-
سفر الكتاب المقدس رقم ١٨: ايوب«كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع»
-
-
١ ماذا يعني اسم ايوب، وأيّ سؤالين يجيب عنهما سفر ايوب؟
احد اقدم الاسفار المقدسة الموحى بها! انه سفر له اسمى درجات الاعتبار ويُستشهَد به كثيرا، ولكنه سفر قلَّما يفهمه الجنس البشري. لماذا كُتب هذا السفر، وما قيمته لنا اليوم؟ الجواب مُشار اليه في معنى اسم ايوب: «هدف عداء.» نعم، يطرح هذا السفر على بساط البحث سؤالين مهمَّين: لماذا يتعذب الابرياء؟ ولماذا يسمح اللّٰه بالشر في الارض؟ وفي الاجابة عن هذين السؤالين لدينا سجل عذاب ايوب واحتماله الكبير لنتأمل فيه. وقد دُوِّن كل ذلك، تماما كما التمس ايوب. — ايوب ١٩:٢٣، ٢٤.
٢ ماذا يبرهن ان ايوب كان شخصا حقيقيا؟
٢ لقد صار اسم ايوب مرادفا للصبر والاحتمال.
-
-
سفر الكتاب المقدس رقم ١٨: ايوب«كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع»
-
-
حصلت تجربة ايوب بعد زمن طويل من ايام ابراهيم. كان ذلك في وقت لم يكن فيه «مثل [ايوب] في الارض. رجل (بلا لوم) ومستقيم.» (١:٨) ويبدو ان ذلك الوقت هو الفترة الممتدَّة بين موت يوسف (١٦٥٧ قم)، وهو رجل ايمان بارز، والوقت الذي باشر فيه موسى مسلك استقامته. لقد برز ايوب في العبادة الطاهرة في هذه الفترة لتلوُّث اسرائيل بالعبادة الابليسية لمصر. وعلاوة على ذلك، تشير الممارسات المذكورة في الاصحاح الاول من ايوب، وقبول اللّٰه لأيوب كعابد حقيقي، الى ازمنة الآباء الاجلَّاء بدلا من الفترة اللاحقة من ١٥١٣ قم فصاعدا، التي تعامل فيها اللّٰه على وجه الحصر مع اسرائيل تحت الناموس.
-
-
سفر الكتاب المقدس رقم ١٨: ايوب«كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع»
-
-
٧ في ايّ وضع نجد ايوب عند مُستهَلّ السفر؟
٧ مقدمة سفر ايوب (١:١-٥). نتعرَّف هنا بأيوب، رجل ‹بلا لوم ومستقيم يتَّقي اللّٰه ويحيد عن الشر.› ان أيوب سعيد، له سبعة بنين وثلاث بنات. وهو صاحب ارض غني ماديا له الكثير من القطعان والمواشي. ولديه الكثير من الخَدم وهو «اعظم كل بني المشرق.» (١:١، ٣) ولكنه ليس ماديا، لأنه لا يضع ثقته في ممتلكاته المادية. انه ايضا غني روحيا، غني في الاعمال الحسنة، راغب في كل الاوقات في مساعدة مَن هو بائس او في ضيق، او إعطاء لِبْس لأي محتاج. (٢٩:١٢-١٦؛ ٣١:١٩، ٢٠) والجميع يحترمون ايوب. انه يعبد الاله الحق، يهوه. ويرفض ان يسجد للشمس والقمر والنجوم كما تفعل الامم الوثنية، وهو من ناحية اخرى امين ليهوه، يحافظ على استقامته امام الهه ويتمتع بعلاقة حميمة به. (٢٩:٧، ٢١-٢٥؛ ٣١:٢٦، ٢٧؛ ٢٩:٤) ويخدم ايوب ككاهن لعائلته، مقدِّما محرقات قانونيا، لئلا يكونوا قد أخطأوا.
٨ (أ) كيف يتحدى الشيطان استقامة ايوب؟ (ب) كيف يقبل يهوه التحدي؟
٨ الشيطان يتحدَّى اللّٰه (١:٦–٢:١٣). بصورة رائعة، تُرفع ستارة الخفاء بحيث يمكننا ان نلقي نظرة على الامور السماوية. فيُرى يهوه وهو يترأس محفلا لبني اللّٰه. ويظهر الشيطان ايضا بينهم. يلفت يهوه الانتباه الى عبده الامين ايوب، ولكنَّ الشيطان يتحدَّى استقامة ايوب، متَّهما ان ايوب يخدم اللّٰه بسبب الفوائد المادية التي ينالها. وإن يسمح اللّٰه للشيطان بأن يسلبه هذه، فإن ايوب يحيد عن استقامته. يقبل يهوه التحدي، شرط ان لا يمسَّ الشيطان ايوب نفسه.
