحقَّق، لكن ينبغي ان تسبقه تغييرات عديدة. وستناقش المقالة التالية اثنين منها.
-
-
تمتُّع الجميع بحقوق الانسان — حقيقة عالمية!استيقظ! ١٩٩٨ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
تمتُّع الجميع بحقوق الانسان — حقيقة عالمية!
سُئلت محامية في مجال حقوق الانسان تتمتع بخبرة طويلة: «ما هو السبب الاساسي لانتهاكات حقوق الانسان؟». فأجابت: «الجشع». وتابعت: «الجشع للسلطة السياسية والاقتصادية». وبما ان الجشع ينبع من فكر الانسان، فانتهاكات حقوق الانسان تعكس في النهاية نمط التفكير. والسبب الآخر هو القومية. ففلسفة «بلدي اولا» تؤجِّج انتهاكات حقوق الانسان. ولذلك لن تتحقق حقوق الانسان إلّا اذا ‹اتت حكومة عالمية يمكنها تطبيق التدابير التي تتخذها›، كما يقول استاذ الحقوق والاقتصاد، الپروفسور يان بركاور.
وبكلمات اخرى، يجب تحقيق امرين قبل ان تصير حقوق الانسان حقيقة عالمية: تغيير نمط التفكير، وتغيير الحكومة. فهل من الواقعي توقع حدوث ذلك؟
سبب ثنائي للتغيير
فيما يوشك ما اسمته الامم المتحدة «عقد التعليم عن حقوق الانسان» دخول عامه الخامس، ينجح برنامج تعليمي عالمي غير حكومي لعقود عديدة في تغيير نمط تفكير ملايين الاشخاص. ونتيجة لذلك، يعامل هؤلاء الافراد رفقاءهم البشر بكرامة. ويجري هذا البرنامج، الذي يقوم به شهود يهوه، في اكثر من ٢٣٠ بلدا. فلماذا ينجح؟
احد الاسباب هو ان هذا البرنامج التعليمي العالمي المؤسس على الكتاب المقدس يزيد فهم البشر لمصدر حقوق الانسان. فالاعلان العالمي لحقوق الانسان يقول ان للانسان حقوقا لأنه كائن ادبي ذكي.
ولا بد ان يكون الانسان قد حصل على قدراته التفكيرية وضميره من مصدر اسمى. (انظروا الاطار: «مصدر حقوق الانسان»، في هذه الصفحة.) ان الاعتراف بهذا المصدر الالهي الاعلى، يعطيكم سببا وجيها لاحترام رفيقكم الانسان. فتعاملون بالتالي الآخرين بكرامة ليس فقط لأن ضميركم يحثكم على ذلك، بل لسبب اهم، ألا وهو محبتكم واحترامكم للخالق مما يدفعكم الى معاملة خليقته بكرامة. وهذا الاقتراب الثنائي من المسألة مؤسس على كلمات يسوع المسيح: «تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك»، وأيضا: «تحب قريبك كنفسك». (متى ٢٢:٣٧-٣٩) فالشخص الذي يحترم الخالق بعمق لن ينتهك حقوق رفيقه الانسان لأنها ميراث من عند اللّٰه. ومنتهِك حقوق الانسان هو سارق لهذا الميراث.
التعليم الذي يصنع فرقا
الى ايّ حد ينجح هذا البرنامج التعليمي المؤسس على الكتاب المقدس والذي يقوم به شهود يهوه في تخفيف انتهاكات حقوق الانسان؟ ان افضل طريقة للاجابة عن هذا السؤال هي بالنظر الى نتائج البرنامج لأن «الحكمة تبررها اعمالها»، كما قال يسوع. — متى ١١:١٩، الترجمة العربية الجديدة.
يذكر نقش مشهور على جدار في مبنى الامم المتحدة في مدينة نيويورك: «يطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد». وتشير الامم المتحدة، بهذا الاقتباس من سفر اشعياء الاصحاح ٢ العدد ٤، الى طريقة مهمة لخفض الانتهاكات البالغة لحقوق الانسان — انهاء الحرب. فالحرب هي ‹نقيض حقوق الانسان›، كما تقول إحدى المطبوعات التي تصدرها الامم المتحدة.
ان البرنامج التعليمي الذي يقوم به شهود يهوه يفعل اكثر من نقش كلمات اشعياء على جدار حجري. فهو «يكتب» كلمات اشعياء على القلوب البشرية. (قارنوا عبرانيين ٨:١٠.) كيف؟ يزيل هذا البرنامج الحواجز العرقية والعنصرية ويهدم جدران القومية بتعليم وجهة نظر الكتاب المقدس الى العروق، وهي: يوجد عرق واحد فقط — العرق البشري. (اعمال ١٧:٢٦) وتنمو عند الاشخاص الذين ينخرطون في هذا البرنامج رغبة في ‹التمثل باللّٰه›، الذي يقول عنه الكتاب المقدس: «لا يقبل الوجوه. بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده». — افسس ٥:١؛ اعمال ١٠:٣٤، ٣٥.
