-
هنڠارياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٦
-
-
وخلال هذه الفترة ابتدأت الفاشية تحظى بنفوذ قوي في هنڠاريا. فأُجبر الاخوة الالمان على المغادرة، وعانى الاخوة الهنڠاريون اضطهادا متزايدا. وكثيرون منهم عوملوا بوحشية من قبل رجال الشرطة ثم حُكم عليهم بالسجن لمدة طويلة.
عقد الاجتماعات بحذر
في اواخر ثلاثينات الـ ١٩٠٠ كان يمكن عقد اجتماعاتنا فقط سرا وفي فرق صغيرة. وكانت المطبوعات المتوافرة تتألف عادة من مجرد مجلة واحدة من برج المراقبة لكل جماعة، وهذه المجلة كان الاخوة يتداولونها بينهم.
يذكر فِرِنتس نادي وهو من تيساڤاشڤاري قائلا: «لم يكن درس برج المراقبة آنذاك كدروس اليوم. فبعد وصول كل شخص ينتظرونه كانت الابواب تغلق. وأحيانا كان البحث في مقالة يدوم حتى ست ساعات. كنت تقريبا في الخامسة من العمر، وكان اخي يصغرني بسنة واحدة، لكننا تمتعنا بالجلوس على كرسيَّينا الصغيرين والاستماع الى الدروس الطويلة. كان ذلك ممتعا حقا. ولا ازال اذكر بعض المسرحيات النبوية. فالطريقة التي ربّانا بها والدانا كانت لها نتائج جيدة.»
إتِل كِشكِميتينا، الآن في ثمانيناتها ولا تزال تخدم بأمانة في بوداپست، تذكر انه في تيساكاراد كان الاخوة يعقدون الاجتماعات في حقولهم خلال فترات استراحة الغداء ظهرا. وبما انهم كانوا يعملون معا في حرث ارض الشهود الواحد تلو الآخر، فلم يكن بإمكان الرسميين ان يمنعوا مثل هذه الاجتماعات. وخلال فصلَي الخريف والشتاء كانت الاخوات يجلسن معا للغزل، وكان الاخوة ينضمون اليهن. وعلى الرغم من ان رجال الشرطة كانوا يسألون عن نشاطهم، لم يتمكنوا من ايقافهم. واذا كانت مثل هذه الفرص للاجتماع غير متوافرة، كانوا يجتمعون في مكان ما باكرا في الصباح او في وقت متأخر من الليل.
منادون دهاة
عندما حُظِرت الكرازة على الابواب، وجد الشهود وسائل اخرى لإخبار حقائق الكتاب المقدس. وكان استخدام الفونوڠرافات القابلة للحمل جديدا نسبيا آنذاك، ولم يكن هنالك قانون يحظر استخدامها. ونظرًا الى ذلك، كان الاخوة يطلبون اذنا من صاحب البيت لتشغيل رسالة مسجلة. فإذا أذن، كان يُشغَّل تسجيل لأحد خطابات الاخ رذرفورد. وللقيام بذلك صنع الاخوة اسطوانات فونوڠرافية بالهنڠارية تحتوي على خطابات ألقاها الاخ رذرفورد، واستخدموا الفونوڠرافات القابلة للحمل وآلات الاسطوانات على حد سواء مع مكبرات صوت.
وفي ما يتعلق برسائل الكتاب المقدس المسجلة القوية هذه يذكر يانوش لاكو، الذي تزوج في ما بعد ابنة الاخت كِشكِميتينا: «تمتعت بالاختبار المبهج لسماع احداها في شاتوروليوويها. وإحدى عباراتها انطبعت في ذهني: ‹الملكيات، الديمقراطيات، الارستقراطيات، الفاشية، الشيوعية والنازية، وجميع المساعي المماثلة للحكم ستزول في هرمجدون وتُنسى عما قريب.› لقد اذهلنا العرض القوي لحقائق الكتاب المقدس. وآنذاك في سنة ١٩٤٥ بدا الخطاب الذي كان قد خلّف في نفسي اثرا قويا اشبه بنبوة.»
