مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • لماذا يجب ان يكون ليهوه شهود؟‏
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
    • الفصل ١

      لماذا يجب ان يكون ليهوه شهود؟‏

      شهود يهوه معروفون عالميا بمثابرتهم على التكلم الى الناس في كل مكان عن يهوه اللّٰه وملكوته.‏ ولديهم ايضا صيت بأنهم شعب يتمسَّك بمعتقداته على الرغم من كل انواع المقاومة،‏ وحتى الموت.‏

      ‏«ان الضحايا الرئيسيين للاضطهاد الديني في الولايات المتحدة في القرن العشرين كانوا شهود يهوه،‏» يقول كتاب المحكمة والدستور،‏ لواضعه آرتشِبولد كَكْس (‏١٩٨٧)‏.‏ «شهود يهوه .‏ .‏ .‏ جرت مضايقتهم باستمرار واضطهادهم من قِبل الحكومات في كل انحاء العالم،‏» يذكر طوني هادجز.‏ «في المانيا النازية جُمعوا وأُرسلوا الى معسكرات الاعتقال.‏ وفي اثناء الحرب العالمية الثانية،‏ حُظر عمل الجمعية [برج المراقبة] في اوستراليا وكندا .‏ .‏ .‏ والآن [في سبعينات الـ‍ ١٩٠٠] تجري مضايقة شهود يهوه باستمرار في افريقيا.‏» —‏ شهود يهوه في افريقيا،‏ طبعة ١٩٨٥.‏

      فلماذا الاضطهاد؟‏ وما هو الهدف من الكرازة؟‏ هل شهود يهوه مفوَّضون حقا من اللّٰه؟‏ وعلى ايّ حال،‏ لماذا يكون ليهوه شهود —‏ وأيضا شهود بشر ناقصون؟‏ للأجوبة علاقة بقضايا يجري النظر فيها في دعوى محكمة كونية —‏ الدعوى الاكثر حسما الى حد بعيد التي يجب مناقشتها على الاطلاق.‏ فيجب ان نفحص هذه القضايا لكي نفهم لماذا لدى يهوه شهود ولماذا هؤلاء الشهود مستعدون لاحتمال حتى المقاومة الأشدّ.‏

      تحدّي سلطان يهوه

      تشمل هذه القضايا الحيوية صواب سلطان يهوه اللّٰه او حكمه الفائق.‏ فيهوه هو المتسلط الكوني بسبب كونه الخالق،‏ الاله،‏ والكلي القدرة.‏ (‏تكوين ١٧:‏١؛‏ خروج ٦:‏٣؛‏ رؤيا ٤:‏١١‏)‏ ولذلك لديه التسلُّط الشرعي على كل ما في السماء وعلى الارض.‏ (‏١ أخبار الايام ٢٩:‏١٢‏،‏ حاشية ع‌ج‏)‏ لكنه دائما يُجري سلطانه بمحبة.‏ (‏قارنوا ارميا ٩:‏٢٤‏.‏)‏ فماذا يطلب في المقابل من خلائقه الذكية؟‏ ان يحبوه ويظهروا التقدير لسلطانه.‏ (‏مزمور ٨٤:‏١٠‏)‏ ولكن منذ آلاف السنين جرى تحدّي سلطان يهوه الشرعي بقوة.‏ كيف؟‏ ومن قِبل مَن؟‏ ان التكوين،‏ السفر الاول في الكتاب المقدس،‏ يلقي ضوءا على الامر.‏

      فهو يخبر بأن اللّٰه خلق الزوجين البشريين الاولين،‏ آدم وحواء،‏ وأعطاهما موطنا فردوسيا جميلا.‏ وأوصاهما ايضا:‏ «من جميع شجر الجنة تأكل اكلا.‏ وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.‏ لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.‏» (‏تكوين ٢:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ فماذا كانت «شجرة معرفة الخير والشر،‏» وماذا يعني الاكل من ثمرها؟‏

      لقد كانت شجرة حرفية،‏ لكنَّ اللّٰه استخدمها لقصد رمزي.‏ فلأنه دعاها «شجرة معرفة الخير والشر» ولأنه اوصى ان لا يأكل الزوجان البشريان الاولان منها،‏ رمزت الشجرة على نحو ملائم الى حق اللّٰه في ان يقرِّر للبشر ما هو «خير» (‏ما يرضي اللّٰه)‏ وما هو «شر» (‏ما لا يرضي اللّٰه)‏.‏ وهكذا فإن وجود هذه الشجرة امتحن احترام الانسان لسلطان اللّٰه.‏ وللاسف،‏ عصى الزوجان البشريان الاولان اللّٰه وأكلا من الثمر المحرَّم.‏ وفشلا في هذا الامتحان البسيط ولكن العميق للطاعة والتقدير.‏ —‏ تكوين ٣:‏١-‏٦‏.‏

      ان هذا التصرف الصغير ظاهريا شكَّل تمردا على سلطان يهوه.‏ وكيف ذلك؟‏ ان فهم الطريقة التي صُنعنا بها نحن البشر هو مفتاح لفهم مغزى ما فعله آدم وحواء.‏ فعندما خلق يهوه الزوجين البشريين الاولين،‏ اعطاهما عطية رائعة —‏ الارادة الحرة.‏ ولتكميل هذه العطية،‏ اعطاهما يهوه قدرات عقلية شملت قوى الادراك،‏ التفكير،‏ والحكم.‏ (‏عبرانيين ٥:‏١٤‏)‏ فهما لم يكونا مثل الرجال الآليين العديمي العقل؛‏ ولا مثل الحيوانات،‏ التي تعمل بشكل رئيسي بالغريزة.‏ ومع ذلك،‏ كانت حريتهما نسبية،‏ خاضعة لحكم شرائع اللّٰه.‏ (‏قارنوا ارميا ١٠:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏)‏ لقد اختار آدم وحواء ان يأكلا من الثمر المحرَّم.‏ وبالتالي اساءا استعمال حريتهما.‏ فماذا قادهما الى هذا المسلك؟‏

      يوضح الكتاب المقدس ان مخلوقا روحانيا للّٰه اتخذ مسلكا متعمدا من المعارضة والمقاومة للّٰه.‏ وهذا الشخص،‏ الذي صار معروفا في ما بعد بالشيطان،‏ تكلم من خلال حية في عدن وأبعد حواء،‏ ومن خلالها آدم،‏ عن الاذعان لسلطان اللّٰه.‏ (‏رؤيا ١٢:‏٩‏)‏ وبالاكل من الشجرة،‏ وضع آدم وحواء حكمهما فوق حكم اللّٰه،‏ مما دلَّ على انهما ارادا ان يحكما لانفسهما ما هو خير وما هو شر.‏ —‏ تكوين ٣:‏٢٢‏.‏

      وهكذا فإن القضية التي أُثيرت كانت،‏ هل ليهوه الحق في حكم الجنس البشري،‏ وهل يمارس سلطانه لافضل مصالح رعاياه؟‏ جرت الاشارة الى هذه القضية بشكل واضح من خلال كلمات الحية الى حواء:‏ «أحقا قال اللّٰه لا تأكلا من كل شجر الجنة.‏» فالمعنى الضمني كان ان اللّٰه يمنع ظلما شيئا جيدا عن المرأة وزوجها.‏ —‏ تكوين ٣:‏١‏.‏

      وأثار التمرد في عدن قضية اخرى:‏ هل يمكن للبشر تحت الامتحان ان يكونوا امناء للّٰه؟‏ ان هذه القضية ذات العلاقة جرى ايضاحها بعد ٢٤ قرنا في ما يتعلق بأيوب الامين.‏ فالشيطان،‏ ‹الصوت› الذي خلف الحية،‏ تحدَّى يهوه جهارا،‏ قائلا:‏ «هل مجانا يتقي ايوب اللّٰه.‏» واتَّهم الشيطانُ:‏ «أليس انك سيَّجتَ حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية.‏ باركتَ اعمال يديه فانتشرت مواشيه في الارض.‏» وهكذا لمَّح الشيطان الى ان استقامة ايوب كانت تدفعها المنفعة الذاتية.‏ واتَّهم ايضا:‏ «جلد بجلد وكل ما للانسان يعطيه لاجل نفسه.‏» وبما انه،‏ كما ذكر يهوه،‏ ‹ليس مثل ايوب في الارض،‏› كان الشيطان في الواقع يدَّعي انه يستطيع ان يحوِّل ايّ خادم للّٰه عنه.‏ (‏ايوب ١:‏٨-‏١١؛‏ ٢:‏٤‏)‏ وهكذا فإن كل خدام اللّٰه جرى تحديهم بشكل غير مباشر في ما يتعلق باستقامتهم وولائهم لسلطانه.‏

      وما ان أُثيرت هذه القضايا حتى وجب بتّها.‏ ان مرور الوقت —‏ نحو ٠٠٠‏,٦ سنة الآن —‏ والفشل المخزي للحكومات البشرية يُظهران بوضوح ان البشر بحاجة الى سلطان اللّٰه.‏ ولكن هل يريدونه؟‏ وهل هنالك بشر يظهرون الاعتراف القلبي بسلطان يهوه البار؟‏ نعم!‏ فيهوه لديه شهوده!‏ ولكن قبل ان نتأمل في شهادتهم،‏ دعونا نفحص اولا ما تشمله الكينونة شاهدا.‏

      ما تعنيه الكينونة شاهدا

      ان كلمتي اللغتين الاصليتين المترجمتين «شاهدا» تزوِّدان بصيرة في ما تعنيه الكينونة شاهدا ليهوه.‏ ففي الاسفار العبرانية،‏ يُشتق الاسم المنقول الى «شاهد» (‏عيذ‏)‏ من فعل (‏عوذ‏)‏ يعني «يعود» او «يكرِّر،‏ يفعل مجدَّدا.‏» وفي ما يتعلق بالاسم (‏عيذ‏)‏،‏ يقول كتاب الكلمات اللاهوتي للعهد القديم‏:‏ «الشاهد هو الشخص،‏ الذي بالتكرار،‏ يؤكد بتشديد شهادته.‏ والكلمة [‏عيذ‏] هي كلمة مألوفة في لغة المحكمة.‏» ويضيف القاموس الاصولي الشامل للغة العبرانية لقراء الانكليزية:‏ «ان المعنى الاصلي [للفعل عوذ‏] كان على الارجح ‹قال تكرارا وبقوة.‏›»‏

      ان الكلمتين اليونانيتين،‏ في الاسفار المسيحية،‏ المنقولتين الى «شاهد» (‏مارتيس‏)‏ و «يشهد» (‏مَرْتيريو)‏ كانت لهما ايضا دلالة قانونية،‏ على الرغم من انهما اتَّخذتا على مرّ الوقت معنى اوسع.‏ وبحسب القاموس اللاهوتي للعهد الجديد‏،‏ فإن «فكرة الشهادة [تُستعمل] بمعنى الشهادة لوقائع يمكن التحقق منها وأيضا بمعنى الشهادة لحقائق على السواء،‏ اي جعل الاقتناعات معروفة والاعتراف بها.‏» ولذلك فإن الشاهد يروي وقائع من المعرفة الشخصية المباشرة،‏ او يعلن آراء او حقائق هو مقتنع بها.‏a

      والمسلك الامين لمسيحيي القرن الاول حمل معنى الكلمة «شاهد» خطوة ابعد.‏ فكثيرون من اولئك المسيحيين الاولين شهدوا تحت الاضطهاد وفي وجه الموت.‏ (‏اعمال ٢٢:‏٢٠؛‏ رؤيا ٢:‏١٣‏)‏ ونتيجة لذلك،‏ بحلول القرن الثاني ب‌م تقريبا،‏ اكتسبت الكلمة اليونانية التي تقابل شاهدا (‏مارتيس،‏ التي تُشتق منها ايضا الكلمة «شهيد»)‏ المعنى الذي يُطبَّق على الاشخاص الذين كانوا مستعدين ان «يختموا بالموت على جدّية شهادتهم او اعترافهم.‏» وهم لم يُدعوا شهودا لأنهم ماتوا؛‏ فقد ماتوا لأنهم كانوا شهودا اولياء.‏

      اذًا،‏ مَن كانوا الشهود الاولين ليهوه؟‏ مَن كانوا مستعدين ليعلنوا «تكرارا وبقوة» —‏ بالكلام وبالطريقة التي عاشوا بها —‏ ان يهوه هو المتسلط الشرعي المستحق؟‏ ومَن كانوا مستعدين للمحافظة على الاستقامة امام اللّٰه حتى الموت؟‏

      الشهود الاولون ليهوه

      يقول الرسول بولس:‏ «لنا سحابة [باليونانية،‏ نِفُس،‏ التي تشير الى كتلة سحاب كبيرة] من الشهود مقدار هذه محيطة بنا.‏» (‏عبرانيين ١٢:‏١‏)‏ و ‹كتلة السحاب الكبيرة› من الشهود هذه ابتدأت بالتشكُّل بعد وقت قصير من التمرد على سلطان اللّٰه في عدن.‏

      في العبرانيين ١١:‏٤‏،‏ يعرِّف بولس هابيل بأنه الشاهد الاول ليهوه،‏ قائلا:‏ «بالايمان قدَّم هابيل للّٰه ذبيحة افضل من قايين.‏ فبه شُهد له انه بار اذ شهد اللّٰه لقرابينه.‏ وبه وإن مات يتكلم بعدُ.‏» فبأية طريقة خدم هابيل كشاهد ليهوه؟‏ يتمحور الجواب حول سبب كون ذبيحة هابيل «افضل» من ذبيحة قايين.‏

      بتعبير بسيط،‏ صنع هابيل التقدمة الصائبة بالدافع الصائب ودعم ذلك بالاعمال الصائبة.‏ وبالنسبة الى هبته،‏ قدَّم ذبيحة دموية تمثل حياة ابكار غنمه —‏ في حين قدَّم قايين نتاجا عديم الحياة.‏ (‏تكوين ٤:‏​٣،‏ ٤‏)‏ وذبيحة قايين كان ينقصها دافع الايمان الذي جعل تقدمة هابيل مقبولة.‏ فلزم قايين ان يعدِّل عبادته.‏ ولكنه اظهر موقف قلبه الشرير برفض مشورة اللّٰه وتحذيره وبقتل هابيل الامين.‏ —‏ تكوين ٤:‏٦-‏٨؛‏ ١ يوحنا ٣:‏​١١،‏ ١٢‏.‏

      اعرب هابيل عن الايمان الذي كان ينقص والديه.‏ وبمسلكه الامين،‏ جعل قناعته معروفة بأن سلطان يهوه بار ويستحق التقدير.‏ وخلال القرن او نحوه الذي عاشه،‏ اظهر هابيل ان الانسان يمكن ان يكون امينا للّٰه الى درجة الختم على شهادته بالموت.‏ ويستمر دم هابيل في ‹التكلم،‏› لأن السجل الموحى به لاستشهاده حُفظ في الكتاب المقدس للاجيال المقبلة!‏

      وبعد خمسة قرون تقريبا من موت هابيل،‏ ابتدأ اخنوخ ‹السير مع اللّٰه،‏› متَّبعا مسلكا منسجما مع مقاييس يهوه للخير والشر.‏ (‏تكوين ٥:‏٢٤‏)‏ وفي ذلك الحين كان رفض سلطان اللّٰه قد ادَّى الى تكاثر ممارسات الفجور بين الجنس البشري.‏ وكان اخنوخ مقتنعا بأن المتسلط الاسمى سيعمل ضد الاشخاص الفجَّار،‏ وروح اللّٰه دفعه الى اعلان هلاكهم المقبل.‏ (‏يهوذا ١٤،‏ ١٥‏)‏ وقد بقي اخنوخ شاهدا امينا الى الموت،‏ لأن يهوه «اخذه،‏» مجنِّبا اياه كما يبدو ميتة عنيفة على ايدي اعدائه.‏ (‏عبرانيين ١١:‏٥‏،‏ ع‌ج‏)‏ وهكذا صار بالامكان اضافة اسم اخنوخ الى قائمة ‹سحابة الشهود› المتزايدة لأزمنة ما قبل المسيحية.‏

      استمرت روح الفجور في الانتشار في الشؤون البشرية.‏ وخلال مدة حياة نوح،‏ الذي وُلد بعد ٧٠ سنة تقريبا من موت اخنوخ،‏ اتى الى الارض ابناء ملائكيون للّٰه،‏ متجسدين كما يتضح في شكل بشري،‏ وعاشوا مع النساء الجذابات عيشة الازواج.‏ والذرية التي انتجوها عُرفت بالطغاة (‏النفاليم)‏؛‏ وكانوا جبابرة بين البشر.‏ (‏تكوين ٦:‏١-‏٤‏)‏ فماذا كانت نتيجة هذا الاتحاد غير الطبيعي للمخلوقات الروحانية بالبشر والسلالة الهجينة التي نتجت على هذا النحو؟‏ يجيب السجل الموحى به:‏ «ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر في الارض.‏ وأن كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم.‏ ورأى اللّٰه الارض فاذا هي قد فسدت.‏ اذ كان كل بشر قد افسد طريقه على الارض.‏» (‏تكوين ٦:‏​٥،‏ ١٢‏)‏ وكم هو محزن ان تكون الارض،‏ موطئ قدمي اللّٰه،‏ قد «امتلأت ظلما.‏» —‏ تكوين ٦:‏١٣؛‏ اشعياء ٦٦:‏١‏.‏

      وبالتباين،‏ «كان نوح رجلا بارا،‏» شخصا «كاملا في اجياله.‏» (‏تكوين ٦:‏٩‏)‏ لقد اظهر اذعانه لسلطان اللّٰه بفعل «ما امره به اللّٰه.‏» (‏تكوين ٦:‏٢٢‏)‏ واذ عمل بايمان،‏ «بنى فلكا لخلاص بيته.‏» (‏عبرانيين ١١:‏٧‏)‏ لكنَّ نوحا كان اكثر من بانٍ؛‏ فبصفته «كارزا [او مناديا] للبر،‏» حذَّر من الهلاك القادم.‏ (‏٢ بطرس ٢:‏٥‏)‏ ولكن،‏ على الرغم من شهادة نوح الجريئة،‏ فإن ذلك الجيل الشرير «لم (‏يبالوا)‏ حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع.‏» —‏ متى ٢٤:‏٣٧-‏٣٩‏.‏

      وعقب زمن نوح،‏ كان ليهوه شهود بين الآباء الاجلَّاء لما بعد الطوفان.‏ فإبرهيم،‏ اسحق،‏ يعقوب،‏ ويوسف مذكورون كجزء باكر من سحابة الشهود لما قبل المسيحية.‏ (‏عبرانيين ١١:‏٨-‏٢٢؛‏ ١٢:‏١‏)‏ لقد اظهروا دعمهم لسلطان يهوه،‏ فاعلين ذلك بالمحافظة على الاستقامة.‏ (‏تكوين ١٨:‏​١٨،‏ ١٩‏)‏ وهكذا ساهموا في تقديس اسم يهوه.‏ وعوض طلب الامان في مملكة ارضية،‏ «اقرّوا بأنهم غرباء ونزلاء على الارض،‏» اذ بالايمان ‹كانوا ينتظرون المدينة التي لها الاساسات التي صانعها وبارئها اللّٰه.‏› (‏عبرانيين ١١:‏​١٠،‏ ١٣‏)‏ وقبلوا يهوه بصفته حاكمهم،‏ مرسين رجاءهم في الملكوت السماوي الموعود به كتعبير عن سلطانه الصائب.‏

      وفي القرن الـ‍ ١٦ ق‌م،‏ كان المتحدِّرون من إبرهيم عبيدا بحاجة الى الانقاذ من العبودية المصرية.‏ وكان في ذلك الوقت ان موسى وأخاه هرون صارا شخصيتين رئيسيتين في ‹معركة الآلهة.‏› فظهرا امام فرعون ونقلا انذار يهوه:‏ «أَطلقْ شعبي.‏» لكنَّ فرعون المتكبر قسَّى قلبه؛‏ فلم يُرد ان يخسر امة كبيرة من العمال العبيد.‏ «مَن هو (‏يهوه)‏،‏» اجاب،‏ «حتى اسمع لقوله فأطلق اسرائيل.‏ لا اعرف (‏يهوه)‏ واسرائيل لا اطلقه.‏» (‏خروج ٥:‏​١،‏ ٢‏)‏ بهذا الجواب الازدرائي رفض فرعون،‏ الذي كان يدَّعي انه نفسه اله حي،‏ الاعتراف بألوهية يهوه.‏

      واذ أُثيرت قضية الألوهية،‏ شرع يهوه الآن في البرهان انه الاله الحقيقي.‏ وفرعون،‏ من خلال كهنته الممارسين السحر،‏ استدعى القوة المتحدة لآلهة مصر تحدِّيا لقوة يهوه.‏ لكنَّ يهوه ارسل عشر ضربات،‏ وكل ضربة كان يعلنها موسى وهرون،‏ ليظهر سيطرته على عناصر الارض ومخلوقاتها فضلا عن سموِّه على آلهة مصر.‏ (‏خروج ٩:‏١٣-‏١٦؛‏ ١٢:‏١٢‏)‏ وبعد الضربة العاشرة،‏ اخرج يهوه اسرائيل من مصر «بيد قوية.‏» —‏ خروج ١٣:‏٩‏.‏

      لقد لزم موسى الكثير من الشجاعة والايمان،‏ وهو «اكثر جميع الناس وداعة،‏» كي يظهر امام فرعون،‏ ليس مرة،‏ وانما مرات عديدة.‏ (‏عدد ١٢:‏٣‏،‏ ع‌ج‏)‏ لكنَّ موسى لم يلطِّف قط الرسالة التي امره يهوه بأن ينقلها الى فرعون.‏ ولا حتى تهديد الموت استطاع ان يُسكت شهادته!‏ (‏خروج ١٠:‏​٢٨،‏ ٢٩؛‏ عبرانيين ١١:‏٢٧‏)‏ لقد كان موسى شاهدا بالمعنى الحقيقي للكلمة؛‏ فقد شهد «تكرارا وبقوة» لألوهية يهوه.‏

      وعقب ذلك الانقاذ من مصر في السنة ١٥١٣ ق‌م،‏ كتب موسى سفر التكوين.‏ وهكذا ابتدأ عصر جديد —‏ عصر كتابة الكتاب المقدس.‏ وبما ان موسى كتب كما يبدو سفر ايوب،‏ كان له شيء من البصيرة في القضية بين اللّٰه والشيطان.‏ ولكن فيما تقدمت كتابة الكتاب المقدس،‏ كانت القضايا التي تشمل سلطان اللّٰه واستقامة الانسان ستُكتب بوضوح؛‏ وهكذا يتمكن كل ذي علاقة من نيل معرفة كاملة عن القضايا العظيمة المشمولة.‏ وفي هذه الاثناء،‏ في السنة ١٥١٣ ق‌م،‏ وضع يهوه الاساس لانتاج امة من الشهود.‏

      امة من الشهود

      في الشهر الثالث بعد تركهم مصر،‏ ادخل يهوه الاسرائيليين في علاقة عهد خصوصية معه،‏ جاعلا اياهم «خاصة» له.‏ (‏خروج ١٩:‏​٥،‏ ٦‏)‏ ومن خلال موسى،‏ تعامل معهم آنذاك كأمة،‏ مانحا اياهم حكومة ثيوقراطية مؤسسة على عهد الناموس بصفته دستورهم القومي.‏ (‏اشعياء ٣٣:‏٢٢‏)‏ لقد كانوا شعب يهوه المختار،‏ المنظَّم ليمثِّلوه بصفته ربهم المتسلط.‏

      ولكن،‏ في القرون التي تلت،‏ لم تكن الامة دائما تعترف بسلطان يهوه.‏ فبعد الاقامة في ارض الموعد،‏ كانت اسرائيل احيانا تنجرف الى عبادة آلهة الامم الابليسية.‏ وبسبب فشلهم في اطاعته بصفته المتسلط الشرعي سمح يهوه بأن يُنهَبوا،‏ وهكذا بدا وكأن آلهة الامم اقوى من يهوه.‏ (‏اشعياء ٤٢:‏١٨-‏٢٥‏)‏ ولكن في القرن الثامن ق‌م،‏ تحدَّى يهوه جهارا آلهةَ الامم لكي يزيل ذلك الانطباع غير الصحيح ويبتّ السؤال،‏ مَن هو الاله الحقيقي؟‏

      وبواسطة النبي اشعياء،‏ اطلق يهوه التحدي:‏ «مَن منهم [آلهة الامم] يخبر بهذا [يتنبأ بدقة] ويعلمنا بالاوليات [اي الامور مسبقا].‏ ليقدِّموا [كآ‌لهة] شهودهم ويتبرروا.‏ او ليسمعوا [شعوب الامم] فيقولوا صِدق.‏» (‏اشعياء ٤٣:‏٩‏)‏ نعم،‏ لتقدِّمْ آلهة الامم شهودا يستطيعون ان يشهدوا في ما يتعلق بنبوة آلهتهم بأنها «صِدق.‏» ولكن لا اله من مثل هؤلاء الآلهة استطاع ان يقدِّم شهودا حقيقيين على ألوهيته!‏

      اوضح يهوه لاسرائيل مسؤوليتهم في بتّ السؤال،‏ مَن هو الاله الحقيقي؟‏ قال:‏ «انتم شهودي .‏ .‏ .‏ وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا اني انا هو.‏ قبلي لم يُصوَّر اله وبعدي لا يكون.‏ انا انا (‏يهوه)‏ وليس غيري مخلِّص.‏ انا اخبرت وخلَّصت وأعلمت وليس بينكم غريب.‏ وأنتم شهودي .‏ .‏ .‏ وأنا اللّٰه.‏» —‏ اشعياء ٤٣:‏١٠-‏١٢‏.‏

      ولذلك شكَّل شعب يهوه اسرائيل امة من الشهود.‏ وكان يمكنهم ان يؤكدوا بتشديد سلطان يهوه الشرعي المستحق التقدير.‏ وعلى اساس اختباراتهم السابقة،‏ استطاعوا ان يعلنوا باقتناع ان يهوه هو المنقذ العظيم لشعبه وإله النبوة الحقيقية.‏

      الشهادة المتعلقة بالمسيَّا

      على الرغم من الشهادة الوافرة ‹لكتلة السحاب الكبيرة› هذه لشهود ما قبل المسيحية،‏ فإن جانب اللّٰه من القضايا لم يكن قد بُتَّ كاملا.‏ ولمَ لا؟‏ لأنه في وقت اللّٰه المعيَّن،‏ وبعد ان يكون قد ثبت بوضوح ان البشر يحتاجون الى حكم يهوه وأنهم لا يستطيعون ان يحكموا انفسهم بنجاح،‏ يجب ان ينفِّذ يهوه الدينونة في جميع الذين يرفضون احترام سلطانه الصائب.‏ وعلاوة على ذلك،‏ فإن القضايا الناشئة تجاوزت النطاق البشري.‏ وبما ان ملاكا تمرَّد في عدن،‏ فإن مسألة الاستقامة في ما يتعلق بسلطان اللّٰه امتدت الى مخلوقات اللّٰه السماوية وشملتهم.‏ ولذلك قصد يهوه ان يأتي ابن روحاني الى الارض،‏ حيث يحظى الشيطان بفرصة كاملة ليمتحنه.‏ ويكون هذا الابن الروحاني قد مُنح الفرصة ليبتّ بطريقة كاملة السؤال،‏ هل يبقى احد امينا للّٰه تحت اية تجربة يمكن ان تواجهه؟‏ واذ يبرهن بهذه الطريقة ولاءه،‏ يُمنح ابن اللّٰه هذا السلطة بصفته مبرِّئ يهوه العظيم،‏ الذي يدمر الاشرار ويحقق كاملا قصد اللّٰه الاصلي المتعلق بالارض.‏

      ولكن كيف يمكن تحديد هوية هذا الشخص؟‏ في عدن،‏ وعد يهوه بـ‍ «نسل» يسحق رأس الخصم المشبَّه بحية ويبرِّئ سلطان اللّٰه.‏ (‏تكوين ٣:‏١٥‏)‏ ومن خلال الانبياء العبرانيين،‏ زوَّد يهوه تفاصيل كثيرة عن هذا ‹النسل› المسيَّاني —‏ خلفيته ونشاطاته،‏ وحتى الوقت الذي سيظهر فيه.‏ —‏ تكوين ١٢:‏١-‏٣؛‏ ٢٢:‏١٥-‏١٨؛‏ ٤٩:‏١٠؛‏ ٢ صموئيل ٧:‏١٢-‏١٦؛‏ اشعياء ٧:‏١٤؛‏ دانيال ٩:‏٢٤-‏٢٧؛‏ ميخا ٥:‏٢‏.‏

      وبحلول منتصف القرن الخامس ق‌م،‏ بإكمال الاسفار العبرانية،‏ كانت النبوات مسجَّلة،‏ بانتظار مجيء المسيَّا لاتمامها.‏ وشهادة هذا الشاهد —‏ وفي الواقع،‏ شاهد اللّٰه الاعظم —‏ سيجري التأمل فيها في الفصل التالي.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a على سبيل المثال،‏ استطاع بعض مسيحيي القرن الاول ان يشهدوا لوقائع تاريخية عن يسوع —‏ في ما يتعلق بحياته،‏ موته،‏ وقيامته —‏ من المعرفة المباشرة.‏ (‏اعمال ١:‏​٢١،‏ ٢٢؛‏ ١٠:‏​٤٠،‏ ٤١‏)‏ لكنَّ الاشخاص الذين آمنوا لاحقا بيسوع استطاعوا ان يشهدوا باعلانهم للآخرين مغزى حياته،‏ موته،‏ وقيامته.‏ —‏ اعمال ٢٢:‏١٥‏.‏

  • يسوع المسيح،‏ الشاهد الامين
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢

      يسوع المسيح،‏ الشاهد الامين

      طوال ٠٠٠‏,٤ سنة تقريبا،‏ كانت سلسلة طويلة من شهود ما قبل المسيحية قد قدَّمت شهادتها.‏ لكنَّ القضايا التي تشمل سلطان اللّٰه واستقامة خدامه لم تُبتَّ بالتأكيد.‏ وحان الآن ‹للنسل› الملكي الموعود به،‏ المسيَّا،‏ ان يظهر على الارض.‏ —‏ تكوين ٣:‏١٥‏.‏

      من بين كل الملايين من ابنائه الروحانيين،‏ مَن اختار يهوه لهذا التعيين؟‏ فجميعهم شهدوا ما حدث في عدن وكانوا دون شك مدركين للقضايا الكونية التي نشأت.‏ ولكن مَن كان الاكثر توقا الى ان يخدم في تقديس اسم يهوه وتبرئة سلطانه؟‏ ومَن كان يستطيع ان يزوِّد الجواب الاكثر حسما لتحدي الشيطان انه لا احد يحافظ على الاستقامة في ما يتعلق بسلطان اللّٰه تحت الامتحان؟‏ ان الشخص الذي اختاره يهوه هو بكره،‏ ابنه الوحيد،‏ يسوع.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٦؛‏ كولوسي ١:‏١٥‏.‏

      قبِل يسوع بتوق وتواضع هذا التعيين،‏ على الرغم من انه عنى ترك المسكن السماوي الذي كان قد اشترك فيه مع ابيه مدة اطول من ايّ شخص آخر.‏ (‏يوحنا ٨:‏​٢٣،‏ ٥٨؛‏ فيلبي ٢:‏٥-‏٨‏)‏ ودافعه؟‏ محبة عميقة ليهوه ورغبة متصفة بالغيرة في ان يرى اسمه محرَّرا من كل تعيير.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٣١‏)‏ وعمل يسوع ايضا بدافع المحبة للجنس البشري.‏ (‏امثال ٨:‏​٣٠،‏ ٣١‏؛‏ قارنوا يوحنا ١٥:‏١٣‏.‏)‏ وولادته على الارض،‏ في وقت مبكر من خريف السنة ٢ ق‌م،‏ صارت ممكنة بالروح القدس —‏ الذي بواسطته نقل يهوه حياة يسوع من السماء الى رحم العذراء اليهودية مريم.‏ (‏متى ١:‏١٨؛‏ لوقا ١:‏٢٦-‏٣٨‏)‏ وهكذا وُلد يسوع في امة اسرائيل.‏ —‏ غلاطية ٤:‏٤‏.‏

      وأكثر من ايّ اسرائيلي آخر،‏ عرف يسوع انه يجب ان يكون شاهدا ليهوه.‏ ولماذا؟‏ لقد كان عضوا في الامة التي قال لها يهوه بواسطة النبي اشعياء:‏ «انتم شهودي.‏» (‏اشعياء ٤٣:‏١٠‏)‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ عند معمودية يسوع في نهر الاردن في السنة ٢٩ ب‌م،‏ مسحه يهوه بالروح القدس.‏ (‏متى ٣:‏١٦‏)‏ وهكذا مُنح يسوع السلطة،‏ كما شهد لاحقا،‏ لكي ‹ينادي بسنة مقبولة للرب.‏› —‏ اشعياء ٦١:‏​١،‏ ٢؛‏ لوقا ٤:‏١٦-‏١٩‏.‏

      انجز يسوع تعيينه بأمانة وصار اعظم شاهد ليهوه على الارض على الاطلاق.‏ فالرسول يوحنا،‏ الذي وقف بقرب يسوع وقت موته،‏ يدعو اذًا يسوع بكل حق ‏«الشاهد الامين.‏» (‏رؤيا ١:‏٥‏)‏ وفي الرؤيا ٣:‏١٤‏،‏ يدعو يسوعُ الممجدُ نفسَه «الآمين» و«الشاهد الامين الصادق.‏» فأية شهادة قدَّمها هذا «الشاهد الامين»؟‏

      ‏‹الشهادة للحق›‏

      عندما كان يُحاكَم امام الوالي الروماني بيلاطس،‏ قال يسوع:‏ «لهذا قد وُلدت انا ولهذا قد اتيت الى العالم لأشهد للحق.‏ كل مَن هو من الحق يسمع صوتي.‏» (‏يوحنا ١٨:‏٣٧‏)‏ فلأي حق شهد يسوع؟‏ لقد كان حق اللّٰه،‏ اظهار مقاصد يهوه الابدية.‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٣٣-‏٣٦‏.‏

      ولكن كيف شهد يسوع لهذا الحق؟‏ ان الفعل اليوناني الذي يقابل «يشهد لـ‍» يعني ايضا «يعلن،‏ يؤكد،‏ يشهد على نحو مؤاتٍ،‏ يتكلم حسنا (‏عن)‏،‏ يوافق (‏على)‏.‏» والظهور الشائع،‏ في اوراق البردي اليونانية القديمة،‏ لصيغة اخرى من الفعل (‏مَرْتيريو‏)‏ كان بعد التوقيع،‏ كما في الصفقات التجارية.‏ اذًا،‏ بخدمته،‏ كان على يسوع ان يؤكد حق اللّٰه.‏ وهذا تطلَّب دون شك ان يعلن او يكرز بهذا الحق للآخرين.‏ ولكن،‏ كان يلزم اكثر بكثير من التحدث.‏

      ‏«انا هو .‏ .‏ .‏ الحق،‏» قال يسوع.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٦‏)‏ نعم،‏ لقد عاش بطريقة تتمِّم حق اللّٰه.‏ وقصدُ اللّٰه في ما يتعلق بالملكوت وحاكمه المسيَّاني كان قد اتضح في النبوة.‏ ويسوع،‏ بكامل مسلك حياته الارضي الذي بلغ الذروة في موته الفدائي،‏ تمَّم كل الامور المنبإ بها عنه مسبقا.‏ وهكذا اكَّد وضمن حق كلمة يهوه النبوية.‏ ولهذا السبب استطاع الرسول بولس ان يقول:‏ «مهما كانت مواعيد اللّٰه فهو فيه النعم وفيه الآمين [اي،‏ «ليكن كذلك،‏» او «بالتأكيد»] لمجد اللّٰه بواسطتنا.‏» (‏٢ كورنثوس ١:‏٢٠‏)‏ نعم،‏ ان يسوع هو الشخص الذي فيه تتم مواعيد اللّٰه.‏ —‏ رؤيا ٣:‏١٤‏.‏

      الشهادة لاسم اللّٰه

      علَّم يسوع أتباعه ان يصلّوا:‏ «ابانا الذي في السموات.‏ ليتقدس اسمك [او،‏ «ليُعتبر مقدسا؛‏ ليُعامل بصفته مقدسا»].‏» (‏متى ٦:‏​٩‏،‏ حاشية ع‌ج‏.‏)‏ وفي الليلة الاخيرة من حياته الارضية،‏ قال يسوع ايضا في صلاة الى ابيه السماوي:‏ «انا اظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم.‏ كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك.‏ وعرَّفتهم اسمك وسأعرِّفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به وأكون انا فيهم.‏» (‏يوحنا ١٧:‏​٦،‏ ٢٦‏)‏ وهذا،‏ في الواقع،‏ كان قصد يسوع الرئيسي من المجيء الى الارض.‏ فماذا كان مشمولا بتعريفه اسم اللّٰه؟‏

      عرف أتباع يسوع من قبل اسم اللّٰه واستعملوه.‏ فقد رأوه وقرأوه في ادراج الكتاب المقدس العبراني المتوافرة في مجامعهم.‏ ورأوه وقرأوه ايضا في الترجمة السبعينية —‏ ترجمة يونانية للاسفار العبرانية،‏ التي استعملوها في التعليم والكتابة.‏ فإذا كانوا يعرفون الاسم الالهي،‏ فبأي معنى اظهره يسوع،‏ او عرَّفه،‏ لهم؟‏

      في ازمنة الكتاب المقدس لم تكن الاسماء مجرد كلمات لاثبات الهوية.‏ يقول معجم يوناني-‏انكليزي للعهد الجديد،‏ لواضعه ج.‏ ه‍.‏ ثاير:‏ ‏«اسم اللّٰه في العهد الجديد مستعمَل مقابل كل تلك الصفات التي هي بالنسبة الى عبَّاده مشمولة بهذا الاسم،‏ والتي بها يعرِّف اللّٰه الناس بنفسه.‏» ويسوع عرَّف اسم اللّٰه ليس فقط باستعماله وإنما بالكشف عن الشخص وراء الاسم —‏ مقاصده،‏ نشاطاته،‏ وصفاته.‏ وبصفته الشخص ‹الذي كان في حضن الآب،‏› استطاع يسوع ان يخبر عن الآب بطريقة لم يستطعها ايّ شخص آخر.‏ (‏يوحنا ١:‏١٨‏)‏ وفضلا عن ذلك،‏ عكس يسوع شخصية ابيه كاملا بحيث استطاع تلاميذ يسوع ان ‹يروا› الآب في الابن.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ فبما قاله وفعله،‏ شهد يسوع لاسم اللّٰه.‏

      شهد عن ملكوت اللّٰه

      بصفته «الشاهد الامين،‏» كان يسوع بشكل بارز مناديا بملكوت اللّٰه.‏ وقد قال بصورة توكيدية:‏ «ينبغي لي ان ابشر المدن الأُخر ايضا بملكوت اللّٰه لأني لهذا قد أُرسلت.‏» (‏لوقا ٤:‏٤٣‏)‏ لقد نادى بهذا الملكوت السماوي في كل انحاء فلسطين،‏ قاطعا مئات الاميال سيرا على القدمين.‏ وكرز حيثما وُجد اناس يسمعون:‏ على شواطئ البحيرات،‏ في منحدرات التلال،‏ في المدن والقرى،‏ في المجامع والهيكل،‏ في الاسواق،‏ وفي بيوت الناس.‏ لكنَّ يسوع عرف ان هنالك حدودا للمنطقة التي يمكنه تغطيتها وعدد الناس الذين يمكن ان يشهد لهم.‏ (‏قارنوا يوحنا ١٤:‏١٢‏.‏)‏ ولذلك بقصد تغطية الحقل العالمي،‏ درَّب يسوع تلاميذه وأرسلهم ليكونوا منادين بالملكوت.‏ —‏ متى ١٠:‏٥-‏٧؛‏ ١٣:‏٣٨؛‏ لوقا ١٠:‏​١،‏ ٨،‏ ٩‏.‏

      كان يسوع شاهدا نشيطا غيورا،‏ ولم يسمح لنفسه بأن ينحرف عن قصده.‏ فعلى الرغم من انه اظهر اهتماما شخصيا بحاجات الناس،‏ لم يصر منهمكا في فعل امور تجلب الراحة لفترة قصيرة بحيث يهمل تعيينه المعطى من اللّٰه لتوجيه الناس الى الحل الدائم لمشاكلهم —‏ ملكوت اللّٰه.‏ وفي احدى المناسبات،‏ بعد ان اطعم عجائبيا نحو ٠٠٠‏,٥ رجل (‏وربما اكثر من ٠٠٠‏,١٠ شخص اذا عددنا النساء والاولاد ايضا)‏،‏ اراد فريق من اليهود ان يختطفوه ويجعلوه ملكا ارضيا.‏ فماذا فعل يسوع؟‏ «انصرف ايضا الى الجبل وحده.‏» (‏يوحنا ٦:‏١-‏١٥‏؛‏ قارنوا لوقا ١٩:‏​١١،‏ ١٢؛‏ اعمال ١:‏٦-‏٩‏.‏)‏ وعلى الرغم من انه انجز عجائب شفاء كثيرة،‏ لم يكن يسوع معروفا بشكل رئيسي بصانع عجائب،‏ بل بالاحرى،‏ كان معترَفا به من قبل المؤمنين وغير المؤمنين على السواء بأنه «معلِّم.‏» —‏ متى ٨:‏١٩؛‏ ٩:‏١١؛‏ ١٢:‏٣٨؛‏ ١٩:‏١٦؛‏ ٢٢:‏​١٦،‏ ٢٤،‏ ٣٦؛‏ يوحنا ٣:‏٢‏.‏

      من الواضح ان الشهادة لملكوت اللّٰه كانت العمل الاهم الذي استطاع يسوع القيام به.‏ انها مشيئة يهوه ان يعرف كل شخص ما هو ملكوته وكيف سيتمِّم مقاصده.‏ وهو عزيز جدا على قلبه،‏ لأنه الوسيلة التي بها سيقدِّس اسمه،‏ محرِّرا اياه من كل تعيير.‏ ويسوع عرف ذلك،‏ ولذلك جعل هذا الملكوت محور كرازته.‏ (‏متى ٤:‏١٧‏)‏ وبالاشتراك من كل القلب في المناداة به،‏ ايَّد يسوع سلطان يهوه الصائب.‏

      شاهد امين الى الموت

      لا احد يمكنه ان يحب يهوه وسلطانه اكثر من يسوع.‏ فبصفته «بكر كل خليقة،‏» ‹عرف› يسوع الآب من معاشرته الحميمة له كمخلوق روحاني في السموات.‏ (‏كولوسي ١:‏١٥؛‏ متى ١١:‏٢٧‏)‏ لقد خضع طوعا لسلطان اللّٰه خلال عصور من الزمن لا تعدّ قبل خلق الرجل والمرأة الاولين.‏ (‏قارنوا يوحنا ٨:‏​٢٩،‏ ٥٨‏.‏)‏ وما أعمق الالم الذي لا بد انه شعر به عندما رفض آدم وحواء سلطان اللّٰه!‏ ولكنه انتظر بصبر في السموات نحو ٠٠٠‏,٤ سنة،‏ ثم حان له اخيرا ان يخدم بصفته اعظم شاهد ليهوه على الارض على الاطلاق!‏

      كان يسوع مدركا تماما ان القضايا الكونية تشمله بشكل مباشر.‏ وربما بدا ان يهوه قد سيَّج حوله.‏ (‏قارنوا ايوب ١:‏٩-‏١١‏.‏)‏ صحيح انه كان قد برهن عن امانته وتعبُّده في السموات،‏ ولكن هل يحافظ على الاستقامة كانسان على الارض تحت ايّ نوع من الامتحان؟‏ وهل يستطيع ان يقاوم الشيطان في محيط كانت لعدوّه فيه كما يظهر اليد الطُّولى؟‏

      لم يضيِّع الخصم المشبَّه بحية ايّ وقت.‏ فبعد وقت قصير من معمودية يسوع ومسحه،‏ جرَّبه الشيطان ليظهر الانانية،‏ ليرفِّع نفسه،‏ وأخيرا ليرفض سلطان ابيه.‏ لكنَّ قول يسوع الجليّ للشيطان،‏ «للرب الهك تسجد وإياه وحده تعبد،‏» اظهر اين كان يقف من القضايا.‏ فكم كان مختلفا عن آدم!‏ —‏ متى ٤:‏١-‏١٠‏.‏

      ان المسلك المعيَّن ليسوع عنى الالم والموت،‏ ويسوع عرف ذلك جيدا.‏ (‏لوقا ١٢:‏٥٠؛‏ عبرانيين ٥:‏٧-‏٩‏)‏ ومع ذلك،‏ «اذ وُجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت (‏الموت على خشبة الآلام)‏.‏» (‏فيلبي ٢:‏​٧،‏ ٨‏)‏ وبذلك برهن يسوع ان الشيطان كذَّاب كبير،‏ اذ بتَّ كاملا السؤال،‏ هل يحافظ احد على الاستقامة في ما يتعلق بسلطان اللّٰه اذا سُمح للشيطان بأن يجرِّبه؟‏ إلا ان موت يسوع انجز اكثر بكثير.‏

      بموته على خشبة الآلام،‏ بذل يسوع ايضا «نفسه فدية عن كثيرين.‏» (‏متى ٢٠:‏٢٨؛‏ مرقس ١٠:‏٤٥‏)‏ فحياته البشرية الكاملة كانت لها قيمة فدائية.‏ وتقديم يسوع حياته ذبيحة لا يجعل نيلنا غفران الخطايا ممكنا فحسب بل يتيح لنا ايضا فرصة الحياة الابدية على ارض فردوسية،‏ انسجاما مع قصد اللّٰه الاصلي.‏ —‏ لوقا ٢٣:‏٤٣؛‏ اعمال ١٣:‏​٣٨،‏ ٣٩؛‏ عبرانيين ٩:‏​١٣،‏ ١٤؛‏ رؤيا ٢١:‏​٣،‏ ٤‏.‏

      اثبت يهوه محبته ليسوع ورضاه عليه بصفته «الشاهد الامين» بإقامته من الاموات في اليوم الثالث.‏ وهذا اكَّد ان الشهادة التي سبق وأعطاها يسوع في ما يتعلق بالملكوت كانت صحيحة.‏ (‏اعمال ٢:‏٣١-‏٣٦؛‏ ٤:‏١٠؛‏ ١٠:‏٣٦-‏٤٣؛‏ ١٧:‏٣١‏)‏ وبعد البقاء في جوار الارض مدة ٤٠ يوما،‏ الوقت الذي فيه ظهر لرسله في مناسبات عديدة،‏ صعد يسوع الى السماء.‏ —‏ اعمال ١:‏١-‏٣،‏ ٩‏.‏

      كان يسوع قد اشار الى ان تأسيس ملكوت اللّٰه المسيَّاني سيكون في المستقبل البعيد.‏ (‏لوقا ١٩:‏١١-‏٢٧‏)‏ وكانت هذه الحادثة ستسم ايضا بداية «حضور [يسوع] واختتام نظام الاشياء.‏» (‏متى ٢٤:‏٣‏،‏ ع‌ج‏)‏ ولكن كيف كان يمكن لأتباعه على الارض ان يميِّزوا وقت حدوث هذه الامور؟‏ اعطاهم يسوع «علامة» —‏ علامة مركبة مؤلفة من ادلَّة كثيرة،‏ بما فيها الحروب،‏ الزلازل،‏ النقص في الاغذية،‏ الاوبئة،‏ وكثرة الاثم.‏ والجزء المهم من هذه العلامة يكون ايضا ان بشارة الملكوت يُكرز بها في كل المسكونة شهادة لجميع الامم.‏ وكل اوجه هذه العلامة اللافتة للنظر يمكن ملاحظتها في ايامنا،‏ الامر الذي يدل اننا عائشون في زمن حضور يسوع كملك سماوي واختتام نظام الاشياء.‏a —‏ متى ٢٤:‏٣-‏١٤‏،‏ ع‌ج‏.‏

      ولكن ماذا عن أتباع يسوع؟‏ خلال زمن حضور يسوع هذا،‏ يدَّعي الافراد الملتصقون بكنائس مختلفة كثيرة انهم يتبعون المسيح.‏ (‏متى ٧:‏٢٢‏)‏ لكنَّ الكتاب المقدس يقول انه ليس هنالك سوى «ايمان واحد.‏» (‏افسس ٤:‏٥‏)‏ لذلك كيف يمكنكم تحديد هوية الجماعة المسيحية الحقيقية،‏ التي تحظى برضى اللّٰه وتوجيهه؟‏ يمكنكم ذلك بفحص ما تقوله الاسفار المقدسة عن الجماعة المسيحية للقرن الاول ثم رؤية مَن يتبعون اليوم ذلك النموذج عينه.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a انظروا الفصل ١٠،‏ «نبوة للكتاب المقدس ترونها تتم،‏» في كتاب ‏?‏The Bible—God’s Word or Man’s (‏الكتاب المقدس —‏ كلمة اللّٰه أم الانسان؟‏‏)‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.‏

  • يسوع المسيح،‏ الشاهد الامين
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
    • ‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٣]‏

  • الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
    • الفصل ٣

      الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول

      ‏«تكونون لي شهودا .‏ .‏ .‏ الى اقصى الارض.‏» (‏اعمال ١:‏٨‏)‏ بهذه الكلمات الوداعية،‏ فوَّض يسوع الى تلاميذه ان يكونوا شهودا.‏ ولكن،‏ شهودا لمَن؟‏ ‹شهودا لي،‏‏› قال يسوع.‏ فهل تعني هذه الكلمات انهم لن يكونوا شهودا ليهوه؟‏ قطعا لا!‏

      وفي الواقع،‏ مُنح تلاميذ يسوع امتيازا جديدا —‏ ذاك الذي لكونهم شهودا ليهوه ويسوع كليهما.‏ فكيهود امناء،‏ كان تلاميذ يسوع الاولون من قبل شهودا ليهوه.‏ (‏اشعياء ٤٣:‏١٠-‏١٢‏)‏ أما الآن فكان يجب ان يشهدوا ايضا عن دور يسوع الحيوي في تقديس اسم يهوه بواسطة ملكوته المسيَّاني.‏ وهكذا فإن شهادتهم ليسوع كانت بقصد تمجيد يهوه.‏ (‏رومية ١٦:‏٢٥-‏٢٧؛‏ فيلبي ٢:‏٩-‏١١‏)‏ لقد شهدوا ان يهوه لم يكذب،‏ أنه اقام اخيرا بعد اكثر من ٠٠٠‏,٤ سنة المسيَّا،‏ او المسيح،‏ الموعود به لزمن طويل!‏

      والشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول مُنحوا ايضا مسؤولية فريدة —‏ مسؤولية تُلقى على المسيحيين الحقيقيين الى هذا اليوم.‏

      ‏«اذهبوا .‏ .‏ .‏ تلمذوا»‏

      بعد قيامة يسوع من الموت،‏ ظهر لتلاميذه الذين كانوا قد اجتمعوا في جبل في الجليل.‏ وهناك اوجز يسوع مسؤوليتهم:‏ «فاذهبوا وتلمذوا (‏اناسا من)‏ جميع الامم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.‏ وعلِّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.‏ وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.‏» (‏متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ تأملوا في ما كان مشمولا بهذا التفويض العظيم الشأن.‏

      ‏«اذهبوا،‏» قال يسوع.‏ ولكن الى مَن؟‏ الى ‹اناس من جميع الامم.‏› كانت هذه وصية جديدة،‏ وكانت تشكِّل خصوصا تحديا للمؤمنين اليهود.‏ (‏قارنوا اعمال ١٠:‏٩-‏١٦،‏ ٢٨‏.‏)‏ فقبل ايام يسوع،‏ كان يُرحَّب بالامم عندما يأتون هم الى اسرائيل بسبب الاهتمام بالعبادة الحقة.‏ (‏١ ملوك ٨:‏٤١-‏٤٣‏)‏ وفي وقت ابكر في خدمته قال يسوع لرسله،‏ ‹اذهبوا اكرزوا،‏› ولكن فقط الى «خراف بيت اسرائيل الضالة.‏» (‏متى ١٠:‏​١،‏ ٦،‏ ٧‏)‏ والآن،‏ أُمروا بأن يذهبوا الى اناس من جميع الامم.‏ لأي قصد؟‏

      ‏«تلمذوا،‏» امر يسوع.‏ نعم،‏ نال تلاميذه التفويض ان يتلمذوا آخرين.‏ فماذا يشمل ذلك؟‏ التلميذ هو شخص يطلب العلم،‏ يجري تعليمه —‏ لا مجرد تلميذ مدرسة،‏ بل تابع.‏ فالتلميذ يقبل سلطة يسوع ليس فقط داخليا بالايمان به بل خارجيا باطاعته.‏ والكلمة اليونانية المنقولة الى «تلميذ» (‏ماثيتيس‏)‏،‏ بحسب القاموس اللاهوتي للعهد الجديد،‏ «تدل ضمنا على وجود تعلُّق شخصي يوجِّه كامل حياة الشخص الموصوف بأنه [تلميذ].‏»‏

      ‏«وعلِّموهم،‏» اضاف يسوع،‏ «ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.‏» فلتطوير تعلُّق شخصي بيسوع،‏ يجب تعليم الشخص ان ‹يحفظ جميع ما› اوصى به المسيح،‏ بما في ذلك وصيته بالكرازة «ببشارة الملكوت.‏» (‏متى ٢٤:‏١٤‏)‏ وبهذه الطريقة فقط يمكنه ان يصير تلميذا بالمعنى الحقيقي للكلمة.‏ وفقط اولئك الذين يقبلون التعليم ويصيرون تلاميذ حقيقيين يعتمدون.‏

      ‏«انا معكم،‏» اكَّد لهم يسوع،‏ «كل الايام الى انقضاء الدهر.‏» ان تعليم يسوع هو دائما ملائم للمجتمع،‏ وليس ابدا عتيق الطراز.‏ وعلى هذا الاساس يكون المسيحيون الى هذا اليوم تحت التزام ان يتلمذوا الآخرين.‏

      وهكذا مُنح أتباع المسيح تفويضا مسؤولا،‏ اي ان يقوموا بعمل التلمذة بين جميع الامم.‏ ولكن،‏ لصنع تلاميذ للمسيح،‏ كان يجب ان يشهدوا عن اسم يهوه وملكوته،‏ لأن هذا ما فعله مثالهم،‏ يسوع.‏ (‏لوقا ٤:‏٤٣؛‏ يوحنا ١٧:‏٢٦‏)‏ وأولئك الذين قبلوا تعليم المسيح وصاروا تلاميذ صاروا بالتالي شهودا مسيحيين ليهوه.‏ فالصيرورة شاهدا ليهوه لم تعد مسألة ولادة —‏ في الامة اليهودية —‏ بل مسألة اختيار.‏ وأولئك الذين صاروا شهودا فعلوا ذلك لأنهم احبوا يهوه وأرادوا باخلاص ان يذعنوا لحكم سلطانه.‏ —‏ ١ يوحنا ٥:‏٣‏.‏

      ولكن،‏ هل تمَّم الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول تفويضهم ان يخدموا كشهود للّٰه والمسيح وأن ‹يتلمذوا اناسا من جميع الامم›؟‏

      ‏«الى اقصى الارض»‏

      بعد وقت قصير من اعطاء تلاميذه تفويضهم،‏ رجع يسوع الى ديار ابيه السماوية.‏ (‏اعمال ١:‏٩-‏١١‏)‏ وبعد عشرة ايام،‏ في يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م،‏ مضى عمل التلمذة الواسع قُدُما.‏ فقد سكب يسوع الروح القدس الموعود به على تلاميذه المنتظرين.‏ (‏اعمال ٢:‏١-‏٤‏؛‏ قارنوا لوقا ٢٤:‏٤٩ وكذلك اعمال ١:‏​٤،‏ ٥‏.‏)‏ وهذا ملأهم غيرة ليكرزوا بالمسيح المقام وبرجوعه المقبل بسلطة الملكوت.‏

      بحسب ارشادات يسوع،‏ ابتدأ تلاميذ القرن الاول هؤلاء شهادتهم عن اللّٰه والمسيح هناك في اورشليم.‏ (‏اعمال ١:‏٨‏)‏ واذ اخذ القيادة،‏ في عيد الخمسين،‏ «شهد» الرسول بطرس لآلاف المحتفلين اليهود من امم كثيرة.‏ (‏اعمال ٢:‏٥-‏١١،‏ ٤٠‏)‏ وسرعان ما كان عدد المؤمنين من الرجال وحدهم نحو ٠٠٠‏,٥.‏ (‏اعمال ٤:‏٤؛‏ ٦:‏٧‏)‏ ولاحقا،‏ بشَّر فيلبس السامريين «بالامور المختصة بملكوت اللّٰه وباسم يسوع المسيح.‏» —‏ اعمال ٨:‏١٢‏.‏

      ولكن كان هنالك عمل اكثر بكثير للقيام به.‏ فاعتبارا من السنة ٣٦ ب‌م،‏ باهتداء كرنيليوس،‏ اممي غير مختون،‏ ابتدأت البشارة بالانتشار الى اناس غير يهود من جميع الامم.‏ (‏اعمال،‏ الاصحاح ١٠‏)‏ وفي الواقع،‏ انتشرت بسرعة كبيرة حتى ان الرسول بولس،‏ بحلول السنة ٦٠ ب‌م تقريبا،‏ استطاع ان يقول ان البشارة قد ‹كُرز بها في كل الخليقة التي تحت السماء.‏› (‏كولوسي ١:‏٢٣‏)‏ وهكذا،‏ بحلول نهاية القرن الاول،‏ كان أتباع يسوع الامناء قد قاموا بالتلمذة في كل انحاء الامبراطورية الرومانية —‏ في آسيا،‏ اوروپا،‏ وافريقيا!‏

      بما ان الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول انجزوا الكثير جدا في مثل هذا الوقت القصير،‏ ينشأ السؤالان:‏ هل كانوا منظَّمين؟‏ واذا كان الامر كذلك،‏ فكيف؟‏

      تنظيم الجماعة المسيحية

      من زمن موسى فصاعدا،‏ كانت الامة اليهودية في مركز فريد —‏ فقد خدمت بصفتها جماعة اللّٰه.‏ وتلك الجماعة كانت منظَّمة على نحو رفيع من قبل اللّٰه تحت سلطة شيوخ،‏ رؤساء،‏ قضاة،‏ وعرفاء.‏ (‏يشوع ٢٣:‏​١،‏ ٢‏)‏ لكنَّ الامة اليهودية خسرت مركز حظوتها لأنها رفضت ابن يهوه.‏ (‏متى ٢١:‏​٤٢،‏ ٤٣؛‏ ٢٣:‏​٣٧،‏ ٣٨؛‏ اعمال ٤:‏٢٤-‏٢٨‏)‏ وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م،‏ حلَّت جماعة اللّٰه المسيحية محل جماعة اسرائيل.‏a فكيف كانت هذه الجماعة المسيحية منظَّمة؟‏

      عندما اتى يوم الخمسين كان التلاميذ «يواظبون على تعليم الرسل،‏» مما يدل انهم ابتدأوا بوحدة مؤسسة على التعليم.‏ ومنذ ذلك اليوم الاول كانوا يجتمعون معا «بنفس واحدة.‏» (‏اعمال ٢:‏​٤٢،‏ ٤٦‏)‏ واذ انتشر عمل التلمذة،‏ ابتدأت جماعات المؤمنين تتشكَّل،‏ اولا في اورشليم ثم خارج اورشليم.‏ (‏اعمال ٨:‏١؛‏ ٩:‏٣١؛‏ ١١:‏١٩-‏٢١؛‏ ١٤:‏٢١-‏٢٣‏)‏ وكانت عادتهم ان يجتمعوا معا في الاماكن العامة فضلا عن البيوت الخاصة.‏ —‏ اعمال ١٩:‏​٨،‏ ٩؛‏ رومية ١٦:‏​٣،‏ ٥؛‏ كولوسي ٤:‏١٥‏.‏

      وماذا منع الجماعة المسيحية المتوسِّعة من الصيرورة معشرا مفكَّكا من جماعات محلية مستقلة؟‏ لقد كانت متحدة تحت سلطة قائد واحد.‏ فمن البداية،‏ كان يسوع المسيح الرب والرأس المعيَّن للجماعة،‏ وكانت كل الجماعات تعترف به بهذه الصفة.‏ (‏اعمال ٢:‏٣٤-‏٣٦؛‏ افسس ١:‏٢٢‏)‏ ومن السموات،‏ وجَّه المسيح بفعَّالية شؤون جماعته على الارض.‏ كيف؟‏ بواسطة الروح القدس والملائكة،‏ التي وضعها يهوه تحت تصرّفه.‏ —‏ اعمال ٢:‏٣٣‏؛‏ قارنوا اعمال ٥:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ٨:‏٢٦؛‏ ١ بطرس ٣:‏٢٢‏.‏

      وكان للمسيح شيء آخر تحت تصرفه للمحافظة على وحدة الجماعة المسيحية —‏ هيئة حاكمة منظورة.‏ في البداية كانت الهيئة الحاكمة مؤلفة من رسل يسوع الامناء.‏ وفي ما بعد شملت الشيوخ الآخرين لجماعة اورشليم بالاضافة الى الرسول بولس،‏ مع انه لم يكن ساكنا في اورشليم.‏ واعترفت كل جماعة بسلطة هذه الهيئة المركزية من الشيوخ وتطلَّعت اليها من اجل التوجيه عندما كانت تنشأ قضايا تنظيمية او عقائدية.‏ (‏اعمال ٢:‏٤٢؛‏ ٦:‏١-‏٦؛‏ ٨:‏١٤-‏١٧؛‏ ١١:‏٢٢؛‏ ١٥:‏١-‏٣١‏)‏ وبأية نتيجة؟‏ «فكانت (‏الجماعات)‏ تتشدد في الايمان وتزداد في العدد كل يوم.‏» —‏ اعمال ١٦:‏​٤،‏ ٥‏.‏

      كانت الهيئة الحاكمة،‏ تحت توجيه الروح القدس،‏ تشرف على تعيين نظار ومعاونين،‏ خدام مساعدين،‏ للاعتناء بكل جماعة.‏ وكان هؤلاء رجالا يبلغون المؤهلات الروحية التي تنطبق في كل الجماعات لا مجرد مقاييس وُضعت محليا.‏ (‏١ تيموثاوس ٣:‏١-‏١٣؛‏ تيطس ١:‏٥-‏٩؛‏ ١ بطرس ٥:‏١-‏٣‏)‏ وكان يجري حثّ النظار على اتِّباع الاسفار المقدسة والاذعان لقيادة الروح القدس.‏ (‏اعمال ٢٠:‏٢٨؛‏ تيطس ١:‏٩‏)‏ وجرى تشجيع الجميع في الجماعة ان ‹يطيعوا الذين يأخذون القيادة.‏› (‏عبرانيين ١٣:‏١٧‏،‏ ع‌ج‏)‏ وبهذه الطريقة كانت تجري المحافظة على الوحدة ليس فقط داخل كل جماعة بل داخل الجماعة المسيحية ككل.‏

      ومع ان بعض الرجال شغلوا مراكز مسؤولية،‏ لم يكن هنالك تمييز بين رجال دينٍ وعامَّةٍ بين الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول.‏ فقد كانوا جميعا اخوة؛‏ ولم يكن هنالك سوى قائد واحد،‏ المسيح.‏ —‏ متى ٢٣:‏​٨،‏ ١٠‏.‏

      معروفون بالسلوك المقدس والمحبة

      لم تكن شهادة شهود يهوه في القرن الاول محدودة بـ‍ «ثمر شفاه.‏» (‏عبرانيين ١٣:‏١٥‏)‏ فالكينونة تلميذا كانت توجِّه كامل حياة الشاهد المسيحي.‏ وهكذا فإن اولئك المسيحيين لم ينادوا فقط بمعتقداتهم ولكنَّ معتقداتهم غيَّرت حياتهم.‏ لقد خلعوا الشخصية العتيقة بممارساتها الخاطئة وسعوا الى لبس الشخصية الجديدة المخلوقة بحسب مشيئة اللّٰه.‏ (‏كولوسي ٣:‏٥-‏١٠‏)‏ فكانوا صادقين ومستقيمين،‏ وأيضا كانوا اشخاصا يعملون بكدّ ويُعتمد عليهم.‏ (‏افسس ٤:‏​٢٥،‏ ٢٨‏)‏ وكانوا اطهارا ادبيا —‏ كان الفساد الادبي الجنسي محرَّما بشكل صارم.‏ وكذلك السُّكْر والصنمية.‏ (‏غلاطية ٥:‏١٩-‏٢١‏)‏ اذًا،‏ لسبب وجيه،‏ صارت المسيحية معروفة بـ‍ «الطريق،‏» —‏ طريق او طريقة حياة تتمحور حول الايمان بيسوع،‏ اتِّباع خطواته بدقة.‏ —‏ اعمال ٩:‏​١،‏ ٢؛‏ ١ بطرس ٢:‏​٢١،‏ ٢٢‏.‏

      إلا ان صفة واحدة تبرز فوق كل الصفات الاخرى —‏ المحبة.‏ وقد اعرب المسيحيون الاولون عن اهتمام حبي بحاجات الرفقاء المؤمنين.‏ (‏رومية ١٥:‏٢٦؛‏ غلاطية ٢:‏١٠‏)‏ فكانوا يحبون واحدهم الآخر ليس مثل انفسهم بل اكثر من انفسهم.‏ (‏قارنوا فيلبي ٢:‏٢٥-‏٣٠‏.‏)‏ وكانوا مستعدين حتى ان يموتوا واحدهم من اجل الآخر.‏ لكنَّ ذلك لم يكن مدهشا.‏ ألم يكن يسوع مستعدا ان يموت من اجلهم؟‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏؛‏ قارنوا لوقا ٦:‏٤٠‏.‏)‏ لقد استطاع ان يقول لتلاميذه:‏ «وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا.‏ كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا.‏ بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض.‏» (‏يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏)‏ اوصى المسيح ان يُظهر أتباعه محبة كهذه متسمة بالتضحية بالذات؛‏ وقد حفظ تلاميذه للقرن الاول هذه الوصية بدقة.‏ —‏ متى ٢٨:‏٢٠‏.‏

      ‏«لستم جزءا من العالم»‏

      لإتمام مسؤوليتهم ان يتلمذوا وأن يكونوا شهودا للّٰه والمسيح،‏ لم يسمح مسيحيو القرن الاول لأنفسهم بأن يتلهَّوا بالشؤون العالمية؛‏ فكان يجب ان يمنحوا تفويضهم الانتباه اللائق.‏ وكان يسوع قد فعل ذلك بالتأكيد.‏ قال لبيلاطس:‏ «مملكتي ليست من هذا العالم.‏» (‏يوحنا ١٨:‏٣٦‏)‏ وذكر لتلاميذه بوضوح:‏ «لستم جزءا من العالم.‏» (‏يوحنا ١٥:‏١٩‏،‏ ع‌ج‏)‏ وكيسوع،‏ اذًا،‏ بقي المسيحيون الاولون منفصلين عن العالم؛‏ فلم يتورطوا في السياسة او الحروب.‏ (‏قارنوا يوحنا ٦:‏١٥‏.‏)‏ ولم يقعوا في فخ طرق العالم —‏ سعيه التوَّاق الى الامور المادية وانغماسه المفرط في المتعة.‏ —‏ لوقا ١٢:‏٢٩-‏٣١؛‏ رومية ١٢:‏٢؛‏ ١ بطرس ٤:‏​٣،‏ ٤‏.‏

      ولأنهم بقوا منفصلين عن العالم،‏ كان الشهود المسيحيون في القرن الاول شعبا مميَّزا.‏ يلاحظ المؤرخ إ.‏ ج.‏ هاردي في كتابه المسيحية والحكومة الرومانية:‏ «كان المسيحيون غرباء وسيَّاحا في العالم حولهم؛‏ فرعويتهم كانت في السماء؛‏ والملكوت الذي يتطلَّعون اليه لم يكن من هذا العالم.‏ والنقص الناتج في الاهتمام بالشؤون العامة صار بالتالي من البداية وجها جديرا بالملاحظة في المسيحية.‏»‏

      مضطهَدون لاجل البر

      ‏«ليس عبد اعظم من سيده،‏» حذَّر يسوع.‏ «إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم.‏» (‏يوحنا ١٥:‏٢٠‏)‏ فقبل موته على خشبة الآلام،‏ عانى يسوع اضطهادا قاسيا.‏ (‏متى ٢٦:‏٦٧؛‏ ٢٧:‏٢٦-‏٣١،‏ ٣٨-‏٤٤‏)‏ وطبقا لتحذيره،‏ اختبر تلاميذه سريعا معاملة مماثلة.‏ (‏متى ١٠:‏​٢٢،‏ ٢٣‏)‏ ولكن لماذا؟‏

      لم يلزم وقت طويل ليلاحظ الآخرون المسيحيين الاولين.‏ فكانوا اشخاصا ذوي مبادئ سامية للآداب والاستقامة.‏ وكانوا ينجزون عمل التلمذة بجرأة وغيرة؛‏ ونتيجة لذلك تخلَّى حرفيا آلاف الاشخاص عن الانظمة الدينية الباطلة وصاروا مسيحيين.‏ وهؤلاء رفضوا التورط في الشؤون العالمية.‏ ولم يشتركوا في عبادة الامبراطور.‏ اذًا،‏ ليس مدهشا ان يصيروا بسرعة هدفا للاضطهاد الشديد الذي هيَّجه قادة الدين الباطل والحكام السياسيون المضلَّلون.‏ (‏اعمال ١٢:‏١-‏٥؛‏ ١٣:‏​٤٥،‏ ٥٠؛‏ ١٤:‏١-‏٧؛‏ ١٦:‏١٩-‏٢٤‏)‏ إلا ان هؤلاء لم يكونوا سوى الوكلاء البشر للمضطهِد الحقيقي —‏ «الحية القديمة،‏» الشيطان.‏ (‏رؤيا ١٢:‏٩‏؛‏ قارنوا رؤيا ١٢:‏​١٢،‏ ١٧‏.‏)‏ وهدفه؟‏ قمع المسيحية وشهادتها الجريئة.‏

      ولكن لم يكن ايّ مقدار من الاضطهاد قادرا ان يُسكت الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول!‏ فكانوا قد تسلَّموا تفويض كرازتهم من اللّٰه بواسطة المسيح،‏ وكانوا مصمِّمين على اطاعة اللّٰه اكثر من الناس.‏ (‏اعمال ٤:‏​١٩،‏ ٢٠،‏ ٢٩؛‏ ٥:‏٢٧-‏٣٢‏)‏ وقد اتَّكلوا على قوة يهوه،‏ واثقين بأنه سيكافئ شهوده الاولياء على احتمالهم.‏ —‏ متى ٥:‏١٠؛‏ رومية ٨:‏٣٥-‏٣٩؛‏ ١٥:‏٥‏.‏

      يؤكد التاريخ ان الاضطهاد من قبل سلطات الامبراطورية الرومانية فشل في قمع الشهود المسيحيين الاولين ليهوه.‏ يقول يوسيفوس،‏ مؤرخ يهودي للقرن الاول ب‌م:‏ «وجماعة المسيحيين،‏ الذين دُعوا هكذا على اسم [يسوع]،‏ لم تختفِ بعدُ الى هذا اليوم [نحو السنة ٩٣ ب‌م].‏» —‏ العاديات اليهودية،‏ ١٨،‏ ٦٤ (‏٣،‏ ٣)‏.‏

      وهكذا فإن سجل شهادة الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول يكشف عن ميزات عديدة يسهل تحديدها بوضوح:‏ تمَّموا بجرأة وغيرة تفويضهم ان يشهدوا عن اللّٰه والمسيح وأن يقوموا بعمل التلمذة؛‏ كانت لديهم بنية تنظيمية كان الجميع فيها اخوة،‏ دون تمييز بين رجال دين وعامَّة؛‏ تمسَّكوا بالمبادئ السامية للآداب وأحبوا واحدهم الآخر؛‏ بقوا منفصلين عن الطرق والشؤون العالمية؛‏ واضطُهِدوا لاجل البر.‏

      ولكن،‏ بحلول نهاية القرن الاول،‏ كانت الجماعة المسيحية المتحدة الواحدة مهدَّدة بخطر مهلك وماكر.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a في الاسفار اليونانية المسيحية،‏ تُستعمل كلمة «جماعة» احيانا بمعنى يدلّ على الجمع،‏ مشيرةً الى الجماعة المسيحية عموما (‏١ كورنثوس ١٢:‏٢٨‏)‏؛‏ ويمكن ان تشير ايضا الى فريق محلي في مدينة ما او في بيت شخص ما.‏ —‏ اعمال ٨:‏١؛‏ رومية ١٦:‏٥‏.‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٢٦]‏

      التلاميذ الجدد كانوا سيصيرون،‏ لا مجرد مؤمنين سلبيين،‏ بل أتباعا طائعين

      ‏[النبذة في الصفحة ٢٧]‏

      الصيرورة شاهدا ليهوه لم تعد مسألة ولادة بل مسألة اختيار

      ‏[النبذة في الصفحة ٢٨]‏

      بحلول نهاية القرن الاول،‏ كان الشهود المسيحيون ليهوه قد قاموا بالتلمذة في آسيا،‏ اوروپا،‏ وافريقيا!‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٢٩]‏

      لم يكن هنالك تمييز بين رجال دينٍ وعامَّةٍ بين مسيحيي القرن الاول

      ‏[الاطار في الصفحة ٢٧]‏

      انتشرت المسيحية بواسطة الكرازة بغيرة

      اذ ألهبتهم غيرة لا يمكن اطفاؤها،‏ مارس الشهود المسيحيون ليهوه الاوائل اعظم نشاط في منح البشارة اوسع مناداة ممكنة.‏ يذكر إدوَرد ڠيبون في «انحطاط الامبراطورية الرومانية وسقوطها» ان «غيرة المسيحيين .‏ .‏ .‏ جعلتهم ينتشرون في كل اقليم وتقريبا في كل مدينة من الامبراطورية [الرومانية].‏» ويقول الپروفسور ج.‏ و.‏ طومبسون في «تاريخ العصور الوسطى»:‏ «انتشرت المسيحية بسرعة لافتة للنظر في كل انحاء العالم الروماني.‏ وبحلول السنة ١٠٠ كان هنالك على الارجح مجتمع مسيحي في كل اقليم يتاخم البحر الابيض المتوسط.‏»‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٣٠]‏

      ‏‹انتصارات المسيحية›‏

      تؤكد المصادر فضلا عن الكتاب المقدس السلوك الحسن والمحبة اللذين ميَّزا المسيحيين الاوائل.‏ ذكر المؤرخ جون لورد:‏ «كانت الانتصارات الحقيقية للمسيحية تُرى في صنع اناس صالحين من اولئك الذين اعتنقوا عقائدها.‏ .‏ .‏ .‏ ولدينا شهادة لحياتهم التي هي بلا لوم،‏ لآدابهم التي لا عيب فيها،‏ لرعويتهم الجيدة،‏ ولفضائلهم المسيحية.‏» —‏ «العالم الروماني القديم.‏»‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة