-
الصحة الجيدة امنية الجميع!استيقظ! ٢٠٠٧ | كانون الثاني (يناير)
-
-
الصحة الجيدة امنية الجميع!
منذ اكثر من ٧٠٠,٢ سنة، تكلم احد الانبياء عن زمن مستقبلي يكون خاليا من المرض. وقد حُفظت هذه النبوة الى يومنا هذا في كتابات اشعيا القديمة. وفيها تحدث هذا النبي عن زمن حين «لا يقول ساكن: ‹انا مريض›». وأضاف: «حينئذ تنفتح عيون العمي، وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الاعرج كالأيل، ويهلل لسان الابكم». (اشعيا ٣٣:٢٤؛ ٣٥:٥، ٦) وهنالك نبوات اخرى في الكتاب المقدس تتحدث عن هذا المستقبل. فسفر الرؤيا، السفر الاخير في الكتاب المقدس، يصف زمنا لا يكون فيه وجع في ما بعد. — رؤيا ٢١:٤.
فهل تتحقق هذه الوعود؟ هل يأتي يوم يتمتع فيه الجنس البشري بصحة جيدة دون ان يمرض احد في ما بعد؟ صحيح ان شريحة كبيرة من البشر تتمتع اليوم بصحة افضل مما في الاجيال السابقة، ولكن ‹صحة افضل› لا تعني الصحة الفضلى. فلا تزال الامراض تجتاح العالم وتسبب الكثير من المعاناة. ومجرد الخوف من الاصابة بالامراض هو هاجس يقض مضجع كثيرين. فنحن امام واقع أليم لا مفر منه: فحتى في عصرنا المتقدم هذا، لا احد يستطيع ان يفلت تماما من تفشي الامراض الجسدية والعقلية.
الثمن الذي تدفعه
تثقل الصحة الرديئة كاهل الناس من نواحٍ عديدة. ومن اهم هذه النواحي الكلفة المالية المتزايدة للمرض. ففي احدى السنوات الاخيرة مثلا، ضاع ٥٠٠ مليون يوم عمل سدى في اوروبا نتيجة المشاكل الصحية. والحالة لا تختلف كثيرا في مناطق اخرى من العالم. ويسبِّب انخفاض الانتاجية في العمل، بالاضافة الى الكلفة المتزايدة للرعاية الصحية، عبئا ماليا يثقل كاهل الجميع. فالمؤسسات التجارية والحكومات على السواء تتكبد الخسائر نتيجة هذا الامر. وللتعويض عن ذلك، تعمد المؤسسات التجارية الى زيادة اسعار منتجاتها في حين ترفع الحكومات الضرائب. ومَن يدفع الثمن في النهاية؟ انت!
والمؤسف ان الفقير يعاني الامرَّين عادة بغية تلقي الرعاية الصحية، هذا اذا استطاع الى ذلك سبيلا. ويجد الملايين من سكان البلدان النامية انفسهم امام هذا الواقع المرير إذ يصعب او حتى يستحيل عليهم تلقي الرعاية الصحية على ايدي اطباء متخصصين. حتى في البلدان الغنية، لا يستفيد البعض من الرعاية الطبية الجيدة المتوفرة هناك إلّا بعد جهد جهيد. وهذه، مثلا، حال معظم الـ ٤٦ مليون شخص في الولايات المتحدة الذين ليس لديهم تأمين صحي.
ولا يقتصر العبء الناجم عن الامراض على الناحية المالية. فالثمن الاهم الذي ندفعه هو الكرب الناجم عن الاصابة بمرض مميت، العذاب الذي نقاسيه جراء معاناة الآلام المزمنة، الحزن الذي ينتابنا لرؤية آخرين يصابون بأمراض خطيرة، والاسى الذي يتملّكنا عند خسارة احد احبائنا.