٩ (أ) اية امتحانات قاسية تحلّ بأيوب؟ (ب) ماذا يبرهن انه يحافظ على الاستقامة؟
٩ تبتدئ مصائب كثيرة تحلّ بأيوب الذي كان يحيا مطمئنا. فتنهب غارات السَّبئيين والكلدانيين غناه الطائل. وتقتل ريح عاصفة بنيه وبناته. ويفشل هذا الامتحان القاسي في جعل ايوب يلعن اللّٰه او يتحوَّل عنه. وعوضا عن ذلك، يقول، «فليكن اسم الرب مباركا.» (١:٢١) وإذ ينهزم الشيطان ويتبرهن انه كاذب في هذه التهمة، يظهر ثانية امام يهوه ويتَّهم: «جلد بجلد وكل ما للانسان يعطيه لاجل نفسه.» (٢:٤) ويدَّعي الشيطان انه اذا سُمِح له بأن يمسّ جسم ايوب، فسيتمكن من جعل ايوب يلعن اللّٰه في وجهه. واذ يُسمح له بأن يفعل كل شيء سوى ان يأخذ حياة ايوب، يضرب الشيطان ايوب بمرض كريه. فيصير لحمه ‹لابسا الدود مع مَدَرِ التراب،› ويصير جسده ونَفَسه منتنَين عند زوجته واقربائه. (٧:٥؛ ١٩:١٣-٢٠) وإذ تشير زوجة ايوب الى انه لم يكسر استقامته، تحثه: «هل انت متمسِّك بعد باستقامتك؟ العن اللّٰه ومت!» فيوبِّخها ايوب ولا ‹يخطئ بشفتيه.› — ٢:٩، عج، ١٠ .
١٠ اية ‹تعزية› صامتة يقدِّمها الشيطان؟
١٠ يقيم الشيطان الآن ثلاثة اصحاب، فيأتون لكي ‹يعَزّوا› ايوب. انهم أليفاز، بِلْدَد، وصوفَر. ومن بعيد لا يعرفون ايوب، ولكنهم بعدئذ يرفعون اصواتهم ويبكون ويذرّون ترابا على رؤوسهم. ثم يجلسون امامه على الارض دون ان يقولوا كلمة. وبعد سبعة ايام وسبع ليالٍ من هذه ‹التعزية› الصامتة، يقطع ايوب اخيرا حبل الصمت بافتتاح مناظرة طويلة مع المدَّعين انهم مؤاسوه. — ٢:١١.
١١-١٣ كيف يفتتح ايوب المناظرة، اي اتهام يصنعه أليفاز، وما هو جواب ايوب الشجاع؟
١١ المناظرة: الجولة الاولى (٣:١–١٤:٢٢). من هذه النقطة فصاعدا، تنكشف الرواية المسرحية تدريجيا في شعر عبراني سامٍ. يستنزل ايوب الشر على يوم ولادته ويتساءل لماذا يسمح له اللّٰه ان يستمر في العيش.
١٢ ردًّا على ذلك، يتَّهم أليفازُ ايوبَ بعدم الاستقامة. ويعلن ان المستقيمين لا يهلكون ابدا. ويتذكَّر رؤيا ليلية اخبره فيها صوت ان اللّٰه لا يأتمن عبيده، وخصوصا اولئك الذين هم من مجرد طين، تراب الارض. ويشير الى ان عذاب ايوب هو تأديب من اللّٰه الكلي القدرة.
١٣ يجاوب ايوب أليفاز بشجاعة. ويصرخ صرخة ايّ مخلوق يعاني الاضطهاد والشدة. فالموت راحة له. ويلوم اصحابه بشدَّة على تآمرهم عليه ويحتجّ: «علِّموني فأنا اسكت. وفهِّموني في ايّ شيء ضللت.» (٦:٢٤) ويدافع ايوب عن بره امام اللّٰه، «رقيب الناس.» — ٧:٢٠.
١٤، ١٥ ما هي حجَّة بِلْدَد، ولماذا يخشى ايوب ان يخسر دعواه مع اللّٰه؟
١٤ يُدلي بِلْدَد الآن بحجته، ملمِّحا الى ان بني ايوب قد اخطأوا وأن ايوب نفسه ليس مستقيما، وإلا لكان اللّٰه سمعه. ويشير على ايوب ان ينظر الى الاجيال السابقة والى الامور التي بحث عنها آباؤهم كمصدر للارشاد.
١٥ يجاوب ايوب، مؤكدا ان اللّٰه ليس بظالم. وليس على اللّٰه ايضا ان يعطي حسابا للانسان، لأنه «فاعل عظائم لا تُفحص وعجائب لا تُعَدّ.» (٩:١٠) ولا يقدر ايوب ان يربح القضية ضد يهوه كخصم له في القضاء. فلا يَسَعُه إلَّا ان يسترحم اللّٰه. ولكن، هل من فائدة من طلب فعل ما هو صواب؟ «ان الكامل والشرير هو يفنيهما.» (٩:٢٢) وفي الارض ليس من دينونة بارة. ويخشى ايوب ان يخسر دعواه حتى مع اللّٰه. انه بحاجة الى وسيط. ويسأل لماذا يُجرَّب، ويتوسل الى اللّٰه ان يتذكَّر انه مجبول من «طين.» (١٠:٩) انه يقدِّر لطف اللّٰه السابق، ولكنه يقول ان اللّٰه انما سيغتاظ اكثر اذا جادله، ولو كان ايوب على صواب. فيا ليته يُسلم الروح!
١٦، ١٧ (أ) اية نصيحة تنمّ عن الاعجاب بالنفس يقدمها صوفَر؟ (ب) كيف يقيِّم ايوب ‹معزِّيه،› وعن اي ثقة قوية يعبِّر؟
١٦ يدخل صوفَر الآن في المناظرة. فيقول في الواقع: هل نحن اولاد، لنصغي الى كلام فارغ؟ انت تقول انك طاهر حقا، ولكن ليت اللّٰه يتكلم، فيكشف ذنبك. ويسأل ايوبَ: «أَلعلك تدرك اعماق اللّٰه.» (١١:٧، ترجمة تفسيرية ) وينصح ايوبَ ان يطرح عنه الممارسات المؤذية، لأن البركات تحلّ على الذين يفعلون ذلك، أَمَّا «عيون الاشرار فتتلف.» — ١١:٢٠.
١٧ يصرخ ايوب بسخرية شديدة: «صحيح انكم انتم شعب ومعكم تموت الحكمة.» (١٢:٢) فهو، وإن كان هدفا للسخرية، ليس ادنى شأنا. وإذا نظر اصحابه الى خلائق اللّٰه، فحتى هذه تعلِّمهم شيئا. ان القوة والحكمة العملية هما للّٰه، الذي يضبط كل الاشياء، حتى انه «يُكثِّر الامم ثم يبيدها.» (١٢:٢٣) ويجد ايوب مسرَّة في مناقشة دعواه مع اللّٰه، اما ‹معزُّوه› الثلاثة «فملفِّقو كذب. اطباء بطَّالون كلكم.» (١٣:٤) ويكون حكمة من جهتهم ان يبقوا صامتين! وهو يعبِّر عن الثقة بصواب دعواه ويطلب من اللّٰه ان يسمع له. وينتقل الى الفكرة ان «الانسان مولود المرأة قليل الايام وشبعان تعبا.» (١٤:١) فالانسان يمضي سريعا، كالزهر او الظل. ولا يمكن إخراج الطاهر من النجس. وإذ يصلِّي ان يخفيه اللّٰه في الهاوية الى ان ينصرف غضبه، يسأل ايوب: «إِنْ مات رجل أفيحيا (ثانية).» ويجيب معبِّرًا عن رجاء قوي: «اصبر الى ان يأتي [إليَّ الفرَج، الترجمة العربية الجديدة ].» — ١٤:١٣، ١٤.
١٨، ١٩ (أ) بأي استهزاء يفتتح أليفاز جولة المناظرة الثانية؟ (ب) كيف يعتبر ايوب ‹تعزية› اصحابه، ومن اجل ماذا يتطلع الى يهوه؟
١٨ المناظرة: الجولة الثانية (١٥:١–٢١:٣٤). عند افتتاح المناظرة الثانية، يهزأ أليفاز بمعرفة ايوب، قائلا انه «يملأ بطنه من ريح شرقية.» (١٥:٢) ومرة ثانية يستخف بادّعاء ايوب الاستقامة، معتبرا انه لا الانسان المائت ولا القديسون في السموات يمكن ائتمانهم في عيني يهوه. ويتَّهم ايوب بشكل غير مباشر بمحاولة التجبُّر على اللّٰه وبممارسة الارتداد والرشوة والغش.