ونتيجة لهذا التعليم المؤسس على الكتاب المقدس، هنالك ملايين الاشخاص اليوم «لا يتعلمون الحرب في ما بعد». لقد حصل فعلا تغيير في القلب ونمط التفكير. وهذا التغيير دائم. (انظروا الاطار: «التعليم الذي يروِّج السلام»، في الصفحة ١٤.) وفي الوقت الحاضر، يكمل ما معدله اكثر من ٠٠٠,١ شخص يوميا المقررات الدراسية الاساسية التي يديرها شهود يهوه وينضمون الى صفوف هذه القوة العالمية للسلام.
وإلى ايّ حدّ هي جذرية هذه التغييرات في نمط التفكير وما تؤثر فيه بالتالي من قرارات تحترم حقوق الانسان برفض الاشتراك في الحروب؟ انها جذرية تماما. مثلا، وُضع مدى احترام الشهود لحقوق الانسان تحت امتحان قاس خلال الحرب العالمية الثانية، وخصوصا في المانيا النازية. ذكر المؤرخ بريان دَن: «لم يكن شهود يهوه على انسجام مع النازية. والشيء الاهم الذي لم يكن النازيون يوافقونهم فيه هو حيادهم السياسي. وعنى ذلك انه ما من مؤمن سيحمل السلاح». (تجاوب الكنائس مع المحرقة، بالانكليزية) وفي كتابه تاريخ للمسيحية (بالانكليزية)، قال پول جونسون: «كثيرون حُكم عليهم بالموت بسبب رفض الخدمة العسكرية . . .، او انتهى بهم الامر الى داخاو او مستشفيات المجانين». ومع ذلك ثبتوا. ووصفت عالمة الاجتماع آنا پاڤيلشينسكا هؤلاء الشهود بأنهم «جماعة صغيرة من المقاومة التي لا تضعف موجودة وسط امة مذعورة».
تخيَّلوا كم كانت ستخف انتهاكات حقوق الانسان حول العالم لو اتخذ كل العالم هذا الموقف اليوم و ‹لم يتعلموا الحرب في ما بعد›!
حكومة عالمية — هل هي ‹يوطوپيا›؟
ذكرت احدى العاملات مع الامم المتحدة: ‹يشكِّل تغيير نمط التفكير تحدِّيا، أما تشكيل حكومة عالمية، فهو يوطوپيا›. وما يدعم هذا الاستنتاج هو واقع ان الحكومات اظهرت عدم رغبتها في التخلي عن سيادتها لصالح الامم المتحدة او ايّة منظمة اخرى. ولكن، كما يذكر الپروفسور بركاور، ان الذين يرفضون فكرة حكومة عالمية «من واجبهم الادبي ان يشيروا الى وسيلة اخرى لحل مشاكل العالم. غير ان الحلول البديلة غير متوفرة»، اي ان الحلول البشرية غير متوفرة. إلّا انه يوجد حل فوق الطبيعة البشرية. فما هو؟
تماما كما يظهر الكتاب المقدس أن الخالق هو مصدر القدرات التي تشكل الاساس لحقوق الانسان، يخبرنا ايضا انه هو مصدر الحكومة العالمية التي يمكن ان تضمنها. وهذه الحكومة السماوية غير منظورة، انما حقيقية. وفي الواقع يصلي ملايين الاشخاص، ربما عن غير علم، من اجل هذه الحكومة العالمية حين يقولون في ما يُعرف عموما بالصلاة الربانية: «ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض». (متى ٦:١٠) ورئيس حكومة الملكوت هذه المعيَّن من اللّٰه هو رئيس السلام، يسوع المسيح. — اشعياء ٩:٦.
وستنجح هذه الحكومة العالمية في خلق حضارة تروِّج حقوق الانسان وتكون حقا عالمية وطويلة الامد بإزالة الحرب الى الابد بين امور اخرى. ينبئ الكتاب المقدس: «[الخالق] مسكِّن الحروب الى اقصى الارض. يكسر القوس ويقطع الرمح. المركبات يحرقها بالنار». — مزمور ٤٦:٩.
وكم سيطول الانتظار قبل ان يحدث ذلك على صعيد عالمي؟ يتضمن البرنامج التعليمي الذي يقوم به شهود يهوه اجابة وافية عن هذا السؤال. ونحن نشجعكم على الاطلاع على هذا البرنامج.a وإذا كنتم مهتمين بحقوق الانسان، فلن يخيب املكم ابدا.
[الحاشية]
a اذا كنتم ترغبون في تلقي المزيد من المعلومات بشأن هذا البرنامج التعليمي المؤسس على الكتاب المقدس، فاتصلوا بناشري هذه المجلة او بشهود يهوه في جواركم. والبرنامج مجاني.