فكم يكون الرجاء بالعيش في عالم خالٍ من المرض رجاء رائعا! فالصحة الجيدة امنية الجميع. ويؤمن كثيرون بحقيقة هذا الرجاء، رغم صعوبة تصديقه. فأشخاص كثيرون مقتنعون بأن جميع الامراض ستزول مع الوقت بفضل تكنولوجيا الانسان. ومن جهة اخرى يثق الذين يؤمنون بالكتاب المقدس بأن اللّٰه سيحقق النبوات القديمة التي تتكلم عن عالم خالٍ من الامراض. فهل يتمكن الانسان يوما ما من استئصال المرض؟ هل يتحقق ذلك عن يد اللّٰه؟ تُرى ماذا يخبئ المستقبل؟
-
-
هل يشفي العلم كل الامراض؟استيقظ! ٢٠٠٧ | كانون الثاني (يناير)
-
-
هل يشفي العلم كل الامراض؟
هل يمكن ان يشفي العلم الحديث كل الامراض؟ وهل المقصود في نبوات الكتاب المقدس المدوَّنة في سفرَي اشعيا والرؤيا ان الانسان سيشفي يوما ما كل امراض العالم بقدرته الخاصة؟ يظن البعض ان الامر ليس مستحيلا نظرا الى الانجازات الكثيرة التي تحققت على صعيد الرعاية الصحية.
فبالتعاون مع الامم المتحدة تشنّ الحكومات اليوم، بمؤازرة المؤسسات الخيرية وغيرها من المحسنين، حملة لمكافحة الامراض لم يشهد لها التاريخ نظيرا. وأحد مجالات هذا التعاون يركِّز على تلقيح الاولاد في البلدان النامية. وبحسب صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة (اليونيسف)، اذا نجحت البلدان المشمولة في بلوغ الاهداف المرسومة لها، «فستتمكن بحلول سنة ٢٠١٥ من انقاذ حياة اكثر من ٧٠ مليون طفل سنويا في البلدان الافقر من خلال تلقيحهم ضد الامراض التالية: السّل، الخانوق، الكُزاز، الشاهوق، الحصبة، الحُمَيراء (الحصبة الالمانية)، الحمّى الصفراء، المستدمية النزلية من النمط ب، التهاب الكبد من النمط ب، شلل الاطفال، الفيروسات الدولابية، المكوَّرة الرِّئوية، المكوَّرة السِّحائية، والتهاب الدماغ الياباني». كما تُتَّخذ تدابير لسد الحاجات الصحية الاساسية تشمل تأمين المياه النظيفة وتحسين نوعية التغذية وتعليم الناس العادات الصحية الجيدة.
لكن فضلا عن تزويد الحاجات الاساسية، يطمح العلماء الى تحقيق المزيد في مجال الرعاية الصحية. لذلك تشهد التكنولوجيا ابتكارات تُحدث ثورة في الحقل الطبي. فقد قيل مثلا ان معرفة العلماء الطبية تتضاعف كل ثماني سنوات. وما يلي مجرد عيِّنة من آخر ما توصلت اليه التكنولوجيا، والاهداف التي تسعى الى تحقيقها على صعيد مكافحة الامراض.
◼ التصوير بالاشعة السينية لأكثر من ٣٠ سنة، يستخدم الاطباء والمستشفيات تقنية تُعرف بالتصوير الطبقي. وتتيح هذه التقنية الحصول على صور اشعاعية ثلاثية الابعاد لمقاطع داخلية من الجسم. وهذه الصور تساعد على تشخيص الامراض وتفحّص اي شذوذ داخل الجسم.
ويعلّق الخبراء الطبيون آمالا كبيرة على الفوائد المستقبلية التي يمكن جنيها من تطور هذه التكنولوجيا، رغم الجدل القائم حول مخاطر التعرض للاشعة. يقول مايك ڤانير، وهو بروفسور في علم الاشعة بمستشفى جامعة شيكاغو: «ان التقدم الذي تحقق في مجرد السنوات القليلة الماضية يبهر العقول».
فآلات التصوير الطبقي اليوم اسرع وأدق وأقل ثمنا. والسرعة هي احدى الفوائد المهمة التي حققتها التقنيات الجديدة في مجال التصوير الطبقي. وتتجلى هذه الفائدة خصوصا عند تصوير القلب. فلأن القلب ينبض باستمرار، غالبا ما كانت صور الاشعة المأخوذة للقلب غير واضحة، مما صعَّب تحليلها بدقة. لكن آلات التصوير الجديدة، كما توضح مجلة العالِم الجديد (بالانكليزية)، «تدور حول الجسم في ثلث ثانية فقط، اي اسرع من نبضة قلب واحدة»، مما يُنتج صورا اوضح وأدق.
