مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • لماذا هي كارثة عصرية؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٢
    • لماذا هي كارثة عصرية؟‏

      ‏«الكينونة نحيفة صارت الشيء الاكثر اهمية في حياتي،‏» اعترفت آن البالغة من العمر ٣٤ سنة.‏ وخوفها من ان تكون ذات وزن زائد ادّى الى نظام غذائي مقيَّد جدا وخسارة ٦٠ پاوندا (‏٣٠ كلغ)‏ في وقت قصير.‏ «لقد صارت جلدا وعظما وبدت كما لو انها خرجت من معسكر اعتقال،‏» قال زوجها.‏

      ثم،‏ بسبب الجوع الشديد،‏ ابتدأت تواظب على الافراط في الاكل.‏ وبعد ذلك،‏ لكي تتجنب اكتساب الوزن،‏ استعملت المليِّنات والتقيؤ العمدي للتخلص من الطعام.‏ ‹كيف يمكن لايّ شخص ان يكتسب مثل هذه العادة التي تبعث على التقزز؟‏› قد تتساءلون.‏

      ‏«الامر اسهل مما تظنون،‏» باحت آن بذلك.‏ «اردت فقط ان اكون نحيفة.‏ هنالك مقدار كبير من الضغط يوضع على النساء لكي يبدون حسنات الهندام.‏ وانهالت عليّ مجلات الازياء،‏ التي تشدد على ‹النحافة،‏ النحافة،‏ النحافة.‏› لذلك صمَّمت ان اكون نحيفة الى حد بعيد وجذابة.‏»‏

      وهكذا وقعت آن في القبضة القاسية لاضطرابات الاكل.‏ وبقيت كذلك طوال عشر سنوات.‏ وكما ذكرت:‏ «لن تتصوَّروا ابدا ان ذلك سيقود الى ما يقود اليه.‏» ولكنّ آن ليست وحيدة.‏ انها بين ما يقدَّر بمليون امرأة اميركية يطوِّرن إما القَهَم العُصابي او النُّهام كل سنة.‏ وقد طوَّر كثيرون من الرجال ايضا اضطرابات الاكل هذه،‏ وكثيرون من الرجال ايضا هم ذوو وزن زائد.‏ ولكن ما هي تماما هذه الاضطرابات؟‏

      الاضطرابات

      القَهَم العُصابي anorexia nervosa يتميَّز بقصور او رفض شديد وطويل الامد للاكل بسبب صراع عاطفي.‏ ولا يكون سببه المرض الجسدي.‏ وتؤدي هذه الحالة الى خسارة مهمة للوزن.‏ ويخاف الشخص —‏ وعادة الشابَّة —‏ كثيرا من الصيرورة بدينا ويشعر بأنه سمين اكثر مما ينبغي حتى عندما يضعف.‏ فينقطع الحيض.‏ وترفض ان تحافظ على وزنها فوق الحد الادنى الطبيعي لعمرها وطولها.‏

      النُّهام bulimia يتميَّز بالافراط المتكرر،‏ اي الاكل غير المضبوط لكميات كبيرة من الطعام في وقت قصير.‏ وبعد ذلك،‏ يحاول المصاب بالنُّهام ان يتخلص من الوحدات الحرارية بالتقيؤ المحرَّض ذاتيا،‏ استعمال المليِّنات او مُدِرّات البول،‏ او التمرين القوي.‏ والاهتمام الدائم للمصاب بالنُّهام هو شكل الجسم ووزنه.‏

      الافراط القسري في الاكل compulsive overeating يتميَّز بالاكل غير المضبوط،‏ يليه شعور بالذنب ومشاعر الخجل في ما يتعلق بالتصرف واكتساب الوزن اللاحق.‏ ويبدو ان الآكل القسري يفرط في الاكل عندما ينزعج او يُثار.‏ وغالبا ما تنتج البدانة،‏ نظرا الى ان المفرطين القسريين في الاكل لا يتخلصون عادة من الطعام.‏

      ولكنَّ مجرد اكتسابكم او خسارتكم وزنا،‏ او كونكم ذوي وزن زائد او نحفاء،‏ لا يشير الى انه لديكم اضطراب في الاكل.‏ فقد تكون هنالك اسباب وراثية او فيزيولوجية.‏ والاضطراب في الاكل يحدث عندما يصير موقف الشخص من الطعام والوزن منحرفا.‏ حينئذ يأكل الشخص —‏ او يرفض ان يأكل —‏ بسبب اضطرابات عاطفية عميقة.‏

      في ازدياد

      تخبر معظم المراجع عن زيادة في اضطرابات الاكل،‏ اذ يدعوها البعض ايضا وباء.‏ وفي مقالة بعنوان «اضطرابات الاكل:‏ المعاني الضمنية لتسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏» اوضح الباحثون ان هذه الاضطرابات «ازدادت تكرارا على نحو مثير منذ ١٩٧٠ وتجري الآن مصادفتها عموما في الممارسة السريرية.‏» وكما يُقال،‏ يموت ٠٠٠‏,١٥٠ سنويا من المضاعفات المقترنة بالقَهَم العُصابي والنُّهام.‏

      لكنّ آن تعافت تماما.‏ لقد كانت موفَّقة.‏ فما يبلغ ٢١ في المئة من اولئك الذين يطوِّرون القَهَم العُصابي يموتون من الاضطراب.‏ والافكار الانتحارية شائعة عند اولئك المصابين بالنُّهام،‏ ويخبر اطباء كثيرون ان ثلث مرضاهم حاولوا الانتحار.‏

      وتؤثر اضطرابات الاكل هذه في فئات من كل الاعمار،‏ العروق،‏ والاجناس وتخترق كل المستويات الاجتماعية.‏ وهذه الكارثة المتزايدة تجتاح الكثير من البلدان المتطورة اقتصاديا.‏ وفي اليابان كان الازدياد كما يُقال «مثيرا» منذ سنة ١٩٨١.‏ والسويد،‏ بريطانيا،‏ هونڠ كونڠ،‏ جنوب افريقيا،‏ اوستراليا،‏ وكندا كانت لديها كلها زيادات.‏

      ولكن لماذا صارت اضطرابات الاكل،‏ على الرغم من انه يُخبر عنها طوال مئات السنين،‏ وباء في القرن العشرين؟‏