[الاطار في الصفحة ١٢]
مصدر حقوق الانسان
تذكر المادة ١ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان: «يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق». وبذلك، توصف حقوق الانسان بأنها حق وراثي يناله الاولاد من والديهم، تماما كما ان النهر يحمل الماء للعائشين على ضفافه. فمن اين ينبع نهر حقوق الانسان هذا؟
وفقا للاعلان العالمي، يتمتع البشر بالحقوق لأنهم «وُهبوا العقل والوجدان». وتوضح احدى مطبوعات الامم المتحدة: «لأن الانسان هو كائن ادبي ذكي، فهو يختلف عن غيره من المخلوقات على الارض، وبناء عليه فهو مخوَّل بعض الحقوق والحريات التي لا تتمتع بها المخلوقات الاخرى». (إمالة الحروف لنا.) فكما يقال، ان امتلاك العقل والوجدان هو الاساس لامتلاك حقوق الانسان. وعندئذ، يكون مصدر عقل ووجدان الانسان هو ايضا مصدر حقوقه.
ان القول ان حقوق الانسان مرتبطة بالعقل والضمير (الوجدان) يشكِّل معضلة بالنسبة الى مناصري حقوق الانسان الذين يؤمنون بالتطور البيولوجي. يعترف الكتاب المؤيِّد للتطور ترقّي الحياة (بالانكليزية): «تعترينا الحيرة عندما نسأل كيف امكن لعملية [التطوُّر] . . . ان تولّد صفات كحبّ الجمال والحقيقة، الرأفة، الحرية، وقبل كل شيء رحابة الروح الانسانية». وهذه الحيرة هي بمحلها. فالتأكيد ان موهبة العقل والضمير عند الانسان تنبع من اسلاف ادنى من البشر يفتقرون الى العقل والضمير، هو كالقول ان نهرا ينبع من بئر تفتقر الى الماء.
بما ان موهبتَي العقل والضمير عند الانسان لا يمكنهما ان تنبعا من مصدر ادنى من البشر، فلا بد ان تنبعا من مصدر اسمى من البشر. فالبشر وحدهم لديهم الصفات المرتبطة بحقوق الانسان — العقل والضمير — لأنهم، بخلاف الحيوانات، خلقوا «على صورة» اللّٰه، كما يوضح الكتاب المقدس. (تكوين ١:٢٧) ولذلك فإن الجواب المقنع عن السؤال: لماذا يتمتع الناس بحقوق ادبية هو، كما يذكر الكتاب حقوق الانسان — دراسات في التبريرات والتطبيقات (بالانكليزية)، «لأنهم يملكون قيمة وكرامة ملازمتَين لهم او لأنهم . . . اولاد اللّٰه».
[الاطار/الصور في الصفحة ١٤]
التعليم الذي يروِّج السلام
منذ بضع سنوات، فيما كانت الحرب تمزق بلاد البلقان، كان برانڠكو يخدم كحارس مسلح لمستوصف في الجزء الكرواتي من البوسنة.b وهناك كان يوجد طبيب يدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. فأخبره ذات ليلة ما كان يتعلمه من درسه. وما سمعه برانڠكو دفعه الى التخلي عن السلاح. وبعد فترة، بعد ان كان قد انتقل الى بلد اوروپي آخر، حضر اجتماعا لشهود يهوه، حيث التقى سلوبودان.
سلوبودان هو ايضا من البوسنة. وقد اشترك في الحرب نفسها التي كان برانڠكو متورطا فيها — إلّا انه كان من الطرف الآخر. فقد كان سلوبودان يحارب مع الصرب ضد الكرواتيين. وعندما التقى الاثنان، كان سلوبودان قد صار واحدا من شهود يهوه؛ وعرض ان يدرس الكتاب المقدس مع برانڠكو، عدوه السابق. ومع تقدم الدرس، نمت محبة برانڠكو للخالق يهوه، ولم يمض وقت طويل حتى قرر ان يصير واحدا من شهود يهوه.c
كان سلوبودان قد صار واحدا من شهود يهوه بمساعدة عدو سابق. وكيف ذلك؟ بعد ان ترك سلوبودان منطقة الحرب في البوسنة، زاره مويو، الذي كان هو ايضا من البوسنة ولكنه تربى في دين يختلف تمام الاختلاف عن دين سلوبودان. وكان مويو قد صار واحدا من شهود يهوه. ومع ان سلوبودان ومويو كانا عدوَّين سابقَين، قبل الاول عرضا من الثاني ان يدرس معه الكتاب المقدس، ثم صار واحدا من شهود يهوه.
فماذا جعل هؤلاء الرجال يتغلَّبون على البغض العرقي المتأصل عميقا ويتحولوا من اعداء الى اصدقاء؟ لقد نمَّوا المحبة ليهوه من خلال درسهم للكتاب المقدس. وبعد ذلك صاروا راغبين في ‹التعلم من اللّٰه ان يحب بعضهم بعضا›. (١ تسالونيكي ٤:٩) وكما يلاحظ الپروفسور ڤويتشيخ مودجليسكي بشأن شهود يهوه عامة، فإن «العامل الاهم في موقفهم السلمي هو فكرة اتباعهم منذ الآن المبادئ المذكورة في الكتاب المقدس».
[الحاشيتان]
b كل الاسماء المذكورة في هذا الاطار جرى تغييرها.
c علم برانڠكو لاحقا، ولفرحه، ان الطبيب الذي تكلم معه اولا صار هو ايضا واحدا من شهود يهوه.
-