وباستخدام هذه الآلات المتطورة، لا يمكن للاطباء رؤية تفاصيل الجسم الداخلية فحسب، بل يمكنهم ايضا تفحُّص النشاط الكيميائي الحيوي لمناطق محددة. وقد يساعد هذا على اكتشاف السرطانات في مراحلها الباكرة.
◼ الجراحة الآلية لم يعد الانسان الآلي المتطور محض خيال علمي، بل خرج من حيز الخيال الى ارض الواقع، على الاقل في مجال الطب. فآلاف العمليات الجراحية تُجرى باستخدام الاجهزة الآلية المتطورة. وفي بعض الاحيان يجري الجراح العملية باستخدام جهاز تحكم عن بُعد يتيح له تحريك عدد من الاذرع الآلية المزودة بالمباضع، المقصات، الكاميرات، المكاوي، وغير ذلك من الادوات الجراحية. وبفضل هذه التكنولوجيا، يمكن اجراء عمليات جراحية بالغة التعقيد بمنتهى الدقة. وبحسب تقرير ورد في مجلة نيوزويك، «وجد الجراحون الذين يستخدمون هذا الاسلوب في الجراحة ان مرضاهم، بالمقارنة مع الذين يخضعون للعمليات بالشق، يخسرون كمية اقل من الدم، ويعانون آلاما اقل، كما ان خطر المضاعفات ينخفض، وتقصر مدة بقائهم في المستشفى ويكون شفاؤهم اسرع».
◼ الطب الجُزَيئي يقوم الطب الجُزَيئي على تطبيق مبادئ التكنولوجيا المجهرية في الطب. والتكنولوجيا المجهرية بدورها علم يقوم على ابتكار واستخدام الآلات المجهرية. ووحدة القياس المستخدمة في هذا العلم هي النانومتر، وهي وحدة طول تساوي جزءًا من بليون من المتر.a
ولكي تستوعب مدى صغر وحدة القياس هذه، تأمَّل في ما يلي: يبلغ سمك الصفحة التي تقرأها الآن نحو ٠٠٠,١٠٠ نانومتر، في حين يبلغ سمك شعرة الانسان قرابة ٠٠٠,٨٠ نانومتر. اما قطر كريّة الدم الحمراء فيبلغ ٥٠٠,٢ نانومتر تقريبا، وطول البكتيرية نحو ٠٠٠,١ نانومتر، وطول الفيروس ١٠٠ نانومتر تقريبا. ويبلغ قطر جُزيء الدنا في خلايا جسمك ٥,٢ نانومترين تقريبا.
ويعتقد مؤيدو هذه التكنولوجيا ان العلماء سيتمكنون في المستقبل القريب من بناء آلات متناهية الصغر مصممة للقيام بإجراءات طبية داخل الجسم البشري. وهذه الآلات المدعوة آلات مجهرية ستحمل في داخلها اجهزة كمبيوتر مجهرية مبرمجة وفق ارشادات محددة جدا. وما يدعو الى الدهشة هو ان حجم الاجزاء التي ستُبنى منها هذه الآلات لا يتعدى الـ ١٠٠ نانومتر، اي انها اصغر بـ ٢٥ مرة من قطر كريّة الدم الحمراء!
ويؤمل ان تتمكن يوما ما هذه الآلات المجهرية، بسبب صغر حجمها، من التنقل في الاوعية الدموية الشعرية البالغة الصغر لإيصال الاكسجين الى الانسجة التي تفتقر الى الدم، وأن تتمكن ايضا من فتح الاوعية الدموية المسدودة وإزالة اللويحات من خلايا الدماغ، حتى ان تطارد الفيروسات والبكتيريا وغيرها من العوامل الممرضة وتقضي عليها. كما يُتوقَّع استخدام الآلات المجهرية لإيصال العقاقير مباشرة الى خلايا محددة.
ويأمل العلماء ان تحسِّن الآلات المجهرية على نحو كبير مقدرتهم على اكتشاف السرطان. قال الطبيب سامويل وِكلاين، وهو بروفسور في الطب، الفيزياء، والهندسة الطبية الاحيائية: «ستتاح لنا امكانيات هائلة لاكتشاف سرطانات بالغة الصغر في مراحل مبكرة جدا، امر لم يكن ممكنا على الاطلاق في ما مضى، وسنتمكن من علاجه بعقاقير قوية في مكان الورم دون سواه، مخفضين التأثيرات الجانبية في الوقت نفسه».
