-
المناداة برجوع الرب (١٨٧٠-١٩١٤)شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٥
المناداة برجوع الرب (١٨٧٠-١٩١٤)
«ان التاريخ التالي لا يُعطى لمجرد انني مندفع الى اعطاء نظرة عامة الى توجيهات اللّٰه في طريق النور، وإنما لأنني أومن بشكل خصوصي بأنه من الضروري ان يقال الحق باحتشام، أن يجري التغلب على اساءات الفهم والبيانات الكاذبة المؤذية، وأن يرى قرَّاؤنا كيف قدَّم الرب المساعدة والتوجيه حتى اليوم.»a
بعد هذه الكلمات شرع تشارلز تاز رصل يلخِّص التطورات التي ادَّت الى اصداره Millennial Dawn (الفجر الالفي، التي دُعيت في ما بعد دروس في الاسفار المقدسة ) و Watch Tower and Herald of Christ’s Presence Zion’s (برج مراقبة زيون وبشير حضور المسيح، المعروفة الآن بـ The Watchtower Announcing Jehovah’s Kingdom برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه). وهذا التاريخ هو ذو اهمية خصوصية لشهود يهوه. ولماذا؟ لأن فهمهم الحاضر لحقائق الكتاب المقدس ونشاطاتهم يمكن ان ترجع الى سبعينات الـ ١٨٠٠ والى عمل ت. ت. رصل وعشرائه، ومن هناك الى الكتاب المقدس والمسيحية الباكرة.
فمَن كان تشارلز تاز رصل؟ وهل يعطي تاريخ عمله الدليل على مساعدة وتوجيه الرب؟
بحث عن الحق
وُلد ت. ت. رصل في الولايات المتحدة، في ألليڠيني (الآن جزء من پيتسبورڠ)، پنسلڤانيا، في ١٦ شباط ١٨٥٢. وكان الابن الثاني لجوزيف ل. و آن إليزا (بِرْني) رصل، اللذين كانا مشيَخيَّين من اصل اسكتلندي-ايرلندي. ماتت ام تشارلز عندما كان بعمر تسع سنوات فقط، ولكن من عمر باكر، كان تشارلز متأثرا بكِلا والدَيه الميَّالَين الى الدين. وكما عبَّر عن ذلك عشير لاحق لـ ت. ت. رصل، «لقد وجَّها نمو الغصن الصغير؛ فنما في توجيه الرب.» وعلى الرغم من انه تربَّى كمشيخي، انضم تشارلز اخيرا الى الكنيسة الجماعية لأنه فضَّل آراءها.
وكما يتَّضح، كان تشارلز الصغير رجل اعمال فعلا. فبعمر ١١ سنة فقط، صار شريكا لأبيه في محل تجاري مزدهر للملابس الرجالية. ووسَّع تشارلز العمل، مديرًا في النهاية شخصيا عددا من المحلات التجارية المختلفة. وعلى الرغم من ان الامور سارت حسنا بالنسبة اليه في العمل، إلا انه كان مضطربا جدا روحيا. ولماذا كان الامر كذلك؟
آمن والدا تشارلز باخلاص بعقائد كنائس العالم المسيحي وربَّياه ليقبلها ايضا. وهكذا جرى تعليم تشارلز الصغير ان اللّٰه محبة، وأنه مع ذلك كان قد خلق البشر خالدين بالطبيعة وزوَّد مكانا ناريا يعذِّب فيه الى الابد الجميع ما عدا اولئك الذين قُدِّر لهم مسبقا ان يَخلصوا. وفكرة كهذه خيَّبت القلب المخلص لتشارلز المراهق. وفكَّر: «ان الها يستعمل قوته ليخلق كائنات بشرية عرف مقدَّما وقدَّر لهم مسبقا ان يتعذَّبوا الى الابد، لا يمكن ان يكون حكيما، عادلا ولا محبا. ومقياسه يكون ادنى من مقياس كثيرين من البشر.»
لكنَّ رصل الحدث لم يكن ملحدا؛ فهو لم يستطع ان يقبل تعاليم الكنائس المفهومة عموما. اوضح قائلا: «توصَّلتُ تدريجيا الى الفهم انه على الرغم من ان كلًّا من العقائد احتوى على بعض عناصر الحق، إلا انها، ككل، كانت مضلِّلة ومناقضة لكلمة اللّٰه.» لقد كانت «عناصر الحق» في عقائد الكنائس مدفونة في الواقع في مستنقع التعاليم الوثنية التي كانت قد تسلَّلت الى المسيحية المفسَدة خلال الارتداد الذي دام قرونا. واذ تحوَّل عن عقائد الكنيسة وبحث عن الحق، فحص رصل بعض الاديان الشرقية الرئيسية، ولكن ليجد انها لا تمنح الاكتفاء.
مترسِّخ ثانية في الايمان
ولكنَّ الغصن كان قد وُجِّه من قِبل والدَين يخافان اللّٰه؛ فكان ميَّالا الى «توجيه الرب.» وبينما كان لا يزال يبحث عن الحق، ذات مساء في السنة ١٨٦٩، حدث امر رسَّخ ثانية ايمان تشارلز المتقلقل. فإذ كان يمشي قرب محل رصل التجاري في شارع فيديرال، سمع ترتيلا دينيا آتيا من قاعة تحت الارض. وبكلماته الخاصة، هذا ما حدث:
«بالصدفة كما يبدو، زرت ذات مساء قاعة قذرة يعلوها الغبار، حيث كنت قد سمعت انه تُعقد اجتماعات دينية، لأرى ما اذا كان لدى العدد الصغير من الناس المجتمعين هناك ايّ شيء ليقدِّموه معقول اكثر من عقائد الكنائس الكبرى. وهناك، للمرة الاولى، سمعت شيئا من آراء ‹المؤمنين بالمجيء الثاني› [الكنيسة المسيحية المجيئية]، وكان الكارز السيد جوناس وِندَل . . . وهكذا، أعترف بكوني مدينا للمجيئيين وكذلك لطوائف دينية اخرى. وعلى الرغم من ان شرحه للاسفار المقدسة لم يكن واضحا تماما، . . . إلا انه كان كافيا، تحت توجيه اللّٰه، ليرسِّخ ثانية ايماني المتقلقل بالوحي الالهي للكتاب المقدس، وليُظهر ان سجلات الرسل والانبياء مترابطة بشكل وثيق. وما سمعته وجَّهني الى كتابي المقدس لأدرس بغيرة واعتناء اكثر من ايّ وقت مضى، وأنا اشكر الرب دوما على ذلك التوجيه؛ لأنه على الرغم من ان مذهب المجيئية لم يقدِّم لي ولا حقيقة واحدة، إلا انه ساعدني كثيرا في نبذ الاخطاء، وبالتالي هيَّأني للحق.»
لقد جدَّد ذلك الاجتماع تصميم رصل الحدث على البحث عن حق الاسفار المقدسة. ووجَّهه الى كتابه المقدس بتوق اكثر من ايّ وقت مضى. وسرعان ما اعتقد رصل ان الوقت قريب لكي يأتي اولئك الذين يخدمون الرب الى معرفة واضحة لقصده. ولذلك، في السنة ١٨٧٠، اذ كانوا متَّقدين حماسة، اجتمع هو وبعض معارفه في پيتسبورڠ وجوار ألليڠيني وشكَّلوا صفا لدرس الكتاب المقدس. ووفقا لعشير لاحق لرصل، كان صف الكتاب المقدس الصغير يُدار بهذه الطريقة: «يثير احد سؤالا. فيناقشونه. ويبحثون عن كل الآيات المتعلقة بالموضوع ثم، عندما يقتنعون بانسجام هذه الآيات، يذكرون اخيرا استنتاجهم ويدوِّنونه.» وكما اعترف رصل لاحقا، كانت الفترة «من ١٨٧٠ الى ١٨٧٥ وقت نمو مستمر في النعمة والمعرفة والمحبة للّٰه وكلمته.»
واذ كانوا يبحثون في الاسفار المقدسة، كان عدد من الامور يصير اوضح لطالبي الحق المخلصين هؤلاء. لقد رأوا حقائق الاسفار المقدسة المتعلقة بكون النفس البشرية عرضة للفناء وأن الخلود هبة سيحصل عليها اولئك الذين يصيرون وارثين مع المسيح في ملكوته السماوي. (حزقيال ١٨:٢٠؛ رومية ٢:٦، ٧) وابتدأوا يفهمون عقيدة الذبيحة الفدائية ليسوع المسيح والفرصة التي جعلها هذا التدبير ممكنة للجنس البشري. (متى ٢٠:٢٨) وأدركوا انه على الرغم من ان يسوع اتى اولا الى الارض كانسان في الجسد، إلا انه سيكون حاضرا بشكل غير منظور كشخص روحاني عند رجوعه. (يوحنا ١٤:١٩) وتعلَّموا ايضا ان الهدف من رجوع يسوع هو، لا ان يهلك كل شخص، بل ان يبارك عائلات الارض الطائعة. (غلاطية ٣:٨) كتب رصل: «شعرنا بالحزن العميق على خطإ ‹المؤمنين بالمجيء الثاني،› الذين كانوا ينتظرون المسيح في الجسد، ويعلِّمون ان العالم وكل ما فيه ما عدا ‹المؤمنين بالمجيء الثاني› سيحترق.»
وحقائق الاسفار المقدسة التي صارت واضحة لصف الكتاب المقدس الصغير هذا كانت من غير ريب هجرا للعقائد الوثنية التي تسلَّلت الى المسيحية في اثناء الارتداد الذي دام قرونا. ولكن هل حصل رصل وعشراؤه ذوو الميل الروحي على هذه الحقائق من الكتاب المقدس دون مساعدة آخرين؟
تأثير الآخرين
اشار رصل علانية الى المساعدة التي كان قد نالها من الآخرين في درس الكتاب المقدس. وهو لم يعترف بكونه مدينا للمؤمن بالمجيء الثاني جوناس وِندَل فحسب بل تكلم ايضا بمحبة عن شخصين آخرين كانا قد ساعداه في درس الكتاب المقدس. قال رصل عن هذين الرجلين: «ان درس كلمة اللّٰه مع هذين الاخوين قاد، خطوة فخطوة، الى مراعٍ اكثر اخضرارا.» احدهما، جورج و. سْتِتْسون، كان تلميذا جدّيا للكتاب المقدس وقسّا للكنيسة المسيحية المجيئية في إدِنبورو، پنسلڤانيا.
والآخر، جورج ستورز، كان ناشر مجلة فاحص الكتاب المقدس، في بروكلين، نيويورك. وستورز، الذي وُلد في ١٣ كانون الاول ١٧٩٦، اندفع في البداية الى فحص ما يقوله الكتاب المقدس عن حالة الموتى نتيجة لقراءة شيء اصدره (على الرغم من انه كان في ذلك الوقت بدون اسم الكاتب) تلميذ يقظ للكتاب المقدس، هنري ڠرُو من فيلادلفيا، پنسلڤانيا. فصار ستورز مدافعا غيورا عما كان يُدعى الخلود المشروط — التعليم بأن النفس فانية وأن الخلود هبة سيحصل عليها المسيحيون الامناء. وحاجَّ ايضا بأنه ما دام الاشرار لا يملكون الخلود، فلا يوجد عذاب ابدي. وسافر ستورز الى مناطق كثيرة، ملقيا محاضرات حول موضوع لا خلود للاشرار. وكان بين منشوراته المواعظ الست، التي بلغ توزيعها اخيرا ٠٠٠,٢٠٠ نسخة. ولا شك ان آراء ستورز القوية المؤسسة على الكتاب المقدس حول كون النفس عرضة للفناء وكذلك حول الكفارة والردّ (اعادة ما جرت خسارته بسبب الخطية الآدمية؛ اعمال ٣:٢١) كان لها تأثير ايجابي وقوي في تشارلز ت. رصل الشاب.
لكنَّ رجلا آخر ممن كان لهم تأثير عميق في حياة رصل جعل ايضا ولاءه لحق الاسفار المقدسة يوضع تحت الامتحان.
النبوات المتعلقة بالازمنة وحضور الرب
ذات صباح في كانون الثاني ١٨٧٦، تسلَّم رصل البالغ من العمر ٢٣ سنة نسخة من مجلة دينية دورية تدعى بشير الصباح. ومن الصورة على الغلاف، استطاع ان يرى انها مقترنة بمذهب المجيئية. والمؤلِّف، نلسون ه. باربور من روتشستر، نيويورك، اعتقد ان الهدف من رجوع المسيح لم يكن ان يهلك قبائل الارض بل ان يباركها وأن مجيئه سيكون لا في الجسد بل كروح. وكان ذلك منسجما مع ما كان رصل وعشراؤه يعتقدونه في ألليڠيني لمدة من الوقت!b ولكن، بشكل غريب، اعتقد باربور من النبوات المتعلقة بالازمنة في الكتاب المقدس ان المسيح كان آنذاك حاضرا (بشكل غير منظور) وأن عمل الحصاد لتجميع «الحنطة» (المسيحيين الحقيقيين الذين يؤلفون صف الملكوت) كان آنذاك قد آن اوانه. — متى، الاصحاح ١٣.
كان رصل يتجنَّب نبوات الكتاب المقدس المتعلقة بالازمنة. ولكنه تساءل الآن: «أيمكن ان يكون المقصود حقا من النبوات المتعلقة بالازمنة التي طالما استخففت بها، بسبب اساءة استعمالها من قبل المجيئيين، ان تبيِّن متى يكون الرب حاضرا بشكل غير منظور لتأسيس ملكوته؟» وبتعطُّشه الى حق الاسفار المقدسة كان على رصل ان يتعلَّم المزيد. ولذلك رتَّب ان يقابل باربور في فيلادلفيا. وهذه المقابلة اكَّدت اتفاقهما في عدد من تعاليم الكتاب المقدس وزوَّدتهما الفرصة لتبادل الآراء. «عندما التقينا لأول مرة،» ذكر رصل لاحقا، «كان لديه الكثير ليتعلَّمه مني عن تمام الردّ المؤسس على كفاية الفدية المقدَّمة عن الجميع، كما كان لديَّ الكثير لأتعلَّمه منه عن الازمنة.» ونجح باربور في اقناع رصل بأن حضور المسيح غير المنظور كان قد ابتدأ في السنة ١٨٧٤.c
‹عزمتُ على القيام بحملة قوية من اجل الحق›
كان ت. ت. رصل رجلا ذا اقتناعات ثابتة. واذ اقتنع بأن حضور المسيح غير المنظور قد ابتدأ، صمَّم على المناداة به للآخرين. قال لاحقا: «ان معرفة واقع كوننا الآن في فترة الحصاد اعطتني زخما لنشر الحق لم يكن لديَّ مثله من قبل قط. ولذلك عزمتُ فورا على القيام بحملة قوية من اجل الحق.» وقرَّر رصل الآن ان يقلِّل من مصالحه التجارية لكي يقف نفسه للكرازة.
ولكي يبطل الآراء الخاطئة في رجوع الرب، كتب رصل كراس The Object and Manner of Our Lord’s Return (هدف وطريقة رجوع ربنا). وقد نُشر في السنة ١٨٧٧. وفي تلك السنة عينها نشر باربور ورصل معا Three Worlds, and the Harvest of This World (العوالم الثلاثة، وحصاد هذا العالم). وناقش هذا الكتاب المؤلَّف من ١٩٦ صفحة موضوعَي الردّ ونبوات الكتاب المقدس المتعلقة بالازمنة. وعلى الرغم من ان كل موضوع كان قد عالجه آخرون من قبل، إلا ان هذا الكتاب، في رأي رصل، كان «الاول الذي يجمع بين فكرة الردّ والنبوة المتعلقة بالازمنة.» وقد قدَّم الفكرة ان حضور يسوع المسيح غير المنظور يبتدئ تاريخه من خريف السنة ١٨٧٤.
واذ سافر رصل وكرز، اتَّضح له ان شيئا اكثر يلزم لابقاء بزور الحق التي يزرعها حية ومرويَّة. والجواب؟ «مجلة شهرية،» قال رصل. ولذلك قرَّر هو وباربور ان يعيدا احياء المطبوعة بشير، التي كانت قد توقَّفت بسبب الاشتراكات الملغاة والمال النافد. فتبرَّع رصل بماله الخاص لاعادة احياء المجلة، صائرا واحدا من المشتركين في تحريرها.
وسار كل شيء حسنا مدة من الوقت — حتى السنة ١٨٧٨.
رصل يقطع الصلة بباربور
في عدد آب ١٨٧٨ من بشير الصباح، ظهرت مقالة كتبها باربور انكرت القيمة التعويضية لموت المسيح. واستطاع رصل، الذي كان اصغر من باربور بنحو ٣٠ سنة، ان يرى ان ذلك كان في الواقع انكارا للجزء الاساسي من عقيدة الفدية. ولذلك في العدد التالي عينه (ايلول ١٨٧٨)، في مقالة بعنوان «الكفارة،» ايَّد رصل الفدية وناقض اقوال باربور. واستمر الجدال في صفحات المجلة للاشهر القليلة التالية. وأخيرا، قرَّر رصل ان ينسحب من الشركة مع السيد باربور وأوقف الدعم المالي الاضافي للـ بشير.
لكنَّ ت. ت. رصل شعر بأن الانسحاب من الـ بشير لم يكن كافيا؛ فيجب الدفاع عن عقيدة الفدية ويجب المناداة بحضور المسيح. ولذلك، في تموز ١٨٧٩، ابتدأ رصل ينشر برج مراقبة زيون وبشير حضور المسيح.d وكان رصل المحرِّر والناشر، مع خمسة آخرين كانت اسماؤهم مسجَّلة في الاصل كمساهمين في اعمدتها. وطُبع من العدد الاول ٠٠٠,٦ نسخة. وبحلول السنة ١٩١٤ كان يُطبع من كل عدد نحو ٠٠٠,٥٠ نسخة.
«ليس بصفتها جديدة، ليس بصفتها لنا، بل بصفتها للرب»
استخدم ت. ت. رصل برج المراقبة ومطبوعات اخرى لدعم حقائق الكتاب المقدس ولدحض التعاليم الدينية الباطلة والفلسفات البشرية التي تناقض الكتاب المقدس. ولكنه لم يدَّعِ اكتشاف حقائق جديدة.
من الجزء الاخير للقرن الـ ١٨، كان كثيرون من القسوس وعلماء الكتاب المقدس يشهِّرون التعليمَين الباطلَين لخلود النفس والعقاب الابدي للاشرار. وهذا التشهير كان قد ذُكر بشكل شامل في كتاب الكتاب المقدس ضد التقليد، لواضعه هارون إليس، الذي نشره جورج ستورز اولا في انكلترا ثم في الولايات المتحدة في السنة ١٨٥٣. ولكن لا احد في ذلك الوقت فعل اكثر مما فعله ت. ت. رصل وعشراؤه لجعل هذا الحق معروفا.
وماذا عن عقائد الكتاب المقدس الاخرى التي نوقشت في برج المراقبة والمطبوعات الاخرى؟ هل اكتسب رصل كل الفضل في كشف جواهر الحق هذه؟ اوضح رصل: «وجدنا انه طوال قرون كانت طوائف وفرق مختلفة قد قسَّمت عقائد الكتاب المقدس في ما بينها، مازجة اياها بالتخمين والخطإ البشريين بنسب متفاوتة . . . ووجدنا ان العقيدة المهمة للتبرير بالايمان وليس بالاعمال قد اعلنها بوضوح لوثر وفي وقت احدث مسيحيون كثيرون؛ أن العدل والقدرة والحكمة الالهية حفظها المشيخيون باعتناء على الرغم من انهم لم يفهموها بوضوح؛ أن المنهجيين قدَّروا ومجَّدوا محبة وعطف اللّٰه؛ أن المجيئيين آمنوا بعقيدة رجوع الرب الثمينة؛ أن المعمدانيين آمنوا بين نقاط اخرى بعقيدة المعمودية على نحو صائب رمزيا، على الرغم من انهم كانوا قد فشلوا في ادراك المعمودية الحقيقية؛ أن بعض الخلاصيين كانوا قد آمنوا لفترة طويلة وعلى نحو غير واضح ببعض الافكار المتعلقة ‹بالردّ.› وهكذا فان كل الطوائف الدينية تقريبا اعطت الدليل على ان مؤسِّسيها كانوا يبحثون عن الحق: ولكن من الواضح تماما ان الخصم الكبير كان قد حاربهم وكان قد قسَّم على نحو خاطئ كلمة اللّٰه التي لم يستطع تدميرها كليا.»
وفي ما يتعلق بجدول التواريخ الذي كثيرا ما قدَّمه، ذكر رصل: «عندما نقول جدول ‹تواريخنا› نعني فقط الذي نستعمله، جدول تواريخ الكتاب المقدس، الذي ينتمي الى جميع شعب اللّٰه الذين يوافقون عليه. وفي الواقع كان مستعمَلا قبل وقت طويل من يومنا بالشكل الذي نقدِّمه فيه تقريبا، تماما كما كانت النبوات المختلفة التي نستخدمها مستخدَمة من المجيئيين لقصد مختلف، وتماما كما كانت العقائد المختلفة التي نعتنقها والتي تبدو جديدة ونقية ومختلفة جدا معتنَقة بشكل ما منذ وقت طويل: مثلا — الانتخاب، النعمة المجانية، الردّ، التبرير، التقديس، التمجيد، القيامة.»
اذًا كيف فهم رصل الدور الذي لعبه هو وعشراؤه في نشر حق الاسفار المقدسة؟ اوضح: «ان عملنا . . . هو ان نجمع معا اجزاء الحق المبعثرة لفترة طويلة هذه ونقدِّمها لشعب الرب — ليس بصفتها جديدة، ليس بصفتها لنا، بل بصفتها للرب. . . . فيجب ان ننكر ايّ فضل حتى في العثور على جواهر الحق وإعادة ترتيبها.» وذكر ايضا: «ان العمل الذي سُرَّ الرب بأن يستخدم مواهبنا المتواضعة فيه ليس عمل انشاء بقدر ما هو اعادة بناء، تعديل، وتنسيق.»
وهكذا، كان رصل محتشما جدا بشأن انجازاته. ومع ذلك فإن «اجزاء الحق المبعثرة» التي جمعها معا وقدَّمها لشعب الرب كانت خالية من عقيدتي الثالوث وخلود النفس الوثنيتين المحقِّرتين اللّٰه، اللتين صارتا راسختين في كنائس العالم المسيحي نتيجة للارتداد العظيم. وخلافا لأي شخص في ذلك الحين، نادى رصل وعشراؤه عالميا بمعنى رجوع الرب والقصد الالهي وما يشمله ذلك.
‹بناء واحدنا الآخر في الايمان الاقدس›
تجاوب بسرعة الاشخاص المستقيمو القلوب مع الحقائق المحرِّرة التي كان ت. ت. رصل وعشراؤه ينادون بها من خلال الصفحة المطبوعة وفي المحاضرات على السواء. وسرعان ما ادرك رصل، مع ان عمره كان يقل عن ٣٠ سنة، انه كانت هنالك حاجة ان يتعرَّف قرَّاء برج المراقبة بالرفقاء المؤمنين ويشجِّعوا واحدهم الآخر. وتلاميذ الكتاب المقدس في پيتسبورڠ كانوا يفعلون ذلك بالاجتماع معا قانونيا، ولكن ماذا كان يمكن فعله لمساعدة قرَّاء برج المراقبة في الاماكن الاخرى؟
اتى الجواب في عددي برج المراقبة لأيار وحزيران ١٨٨٠ (بالانكليزية). فهنا اعلن رصل خططه لزيارة عدد من البلدات والمدن في پنسلڤانيا، نيو جيرزي، ماساتشوستس، ونيويورك. ولأي قصد؟ «ان قرَّاءنا،» اوضح الاعلان، «مشتَّتون كثيرا، في بعض الاماكن ٢ و ٣، وأكثر حتى الى ٥٠. وفي اماكن كثيرة لا يعرفون واحدهم الآخر كليا، وهكذا يخسرون التعاطف والتعزية اللذين قصد ابونا ان يحصلوا عليهما بواسطة ‹الاجتماع معا كما لقوم عادة.› وقصده هو ان ‹نشدِّد واحدنا الآخر،› وأن نبني واحدنا الآخر في الايمان الاقدس. والاجتماعات المقترَحة التي نرجوها يمكن ان تؤدي الى تعارف شخصي.» — عبرانيين ١٠:٢٤، ٢٥.
عُقدت «الاجتماعات المقترَحة» خلال رحلة رصل، وتَبرهن انها ناجحة جدا؛ فقرَّاء برج المراقبة اقتربوا اكثر واحدهم الى الآخر. وهذه وغيرها من الرحلات لزيارة «الفرق الصغيرة من المنتظرين» سرعان ما ادَّت الى تشكيل عدد من الصفوف، او الكنائس (التي دُعيت في ما بعد جماعات)، التي كانت موجودة في المناطق المذكورة آنفا بالاضافة الى اوهايو وميشيڠان. وجرى تشجيع هذه الصفوف على عقد الاجتماعات القانونية. ولكن ايّ نوع من الاجتماعات؟
كان صف پيتسبورڠ قد اسس عادة الاجتماع معا مرتين على الاقل كل اسبوع. والاجتماع الاول لصف پيتسبورڠ غالبا ما كان يشمل محاضرة يلقيها خطيب كفء امام كامل الكنيسة، ربما في قاعة مستأجَرة. ولكن في الاجتماعات الاخرى، التي كانت تُعقد عادة في بيوت خاصة، كان يُطلب من الحاضرين ان يجلبوا الكتاب المقدس، فهرس الكلمات، الاوراق، وقلم الرصاص — وأن يساهموا.
والرفقة الروحية الدافئة المختبرة في تلك الاجتماعات الاسبوعية القانونية كانت تغييرا منعشا عن الجو غير الشخصي البارد في الطقوس الدينية لكثير من كنائس العالم المسيحي. لكنَّ رصل وعشراءه لم يبتدعوا فكرة الاجتماع معا قانونيا. فعادة الاجتماع هذه، حتى في البيوت الخاصة، اسسها مسيحيو القرن الاول. — رومية ١٦:٣، ٥؛ كولوسي ٤:١٥.
«هل تكرزون؟»
اعتقد ت. ت. رصل وعشراؤه بقوة انهم كانوا في وقت حصاد وأن الناس يحتاجون الى سماع الحق المحرِّر. لكنهم كانوا قليلي العدد. وكانت برج المراقبة تسدّ حاجة حيوية، ولكن هل كان يمكن فعل المزيد؟ اعتقد رصل والعاملون معه ان الامر هو كذلك. وخلال السنة ١٨٨٠ ابتدأوا ينتجون Bible Students’ Tracts (نشرات تلاميذ الكتاب المقدس، التي دُعيت ايضا لاحقا اللاهوت القديم الربع سنوي)، وكانت هذه تُزوَّد لقرَّاء برج المراقبة من اجل توزيع مجاني على الناس.
نعم، جرى تشجيع قرَّاء برج المراقبة ان يشتركوا مع الآخرين في الحقائق الثمينة التي يتعلَّمونها. وكان السؤال المطروح في برج المراقبة عددي تموز وآب ١٨٨١ (بالانكليزية) «هل تكرزون؟» فالى ايّ حد كان مهما ان يكرزوا؟ مضت المقالة تقول: «نؤمن بأنه لا احد سيكون من القطيع الصغير إلا الكارزين. . . . نعم، لقد دُعينا لنتألم معه ولننادي بهذه البشارة الآن، لكي نتمجَّد في الوقت المعيَّن وننجز الامور التي يُكرز بها الآن. ونحن لم نُدعَ ولم نُمسح لننال الاكرام ونجمع ثروة، بل لنُنفِق ونُنفَق، ولنكرز بالبشارة.»
من اللائق ان تلاميذ الكتاب المقدس الاولين هؤلاء شعروا بقوة بالحاجة الى الكرازة بالبشارة. وفي الواقع، أُلقيت مهمة الكرازة على كاهل مسيحيي القرن الاول؛ وهي مسؤولية تقع على كل المسيحيين الحقيقيين الى هذا اليوم. (متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠؛ اعمال ١:٨) ولكن ماذا كان هدف الكرازة التي قام بها رصل والقرَّاء الاولون لـ برج المراقبة؟ هل كان مجرد توزيع مطبوعات الكتاب المقدس او تنبيه الذين يرتادون الكنائس الى حقائق الاسفار المقدسة؟
«يجب عليكم . . . ان تتركوها»
«اخرجوا منها يا شعبي،» حذَّر الكتاب المقدس منذ زمن طويل. من ايّ شيء؟ «بابل العظيمة ام الزواني ورجاسات الارض.» (رؤيا ١٧:٥؛ ١٨:٤) ولماذا الخروج من بابل؟ «لأن خطاياها لحقت السماء وتذكَّر اللّٰه آثامها.» (رؤيا ١٨:٥) فمَن هي هذه الزانية الام التي يجب ان ينفصل عنها الناس؟
حدَّد مارتن لوثر وقادة الاصلاح الآخرون هوية الكنيسة الكاثوليكية وبابويتها بصفتها بابل العظيمة. وماذا عن الكنائس الپروتستانتية التي نشأت نتيجة الاصلاح؟ الواقع هو انه، بصرف النظر عن رفضها سلطة البابا العليا، لم يكن بعضها مختلفا كثيرا عن الكاثوليكية في البنية الكنسية، وقد احتفظت بعقائد غير مؤسسة على الاسفار المقدسة، كالثالوث، خلود النفس، والعذاب الابدي. ولهذا السبب حثَّ بعض الكارزين الناسَ على التحرُّر ليس فقط من الكنيسة الكاثوليكية بل ايضا من انظمة الكنيسة الپروتستانتية الرئيسية.
ادرك ايضا ت. ت. رصل وعشراؤه ان هذه الزانية السيئة السمعة لم تكن فقط الكنيسة الكاثوليكية. وهكذا، فيما حدَّدت برج المراقبة عدد تشرين الثاني ١٨٧٩ (بالانكليزية) هوية بابل العظيمة بصفتها «البابوية كنظام،» اضافت المقالة: «يجب ان نذهب الى ابعد من ذلك ونُظهر انها تشير الى، (لا الاعضاء الافراد، بل الانظمة الكنسية)، الكنائس الاخرى المتحدة بامبراطوريات الارض. فكل كنيسة تدَّعي انها عذراء طاهرة مخطوبة للمسيح، ولكنها في الواقع متحدة بالعالم (الوحش) وتنال منه الدعم، يجب ان ندينها بأنها بلغة الاسفار المقدسة كنيسة زانية.»
ولذلك، ماذا جرى تشجيع قرَّاء برج المراقبة ان يفعلوا؟ كتب رصل: «اذا كانت الكنيسة التي بها انتم مرتبطون تعيش في اتحاد زنى مع العالم يجب عليكم، اذا اردتم ان تُبقوا ثيابكم بيضاء، ان تتركوها.» لم يفهم رصل وعشراؤه آنذاك المدى التام لتأثير بابل العظيمة. ومع ذلك، جرى حثّ قرَّاء برج المراقبة على الانفصال عن الانظمة الكنسية التي كانت فاسدة وعالمية. — يوحنا ١٨:٣٦.
«حقُّه اسر قلبي فورا»
ان نشر حقائق الكتاب المقدس اتخذ خطوة مهمة الى الامام في السنة ١٨٨٦ بإصدار المجلد الاول من سلسلة الكتب الموعود بها المدعوة الفجر الالفي، بقلم ت. ت. رصل. ودُعي المجلد الاول The Divine Plan of the Ages (نظام الدهور الالهي). وقد احتوى دروسا حول ١٦ موضوعا، مثل «اثبات وجود خالق ذكي اسمى،» «النظر الى الكتاب المقدس كاعلان الهي في ضوء العقل،» «رجوع ربنا — هدفه، ردّ كل شيء،» و «السماح بالشر وعلاقته بقصد اللّٰه.» وأخيرا، كتب ت. ت. رصل خمسة كتب اخرى من سلسلة الفجر الالفي.e
لم يعش رصل ليكتب المجلد السابع المنتظَر للسلسلة، لكنَّ التوزيع الواسع الانتشار للمجلدات الستة التي اكملها لقي تجاوبا ايجابيا عند الاشخاص المستقيمي القلوب. «ان كتابكم الفجر الالفي وصلني في الخريف الماضي،» كتبت امرأة في السنة ١٨٨٩، «وكان ذلك اول مرة ارى فيها مؤلَّفا كهذا. تسلَّمته يوم السبت مساء، بدأت بقراءته فورا، ولم اضعه جانبا إلا عندما كنت مجبَرة، حتى انتهيت منه. وحقُّه اسر قلبي فورا؛ فانسحبت حالا من الكنيسة المشيخية حيث كنت لفترة طويلة اتلمَّس طريقي في الظلام بحثا عن الحق، ولم اجده.»
كانت تلزم شجاعة حقيقية في تلك الايام لينسحب المرء من كنيسته. وقد اظهرت ذلك امرأة في مانيتوبا، كندا، امتلكت الفجر الالفي في السنة ١٨٩٧. في البداية حاولت ان تبقى مع كنيستها وتعلِّم في مدارس الاحد المحلية. وأتى اليوم، في السنة ١٩٠٣، حين قررت ان تترك الكنيسة. فوقفت وأخبرت جميع الحاضرين لماذا شعرت بأنه يجب ان تنفصل عن الكنيسة. وحاولت الجارة الاقرب (الشخص العزيز على الناس في المجتمعات الصغيرة في تلك الايام) ان تقنعها بأن ترجع الى الكنيسة. لكنها وقفت ثابتة، مع انه لم تكن هنالك اية جماعة لتلاميذ الكتاب المقدس في الجوار. وكما وصف ابنها في ما بعد وضعها: «لا خادم درْس [شيخ] للاتكال عليه. لا اجتماعات. قلب منسحق. كتاب مقدس بالٍ. ساعات طويلة من الصلاة.»
فماذا كان هنالك في الفجر الالفي، برج المراقبة، والمطبوعات الاخرى للجمعية مما اسر قلوب الناس ودفعهم الى اتخاذ اجراء حاسم كهذا؟ اتخذ ت. ت. رصل اقترابا لشرح تعاليم الكتاب المقدس مختلفا عن كتبة كثيرين في ايامه. فقد آمن بأن الكتاب المقدس هو كلمة اللّٰه المعصومة من الخطإ وأن تعاليمه يجب ان تكون منسجمة. ولذلك شعر بأنه اذا كان ايّ جزء من الكتاب المقدس صعب الفهم، يجب توضيحه وتفسيره بواسطة جزء آخر من الكلمة الموحى بها. فلم يحاول ان يدعم التفسيرات التي كان يقدِّمها بشهادة اللاهوتيين في ايامه او بآراء المدعوين آباء الكنيسة الباكرة. وكما كتب في المجلد ١ من الفجر الالفي: «نعتقد انه ضعف شائع في الوقت الحاضر وكل الاوقات ان يؤمن البشر بمعتقدات معيَّنة لأن آخرين، ممن يثقون بهم، آمنوا بها. . . . فيجب على طالبي الحق ان يفرغوا آنيتهم من مياه التقليد العَكِرة ويملأوها من ينبوع الحق — كلمة اللّٰه.»
واذ تجاوب عدد متزايد من طالبي الحق هؤلاء مع ما قرأوه في مطبوعات جمعية برج المراقبة، صار بعض التغييرات غير المتوقعة ضروريا في ألليڠيني.
المركز الرئيسي في بيت الكتاب المقدس
ان تلاميذ الكتاب المقدس في ألليڠيني، المقترنين بنشر برج المراقبة، اعتُبروا الاكثر خبرة في القيام بعمل الرب ونُظر اليهم من قبل كل الكنائس، او الجماعات، بصفتهم الذين يأخذون القيادة. وفي البداية كانت لديهم مكاتب للمركز الرئيسي في ١٠١ الجادَّة الخامسة، پيتسبورڠ، وفي ما بعد في ٤٤ شارع فيديرال، ألليڠيني. ولكن، في اواخر ثمانينات الـ ١٨٠٠، صار التوسُّع ضروريا. ولذلك رتَّب رصل لبناء تسهيلات اوسع. وفي السنة ١٨٨٩ أُكمل بناء قرميدي من اربع طبقات في ٥٦-٦٠ شارع آرْك، ألليڠيني. وقُدِّر ثمنه بـ ٠٠٠,٣٤ دولار اميركي، وكان معروفا ببيت الكتاب المقدس. وخدم كمركز رئيسي للجمعية نحو ١٩ سنة.
واعتبارا من السنة ١٨٩٠ صارت عائلة بيت الكتاب المقدس الصغيرة تخدم حاجات مئات عديدة من عشراء جمعية برج المراقبة النشاطى. ولكن اذ تقدَّم عقد تسعينات الـ ١٨٠٠، اظهر عدد اكبر من الناس اهتماما بما يفعله هؤلاء. وفي الواقع، بحسب تقرير غير كامل نُشر في برج المراقبة، في ٢٦ آذار ١٨٩٩، جرى الاحتفال بذكرى موت المسيح في ٣٣٩ اجتماعا مختلفا مع ٥٠١,٢ مساهم. ولكن، ماذا كان سيساعد على ابقاء العدد المتزايد من تلاميذ الكتاب المقدس متحدين؟
توحيد الرعية المتزايدة
شجَّع ت. ت. رصل جميع قرَّاء برج المراقبة ان يجتمعوا حيثما استطاعوا ليشكِّلوا فِرقا، صغيرة او كبيرة، بهدف بنيان واحدهم الآخر روحيا. وكانت مشورة الاسفار المقدسة تُزوَّد من خلال اعمدة برج المراقبة. والممثِّلون الجائلون لجمعية برج المراقبة كانوا يُرسَلون ايضا من المركز الرئيسي للبقاء على اتصال بالفِرق المختلفة ولبنائهم روحيا.
وبين حين وآخر، كانت هنالك ايضا محافل خصوصية يحضرها تلاميذ الكتاب المقدس من اماكن كثيرة. «هذه دعوة خصوصية لكل قارئ يستطيع ان يأتي،» حثَّ عدد آذار ١٨٨٦ (بالانكليزية) من برج المراقبة. وماذا كانت المناسبة؟ الاحتفال السنوي بذكرى عشاء الرب الذي كان سيُعقد يوم الاحد في ١٨ نيسان ١٨٨٦ في ألليڠيني. ولكن، جرى التخطيط لاكثر من ذلك: وُضع برنامج لسلسلة من الاجتماعات الخصوصية خلال امسيات الاسبوع التالي. وتلاميذ الكتاب المقدس في ألليڠيني فتحوا بيوتهم — وقلوبهم — مجانا للمندوبين الزائرين. وطوال السنوات القليلة التالية، عُقدت محافل مماثلة في ألليڠيني في وقت ذكرى موت الرب.
وفي اواخر تسعينات الـ ١٨٠٠، بدأ تنظيم المحافل في اماكن عديدة. وتكرارا ألقى ت. ت. رصل خطابات في هذه المناسبات. فكيف كانت الحال عند الاستماع اليه؟
ذكر رالف لِفْلَر، الذي سمع ت. ت. رصل يتكلم: «عندما يكون على المنبر امام حضور، كان دائما يلبس سترة سوداء طويلة وربطة عنق بيضاء. وصوته لم يكن عاليا، ولم يكن يستعمل ميكروفونا او مكبِّرا للصوت، لأنهما لم يكونا قد اختُرعا؛ ومع ذلك، كان صوته ينفذ دائما بطريقة ما الى ابعد جزء في قاعة الاستماع. وكان يستطيع ان يستأسر انتباه حضور ضخم ليس لساعة واحدة فقط بل احيانا لساعتين او ثلاث. وكان دائما يستهل محاضرته بانحناءة لطيفة للحضور. وعندما يتكلم، لم يكن يقف دون حراك كتمثال، وإنما كان دائما يتحرك، يومئ بذراعيه ويخطو من جانب الى جانب او من الامام الى الوراء. ولم اره مرة يحمل اية ملاحظات او مخطوطة في يديه — فقط الكتاب المقدس، الذي كان يستعمله كثيرا جدا. وكان يتكلم من القلب وبطريقة مقنعة جدا. وعادة كان الشيء الوحيد على المنبر في تلك الايام طاولة صغيرة عليها كتاب مقدس وإبريق ماء وكوب كان الخطيب يتناول منه احيانا رشفة ماء.»
كانت تلك المحافل الباكرة فترات من الرفقة الدافئة والانتعاش الروحي. وقد عملت على تقوية وحدة كل تلاميذ الكتاب المقدس وعلى اعلان حقائق الكتاب المقدس. وفي تلك الاثناء، اذ كان عقد تسعينات الـ ١٨٠٠ يقترب من نهايته، اتضح لتلاميذ الكتاب المقدس ان هنالك الكثير جدا لانجازه في نشر حق الكتاب المقدس. ولكنهم كانوا لا يزالون قليلي العدد نسبيا. فهل كانت هنالك طريقة للوصول الى ملايين من الناس اكثر ممن يمكن الاتصال بهم بالطرائق المستعملة آنذاك؟ حقا كانت هنالك طريقة!
فتح باب «التبشير بواسطة الصحف»
بحلول نهاية القرن الـ ١٩، كانت شبكة خطوط التلڠراف تملأ العالم. وكان الاتصال التلڠرافي رخيص الثمن وسريعا؛ وأحدث ثورة في الصحافة. فكان يمكن نقل الاخبار بسرعة عبر مسافات طويلة وطبعها في الصحف. وفي الجزء الباكر من القرن الـ ٢٠، رأى ت. ت. رصل وعشراؤه ان الصحف طريقة فعَّالة للوصول الى اعداد كبيرة من الناس. قال رصل لاحقا: «صارت الصحيفة العامل الرئيسي في الحياة اليومية للعالم المتمدِّن.»
اعلن عدد ١ كانون الاول ١٩٠٤ (بالانكليزية) من برج المراقبة ان مواعظ ت. ت. رصل تظهر في ثلاث صحف. والعدد التالي من برج المراقبة، تحت العنوان «التبشير بواسطة الصحف،» ذكر: «وهكذا كانت ملايين المواعظ تنتشر في كل مكان؛ وبعضها على الاقل عمل خيرا. وان شاء الرب يسرُّنا ان نرى هذا ‹الباب› مفتوحا دائما، او حتى مفتوحا بشكل اوسع ايضا.» لقد فُتح باب «التبشير بواسطة الصحف» بشكل اوسع ايضا. وفي الواقع، بحلول السنة ١٩١٣ قُدِّر انه بواسطة ٠٠٠,٢ صحيفة وصلت مواعظ رصل الى ٠٠٠,٠٠٠,١٥ قارئ!
ولكن كيف تمكَّن رصل من طبع موعظة اسبوعية حتى عندما يكون مسافرا؟ كان يرسل كل اسبوع بواسطة التلڠراف موعظة (بطول عمودَي صحيفة تقريبا) الى وكالة صحف. والوكالة، بدورها، كانت تعيد ارسالها تلڠرافيا الى صحف في الولايات المتحدة، كندا، وأوروپا.
كان رصل مقتنعا بأن الرب كان قد فتح باب الكرازة بواسطة الصحف بشكل واسع. وخلال العقد الاول من القرن الـ ٢٠، صارت رسالة الكتاب المقدس التي اعلنها رصل وعشراؤه معروفة بشكل واسع من خلال مواعظ الصحف هذه. والمطبوعة التي تدعى ذا كونتيننت ذكرت مرة عن رصل: «يُقال ان لكتاباته انتشارا في الصحف كل اسبوع اكثر من تلك التي لأي انسان حي آخر؛ اكثر على الارجح من الانتشار المشترك لكتابات كل الكهنة والكارزين في اميركا الشمالية.»
الانتقال الى بروكلين
اذ نالت الكرازة بواسطة الصحف زخما، بحث تلاميذ الكتاب المقدس عن مكان آخر يُصدرون منه المواعظ. ولماذا؟ لقد صار بيت الكتاب المقدس في ألليڠيني صغيرا جدا. وجرى الاعتقاد ايضا انه اذا صدرت مواعظ رصل من مدينة اكبر ومعروفة اكثر، فسيؤدي ذلك الى نشر المواعظ في صحف اكثر. ولكن اية مدينة؟ اوضحت برج المراقبة عدد ١٥ كانون الاول ١٩٠٨ (بالانكليزية): «وصلنا معا، بعد طلب التوجيه الالهي، الى القرار ان بروكلين، نيويورك، التي عدد كبير من السكان فيها من الطبقة الوسطى، والتي تُعرف بـ ‹مدينة الكنائس،› يمكن ان تكون، لهذه الاسباب، مركزنا الاكثر ملاءمة لعمل الحصاد خلال السنوات القليلة الباقية.»
لذلك، في السنة ١٩٠٨، أُرسل عدة ممثِّلين لجمعية برج المراقبة، بمن فيهم مستشارها القانوني جوزيف ف. رذرفورد، الى مدينة نيويورك. وهدفهم؟ الحصول على عقار كان ت. ت. رصل قد وجده في رحلة ابكر. فاشتروا «بتل پلايموث» القديم، الواقع في ١٣-١٧ شارع هيكس، بروكلين. وكان قد استُخدم كبناء ارسالي للكنيسة الجماعية المجاورة في پلايموث، حيث خدم ذات مرة هنري وورد بيتشر كقس. واشترى ممثِّلو الجمعية ايضا منزل بيتشر السابق، بناء من الحجر الاسمر بأربع طبقات في ١٢٤ كولومبيا هايتس، على بُعد بضعة مبانٍ ضخمة.
وبناء شارع هيكس عُدِّلت بنيته وسُمِّي «مسكن بروكلين.» وقد اشتمل على مكاتب الجمعية وقاعة استماع. وبعد اصلاحات كثيرة، صار منزل بيتشر السابق في ١٢٤ كولومبيا هايتس البيت الجديد لهيئة مستخدَمي مركز الجمعية الرئيسي. فماذا كان سيُدعى؟ اوضحت برج المراقبة عدد ١ آذار ١٩٠٩ (بالانكليزية): «سندعو البيت الجديد ‹بيت ايل› [ومعناه، «بيت اللّٰه»].»f
نال «التبشير بواسطة الصحف،» كما كان يُدعى، زخما بعد الانتقال الى بروكلين. لكنَّ ذلك لم يكن الطريقة الوحيدة للوصول الى جماهير الناس.
توسيع المناداة بالبشارة
في السنة ١٩١٢، شرع رصل وعشراؤه في مغامرة تعليمية جريئة كانت سابقة جدا لأوانها. وفي الواقع، كانت للوصول الى ملايين الناس حول العالم. لقد كانت «رواية الخلق المصوَّرة» — مزيج من فيلم سينمائي وعرض للصور المنزلقة متزامنين مع تسجيلات موسيقية وخطابات على اسطوانات فونوڠرافية. لقد كانت بطول ثماني ساعات تقريبا وكانت تُقدَّم في اربعة اجزاء. والى جانب ‹الرواية المصوَّرة› المألوفة، صارت «رواية يوريكا (Eureka)،» المؤلَّفة إما من المحاضرات المسجَّلة والتسجيلات الموسيقية او الاسطوانات مع الصور المنزلقة، متوافرة ايضا. ومع انه كانت تنقصها الافلام السينمائية، إلا انها كانت تُقدَّم بنجاح في المناطق السكنية الاقل كثافة.
تخيَّلوا المشهد التاريخي: في كانون الثاني ١٩١٤، خلال عصر السينما الصامتة،g اجتمع حضور من ٠٠٠,٥ في ذا تمْپِلْ، بناء في الشارع الـ ٦٣ الغربي، في مدينة نيويورك. وكثيرون آخرون لم يكن ادخالهم ممكنا لسبب ضيق المكان. والمناسبة؟ العرض الاول في نيويورك لـ «رواية الخلق المصوَّرة»! وكانت هنالك امام الحضور شاشة افلام سينمائية كبيرة. واذ كانوا يشاهدون — ويسمعون — حدث شيء مدهش حقا. ت. ت. رصل، الذي كان آنذاك في اوائل ستيناته، ظهر على الشاشة. وابتدأت شفتاه تتحركان، وسُمعت كلماته! واذ استمر العرض، اخذ اولئك الحاضرين — بواسطة الكلمات، الصور الملونة، والموسيقى — من خلق الارض الى نهاية حكم المسيح الالفي. وخلال العرض رأوا ايضا (بواسطة التصوير السريع) امورا اخرى اذهلتهم — تفتُّح زهرة ونقْف فرخ لبيضة. فتأثروا حقا!
وبحلول نهاية السنة ١٩١٤، كانت ‹الرواية المصوَّرة› قد عُرضت امام ملايين الناس في اميركا الشمالية، اوروپا، نيوزيلندا، وأوستراليا. وبرهنت ‹الرواية المصوَّرة› فعلا انها وسيلة فعَّالة للوصول الى جماهير الناس في فترة قصيرة نسبيا من الوقت.
وفي هذه الاثناء، ماذا عن تشرين الاول ١٩١٤؟ طوال عقود نادى رصل وعشراؤه بأن ازمنة الامم ستنتهي في السنة ١٩١٤. وكانت التوقعات شديدة. لقد كان ت. ت. رصل انتقاديا لاولئك الذين كانوا قد وضعوا تواريخ مختلفة لرجوع الرب، مثل وليم ميلر وبعض فرق «المؤمنين بالمجيء الثاني.» ولكن، من وقت اقترانه الباكر بنلسون باربور، صار مقتنعا بأن هنالك جدول تواريخ دقيقا، مؤسسا على الكتاب المقدس، وأنه يشير الى السنة ١٩١٤ بصفتها نهاية ازمنة الامم.
واذ اقتربت تلك السنة المهمة، كانت هنالك توقعات عظيمة بين تلاميذ الكتاب المقدس، ولكن ليس كل ما توقعوه كان مذكورا بشكل مباشر في الاسفار المقدسة. فماذا كان سيحدث؟
[الحواشي]
a The Watch Tower (برج المراقبة )، ١٥ تموز ١٩٠٦، ص ٢٢٩ (بالانكليزية).
b لم يكن باربور ولا رصل اول مَن يشرح رجوع الرب كحضور غير منظور. ففي وقت ابكر بكثير، كان السّر إسحق نيوتن (١٦٤٢-١٧٢٧) قد كتب ان المسيح سيعود ويحكم «بشكل غير منظور للناس.» وفي السنة ١٨٥٦، كان جوزيف سايس، قس لوثري في فيلادلفيا، پنسلڤانيا، قد كتب عن مجيء ثانٍ بمرحلتين — پاروسيا، او حضور، غير منظور، يليه استعلان منظور. ثم، في السنة ١٨٦٤، كان بنيامين ولسون قد نشر مؤكد اللسانين الذي له، مع كلمة «حضور» ما بين السطور، لا «مجيء،» مقابل پاروسيا، وكان ب. و. كِيث، احد عشراء باربور، قد لفت انتباه باربور وعشرائه الى ذلك.
c ان فهما اوضح لجدول تواريخ الكتاب المقدس نُشر في سنوات لاحقة. انظروا الفصل ١٠، «النمو في المعرفة الدقيقة للحق.»
d ان عبارة «برج المراقبة» ليست محصورة في كتابات رصل او شهود يهوه. فقد نشر جورج ستورز كتابا في خمسينات الـ ١٨٠٠ يدعى برج المراقبة: او، الانسان في الموت؛ والرجاء بحياة مقبلة. وكان الاسم مُدمَجا ايضا في عنوان منشورات دينية دورية مختلفة. وهو ينشأ من فكرة المداومة على مراقبة اتمام مقاصد اللّٰه. — اشعياء ٢١:٨، ١١، ١٢؛ حزقيال ٣:١٧؛ حبقوق ٢:١.
e لقد كانت: المجلد ٢، The Time Is at Hand (قد دنا الوقت) (١٨٨٩)؛ المجلد ٣، Thy Kingdom Come (ليأتِ ملكوتك) (١٨٩١)؛ المجلد ٤، The Day of Vengeance ( يوم الانتقام) (١٨٩٧؛ دُعي لاحقا معركة هرمجدون)؛ المجلد ٥، The At-one-ment Between God and Man (المصالحة بين اللّٰه والناس) (١٨٩٩)؛ والمجلد ٦، Creation New The (الخليقة الجديدة ) (١٩٠٤). وعندما ابتدأت مجلدات الفجر الالفي تُدعى Studies in the Scriptures (دروس في الاسفار المقدسة)، سُمِّي المجلد ١ «السلسلة ١،» المجلد ٢ «السلسلة ٢،» وهلم جرا. وجرى تبنّي الاسم دروس في الاسفار المقدسة في طبعات محدودة ابتداء من حوالي تشرين الاول ١٩٠٤، واستُعمل الاسم الجديد عموما اكثر ابتداء من السنة ١٩٠٦.
f لاحقا، جرى شراء العقار المجاور، ١٢٢ كولومبيا هايتس، مما وسَّع بالتالي «بيت ايل.» وأيضا، في السنة ١٩١١ أُضيف مبنى اضافي الى مؤخر «بيت ايل،» مما زوَّد تجهيزات سكنية جديدة.
g على الرغم من انه كانت هنالك محاولات باكرة لمزج الافلام السينمائية بالصوت، إلا ان عصر الافلام الناطقة أُدخل في آب ١٩٢٦ بإصدار دون جوان (مع موسيقى ولكن دون كلام)، تبعه مغنّي الجاز (مع كلام) في خريف السنة ١٩٢٧.
-
-
المناداة برجوع الرب (١٨٧٠-١٩١٤)شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
[الاطار في الصفحة ٥٤]
لماذا دُعي راعيا
كان يُشار الى تشارلز تاز رصل من قبل عشرائه بصفته الراعي (Pastor) رصل. ولماذا؟ لسبب نشاطاته في رعاية رعية اللّٰه. تذكر افسس ٤:١١ ان المسيح سيعطي البعض لجماعته ك «رعاة» («ترجمة الملك جيمس»). وقد خدم الاخ رصل بالتأكيد كراعٍ روحي في الجماعة المسيحية.
ونظرا الى عمل الرعاية الذي كان يقوم به تحت سلطة الراعي الرئيسي، يسوع المسيح، اعترفت بعض الجماعات بواسطة التصويت بأنه راعيهم. ولم يكن ذلك لقبا منتحَلا ذاتيا. والفريق الاول الذي صوَّت له ليكون راعيهم كان الجماعة في پيتسبورڠ، پنسلڤانيا، في السنة ١٨٨٢. وبعد ذلك، صوَّتت له كراعٍ ٥٠٠ جماعة اخرى تقريبا، في الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي ذلك الحين، كان امرا عاديا ان تصوِّت الجماعات كل سنة لاولئك الذين يشرفون بينهم. أما اليوم فلا يجري انتخاب الشيوخ المسيحيين بين شهود يهوه من قبل الجماعات المحلية بل تعيِّنهم الهيئة الحاكمة لشهوه يهوه. ويُمارَس الانتباه ايضا لئلا تُستعمل تعابير مثل «راعٍ» او «شيخ» كألقاب للمخاطبة.
[الاطار/الصور في الصفحتين ٥٦ و ٥٧]
«رواية الخلق المصوَّرة»
تألَّفت «رواية الخلق المصوَّرة» من افلام سينمائية وعرض للصور المنزلقة، متزامنة مع الصوت. وهذا العرض المدهش اخذ الحضور من زمن الخلق الى نهاية الحكم الالفي.
وجرى تحضير ٢٠ مجموعة على الاقل من اربعة اجزاء، مما جعل عرض الجزء الواحد من ‹الرواية المصوَّرة› ممكنا في ٨٠ مدينة مختلفة كل يوم. وقد كان تحديا حقيقيا الايفاء بهذه الارتباطات الـ ٨٠. فبرامج مواعيد القطار لم تكن دائما ملائمة. والجماعات لم تتمكن دائما من استئجار امكنة للعرض في التواريخ المطلوبة. ومع ذلك، بحلول نهاية السنة ١٩١٤، كانت ‹الرواية المصوَّرة› قد عُرضت امام حضور بلغ مجموعه اكثر من ٠٠٠,٠٠٠,٩ في اميركا الشمالية، اوروپا، وأوستراليا.
[الصور]
«سيناريو» ‹الرواية المصوَّرة،› الذي تضمَّن المحاضرات والكثير من الايضاحات
مسرحان استُخدما كامل الوقت من اجل عروض ‹الرواية المصوَّرة›
شيكاڠو
نيويورك
آلة عرض الفيلم
آلة عرض الصور المنزلقة
اسطوانات فونوڠرافية
صور منزلقة من ‹الرواية المصوَّرة›
نشرة اعلانية
[الاطار في الصفحة ٦٠]
«ترقَّبوا السنة ١٩١٤!»
عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى في السنة ١٩١٤، ذكرت «العالم،» صحيفة رئيسية آنذاك في مدينة نيويورك، في زاويتها الخاصة: «ان نشوب الحرب المروِّعة في اوروپا تمَّم نبوة فوق العادة. . . . ‹ترقَّبوا السنة ١٩١٤!› كانت صرخة مئات المبشرين الجائلين الذين، اذ مثَّلوا هذا الايمان الغريب [المقترن برصل]، جابوا البلاد معلنين العقيدة ان ‹ملكوت اللّٰه قريب.›» — «مجلة العالم،» ٣٠ آب ١٩١٤.
[الصورة في الصفحة ٤٢]
تشارلز تاز رصل
[الصورة في الصفحة ٤٣]
جوزيف ل. رصل، والد تشارلز، كان عضوا في صف درس الكتاب المقدس في ألليڠيني وعشيرا لصيقا لابنه في نشاطات جمعية برج المراقبة حتى موته في السنة ١٨٩٧
[الصور في الصفحة ٥١]
وزع تلاميذ الكتاب المقدس عشرات الملايين من النشرات التي شهَّرت الخطأ الديني، اوضحت حقائق الاسفار المقدسة، وأعلنت السنة المهمة ١٩١٤
[الصورة في الصفحة ٥٣]
كتب ت. ت. رصل ستة مجلدات من «الفجر الالفي» (١٨٨٦ الى ١٩٠٤) بالاضافة الى النشرات، الكراريس، ومقالات «برج المراقبة» طوال فترة ٣٧ سنة تقريبا
[الصورة في الصفحة ٥٢]
عندما كان يلقي محاضرات عامة، لم يكن الاخ رصل يستعمل اية ملاحظات، وكان دائما يتحرك — يومئ بذراعيه ويخطو في كل جهة من المنبر
[الصور في الصفحة ٥٩]
قُدِّر انه في احدى السنوات، بواسطة ٠٠٠,٢ صحيفة، وصلت مواعظ ت. ت. رصل الى ٠٠٠,٠٠٠,١٥ قارئ
-
-
وقت امتحان (١٩١٤-١٩١٨)شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٦
وقت امتحان (١٩١٤-١٩١٨)
«دعونا نتذكر اننا في فترة امتحان. . . . واذا كان هنالك ايّ سبب يقود احدا الى ترك الرب وحقه والى التوقف عن التضحية من اجل قضية الرب، فحينئذ لا يكون مجرد محبة اللّٰه في القلب ما حثَّ على الاهتمام بالرب، بل شيء آخر؛ وربما الرجاء بأن الوقت قصير؛ فالتكريس كان لوقت محدَّد فقط. واذا كان الامر كذلك، فالآن هو الوقت المناسب كي يترك.»
ان هذه الكلمات، التي ظهرت في برج المراقبة عدد ١ تشرين الثاني ١٩١٤ (بالانكليزية)، لا يمكن ان تكون اكثر ملاءمة في ايّ وقت آخر. فقد برهنت السنوات من ١٩١٤ الى ١٩١٨ انها فعلا «فترة امتحان» لتلاميذ الكتاب المقدس. وبعض الامتحانات اتت من الداخل؛ والاخرى اتت من الخارج. ولكنها كلها امتحنت تلاميذ الكتاب المقدس بطرائق كشفت ما اذا كانت لديهم حقا ‹محبة اللّٰه في قلوبهم.› فهل كانوا سيتمسكون ‹بالرب وحقه› ام سيتركون؟
توقعات عظيمة
في ٢٨ حزيران ١٩١٤، اصابت رصاصة قاتل فرانز فيرديناند أرشيدوق النمسا-المجر فأردته قتيلا. وهذا الاغتيال اطلق شرارة الحرب الكبرى، كما دُعيت الحرب العالمية الاولى في الاصل. وابتدأ القتال في آب ١٩١٤ عندما قامت المانيا باجتياح بلجيكا وفرنسا. وبحلول خريف تلك السنة، كان حمَّام الدم آخذا مجراه.
«انتهت ازمنة الامم؛ وملوكها كان لهم يومهم»! هكذا اعلن الاخ رصل عندما دخل غرفة الطعام في المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة في بروكلين صباح يوم الجمعة في ٢ تشرين الاول ١٩١٤. كانت الاثارة شديدة. فأغلب الحاضرين كانوا يتطلعون طوال سنوات الى السنة ١٩١٤. ولكن ماذا كانت ستجلب نهاية ازمنة الامم؟
كانت الحرب العالمية الاولى تحتدم، وفي ذلك الوقت جرى الاعتقاد ان الحرب ستقود الى زمن فوضى عالمية يؤدي الى نهاية نظام الاشياء الموجود آنذاك. وكانت هنالك ايضا توقعات اخرى تتعلق بالسنة ١٩١٤. فألكسندر ه. ماكميلان، الذي اعتمد في ايلول ١٩٠٠، تذكَّر لاحقا: «اعتقد عدد قليل منا جديا اننا ذاهبون الى السماء خلال الاسبوع الاول من تشرين الاول هذا.»a وفي الواقع، اذ تذكَّر الصباح الذي اعلن فيه رصل نهاية ازمنة الامم، اعترف ماكميلان: «جرت اثارتنا بشدة ولم اكن لأُفاجَأ لو اننا في تلك اللحظة ابتدأنا نصعد الى السماء، اذ صار ذلك الاشارة للابتداء بالصعود نحو السماء — ولكن طبعا لم يكن هنالك شيء كهذا.»
ان التوقعات المخيَّبة المتعلقة برجوع الرب يسوع كانت في القرن الـ ١٩ قد جعلت أتباعا كثيرين لوليم ميلر وفرق مجيئية مختلفة يخسرون الايمان. ولكن ماذا عن تلاميذ الكتاب المقدس المقترنين برصل؟ هل جذبت البعض فكرة خلاصهم الباكر اكثر من المحبة للّٰه والرغبة القوية في فعل مشيئته؟
‹ايها الاخ رصل، ألم يخب املك؟›
كان الاخ رصل يشجِّع تلاميذ الكتاب المقدس ان يبقوا متيقظين وأن يكونوا مصممين على الاستمرار في عمل الرب حتى ولو لم تبلغ الامور الذروة بالسرعة التي يتوقعونها.
مرَّ تشرين الاول ١٩١٤، وكان ت. ت. رصل وعشراؤه لا يزالون على الارض. ثم مرَّ تشرين الاول ١٩١٥. فهل خاب امل رصل؟ في برج المراقبة عدد ١ شباط ١٩١٦ (بالانكليزية)، كتب: «‹ولكن، ايها الاخ رصل، ما هو رأيك في وقت تغيُّرنا؟ ألم يخب املك لان ذلك لم يأتِ حين كنا نرجو ان يأتي؟› قد تسألون. لا، نجيب، لم يخب املنا. . . . ايها الاخوة، ان اولئك الذين منا يملكون الموقف الصائب تجاه اللّٰه لا يخيِّب املهم ايٌّ من ترتيباته. ونحن لم نتمنَّ ان تكون مشيئتنا؛ ولذلك عندما اكتشفنا اننا كنا نتوقع الشيء الخاطئ في تشرين الاول ١٩١٤، فرحنا آنذاك بأن الرب لم يغيِّر قصده ليناسبنا. ولم نتمنَّ ان يفعل ذلك. ونتمنى فقط ان نكون قادرين على فهم مقاصده وأهدافه.»
لا، لم ‹يؤخذ› تلاميذ الكتاب المقدس ‹الى موطنهم› في السماء في تشرين الاول ١٩١٤. ومع ذلك، انتهت ازمنة الامم في تلك السنة. ومن الواضح انه كان يجب على تلاميذ الكتاب المقدس ان يتعلموا المزيد في ما يتعلق بمغزى السنة ١٩١٤. وفي هذه الاثناء، ماذا كان عليهم ان يفعلوا؟ ان يعملوا! وكما عبَّرت عن ذلك برج المراقبة عدد ١ ايلول ١٩١٦ (بالانكليزية): «اعتقدنا ان عمل الحصاد لتجميع الكنيسة [كنيسة الممسوحين] سيُنجز قبل نهاية ازمنة الامم؛ ولكن لا شيء في الكتاب المقدس قال ذلك. . . . فهل نحن آسفون لأن عمل الحصاد يستمر؟ قطعا لا . . . وموقفنا الحاضر، ايها الاخوة الاعزاء، يجب ان يكون موقف اقرار بالفضل الكبير تجاه اللّٰه، تقدير متزايد للحق الجميل الذي منحنا هو امتياز رؤيته والاقتران به، وغيرة متزايدة في مساعدة الآخرين على معرفة هذا الحق.»
ولكن هل كان هنالك شيء اكثر بكثير لفعله في عمل الحصاد؟ من الواضح ان الاخ رصل اعتقد ذلك. وما دلَّ على ذلك محادثة اجراها مع الاخ ماكميلان في خريف السنة ١٩١٦. فاذ دعا ماكميلان الى مكتبه في بتل بروكلين، قال له رصل: «ان العمل يزداد بسرعة، وسيستمر في الازدياد، لأن هنالك عملا عالمي النطاق للقيام به في الكرازة بـ ‹انجيل الملكوت› في كل العالم.» وقضى رصل ثلاث ساعات ونصف الساعة يوجز لماكميلان ما فهم من الكتاب المقدس انه سيكون العمل العظيم الذي لا يزال امامهم.
كان تلاميذ الكتاب المقدس قد مرُّوا بامتحان صعب. ولكن بمساعدة برج المراقبة، جرت تقويتهم ليتغلبوا على خيبة الامل. إلا ان فترة الامتحان كانت نهايتها بعيدة.
«ماذا سيحدث الآن؟»
في ١٦ تشرين الاول ١٩١٦، انطلق الاخ رصل وأمين سره مِنْتا سْتاردْجَن في رحلة محاضرات مرتبة من قبل الى اجزاء غربية وجنوبي غربية من الولايات المتحدة. لكنَّ رصل كان مريضا بشكل خطير في ذلك الوقت. اخذتهما الرحلة اولا الى ديترويت، ميشيڠان، عن طريق كندا. ثم، بعد محطات في ايلينُوي، كانساس، وتكساس، وصل الرجلان الى كاليفورنيا، حيث قدَّم رصل خطابه الاخير يوم الاحد في ٢٩ تشرين الاول في لوس انجلوس. وبعد يومين، في وقت باكر من بعد ظهر يوم الثلاثاء في ٣١ تشرين الاول، مات تشارلز تاز رصل البالغ من العمر ٦٤ سنة في قطار في پمپا، تكساس. وخبر موته ظهر في برج المراقبة عدد ١٥ تشرين الثاني ١٩١٦ (بالانكليزية).
وماذا كان التأثير في عائلة البتل عندما أُعلن خبر موت الاخ رصل؟ أ. ه. ماكميلان، الذي كان يخدم كمساعد لرصل في المكتب عندما يكون رصل غائبا، تذكَّر لاحقا الصباح الذي قرأ فيه البرقية على عائلة البتل: «صعد انين في كل ارجاء غرفة الطعام. والبعض بكوا بشكل مسموع. ولم يتناول احد الفطور في ذلك الصباح. كان الجميع منزعجين جدا. وعند نهاية فترة الطعام اجتمعوا في فرق صغيرة ليتحدثوا ويهمسوا، ‹ماذا سيحدث الآن؟› القليل من العمل جرى القيام به في ذلك اليوم. لم نعرف ماذا نفعل. فذلك لم يكن متوقَّعا قط، ولكنَّ رصل كان يحاول ان يعدَّنا لذلك. فماذا كنا سنفعل؟ ان الصدمة الاولى لفقداننا ت. ت. رصل كانت الاسوأ. وطوال تلك الايام القليلة الاولى كان مستقبلنا حائطا مسدودا. ففي كل حياته كان رصل ‹الجمعية.› وكان العمل مركَّزا حول تصميمه الدينامي على رؤية مشيئة اللّٰه تُنجَز.»
بعد خدمات المأتم في ذا تمْپِلْ في نيويورك وفي قاعة كارنيجي في پيتسبورڠ، دُفن الاخ رصل في ألليڠيني، في مدفن عائلة البتل، بناء على طلبه. ونُشرت سيرة مختصرة لرصل مع وصيته في برج المراقبة عدد ١ كانون الاول ١٩١٦ (بالانكليزية)، وفي طبعات لاحقة للمجلد الاول من دروس في الاسفار المقدسة.
وماذا كان سيحدث الآن؟ كان صعبا على تلاميذ الكتاب المقدس ان يتخيَّلوا شخصا آخر مكان الاخ رصل. فهل كان سيستمر فهمهم للاسفار المقدسة في التقدم، ام سيتوقف حيث هو؟ وهل كانوا سيصيرون فرقة دينية تتركَّز حوله؟ كان رصل نفسه قد اوضح تماما انه يتوقع استمرار العمل. ولذلك، عقب موته، سرعان ما نشأت بعض الاسئلة الواضحة: مَن سيشرف على محتويات برج المراقبة والمطبوعات الاخرى؟ مَن يجب ان يخلف رصل رئيسا؟
تغيير في الادارة
في وصيته حدَّد الاخ رصل ترتيبا لاجل لجنة تحرير من خمسة اشخاص لتقرير محتويات برج المراقبة.b
-
-
وقت امتحان (١٩١٤-١٩١٨)شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
[الصور في الصفحة ٦٥]
في ٣١ تشرين الاول ١٩١٦، مات تشارلز تاز رصل البالغ من العمر ٦٤ سنة في قطار في پمپا، تكساس؛ وأخبرت صحف كثيرة عن المأتم
-