-
اللّٰه يقصد ان يتمتع الانسان بالحياة في الفردوسبرج المراقبة ١٩٨٩ | ١ آب (اغسطس)
-
-
لا لغز بخصوص الوجود البشري
٧ لماذا لم يكن آدم متحيِّرا لوقت طويل بشأن ايجاد نفسه حيا وفي جنة فردوسية؟
٧ ليس لوقت طويل ارتبك الانسان الاول آدم بشأن الوضع الذي وجد نفسه فيه حيا ووحيدا، دون احد آخر مثله منظور في الجنة الفردوسية. لقد سمع صوتا، شخصا ما يتكلم. وفهم الانسان ذلك. ولكن اين كان المتكلم؟ فلم يرَ الانسان احدا يقوم بالتكلم. وأتى الصوت من الحيز غير المنظور، غير المرئي، وكان يخاطبه. كان صوت صانع الانسان، خالقه! وكان يمكن للانسان ان يجيبه بنوع الكلام عينه. ووجد نفسه يتكلم مع اللّٰه، الخالق. ولم يحتج الانسان الى مستقبِل راديويّ علمي حديث كي يسمع الصوت الالهي. لقد حادثه اللّٰه مباشرة كخليقة له.
٨ و ٩ (أ) اية اسئلة كان يمكن لآدم ان ينال اجوبة عنها، واي عناية واهتمام ابويين أُظهرا له؟ (ب) اي جواب ناله آدم من ابيه السماوي؟
٨ والآن عرف الانسان انه ليس وحده، ومن اجل ذلك لا بد انه شعر بأنه احسن حالا. وعقله كان مليئا بالاسئلة. وكان يمكن ان يسأل عنها الشخصَ غير المنظور الذي كان يكلِّمه. فمَن صنعه وجنة السرور هذه؟ لماذا وُضع هناك، وماذا عليه ان يفعل بحياته؟ هل هنالك ايّ قصد في العيش؟ لقد أُظهِر العناية والاهتمام الأبويان لهذا الانسان الاول، آدم، لان اسئلته نالت جوابا لإشباع عقله المستفهِم. فيا للسرور الذي كان حتما لصانعه، معطيه الحياة، ابيه السماوي، بأن يسمع الانسان يبدأ بالتكلم ويقول كلماته الاولى! ويا للسعادة التي اعطاها للأب السماوي ان يسمع ابنه يتكلم معه! والسؤال الطبيعي الاول يكون، «كيف اتيتُ الى الوجود؟» سُرّ الأب السماوي بأن يجيب عن ذلك وبالتالي ان يعترف بأن هذا الانسان الاول كان ابنه. لقد كان «ابن اللّٰه.» (لوقا ٣:٣٨) وقد عرَّف يهوه بنفسه بصفته أبا هذا الانسان الاول، آدم. ومن ابيه السماوي، ههنا جوهر الجواب الذي ناله آدم عن سؤاله والذي مرَّره الى ذريته:
٩ «وجبل الرب الاله آدم ترابا من الارض. ونفخ في انفه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية. وغرس الرب الاله جنة في عدن شرقا. ووضع هناك آدم الذي جبله. وانبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للاكل. وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر. وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير اربعة رؤوس.» — تكوين ٢:٧-١٠.b
١٠ و ١١ (أ) اية وقائع تعلَّمها آدم بوضوح، ولكن اية اسئلة اخرى احتاج ان يحصل على اجوبة عنها؟ (ب) اية اجوبة اعطى الأب السماوي آدم؟
١٠ وعقل آدم النيِّر القليل الخبرة تلقَّف بشوق هذه المعلومات التي تجلب الاكتفاء. وعندئذ عرف انه لم يأتِ من ذلك الحيِّز غير المنظور الذي كان صانعه وجابله يتكلَّم منه. وبالاحرى جُبل من الارض التي كان يعيش عليها ولذلك كان ارضيا. وأبوه ومعطيه الحياة كان يهوه اللّٰه. لقد كان «نفسا حية.» واذ نال حياته من يهوه اللّٰه كان «ابن اللّٰه.» والشجر حوله في جنة عدن انتج ثمارا جيدة للأكل، لكي يأكل ويبقى حيا كنفس حية. ولكن لماذا يجب ان يبقى حيا، ولماذا وُضع على الارض، في جنة عدن هذه؟ لقد كان انسانَ ذكاء تام التكوين وذا مقدرات جسدية، واستحق ان يعرف. وإلاّ فكيف يمكنه ان يتمم قصده في الحياة وبالتالي يسرّ صانعه وأباه بفعل المشيئة الالهية؟ إن الاجوبة عن هذه الاسئلة الملائمة أُعطيت في المعلومات التالية:
١١ «واخذ الرب الاله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. واوصى الرب الاله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل اكلا. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.» — تكوين ٢:١٥-١٧.
١٢ على ماذا لا بد ان آدم شكر خالقه، وكيف امكن الانسان بالتالي ان يمجد اللّٰه؟
١٢ لا بدّ ان آدم شكر خالقه على اعطائه شيئا يبقيه مشغولا على نحو مفيد في جنة عدن الجميلة هذه. وعندئذ عرف مشيئة خالقه، وأمكنه فعل شيء على الارض من اجله. فكانت لديه الآن مسؤولية ملقاة على عاتقه، تلك التي لعمل جنة عدن وحفظها، ولكنّ ذلك سيكون شيئا سارا لفعله. وبفعل ذلك كان يمكنه ان يبقي جنة عدن في مظهر يجلب المجد والتسبيح لصانعها، يهوه اللّٰه. وكلَّما جاع آدم من العمل كان يمكنه ان يأكل حتى الشبع من شجر الجنة. وبهذه الطريقة كان يمكنه ان يجدد قوته ويحافظ على حياته السعيدة الى وقت غير محدود — الى ما لا نهاية. — قارنوا جامعة ٣:١٠-١٣.
أمل الحياة الابدية
١٣ اي امل كان للانسان الاول، ولماذا؟
١٣ الى ما لا نهاية؟ يا لها من فكرة تكاد لا تصدَّق دون شك بالنسبة الى الانسان الكامل! ولكن لمَ لا؟ فخالقه لم تكن لديه فكرة او قصد لتدمير جنة عدن هذه المصممة على نحو بارع. ولماذا يدمر عمله الخاص حين كان حسنا جدا ومعبِّرا عن إبداعه الغني؟ فمنطقيا ما كان ليقصد ان يفعل ذلك. (اشعياء ٤٥:١٨) وبما ان هذه الجنة المنقطعة النظير كانت ستبقى قيد العمل كانت ستحتاج الى عامل وحافظ كالانسان الكامل، آدم. واذا لم يأكل الانسان الحافظ قط ثمرة «شجرة معرفة الخير والشر» المحرَّمة ما كان ليموت اطلاقا. فقد كان بامكان الانسان الكامل ان يحيا الى الابد!
١٤ كيف كان يمكن ان تكون لآدم الحياة الابدية في الفردوس؟
١٤ لقد وُضعت الحياة الابدية في جنة عدن الفردوسية امام آدم! وكان ممكنا التمتع بها الى الابد شرط ان يبقى طائعا على نحو كامل لخالقه، دون اكل الثمرة ابدا التي حرَّمها خالق الانسان. لقد كانت رغبته ان يظل الانسان الكامل طائعا ويستمر في العيش الى الابد. وتحريم ثمرة «شجرة معرفة الخير والشر» لم يكن شيئا مميتا. لقد كان مجرد امتحان لطاعة الانسان الكاملة لأبيه. وقد زوَّد فرصة للانسان كي يبرهن عن محبته للّٰه، خالقه.
١٥ لماذا استطاع آدم ان يتطلَّع الى مستقبل ساطع، بالخير على يدي خالقه؟
١٥ وبالاكتفاء القلبي بأنه لم يكن مجرد صدفة غير مقصودة بل له اب سماوي، وباستنارة عقله بفهمِ قصده في الحياة، وبالحياة الابدية في الفردوس نصب عينيه، تطلَّع الانسان الكامل الى الامام الى مستقبل ساطع. وأكل من الشجر الذي كان جيدا للأكل، متجنبا «شجرة معرفة الخير والشر.» لقد اراد ان يعرف الخير على يدي خالقه. والعمل، ليس من النوع المخرب، بل عمل جنة عدن، كان خيرا، وقد عمل الانسان الكامل.
لا شعور بالاضطرار الى شرح الامور
١٦-١٨ اية امور مدعوَّة ألغازا لم يشعر آدم بالاضطرار الى حلِّها، ولماذا؟
١٦ مال نور النهار اذ غرب النور العظيم للنهار، الذي كان يستطيع ان يميِّزه في حركته عبر السماء. وحلَّت الظلمة، الليل، وصار قادرا على تمييز القمر. ولم يملأه احساسا بالخوف؛ لقد كان النور الاصغر الذي يحكم الليل. (تكوين ١:١٤-١٨) وعلى الارجح طارت الحُبَاحِب في الجنة، ونورها البارد يَمِضُ ويَخفُق كمصابيح صغيرة.
١٧ واذ حلّ الليل وغمرته الظلمة شعر بالحاجة الى النوم كالحيوانات حوله. وعندما استيقظ ابتدأ يشعر بالجوع، فأكل بشهية جيدة من شجر الثمر المسموح به، لينال ما يمكن ان يدعى فطورا.
١٨ وإذ تجدَّد في القوة وانتعش جيدا براحة الليل حوَّل انتباهه الى عمل النهار. وإذ راقب كل الخضار حوله لم يشعر بوجوب التعمق في لغز ما كان الناس سيدعونه بعد آلاف السنين التخليق الضوئي، هذه العملية المبهمة التي بواسطتها تقوم المادة الملوِّنة الخضراء للنباتات، اليَخْضُور (الكلوروفيل) الذي لها، بتسخير طاقة نور الشمس لانتاج مواد الغذاء ليأكلها الانسان والحيوان، آخذة في الوقت نفسه ثاني أُكسيد الكربون الذي يُخرجه الانسان والحيوان في الزفير، ومعطية الأُكْسجين ليتنفَّسوه. قد يدعو البشر ذلك لغزا، ولكن لم تكن هنالك حاجة لآدم الى حلِّه. فقد كان عجيبة من خالق الانسان. وقد فهمها وجعلها تعمل لمنفعة الحياة المخلوقة على الارض. وهكذا كان كافيا للذكاء الكامل للانسان الاول ان اللّٰه، الخالق، جعل الاشياء تنمو، وعملُ الانسان المعطى من اللّٰه هو ان يعتني بأشكال الحياة النباتية هذه النامية في جنة عدن. — انظروا تكوين ١:١٢.
وحيد — إنَّما لا يعوزه الفرح
١٩ رغم الادراك انه كان وحيدا، دون ايّ امرئ آخر مثله على الارض، ماذا لم يفعله آدم؟
١٩ ان تثقُّف الانسان على يدي ابيه السماوي لم ينتهِ. لقد حفظ الانسان جنة عدن دون ايّ امرئ آخر مثله على الارض لينضم اليه او يساعده. وبقدر ما كان الامر يتعلق بجنسه، الجنس البشري، كان وحيدا. ولم ينطلق في بحثٍ لايجاد شخص مثله تكون له معه رفقة ارضية. ولم يسأل اللّٰه، اباه السماوي، ان يعطيه اخا او اختا. ووحدته كإنسان لم تدفعه اخيرا الى الجنون وتسلب الفرح من العيش والعمل. فقد كانت له مرافقة مع اللّٰه. — قارنوا مزمور ٢٧:٤.
٢٠ (أ) ماذا كانت ذروة فرح آدم وسروره؟ (ب) لماذا الاستمرار في طريقة العيش تلك لم يكن عناء منهِكا لآدم؟ (ج) ماذا ستناقشه المقالة التالية؟
٢٠ عرف آدم انه هو وعمله كانا تحت معاينة ابيه السماوي. وذروة سروره كانت في ارضاء الهه وخالقه، الذي كانت روعته ظاهرة بكل اعمال الخلق الجميلة حول الانسان. (قارنوا رؤيا ١٥:٣.) والاستمرار في طريقة العيش تلك لم يكن عناء منهِكا او عملا روتينيا مضجرا لهذا الانسان الكامل الاتزان الذي كان يستطيع ان يحادث اللّٰه. وكان اللّٰه قد وضع امام آدم عملا ممتعا، عملا فاتنا، كان سيجلب له اكتفاء وسرورا عظيمين. والمقالة التالية ستخبر المزيد عن البركات والآمال الفردوسية التي تمتع بها آدم على يدي خالقه المحب.
-
-
آمال بشرية عظمى في فردوس سروربرج المراقبة ١٩٨٩ | ١ آب (اغسطس)
-
-
«باركهم اللّٰه وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الارض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض.» — تكوين ١:٢٨.
١ و ٢ لأية غاية يعمل يهوه على نحو حبي في ما يتعلق بالبشر، وأية تعيينات عمل اعطاها لآدم؟
«اللّٰه محبة،» يجري اخبارنا في الكتاب المقدس. وهو مهتم على نحو حبي وغير اناني بالجنس البشري، ويعمل بدون انقطاع ليتمتعوا الى الابد بحياة سليمة سلمية في فردوس سرور ارضي. (١ يوحنا ٤:١٦؛ قارنوا مزمور ١٦:١١.) والانسان الاول، آدم الكامل، كان له حياة سلمية وعمل جدير بالاهتمام وممتع. وقد عيَّنه خالق الانسان ليعمل جنة عدن البهيجة. والآن اعطاه خالق الانسان مهمة اخرى، مهمة خصوصية، تعيينا فيه تحدٍّ، كما تكشف الرواية عمَّا جرى:
٢ «وجبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء. فأحضرها الى آدم ليرى ماذا يدعوها. وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها. فدعا آدم باسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية.» — تكوين ٢:١٩، ٢٠.
٣ لماذا لم يكن هنالك اي خوف من جهة آدم والخليقة الحيوانية؟
٣ دعا الانسان الفرس سوس، الثور شور، الخروف سِه، الماعز عِز، العصفور عوف، الحمامة يونَة، الطاووس توكِّي، الاسد أَريِه او أَري، الدب دُب، القرد قوف، الكلب كِلِب، الحية نحاش، وهلم جرًّا.a وعندما ذهب الى النهر الذي كان يجري من جنة عدن رأى السمك. وللسمك اعطى الاسم داجَه. ولم يشعر الانسان الأعزل بأيّ خوف من هذه الحيوانات، البهائم والوحوش، او من الطيور، وهي لم تشعر بأيّ خوف منه، هو الذي ادركت على نحو غريزي انه اعلاها رتبة، من جنس حياة اسمى. لقد كانت مخلوقات اللّٰه، التي وهبها الحياة، ولم تكن للانسان اية رغبة او ميل الى اذيتها او سلبها حياتها.
٤ ماذا يمكن ان نعتقد بخصوص تسمية آدم جميع الحيوانات والطيور، وأي نوع من الاختبار لا بد ان ذلك كان؟
٤ أما كم من الوقت عُرضت على الانسان البهائم والوحوش وطيور السماء فلا تخبرنا الرواية. كل ذلك كان تحت الارشاد والترتيب الالهيين. وعلى الارجح استغرق وقتا ان يدرس آدم كل حيوان مختلف، ملاحظا عاداته وتركيبه المميز؛ وبعدئذ كان سيختار اسما يصلح له على نحو خصوصي. وكان من الممكن ان يعني هذا مضي مقدار كبير من الوقت. وقد كان اختبارا ممتعا جدا لآدم ان يتعرَّف على هذا النحو بالحياة المخلوقة لهذه الارض بأجناسها الكثيرة، وتطلَّب مقدرة عقلية عظيمة وقوى كلام من جهته ان يميز كُلاًّ من اجناس المخلوقات الحية هذه باسم مناسب.
٥-٧ (أ) اية اسئلة تنشأ على الارجح؟ (ب) اي نوع من الاجوبة أعطي في رواية الخلق في التكوين ١:١-٢٥؟
٥ ولكن ماذا كان ترتيب خلق كل هذه المخلوقات الحية؟ هل خُلقت حيوانات البر قبل الطيور أم لا، وأين في الزمن والترتيب وقف الانسان بالنسبة الى كل هذه المخلوقات الحية من الجنس الادنى؟ كيف أعدّ اللّٰه سطح الارض لمثل هذا التنوع الواسع من الحياة المخلوقة، زوَّد الهواء الذي فيه كانت الطيور ستتمكن من الطيران في ارتفاعات كهذه، زوَّد الماء للشرب والحياة النباتية لتخدم كطعام، صنع نورا كبيرا لينير النهار ويُمكِّن الانسان من الرؤية، وصنع النور الاصغر ليُجَمِّل الليل؟ وهل كان الطقس معتدلا جدا ودافئا بحيث كان يمكن للانسان ان يجول ويعمل وينام مكشوفا وعريانا؟
٦ لم يُترك الانسان ليخمِّن الاجوبة. فعقله المستفهِم كان يستحق اجوبة ذكية من مصدر موثوق به يعرف بدقة. ولم يُهجر كابن جاهل للّٰه، ولكنَّ درجة ذكائه العالية كُرِّمت على الارجح بالتاريخ الرائع للخلق كما هو معطى في التكوين ١:١-٢٥.
٧ وعلى رواية الخلق المثيرة تلك كان آدم سيصير شاكرا جدا. فقد شرحت اشياء كثيرة. ومن الطريقة التي صيغت فيها فهم انه كانت هنالك ثلاث فترات طويلة، دعاها اللّٰه اياما حسب طريقته لقياس الوقت، قبل الفترة الخلقية الرابعة التي جعل اللّٰه فيها النورين العظيمين يظهران في جلد السموات لوسم يوم الانسان الاقصر بكثير المؤلف من ٢٤ ساعة. وهذا اليوم البشري الاقصر على الارض كان الوقت من غروب النور الاكبر الى انحداره التالي. وآدم ايضا بات يدرك انه ستكون له سنوات من الزمان، ولا شك انه بدأ فورا يحسب سني حياته. والنور الاكبر في جلد السموات كان سيمكنه من فعل ذلك. أمَّا بالنسبة الى ايام اللّٰه الخلقية الاطول فقد ادرك الانسان الاول انه كان يعيش آنذاك في اليوم السادس من عمل اللّٰه الخلقي الارضي. ولم تكن قد ذُكرت له بعدُ نهاية لذلك اليوم السادس لخلق كل حيوانات البر تلك ومن ثم لخلق الانسان على حدة. وآنذاك كان سيفهم ترتيب خلق الحياة النباتية، الحياة البحرية، حياة الطيور، وحيوانات البر. ولكنّ آدم وحده في جنة عدن لم يكن التعبير الوافي التام عن قصد اللّٰه الحبي للانسان في فردوسه الارضي.
خلق الزوجة الاولى
٨ و ٩ (أ) ماذا لاحظ الانسان الكامل بخصوص الخليقة الحيوانية، ولكن ماذا استنتج في ما يتعلق بنفسه؟ (ب) لماذا كان ملائما ان لا يطلب الانسان الكامل عشيرا من اللّٰه؟ (ج) كيف تصف رواية الكتاب المقدس خلق الزوجة البشرية الاولى؟
٨ ان الانسان الاول، بعقله وقوى ملاحظته الكاملة، رأى انه في حيِّز الطيور والحيوانات كان هنالك ذكر وانثى وأنه في ما بينهما توالدا كجنسهما. أمَّا مع الانسان نفسه فلم يكن الامر هكذا آنذاك. واذا كانت هذه الملاحظة قد أمالته الى حيازة فكرة التمتع برفقة فانه لم يجد عشيرا مناسبا بين ايٍّ ممَّا في الحيز الحيواني، ولا حتى بين القرود. وكان آدم سيستنتج انه لم يكن هنالك عشير له لأنه لو كان هنالك احد أما كان اللّٰه احضر اليه هذا العشير؟ لقد خُلِق الانسان منفصلا عن كل تلك الاجناس الحيوانية، وقد قُصِد ان يكون مختلفا! ولم يكن ميَّالا الى تقرير الامور لنفسه والصيرورة وقحا وطلب عشير من اللّٰه خالقه. لقد كان ملائما ان يترك الانسان الكامل القضية بأسرها للّٰه، لانه بعد ذلك بوقت قصير وجد ان اللّٰه قد خلص الى استنتاجاته الخاصة بشأن الوضع. وعن هذا وما جرى حينئذ تخبرنا الرواية:
٩ «وأمَّا لنفسه فلم يجد معينا (كمكمِّل له). فأوقع الرب الاله سباتا على آدم فنام. فأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحما. وبنى الرب الاله الضلع التي اخذها من آدم امرأة واحضرها الى آدم. فقال آدم هذه (اخيرا) عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لانها من امرء أُخذت. لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا. وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان.» — تكوين ٢:٢٠-٢٥.
١٠ كيف تجاوب الانسان الكامل عندما قُدِّمت له المرأة الكاملة، وعلامَ يمكن ان تكون كلماته قد دلَّت؟
١٠ كان هنالك اكتفاء تام معبَّر عنه في كلماته عندما قُدِّمت له المرأة الكاملة كمعين ومكمِّل: «هذه (اخيرا) عظم من عظامي ولحم من لحمي.» وبالنظر الى هذه الكلمات عندما رأى في آخر الامر زوجته المخلوقة حديثا، من المحتمل انه كان قد انتظر بعض الوقت لينال نظيرته البشرية المبهجة. واذ وصف مكمِّلته دعا آدم زوجته «امرأة» (إيشَّاه او، حرفيا، «انسانا انثى»)، «لانها من امرء أخذت.» (تكوين ٢:٢٣، الكتاب المقدس المرجعي لترجمة العالم الجديد، الحاشية) ولم يشعر آدم بصلة قرابة لحميّة بالطيور وحيوانات البر التي كان اللّٰه سابقا قد لفت نظره اليها كي يسميها. فلحمه كان مختلفا عن لحمها. أما هذه المرأة فكانت حقا من جنسه اللحمي. وعظم الضلع المأخوذ من جنبه صنَّع نوع الدم عينَه الذي كان في جسده الخاص. (انظروا متى ١٩:٤-٦.) وعندئذ صار له احد يستطيع ان يعمل بالنسبة اليه كنبي اللّٰه ويستطيع معه ان يشترك في رواية الخلق الرائعة.
١١-١٣ (أ) بنيل آدم زوجة، اي سؤالين قد ينشأان؟ (ب) ماذا كان قصد اللّٰه للزوجين البشريين الاولين؟ (ج) ماذا كان سيخدم كطعام للعائلة البشرية الكاملة؟
١١ ولكن ماذا كان قصد خالق الانسان في اعطائه زوجة؟ هل كان لمجرد تزويده بمعين ومكمِّل، رفيق من جنسه لمنعه من البقاء وحيدا؟ تشرح الرواية قصد اللّٰه فيما تروي لنا بركة اللّٰه التي جرى التفوه بها عند زواجهما:
١٢ «وقال اللّٰه نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض. فخلق اللّٰه الانسان على صورته. على صورة اللّٰه خلقه. ذكرا وانثى خلقهم. وباركهم اللّٰه وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الارض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض.
١٣ «وقال اللّٰه اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا. لكم يكون طعاما. ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما. وكان كذلك.» — تكوين ١:٢٦-٣٠.
آمال قدَّام الزوجين البشريين الاولين
١٤ ببركة اللّٰه، اي مستقبل كمنَ امام الرجل والمرأة الكاملين، وماذا كان يمكنهما بحق ان يتخيَّلا؟
١٤ كم كان شيئا رائعا للرجل الكامل وزوجته الكاملة ان يسمعا صوت اللّٰه يتحدث اليهما، آمرا اياهما بما يجب فعله ومباركا اياهما! وببركة اللّٰه ما كانت الحياة لتصير باطلة، بل كانا سيتمكنان من فعل ما أُمرا بفعله. ويا للمستقبل الذي كان قدَّامهما! واذ وقف الزوجان السعيدان هناك في بيتهما، جنة عدن، تأمَّلا على الارجح في ما كان سيصير اذ ينجزان مشيئة اللّٰه لهما. واذ تطلَّعت عين ذهنهما الى الامام الى المستقبل البعيد رَأَيا لا مجرد «جنة في عدن شرقا» بل كل الارض ملآنة رجالا ونساء وجوههم مشرقة. (تكوين ٢:٨) وكان قلب الرجل والمرأة سيخفق للفكرة ان جميع هؤلاء اولادهما، متحدرون منهما. والجميع كاملون، بلا عيب في الشكل والبنية الجسمانيين، لهم شباب دائم يزخر بالصحة الحسنة وفرح العيش، كلهم يعبِّرون عن المحبة الكاملة بعضهم لبعض، والكل يعبدون باتحاد خالقهم العظيم، اباهم السماوي، فاعلين ذلك الى جانب الاب والام البشريين الاولين. وكم طفح قلب الرجل والمرأة الاولين ابتهاجا بالتأكيد لفكرة حيازة عائلة كهذه!
١٥ و ١٦ (أ) لماذا كانت ستوجد وفرة من الطعام للعائلة البشرية؟ (ب) بنمو العائلة السعيدة في العدد، اي عمل كان سيوجد لهم خارج جنة عدن؟
١٥ كانت ستوجد وفرة من الطعام لكل عضو من هذه العائلة البشرية التي تملأ كل الارض. فكانت هنالك وفرة من الطعام اولا، هناك في جنة عدن. وكان اللّٰه قد زودهما وأعطاهما كل بقل يبزر بزرا ليخدم كطعام صحي داعم للحياة، اضافة الى الاشجار الحاملة الثمر. — قارنوا مزمور ١٠٤:٢٤.
١٦ وبنمو عائلتهما السعيدة في العدد كانوا سيوسِّعون الجنة الى الاراضي التي ما وراء تخوم عدن، لان كلمات اللّٰه تدل على انه خارج جنة عدن كانت الارض في حالة غير مُعدَّة. وعلى الاقل لم يكن يجري الاعتناء بها ولم يجرِ ايصالها الى مستوى العمل الرفيع عينه الذي وسم جنة عدن. من اجل ذلك امرهم خالقهم بأن ‹يُخضعوا› الارض اذ يملأونها. — تكوين ١:٢٨.
١٧ لماذا كانت ستوجد وفرة من الطعام للسكان النامين، وماذا كان سيسود اخيرا اذ يجري تكبير الجنة؟
١٧ وإذ يوسِّع الجنة الكاملون الذين يعملونها ويحفظونها فإن الارض المُخضعة كانت ستُغِلّ بوفرة للسكان النامين. وأخيرا كانت الجنة الآخذة في الكبر باطّراد ستغطي كل الارض، فيسود فردوس يعمّ الارض، ليزدهر بصفته البيت الابدي للجنس البشري. وسيكون بقعة جمال للنظر اليها من السماء، والخالق السماوي يمكنه ان يعلن انه حسن جدا. — قارنوا ايوب ٣٨:٧.
١٨ لماذا كانت جنة عدن العالمية ستخلو من الاضطراب، وأية حالة سلم كانت ستسود؟
١٨ والكل كان سيصير سلميا وخاليا من الاضطراب مثل جنة عدن تلك التي وَجد الرجل والمرأة المتزوجان حديثا انفسهما فيها. ولم تكن لتوجد حاجة الى الخوف من خطر او اذى كل تلك الحيوانات والطيور التي كان الانسان الاول، آدم، قد عاينها وسمَّاها. وكأبيهم وأمهم البشريين الاولين كان اولئك السكان الكاملون للفردوس الشامل الارض سيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى كل شيء حي يدب على الارض، حتى وحوش البرية. وبإحساس غريزي بالخضوع للإنسان الذي خُلق «على صورة اللّٰه» كانت تلك المخلوقات الحية الدنيا ستوجد في سلام معه. وأسيادها البشر الكاملون الأَرِقَّاء، في تسلطهم على هذه المخلوقات الحية الدنيا، كانوا سينمون جوا من السلام بين الخليقة الحيوانية. والتأثير السلمي لهؤلاء الأسياد البشر الشبيهين بآلهة كان سينتشر على نحو واقٍ فوق هذه المخلوقات الحية الدنيا القانعة. وقبل كل شيء كان الجنس البشري الكامل سيوجد في سلام مع اللّٰه الذي لم يكن لينزع بركته عنهم. — قارنوا اشعياء ١١:٩.
اللّٰه يستريح من اعماله الخلقية
١٩ (أ) في ما يتعلق بقصد اللّٰه، ماذا لا بد ان يكون الرجل والمرأة الاولان قد ادركا؟ (ب) ماذا بيَّن اللّٰه في ما يتعلق بالوقت؟
١٩ وإذ كان الزوجان البشريان الكاملان سيتمعَّنان في المشهد الارضي المتمَّم حسب قصد اللّٰه كانا سيدركان شيئا. فلكي ينجزا هذا التفويض الرائع من اللّٰه كان يلزم الوقت. كم من الوقت؟ كان خالقهما وأبوهما السماوي يعرف. وقد بيَّن لهما ان السلسلة العظيمة من الايام الخلقية كانت قد وصلت آنذاك الى خاتمة اخرى وأنهما كانا يقفان عند ‹المساء،› نقطة البداية ليوم جديد حسب وسم اللّٰه للايام الخلقية. وكان سيصير يوما مباركا ومقدسا لقصد اللّٰه الطاهر البار. والانسان الكامل، نبي اللّٰه، اخذ ملاحظة بذلك. والسرد الموحى به يخبرنا:
٢٠ ماذا تقول رواية الكتاب المقدس عن «اليوم السابع»؟
٢٠ «ورأى اللّٰه كل ما عمله فإذا هو حسن جدا. وكان مساء وكان صباح يوما سادسا. فأُكملت السموات والارض وكل جندها. وفرغ اللّٰه في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك اللّٰه اليوم السابع وقدسه. لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل اللّٰه خالقا. (هذا تاريخ) السموات والارض حين خُلقت. يوم عمل الرب الاله الارض والسموات.» — تكوين ١:٣١-٢:٤.
-