      ‏«مزار النحول»‏

      بعد ٤٠ سنة من البحث،‏ توضح الدكتورة هيلد برتش:‏ «انا ميَّالة الى ربط ذلك بالتشديد الهائل الذي يضعه الزي الحديث على النحول.‏ .‏ .‏ .‏ فالمجلات والافلام السينمائية تحمل الرسالة نفسها،‏ لكنَّ التلفزيون هو الاكثر مواظبة،‏ اذ يطبع ذلك في الذهن،‏ على الدوام،‏ انه يمكن للشخص ان يكون محبوبا ومحترما فقط عندما يكون هزيلا.‏»‏

      قبل سنة ١٩٠٠،‏ كان ارتداء الملابس وفق الزي الحديث اهتمام الاثرياء بصورة رئيسية.‏ ولكن بعد الحرب العالمية الاولى (‏١٩١٤-‏١٩١٨)‏،‏ خلق ظهور المخازن ذات الاقسام المتنوعة،‏ مجلات النساء،‏ والتصوير الفوتوغرافي للازياء اهتماما متزايدا بالزي بين اعداد كبيرة من النساء.‏ والازياء الجديدة الانيقة جرى انتاجها جملة بقياسات متعارف عليها.‏ ولكن لارتداء هذه الازياء،‏ لزم ان يكون للمرأة قدّ «ملائم.‏» وهكذا،‏ تصير عيوب القدِّ مصدر خيبة وارتباك للنساء اللواتي لا يمكن ان يكن ملائمات لمثل هذا اللباس الحديث الطراز.‏

      ثم،‏ في سنة ١٩١٨،‏ ربط كتاب النظام الغذائي الاول الاكثر رواجا في اميركا السيطرة على الوزن باحترام الذات.‏ وصار الوزن الزائد عند النساء يُعتبر عيبا في الشخصية وعائقا اجتماعيا.‏ وفي كتابها الفتيات الصائمات،‏ توضح جوان برمبرڠ النتيجة:‏ «في الواقع،‏ بحلول عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ كان المظهر الخارجي اكثر اهمية من الشخصية الداخلية لان الاغراء الجنسي حل محل الروحيات باعتباره ‹الزينة المشرقة› للمرأة.‏ .‏ .‏ .‏ وغرست كثيرات في انفسهن الفكرة ان قياس وشكل الجسم هما مقياسان لقيمة الذات.‏»‏

      وهكذا تطوَّر هاجس النظام الغذائي والجمال الجسدي.‏ واليوم،‏ ما يقدَّر بـ‍ ٥٠ في المئة من النساء في الولايات المتحدة يتبعن نظاما غذائيا خاصا في ايّ وقت معيَّن،‏ ومعظمهن من اجل المظهر!‏ وسأل استفتاء اجرته مجلة ڠلامور ٠٠٠‏,٣٣ امرأة:‏ «ايّ امر يجعلكن اكثر سعادة؟‏» اثنتان وأربعون في المئة أجَبْن،‏ «خسارة الوزن.‏» وكان ذلك تقريبا ضعف عدد ايّ من الاختيارات الاخرى التي قدَّمها الاستفتاء،‏ مثل «النجاح في العمل.‏»‏

      واذ ندخل في تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ تصير النحافة رمزا للقوة،‏ الانجاز،‏ الجاذبية.‏ «اذ تقدَّم عبادتنا المشتركة الطويلة العهد والمتطرفة عند مزار النحول،‏ ليس مدهشا ان الكثير جدا من الشابات المعاصرات يجعلن النظام الغذائي بند ايمان،‏» توضح برمبرڠ.‏ واحدى النتائج الظاهرة؟‏ وباء من اضطرابات الاكل.‏

      على الرغم من الضغط الاجتماعي ليكنّ نحيفات،‏ لا تطوِّر كل النساء اضطرابات الاكل.‏ اذًا،‏ مَن يتأثَّرن بسرعة على نحو خصوصي؟‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٣]‏

      مخاطر صحية من اضطرابات الاكل

      القَهَم العُصابي

      اضطرابات دموية،‏ ضغط دم منخفض على نحو غير سوي،‏ نعاس او ضعف غير سوي،‏ دقة قلب غير منتظمة،‏ قصور قلب مفاجئ،‏ بشرة ضاربة الى الصفرة،‏ اضطرابات هرمونية،‏ انقطاع الحيض،‏ خسارة الكتلة العظمية.‏

      النُّهام

      حيض غير منتظم،‏ ضعف عضلي ومَعَص cramping،‏ تجفاف،‏ دَوار،‏ تأكُّل ميناء الاسنان والتجوُّف،‏ عدم تحمل البرد،‏ تعب،‏ مشاكل هضمية،‏ دقة قلب غير منتظمة يمكن ان تقود الى نوبة قلبية مفاجئة،‏ تمزق ونزف في المَرِيء،‏ ألم بطني.‏

      الافراط القسري في الاكل

      ارتفاع ضغط الدم المتعلق بالوزن وتعب،‏ بدانة خطيرة (‏تزيد خطر داء السكري)‏،‏ مرض القلب الاكليلي،‏ سرطان،‏ اضطرابات هرمونية،‏ وحصيات صفراوية.‏

  • مَن يطوِّرون اضطرابات الاكل؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٢
    • مَن يطوِّرون اضطرابات الاكل؟‏

      فيما يكون الاهتمام المعقول للمرء بمظهره طبيعيا،‏ قد يتطوَّر الاضطراب في الاكل اذا صارت هيئة المرء هاجسا.‏ والمقابلة التالية توضح القضية.‏

      استيقظ!‏:‏ هل كنت ذات وزن زائد يا آن عندما ابتدأت مشاكلك؟‏

      آن:‏ لا،‏ لكنني كنت ابدأ بالمواعدة،‏ وأردت ان ابدو حسنة المظهر.‏

      استيقظ!‏:‏ هل اعتمد احترامك للذات على الطريقة التي تبدين بها؟‏

      آن:‏ انا متأكدة انه اعتمد على ذلك.‏ فعندما كان الناس ينظرون اليَّ،‏ كنت اسأل نفسي دائما،‏ ‹ماذا يفكرون؟‏› وكان ذهني يستمر في القول،‏ ‹يجب ان يكون لديك الشكل الملائم لتكوني جذابة.‏›‏