١٩ يردّ ايوب ان اصحابه ‹معزّون متعبون بكلام فارغ.› (١٦:٢، ٣) ولو كانوا مكانه، لما انَّبهم. انه يرغب كثيرا في ان يبرَّر، وهو يتطلَّع الى يهوه، الذي لديه سجله والذي سيبتّ في دعواه. ولا يجد ايوب في اصحابه حكمة. فهم يُبعدون كل رجاء. و ‹تعزيتهم› مثل القول ان الليل نهار. والرجاء الوحيد هو ‹الهبوط الى الهاوية.› — ١٧:١٥، ١٦.
٢٠، ٢١ اي احتداد يعبِّر عنه بِلْدَد، وعلامَ يحتج ايوب، وأين يُظهر ايوب ان ثقته هي؟
٢٠ يحتدم النقاش. وبِلْدَد الآن مُحْتدّ، لأنه يشعر ان ايوب قارن اصدقاءه ببهائم دون فهم. فيسأل ايوبَ، «هل لأجلك تُخلى الارض.» (١٨:٤) ويحذِّر ان ايوب سيقع في شرك رهيب، عِبْرة للآخرين. ولن تكون لأيوب ذرية تخلفه.
٢١ فيجيب ايوب: «حتى متى تعذِّبون نفسي وتسحقونني بالكلام.» (١٩:٢) لقد خسر عائلته وأصدقاءه، وزوجتُه وأهلُ بيته تحوَّلوا عنه، ولم ينجُ هو نفسه إلا ‹بجِلْد اسنانه.› (١٩:٢٠) انه يثق بظهور فادٍ يسوِّي القضية لمصلحته، لكي ‹يرى اللّٰهَ › اخيرا. — ١٩:٢٥، ٢٦، عج.
٢٢، ٢٣ (أ) لماذا يشعر صوفَر بالاستياء، وماذا يقول عن خطايا ايوب المزعومة؟ (ب) بأية حجة مفحِمة يجاوب ايوب؟
٢٢ كبِلْدَد، يشعر صوفَر بالاستياء لأن عليه ان يصغي الى «تعيير توبيخ» ايوب. (٢٠:٣) ويكرِّر ان خطايا ايوب قد لحقت به. فالاشرار ينالون دائما العقاب من اللّٰه، وعلى حدّ قول صوفَر، لا راحة لهم حتى عندما يتمتعون بالازدهار.
٢٣ يجاوب ايوب بحجة مفحِمة: اذا كان اللّٰه دائما يعاقب الاشرار هكذا، فلماذا يحيا الاشرار ويشيخون ويعظم غناهم؟ انهم يقضون ايامهم بالخير. أتحلّ عليهم المصيبة غالبا؟ انه يُظهر ان الاغنياء والفقراء يموتون على السواء. وفي الواقع، غالبا ما يموت الشرير ‹مطمئنا وساكنا،› في حين ان البار قد يموت «بنفس مرة.» — ٢١:٢٣، ٢٥.
٢٤، ٢٥ (أ) اي افتراء كاذب على ايوب يفتريه أليفاز ببرّ ذاتي؟ (ب) بأي دحض وتحدٍّ يجيب ايوب؟
٢٤ المناظرة: الجولة الثالثة (٢٢:١–٢٥:٦). يعود أليفاز بضراوة الى الهجوم، مستهزئا بادّعاء ايوب انه بلا لوم امام الكلي القدرة. ويفتري افتراء كاذبا على ايوب، مدَّعيا انه رديء، وقد استغل الفقير ومنع الخبز عن الجائع وأساء معاملة الارامل واليتامى. ويقول أليفاز ان حياة ايوب الخاصة ليست طاهرة كما يدَّعي وأن ذلك يفسِّر حالة ايوب الرديئة. ولكن «إنْ رجعتَ الى القدير،» يقول أليفاز بتنغيم، «يستمع لك.» — ٢٢:٢٣، ٢٧.
