-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٩٠ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
حتى الحَمْل مستعد للقتال
طوال اشهر قبل الولادة، يتهيأ الحَمْل fetus للمعركة. انه ينتج اسلحة من اجل الجهاز المناعي immune system. وبحلول الوقت الذي يولد فيه الطفل، تكون دفاعاته defenses مستعدة للكشف عن المواد الغريبة والقضاء عليها. فالاجسام المضادة antibodies من امه هي في دم الطفل وهي الآن في تراكيز concentrations اعلى من تلك التي في دم امه. والخلايا البُلعمية phagocytes تنتظر في انسجة الطفل لالتهام ايّ غزاة غرباء. ان هذه والمدافعات الاخرى ضد المرض هي في الخنادق، مستعدة للمعركة. وجيد انها موجودة، لانه في لحظة الولادة، يتعرض المولود حديثا الى الانقضاض الكثيف للعضويات الدقيقة microorganisms الدائمة الوجود.
بعد الولادة بوقت قصير يحصل جهاز الطفل المناعي على تعزيز كبير في قدرته على مصارعة ايّ غزاة — القدرة على المصارعة الحاسمة اخيرا التي تأتي بابتلاع الطفل الاول لحليب الام. ان حليب الثدي لهذه الايام القليلة الاولى يُدعى لِبَأ colostrum، وهو ملآن بتنوُّع من الاجسام المضادة. ويشيِّع الطفل الى الحروب مجهَّزا جيدا.
«بعمر اثنين او ثلاثة اشهر، . . . تعمل صانعات الاسلحة في نِقْي العظم الاحمر red bone marrow وغدة التوتة thymus بكل ما لديها من قوة وامكانات. وعندما يبلغ الولد عشر سنوات من العمر، يكون الجهاز المناعي البشري في مرحلته الاقوى، مدجَّجا بالسلاح. ومن ذلك الحين فصاعدا، تتدهور قواه تدريجيا.» — الجسم المنتصر، الصفحتان ٣٤، ٣٥.
مع بداية الحياة، تبدأ الحروب، ولا تنتهي حتى يُلفظ النفس الاخير.
[مصدر الصورة في الصفحة ٢]
Lennart Nilsson
-
-
جهازنا المناعي — اعجوبة الخلقاستيقظ! ١٩٩٠ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
جهازنا المناعي — اعجوبة الخلق
لا يمكننا ان نراها، لكنها هناك. وملايينها المحتشدة موجودة في كل مكان حولنا، ملتصقة بنا، مصمِّمة على الدخول فينا. انها تلتمس الدفء الغذائي الرطب في داخلنا، وحالما تصير هناك تتزايد اعدادها على نحو مريع. واذا تُركت دون كبح فبسرعة تسود علينا كاملا. واستجابتنا الوحيدة للردّ على هذه القوة المدمِّرة هي الحرب، الحرب في داخلنا. ولا بد ان تكون حربا فورية وشاملة بين هؤلاء الغزاة الغرباء الذين يحملون المرض وجهاز جسمنا المناعي بما فيه من تريليونَيْن من المدافعات.a لا رحمة تُطلب ولا شيء منها يُعطى. فحياتنا في خطر. والقضية، إما هم او نحن. وعادة، نحن نربح. ولكن ليس دائما. فالنتيجة تتوقف على درجة السرعة والكمال التي يتهيأ بها جهازنا المناعي للقتال.
الجهاز المناعي هو احد الاوجه المذهلة والمعقَّدة اكثر لاجسامنا المصنوعة على نحو مذهل ومدهش. وتجري مقارنته على نحو مرضٍ بالعضو الاكثر تعقيدا منها كلها، الدماغ البشري. يقول الاختصاصي في علم المناعة وليم پول من معاهد الصحة القومية: «لدى الجهاز المناعي مقدرة استثنائية على معالجة المعلومات، على التعلّم والتذكّر، على ابداع وحفظ واستعمال المعلومات.» ثناء رفيع، ولكنه ليس رفيعا جدا. ويضيف الدكتور ستيفن شيروِن، مدير البحث السريري في مؤسسة جينِنتِك، إطراءه: «انه جهاز مذهل. فهو يميِّز الجزَيْئات molecules التي لم تكن قط في الجسم من قبل. ويمكنه ان يفرِّق بين ما ينتمي الى هناك وما لا ينتمي.» فان كان لا ينتمي، تكون الحرب!
وكيف يعرف جهازنا المناعي ما ينتمي الى هناك وما لا ينتمي؟ يجلس جزَيْء بروتيني خصوصي، يُدعى MHC (مركَّب التلاؤم النسيجي الرئيسي major histocompatibility complex)، على سطح كل خلية تقريبا في جسمنا. وهو بطاقة هوية يخبر الجهاز المناعي بأن هذه الخلية هي صديقة، جزء منا، فريدة بالنسبة الينا. وبهذه الوسيلة يميِّز الجهاز المناعي خلايانا الخاصة ويقبلها لكنه يهاجم اية خلايا تَعرض جزَيْئات مختلفة على سطحها — وكل الخلايا التي ليست لنا تَعرض جزَيْئات سطحية مختلفة عن تلك التي لنا.
وهكذا بواسطة هذه الجزَيْئات السطحية يميِّز جهازنا المناعي كل خلية بصفتها «نحن» او «هم،» بصفتها الذات او اللاذات. فإن كانت اللاذات، تثير ردّ فعل من جهازنا المناعي. «ان المفهوم انه لا بد للجهاز المناعي ان يفرِّق باستمرار بين الذات واللاذات،» يقول كتاب علم المناعة، «هو الركن الاساسي لكل النظرية المناعية.» وفي فئة اللاذات هنالك العضويات المسبِّبة للمرض مثل الڤيروسات، الطفيليات، الفطريات، والبكتريا.
الجلد — اكثر من غلاف غير فعّال
الجلد هو الخط الاول للدفاع ضد اولئك الغزاة الغرباء. واذ يكون اكثر من مجرد غلاف وقائي غير فعّال، لديه خلايا تحذِّر الجهاز المناعي من العضويات الدقيقة الغازية. وتعيش بلايين من البكتريا الصديقة على الجلد — في بعض الاماكن ٢٠ مليونا تقريبا في الإنش المربع (٣ ملايين في كل سم ٢). وينتج البعض احماضا دهنية تعوق نمو الانواع المؤذية من البكتريا والفطريات. وتدعو الاميركية العلمية، حزيران ١٩٨٥، الجلد «عنصرا نشيطا للجهاز المناعي،» بخلايا متخصصة «لديها ادوار تفاعلية في الاستجابة للغزاة الغرباء.»
تنضم الى الجلد كجزء من الغلاف الوقائي للجسم الاغشيةُ التي تغطي السطوح الداخلية للجسم. وتفرز هذه الاغشية مخاطا يمسك بالميكروبات. ويحتوي اللعاب، الافرازات الانفية، والدموع على مواد تقتل الميكروبات. والاهداب الشبيهة بالشعر في المجاري الهوائية التي تؤدي الى الرئتين تدفع المخاط والكِسَر المتجمعة الى الحلْق، حيث يمكن ازالتها بالعطس والسعال. واذا بلغ ايّ من الغزاة المعدة، فإما يُقتلوا بالاحماض هناك، يحطَّموا بالانزيمات الهضمية، او يعلقوا في المخاط الذي يغطي المعدة والامعاء. وأخيرا، يجري افراغهم مع فضلات الجسم الاخرى.
الخلايا البُلعمية واللمفاوية — الاسلحة الكبيرة!
ولكنّ هذه هي مجرد مناوشات بالمقارنة مع المعارك التي تحتدم كرًّا وفرًّا حالما تخترق العضويات الغريبة هذه الدفاعات الخارجية وتدخل مجرى الدم وأنسجة او سوائل الجسم. فقد غزت منطقة الاسلحة الكبيرة للجهاز المناعي — الكريَّات البيض التي يبلغ عددها تريليونَيْن. واذ تولَد في نِقْي العظم — نحو مليون كل ثانية — فانها تبرز لتنضج وتشكل ثلاثة اقسام متميِّزة: الخلايا البُلعمية ونوعين من الخلايا اللمفاوية، اي الخلايا التائية T cells (ثلاثة انواع رئيسية — الخلايا المساعِدة، الكابتة، والفاتكة) والخلايا البائية B cells.
والآن، قد يكون لدى الجهاز المناعي جيش يبلغ التريليونات، ولكنّ كل جندي يمكنه ان يقاوم طائفة واحدة فقط من الغزاة. وخلال المرض يمكن ان تُنتج ملايين الجراثيم germs، وكل واحدة من هذه الجراثيم سيكون لديها النوع نفسه من مولد الضد antigen. لكنّ الامراض المختلفة، وحتى الانواع المختلفة من المرض نفسه، لديها مولدات ضد مختلفة. وقبل ان يكون بامكان الخلايا التائية والخلايا البائية ان تهجم على هؤلاء الغزاة، لا بد ان تكون لها مستقبِلات receptors يمكن ان ترتبط في مولدات الضد الخاصة بهم. لذلك، بين الخلايا التائية والخلايا البائية، لا بد ان تكون هنالك مستقبِلات مختلفة كثيرة، مستقبِلات خاصة بمولدات الضد لكل مرض مختلف — لكنّ كل خلية تائية وخلية بائية فردية لها مستقبِلات خاصة بمولد ضد مَرَضي واحد فقط.
يقول دانيال ا. كوشلاند الاصغر، رئيس تحرير مجلة العلم، حول هذه النقطة: «صُمِّم الجهاز المناعي لتمييز الغزاة الغرباء. ولفعل ذلك يُنتج نحو ١٠ ١١ (٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,١٠٠) نوع مختلف من المستقبِلات المناعية بحيث انه مهما كان شكل او نوع الغازي الغريب تكون هنالك مستقبِلة متمِّمة معيَّنة تميِّزه وتقوم بازالته.» (العلم، ١٥ حزيران ١٩٩٠، الصفحة ١٢٧٣) وهكذا فان هنالك مجموعات من الخلايا التائية والخلايا البائية التي، في ما بينها، يمكن ان تطابق كل مولد ضد مَرَضي يدخل جسمنا — تماما كما يوافق المفتاحُ القفلَ.
فلنوضح ذلك. صانعا اقفال يعملان على نحو مستقل تماما احدهما عن الآخر. فيصنع احدهما ملايين الاقفال من جميع الانواع ولكن من دون مفاتيح. ويصنع الآخر ملايين المفاتيح من جميع الاشكال ولكن من دون اقفال. والآن تُلقى بلايين الاقفال والمفاتيح في حاوية ضخمة وتُهزّ جيدا، فيجد كل مفتاح قفلا ويدخل فيه. مستحيل؟ اعجوبة؟ يبدو الامر كذلك.
وكالاقفال بثقوب مفاتيحها، تغزو ملايين الجراثيم بمولداتها للضد جسمكم وتسري بواسطة مجرى دمكم وجهازكم اللمفاوي. وكملايين المفاتيح، تسري خلاياكم المناعية بمستقبِلاتها ايضا هناك وتتوافق مع مولدات الضد المطابقة التي للجراثيم. مستحيل؟ اعجوبة؟ يبدو الامر كذلك. ولكنّ الجهاز المناعي مع ذلك ينجز هذا الامر.
لكل فئة من الخلايا اللمفاوية دورها الخصوصي لتقوم به في محاربة الخمج infection. والخلايا التائية المساعِدة helper T cells (احدى الخلايا التائية الرئيسية الثلاث) انما هي حاسمة. فهي الخلايا التي تنسِّق ردود الفعل المختلفة للجهاز المناعي، موجِّهة استراتيجية المعركة. واذ يثيرها وجود مولدات ضد معادية، تجمع الخلايا التائية المساعِدة بواسطة اشارات كيميائية (پروتينات تدعى لِمفوكينات lymphokines) جند الجهاز المناعي وتزيد قواتها المسلَّحة بالملايين. وللمناسبة، فان الخلايا التائية المساعِدة هي التي يخصّها ڤيروس الأيدز بالهجوم. وحالما يجري هزمها، يصير الجهاز المناعي في الواقع عاجزا، مما يَترك ضحية الأيدز معرَّضة لكل انواع الامراض.
ولكن، في هذا الوقت، تأملوا في دور الخلية التائية المساعِدة مع الخلايا البُلعمية، التي هي كاسحات. واسمها يعني «الخلايا الآكلة.» وهي ليست صعبة الارضاء — فهي تأكل كل ما يبدو مشتبها فيه، سواء كان عضويات دقيقة غريبة، خلايا ميتة، او كِسَرا متجمعة اخرى. وهي تعمل كجيش يدافع ضد الجراثيم المَرَضية وأيضا كمصلحة تنظيفات تلتهم الزبالة. وتأكل ايضا الملوِّثات من دخان السجائر التي تسوِّد الرئتين. واذا استمر التدخين فترة طويلة من الوقت، يُهلك الدخان الخلايا البُلعمية بأسرع مما يمكن انتاجها. ولكنّ بعض وجبات هذه الخلايا الآكلة عسِر الهضم، وحتى مميت — غبار السليكا وألياف الأسبستوس، على سبيل المثال.
والخلايا البُلعمية نوعان، العَدِلات neutrophils والبلاعم الكبيرة macrophages. وينتج نِقْي العظم نحو مئة بليون عَدِلة يوميا. وهي تعيش اياما قليلة فقط، ولكن خلال الخمج، ترتفع اعدادها فجأة، اذ تزداد خمسة اضعاف. وكل عَدِلة يمكن ان تبتلع وتهلك ما يصل الى ٢٥ من البكتريا ثم تموت، لكنّ الاستبدال يأتي في دفق مستمر. أما البلاعم الكبيرة فيمكن ان تُهلك مئة غازٍ قبل ان تموت. وهي اكبر، امتن، وتعيش فترة اطول من العَدِلات. وتستجيب بطريقة واحدة فقط للغزاة والقمامة على السواء — فهي تأكلها. ولكن من الخطإ التفكير في البلاعم الكبيرة بأنها فقط وحدات للتخلص من النفايات. «يمكنها ان تصنِّع ما قدره ٥٠ نوعا مختلفا من الانزيمات والعميلات المضادة للميكروبات» وتعمل كحلقات اتصال بين «ليس فقط خلايا الجهاز المناعي بل ايضا الخلايا التي تُنتج الهرمونات، الخلايا العصبية، وأيضا خلايا الدماغ.»
ساعدونا! عدوّ في وسطنا!
عندما تتناول البُلعمة الكبيرة عضوية دقيقة معادية، تفعل اكثر من مجرد اكلها. فككل خلايا الجسم تقريبا، تحمل على سطحها جزَيْئات الـ MHC التي تثبت هويتها بصفتها الذات. ولكن عندما تأكل البُلعمة الكبيرة جرثومة، يستطيل جزَيْء الـ MHC ويَعرض كِسرة من مولد الضد المعادي هذا في احد الاخاديد على سطحها. ثم يعمل هذا الشريط من مولد الضد كراية حمراء للجهاز المناعي، معلنا الانذار بأن عضوية غريبة هي طليقة في داخلنا.
وباعلان هذا الانذار، تطلب البُلعمة الكبيرة امدادات عسكرية، بلاعم كبيرة اكثر، ملايين منها! وهنا حيث تستجيب الخلية التائية المساعِدة. فبلايين منها تجول في الجسم، ولكن لا بد للبلاعم الكبيرة ان تستنفر نوعا محدَّدا. فهي تحتاج الى واحد بنوع مستقبِلة يوافق مولد الضد الخصوصي الذي تَعرضه البُلعمة الكبيرة.
حالما يصل هذا النوع من الخلايا التائية المساعِدة ويتصل بمولد الضد المعادي، تتبادل البُلعمة الكبيرة والخلية التائية المساعِدة اشارات كيميائية. وهذه المواد الكيميائية الشبيهة بالهرمونات، او اللِمفوكينات، هي پروتينات استثنائية تأتي بأعداد كبيرة مذهلة من الوظائف لتنظيم وتعزيز استجابة الجهاز المناعي للجراثيم المَرَضية. وتكون النتيجة ان البُلعمة الكبيرة والخلية التائية المساعِدة على السواء تبدأان بالتكاثر على نحو هائل. ويعني ذلك بلاعم كبيرة اكثر لتأكل عددا اكبر من الجراثيم الغازية، وعددا اكبر من النوع الصائب من الخلايا التائية المساعِدة للامساك بمولدات الضد التي تَعرضها البلاعم الكبيرة هذه. وهكذا تثور القوات المسلَّحة للقوى المناعية، وتُهزم حشود الجراثيم المَرَضية الخصوصية هذه.
[الحاشية]
a تتراوح تقديرات الكريَّات البيض بين تريليون وتريليونَيْن. وأعدادها تتبدل كثيرا. و «البليون» كما يُستعمل في هذه المقالة هو ألف مليون. و «التريليون» يعني مليون مليون.
[الاطار في الصفحتين ٤ و ٥]
«الاسلحة المصنَّعة مسبقا ضد كل غازٍ يمكن تخيله»
يحافظ الجهاز المناعي على «مستودع من الاسلحة المصنَّعة مسبقا ضد كل غازٍ يمكن تخيله.» ان هذه الوفرة من الاسلحة «يُعرف انه يجري انتاجها بعملية وراثية معقَّدة تختلط فيها اجزاء من المورِّثات genes وتتأشَّب recombine.» والآن، فان تقريرا عن اكتشاف مهم حديث يلقي ضوءا على كيفية حدوث ذلك.
«يُعتقد ان المورِّثة المكتشفة حديثا تقوم بدور مهم في عملية التأشُّب الوراثية هذه. وقد سمَّى العلماء المورِّثة 1-RAG، التي تقابل المورِّثة المنشِّطة للتأشُّب recombination activating gene.» وأُخبر عن هذا الاكتشاف في مجلة الخلية، ٢٢ كانون الاول ١٩٨٩. ولكنّ العلماء في معهد هوايتهيد للبحث الحيوي الطبي في كيمبريدج، ماساتشوستس، الولايات المتحدة الاميركية، الذين اكتشفوا 1-RAG، اقلقهم ان «مورِّثة التأشُّب كانت غير فعّالة وبطيئة اكثر من ان تشرح كيفية انتاج الجسم مثل هذا التنوُّع المستمر والباهر من الپروتينات المناعية. فلكي يواجه احتمال ايّ نوع من الغزو، لا بد ان يبقي الجسم ملايين كثيرة من الاجسام المضادة ومستقبِلات الخلايا التائية جاهزة للاستعمال، كلها في اشكال مختلفة على نحو كاف بحيث يتمكن البعض على الاقل من تمييز حتى النوع الجديد كليا من المُمْرضات.» ذا نيويورك تايمز، ٢٦ حزيران ١٩٩٠.
وهكذا بدأ هؤلاء العلماء انفسهم بالبحث عن مورِّثة اخرى للتغلب على هذه العقبة. وبعد ستة اشهر اخبرت مجلة العلم، ٢٢ حزيران ١٩٩٠، انهم وجدوها. «يقول العلماء ان المورِّثة الجديدة، 2-RAG، تعمل مع المورِّثة الاولى لتنسجا معا اجساما مضادة وپروتينات مستقبِلة بسرعة اكبر. وعندما تعملان بالترادف، يمكن للمورِّثتين ان تجعلا قطعا من الجهاز المناعي تتأشَّب بفعالية من ٠٠٠,١ الى مليون مرة اكثر مما يمكن لايّ من المورِّثتين ان تفعله على نحو مستقل.» واذ تعملان بالترادف، تُنتج 1-RAG و 2-RAG الملايين من الاجسام المضادة ومستقبِلات الخلية التائية الضرورية.
يوصَف هذا البحث بأنه «نموذج من العلم ممتاز جدا.» انه اكتشاف مهم قد يفتح الباب لفهمٍ افضل لبعض الامراض الوراثية التي تخفق فيها اجهزة دفاع الجسم. — ذا نيويورك تايمز، ٢٢ كانون الاول ١٩٨٩.
-
-
الخلايا التائية والخلايا البائية تذهب الى الكلِّيَّةاستيقظ! ١٩٩٠ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٢
-
-
الخلايا التائية والخلايا البائية تذهب الى الكلِّيَّة
لا يمكن للخلايا التائية والخلايا البائية ان تخرج مباشرة من نِقْي العظم وتنتقل الى الحرب. فأسلحتها عصرية جدا. والتدريب ذو التقنية المتطورة إلزامي قبل ان تمضي الى ساحة القتال. فستنهمك الخلايا التائية في الحرب الحيوية. وستتخصص الخلايا البائية في الصواريخ الموجَّهة. وهي تحصل على تدريبها على ذلك في الكلِّيَّات التقنية للجهاز المناعي.
لذلك يذهب نصف الملايين من الخلايا اللمفاوية التي يجري انتاجها كل دقيقة في نِقْي العظم الى غدة التوتة — غدة صغيرة مستقرة خلف عظم القص — من اجل تدريبها كخلايا تائية. وفي ما يتعلق بذلك، يقول كتاب الجسم المنتصر: «ان الخلايا اللمفاوية التي تحضر الكلِّيَّة التقنية لغدة التوتة هي الخلايا المساعِدة helper، الكابتة suppressor، والفاتكة killer التي تُدعى اللمفاويات التائية (او الخلايا التائية). وهي من بين القوى المسلَّحة الاكثر ضرورة للجهاز المناعي.»
الاجسام المضادة — ٠٠٠,١٠ للخلية الواحدة في الثانية!
ان «النصف [الآخر] من الخلايا اللمفاوية غير المدرَّبة،» يخبرنا الجسم المنتصر، هو الخلايا البائية التي تذهب الى العقد اللمفاوية والانسجة ذات العلاقة من اجل تدريبها لتستطيع ان تصنِّع وتطلق الصواريخ الموجَّهة، التي تُدعى الاجسام المضادة. وعندما «تحتشد [الخلايا البائية] في هذه الانسجة، تكون كالصفحات البيضاء: لا تعرف شيئا، ولا بد ان تتعلَّم من اللاشيء» لكي «تكتسب المقدرة لتقاوم على نحو خصوصي المواد الغريبة بالنسبة الى الجسم.» وفي العقد اللمفاوية، فان الخلية البائية الناضجة، التي تنشِّطها الخلايا التائية المساعِدة ومولد الضد ذو العلاقة، «تتكاثر وتتميَّز لتشكِّل خلايا پلازمية تفرز اجساما مضادة متماثلة ذات نوعية واحدة بمعدل ٠٠٠,١٠ جزَيْء تقريبا للخلية الواحدة في الثانية.» — علم المناعة.
لمساعدتنا على استيعاب عِظَم ما ينجزه الجهاز المناعي، تفصِّل مقالة في ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، المشكلةَ التي تواجه غدة التوتة: «بطريقة ما، اذ تنضج الخلايا التائية في غدة التوتة، تتعلَّم الواحدة ان تميِّز مولدات الضد التي لڤيروس الكُباد hepatitis virus، مثلا، والاخرى ان تثبت هوية ذرّية من مولدات الضد التي للانفلونزا، والثالثة ان تكتشف الڤيروس الانفي ١٤ 14 rhinovirus [ڤيروس للزكام]، وهلم جرا.» وبعد التعليق على «المهمة المذهلة التي تواجهها غدة التوتة،» تقول المقالة انه في الطبيعة هنالك «مولدات ضد بمئات الملايين من الاشكال المختلفة. ولا بد ان تنتج غدة التوتة مجموعة من الخلايا التائية تميِّز كل واحد. . . . وغدة التوتة تزوِّد خلايا تائية بعشرات الملايين. وعلى الرغم من ان القليل منها فقط يمكن ان يميِّز واحدا من مولدات الضد، فان القوة الاستطلاعية الجماعية واسعة على نحو يكفي لاثبات هوية التنوُّع غير المحدود تقريبا لمولدات الضد التي تنتجها الطبيعة.»