      استيقظ!‏:‏ اذًا عندما كنت تشعرين بأنك تبدين حسنة المظهر،‏ هل كنت تشعرين بأنك راضية عن نفسك؟‏

      آن:‏ حتما!‏ اذا اكتسبت وزنا،‏ كنت اكره نفسي.‏ وعندما كنت انظر الى المرآة،‏ لم اكن افكر في الصفات الداخلية.‏

      لا احد يعرف لماذا يطوِّر بعض الاشخاص اضطرابا في الاكل فيما لا يطوِّره آخرون في حالة مماثلة.‏ الثقافة،‏ الوراثيات،‏ الصحة او الامور الكيميائية-‏الحيوية غير السوية،‏ والبيئة العائلية كلها لها تأثير على نحو واضح.‏ ومع ذلك،‏ هنالك سمات معيَّنة للشخصية تبدو مميِّزة لمعظم المتألمين.‏

      الكفاح للصيرورة كاملا

      كمجموعة،‏ يميل معظم الذين لديهم اضطرابات في الاكل الى الصيرورة اصحاب انجاز على نحو رفيع محبين للكمال يتفوقون في المدرسة او في العمل.‏ وبعد معالجة اكثر من ١٣٠ مريضا مصابا بالقَهَم،‏ تصف الدكتورة هيلد برتش،‏ في كتابها القفص الذهبي،‏ المشاعر النموذجية لمثل هؤلاء الاشخاص:‏ «لديكم خوف عظيم واحد اي ذاك الذي للكينونة رديئا بعض الشيء،‏ او متوسطا،‏ او عاديا —‏ غير بارع الى الحد الكافي.‏ .‏ .‏ .‏ تعتقدون انكم ذوو شأن فقط اذا فعلتم امرا خصوصيا جدا،‏ امرا عظيما جدا وباهرا بحيث يتأثر والداكم والاشخاص الآخرون الذين يهمكم امرهم ويعجبون بكم لانكم مميَّزون الى حد بعيد.‏»‏

      اعترفت لي،‏ التي طوَّرت القَهَم:‏ «كنت احاول ان افعل الامر الفائق،‏ محاولةً ان اكون الافضل في كل شيء افعله.‏» وهذا الكفاح للصيرورة كاملا غالبا ما تظهره الرغبة الحارة في ارضاء الآخرين،‏ الصيرورة ‹الفتاة الصغيرة الافضل في العالم كله.‏›‏

      ان الطريقة التي بها تعي المرأة دورها في المجتمع يمكن ايضا ان تجعلها سريعة التأثر على نحو خصوصي.‏ وعلى الرغم من ان الرجال يطوِّرون اضطرابات الاكل،‏ فإن الذين يتأثرون هم النساء غالبا.‏ ويوضح كتاب النجاة من اضطراب في الاكل:‏ «ان الفتيات اللواتي يُصَبن باضطرابات الاكل غالبا ما يكبرن معتقِدات انهنّ لا يجب ان يكنّ متطلبات كثيرا من الآخرين.‏ الفتاة الجيدة هي الفتاة الهادئة،‏ المستتِرة التي تتعلَّم ان لا تُظهر ما يضايقها.‏» ولكنّ تربية كهذه تجعل البعض يشعرن بأنهنّ لا يملكن السيطرة على حياتهن.‏

      وبالنسبة الى بعض النساء،‏ فإن محاولة ارضاء الآخرين دائما فيما يقمعن في الوقت نفسه رغبتهن في تولّي امر حياتهن تخلق صراعا داخليا يمكن ان يؤدي الى اضطراب في الاكل.‏ وتوضح دون التي شفيت الآن من الافراط القسري في الاكل والنُّهام:‏ «توقعتْ عائلتي ان افعل كل شيء بطريقتهم،‏ ان اكون ما يريدون مني ان اكون.‏ وفيما بدوت في الخارج آمنة جدا وذكية جدا،‏ لم اكن في الداخل على هذا النحو مطلقا.‏ لم اشعر قط بأنه يمكنني ان احيا وفق توقعاتهم.‏ لم اتمكن من ارضاء احد —‏ اصدقائي او والديَّ.‏ عندئذ ادركت انه يمكنني ان اسيطر على الوزن!‏ يمكنني ان اكتسبه،‏ يمكنني ان اخسره،‏ يمكنني ان افعل به ما اريد.‏ وأعطاني ذلك احساسا بالسيطرة على حياتي.‏ فاذا كان يمكنني ان اسيطر على ذلك،‏ يمكنني ان اسيطر على كل شيء.‏»‏

      مشاعر عدم الكفاءة

      عدم امن دون هو نموذجي لعدم الثقة بالذات لدى كثيرين من المصابين باضطرابات الاكل.‏ فعلى الرغم من امتلاك المواهب،‏ لدى الاكثرية نقص اساسي في الجدارة باحترام الذات.‏ وأحيانا قد يكون الافراط في الاكل اشارة الى انخفاض احترام الذات.‏ فالشخص يقول في الواقع:‏ ‹انني غير جدير بشيء.‏ فلماذا يجب ان اعتني بنفسي او بوزني؟‏› ان مشاعر كهذه تنتج الكآ‌بة،‏ التي تصيب تقريبا كل الذين يعانون اضطرابات الاكل.‏

      وماذا يسبب روح عدم الجدارة هذه؟‏ يجيب الكتاب المقدس:‏ «بحزن القلب تنسحق الروح.‏» (‏امثال ١٥:‏١٣‏)‏ وثمة امور متنوعة يمكن ان تسبب الألم الداخلي —‏ خيبات الامل المُرَّة،‏ النبذ،‏ البيئة حيث يجري تجاهل حاجات المرء العاطفية،‏ او اختبارات الطفولة المؤلمة،‏ هذا اذا ذكرنا القليل.‏ ويكشف البحث ان عددا مدهشا من المرضى المصابين باضطرابات الاكل أُسيئ اليه جنسيا،‏ واغتُصب ايضا.‏