المشقات تستمر
استمر الاضطهاد بضراوة متزايدة. وبعد ان زار كاهن كاثوليكي مكتب بوداپست للجمعية وحصل على كل ما استطاع من معلومات، أُطلِقت حملة افتراء في الصحف. ورافقت ذلك تحذيرات من على منبر الكنائس والراديو. فصودرت المطبوعات في كل انحاء البلاد، وضُرِب الاخوة بقسوة. وفي كيشڤاردا اقتيد عدد من الاخوة الى دار البلدية. فأُدخِلوا واحدا فواحدا الى غرفة اخرى وضُرِبوا وعُذِّبوا بوحشية. وإذ أورد الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٣٨ تقريرا عن ذلك، سأل: «‹عيد الفصح،› أحد الزيّاح العظيم. بماذا احتفلوا يوم القيامة هذا؟ أبقيامة محكمة التفتيش الرومانية؟»
وعندما لم يتمكن رجال الدين من جعل بعض الرسميين ينفّذون ما يريدونه منهم، استخدموا وسائل اخرى. يذكر الكتاب السنوي لعام ١٩٣٩: «كثيرا ما كان الرفقاء يضربهم ويسيء معاملتهم اشخاص طائشون يُحرَّضون على ذلك وكثيرا ما كان يُدفع لهم لقاء ذلك. لقد وجدنا انه في بعض الاماكن كافأ رجال الدين المحليون كُلًّا من اولئك الاشخاص بـ ١٠ كيلوغرامات [٢٢ پاوندا] من التبغ لقاء القاء التُّهَم الباطلة على اولاد اللّٰه.»
محظورون
في سنة ١٩٣٨، اندراس بارتا، الذي كان قد عمل في مكتب الجمعية في ماغدبورڠ، المانيا، طوال خمس سنوات ثم خدم في ما كان آنذاك تشيكوسلوڤاكيا، وجد نفسه في مقاطعة هنڠارية بعد ضمّ اجزاء من تشيكوسلوڤاكيا وكرپات-اوكرانيا الى هنڠاريا. وسرعان ما جرى تعيين الاخ بارتا للاعتناء بعمل الجمعية في هنڠاريا. وكان نشاط شهود يهوه قد حُظر في المانيا تحت حكم الدولة النازية. ومُنعت اجتماعاتهم في تشيكوسلوڤاكيا. وبعد ذلك، في ١٣ كانون الاول ١٩٣٩، حُظر نشاطهم ايضا في هنڠاريا.
وفي تلك السنة عينها جرى انشاء معسكرَي اعتقال في هنڠاريا، يبعد احدهما ٢٠ ميلا (٣٠ كلم) عن بوداپست ويقع الآخر في بلدة ناجكونيجو، في جنوب غربي هنڠاريا، على بعد ١٦ ميلا (٢٦ كلم) من الحدود اليوڠوسلاڤية. وسرعان ما امتلأ هذان المعسكران من اناس دُعوا بالذين لا يوثق بهم — المجرمين، الشيوعيين، وشهود يهوه، الذين اتُّهموا بأنهم تهديد للمجتمع.
وفي الوقت نفسه نظَّم احد مديري الشرطة المركزية في بوداپست فرقة سرية للكشف عن «قيادة» شهود يهوه وتحليل عمل هذه الهيئة غير الشرعية وصِلاتها الاجنبية. وتبعت ذلك اعتقالات، اساءة جسدية ونفسية، وسجن.
فهل اوقف كل ذلك نشاط شهود يهوه في هنڠاريا؟ كلا، لكنه تطلّب ان يصغي جميع الناشرين الى مشورة يسوع بأن يكونوا «حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام.» (متى ١٠:١٦) ويقدّم الكتاب السنوي لعام ١٩٤٠ مثالا لكيفية استخدام اخت فاتحة الحذر. كانت ترتدي منديلا اسود على رأسها وآخر حول كتفيها. وبعدما عملت في جزء من محلّة، رأت احد ارباب البيوت متجها نحوها برفقة اثنين من الشرطة العسكرية. فلجأت الاخت الى شارع فرعي، واستبدلت منديلَيها الاسودين بمنديلَين من لون آخر، وتابعت سيرها بهدوء باتجاه الشرطيَّين العسكريَّين. فسألاها عما اذا كانت قد رأت امرأة ترتدي منديلَين اسودين، فأجابت الاخت انها رأت واحدة، يبدو انها على عجلة، تركض بالاتجاه الآخر. فابتدأ الشرطيان العسكريان وجاسوسهما يركضون بسرعة للّحاق بها فيما مضت الشاهدة بهدوء الى البيت.
وتذكّرت في وقت لاحق احدى الاخوات الفاتحات الامينات كيف القت السلطات القبض عليها تحت ضغط من رجال الدين. ولفترة من الوقت كانت تحت مراقبة الشرطة ومُلزمة بتقديم تقرير للشرطة مرتين في الشهر. ولكنها حالما كانت تغادر مخفر الشرطة كانت تركب دراجتها وتذهب الى مقاطعتها للكرازة. وبسبب مثابرتها على الشهادة سجنوها — اولا خمسة ايام، ثم عشرة، خمسة عشر، وثلاثين يوما، اربعين يوما مرتين، ثم ستين، مئة يوم مرتين، وأخيرا ثماني سنين. ولماذا؟ بسبب تعليم الناس الكتاب المقدس. فكرسل يسوع المسيح، اطاعت اللّٰه حاكما لا الناس. — اعمال ٥:٢٩.
