-
يسوع يعطي درسا في التواضعبرج المراقبة ١٩٨٨ | ١٥ نيسان (ابريل)
-
-
واخيرا يأتون الى كفرناحوم التي كانت نوعا ما المقر الرئيسي خلال خدمة يسوع. وهي ايضا موطن بطرس وعدد من الرسل الآخرين. وهناك يتقدم الرجال الذين يأخذون جزية الهيكل الى بطرس. واذ ربما يحاولون ان يورطوا يسوع في خرق عادة مقبولة يسألون: «أما يوفي معلمكم الدرهمين [للهيكل].»
«بلى،» يجيب بطرس.
ويدرك يسوع، الذي ربما وصل الى المنزل بعد ذلك بوقت قصير، ما قد حدث. ولذلك حتى قبل ان يتمكن بطرس من الابتداء بمناقشة الامر يسأل يسوع: «ماذا تظن يا سمعان. ممَّن يأخذ ملوك الارض الجباية او الجزية أمِنْ بنيهم ام من الاجانب.»
«من الاجانب،» يجيب بطرس.
«فاذاً البنون احرار،» يعلِّق يسوع. فبما ان ابا يسوع هو ملك الكون، ذاك الذي يُعبد في الهيكل، ليس حقاً مطلبا شرعيا ان يدفع ابن اللّٰه جزية الهيكل. «ولكن لئلا نعثرهم،» يقول يسوع، «اذهب الى البحر وألقِ صنارة والسمكة التي تطلع اولا خذها ومتى فتحت فاها تجد إستارا [اربعة دراهم] فخذه واعطهم عني وعنك.»
وعندما يجتمع التلاميذ معا بعد العودة الى كفرناحوم، ربما في بيت بطرس، يسألون: «فمَن هو اعظم في ملكوت السموات.» يعرف يسوع ما الذي اثار سؤالهم، اذ ادرك ما كان يجري فيما بينهم عندما كانوا يمشون وراءه في عودتهم من قيصرية فيلبس. لذلك يسأل: «بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق.» واذ يرتبكون يبقى التلاميذ ساكتين لانهم تحاجّوا فيما بينهم في مَن هو اعظم.
بعد حوالى ثلاث سنين من تعليم يسوع، هل يبدو غير معقول ان يكون للتلاميذ مثل هذه المحاججة؟ حسنا. يُظهر ذلك التاثير القوي للنقص البشري بالاضافة الى الخلفية الدينية. فالدين اليهودي الذي فيه كان قد تربّى التلاميذ يشدد على المركز والطبقة في كل التعاملات. وبالاضافة الى ذلك، ربما كان بطرس، بسبب وعد يسوع بنيل «مفاتيح» معينة للملكوت، يشعر بأنه متفوق. وربما كانت ليعقوب ويوحنا افكار مماثلة بسبب نيلهما حظوة مشاهدة تجلي يسوع.
ومهما كانت الحال، يقدّم يسوع تمثيلية مثيرة محاولا اصلاح موقفهم. فيدعو ولدا، يقيمه في وسطهم، يحتضنه ويقول: «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات. فمَن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الاعظم في ملكوت السموات. ومَن قبل ولدا واحدا مثل هذا باسمي فقد قبلني.»
يا لها من طريقة مدهشة لاصلاح تلاميذه! فلا يغضب يسوع عليهم ويدعوهم متغطرسين او جشعين او طموحين. كلا، بل يوضح تعليمه الاصلاحي باستعمال الاولاد الصغار الذين هم على نحو مميز محتشمون وبلا طموح وعموما لا يفكرون في الطبقة فيما بينهم. وهكذا يُظهر يسوع ان تلاميذه يحتاجون الى تنمية الصفات نفسها التي تميز الاولاد المتواضعين. كما يختتم يسوع: «(الذي يتصرف كالاصغر فيما بينكم) جميعا هو يكون عظيما.»
-
-
مشورة اصلاحية اضافيةبرج المراقبة ١٩٨٨ | ١٥ نيسان (ابريل)
-
-
حياة يسوع وخدمته
مشورة اصلاحية اضافية
بينما لا يزالون في البيت في كفرناحوم تجري مناقشة امر اضافي لمحاججة الرسل في مَن هو اعظم. وهذه الحادثة ايضا ربما جرت في عودتهم الى كفرناحوم حين لم يكن يسوع حاضرا شخصيا. يخبر الرسول يوحنا: «راينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا. فمنعناه لانه ليس يتبعنا.»
من الواضح ان يوحنا ينظر الى الرسل كفريق خاص من الشافين، فريق يحمل اللقب. ولذلك يشعر بأن الرجل يصنع قوات على نحو غير ملائم لانه لم يكن جزءا من فريقهم.
لكن يسوع يعطي المشورة: «لا تمنعوه. لانه ليس احد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعا ان يقول علي شرا. لان مَن ليس علينا فهو معنا. لان مَن سقاكم كأس ماء باسمي لانكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره.»
لم يكن من الضروري ان يتبع هذا الرجل جسديا يسوع لكي يكون الى جانبه. فالجماعة المسيحية لم تكن قد تأسست بعد، وعدم كونه جزءا من فريقهم لم يكن يعني انه من جماعة مختلفة. لقد كان للرجل حقا ايمان باسم يسوع وهكذا نجح في اخراج الشياطين. لقد كان يفعل امرا يقارَن على نحو مؤات بما قال يسوع انه يستحق المكافأة. ومن اجل القيام بذلك فإنه، يُظهر يسوع، لن يخسر مكافأته.
ولكن ماذا اذا تعثر الرجل بكلمات واعمال الرسل؟ يكون ذلك خطيرا جدا! يعلِّق يسوع: «مَن اعثر احد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طُوِّق عنقه بحجر رحى وطُرح في البحر.»
ويقول يسوع ان اتباعه يجب ان يزيلوا من حياتهم كل الاشياء العزيزة لديهم كاليد او الرجل او العين التي يمكن ان تجعلهم يعثرون. فأن يكونوا بدون هذا الشيء العزيز ويدخلوا ملكوت اللّٰه افضل من ان يحتفظوا به ويُطرحوا في جهنم (كومة نفايات مشتعلة قرب اورشليم) التي ترمز الى الهلاك الابدي.
ويحذر يسوع ايضا: «انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار. لاني اقول لكم ان ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السموات.» وهو بعدئذ يوضح قيمة «الصغار» الغالية بالإخبار عن رجل يملك ١٠٠ خروف ولكنه يضيع واحدا. فالرجل يترك الـ ٩٩ ليطلب الضال، يوضح يسوع، وعند ايجاده يفرح به اكثر من الـ ٩٩. «هكذا،» يختتم يسوع، «ليست مشيئة امام ابيكم الذي في السموات ان يهلك احد هؤلاء الصغار.»
وربما في التفكير في محاججة رسله فيما بينهم يحث يسوع: «ليكن لكم في انفسكم ملح وسالموا بعضكم بعضا.» فالمأكولات التي لا طعم لها تُجعل اكثر لذة بالملح. وهكذا فالملح المجازي يجعل قبول ما يقوله المرء اسهل. وامتلاك مثل هذا الملح يساعد على حفظ السلام.
ولكن بسبب النقص البشري تحدث احيانا منازعات خطيرة. ويسوع يزود ايضا دليلا لمعالجتها. «إن اخطأ اليك اخوك،» يقول يسوع: «فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت اخاك.» وإن لم يسمع، ينصح يسوع، «خذ معك ايضا واحدا او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة.»
وكسبيل اخير باق، يقول يسوع، خذ القضية الى «الجماعة» اي الى النظار المسؤولين في الجماعة الذين يمكنهم تقديم قرار قضائي. وإن لم يلتزم الخاطئ بقرارهم، يختتم يسوع، «ليكن عندك كالوثني والعشار.»
وباتخاذ قرار كهذا يلزم النظار ان يلتصقوا على نحو وثيق بالارشادات في كلمة يهوه. وهكذا عندما يجدون فردا مذنبا ويستحق العقاب فالحكم ‹حالا يكون مربوطا في السماء.› وعندما ‹يحلون على الارض،› اي يجدون امرأ بريئا، فذلك حالا «يكون محلولا في السماء.» وفي مثل هذه التداولات القضائية، يقول يسوع، «حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم.» متى ١٨:٦-٢٠، مرقس ٩:٣٨-٥٠، لوقا ٩:٤٩، ٥٠.
-
-
درس في المغفرةبرج المراقبة ١٩٨٨ | ١٥ نيسان (ابريل)
-
-
حياة يسوع وخدمته
درس في المغفرة
لا يزال يسوع على ما يظهر في البيت في كفرناحوم مع تلاميذه. انه يناقش معهم كيفية معالجة المشاكل بين الاخوة، لذلك يسأل بطرس: «يا رب كم مرة يخطئ الي اخي وانا اغفر له.» وبما ان المعلمين الدينيين اليهود يقترحون منح المغفرة الى ثلاث مرات فربما يعتبره بطرس امرا نبيلا جدا ان يقترح: «الى سبع مرات.»
لكن الفكرة بكاملها عن الاحتفاظ بسجل كهذا هي خطأ. فيصحح يسوع لبطرس: «لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات.» ويُظهر انه لا يجب وضع حدود لعدد المرات التي فيها يغفر بطرس لأخيه.
ولكي يغرس في اذهان تلاميذه التزامهم بأن يغفروا يقول لهم يسوع مثلا. انه عن ملك اراد ان يحاسب عبيده. فيقدَّم اليه عبد مديون بدَين كبير من ٠٠٠,٠٠٠,٦٠ دينار (نحو ٠٠٠,٠٠٠,٥٠ دولار اميركي). وليس هنالك طريقة يتمكن بها من ان يوفيه. وهكذا، كما يوضح يسوع، يأمر الملك ان يُباع هو وامرأته واولاده ويوفى الدَّين.
عند ذلك يخرّ العبد عند قدمي سيده ويلتمس: «تمهل علي فاوفيك الجميع.»
واذ يتحنن يترك السيد برحمة الدَّين للعبد. ولكن حالا عندما يفعل ذلك، يتابع يسوع، يذهب هذا العبد ويجد رفيقه العبد المديون له بمجرد ١٠٠ دينار (نحو ٩٠ دولارا). فيمسك الرجل رفيقه العبد بعنقه ويبتدئ بخنقه قائلا: «اوفني ما لي عليك.»
لكن الرفيق العبد لا يملك مالا. فيخرّ عند قدمي العبد الذي له هو مديون ملتمسا: «تمهل علي فأوفيك الجميع.» فبخلاف سيده، يكون العبد عديم الرحمة ويلقي رفيقه العبد في السجن.
حسنا، يتابع يسوع، ان العبيد الآخرين الذين رأوا ما حدث يذهبون ويخبرون السيد. والسيد، بدوره، يدعو العبد بغضب. «ايها العبد الشرير،» يقول، «كل ذلك الدَّين تركته لك لأنك طلبت الي. أفما كان ينبغي انك انت ايضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك انا.» واذ يغضب السيد يسلِّم العبد العديم الرحمة الى السجّانين حتى يوفي كل ما عليه.
ثم يختتم يسوع: «فهكذا ابي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لاخيه زلاته.»
يا له من درس جيد في المغفرة! فبالمقارنة مع الدَّين الكبير للخطية التي غفرها لنا، مهما كانت الاساءة التي يرتكبها ضدنا الاخ المسيحي فهي صغيرة فعلا. وفضلا عن ذلك، لقد غفر يهوه اللّٰه لنا آلاف المرات. وفي كثير من الاحيان لا نكون حتى مدركين لخطايانا اليه. أفلا يمكننا ان نغفر لأخينا مرات قليلة حتى ولو كان لدينا سبب للتشكي؟ تذكروا، كما علَّم يسوع في الموعظة على الجبل، ان اللّٰه «سيغفر لنا (ديوننا) كما نغفر نحن ايضا (للمدينين لنا).» متى ١٨:٢١-٣٥؛ ٦:١٢، كولوسي ٣:١٣.
-