      ولكن قد يتطوَّر ايضا انخفاض احترام الذات بسبب مواقف الآخرين.‏ «منذ الزمن الابعد الذي استطيع ذكره،‏ كنت سمينة جدا وكانت امي دائما تضرب على هذا الوتر،‏» اوضحت احدى الشابات.‏ «كان يجري فعل كل شيء لجعلي انحف؛‏ كان ذلك الامر المهم الوحيد.‏ لهذا السبب اكره نفسي وجسمي.‏» والجو الاجتماعي للوقت الحاضر،‏ الذي يُثني جدا على الهزال،‏ يساهم في كره الذات لدى بعض الذين هم بوزن زائد.‏

      وفي حالات اخرى ينزع الاضطراب في الاكل نفسه احترام المرء للذات.‏ اعترفت لِن،‏ التي كانت تتقيأ ما يبلغ عشر مرات في اليوم:‏ «كنت انظر الى وجهي في المرآة بعد ان اتخلص من الطعام وأقول،‏ ‹انني اكرهك،‏› ثم ابكي.‏ وكنت اشعر بعدم الجدارة.‏»‏

      في قرارة نفسهم،‏ يكون معظم الاشخاص المصابين باضطرابات في الاكل مقتنعين بوجود نقص في شخصيتهم الاساسية.‏ ولذلك تكون كل جهودهم موجَّهة نحو اخفاء العيب الذي لا يقاوَم لعدم كفاءتهم الاساسية وايجاد طرائق لبناء احترامهم للذات.‏ واولئك الذين يصابون بالقَهَم يحاولون فعل ذلك بطريقة فريدة.‏ وجهدهم لايجاد الجدارة باحترام الذات هو ما يجعل القَهَم مخاتلا جدا —‏ ومميتا.‏

      عندما رفض لي رجل احبته،‏ انحط احترام لي للذات.‏ «اردت ان ابرهن انه خسر شيئا جيدا،‏» قالت.‏ «لذلك صمَّمتُ ان اكون نحيفة وأنيقة الى حد بعيد.‏» ولكي تنقص وزنها،‏ توقَّفتْ عن الاكل وصارت مشغولة كثيرا.‏ «بدأتُ اشعر بالرضى على نفسي.‏ شعرت بأنني مميَّزة حقا لانني تمكنت من فعل امر لا يتمكن الآخرون من فعله.‏ واعتقدت،‏ ‹انني شخص قوي.‏›»‏

      هبط وزن لي من ١٦٠ پاوندا (‏٧٣ كلغ)‏ الى الوزن المقلق ١٠٣ (‏٤٧ كلغ)‏.‏ واذ عبَّرت عن تفكيرها في اولئك الذين حاولوا ان يجعلوها تأكل،‏ قالت:‏ «اعتقدت ان كل هؤلاء الاشخاص يحاولون تدمير حياتي وسعادتي بسلبي كل احترامي للذات.‏ واعتقدت انه سينتهي بي الامر الى الصيرورة ككل شخص آخر.‏» وموقف لي هذا هو نموذجي للمصابين بالقَهَم،‏ الذين يحاولون نيل الجدارة باحترام الذات بكبت رغباتهم وفعل ما لا يستطيع الآخرون ان يفعلوه.‏

      اذا جرى استغلال عواطف فتاة،‏ فإن جهودها لحماية احترامها الهش للذات من اساءة اضافية قد تقود ايضا الى القَهَم.‏ مثلا،‏ انزعجت شيرلي من الطريقة التي عاملها بها الصبيان بسبب حسن شكلها المتطوِّر حديثا.‏ ثم قدَّم لها والدها عروضا غير لائقة.‏ «كنت مرتبكة ومشمئزة جدا حتى انني ذهبت الى امي وبكيت،‏» قالت شيرلي.‏ «بعد ان خسرت الوزن وتخلَّصت من ملامح جسمي المستديرة،‏ لم يضايقني احد.‏ وتحررت من مجاملة الجنس الآخر.‏»‏

      وفي بعض الحالات يكون القَهَم هروبا من واجبات سن البلوغ.‏ «لم ارد ان اكبر وأواجه المسؤوليات العائلية،‏» علَّقت شيرلي.‏ «كيف يمكن ان ادع نفسي اكسب وزنا يوما ما؟‏ لا،‏ ابدا!‏ ليس من اجل ايّ شخص!‏» ومن المحزن ان هاجسها بشأن ايقاف الزمن ادّى الى موت مؤلم بسبب الجوع العمدي.‏

      لا تنطبق هذه الاوصاف على كل المصابين بالقَهَم.‏ ولكن،‏ يبدو انهم جميعا ينالون شعورا بالقوة اذ يجعلون من انفسهم شخصا يمكن ان يُعجبوا به.‏ وبهذه الوسيلة ينالون احتراما قليلا للذات.‏ وتصير النحافة افتخارهم وفرحهم.‏

      معالجة العواطف المؤلمة

      بما ان الطعام يُسكِّن ويُهدِّئ،‏ يمكن ان يُساء استعماله للتغلب على مشاعر الوحدة،‏ القلق،‏ الضجر،‏ الغضب،‏ الكآ‌بة،‏ النبذ،‏ او الخيانة.‏ «عندما كنت في المدرسة،‏ كنت ضحية اختبار قاس كان مؤلما اكثر من ان اتحدث عنه،‏» اوضحت دون.‏ «كلما فكرت في هذه الحادثة،‏ او كان هنالك وضع لا استطيع ان اواجهه،‏ كنت اواظب على الافراط في الاكل.‏ لقد حاولت خنق هذه المشاعر بالطعام.‏» فالطعام خدَّر ألمها العاطفي.‏ ولكنّ افراطها القسري في الاكل ادّى الى اكتساب وزن يبلغ ١٠٠ پاوند (‏٤٥ كلغ)‏.‏

      وأحيانا يصير الاضطراب في الاكل فرارا من ضغوط الحياة.‏ مثلا،‏ نشأت آنّا في بيت ذي أب يدمن الكحول وكانت تجري اغاظتها باستمرار بشأن وزنها.‏ فأوضحت لماذا صارت مصابة بالنُّهام:‏ «كانت تلك طريقتي في التعامل مع الضغط اليومي،‏ وقد نجح ذلك لانه عندما تنتابكم الهواجس بشأن شيء ما،‏ لا يجب ان تفكروا في مشاكلكم الحقيقية.‏ تلومون كل شيء على كونكم اكثر وزنا وتقولون لنفسكم انه عندما تفقدون الوزن،‏ ستكون الحياة رائعة.‏»‏