وإذ صار الاخ بارتا مشغولا كاملا بعمل الترجمة، عهدت الجمعية في سنة ١٩٤٠ الى يانوش كونراد، خادم منطقة (ناظر دائرة) سابق، في توجيه العمل في هنڠاريا.
مزيد من معسكرات الاعتقال
في آب ١٩٤٠ سيطرت هنڠاريا على جزء من ترانسلڤانيا (رومانيا). وفي السنة التالية اشتدّ الاضطهاد في هذه المنطقة. وفي كلوج، ترانسلڤانيا، أُنشئ معسكر آخر، ومئات الاخوة والاخوات، صغارا وكبارا، أُخذوا الى هذا المعسكر. وفي ما بعد، أُخضع الشهود هناك لكثير من الوحشية لأنهم لم ينكروا ايمانهم ويعودوا الى دينهم السابق. وعندما وصلت الاخبار عن ذلك الى الشهود خارج المعسكر، اتَّحد الامناء في كل البلد في الصلاة لأجلهم. وبُعَيد ذلك كشف تحقيق رسمي في معسكر كلوج عن الفساد فجرى نقل الضابط الآمر وغالبية الحرس حتى ان البعض سُجنوا. وجلب ذلك شيئا من الراحة لإخوتنا، فشكروا يهوه على ذلك.
وفي غضون ذلك، في جنوب غربي هنڠاريا، في معسكر يقع قرب ناجكونيجو، اعتُقل رفقاء الزواج معا، فاعتنى بأولادهم الشهود الذين لا يزالون في البيت. وفي كل هذه المعسكرات جرت ممارسة الضغط على شعب يهوه. فعُرضت عليهم الحرية شرط ان يوقّعوا وثيقة ينكرون فيها ايمانهم ويعِدون بأن يتخلوا عن كل صلة بشهود يهوه ويعودوا الى ايمانهم السابق الذي توافق عليه الدولة.
صارت حالة شهود يهوه اخطر ايضا في ٢٧ حزيران ١٩٤١ عندما اشتركت هنڠاريا في الحرب ضد الاتحاد السوڤياتي. فأدَّى ذلك الى محن كثيرة تتعلق برفض الخدمة العسكرية.
اعتقال خادم البلد
صارت الفرقة السرية التي تتعامل مع شهود يهوه نشيطة بشكل متزايد، مداهمة بيوت اخوة عديدين. وتلقى الاخ كونراد مذكرات حضور متكررة، وخضع بيته للمداهمات، وأُرغم على المجيء شخصيا الى مركز الشرطة مرتين في الاسبوع.
وفي تشرين الثاني ١٩٤١ جَمع كل خدام المناطق (نظار الدوائر) وأخبرهم انه على يقين من ان اعتقاله قريب، ولذلك اشار الى ان يوجيف كلينيِتس، احد خدام المناطق، ينبغي ان يُشرف على العمل في حال اعتقاله.
وفي الشهر التالي نفسه، في ١٥ كانون الاول، أُلقي القبض على الاخ كونراد. ولعدة ايام عومل بوحشية بطريقة همجية لا توصف في محاولة لجعله يبوح بأسماء خدام المناطق والفاتحين، لكنَّ معذّبيه لم يفلحوا. وأخيرا جرى تسليمه الى وكيل النيابة المركزي. وبعد ذلك كله حُكِم عليه بالسجن شهرين فقط. ولكن عند نهاية مدة حكمه لم يطلق سراحه. وبدلا من ذلك، نُقل الى معسكر الاعتقال في كيشتارتشا بحجة انه خطر على المجتمع.
خادما بلد
في غضون ذلك، في سنة ١٩٤٢، قام المكتب الاوروپي المركزي في سويسرا بتعيين دينِش فالوڤاڠي رسميا للاشراف على العمل في هنڠاريا. والاخ فالوڤاڠي، الذي كان وديعا ومرنا بطبيعته، كان مع ذلك قادرا على التأثير في الآخرين بغيرته للحق. وقد كان مدرِّسا في ترانسلڤانيا وساهم مساهمة ذات شأن في تنظيم العمل في رومانيا بعد الحرب العالمية الاولى.
لكنّ الاخ كلينيِتس، خادم المنطقة الذي عهد اليه الاخ كونراد في المسؤولية الوقتية عن العمل في حال اعتقاله، لم يكن مسرورا عندما أُعطي التعيين للاخ فالوڤاڠي. فقد اعتبر الاخ فالوڤاڠي غير قادر على مجابهة المهمة الصعبة.
كان الاخ كلينيِتس على الدوام اخا غيورا وشجاعا، حازما بطبيعته اكثر منه وديعا. وكان غيورًا في خدمة الحقل والاخوة يعرفونه جيدا ويحبونه في كل انحاء البلد. فصار الاخوة منقسمين الى فريقين — فريق يعترف بتعيين الجمعية للاخ فالوڤاڠي، وآخر يشترك في رأي الاخ كلينيِتس أن مسؤولية الاشراف يلزم ان تكون في ايدٍ حازمة في تلك الاوقات الصعبة.
وقد زار بعض الجماعات في وقت واحد خادما منطقة — خادم مرسل من الاخ فالوڤاڠي، وآخر من الاخ كلينيِتس. ومؤسف القول انه في مثل هذه الحالات، كان خادما المنطقة يتشاجران احيانا بدلا من تشجيع الاخوة. ومن المفهوم ان ذلك احزن الاخوة الامناء.
اسطبل سباق الخيل في ألاڠ
في آب ١٩٤٢ قررت السلطات وضع حد لشهود يهوه في هنڠاريا. ولذلك اعدّوا عشرة مواقع للتجميع حيث جُمِع الشهود معا، رجالا ونساء، صغارا وكبارا. حتى ان الاشخاص الذين لم يكونوا معتمدين بعد ولكنهم كانوا معروفين بأنهم على اتصال بشهود يهوه اقتيدوا الى هذه الاماكن.
اقتيد الشهود من بوداپست وجوارها الى اسطبل سباق الخيل في ألاڠ. وعلى جانبي الاسطبل، وعلى طول الجدران الخارجية، نُشِر التبن الذي عليه نام الاخوة والاخوات ليلا. وإذا اراد احد ان يتحوّل من جانب الى آخر اثناء الليل، كان عليه ان يحصل على اذن رسمي من الحراس. وخلال النهار أُجبِروا على الجلوس في صف على مقاعد خشبية مقابل الحائط فيما كان الحراس يخطون ذهابا وإيابا في الاسطبل وحرابهم مركّزة. ولم يكن التكلم مسموحا به.
وفي جوار الاسطبل كانت هنالك غرفة اصغر حيث اجرى رجال التحري، تحت توجيه اشتڤان وأنتال يوهاس، اخَوين في الجسد، «الاستجوابات.» لقد عذّبوا الاخوة، مستخدمين اساليب بعضها منحطّ اكثر من ان يُذكَر.
ولم تُستثنَ الاخوات. فقد أُدخِلت جوارب احدى الاخوات عنوةً في فمها لكتم صيحاتها. ثم أُجبِرت على الاستلقاء على وجهها على الارض فيما جلس واحد من رجال التحري عليها ورفع قدميها وضربها آخر بلا رحمة على باطن قدميها. وكان يمكن سماع الضربات وصرخاتها بوضوح في الغرفة حيث كان الاخوة.
«محكمة» في ألاڠ
انتهت «الاستجوابات» بحلول نهاية تشرين الثاني. وفي ذلك الشهر أُعدَّت بشكل ارتجالي قاعة محكمة في مرقص احد المطاعم في ألاڠ حيث عالجت محكمة الاركان العامة في هينريخ ورْث قضية ٦٤ شاهدا ليهوه. وعند دخولهم قاعة المحكمة هذه رأوا مطبوعات، كتبا مقدسة، آلات كاتبة، فونوڠرافات، وسجلات صودرت خلال تفتيش المنازل.
افتُتحت الجلسة دون ان يستجوب النائب العام العسكري ايًّا من المتهمين الـ ٦٤ ودون ان يتمكن ايٌّ منهم حتى من التكلم مع المحامي الذي كلفته المحكمة ان يدافع عنهم. واستغرق استجواب جميع المدّعى عليهم ساعات قليلة فقط، ولم يُمنَح الشهود فرصة حقيقية للدفاع عن انفسهم. وسئلت احدى الاخوات عما اذا كانت مستعدة لحمل السلاح. فأجابت: «انا امرأة، وفي مثل هذه الحالة لست مضطرة الى حمل السلاح.» وعند ذلك سئلت: «هل تحملين السلاح لو كنت رجلا؟» اجابت: «سأجيب عن هذا السؤال يوم اصير رجلا!»
وفي ما بعدُ صدرت الاحكام. فحُكِم على الاخوة بارتا، فالوڤاڠي، وكونراد بالاعدام شنقا. وحكم على آخرين بالسجن مدى الحياة، وتراوحت عقوبة الباقين بين سنتين وخمس عشرة سنة في اصلاحية. وبعد ظهر ذلك اليوم عينه أُخِذوا الى سجن عسكري في جادة مارڠيت في بوداپست. والاخوة الثلاثة الذين حكم عليهم بالموت توقعوا ان يُنفَّذ الاعدام فورا، ولكن بعد شهر تماما من دخولهم السجن، اتى محاميهم وأخبرهم ان احكام الاعدام قد خُفِّفت الى السجن مدى الحياة.
وفي اماكن التجميع التسعة الاخرى، اجريت الاستجوابات بطرائق مماثلة لتلك المستخدمة في الاسطبل في ألاڠ. ونُقل اخيرا الاخوة المدانون الى اصلاحية في ڤاتس، في شمالي البلاد.
راهبات يحرسن السجن
اعتُقِلت الاخوات عموما في سجن الاستخبارات المضادة في بوداپست في شارع كونتي. واللواتي حُكم عليهن بثلاث سنين او اكثر نُقلن الى سجن للنساء في ماريانوسترا (سيدتنا مريم)، وهي قرية قرب الحدود السلوڤاكية حيث حرستهن راهبات عاملن اخواتنا بطريقة مروِّعة الى ابعد حد. والشاهدات اللواتي كنّ سابقا في سجون اخرى أُخذن ايضا الى هناك.
وكل من لم تكُن على استعداد لاطاعة قوانين السجن التي سنَّتها الراهبات كانت توضع في سجن مظلم. وكان بين تلك القوانين حضور الكنيسة الالزامي وتأدية التحية الكاثوليكية، «التسبيح ليسوع المسيح.» وإذا أُعطِيت السجينات ايَّ شيء وجب ان يكون تعبير الشكر، «فليكافئكِ اللّٰه على ذلك.»
طبعًا، لم تطِع اخواتنا الامينات هذه القوانين. وكلما رفضن الذهاب الى الكنيسة، كنّ يوضعن في السجن المظلم مدة ٢٤ ساعة؛ وكان في هذه المناسبات ان اخواتنا قلن: «فليكافئكِ اللّٰه على ذلك.» وحُرِمت الشاهدات ايضا من جميع الحقوق المعتادة، كتسلّم الرزم، مراسلة الاقرباء، واستقبال الزائرين. وقليلات فقط سايرن لتجنب المزيد من المشقة. ولكن بعد فترة من الوقت كان هنالك تخفيف من حدة المعاملة القاسية للامينات.
معسكر بور للاعتقال
في صيف ١٩٤٣ جُمع الاخوة تحت الـ ٤٩ من العمر من جميع السجون في البلاد في احدى البلدات الريفية وأُمروا بالالتحاق بالخدمة العسكرية. والاخوة الامناء، على الرغم من معاملتهم بوحشية مرة ثانية، بقوا ثابتين وامتنعوا، رافضين ايضا الملابس العسكرية التي قُدِّمت لهم. لكنَّ تسعة من الفريق ادّوا اليمين العسكرية وقبلوا البزّة العسكرية. لكنَّ مسايرتهم لم تجلب لهم اية راحة. وجميع الـ ١٦٠ الذين جُمعوا هناك، بمن فيهم التسعة الذين نقضوا ولاءهم، نقلوا الى معسكر الاعتقال في بور (صربيا). وبعد سنتين، فيما كان احد اولئك الذين نقضوا ولاءهم حاملا البندقية، اصفرّ وارتعش لمّا وجد نفسه في فرقة فُوِّض اليها ان تُعدِم بين آخرين، شقيقه الاصغر سنا، شاهد امين.
وفي الطريق الى المعسكر وفي المعسكر كليهما، كان للاخوة بعض الاختبارات القاسية. لكنَّ قائد المعسكر لم يصرّ عموما على جعل الاخوة يقومون بعمل يتعارض مع ضمائرهم. حتى ان القائد اعتذر عندما استخدم بعض الجنود في احدى المناسبات التعذيب في محاولة لإرغام الشهود على مخالفة ضمائرهم.
يخبر كارولي أفرا، اخ في سبعيناته، وهو لا يزال يخدم يهوه بأمانة: «كانت هنالك بعض المحاولات لكسر ايماننا، لكننا بقينا ثابتين. وفي احدى المناسبات كان علينا ان نصنع قاعدة مدفع اسمنتية. واختير اخَوان للقيام بالعمل. فرفضا وقالا انهما سُجنا بسبب عدم قيامهما بأيّ شيء يتعلق بالحرب. فقال لهما الضابط انه في حال عدم قيامهما بالعمل سيعدمهما. فأخذ جندي احد الاخوَين بعيدا الى الجهة الاخرى من الجبل، وسُمِعت طلقة نارية. فالتفت الضابط الى الاخ الآخر: ‹اخوك ميت الآن، ولكن بإمكانك ان تعيد النظر في الامر.›
«كان جواب الاخ: ‹ان كان باستطاعة اخي ان يموت لاجل ايمانه، فلماذا لا استطيع انا؟› فأمر الضابط الجندي الآخر ان يعيد الاخ ‹المصاب،› وقال مربِّتا على ظهر الآخر: ‹رجال شجعان كهؤلاء يستحقون البقاء احياء،› وصرفهما.»
علم الاخوة ان سبب كونهم احياء انما هو ليخدموا كشهود ليهوه. وكان هنالك آلاف السجناء الآخرين في المعسكر في بور، فأعطى شهود كثيرون منهم شهادة كاملة عن يهوه وملكوته. وفي كل انحاء البلد خلال تلك السنين الصعبة، اغتنم شهود يهوه الفرص — سواء كانوا في السجن، في معسكرات الاعتقال، او في ايّ مكان آخر — لإعطاء الشهادة. والتقوا في كل مكان اشخاصا ودّيين، حتى بين الرسميين ذوي المراتب العالية ممَّن اعجبوا باحتمال الشهود الشجاع. حتى ان بعض الرسميين شجعوهم قائلين: «استمروا في الاحتمال في ايمانكم.»
كان قد مضى على الاخوة في بور تحت ظروف خطرة وشاقة ١١ شهرا عندما سرت الاشاعة بأن المغاوير ينوون مهاجمة القرية. فاتُّخذ القرار بإخلاء المعسكر. وعندما علم الشهود، قبل يومين من الرحيل المخطط له، انهم سيضطرون الى الشروع في الرحلة سيرا على الاقدام، بدأوا حالا بإنشاء عربات بدولابين وأربعة دواليب. وبحلول وقت الرحيل كانت لديهم عربات كثيرة جدا حتى ان الضباط، الجنود، والسجناء الآخرين اتوا مدهوشين ليروا ما انجزه شهود يهوه.
قبل الرحيل (بالاضافة الى ٠٠٠,٣ سجين يهودي)، أُعطي كل اخ پاوندا ونصف الپاوند (٧,٠ كلغ) من الخبز وخمس علب من السمك، التي لم تكن كافية للرحلة. لكنَّ يهوه زوَّد ما لم يزوده الضباط. كيف؟ بواسطة السكان الصربيين والهنڠاريين في المقاطعة التي مرّوا فيها. فقد اعطاهم هؤلاء بسرور الخبز الذي كان في وسعهم الاستغناء عنه. فجمع الاخوة هذا الخبز معا، وخلال التوقف المؤقت كانوا يقسمونه بطريقة عادلة بحيث ينال كل واحد قطعة، حتى لو كانت مجرد كسرة. وعلى الرغم من ان مئات السجناء سُلِّموا الى الجنود الالمان لإعدامهم في الطريق، كانت يد يهوه الواقية على شهوده.
الاستقامة تُمتحن ثانية
نحو نهاية سنة ١٩٤٤، عند اقتراب الجيش السوڤياتي، طُلب من الشهود التوجُّه نحو الحدود الهنڠارية-النمساوية. واذ وجد الشهود ان جميع الرجال كانوا في الجبهة، ساعدوا النساء في المنطقة على انجاز العمل الشاق في ارضهنّ. وحيثما باتوا اغتنم الاخوة الفرص للشهادة.
في كانون الثاني ١٩٤٥ ابلغ القائدُ الشهودَ بأن جميع الرجال القادرين على العمل يجب ان يذهبوا الى دار بلدية يانوشهازا. ومن هناك اخذهم ضابط الماني خارج القرية لحفر الخنادق. وعندما رفض الستة الأُوَل الذين اختيروا، أمَر الضابط على الفور: «ليعدموا!» فصُفَّ الاخوة الستة، ووقف الجنود الهنڠاريون وبنادقهم جاهزة لاطلاق النار حال تلقّي الاوامر، وكان الاخوة الـ ٧٦ الباقون يراقبون. وبهدوء حثّ احد الجنود الهنڠاريين الاخوة المراقبين: «اذهبوا وارموا انتم ايضا عدتكم والا فسيطلقون النار عليهم.» فعملوا بموجب نصيحته في الحال. فارتبك الضابط الالماني كثيرا حتى انه في بادئ الامر حدّق غير مصدِّق. ثم سأل: «ولا يريدون العمل ايضا؟» فأجاب الاخ بارتا بالالمانية: «بلى، نحن نريد ان نعمل، ولكننا لا نستطيع ان ننجز مهمات تتعارض مع ايماننا. ويمكن للرقيب هنا ان يؤكد اننا عملنا كل شيء بضمير حي وفعَّالية الى ابعد حد، وما زلنا نفعل ذلك، أما هذا العمل فلن نقوم به.»
ولاحقا ذكر احد اولئك الاخوة: «بعد ذلك اعلن الضابط اننا جميعا موقوفون، الامر الذي كان حقا مضحكا الى حد ما لأننا كنا جميعا سجناء على اية حال.»
محافظون آخرون على الاستقامة
وكاولئك الاخوة المذكورين آنفا، جاهد مئات الاخوة والاخوات الآخرين في كل انحاء البلد الجهاد نفسه من اجل ايمانهم في معسكرات الاعتقال والسجون العديدة الاخرى.
وفي ربيع سنة ١٩٤٤، عندما نُقل يهود كثيرون من معسكر الاعتقال في ناجكونيجو الى معسكرات في المانيا، كانت هنالك بينهم شاهدتان، إِڤا باس وأولڠا سلِزينڠر، يهوديتان بالولادة، عمرهما ٢٠ و ٤٥ سنة على التوالي. وكانتا كلتاهما عابدتَين ليهوه اللّٰه غيورتَين ونقيتَي القلب. كانت صحة الاخت باس ضعيفة لكنها كانت تخدم كفاتحة قبل اعتقالها. وكانت في خدمة الحقل في دوناڤِتش عندما اوقفها رجال البوليس وأخذوها الى دار البلدية.
وبتحريض من رئيس بلدية القرية قاست معاملة مخزية. تذكر الاخت باس: «ازيل شعري كله؛ كان عليَّ ان اقف عارية امام عشرة او اثني عشر من رجال البوليس. ثم بدأوا الاستجواب وأرادوا ان يعرفوا مَن كان قائدنا في هنڠاريا. فأوضحتُ انه لا قائد لنا سوى يسوع المسيح.» كان ردّهم ضربا عديم الرحمة بهراويهم. لكنَّ الاخت باس عقدت العزم على عدم خيانة اخوتها المسيحيين.
بعد ذلك، تذكر: «ربط هؤلاء الوحوش يديّ ورجليّ معا فوق رأسي، وجميعهم اذلّوني باغتصابي، جميعهم ما عدا واحدا من رجال البوليس. ربطوني بشدة حتى انه كانت لا تزال لدي ندوب على معصميّ عند مجيئي الى السويد بعد ثلاث سنوات. أُسيئت معاملتي الى حد بعيد حتى انهم اخفوني في الطبقة السفلى لأسبوعين، حتى التأمت الجروح الاكثر ايلاما. ولم يجسروا ان يسمحوا لآخرين برؤية حالتي.» أرسِلت الاخت باس الى معسكر ناجكونيجو ومن هناك، مع الاخت سلِزينڠر، الى اوشڤيتس.
وتمضي قائلة: «شعرت بالامن عندما كنت مع اولڠا؛ فقد استطاعت ان تكون فَكِهة في الظروف الصعبة. وكانت للطبيب منڠلي مهمة فرز الوافدين الجدد غير الصالحين للعمل من أقوياء البنية. فأُرسل الاوَّلون الى غرف الغاز. وعندما اتى دورنا قال لاولڠا: ‹كم عمرك؟› فأجابت بشجاعة وبطرْف ظريف بعينيها: ‹عشرون.› في الحقيقة، كان عمرها ضعف ذلك. لكنَّ منڠلي ضحك وسمح لها بأن تذهب الى الجهة اليمنى وتبقى حية.»
وخيطت نجمتان صفراوان على لباسهما تميزهما كيهوديتين، لكنهما احتجتا، مصرتين على انهما من شهود يهوه. فانتَزعتا النجمتين الصفراوين وطلبتا ان يُخاط مثلثان ارجوانيان لتحديد هويتهما بصفتهما من شهود يهوه. وعلى الرغم من ضربهما بقسوة على فعل ذلك، اجابتا: «افعلوا بنا ما يحلو لكم، لكننا سنبقى دائما شاهدتَين ليهوه.»
وفي ما بعد أُتي بهما الى معسكر الاعتقال في بِرڠِن-بِلزِن. وكان نحو هذا الوقت انّ وباء التيفوس تفشّى في المعسكر. وصارت الاخت سلِزينڠر مريضة جدا بحيث نُقلت من المعسكر مع آخرين كثيرين. ولم تُرَ قط ثانية. وبُعيد ذلك، حرَّر الجيش البريطاني هذه المقاطعة. وأخذت الاخت باس الى مستشفى، ثم انتقلت الى السويد، حيث اتصلت فورا بالاخوة.
كثيرون من الاخوة الذين سُجنوا في هنڠاريا جرى ترحيلهم في ما بعد الى المانيا. وعاد معظمهم عقب الحرب، ولكن ليس الجميع. وأحد هؤلاء كان دينِش فالوڤاڠي الذي مات اثناء نقله من معسكر الاعتقال في بوكنْوُلد الى المعسكر في داخاو. وقد خدم يهوه بأمانة اكثر من ٣٠ سنة.
شهود امناء حتى الموت
عندما حُلَّ معسكر ناجكونيجو في خريف سنة ١٩٤٤، أُطلق سراح الشهود الذين لم يكونوا قد أبعدوا الى المانيا. ولكن، بما ان جبهة القتال حالت دون عودتهم الى الموطن، قرروا مزاولة اعمال في المزارع المجاورة حتى تتحسن الحالة. ثم في ١٥ تشرين الاول ١٩٤٤ تولّى السلطةَ نييلاسكِرِستِش پارت (حزب الصليب السهم)، الذي دعمه الحزب النازي الالماني، وشرع مباشرة في استدعاء الشبان للخدمة العسكرية.
وسرعان ما أُلقي القبض على الاخوة من جديد بسبب حيادهم. وأُخذ خمسة من الاخوة الاحداث الموقوفين الى كورمِند، على بعد نحو ستة اميال (١٠ كلم) من الحدود النمساوية، حيث كانت محكمة عسكرية منعقدة في مبنى مدرسة محلية. وكان اول مَن جرت محاكمتهم بِرتالان سابو، الذي حكم عليه بالاعدام رميا بالرصاص. وقبل تنفيذ الاعدام كتب رسالة وداعية مثيرة للمشاعر يمكنكم قراءتها في كتاب شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه، الصفحة ٦٦٢. وفي ما بعد، أُخذ أخَوان آخران يانوش زجوندور وأنتال هونِش، ليمثلا امام المحكمة. وهما ايضا بقيا ثابتَين، وأعدما ايضا.
كان شاندور هِلمِتْسي مسجونا في المكان نفسه. يذكر: «في ساعة معيَّنة من النهار كان يُسمح لنا باستعمال المرحاض في الباحة. وأعادوا تنظيم البرنامج لكي نرى ما كان سيحدث. وأرادوا ان يقولوا بذلك: ‹تعرفون الآن ما سيحدث لكم انتم ايضا.› تلك كانت لحظة محزنة جدا — ان نرى اخوتنا الاحباء يسقطون امواتا. ثم أُعدنا الى زنزاناتنا.
«بعد عشر دقائق دُعينا الى الخروج، وطُلب منا ان نزيل دم اخوتنا. فرأيناهم عن كثب. بقي وجه يانوش زجوندور طبيعيا تماما. ولم يبدُ على وجهه الباسم، الودي، والوديع ايّ اثر للخوف.»
وفي الوقت نفسه، أُعدم شنقًا امام اعين الجميع اخ آخر، لايوش دِلي البالغ من العمر ٢٠ سنة، في ساحة شارڤار، على بعد ٢٥ ميلا (٤٠ كلم) تقريبا من الحدود النمساوية. وفي سنة ١٩٥٤ تذكَّر ضابط سابق، شاهد عيان، ما حدث في ذلك اليوم:
«كان هنالك كثيرون منا، نحن المدنيين والعسكريين على السواء، يهربون غربا. وإذ مررنا بشارڤار رأينا المشنقة منصوبة في الساحة. وكان هنالك حدَثٌ بوجه راضٍ وهادئ تحت المشنقة. وعندما سألتُ احد المشاهدين عما فعله الفتى، أُخبرت انه رفض ان يحمل السلاح او حتى المجرفة. وكان هنالك مجنَّدون عديدون من حزب الصليب السهم في المكان، حاملين رشاشات. وسمع الجميع عندما قال احدهم للحدث: ‹هذه هي فرصتك الاخيرة، احمله وإلا فسنعدمك!› لم يتجاوب الحدث؛ ولم يكن متأثرا البتّة. ثم قال بصوت جازم: ‹يمكنكم ان تتقدموا وتعدموني، ولكنني سأطيع الهي، يهوه، لا مجرد بشر.› وبعدئذ أُعدم.»
بحسب الكتاب السنوي لعام ١٩٤٦، قُتل ١٦ شاهدا ما بين السنة ١٩٤٠ و ١٩٤٥ لاعتراضهم على الخدمة العسكرية بسبب الضمير؛ ومات ٢٦ آخرون نتيجة المعاملة السيئة. وكربِّهم غلبوا العالم بإيمانهم.
-
-
هنڠارياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٦
-
-
[الصور في الصفحة ٩٠]
وليَّان ليهوه حتى الموت: (الاعلى) بِرتالان سابو، على يد فرقة الاعدام؛ (اليمين) لايوش دِلي، شنقا
-