قد يبدو كل ذلك اختراعات وهمية من عصر خيالي في المستقبل، لكنّ الطب الجُزَيئي في ذهن بعض العلماء حقيقة واقعة. ويتوقع اهم الباحثين في هذا الحقل ان تُستخدم التكنولوجيا المجهرية خلال العقد القادم لإصلاح وإعادة تنظيم البنية الجُزَيئية للخلايا الحية. ويدّعي احد مؤيدي هذه التكنولوجيا: «سيقضي الطب الجُزَيئي على كل امراض القرن العشرين تقريبا، وسيزيل على نحو شبه كامل الالم والمعاناة الناجمين عن الاجراءات الطبية، ويوسِّع آفاق مقدرات الانسان». وبعض العلماء يخبرون منذ الآن بنتائج جيدة يحققها الطب الجُزَيئي في تجاربهم الحيوانية في المختبرات.
◼ علم المَجينيَّات تُعرف دراسة بنية المورِّثات بعلم المَجينيَّات. فكل خلية في الجسم البشري تزخر بالعناصر الاساسية للحياة. وأحد هذه العناصر هو المورِّثات. لدى كل منا نحو ٠٠٠,٣٥ مورِّثة تحدد لون وملمس شعرنا، لون بشرتنا وعينينا، طولنا، وغير ذلك من الخصائص التي يتكوَّن منها مظهرنا. كما تلعب المورِّثات دورا مهما في تحديد حالة اعضائنا الداخلية.
لكن المورِّثات اذا تضررت يمكن ان تؤثر في صحتنا. وفي الواقع، يظن بعض الباحثين ان جميع الامراض سببها خلل في عمل المورِّثات. فنحن نرث بعض المورِّثات المعيبة عن والدينا، كما تتضرر مورِّثات اخرى جراء التعرض لعناصر مؤذية في محيطنا.
ويأمل العلماء ان يتمكنوا قريبا من اكتشاف المورِّثات المحددة التي تجعلنا عرضة للمرض. وسيساعدهم ذلك ان يفهموا مثلا لماذا يكون بعض الاشخاص اكثر عرضة من غيرهم للاصابة بالسرطان، او ما الذي يجعل احد انواع السرطان اسرع نموا وانتشارا في بعض الافراد منه في غيرهم. وقد يساعد علم المَجينيَّات على معرفة سبب كون احد العقاقير ناجعا في بعض المرضى دون سواهم.
ان هذه المعلومات الوراثية المحددة قد تؤدي الى نشوء ما يُدعى العلاج الشخصي. وكيف يمكنك ان تستفيد من هذه التكنولوجيا؟ توحي فكرة العلاج الشخصي بأنه يمكن تكييف العناية الطبية لتلائم الخصائص الوراثية التي تتمتع بها شخصيا. مثلا، اذا اظهرت دراسة مورِّثاتك انك عرضة للاصابة بمرض ما، يمكن ان يكتشف الاطباء هذا المرض قبل وقت طويل من ظهور اية اعراض. ويدَّعي مؤيدو هذا الاتجاه في الطب ان اتخاذ بعض التدابير، كالعلاج الملائم والنظام الغذائي الصحيح وصنع التغييرات اللازمة في السلوك، يمكن ان يمنع المرض من اساسه حتى قبل ان يصاب به المرء.
كما يمكن ان تنبِّه المعلومات في مورِّثاتك الاطباء الى امكانية معاناتك مضاعفات معينة نتيجة تعاطيك بعض العقاقير. وقد تساعدهم هذه المعلومات على وصف الدواء المناسب والجرعة الملائمة لحالتك الخصوصية. تذكر صحيفة ذا بوسطن ڠلوب (بالانكليزية): «بحلول سنة ٢٠٢٠، من المرجَّح ان يكون [العلاج الشخصي] قد احدث تأثيرا اكبر مما يمكن ان يتصوره اي منا اليوم. كما ستُطوَّر عقاقير جديدة على اساس التركيبة الوراثية لكل فرد لمعالجة الداء السكري، مرض القلب، داء ألزهايمر، الفُصام، والكثير غيرها من الحالات التي تفتك فتكا بمجتمعنا».
ان التقنيات التي استعرضناها ليست سوى عيِّنة صغيرة من الانجازات التي يعِد العلم بتحقيقها في المستقبل. فالمعرفة الطبية تستمر في النمو بوتيرة لم يسبق لها مثيل. غير ان العلماء لا يتوقعون محو الامراض كلها في المستقبل القريب. فلا تزال هنالك عقبات كثيرة يصعب تخطيها.
عقبات يصعب تخطيها
يعرقل السلوك البشري احيانا التقدم الذي يحرزه العلم في استئصال المرض. مثلا، يسود بين العلماء الاعتقاد ان الضرر الذي يلحقه الانسان ببعض الانظمة البيئية ينتج امراضا جديدة خطيرة. اوضحت ماري بيرل، رئيسة هيئة رعاية الحياة البرية، في مقابلة اجرتها معها مجلة نيوزويك: «منذ اواسط سبعينات القرن العشرين، ظهر اكثر من ٣٠ مرضا جديدا، بما فيها الإيبولا، الأيدز، داء لايْم، والسارس. ويُظن ان معظم هذه الامراض انتقلت من الحياة البرية الى البشر».
بالاضافة الى ذلك، لم يعد الناس يتناولون الخضَر والفواكه الطازجة كما في السابق، وباتوا يكثرون من تناول السكر، الملح، والدهون المشبعة. وقد ادى ذلك، مع انخفاض الحركة الجسدية وغيره من العادات غير الصحية، الى ازدياد الامراض القلبية الوعائية. علاوة على ذلك، يزداد تدخين التبغ، مما يسبب إصابة الملايين حول العالم بمشاكل صحية خطيرة او موتهم. ومن ناحية اخرى، يتعرض نحو ٢٠ مليون شخص كل سنة لإصابات بالغة او يفقدون حياتهم نتيجة حوادث السير. كما تؤدي الحروب وأشكال العنف الاخرى الى موت وتشوُّه اعداد كبيرة من الناس. ولا ننسَ الملايين الذين يعانون الصحة الرديئة نتيجة الاسراف في الشرب وتعاطي المخدرات.
اذًا، بغضّ النظر عن الاسباب، ومهما بلغ التقدم الذي احرزته التكنولوجيا الطبية، تستمر بعض الامراض في الفتك بالجنس البشري. فوفقا لمنظمة الصحة العالمية، ‹هنالك بشكل دائم اكثر من ١٥٠ مليون شخص يعانون الكآبة. ونحو ٢٥ مليون شخص مصابون بالفُصام، و ٣٨ مليون شخص مصابون بالصرع›. أضِف الى ذلك الامراض الاسهالية، الأيدز/فيروس العوز المناعي البشري (HIV)، الحصبة، ذات الرئة، السل والملاريا التي تصيب الملايين حاصدة حياة اعداد غفيرة من الاولاد والراشدين الصغار السن.
وليست هذه العقبات هي الوحيدة التي تقف في وجه القضاء على الامراض. فالفقر وفساد الحكومات يشكلان عائقا كبيرا امام هذا المسعى. ذكرت منظمة الصحة العالمية في تقرير حديث لها انه لولا تقصير الحكومات وعدم توفر الاموال، لأمكن انقاذ حياة ملايين الاشخاص الذين يموتون جراء الامراض الخمجية.
فهل تساهم المعرفة العلمية والتقدم الهائل الذي تحرزه التكنولوجيا الطبية في تذليل هذه العقبات؟ هل نرى قريبا عالما خاليا من المرض؟ ان ما سبق ذكره لا يعطي الجواب الشافي. غير ان الكتاب المقدس يلقي ضوءا على هذا السؤال. وستناقش المقالة التالية ما يقوله الكتاب المقدس عن مستقبل خالٍ من المرض.
[الحاشية]
a تأتي البادئة «نانو» من الكلمة اليونانية المقابلة لـ «قزم»، ومعناها «جزء من البليون».
[الاطار/الصور في الصفحة ٧]
التصوير بالاشعة السينية
ستساعد الصور الاوضح والادق للجسم البشري على اكتشاف الامراض في مراحل مبكرة
[مصدر الصورة]
Philips ©
Siemens AG
الجراحة الآلية
يتمكن الاطباء من اجراء عمليات جراحية بالغة التعقيد بمنتهى الدقة باستخدام الاذرع الآلية المزوَّدة بالمعدات الجراحية
[مصدر الصورة]
2006 Intuitive Surgical, Inc. ©
الطب الجُزَيئي
قد تتيح الآلات المجهرية البشرية الصنع معالجة الامراض على مستوى الخلايا. وفي الصورة آلات مجهرية تقلّد عمل كريّات الدم الحمراء، كما تخيَّلها فنان
[مصدر الصورة]
Artist: Vik Olliver )vik@diamondage.co.nz(/ Designer: Robert Freitas
علم المَجينيَّات
يأمل العلماء اكتشاف الامراض ومعالجتها حتى قبل ان تظهر اية اعراض على المريض، عن طريق دراسة تركيبته الوراثية
[مصدر الصورة]
Chromosomes: © Phanie/ Photo Researchers, Inc.
[الاطار في الصفحتين ٨ و ٩]
ستة امراض لم تُقهر بعد
يستمر تقدم المعرفة والتقنيات الطبية بوتيرة لم يسبق لها مثيل. لكن رغم ذلك، لا تزال بعض الامراض الخمجية تجتاح العالم. والامراض الفتاكة التالي ذكرها لم تُقهر بعد.
الأيدز/فيروس العوز المناعي البشري
أُصيب الى الآن نحو ٦٠ مليون شخص بفيروس العوز المناعي البشري، ومات نحو ٢٠ مليونا بسبب الأيدز. كما ظهرت خمسة ملايين إصابة جديدة سنة ٢٠٠٥، ومات اكثر من ثلاثة ملايين شخص نتيجة الأيدز ومضاعفاته، بينهم اكثر من ٠٠٠,٥٠٠ طفل. ويتعذر على الغالبية العظمى من ضحايا فيروس العوز المناعي البشري تلقي العلاج الملائم لمرضهم.
الإسهال
وُصف الاسهال بأنه سبب رئيسي لموت الفقراء، اذ يبلغ عدد الاصابات الجديدة كل سنة نحو اربعة بلايين حالة. ينتج الاسهال عن عدة امراض خمجية تنتشر عن طريق الماء او الطعام الملوَّثين او نتيجة لقلة النظافة الشخصية. وتسبِّب هذه الاصابات وفاة اكثر من مليوني شخص كل سنة.
الملاريا
يُصاب نحو ٣٠٠ مليون شخص بالملاريا سنويا. ويموت كل سنة نحو مليون من هؤلاء، بينهم عدد كبير من الاولاد. وكل ٣٠ ثانية يموت طفل في افريقيا بسبب الملاريا. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، «لا يملك العلم علاجا سحريا للملاريا، ويشك كثيرون في امكانية ايجاد دواء واحد قادر على القضاء على هذا المرض».
الحصبة
اودت الحصبة بحياة اكثر من ٠٠٠,٥٠٠ شخص خلال سنة ٢٠٠٣. وهذا المرض المعدي جدا هو احد الاسباب الرئيسية لموت الاطفال. ويُصاب به كل سنة نحو ٣٠ مليون شخص. والمضحك المبكي هو انه طوال السنوات الاربعين الماضية، يتوفر لقاح فعّال ورخيص الثمن للحصبة.
ذات الرئة
تدَّعي منظمة الصحة العالمية ان عدد الاولاد الذين يموتون من ذات الرئة يفوق عدد الاولاد الذين يموتون من اي مرض خمجي آخر. فكل سنة تودي ذات الرئة بحياة نحو مليونَي ولد لم يبلغوا بعد الخامسة من العمر، معظمهم في افريقيا وجنوب شرق آسيا. ففي انحاء كثيرة من العالم، لا تتوفر المرافق الصحية على نحو ملائم، مما يحول دون حصول الضحايا على العلاج الطبي المنقذ للحياة.
السّل
تَسبَّب السّل سنة ٢٠٠٣ بموت اكثر من ٠٠٠,٧٠٠,١ شخص. وما يقلق المسؤولين الصحيين هو ظهور سلالات من جرثومة السّل مقاومة للعقاقير. حتى ان بعض السلالات طوَّرت مقاومة لجميع العقاقير الرئيسية المضادة للسّل. وتَظهر سلالات جراثيم السّل المقاومة للعقاقير في المرضى الذين يخضعون للعلاج الطبي دون اشراف ملائم او الذين لا يتابعون علاجهم الى النهاية.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٩]
ازدياد اشكال الطب البديلة
ثمة اساليب علاجية كثيرة لا يعترف بها الاطباء عادة. وتُصنف هذه الاساليب إما في خانة الطب الشعبي او في خانة الطب البديل. في البلدان النامية، يسد معظم السكان حاجاتهم الطبية عن طريق الطب الشعبي الذي توارثوه عبر الاجيال. ففي المناطق الفقيرة، لا يمكن لكثيرين تحمل كلفة العلاجات الطبية في المستشفيات وعند الاطباء، في حين ان آخرين يفضّلون بكل بساطة الطب الشعبي.
بموازاة ذلك، تحظى اشكال الطب البديل بشعبية متزايدة في البلدان الغنية. وبين هذه الاشكال هنالك الوخز الإبري، المعالجة اليدوية، المعالجة المثلية، المعالجة الطبيعية، وطب الاعشاب. لقد أُجريت دراسات علمية على بعض هذه الاساليب العلاجية، وتبرهنت فعاليتها لمعالجة حالات معينة. غير ان فعالية بعضها الآخر لم تتبرهن بعد برهانا وافيا. كما ان ازدياد شعبية اشكال الطب البديل يثير تساؤلات حول سلامتها. ففي بلدان كثيرة، لا تخضع هذه العلاجات البديلة لقوانين محددة تنظمها. وهذا يخلق مجالا واسعا للمعالجة الذاتية المؤذية، المنتجات المزيفة، والاطباء الدجالين. أضِف الى ذلك ان الاصدقاء والاقارب الحسني النية والذين يفتقرون الى التدريب الجيد غالبا ما يعيِّنون انفسهم اطباء يسدون النصائح الى الآخرين. وتؤدي كل هذه العوامل مجتمعة الى حصول تأثيرات جانبية غير مؤاتية وغير ذلك من المخاطر الصحية.
في بلدان كثيرة حيث تنظم القوانين مزاولة الطب البديل، بدأت هذه العلاجات تلاقي قبولا في الاوساط الطبية عامة، حتى ان بعض الاطباء يقترحونها على مرضاهم. لكن لا يمكن القول ان هذه الاساليب ستنجح يوما ما في إزالة كل الامراض من العالم.
-
-
يوم يولّي المرض الى الابد!استيقظ! ٢٠٠٧ | كانون الثاني (يناير)
-
-
يوم يولّي المرض الى الابد!
يأمل اناس كثيرون ان يجدوا الراحة من الوجع والمرض في السماء بعد الموت. لكن الرجاء الذي يقدمه الكتاب المقدس حقا لغالبية البشر هو الحياة في فردوس ارضي، بعكس ما يعتقد الناس عامة. (مزمور ٣٧:١١؛ ١١٥:١٦) وهذا الرجاء المنبأ به يتضمن العيش حياة ابدية بصحة كاملة وسعادة.
لكن لماذا نمرض ونموت؟ وكيف سيتحقق هذا الرجاء بعالم خالٍ من المرض؟ يجيب الكتاب المقدس عن هذين السؤالين.
◼ السبب الحقيقي للمرض عندما خُلق آدم وحواء، ابوانا البشريان الاولان، أُعطيا جسمَين كاملَين صحيحَين. (تكوين ١:٣١؛ تثنية ٣٢:٤) وقد صُمِّم جسداهما بالقدرة على العيش الى الابد على الارض. ولم يصيرا معرَّضَين للمرض إلّا بعد ان تمرَّدا عمدا على اللّٰه. (تكوين ٣:١٧-١٩) فعندما رفضا سلطة اللّٰه قطعا علاقتهما بالخالق، مصدر حياتهما الكاملة. وصار فيهما عيب. لذلك مرضا وماتا، تماما كما سبق ان حذرهما اللّٰه. — تكوين ٢:١٦، ١٧؛ ٥:٥.
بعد تمرد آدم وحواء، لم يعد بإمكانهما ان يورثا ذريتهما سوى النقص. (روما ٥:١٢) وكما ذكرت المقالة السابقة، يعترف العلماء اليوم بوجود عيوب موروثة تساهم في المرض والموت. فقد استنتجت مجموعة من العلماء مؤخرا بعد ان اجرت بحوثا موسَّعة: «هنالك واقع بيولوجي لا مفر منه، وهو ان الجسم لحظة تدب فيه الحياة يكون قد خطا اول خطوة في طريق التدهور التي ستؤدي لا محالة الى هلاكه».
◼ الحل لن يأتي عن يد البشر يحقق العلم انجازات عظيمة على صعيد مكافحة المرض. لكنّ سبب المرض لا يزال معضلة يستعصي حلها على العلم. وذلك لا يفاجئ تلاميذ الكتاب المقدس الذين قرأوا كلمات اللّٰه الموحى بها: «لا تتكلوا على العظماء، ولا على الانسان، الذي لا خلاص عنده». — مزمور ١٤٦:٣.
لكنّ الكتاب المقدس نفسه يعلن: «ان المستحيل عند الناس مستطاع عند اللّٰه». (لوقا ١٨:٢٧) فباستطاعة يهوه ان يبطل سبب المرض، وهو يعدنا ان يشفي جميع امراضنا. (مزمور ١٠٣:٣) تعد كلمة اللّٰه الموحى بها: «ها خيمة اللّٰه مع الناس، فسيسكن معهم، وهم يكونون له شعبا. واللّٰه نفسه يكون معهم. وسيمسح كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون نوح ولا صراخ ولا وجع في ما بعد. فالامور السابقة قد زالت». — رؤيا ٢١:٣، ٤.
◼ ماذا عليك ان تفعل اشار يسوع بكل وضوح الى ما علينا فعله للعيش في عالم خالٍ من المرض. قال: «هذا يعني الحياة الابدية: ان يستمروا في نيل المعرفة عنك، انت الاله الحق الوحيد، وعن الذي ارسلته، يسوع المسيح». — يوحنا ١٧:٣.
ان المعرفة عن اللّٰه وعن تعاليم ابنه يسوع موجودة في الكتاب المقدس، وهي تشمل نصحا عمليا يمكن ان يحسِّن حياتك اليوم. لكنّ الامر لا ينتهي عند هذا الحد، فاللّٰه يعِد عباده الطائعين بعالم خالٍ من الالم. نعم، يقدم لك اللّٰه الرجاء بمستقبل حين «لا يقول ساكن: ‹انا مريض›»! — اشعيا ٣٣:٢٤.
[الاطار/الصورتان في الصفحة ١١]
نظرة متزنة الى الصحة
يشجعنا الكتاب المقدس على احترام الحياة. ويعرب شهود يهوه عن احترامهم للحياة بالاعتناء بصحتهم. فهم يتجنبون الممارسات المضرة، كتعاطي المخدرات واستعمال التبغ. كما يتوقع اللّٰه من عباده ان يتّصفوا بالاعتدال في عادات اكلهم وشربهم. (امثال ٢٣:٢٠؛ تيطس ٢:٢، ٣) ويمكن ان تساهم هذه الخطوات العملية، بالاضافة الى ممارسة التمارين ونيل قسط وافٍ من الراحة، في حماية الاصحاء من الاصابة بالامراض، او تأخير ذلك. اما المرضى فقد يلزم ان يستشيروا خبراء صحيين يمكن الوثوق بهم.
يشجع الكتاب المقدس ايضا على التعقل و ‹الرزانة›. (تيطس ٢:١٢؛ فيلبي ٤:٥) لكنّ كثيرين اليوم غير متزنين، شغلهم الشاغل التفتيش عن علاجات جديدة، حتى لو كان ذلك على حساب روحياتهم. كما يلجأ البعض الى علاجات مشكوك فيها يمكن ان تسبب الاذى، في حين يبدد آخرون وقتهم ومالهم في علاجات وأدوية غير فعّالة او مؤذية احيانا.
ان استحالة التمتع بصحة كاملة في الوقت الحاضر حقيقة لا مفر منها. وفيما تنتظر مجيء المستقبل الموعود به الخالي من المرض، يمكن للحكمة والتعقّل اللذين تنالهما من درس الكتاب المقدس ان يساعداك على البقاء متزنا في سعيك الى الصحة الجيدة.
-