      فيما قد نأكل جميعنا اكثر قليلا اذا كنا منزعجين او متوحدين،‏ فان الشخص المعرَّض لخطر تطوير الاضطراب في الاكل لا يستعمل الوسائل الطبيعية لمعالجة الاضطراب الداخلي.‏ مثلا،‏ قد يشعر الفرد بعداء ضمني نحو شخص او حالة ما لكنه يأكل ليسكِّن عداءه بدلا من التعبير عن استياء كهذا.‏

      دور النظام الغذائي

      ان تبنّي نظام غذائي صارم،‏ بحسب البحث،‏ هو السبب الاكثر شيوعا الذي يقدِّمه الناس للافراط في الاكل.‏ كشفت دراسة لسنة ١٩٨٩ عن اسباب البدانة:‏ «ان نشاط النظام الغذائي استجابة للاهتمامات بالوزن يبدو،‏ على نحو معاكس،‏ ان له علاقة بازدياد الوزن المتزايد.‏» ولكن لماذا؟‏

      عندما يحاول الناس اتِّباع نظام غذائي دقيق،‏ ينقطعون عادة عن الحلويات والاطعمة الاخرى ذات المذاق الطيِّب.‏ فتصير هذه الاطعمة «الممنوعة» اغراء مستمرا.‏ ثم،‏ عندما ينزعجون،‏ يقلقون،‏ او يكونون متوحدين،‏ يشعرون بالشفقة على انفسهم.‏ ولتحسين مزاجهم يلتهمون الاطعمة عينها التي حرموا انفسهم منها.‏ وبعد ذلك يتبع نظام غذائي اكثر تشدُّدا ايضا،‏ مما يؤدي الى النتيجة نفسها —‏ الافراط في الاكل.‏ وتؤدي هذه الحلقة المفرغة الى اكتساب الوزن والى اضطرابات الاكل.‏ وأوضحت لي كيف خلق النظام الغذائي البيئة لاصابتها بالقَهَم:‏ «لقد جربت كل انواع الانظمة الغذائية.‏ كنت اخسر الوزن،‏ ثم اعود واكتسبه.‏ هذه المرة اردت ان اتجنب ذلك.‏»‏

      في حين ان معرفة اسباب الاضطراب في الاكل ليست الجواب التام للتغلب عليه،‏ فان معرفة كهذه يمكن ان تساعد المرء على التحرر منه.‏ ويمكن ان تساعد ايضا على منع المشاكل من ان تبتدئ.‏ ولكن ماذا اذا ادركتم بعض صفات الشخصية هذه في نفسكم،‏ عائلتكم،‏ او صديق؟‏ كيف يمكن التغلب على مثل هذه الصفات؟‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      اهتمام المرء الشديد بمظهره الجسدي يمكن ان يؤدي الى اضطراب في الاكل

      ‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

      البعض يفرطون في الاكل ليعالجوا العواطف المؤلمة

  • ربح المعركة!‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٢
    • ربح المعركة!‏

      عندما تلتقون للمرة الاولى لي،‏ شابة فصيحة،‏ ودية،‏ وذات وزن زائد قليلا،‏ من الصعب ان تصدقوا انها قبل خمس سنوات كادت تموت من القَهَم.‏ ولكن عندما تبدأون بالتكلم معها،‏ تتأثرون بعمق بالتغييرات العقلية التي اضطرت الى صنعها —‏ والبعض صعب جدا —‏ لكي تهزم هذا الاضطراب المميت في الاكل.‏ «لم يكن ذلك مجرد معركة مع الطعام،‏» توضح.‏

      بما ان اضطرابات الاكل هي نتيجة المشاكل العاطفية الضمنية،‏ فان المعركة للتغلب عليها تجري في العقل.‏ ومحاولة تطوير مجموعة مختلفة من القيم هي احدى الخطوات الاولية للشفاء.‏ فلدينا جميعا قيم ثابتة معيَّنة،‏ امور نعتبرها مهمة.‏ وهذه تشكِّل وجهة نظرنا من انفسنا وتوجِّه تجاوبنا مع المشاكل الضاغطة.‏ ويجب على اولئك المصابين باضطرابات الاكل ان يغيِّروا قيمهم،‏ الامر الذي يعني تطوير موقف عقلي مختلف.‏

      ‏«تغيَّروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم،‏» يحثّ الكتاب المقدس،‏ «لتختبروا ما هي ارادة اللّٰه الصالحة المرضيَّة الكاملة.‏» (‏رومية ١٢:‏٢‏)‏ اجل،‏ لا بد ان يتكيَّف موقف المرء بنظرة اللّٰه الى ما هو مَرضيّ.‏ فصانعنا يعرفنا بعمق.‏ وهو على يقين مما سيجلب لنا السعادة الدائمة.‏ فماذا يعتبره مهما؟‏

      ركِّزوا على الجمال الحقيقي

      يقدِّر اللّٰه ما نحن عليه داخليا.‏ و «انسان القلب الخفي،‏» عند تزيينه بالروح الوديع الهادئ،‏ يصير «قدام اللّٰه كثير الثمن.‏» (‏١ بطرس ٣:‏٤‏)‏ ومع ذلك،‏ نحن نعيش في عالم يجري فيه تقييم النساء عموما وفق مظهرهن.‏ ولكن الى ايّ حد غير حكيم هو تبنّي هذا المقياس نفسه،‏ لانه ماذا اذا تغيَّرت طريقة التفكير العصرية بأن النحافة انيقة للغاية؟‏ فقبل مئة سنة في الولايات المتحدة،‏ كان امتلاء الجسم اناقة.‏ وفي سنة ١٨٩٠ حثّ احد الاعلانات:‏ «باحترام قولوا للسيدات ان يصرن ممتلئات الجسم .‏ .‏ .‏ بأطعمة ‹Fat-Ten-U› التي هي ضمانة لجعل النحيفة ممتلئة الجسم ووسيمة.‏»‏

      ‏«كنت اقيس الآخرين دائما بمظهرهم الجسدي،‏» اعترفت لي،‏ التي صنعت بعد ذلك بعض التغييرات في موقفها.‏ «أما الآن فتعلَّمت ان اقدِّر الصفات المسيحية في الآخرين وفي نفسي.‏ وأحاول الآن ان اطوِّر صفات مستحبة.‏ وأدرك الى ايّ حد سطحي هو الحكم على نفسي والآخرين بحسب المظهر الجسدي.‏»‏