بينما كان بعض الخلايا التائية المساعِدة يحث البلاعم الكبيرة على التكاثر، كانت الاخرى في العقد اللمفاوية تقترن بالخلايا البائية الموجودة هناك، مسبِّبة تكاثرها. ويصير الكثير منها خلايا پلازمية. ومرة اخرى، لا بد ان تكون هنالك المستقبِلات الصائبة على الخلايا التائية المساعِدة لتتحد بالخلايا البائية وتجعلها تنتج الخلايا الپلازمية. وهذه الخلايا الپلازمية هي التي تبدأ بانتاج آلاف الاجسام المضادة في الثانية.
بما ان كل خلية پلازمية تصنع نوعا واحدا فقط من الاجسام المضادة، بمستقبِلة خاصة بمولد ضد مَرَضي واحد فقط، تكون البلايين بسرعة في الخطوط الامامية متوجِّهة نحو مولدات الضد التي لمرض خاص واحد. فتدرك الغزاة، مبطِّئة اياهم، مسبِّبة ان يتجمَّعوا معا، جاعلة اياهم طبق طعام اكثر اغراء لتلتهمه الخلايا البُلعمية. وهذا، بالاضافة الى اطلاق الخلايا التائية مواد كيميائية معيَّنة، يثير البلاعم الكبيرة الى جنون التغذي، مسبِّبا ان تلتهم ملايين العضويات الدقيقة الغازية.
وعلاوة على ذلك، يمكن للاجسام المضادة نفسها ان تؤدّي الى موت هذه العضويات الدقيقة. فحالما تقتفي مولدات الضد السطحية التي لها، فان جزَيْئات پروتينية خصوصية، تُدعى عوامل المتمِّمة complement factors، تندفع الى الجرثومة. وعندما يصير العدد المطلوب من عوامل المتمِّمة في المكان الصحيح، تثقب غشاء العضوية الدقيقة، يتدفَّق السائل الى الداخل، فتنفجر الخلية وتموت.
وطبعا، لا بد ان تكون لهذه الاجسام المضادة ايضا المستقبِلات الصائبة لتدرك الدخلاء. وعن هذه النقطة يقول الكتاب السنوي الطبي والصحي لعام ١٩٨٩ الذي لـ دائرة المعارف البريطانية، الصفحة ٢٧٨، ان الخلايا البائية قادرة «على انتاج ما بين ١٠٠ مليون وبليون جسم مضاد مختلف.»
الخلايا التائية الفاتكة تشنُّ الحرب الحيوية
استنفرت الخلايا التائية المساعِدة حتى الآن ملايين البلاعم الكبيرة القمَّامة لتلتهم العدوّ وأثارت الخلايا البائية بالاجسام المضادة التي لها لتنضم الى النزاع ضد الغزاة، ولكن لا تزال هنالك قوى اخرى تدعوها الخلايا التائية المساعِدة الى المعركة. فهي تنظِّم ملايين المقاتلات الاكثر اهلاكا لتنضم الى الصراع — الخلايا التائية الفاتكة.
ان هدف الڤيروسات، البكتريا، والطفيليات هو ان تدخل خلايا الجسم لانه حالما تكون هناك تصير آمنة من البلاعم الكبيرة والخلايا البائية والاجسام المضادة التي لها — ولكن ليس من الخلايا التائية الفاتكة! فالواحدة من هذه الخلايا المخموجة لا يلزم إلا ان تمر بسرعة امام خلية تائية فاتكة لتجعلها تطلق على الخلية المخموجة پروتينات مهلكة مالئة اياها ثقوبا، تدمِّر الدنا DNA التي لها، وتدلق محتوياتها في الموت. وبهذه الطريقة تستطيع الخلايا التائية الفاتكة ان تهاجم وتدمِّر حتى الخلايا الطافرة mutant والخلايا التي تحوَّلت الى سرطانية.
وبالاضافة الى الخلايا التائية الفاتكة، هنالك خلايا فاتكة اخرى في اسلحة الجهاز المناعي، اي الخلايا الفاتكة الطبيعية. وبخلاف الخلايا التائية والبائية، فان هذه الخلايا الفاتكة الطبيعية لا تحتاج ان يثيرها مولد ضد خاص. والخلايا السرطانية والخلايا التي تغزوها ڤيروسات اخرى هي عرضة لهجومها. لكنّ مقدرتها ربما لا تقتصر على الڤيروسات. والاميركية العلمية، كانون الثاني ١٩٨٨، تقول انه «يجري الاعتقاد ان اهدافها الرئيسية هي الخلايا الورمية، وربما ايضا الخلايا المخموجة بعوامل غير الڤيروسات.»
وكيف تلتقي مقاتلات المرض هذه العضويات الدقيقة الغازية؟ هل ذلك بمجرد الصدفة؟ كلا. لا يُترك شيء للصدفة. فمولدات الضد المَرَضية والخلايا التائية، الخلايا البائية، الخلايا البُلعمية، والاجسام المضادة تدور في كل الجسم بواسطة مجرى الدم والجهاز اللمفاوي. والاعضاء اللمفاوية الثانوية، كالعقد اللمفاوية، الطحال، اللوزتين، الغدّانيات adenoids، بقع النسيج المتخصص في المعي الدقيق، والزائدة، هي مواقع حيث تبدأ الاستجابات المناعية. وتقوم العقد اللمفاوية بدور رئيسي. واللِمف هو السائل الذي يغمر الخلايا في انسجتنا. وهو ينشأ في هذه الانسجة، يتجمَّع في اوعية دقيقة الجدران ويتدفق الى العقد اللمفاوية، يستمر في باقي الجهاز اللمفاوي، وأخيرا يُكمل دورته بالصبِّ في الاوردة الكبيرة التي تؤدّي الى القلب.
واذ تمرّ مولدات الضد المَرَضية عبر العقد اللمفاوية، يجري ترشيحها واحتجازها. ومقاتلات المرض للجهاز المناعي تتطلَّب ٢٤ ساعة لتكمل الدورة اللمفاوية كلها، لكنّ ٦ ساعات من هذا الوقت يجري قضاؤها في العقد اللمفاوية. وهناك تلتقي مولدات الضد الغازية المحتجَزة، وتبتدئ المعارك الرئيسية. وكذلك فان مولدات الضد المعادية التي تسير في مجرى الدم لا تفلت. فيجري توجيهها الى الطحال، حيث تنتظر مقاتلاتُ المرض لتواجهها.
والآن تنتهي الحرب في داخلنا. فقوى الغزو تُهزم. والجهاز المناعي بتريليوناته او اكثر من الكريَّات البيض قد انتصر. انه الوقت لتتولّى فئة اخرى من الخلايا التائية الامر، اي الخلايا التائية الكابتة. فعندما ترى ان الحرب قد جرى ربحها، توقف المعركة وتبطل انتاج القوى القتالية للجهاز المناعي.
الخلايا الذاكرة والمناعة، مع المضاعفات
ولكن، بحلول هذا الوقت، تكون الخلايا البائية والخلايا التائية قد انجزت خدمة حيوية اخرى: فقد انتجت الخلايا الذاكرة التي تدور في مجرى الدم والاوعية اللمفاوية طوال سنوات كثيرة — وفي بعض الحالات طوال العمر. فاذا أُصبتم يوما ما بعدوى بالذرّية نفسها لڤيروس الانفلونزا او ڤيروس الزكام، او بأية مادة غريبة اخرى جرت مواجهتها في الماضي، فان هذه الخلايا الذاكرة ستكتشفها حالا وتحث الجهاز المناعي على هجوم سريع وساحق. والخلايا الذاكرة ستُنتِج بسرعة فيضا من النوع الخاص من الخلايا البائية والخلايا التائية الذي قاوم الهجوم الاول لهذا المغير الخصوصي. وهذا الغزو الجديد يجري قمعه قبل ان ينال موطئ قدم. ان ما احتاج اولا ربما الى ثلاثة اسابيع لينهزم يجري التغلب عليه الآن قبل ان يبدأ بالعمل. فعدواكم السابقة بهذا الغازي الخصوصي تركتكم في مناعة منه.
لكنّ الصورة تتعقَّد بوجود الذرّيات المختلفة لڤيروسات الانفلونزا، الناشئة غالبا في الاجزاء المختلفة من العالم. وبالاضافة الى ذلك، هنالك نحو ٢٠٠ ذرّية من ڤيروس الزكام، وكل ذرّية لديها مولدها الضدي الخاص بها. لذلك لا بد ان يكون هنالك ٢٠٠ نوع مختلف من الخلايا التائية المساعِدة، كل نوع له مستقبِلة تطابق مولد الضد لواحد من الـ ٢٠٠ ڤيروس زكام. لكنّ ذلك ليس كل ما هنالك. فڤيروسات الزكام والانفلونزا تتغيَّر باستمرار، وكلما حدث ذلك، يكون هنالك مولد ضد زكامي او انفلونزي جديد يتطلَّب مستقبِلة خلية تائية مساعِدة جديدة لتوافقه. ان ڤيروس الزكام يستمر في تغيير الاقفال، لذلك لا بد ان تستمر الخلية التائية في تغيير المفاتيح.
وقبل ان تسخروا من الاطباء الذين لا يستطيعون معالجة الزكام الشائع، أدركوا المشكلة. فالزكام الخصوصي الذي تعانونه يمكن ان يُعالج ولا يهاجمكم ابدا مرة اخرى، لكنّ ڤيروس زكام متغيِّرا مؤخرا يظهر، ولا بد ان يزوِّد جهازكم المناعي خلية تائية مساعِدة جديدة كليا لحث القوى المناعية على مقاتلته. واذ تربحون معركة واحدة، تبتدئ الاخرى حالا. فالحرب لا نهاية لها.
الدماغ والجهاز المناعي يتصلان
لا عجب ان يُقارن الجهاز المناعي على نحو مؤات بالدماغ. والبحث يستمر ليظهر انه هو والدماغ يتحدثان احدهما مع الآخر عن صحتنا وأن العقل يمارس تأثيرا على جسمنا، بما في ذلك الجهاز المناعي. والاقتباسات التالية تشير الى علاقة بين الدماغ والجهاز المناعي. انها مسألة تأثير العقل على الجسم والجسم على العقل.
«علماء المناعة يكتشفون المزيد عن الروابط بين العقل والجسم، آليات المرض النفسي الجسدي.» — ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، ص ٧٣٣.
ان الصلة بين الجهاز المناعي والدماغ يجري تمييزها ولكن قلَّما يجري فهمها. فالاجهاد العقلي، الفاجعة، الوحدة، والكآبة تؤثر في اعمال الكريَّات البيض، او الخلايا اللمفاوية، وهذا يقلِّل من نشاط الخلايا التائية. «ان الاساس الحيوي لهذه الصلات المتبادلة يبقى غامضا الى حد بعيد. ولكن من الواضح ان الجهازين العصبي والمناعي مترابطان بطريقة معقَّدة، تشريحيا وكيميائيا.» — الآلة المذهلة، الصفحتان ٢١٧، ٢١٩.
«ان الجهاز المناعي . . . ينافس الجهاز العصبي المركزي في الحساسية، النوعية، التعقيد.» — علم المناعة، الصفحة ٢٨٣.
وأخبرت مجلة العلم عن الرابطة بين الدماغ والجهاز المناعي: «ان مقدارا كبيرا من الدليل يُظهر ان الجهازين متصلان احدهما بالآخر بطريقة معقَّدة. . . . والصورة البارزة تُظهر ان الجهازين المناعي والعصبي متكاملان الى حد بعيد، قادران على التحدث ذهابا وايابا لتنسيق نشاطاتهما.» — ٨ آذار ١٩٨٥، الصفحات ١١٩٠-١١٩٢.
كل ذلك يعكس الحكمة اللامتناهية لخالق الجهاز المناعي والدماغ كليهما. وهذا، بدوره، يجعلنا نتساءل عما اذا كان خالقنا، بعد بناء مثل هذه العجائب المذهلة فينا كالدماغ والجهاز المناعي، سيبرمجنا بعدئذ لنموت. وفي الواقع، لم يفعل ذلك؛ فالعالِم هو الذي يقول اننا مصنوعون على هذا النحو. ويُقال لنا ان الخلايا تنقسم — يُخلق في اجسامنا اكثر من ٢٠٠ مليون كل دقيقة — لتحل محل الخلايا المصابة بضرر والتالفة. ولكنّ خلايانا، يقول العلماء، تنقسم ليس اكثر من ٥٠ مرة. وبسرعة نخسر اكثر مما نستبدل، تبدأ الشيخوخة، ويتبع الموت.
لكنّ هذه ليست الطريقة التي خُلق بها الانسان؛ فالانسان جلب هذه الامور على نفسه. لقد خُلق ليحيا، يُثمر، يكثر، يملأ الارض، ويعتني بالارض — ما دام طائعا لخالقه. لكنه حُذِّر: ان لم تُطع «موتا تموت.» والانسان الاول لم يُطع، حصل على مشاعر الذنب، واختبأ. من تلك اللحظة فصاعدا، صارت البشرية تحت حكم عملية الموت. — تكوين ١:٢٦-٢٨؛ ٢:١٥-١٧، ترجمة العالم الجديد بشواهد، الحاشية؛ ٣:٨-١٠ .
وعلى مر الوقت فان المشاعر السلبية القوية ‹تنخر العظام،› و «الروح المنسحقة تجفف العظم.» وتكون النتيجة جهازا مناعيا بمقدرة ناقصة، لان نِقْي العظم الرطب السليم لازم لانتاج وفرة من الكريَّات البيض المقاتلة للمرض. — امثال ١٤:٣٠؛ ١٧:٢٢.
لكنّ عملية الموت ستُستبدل بعملية الحياة، والجهاز المناعي الذي يعمل على نحو كامل سيكون عاملا مهما في المساهمة في ذلك. وقصد يهوه في حيازة ارض فردوسية ملآنة بجنس بشري بار وطائع سيجري انجازه بواسطة الذبيحة الفدائية للمسيح يسوع. حينئذ لا احد سيمرض، والموت سيُباد، واللحم كله سيصير «اغض من لحم الصبي.» (ايوب ٣٣:٢٥؛ اشعياء ٣٣:٢٤؛ متى ٢٠:٢٨؛ يوحنا ١٧:٣؛ رؤيا ٢١:٤) وحينئذ لن يخسر الجهاز المناعي المدهش المصمَّم من يهوه معركة ضد اية عوامل غازية.
وحتى الآن، فان جهازنا المناعي، بنقائصه، هو اعجوبة الخلق. وكلما تعلَّمنا عنه اكثر، وقفنا اكثر في رهبة من خالقه العظيم، يهوه اللّٰه. ونحن ننضم الى صاحب المزمور داود في تعبيره الموحى به: «احمدك من اجل اني قد امتزت عجبا. عجيبة هي اعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا.» — مزمور ١٣٩:١٤.
[الاطار/الرسومات في الصفحتين ٨، ٩]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
المدافعات في القوات المسلَّحة للجهاز المناعي
١- الخلايا البُلعمية الخلايا المتغذية، نوعان: العَدِلات والبلاعم الكبيرة. وكلتاهما كاسحات تلتهم القمامة العديمة الحياة، الخلايا الميتة والنفايات الاخرى، وأعدادا ضخمة من الميكروبات الغازية. والبلاعم الكبيرة اكبر، امتن، اقوى من العَدِلات، اذ تعيش فترة اطول وتأكل مقدارا اكبر من العضويات الدقيقة. واذ تكون اكثر بكثير من وحدات للتخلص من النفايات، تصنِّع الانزيمات المختلفة والعميلات المضادة للميكروبات، وتعمل كحلقات اتصال بين الخلايا الاخرى للجهاز المناعي وأيضا الدماغ.
٢- MHC (مركَّب التلاؤم النسيجي الرئيسي) جزَيْئات على سطح الخلايا تحدِّد هوية الخلايا كجزء من الجسم. وعلى البلاعم الكبيرة، يَعرض الـ MHC مقدارا ضئيلا من مولدات الضد الخاصة بالضحايا التي جعلتها البلاعم الكبيرة طعاما، مما يثير الخلية التائية المساعِدة والبُلعمة الكبيرة على السواء لتتكاثرا على نحو استثنائي من اجل زيادة قواتهما المسلَّحة لمحاربة العدوى.
٣- الخلايا التائية المساعِدة انها رؤساء العمليات للجهاز المناعي، اذ تحدِّد هوية الاعداء وتثير عملية انتاج المحاربين الآخرين للجهاز المناعي، حاشدة قواهم لينضموا الى المعركة ضد الغزاة. وهي تستدعي الامدادات العسكرية في صفوف البلاعم الكبيرة، الخلايا التائية والخلايا البائية الاخرى، وتثير عملية انتاج الخلايا الپلازمية.
٤- اللِمفوكينات پروتينات شبيهة بالهرمونات، بما في ذلك الانترلوكينات وڠاما انترفرون، بواسطتها تتصل الخلايا المناعية احداها بالاخرى. انها تنشِّط تفاعلات حيوية كثيرة للجهاز المناعي، معزِّزة بذلك استجابته للجراثيم المَرَضية.
٥- الخلايا التائية الفاتكة هذه الخلايا التائية تدمِّر الخلايا التي اختبأت فيها الڤيروسات والميكروبات. فهي توجِّه پروتينات مهلكة نحو هذه الخلايا، جاعلة ثقوبا في اغشيتها ومسبِّبة تمزيق الخلايا. وهي ايضا تتخلص من الخلايا التي تحوَّلت الى سرطانية.
٦- الخلايا البائية تحت تأثير الخلايا التائية المساعِدة، فان الخلايا البائية تزداد في العدد، والبعض ينقسم وينضج ليصير خلايا پلازمية.
٧- الخلايا الپلازمية تُنتج هذه الخلايا الاجسام المضادة بالملايين، التي، مثل الصواريخ الموجَّهة، تدور بعد ذلك في كل الجسم.
٨- الاجسام المضادة عند التقاء الاجسام المضادة بمولدات الضد يمكن لمستقبِلاتها ان تدركها، تقبض عليها، تبطِّئها، تسبِّب تجمُّعها معا لتصير طبق طعام مغريا تلتهمه الخلايا البُلعمية. او تقوم بالمهمة هي نفسها، بمساعدة عوامل المتمِّمة.
٩- پروتينات المتمِّمة حالما تقتفي الاجسام المضادة سطح العضوية الدقيقة، فان الپروتينات التي تدعى المتمِّمة تندفع اليها وتحقن سائلا فيها، جاعلة اياها تنفجر وتموت.
١٠- الخلية التائية الكابتة عندما تُكبح العدوى ويربح الجهاز المناعي، تبدأ الخلايا التائية الكابتة بالعمل وتستخدم اشارات كيميائية لتوقف سلسلة الاستجابات المناعية بكاملها. ويجري ربح المعركة.
١١- الخلايا الذاكرة بحلول هذا الوقت تكون الخلايا التائية والخلايا البائية قد انتجت وتركت وراءها الخلايا الذاكرة التي تدور في مجرى الدم والجهاز اللمفاوي طوال سنوات، وحتى طوال العمر. فاذا جرى شنّ غزو آخر من قبل النوع نفسه للعضوية التي هُزمت سابقا، تشنّ هذه الخلايا الذاكرة هجوما ساحقا، ويجري قهر هذا الغزو الجديد بسرعة. فالجسم الآن في مناعة من هذه العضوية الدقيقة الخصوصية. هذه هي الآلية التي تجعل عمليات التلقيح فعّالة في التخلص من الامراض التي كانت ذات مرة اسبابا لألم كبير — الحَصْبة، الجُدَريّ، التيفوئيد، الخانوق، وأمراض اخرى.
[الاطار في الصفحة ١٠]
زيادة انفجارية في المعرفة، لكنّ اللغز يبقى
بما ان ڤيروس الأيدز ضرب وركَّز انتباهه على الجهاز المناعي لتعطيله، انطلق البحث بسرعة. والمعرفة ازدادت على نحو هائل. على الرغم من ذلك، فان الجهاز المناعي معقَّد بطريقة مذهلة حتى ان الكثير عنه يبقى لغزا، كما تُظهر الاقتباسات التالية من علماء المناعة.
يقول عالم المناعة جون كاپلر: «ان الحقل يتقدم بسرعة كبيرة حتى ان المجلات تكون قديمة في الوقت الذي تصدر فيه.» — تايم، ٢٣ ايار ١٩٨٨، الصفحة ٥٦.
وعالم المناعة ليرويْ هود، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يقول: «لقد نلنا فهما جيدا لعتاد الجهاز المناعي، لكننا تقريبا لا نعرف شيئا بعدُ عن البرنامج الذي يسيِّر الجهاز — المورِّثات التي تقول لخلايانا ما يجب ان تفعل.» وفي ما يتعلق بالاشارات الكيميائية الشبيهة بالهرمونات التي تثير ردود الفعل، اللِمفوكينات، يقول هود ان التي اكتُشفت حتى الآن هي «مجرد رأس الجبل الجليدي.» — ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، الصفحة ٧٣٢؛ تايم، ٢٣ ايار ١٩٨٨، الصفحة ٦٤.
والباحث ادوَرد برادلي: «من المحتمل اننا نعرف القليل عن الجهاز المناعي الآن كما كان كولومبس يعرف عن الاميركيتين بعد رحلته الاولى.» — ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، الصفحة ٧٣٢.
[الاطار في الصفحة ١١]
ان تدخين الماريجوانا «يقوم بدور حاسم في إضعاف الجهاز المناعي اذ يحدّ من نموّ كريَّات بيض معيَّنة.» — الكيميائي الصناعي، تشرين الثاني ١٩٨٧، الصفحة ١٤.
[الاطار في الصفحة ١١]
عندما تصير الحرب حربا اهلية
«ان المقدرة على التمييز بين الذات واللاذات هي السمة المميِّزة للجهاز المناعي.» (علم المناعة، الصفحة ٣٦٨) ولكن عندما يخفق الجهاز — كما يفعل في بعض الاحيان — يفشل في التمييز بين الذات واللاذات وينتهي به الامر الى حرب اهلية، مقاتلا نفسه. والاسقام التي تصيبنا آنذاك تُدعى امراض المناعة الذاتية autoimmune diseases. ويُعتقد ان يكون بينها الحمّى الروماتزمية، التهاب المفاصل شبه الرَّثْييّ، التصلُّب المتعدِّد، داء السكري من النوع ١، الوهن العضليّ الوخيم، والذَّأَب الحُمامي الجهازي.
وبالاضافة الى ذلك، يخطئ الجهاز المناعي احيانا عندما يعتبر الدخلاء العديمي الاذى اعداء خطرين. فيمكن ان يسبِّب مقدار ضئيل من اللقاح، جُسَيْم من الغبار، قشور الرأس الحيوانية، او عضَّة سلطعون ردَّ فعل ارجيّا allergic. فيجري انتاج كميات زائدة من المواد الكيميائية الفعّالة، كالهستامينات، لتقاتل اجزاء هي غير مؤذية بحد ذاتها. وأعراض ردود الفعل الارجيّة هذه يمكن ان تكون مزعجة جدا — الازيز، العُطاس، الزكام الانفي، انف سيّال، اعين دامعة. واذا كانت متطرفة فان ردود الفعل هذه يمكن ان تؤدي الى حالة شبيهة بالصدمة تدعى تحساسا anaphylaxis ويمكن ايضا ان تسبب الموت.
[الاطار في الصفحة ١٢]
يزداد الدليل على ان نقل الدم مؤذ للجهاز المناعي. ومئات المقالات العلمية على مرّ السنوات العديدة الماضية ربطت نقل الدم بالكبت المناعي. «ان وحدة واحدة من الدم الكامل كانت كافية لرؤية كبت المناعة،» ذكر احد التقارير. — اخبار العالم الطبية، ١١ كانون الاول ١٩٨٩، الصفحة ٢٨.
-