٢٥ وإجابة عن ذلك يدحض ايوب تهمة أليفاز الفظيعة، قائلا انه يرغب في محاكمة امام اللّٰه، الذي يدرك مسلكه البار. ان هنالك مَن يظلمون اليتيم والارملة والفقير، ويرتكبون الجرائم ويسرقون ويزنون. صحيح انهم حسب الظاهر يزدهرون لفترة، ولكنهم سينالون جزاءهم. فهم سيُبادون. «وإن لم يكن كذا فمن يكذِّبني،» يتحدَّى ايوب. — ٢٤:٢٥.
٢٦ ماذا هنالك بعدُ لدى بِلْدَد وصوفَر ليقولاه؟
٢٦ يردّ بِلْدَد ردّا وجيزا على ذلك، مؤكدا حجته انه ما من انسان يمكنه ان يكون طاهرا امام اللّٰه. ولا يشترك صوفَر في هذه الجولة الثالثة. فليس لديه ما يقوله.
٢٧ كيف يمجد ايوب الآن عظمة الكلي القدرة؟
٢٧ حجة ايوب الختامية (٢٦:١–٣١:٤٠). في خُطبة اخيرة مطوَّلة، يُسكت ايوب اصحابه تماما. (٣٢:١٢، ١٥، ١٦) وبتهكُّم شديد يقول: «يا لكم من عون كبير للخائر! . . . اية مشورة اسديتم للاحمق!» (٢٦:٢، ٣، تف ) ولكن لا شيء، ولا حتى الهاوية، يمكن ان يخفي شيئا عن نظر اللّٰه. ويصف ايوب حكمة اللّٰه في الفضاء الخارجي، الارض، الغيوم، البحر، والريح — وكلها لاحظها الانسان. وهذه ليست سوى اطراف طرق الكلي القدرة. وهي لا تكاد تكون إلا هَمْسًا خفيفًا عن عظمة الكلي القدرة.
٢٨ اية عبارة صريحة يقولها ايوب عن الاستقامة؟
٢٨ وإذ يكون مقتنعا ببراءته، يعلن: «حتى أُسلم الروح لا اعزل (استقامتي) عني.» (٢٧:٥) لا، لم يفعل ايوب شيئا ليستحق ما حلّ به. وخلافا لاتّهاماتهم، سيكافئ اللّٰه الاستقامة بالتأكد ان الامور التي يخزنها الاشرار في ازدهارهم سيرثها الابرار.
٢٩ كيف يصف ايوب الحكمة؟
٢٩ يعلم الانسان من اين تأتي كنوز الارض (الفضة، الذهب، النحاس)، ولكن «من اين تأتي الحكمة.» (٢٨:٢٠) لقد فتَّش عنها بين الاحياء؛ لقد بحث في البحر؛ ولا يمكن شراؤها بالذهب او الفضة. فاللّٰه هو الذي يفهم الحكمة. انه ينظر الى اقاصي الارض والسموات، يوزِّع الريح والمياه، ويضبط المطر والغيوم التي تنذر بالعاصفة. ويختتم ايوب: «هوذا مخافة الرب هي الحكمة والحَيَدان عن الشر هو الفهم.» — ٢٨:٢٨.
٣٠ اي ردّ يرغب فيه ايوب، ولكن ما هي حالته الحاضرة؟
٣٠ بعد ذلك يعرض ايوب البائس قصة حياته. ويرغب ان يُردّ الى حالته الحميمة السابقة مع اللّٰه، حين كان يحترمه حتى شرفاء المدينة. لقد كان منقذا للبائس وعيونا للعمي. وكانت مشورته جيدة، وانتظر الناس كلماته. اما الآن، فبدلا من ان تكون له مكانة مكرَّمة، يضحك عليه حتى اولئك الاصغر في الايام، الذين لم يكن آباؤهم يَصلحون حتى لأن يكونوا مع كلاب قطيعه. انهم يبصقون عليه ويقاومونه. والآن، في بؤسه الاعظم، لا يدعونه يرتاح.
٣١ بحكم مَن يعرب ايوب عن الثقة، وماذا يقول عن واقع سجل حياته؟
٣١ يصف ايوب نفسه انه رجل مخلص للمبادئ ويطلب ان يحاكمه يهوه. «ليزنِّي في ميزان الحق فيعرف اللّٰه (استقامتي).» (٣١:٦) ويدافع ايوب عن اعماله الماضية. فهو لم يكن زانيا، ولا شخصا يدبر مكايد للآخرين. ولم يهمل مساعدة المحتاجين. ولا اتَّكل على الغنى المادي، مع انه كان غنيا. ولم يعبد الشمس والقمر والنجوم، لأن «هذا ايضا اثم يُعرَض للقضاة لأني اكون قد جحدت اللّٰه من فوق.» (٣١:٢٨) ويدعو ايوب خصمه في القضاء ان يوجه الاتهامات الى واقع سجل حياته.
٣٢ (أ) مَن يتكلم الآن؟ (ب) لماذا يحمى غضب أليهو على ايوب وأصحابه، وما الذي يدفعه الى التكلم؟
٣٢ أليهو يتكلم (٣٢:١–٣٧:٢٤). في هذه الاثناء كان أليهو، وهو متحدِّرٌ من بوز أحدِ ابناء ناحور، وبالتالي نسيبٌ بعيد لابراهيم، يصغي الى المناظرة. لقد انتظر لأنه شعر بأن الاكبر سنا لا بد ان تكون لهم معرفة اعظم. ولكن ليست السن ما يعطي الفهم بل روح اللّٰه. ويحمى غضب أليهو لأن ايوب «حسِب نفسه ابرّ من اللّٰه،» ولكنه يحتدّ اكثر ايضا على اصحاب ايوب الثلاثة لافتقارهم المؤسف الى الحكمة باستذنابهم اللّٰه. لقد صار أليهو ‹ملآنا اقوالا،› وروح اللّٰه يدفعه الى التفوّه بها ولكن دون محاباة او تملُّق بَشَر بالأَلقاب. — ايوب ٣٢:٢، ٣، عج، ١٨-٢٢؛ تكوين ٢٢:٢٠، ٢١.
٣٣ بماذا اخطأ ايوب، ومع ذلك بأية نعمة سينعم عليه اللّٰه؟
٣٣ يتكلم أليهو باخلاص، معترفا ان اللّٰه هو خالقه. ويشير الى ان ايوب كان مهتما بتبرئة نفسه اكثر من تبرئة اللّٰه. وليس اللّٰه مضطرا ان يجاوب عن كل كلمات ايوب، كما لو ان عليه ان يبرِّر اعماله، ومع ذلك فقد خاصم ايوب اللّٰه. ولكن اذ تَقْرُب نَفْسُ ايوب الى الموت، ينعم اللّٰه عليه برسول، قائلا: «أُطلقه عن الهبوط الى الحفرة قد وجدتُ فدية. يصير لحمه اغضَّ من لحم الصبي ويعود الى ايام شبابه.» (ايوب ٣٣:٢٤، ٢٥) فالبارّ سيجري ردّه!
٣٤ (أ) اية توبيخات اضافية يعطيها أليهو؟ (ب) بدلا من تعظيم برِّه الخاص، ماذا يجدر بأيوب ان يفعل؟
٣٤ يدعو أليهو الحكماء الى الاصغاء. ويوبِّخ ايوبَ على قوله انه لا فائدة من محافظة المرء على الاستقامة: «حاشا للّٰه من الشر وللقدير من الظلم. لأنه يجازي الانسان على فعله.» (٣٤:١٠، ١١) فبإمكانه ان ينزع نَسَمة الحياة، فيموت كل جسد. واللّٰه يحاكم دون محاباة. لقد كان ايوب يبالغ في ابراز برِّه الخاص. وكان متسرِّعا، ليس عمدا، ولكن «بلا معرفة»؛ وكان اللّٰه طويل الاناة معه. (٣٤:٣٥) ويلزم ان يقال المزيد عن تبرئة اللّٰه. فاللّٰه لا يحوِّل عينيه عن البارّ، ولكنه يوبِّخه. وهو «لا يُحيي الشرير بل يُجري قضاء البائسين.» (٣٦:٦) وبما ان اللّٰه هو المعلِّم الاسمى، يجدر بأيوب ان يعظِّم عمل اللّٰه.
٣٥ (أ) لأي شيء يجب ان ينتبه ايوب؟ (ب) على مَن سينعم يهوه؟
٣٥ وفي الجو الموحي بالرهبة لعاصفةٍ تتشكَّل، يتكلم أليهو عن العظائم التي يصنعها اللّٰه وعن ضبطه للقوى الطبيعية. ولأيوب يقول: «قِف (وكن منتبهًا لعجائب) اللّٰه.» (٣٧:١٤) تأمل في بهاء اللّٰه الرائع وجلاله المرهب، وهما ابعد بكثير من ان يدركهما الانسان. انه «عظيم القوة والحق و (كثرة البر لا يحتقر).» نعم، سيراعي يهوه الذين يخافونه، لا اولئك ‹الحكماء في رأيهم.› — ٣٧:٢٣، ٢٤.
٣٦ بواسطة اي درس عملي وبأية سلسلة من الاسئلة يعلِّم يهوه نفسُه ايوب الآن؟
٣٦ يهوه يجيب ايوب (٣٨:١–٤٢:٦). كان ايوب قد طلب من اللّٰه ان يتكلم اليه. والآن يجيب يهوه على نحو جليل من العاصفة الريحية. فيضع امام ايوب سلسلة اسئلة هي في حد ذاتها درس عملي في صِغَر الانسان وعظمة اللّٰه. «اين كنتَ حين اسَّستُ الارض. . . . مَن وضع حجر زاويتها عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني اللّٰه.» (٣٨:٤، ٦، ٧) لقد كان ذلك قبل وقت طويل من زمن ايوب! وسؤالا تلو الآخر، تُطرح على ايوب اسئلة لا يقدر ان يجيب عنها، يشير فيها يهوه الى البحر، والسحاب لباسه، والفجر وأبواب الموت والنور والظلمة. هل «تعلم لأنك حينئذ كنتَ قد وُلدتَ وعدد ايامك كثير»؟ (٣٨:٢١) وماذا عن مخازن الثلج والبَرَد، العاصفة والمطر وقطرات الندى، الجليد والصقيع الفضي، الكوكبات السماوية الجبارة، البروق وطبقات السُّحب، والبهائم والطيور؟
٣٧ اية اسئلة اضافية تجعل ايوب يتَّضع، وماذا يضطر الى الاعتراف به وفعله؟
٣٧ يعترف ايوب بتواضع: «ها انا حقير فماذا اجاوبك. وضعتُ يدي على فمي.» (٤٠:٤) ويأمر يهوه ايوب ان يواجه القضية. ويطرح سلسلة اضافية من الاسئلة المتَّسمة بالتحدي التي ترفِّع جلاله، تفوّقه، وقوته، كما تظهر في خلائقه الطبيعية. فحتى بهيموث ولَوِياثان هما اقوى بكثير من ايوب! وإذ يتَّضع تماما، يقرّ ايوب بوجهة نظره الخاطئة، ويعترف انه تكلَّم دون معرفة. وإذ يرى ايوبُ اللّٰهَ الآن، ليس بسمع الاذن بل بالفهم، يتراجع عن كلامه ويتوب «في التراب والرماد.» — ٤٢:٦.
٣٨ (أ) كيف يصفِّي يهوه الامر مع أليفاز وصاحبيه؟ (ب) اية نعمة وبركة يمنحهما لأيوب؟
٣٨ دينونة يهوه وبركته (٤٢:٧-١٧). يتَّهم يهوه بعدئذ أليفاز وصاحبيه بأنهم لم يتكلَّموا عنه بالحق. فيجب ان يهيِّئوا ذبائح فيصلِّيَ ايوب من اجلهم. وبعد ذلك، يردّ يهوه ايوب من حالة سبيه، مباركا اياه مضاعَفًا. ويرجع اليه اخوته وأخواته وأصدقاؤه السابقون بهدايا، ويُبارَك بضعف ما كان له سابقا من الغنم والابل والبقر والأُتُن. ويكون له ثانيةً عشرة اولاد، وتكون بناته الثلاث اجمل النساء في كل الارض. وتُمدَّد حياته على نحو عجائبي ١٤٠ سنة، فيرى اربعة اجيال من ذريته. ويموت «شيخا وشبعانَ الايام.» — ٤٢:١٧.
-
-
سفر الكتاب المقدس رقم ١٨: ايوب«كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع»
-
-
لكنَّ ايوب يجري تذكّره اكثر بسبب محافظته على الاستقامة واحتماله الصبور، راسما مثالا تَبرهن انه حصن مقوٍّ للايمان لخدام اللّٰه على مر العصور وخصوصا في هذه الازمنة التي تمتحن الايمان. «قد سمعتم (باحتمال) ايوب ورأيتم عاقبة الرب. لأن الرب كثير الرحمة ورأوف.» — يعقوب ٥:١١.
-