      ان المحافظة على موقف صائب من المظهر ليست سهلة.‏ وقد نحتاج الى تجنُّب المعاشرة المستمرة لاولئك الذين لديهم هاجس وزنهم او الذين يضربون على وتر المظهر الجسدي.‏ «انه كفاح مستمر ان يحارب المرء ضغوط المجتمع ويحافظ على موقف صائب،‏» تعترف لِن،‏ التي شفيت بنجاح من النُّهام.‏ «لم املك الموقف الصائب آليا،‏ ولكنني اضطررت الى جعل نفسي افكر بالطريقة الصائبة.‏» وهذا التغيير في التفكير يؤثر ايضا في نوع الامور التي نبني عليها احترامنا للذات.‏

      انبذوا «المجد الفارغ»‏

      معظم الناس المصابين باضطرابات الاكل يبنون جدارتهم باحترام الذات باجتهادهم من اجل الكمال او بسيطرتهم تماما على جوعهم.‏ والثناء المركَّز على الذات الذي يجدونه لانفسهم هو في الحقيقة تافه او فارغ.‏ فكلمة اللّٰه تأمرنا ان لا نفعل شيئا ‹بعجب،‏ بل بتواضع ان نحسب الآخرين افضل.‏› (‏فيلبي ٢:‏٣‏)‏ والكلمة اليونانية الاصلية التي تقابل «عجب» تعني حرفيا «المجد الفارغ،‏» او الثناء الذي هو اجوف.‏ لذلك فإن الذين يفعلون الامور بعجب يحاولون جذب الانتباه الى انفسهم لاسباب خالية من اية قيمة اصيلة او دائمة.‏ ويتفاخرون بأمور فارغة.‏

      على سبيل المثال،‏ قالت لي:‏ «شعرت بأنني مميَّزة لانه لم يستطع احد ان يجعلني آكل.‏» ومع ذلك اعترفت:‏ «اعتقدت انني اذا صرت انحف سأشعر على نحو افضل بشأن نفسي.‏ ولكن عندما كنت ازيل المزيد من الوزن،‏ كنت استمر في الشعور بالانزعاج بشأن نفسي.‏»‏

      ثم كشفت لي عن نقطة تحوُّل رئيسية في شفائها.‏ «ادركت،‏» قالت،‏ «انني بالنسبة الى اللّٰه كقطرة متناهية الصغر في دلو،‏ فلماذا يلزم ان اكون الاعظم؟‏ لا يلزم المرء ان يكون الافضل.‏ وحسن اذا كان الآخرون افضل منكم في امور معيَّنة.‏»‏

      اجل،‏ تعلَّمت لي ان ‹تحسب الآخرين افضل.‏› فعلا،‏ لدى الآخرين قدرات ومواهب معيَّنة افضل من تلك التي لنا،‏ تماما كما قد نتفوَّق في امور معيَّنة.‏ ولكن لا يعني ذلك ان الآخرين من حيث الجوهر ذوو قيمة اعظم منا او اننا ذوو قيمة اعظم منهم.‏

      بما ان اولئك المصابين باضطرابات الاكل يرغبون بحماسة في الشعور بالرضى عن انفسهم،‏ فلا بد انهم يركِّزون على ما يجلب احترام الذات الحقيقي.‏ «بدلا من الاتكال على مظهري من اجل الثناء،‏» باحت مليسا،‏ التي شفيت من الاصابة بالنُّهام،‏ «وجدت ان قبول قيم اللّٰه واحترام نظرته يعطيانني احساسا اعظم بالجدارة باحترام الذات.‏» اجل،‏ كما يقول الكتاب المقدس:‏ «الحسن غش والجمال باطل.‏ أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح [مدحا اصيلا،‏ لا فارغا].‏» —‏ امثال ٣١:‏٣٠‏.‏

      الصداقة مع اللّٰه

      ان ‹خوف الرب› اللائق ليس خشية مَرَضية من عقوبة إلهية ولكنه خوف من عدم ارضاء اللّٰه لانه صار صديقنا.‏ «طوبى للرجل المتَّقي الرب المسرور جدا بوصاياه،‏» يذكر المزمور ١١٢:‏١‏.‏ وكصديق للّٰه،‏ يمكن للمرء ان يجد المتعة في اطاعة شرائعه.‏ ويمنح ذلك دافعا قويا.‏ ولكن كيف ينظر اللّٰه الى قضية اضطرابات الاكل؟‏

      تأمرنا كلمة اللّٰه ان نحترم اجسادنا،‏ العطية الثمينة من اللّٰه.‏ (‏رومية ١٢:‏١‏)‏ وأدرج الرسول بولس ‹كل نجاسة وطمع› بصفتهما امرين لا يرضيان اللّٰه،‏ قائلا ان هنالك ‹امورا تحدث سرا من غير المؤمنين اقبح من ان تُذكر.‏› وبين هذه الامور كانت على الارجح عادة بعض الرومان المشتركين في مأدبة ان يريحوا انفسهم بالتقيؤ خلال الوليمة ثم ان يعودوا الى متابعة الاكل بشَرَه.‏ (‏افسس ٥:‏٣،‏ ٥،‏ ١٢‏)‏ كتب الرسول:‏ «لا يتسلط عليَّ شيء.‏» (‏١ كورنثوس ٦:‏١٢‏)‏ وهكذا،‏ لكي نتمتع برضى اللّٰه،‏ لا يمكننا ان ندع الطعام والنظام الغذائي يسيطران على حياتنا.‏

      بما ان هنالك انواعا عديدة من اضطرابات الاكل ودرجات مختلفة من التورط،‏ فإن خطورة مسلك المرء قد تتنوَّع في نظر اللّٰه.‏ ولكنَّ الرغبة في صيرورة المرء صديقا للّٰه ستدفعه الى التغلب على اضطرابات الاكل.‏ «الامر الاهم في شفائي،‏» قالت آن،‏ «كان الادراك انه لا يمكنني ان امارس هذه العادة وأرضي اللّٰه.‏» ولكن ماذا اذا كان هنالك بعض الانتكاسات في المقاومة؟‏

      ‏«ان الشعور بالذنب الذي يحدث بسبب النُّهام لا يمكن وصفه،‏» اعترفت مليسا.‏ «الليالي والايام التي لم يكن فيها احد معي،‏ كنت ابكي وأبكي،‏ متوسلة الى اللّٰه من اجل مساعدته ومغفرته.‏» وما اعظم تعزية المعرفة ان اللّٰه «يُكثر الغفران» ويُظهر ‹الرحمة .‏ .‏ .‏ لخائفيه.‏› (‏اشعياء ٥٥:‏٧؛‏ مزمور ١٠٣:‏١٣‏)‏ وحتى ان لامتنا قلوبنا،‏ «فاللّٰه اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء.‏» (‏١ يوحنا ٣:‏٢٠‏)‏ فهو يرى اكثر من ضعفاتنا.‏ ويعرف عمقَ الجهد الذي نبذله للتحرر والتقدمَ الذي نحرزه.‏

      لا تملّوا ابدا من الالتفات جدّيا الى اللّٰه،‏ طالبين مغفرته مهما كان عدد المرات التي تضطرون فيها الى الاقتراب اليه بشأن الضعف نفسه.‏ واذا كنتم مخلصين،‏ يعطيكم ضميرا طاهرا بسبب لطفه غير المستحق.‏ (‏رومية ٧:‏٢١-‏٢٥‏)‏ «خلال ذلك كله،‏» اكَّدت مليسا،‏ «كان اللّٰه صديقا حقيقيا وجديرا بالثقة سمع صلواتي.‏» فعدم الاستسلام هو المفتاح لربح المعركة!‏

      معالجة العواطف المؤلمة

      لربح المعركة،‏ يجب ان يتعلم المرء معالجة المشاعر السلبية عوض اللجوء الى الطعام كمهدِّئ.‏ وغالبا ما يتطلب الحصول على الراحة اخبار شخص ما عن مشاعر كهذه.‏ مثلا،‏ ان اغاظة والدها لها بشأن وزنها ادّت الى اصابة ماري بالنُّهام.‏ «كان ذلك حقا خطإي لانني لم اخبر احدا كم كنت اشعر بالانزعاج بشأن اغاظته اياي،‏» اوضحت ماري.‏ «كنت اذهب فقط الى غرفتي وأبكي.‏»‏

      ولكنّ التعبير عن مشاعر كهذه ليس سهلا على شخص لديه هاجس بشأن ارضاء الآخرين.‏ ومع ذلك،‏ يذكر الكتاب النُّهام:‏ طرائق تقترب من العلاج‏:‏ «ان ادراك مشاعر الغضب وتعلُّم التعبير عنها بأسلوب آمن وملائم هما مسألتان رئيسيتان في الشفاء من النُّهام.‏» وكم تكون ملائمة نصيحة الكتاب المقدس:‏ «اغضبوا ولا تخطئوا.‏ لا تغرب الشمس على غيظكم»!‏ (‏افسس ٤:‏٢٦‏)‏ فعندما يجري اغضابكم او الضغط عليكم لتقولوا نعم في حين انكم تشعرون حقا بالرغبة في القول لا،‏ اسألوا نفسكم:‏ ‹كيف يمكنني ان اكون صادقا وصريحا دون ان اكون لاذعا؟‏›‏

      تذكَّروا ايضا ان الكتاب المقدس لا يصف دور المرأة بأنه مجرد ارضاء للناس.‏ فالنساء الامينات للّٰه،‏ فيما كنّ مذعنات لازواجهن،‏ كنّ احيانا يعبِّرن بلياقة عن مشاعرهن.‏ وكنّ يعربن عن روح المبادرة ويخترن المجازفات التي لا تكون سهلة دائما.‏ (‏امثال ٣١:‏١٦-‏١٨،‏ ٢٩‏)‏ وطبعا،‏ هنالك خطر الفشل عند اتِّباع مسعى غير مألوف.‏ والمصابات باضطرابات الاكل غالبا ما يخفن من ارتكاب الاخطاء والظهور غبيات.‏ ولكنّ كل شخص يرتكب الاخطاء!‏ «الصِّدِّيق يسقط سبع مرات ويقوم،‏» تقول الامثال ٢٤:‏١٦‏.‏ وتعلُّم الاستفادة من الخطإ والفشل ضروري من اجل الشفاء ومن اجل الوقاية.‏

      وأحيانا،‏ تشمل العواطف المؤلمة ما حدث في الماضي.‏ ففيما ربما لا تزال تؤلمكم ذكريات هذه الاختبارات،‏ اجتهدوا ان ‹تتعقَّلوا مراحم الرب.‏› (‏مزمور ١٠٧:‏٤٣‏)‏ وبالتأكيد،‏ كانت هنالك اوقات جيدة تمكنتم فيها من رؤية الدليل على صلاح اللّٰه ومحبته.‏ فحاولوا التركيز على هذه الامور.‏ وحتى اذا صرتم ضحية على نحو رهيب،‏ فلا يعني ذلك انكم مستحقون مثل هذه المعاملة السيئة،‏ ولا يحدِّد ذلك قيمتكم كشخص.‏

      نالوا المساعدة!‏

      ان الشخص الذي يحاول التغلب على الاضطراب في الاكل يحتاج الى الوثوق بمن يمكنه او يمكنها الاعتماد عليه.‏ لا تحاولوا ان تتصدَّوا له وحدكم.‏ توضح لِن ما كان نقطة التحوُّل الرئيسية في شفائها:‏ «في احدى الليالي احضرت امي الى غرفتي.‏ وبعد البكاء لمدة عشر دقائق،‏ قلت اخيرا دون تفكير انني مصابة بالنُّهام.‏» وتضيف:‏ «لقد كان والداي متفهمين جدا.‏ فساعدتني امي لأتصف بالصبر ولا اتوقع الشفاء بين عشية وضحاها.‏ وقدَّم ابي اقتراحات عملية وصلّى معي.‏ فلو لم اكشف عن ذلك لخسرت كل هذه المساعدة.‏»‏a

      ان حيازة دعم الآخرين هي ما يكون ضروريا في الاغلب من اجل الشفاء التام.‏ فتجنَّبوا عزل نفسكم،‏ وخصوصا عندما تشعرون بأنكم معرَّضون لذلك.‏ (‏امثال ١٨:‏١‏)‏ وعندما تنزعج،‏ لم تعد لِن تكتم ذلك في داخلها.‏ وتقول عن شفائها:‏ «كنا نذهب امي وأنا في نزهة سيرا على الاقدام ونتكلم عن المشكلة المزعجة.‏ وعوضا عن العودة الى النَّهَم،‏ كنت اقوم بشيء ما،‏ كالاتصال بصديق،‏ بدلا من عزل نفسي.‏»‏

      وداخل جماعات شهود يهوه هنالك اشخاص كانوا مساعدين لبعض الذين يحاولون التحرر من الاضطراب في الاكل.‏ «لم يعد بامكاني ان اساعد نفسي،‏» اعترفت آن،‏ التي وصلت الى ادنى مرحلة في مقاومتها للنُّهام.‏ «لذلك سكبت قلبي،‏ اذ كشفت المشكلة التي كتمتها طوال عشر سنوات.‏» وكان الاصدقاء المسيحيون مؤيدين جدا.‏ «كبريائي منعتني من طلب المساعدة،‏ وكادت تكلفني حياتي.‏ كانت الراحة تفوق الكلمات.‏ وبمساعدة اصدقائي،‏ احرزت شفاء تاما.‏»‏

      في بعض الحالات تكون المساعدة لازمة من المحترفين الذين يتخصصون في معالجة اضطرابات الاكل.‏ وعادة،‏ يكون التقييم الطبي الخطوة الاولى.‏ والمساعدة المتوافرة قد تشمل انواعا عديدة من المعالجة التحدثية،‏ المشورة الغذائية،‏ وربما استخدام المداواة.‏ وفي الحالات القصوى قد يكون دخول المستشفى مطلوبا.‏ والطبيب او المستشفى يعرف على الارجح مثل هؤلاء الاختصاصيين في مجتمعكم.‏

      التعقُّل والرجاء

      ‏«اكَّد لي الطبيب انه اذا اكلت وجبات طعام متَّزنة،‏ فسيعود تفاعلي الحيوي الى حالته الطبيعية،‏ ولن اصير سمينة،‏» اوضحت لِن.‏ «وهذا تماما ما حدث.‏» فما احكم نصح الكتاب المقدس:‏ «ليكن (‏تعقُّلكم)‏ معروفا عند جميع الناس.‏» —‏ فيلبي ٤:‏٥‏.‏

      ان النجاح في خسارة الوزن الزائد يمكن تحقيقه بأن يخفض المرء على نحو ثابت كمية المواد الدهنية والاطعمة المكرَّرة،‏ كالسكر والدقيق الابيض،‏ ويزيد الكمية المأخوذة من الفواكه،‏ الخُضَر،‏ والحبوب الكاملة.‏ والتمرين المعتدل ضروري ايضا.‏b ولكن بسبب الوراثيات،‏ العمر،‏ وعوامل اخرى يكون بعض الاشخاص اثقل مما قد يكون مطابقا للزي الحديث.‏

      ليسا،‏ التي انتصرت في معركة طويلة مع النظام الغذائي والنُّهام،‏ وصلت الى استنتاج سليم:‏ «لا اشعر بأن النصر هو في خسارة الوزن.‏ اعتقد ان النصر هو في تحقيق الاعتدال في كل الامور،‏ حتى لو عنى ذلك حيازة وزن اكثر مما يملي هذا العالم انه مطابق للزي.‏» ولكن،‏ اذ يطوِّر المرء نظرة متعقلة الى المظهر الجسدي،‏ قد يسعى او تسعى الى خسارة الوزن،‏ ليس فقط من اجل المظهر،‏ بل لتجنب المخاطر الصحية المقترنة بالبدانة.‏

      بدلا من محاولة تخفيف الوزن باستمرار لملاءمة القياسات الاصغر،‏ يمكن للشخص ان يرتدي ثيابا مناسبة وأيضا ملائمة على نحو مريح.‏ حاولوا ان تبقوا مشغولين بنشاطات مفيدة،‏ بدلا من وزن وقياس انفسكم كل يوم.‏ واذا كنتم تكافحون النُّهام،‏ فتيقَّنوا ان تزيلوا كل الاطعمة الاضافية التي ربما خبأتموها،‏ وعند التسوُّق من اجل الطعام،‏ اطلبوا ان يرافقكم احد.‏ حاولوا ان تأكلوا وجبات الطعام مع الآخرين.‏ اعملوا على المحافظة على برنامج معقول،‏ وخصصوا الوقت اللازم للنشاطات في وقت الفراغ.‏

      قبل كل شيء،‏ نمّوا قصدا في الحياة.‏ ركِّزوا جيدا على رجاء الكتاب المقدس بعالم جديد قادم من البر.‏ فاللّٰه قريبا سيحرر الارض من الخيبات الكثيرة التي تقود الى اضطرابات الاكل وينهي الى الابد كارثة القرن الـ‍ ٢٠ هذه.‏ —‏ ٢ بطرس ٣:‏١٣‏.‏

      ولكن ماذا يمكن ان يفعل الوالد او الوالدة،‏ الزوج او الزوجة،‏ ليساعد شخصا في العائلة يعاني اضطرابا في الاكل؟‏ ان عددا مقبلا من استيقظ!‏ سيبحث في ذلك.‏

      ‏[الحاشيتان]‏

      a في بعض حالات اضطرابات الاكل،‏ قد يكون الوالد او الوالدة الجزء الرئيسي من المشكلة.‏ لذلك،‏ قد يحتاج الوالدان الى طلب المساعدة ايضا.‏ وعندما تعطى مثل هذه المشورة على انفراد،‏ يجعل ذلك من الاسهل ان يحافظ الولد على الاحترام الابوي.‏ وبالتالي يتمكن الوالد او الوالدة من القيام بدور مستمر في الشفاء.‏

      b انظروا المقالة «هل التخلُّص من الوزن معركة خاسرة؟‏» الصادرة في عددنا ٢٢ ايار ١٩٨٩ من استيقظ!‏ بالانكليزية.‏

      ‏[الصور في الصفحة ١٠]‏

      تعلَّموا ان ترفضوا الدعاية العالمية ان قيمتكم تتعلق بمظهركم

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة