-
البِر ليس بالتقاليد الشفهيةبرج المراقبة ١٩٩٠ | ١ تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
البِر ليس بالتقاليد الشفهية
«إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات.» — متى ٥:٢٠.
١ و ٢ ماذا حدث قبل ان يقدِّم يسوع موعظته على الجبل مباشرة؟
قضى يسوع الليل في الجبل. فالسموات المزدانة بالنجوم انبسطت من فوق. والحيوانات الليلية الصغيرة احدثت حفيفا في الجنبات. والى الشرق ارتطمت مياه بحر الجليل برفق بالشاطئ. ولكنّ يسوع ربما ادرك على نحو واهن فقط الجمال الهادئ المريح المحيط به. فقد قضى الليل في الصلاة لأبيه السماوي، يهوه. وكان في حاجة الى ارشاد ابيه. فالنهار القادم كان حاسما.
٢ في الشرق ضاءت السماء. وابتدأت الطيور تتنقل، مغرِّدة بنعومة. وتمايلت الازهار البرية برفق في النسيم. واذ انتشرت اشعة الشمس الاولى في الأفق، دعا يسوع تلاميذه واختار من بينهم ١٢ ليكونوا رسله. وبعد ذلك، مع جميعهم، شرع في النزول الى جانب الجبل. وامكنت رؤية الجموع يتدفقون من الجليل، صور وصيداء، اليهودية واورشليم. لقد جاءوا ليُشفَوا من امراضهم. فقوة من يهوه كانت تخرج من يسوع اذ لمسه كثيرون وبرِئوا. وجاءوا ايضا ليسمعوا كلماته التي هي كبلسم شافٍ لنفوسهم المضطربة. — متى ٤:٢٥؛ لوقا ٦:١٢-١٩.
٣ لماذا كان التلاميذ والجموع في حالة انتظار عندما ابتدأ يسوع يتكلم؟
٣ في جلسات تعليمهم الاكثر رسمية اعتاد الربانيون الجلوس، وفي صباح الربيع الخصوصي هذا لسنة ٣١ بم هذا ما فعله يسوع، وكما يظهر في مكان مستو اعلى على جانب التلة. وعندما رأى التلاميذ والجموع ذلك ادركوا ان شيئا خصوصيا يجري، فاجتمعوا حوله بترقُّب. وعندما ابتدأ يتكلم كانوا في حالة انتظار لكلماته؛ وعندما انتهى بعد بعض الوقت تُركوا مبهوتين مما سمعوه. فلنرَ لماذا. — متى ٧:٢٨.
نوعان من البِر
٤ (أ) اي نوعين من البِر كانا مسألة نقاش؟ (ب) ماذا كان القصد من التقاليد الشفهية، وهل تحقَّق؟
٤ في موعظته على الجبل، المذكورة في متى ٥:١-٧:٢٩ وفي لوقا ٦:١٧-٤٩ على السواء، اظهر يسوع بوضوح تباينا بين صفين: الكتبة والفريسيين وعامة الناس الذين ظلموهم. لقد تكلم عن نوعين من البِر، البِر الريائي الذي للفريسيين والبِر الحقيقي الذي للّٰه. (متى ٥:٦، ٢٠) فالبِر الذاتي الفريسي تأصل في التقاليد الشفهية. وهذه كانت قد ابتدأت في القرن الثاني قم بصفتها «سياجا حول الناموس» لحمايته من غارات الهِلِّينية (الحضارة اليونانية). فصارت تُعتبر جزءا من الناموس. وفي الواقع، اعتبر الكتبة ايضا ان التقاليد الشفهية اسمى من الناموس المكتوب. وتقول مِشْناه: «ينطبق التشديد الاعظم على حفظ كلمات الكتبة [تقاليدهم الشفهية] اكثر من حفظ كلمات الناموس المكتوب.» وهكذا، عوض الصيرورة «سياجا حول الناموس» لحمايته، اضعفت تقاليدهم الناموس وأبطلته، كما قال يسوع: «رفضتم وصية اللّٰه لتحفظوا تقليدكم.» — مرقس ٧:٥-٩؛ متى ١٥:١-٩.
٥ (أ) ماذا كانت حال عامة الناس الذين جاءوا ليسمعوا يسوع، وكيف نظر الكتبة والفريسيون اليهم؟ (ب) ماذا جعل التقاليد الشفهية حملا ثقيلا جدا على اكتاف العمال؟
٥ وعامة الناس الذين احتشدوا ليسمعوا يسوع كانوا فقراء روحيا، اذ كانوا «منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها.» (متى ٩:٣٦) فبعجرفة متغطرسة ازدراهم الكتبة والفريسيون، دعوهم عم هأرِص (شعب الارض)، واحتقروهم كجهّال، خطاة ملعونين غير جديرين بالقيامة لانهم لا يحفظون التقاليد الشفهية. وبحلول زمن يسوع كانت هذه التقاليد قد صارت كثيرة جدا وتعقيدا مرهِقا الى حد بعيد لمماحكة التمسك بالحرف — مثقَلة جدا بالشعائر الطقسية التي تستهلك الوقت — بحيث انه ما من عامل تمكن من حفظها بأيّ حال. فلا عجب ان يشهِّر يسوع التقاليد بصفتها «احمالا ثقيلة . . . على اكتاف الناس.» — متى ٢٣:٤؛ يوحنا ٧:٤٥-٤٩ .
٦ ماذا كان باغتا جدا بشأن اقوال يسوع الافتتاحية، وأي تغيير اشارت اليه بالنسبة الى تلاميذه والى الكتبة والفريسيين؟
٦ وهكذا عندما جلس يسوع على جانب الجبل فإن اولئك الذين اقتربوا ليسمعوا كانوا تلاميذه والجموع الجائعة روحيا. ولا بد ان هؤلاء وجدوا اقواله الافتتاحية باغتة. ‹سعداء هم الفقراء، سعداء هم الجياع، سعداء هم الباكون، سعداء هم المبغَضون.› ولكن مَن يمكن ان يكونوا سعداء وهم فقراء، جياع، باكون، ومبغَضون؟ والويلات أُعلنت لاولئك الذين هم اغنياء، مشبَعون، ضاحكون، وممتدَحون! (لوقا ٦:٢٠-٢٦) فبمجرد كلمات قليلة عكس يسوع التقييم العادي ومقاييس البشر المقبولة كلها. وكان ذلك انعكاسا مثيرا للاوضاع، انسجاما مع كلمات يسوع اللاحقة: «كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.» — لوقا ١٨:٩-١٤.
٧ اي تأثير لا بد انه كان لكلمات يسوع الافتتاحية في الجمع الجائع روحيا المستمع الى يسوع؟
٧ بالتباين مع الكتبة والفريسيين ذوي الاكتفاء الذاتي كان اولئك القادمون الى يسوع في ذلك الصباح الخصوصي يدركون حالتهم الروحية المحزنة. وكلماته الافتتاحية لا بد انها ملأتهم رجاء: «طوبى للمساكين بالروح. لان لهم ملكوت السموات.» وكم حلَّقت دون شك روحهم عندما اضاف: «طوبى للجياع والعطاش الى البر. لانهم يُشبَعون»! (متى ٥:٣، ٦؛ يوحنا ٦:٣٥؛ رؤيا ٧:١٦، ١٧) يُشبَعون من البِر، نعم، ولكن ليس بسِمة عار فريسية.
لا يكفي ان نكون ‹ابرارا قدام الناس›
٨ لماذا يتساءل البعض كيف يمكن لبرّهم ان يزيد على الكتبة والفريسيين، ولكن لماذا لا بد من ذلك؟
٨ «إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين،» قال يسوع، «لن تدخلوا ملكوت السموات.» (متى ٥:١٧-٢٠؛ انظروا مرقس ٢:٢٣-٢٨؛ ٣:١-٦؛ ٧:١-١٣.) ولا بد ان البعض فكروا: ‹اكثر برا من الفريسيين؟ انهم يصومون ويصلّون ويقدِّمون العشور ويعطون الصدقات ويقضون حياتهم في درس الناموس. فكيف يمكن لبرنا ان يفوق يوما ما برهم؟› لكنه لزم ان يزيد. فالفريسيون ربما كان يجري تقديرهم على نحو رفيع من الناس، ولكن ليس من اللّٰه. وفي مناسبة اخرى قال يسوع لهؤلاء الفريسيين: «انتم الذين تبررون انفسكم قدام الناس. ولكن اللّٰه يعرف قلوبكم. إن المستعلي عند الناس هو رجس قدام اللّٰه.» — لوقا ١٦:١٥.
٩-١١ (أ) ماذا كانت احدى الطرائق التي بها ظن الكتبة والفريسيون انهم ينالون موقفا بارا امام اللّٰه؟ (ب) بأية طريقة ثانية توقعوا كسب البِر؟ (ج) ماذا كانت الطريقة الثالثة التي اعتمدوا عليها، وماذا قال الرسول بولس مما حكم على ذلك بالفشل؟
٩ كان الربانيون قد اختلقوا قواعدهم الخاصة من اجل كسب البِر. وإحداها كانت استحقاق التحدر من ابرهيم: «تلاميذ ابرهيم ابينا يتمتعون بهذا العالم ويرثون العالم القادم.» (مِشْناه) وربما لكي يُبطل يوحنا المعمدان هذا التقليد كان انه حذر الفريسيين الذين اتوا اليه: «اصنعوا اثمارا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم لنا ابرهيم ابا [كما لو ان ذلك كان كافيا].» — متى ٣:٧-٩؛ انظروا ايضا يوحنا ٨:٣٣، ٣٩.
١٠ والطريقة الثانية لكسب البِر، قالوا، كانت اعطاء الصدقات. ويعكس سِفران من الاسفار الابوكريفية التي كتبها يهود مخلصون خلال القرن الثاني قم النظرة التقليدية. فتَظهر عبارة في طوبيا: «الصدقة تنجي من الموت وهي تطهر من كل خطيئة.» (١٢:٩، الترجمة الكاثوليكية الجديدة) وسفر يشوع بن سراخ (الكنسي) يوافق على ذلك: «الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا.» — ٣:٢٩، الترجمة الكاثوليكية الجديدة.
١١ والطريقة الثالثة التي بها طلبوا البِر كانت اعمال الناموس. فعلَّمت تقاليدهم الشفهية انه اذا كانت افعال الانسان صالحة في الغالب فانه ينجو. والدينونة هي «بحسب زيادة الاعمال التي تكون إما صالحة او شريرة.» (مِشْناه) فلكي يتخذوا موقفا مؤاتيا في الدينونة كان اهتمامهم «ان يبلغوا الفضائل التي ترجح على الخطايا.» واذا زادت اعمال الانسان الصالحة على الرديئة بعمل واحد، فإنه ينجو — وكأن اللّٰه يدين بحفظ عدد نشاطاتهم الصغيرة! (متى ٢٣:٢٣، ٢٤) واذ قدَّم وجهة النظر الصحيحة، كتب بولس: «بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر امام [اللّٰه].» (رومية ٣:٢٠) فبالتأكيد، لا بد ان يزيد بِر المسيحي على الكتبة والفريسيين!
«سمعتم انه قيل»
١٢ (أ) اي تغيير عن طريقته العادية في افتتاح الاشارات الى الاسفار العبرانية صنعه يسوع في موعظته على الجبل، ولماذا؟ (ب) ماذا نتعلم من الاستعمال السادس للتعبير «قيل»؟
١٢ عندما اقتبس يسوع سابقا من الاسفار العبرانية قال: «مكتوب.» (متى ٤:٤، ٧، ١٠) ولكنه افتتح ست مرات في الموعظة على الجبل ما بدا انه عبارات من الاسفار العبرانية بالكلمة: «قيل.» (متى ٥:٢١، ٢٧، ٣١، ٣٣، ٣٨، ٤٣) ولماذا؟ لانه كان يشير الى الاسفار المقدسة كما تفسَّر في ضوء التقاليد الفريسية التي تخالف وصايا اللّٰه. (تثنية ٤:٢؛ متى ١٥:٣) وذلك واضح في اشارة يسوع السادسة والاخيرة في هذه السلسلة: «سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.» ولكنْ ما من شريعة موسوية قالت: «تبغض عدوك.» ان الكتبة والفريسيين هم الذين قالوا ذلك. فهذا كان تفسيرهم للشريعة أن تحب قريبك — قريبك اليهودي، لا الآخرين.
١٣ كيف يحذر يسوع حتى من بداية السلوك التي يمكن ان تقود الى القتل الفعلي؟
١٣ تأملوا الآن في العبارة الاولى من هذه السلسلة المؤلفة من ست عبارات. اعلن يسوع: «قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل. ومَن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما انا فأقول لكم إن كل مَن يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم.» (متى ٥:٢١، ٢٢) من الممكن ان يقود الغضب في القلب الى الكلام البذيء ومن هناك الى احكام الادانة، وذلك يمكن اخيرا ان يقود الى القيام بالقتل نفسه. فالغضب المطوَّل الذي يتغذى في القلب يمكن ان يكون مميتا: «كل مَن يبغض اخاه فهو قاتل نفس.» — ١ يوحنا ٣:١٥.
١٤ كيف يعطينا يسوع المشورة ان لا نبتدئ ايضا بالانطلاق في الطريق الذي يقود الى الزنى؟
١٤ وقال يسوع بعد ذلك: «قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن. وأما انا فأقول لكم إن كل مَن ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.» (متى ٥:٢٧، ٢٨) لن تقترفوا الزنى؟ اذًا، لا تبتدئوا ايضا بالانطلاق في هذا الطريق بالتسلّي بالافكار المتعلقة به. احفظوا قلبكم، حيث يكون لمثل هذه الامور مصدرها. (امثال ٤:٢٣؛ متى ١٥:١٨، ١٩) ويعقوب ١:١٤، ١٥ تحذر: «كل واحد يجرَّب اذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية والخطية اذا كملت تنتج موتا.» والناس يقولون احيانا: ‹لا تبدأ بما لا يمكنك إنهاؤه.› ولكن في هذه الحال يجب ان نقول: ‹لا تبدأ بما لا يمكنك ايقافه.› فبعض الذين كانوا امناء حتى عند تهديدهم بالموت امام فرقة اطلاق النار سقطوا في ما بعد في شرك الفساد الادبي الجنسي الماكر.
١٥ كيف كان موقف يسوع من الطلاق مختلفا تماما عن ذاك الوارد في تقاليد اليهود الشفهية؟
١٥ نأتي الآن الى عبارة يسوع الثالثة. لقد قال: «وقيل مَن طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما انا فأقول لكم إن مَن طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني. ومَن يتزوج مطلقة [اي، مطلقة على اسس غير الفساد الادبي] فإنه يزني.» (متى ٥:٣١، ٣٢) لقد عامل بعض اليهود زوجاتهم بغدر وطلقوهن على اضعف الاسس. (ملاخي ٢:١٣-١٦؛ متى ١٩:٣-٩) فالتقاليد الشفهية سمحت للرجل بأن يطلق زوجته «حتى اذا افسدت له لونا من الطعام» او «اذا وجد امرأة اخرى اجمل منها.» — مِشْناه.
١٦ اية ممارسة يهودية جعلت الحَلْف دون جدوى، وأي موقف اتخذه يسوع؟
١٦ وبلغة مماثلة، تابع يسوع: «ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث . . . وأما انا فأقول لكم لا تحلفوا البتة.» في ذلك الوقت كان اليهود يسيئون استعمال القَسَم ويحنثون في امور تافهة. ولكنّ يسوع قال: «لا تحلفوا البتة . . . بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا.» فقاعدته كانت بسيطة: كونوا صادقين في كل الاوقات، دون الاضطرار الى ان تضمنوا كلامكم بقَسَم. احفظوا الاقسام من اجل امور اساسية. — متى ٥:٣٣-٣٧؛ قارنوا ٢٣:١٦-٢٢.
١٧ اية طريقة افضل من «عين بعين وسن بسن» علَّمها يسوع؟
١٧ وقال يسوع بعد ذلك: «سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. وأما انا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل مَن لطمك على خدك الايمن فحوِّل له الآخر ايضا.» (متى ٥:٣٨-٤٢) لا يشير يسوع هنا الى ضربة للأذية بل الى لطمة اهانة بقفا اليد. فلا تحطوا من شأنكم بإهانات المقايضة. ارفضوا ان تجازوا عن شرٍّ بشرٍّ. وعوض ذلك، جازوا بخيرٍ وبالتالي ‹اغلبوا الشر بالخير.› — رومية ١٢:١٧-٢١.
١٨ (أ) كيف غيَّر اليهود الشريعة عن محبة قريبكم، ولكنْ كيف ابطل يسوع ذلك؟ (ب) ماذا كانت اجابة يسوع لناموسي اراد ان يحدِّد تطبيق الكلمة «قريب»؟
١٨ في مَثَله السادس والاخير اظهر يسوع بوضوح كيف اضعف التقليد الرباني الناموسَ الموسوي: «سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما انا فأقول لكم أحبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا الى مبغضيكم. وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.» (متى ٥:٤٣، ٤٤) لا يرسم الناموس الموسوي حدودا للمحبة: «تحب قريبك كنفسك.» (لاويين ١٩:١٨) ان الفريسيين هم الذين توقفوا عند هذه الوصية، ولكي يتخلصوا منها جعلوا التعبير «قريب» يقتصر على اولئك الذين يحفظون التقاليد. وهكذا، عندما ذكَّر يسوع في ما بعد احد الناموسيين بالوصية «تحب . . . قريبك مثل نفسك،» اعترض الرجل: «ومَن هو قريبي.» فأجاب يسوع بمَثل السامري الصالح — كن قريبا للذي يحتاج اليك. — لوقا ١٠:٢٥-٣٧.
١٩ اي عمل ليهوه نحو الاشرار نصح يسوع بأن نتَّبعه؟
١٩ واذ تابع موعظته، اعلن يسوع ان ‹اللّٰه اظهر المحبة للاشرار. فجعل الشمس تشرق والمطر يمطر عليهم. ليس هنالك شيء فوق العادة في محبة اولئك الذين يحبونكم. فالاشرار يفعلون ذلك. وليس هنالك سبب للأجر في ذلك. برهنوا انكم ابناء اللّٰه. تمثلوا به. اجعلوا نفسكم قريبا للجميع وأحبوا قريبكم. وهكذا «كونوا انتم كاملين كما أن اباكم الذي في السموات هو كامل.»› (متى ٥:٤٥-٤٨) يا له من مقياس تحدٍّ للعيش بموجبه! وكم يُظهر ذلك ان بِر الكتبة والفريسيين ناقص جدا!
٢٠ عوضا عن وضع الناموس الموسوي جانبا، كيف شدَّد وعظَّم يسوع تأثيره ووضَعه في مستوى ارفع ايضا؟
٢٠ ولذلك عندما اشار يسوع الى اجزاء من الناموس وأضاف، «وأما انا فأقول لكم،» لم يكن يضع الناموس الموسوي جانبا ويجعل شيئا آخَر في مكانه بدلا له. كلا، بل كان يشدِّد ويعظِّم قوته باظهار الروح وراءه. فالناموس الاسمى للاخوَّة يحكم على الضغينة المتواصلة بأنها قتل. الناموس الاسمى للطهارة يدين التفكير الشهواني المتواصل بأنه زنى. الناموس الاسمى للزواج يرفض الطلاق السخيف بصفته مسلكا يقود الى زيجات زنى اخرى. الناموس الاسمى للحق يُظهر ان الاقسام التكرارية غير لازمة. الناموس الاسمى للوداعة يضع الانتقام جانبا. والناموس الاسمى للمحبة يتطلب محبة الهية لا تعرف حدودا.
٢١ ماذا كشفت نصائح يسوع في ما يتعلق ببِر الربانيين الذاتي، وماذا ايضا كانت الجموع ستتعلم؟
٢١ يا للتأثير العميق الذي لا بد انه كان لمثل هذه النصائح التي لم يُسمع بها اذ وقعت في آذان سامعيها للمرة الاولى! وكم جعلت البِر الذاتي الريائي الذي يأتي من العبودية للتقاليد الربانية عديم القيمة مطلقا! ولكن، اذ تابع يسوع موعظته على الجبل، كانت الجموع الجائعة والعطشانة الى بِر اللّٰه ستتعلم على نحو خصوصي كيفية نيله، كما تُظهر المقالة التالية.
-
-
داوموا على طلب الملكوت وبر اللّٰهبرج المراقبة ١٩٩٠ | ١ تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
داوموا على طلب الملكوت وبر اللّٰه
«لكن اطلبوا اولا ملكوت اللّٰه وبره وهذه كلها تزاد لكم.» — متى ٦:٣٣.
١ و ٢ الى ماذا حوَّل الكتبة والفريسيون الاعمال التي هي بحد ذاتها صالحة، وأي تحذير اعطاه يسوع لأتباعه؟
طلب الكتبة والفريسيون البِر بطريقتهم الخاصة، التي لم تكن طريقة اللّٰه. وليس ذلك فحسب، بل عندما كانوا ينجزون اعمالا هي بحد ذاتها صالحة كانوا يحوِّلونها الى انجازات ريائية لكي يراها الناس. فكانوا يخدمون، ليس اللّٰه، بل غرورهم. وحذَّر يسوع تلاميذه من هذا التمثيل قائلا: «احترزوا من ان (تمارسوا بِركم) قدام الناس لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السموات.» — متى ٦:١.
٢ يقدِّر يهوه اولئك الذين يعطون الفقراء — ولكن ليس اولئك الذين يعطون كالفريسيين. ويسوع حذَّر تلاميذه من التمثل بهم: «فمتى صنعت صدقة فلا تصوِّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجَّدوا من الناس. الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.» — متى ٦:٢.
٣ (أ) بأي طريقة دُفع للكتبة والفريسيين كاملا لقاء عطائهم؟ (ب) كيف كان موقف يسوع من العطاء مختلفا؟
٣ ان الكلمة اليونانية التي تقابل «استوفوا» (اپيخو) كانت تعبيرا يَظهر غالبا في إيصالات العمل. واستعمالها في الموعظة على الجبل يشير الى انهم «نالوا اجرهم،» اي «وقَّعوا إيصال اجرهم: حقهم في نيل اجرهم جرى الحصول عليه، تماما كما لو انهم أَعطوا إيصالا لقاءه.» (القاموس التفسيري لكلمات العهد الجديد، لواضعه و. أ. ڤاين) فكانت العطايا للفقراء تقدَّم علانية في الشوارع. وفي المجامع كانت تُعلَن اسماء المتبرعين. واولئك الذين يقدمون مبالغ كبيرة كان يجري اكرامهم على نحو خصوصي بالجلوس الى جانب الربانيين في اثناء العبادة. فكانوا يعطون لكي يراهم الناس؛ والناس يرونهم ويمجدونهم؛ لذلك تمكَّنوا من ختم الإيصال لقاء الاجر الذي يأتي من عطائهم «مدفوعا كاملا.» وكم كان موقف يسوع مختلفا! أعطِ «في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية.» — متى ٦:٣، ٤؛ امثال ١٩:١٧.
الصلوات التي تسرُّ اللّٰه
٤ لماذا تسبَّبت صلوات الفريسيين بأن يدعو يسوع هؤلاء الناس مرائين؟
٤ يقدِّر يهوه الصلوات الموجَّهة اليه — ولكن ليس كما صلَّى الفريسيون. قال يسوع لأتباعه: «متى صلَّيت فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبون ان يصلُّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يَظهروا للناس. الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.» (متى ٦:٥) كانت للفريسيين صلوات كثيرة تُتلى يوميا، في اوقات محدَّدة، بصرف النظر عن المكان الذي يكونون فيه. ونظريا، كان يجب ان يقدِّموها على انفراد. وعلى الرغم من ذلك، دبَّروا عمدا ان يكونوا «في زوايا الشوارع،» ظاهرين للناس المارّين في الاتجاهات الاربعة، عندما تأتي ساعة الصلاة.
٥ (أ) اية ممارسات اضافية جعلت صلوات الفريسيين تمضي دون ان يسمعها اللّٰه؟ (ب) اية امور وضعها يسوع اولا في صلاته النموذجية، وهل الناس اليوم على انسجام مع ذلك؟
٥ وفي عرض للقداسة الباطلة كانوا «لعلة يطيلون الصلوات.» (لوقا ٢٠:٤٧) قال احد التقاليد الشفهية: «اناس التقوى القدماء اعتادوا ان ينتظروا ساعة قبل قول تِفيلاّه [الصلاة].» (مِشْناه) وبحلول ذلك الوقت لا بد ان كل شخص كان يرى تقواهم ويتعجب منها! لم تصل مثل هذه الصلوات الى اعلى من رؤوسهم. فيسوع قال ان نصلّي على انفراد، دون تكرار باطل، وأعطاهم نموذجا بسيطا. (متى ٦:٦-٨؛ يوحنا ١٤:٦، ١٤؛ ١ بطرس ٣:١٢) وصلاة يسوع النموذجية وضعت الامور الاولى اولا: «ابانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك.» (متى ٦:٩-١٣) قليلون من الناس اليوم يعرفون اسم اللّٰه، وأقل بالحري يرغبون في تقديسه. انهم بذلك يجعلونه الها دون اسم. ليأت ملكوت اللّٰه؟ يعتقد كثيرون انه هنا، في داخلهم. وقد يصلّون من اجل فعل مشيئته، إلا ان معظمهم يفعلون مشيئتهم الخاصة. — امثال ١٤:١٢.
٦ لماذا دان يسوع الاصوام اليهودية بصفتها دون مغزى؟
٦ والصوم مقبول عند يهوه — ولكن ليس كما قام به الفريسيون. فكما مع تصدُّق وصلاة الكتبة والفريسيين، رفض يسوع ايضا صومهم بصفته دون مغزى: «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيِّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.» (متى ٦:١٦) فتقاليدهم الشفهية اشارت الى ان الفريسيين في اثناء الاصوام ما كانوا ليغتسلوا ولا ليدَّهنوا بل كانوا ينثرون الرماد على رؤوسهم. وحين لا يكونون صائمين، كان اليهود قانونيا يغتسلون ويدهنون اجسادهم بالزيت.
٧ (أ) كيف لزم ان يسلك أتباع يسوع عندما يصومون؟ (ب) في ما يتعلق بالصوم، ماذا اراد يهوه في يوم اشعياء؟
٧ وعن الصوم قال يسوع لأتباعه: «ادهن رأسك واغسل وجهك. لكي لا تَظهر للناس صائما بل لأبيك.» (متى ٦:١٧، ١٨) وفي يوم اشعياء وجد اليهود المرتدّون مسرَّة في صومهم، اذ ذلَّلوا انفسهم، حنوا رؤوسهم، وجلسوا على المِسْح والرماد. ولكنّ يهوه اراد ان يحرِّروا المظلومين، يطعموا الجائعين، يأووا التائهين، ويكسوا العراة. — اشعياء ٥٨:٣-٧.
اكنزوا كنزا سماويا
٨ ماذا جعل الكتبةَ والفريسيين لا يتمكنون من رؤية كيفية نيل رضى اللّٰه، وأي مبدإ، اوضحه بولس في ما بعد، تغاضوا عنه؟
٨ في سعيهم وراء البِر لم يتمكن الكتبة والفريسيون من رؤية كيفية نيل رضى اللّٰه وركَّزوا على إعجاب الناس. فصاروا مهتمين جدا بتقاليد الناس بحيث وضعوا جانبا كلمة اللّٰه المكتوبة. وجعلوا قلوبهم على المركز الارضي بدلا من الكنز السماوي. وتجاهلوا حقيقة بسيطة كتبها بعد سنوات فريسي صار مسيحيا: «وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس عالمين انكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث.» — كولوسي ٣:٢٣، ٢٤.
٩ اي أخطار يمكن ان تهدِّد الكنز الارضي، ولكن ماذا يبقي الكنز الحقيقي آمنا؟
٩ يهتم يهوه بتعبُّدكم له، لا بحسابكم المصرفي. ويعرف ان قلبكم يكون حيث يكون كنزكم. فهل يمكن ان يُفسد الصدأ والسوس كنزكم؟ وهل يمكن ان ينقب السارقون في جدران الطين ويسرقونه؟ او في هذه الازمنة العصرية لعدم الاستقرار الاقتصادي، هل يمكن ان يجعل التضخم المالي قوته الشرائية تتضاءل او هل يمكن ان يبيده انهيار سوق الاوراق المالية؟ وهل تتسبَّب نسبة الجريمة المرتفعة بسرقة كنزكم؟ ليس اذا كان مكنوزا في السماء. وليس اذا كانت عينكم — السراج الذي يضيء جسدكم كله — بسيطة، مركَّزة في ملكوت اللّٰه وبره. فالاموال لها طريقة للاختفاء. «لا تتعب لكي تصير غنيا. كُفَّ عن فطنتك. هل تُطيِّر عينيك نحوه وليس هو. لأنه انما يصنع لنفسه اجنحة. كالنسر يطير نحو السماء.» (امثال ٢٣:٤، ٥) فلماذا الأَرَق بسبب الغنى؟ «وفر الغني لا يريحه حتى ينام.» (جامعة ٥:١٢) واذكروا تحذير يسوع: «لا تقدرون ان تخدموا اللّٰه والمال.» — متى ٦:١٩-٢٤.
الايمان الذي يبدِّد القلق
١٠ لماذا من المهم جدا ان يكون ايمانكم باللّٰه بدلا من الممتلكات المادية، وأي مشورة اعطاها يسوع؟
١٠ يريد يهوه ان يكون ايمانكم به، لا بالممتلكات المادية. «بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه لأنه يجب ان الذي يأتي الى اللّٰه يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه.» (عبرانيين ١١:٦) وقال يسوع: «متى كان لأحد كثير فليست حياته من امواله.» (لوقا ١٢:١٥) فالملايين في البنك لا تجعل الرئتين السقيمتين تواظبان على العمل او القلب المتعَب يواظب على النَبْض. «لذلك اقول لكم،» تابع يسوع في موعظته على الجبل: «لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لاجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس.» — متى ٦:٢٥.
١١ اين وجد يسوع الكثير من امثاله، وكيف يَظهر ذلك في الموعظة على الجبل؟
١١ كان يسوع يتقن الامثال الشفهية. لقد فكَّر فيها حيثما تطلَّع. فرأى امرأة تضع سراجا على المنارة وحوَّل ذلك الى مثَل. ورأى راعيا يفرز الخراف من الجداء؛ فصار ذلك مثَلا. ورأى اولادا يلعبون في السوق؛ فصار ذلك مثَلا. هكذا كانت الحال في الموعظة على الجبل. فاذ تكلم عن القلق بشأن الحاجات الجسدية، رأى مثَلين في الطيور المتنقلة والزنابق الكاسية لجوانب التلال. هل تزرع الطيور وتحصد؟ لا. وهل تغزل الزنابق وتحبك؟ لا. فاللّٰه صنعها؛ وهو يعتني بها. لكنكم افضل من الطيور والزنابق. (متى ٦:٢٦، ٢٨-٣٠) لقد بذل ابنه من اجلكم، وليس من اجلها. — يوحنا ٣:١٦.
١٢ (أ) هل عنى المثَلان عن الطيور والازهار ان تلاميذ يسوع لا يلزم ان يعملوا؟ (ب) اية مسألة كان يسوع يثبتها في ما يتعلق بالعمل والايمان؟
١٢ لم يكن يسوع هنا يقول لأتباعه انه لا يلزم ان يعملوا لتغذية وكسو انفسهم. (انظروا جامعة ٢:٢٤؛ افسس ٤:٢٨؛ ٢ تسالونيكي ٣:١٠-١٢.) ففي صباح الربيع هذا، كانت الطيور مشغولة اذ تجمع الطعام، تتودَّد، تبني الاعشاش، تجلس على البيض، وتُطعم صغارها. كانت تعمل ولكن دون ان تقلق. والازهار كانت ايضا مشغولة اذ تدفع جذورها في التربة بحثا عن الماء والمعادن وترسل اوراقها بالغةً نور الشمس. فكان يلزم ان يكتمل نموها وتزهر وترمي بزورها قبل ان تموت. كانت تعمل ولكن دون ان تقلق. فاللّٰه يصنع تدبيرا للطيور والزنابق. ‹أفليس بالحري جدا يصنع تدبيرا لكم انتم يا قليلي الايمان؟› — متى ٦:٣٠.
١٣ (أ) لماذا كان مناسبا ان يستعمل يسوع مقياس الذراع عند التكلم عن زيادة مدة حياة المرء؟ (ب) كيف يمكن ان تطيلوا حياتكم ملايين لا نهاية لها من الاميال، اذا جاز التعبير؟
١٣ فليكن لكم ايمان. لا تقلقوا. فالقلق لا يغيِّر شيئا. «ومَن منكم اذا اهتم،» سأل يسوع، «يقدر ان يزيد على (مدة حياته) ذراعا واحدة.» (متى ٦:٢٧) ولكن لماذا يربط يسوع مقياس المسافة الطبيعي، الذراع، بمقياس الزمن في مدة الحياة؟ ربما لان الكتاب المقدس يشبِّه تكرارا مدة حياة البشر برحلة، مستعملا عبارات مثل «طريق الخطاة،» «سبيل الصديقين،» ‹طريق رحب الى الهلاك،› و ‹طريق ضيِّق الى الحياة.› (مزمور ١:١؛ امثال ٤:١٨؛ متى ٧:١٣، ١٤) فالقلق بشأن الحاجات اليومية لا يمكن ان يطيل حياة المرء حتى جزءا ضئيلا، «ذراعا واحدة،» اذا جاز القول. ولكنْ هنالك طريقة لإطالة حياتكم ملايين لا نهاية لها من الاميال، اذا جاز التعبير. ليس بالقلق والقول: «ماذا نأكل،» او «ماذا نشرب،» او «ماذا نلبس،» بل بامتلاك الايمان وفعل ما يقول يسوع ان نفعله: «لكن اطلبوا اولا ملكوت اللّٰه وبره وهذه كلها تزاد لكم.» — متى ٦:٣١-٣٣.
بلوغ ملكوت اللّٰه وبره
١٤ (أ) ما هو محور الموعظة على الجبل؟ (ب) بأية طريقة خاطئة طلب الكتبة والفريسيون الملكوت والبر؟
١٤ في عبارته الافتتاحية لموعظته على الجبل تكلم يسوع عن ملكوت السموات بأنه لاولئك الشاعرين بحاجتهم الروحية. وفي عبارته الرابعة قال ان الجياع والعطاش الى البر سيُشبَعون. وهنا يضع يسوع الملكوت وبر يهوه كليهما في المكان الاول. فهما محور الموعظة على الجبل. وهما استجابة لحاجات كل الجنس البشري. ولكن بأية وسيلة يصير ممكنا بلوغ ملكوت اللّٰه وبر اللّٰه؟ وكيف نستمر في طلبهما؟ ليس بالطريقة التي قام بها الكتبة والفريسيون. فقد طلبوا الملكوت والبر بواسطة الناموس الموسوي، الذي ادَّعوا انه يشمل التقاليد الشفهية، لانهم كانوا يؤمنون بأن الناموس المكتوب والتقاليد الشفهية على السواء اعطاها اللّٰه لموسى في جبل سيناء.
١٥ (أ) بحسب اليهود، متى نشأت تقاليدهم الشفهية، وكيف رفَّعوها فوق الناموس الموسوي المكتوب؟ (ب) متى بدأت هذه التقاليد حقا، وبأي تأثير في الناموس الموسوي؟
١٥ وتقليدهم المتعلق بذلك قال: «نال موسى الناموس [الحاشية، «‹الناموس الشفهي›»] من سيناء وسلَّمه الى يشوع، ويشوع الى الشيوخ، والشيوخ الى الانبياء؛ والانبياء سلَّموه الى رجال المجمع الكبير.» وعلى مر الوقت رُفِّع ناموسهم الشفهي حتى فوق الناموس المكتوب: «[اذا] تعدى كلمات الناموس [المكتوب]، لا يكون ملوما،» ولكن اذا «زاد على كلمات الكتبة [التقاليد الشفهية]، يكون ملوما.» (مِشْناه) ان تقاليدهم الشفهية لم تبدأ في سيناء. وفي الواقع، بدأت تتراكم بسرعة قبل المسيح بنحو قرنين. فزادوا على الناموس الموسوي المكتوب، انقصوا منه، وأبطلوه. — قارنوا تثنية ٤:٢؛ ١٢:٣٢.
١٦ كيف يأتي بر اللّٰه الى الجنس البشري؟
١٦ ان بر اللّٰه يأتي ليس بواسطة الناموس بل بدونه: «لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر امامه. لأنّ بالناموس معرفة الخطية. وأما الآن فقد ظهر بر اللّٰه بدون الناموس مشهودا له من الناموس والانبياء. بر اللّٰه بالايمان بيسوع المسيح.» (رومية ٣:٢٠-٢٢) وهكذا فان بر اللّٰه يأتي بالايمان بالمسيح يسوع — وذلك كان «مشهودا له من الناموس والانبياء» بوفرة. فالنبوات المسيّانية تمت بيسوع. وهو ايضا تمَّم الناموس؛ وجرت ازالته بتسميره بخشبة آلامه. — لوقا ٢٤:٢٥-٢٧، ٤٤-٤٦؛ كولوسي ٢:١٣، ١٤؛ عبرانيين ١٠:١.
١٧ بحسب الرسول بولس، كيف كان اليهود يجهلون بر اللّٰه؟
١٧ ولذلك كتب الرسول بولس عن فشل اليهود في طلب البر: «لأني اشهد لهم ان لهم غيرة للّٰه ولكن ليس حسب المعرفة. لأنهم اذ كانوا يجهلون بر اللّٰه ويطلبون ان يثبتوا بر انفسهم لم يُخضَعوا لبر اللّٰه. لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن.» (رومية ١٠:٢-٤) وكتب بولس ايضا عن المسيح يسوع: «لانه جعل الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لاجلنا لنصير نحن بر اللّٰه فيه.» — ٢ كورنثوس ٥:٢١.
١٨ كيف اعتُبر ‹المسيح المصلوب› من التقليديين اليهود، الفلاسفة اليونان، و «المدعوين»؟
١٨ واليهود اعتبروا المسيّا الذي يوشك ان يموت انه ضعف. والفلاسفة اليونان سخروا من مسيّا كهذا بصفته جهالة. وعلى الرغم من ذلك، فالامر هو كما صرَّح بولس: «ان اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهودا ويونانيين فبالمسيح قوة اللّٰه وحكمة اللّٰه. لان جهالة اللّٰه احكم من الناس. وضعف اللّٰه اقوى من الناس.» (١ كورنثوس ١:٢٢-٢٥) فالمسيح يسوع هو ظهور قوة اللّٰه وحكمته وهو وسيلة اللّٰه للبر والحياة الابدية من اجل البشر الطائعين. «ليس بأحد غيره الخلاص. لأنْ ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص.» — اعمال ٤:١٢.
١٩ ماذا ستُظهر المقالة التالية؟
١٩ ستُظهر المقالة التالية انه اذا اردنا النجاة من الهلاك وبلوغ الحياة الابدية فلا بد ان نداوم على طلب ملكوت اللّٰه وبره. وذلك لا بد من القيام به ليس فقط بسماع اقوال يسوع بل ايضا بالعمل بها.
-
-
كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقطبرج المراقبة ١٩٩٠ | ١ تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط
«ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السموات.» — متى ٧:٢١.
١ ماذا يجب ان يستمرّ أتباع يسوع في فعله؟
داوموا على السؤال. داوموا على الطلب. داوموا على القرع. واظبوا على الصلاة، الدرس، والعمل بأقوال يسوع المسجلة في الموعظة على الجبل. ويقول يسوع لأتباعه انهم ملح الارض، برسالة حافظة مُصْلَحة بملح لا يجب ان يدَعوه يصير تَفِها، فاقدا طَعْمه او قوته الحافظة. وهم نور العالم، اذ يعكسون النور من المسيح يسوع ويهوه اللّٰه ليس فقط بما يقولونه بل ايضا بما يفعلونه. فأعمالهم الصالحة تضيء ككلماتهم المُنيرة — وقد تتكلم حتى بصوت اعلى في عالم اعتاد الرياء الفريسي للقادة الدينيين والسياسيين على السواء، الذين يقولون الكثير ويفعلون القليل. — متى ٥:١٣-١٦.
٢ اي نصح يقدمه يعقوب، ولكن اي موقف مريح يتبناه البعض على نحو خاطئ؟
٢ ينصح يعقوب: «كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم (بالتفكير الباطل).» (يعقوب ١:٢٢) ويخدع كثيرون انفسهم بمبدإ ‹الخالص مرة خالص على الدوام،› كما لو انه يمكنهم الآن ان يتقاعدوا وينتظروا الأجر السماوي المزعوم. انه مبدأ باطل ورجاء فارغ. «الذي يصبر الى المنتهى،» قال يسوع، «فهذا يخلص.» (متى ٢٤:١٣) فلكي تنالوا الحياة الابدية لا بد ان ‹تكونوا امناء الى الموت.› — رؤيا ٢:١٠؛ عبرانيين ٦:٤-٦؛ ١٠:٢٦، ٢٧.
٣ اي ارشاد بشأن الادانة يعطيه يسوع بعد ذلك في الموعظة على الجبل؟
٣ واذ تابع يسوع موعظته على الجبل، تراكم المزيد من الاقوال التي لا بد ان يجاهد المسيحيون ليتَّبعوها. وهنا واحد يبدو بسيطا، ولكنه يدين احد اصعب الميول التي يجب التخلص منها: «لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي أَخرِج اولا الخشبة من عينك. وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك.» — متى ٧:١-٥ .
٤ اي ارشاد اضافي تقدمه رواية لوقا، والى ماذا يؤدي تطبيقه؟
٤ في رواية لوقا عن الموعظة على الجبل، قال يسوع لسامعيه ان لا يجدوا العيب في الآخرين. وبالأحرى، ‹فليسامحوا› اي يغفروا نقائص رفيقهم الانسان. وهذا كان سيجعل الآخرين يتجاوبون بالمِثل، كما قال يسوع: «أَعطوا تعطوا. كيلا جيدا ملبَّدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم.» — لوقا ٦:٣٧، ٣٨.
٥ لماذا من السهل رؤية العيوب في الآخرين اكثر بكثير من تلك التي فينا؟
٥ خلال القرن الاول بم، بسبب التقاليد الشفهية، كان الفريسيون عموما يميلون الى ادانة الآخرين بقساوة. وكلٌ من سامعي يسوع الذين اعتادوا فعل ذلك كان يجب ان يوقفوه. فمن السهل رؤية الأقذاء في عيون الآخرين اكثر بكثير من الخشب في عيوننا — ومن المطمئن اكثر بكثير لذاتنا! وكما قال احد الرجال، «احب نقد الآخرين لان ذلك يجعلني اشعر انني افضل حالا بكثير!» ان شَيْن الآخرين على نحو متكرر يمكن ان يمنحنا مشاعر الفضيلة التي يبدو انها تعوِّض عن عيوبنا التي نريد ان نخفيها. ولكن اذا كان التقويم لازما يجب منحه بروح الوداعة. والذي يمنح التقويم يجب ان يكون مدركا على الدوام نقائصه الخاصة. — غلاطية ٦:١.
قبل ان تدينوا حاولوا ان تفهموا
٦ على اي اساس يجب ان نصنع دينونتنا عندما يكون ذلك لازما، وأية مساعدة يجب ان نطلبها لئلا نكون انتقاديين على نحو مفرط؟
٦ لم يأت يسوع ليدين العالم بل ليخلصه. وكل دينونة صنعها لم تكن دينونته بل كانت مؤسسة على الكلمات التي اعطاه اياها اللّٰه ليتكلم بها. (يوحنا ١٢:٤٧-٥٠) وكل دينونة نصنعها نحن يجب ان تكون ايضا على انسجام مع كلمة يهوه. فيجب ان نخمد الميل البشري الى الصيرورة ديّانين. وفي فعلنا ذلك، يجب ان نصلّي باستمرار من اجل مساعدة يهوه: «اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم. لأن كل مَن يسأل يأخذ. ومَن يطلب يجد. ومَن يقرع يُفتح له.» (متى ٧:٧، ٨) ويسوع ايضا قال: «انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا. كما اسمع ادين ودينونتي عادلة لأني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي ارسلني.» — يوحنا ٥:٣٠.
٧ اية عادة يجب ان ننميها تساعدنا في تطبيق القاعدة الذهبية؟
٧ لا يجب ان ننمي عادة ادانة الناس بل عادة محاولة فهمهم بوضع انفسنا مكانهم — ليس امرا يسهل فعله ولكنه ضروري اذا اردنا ان نلتزم القاعدة الذهبية، التي نادى بها يسوع بعد ذلك: «فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم. لان هذا هو الناموس والانبياء.» (متى ٧:١٢) لذلك يجب على أتباع يسوع ان يكونوا حساسين ويميزوا حالة الآخرين الذهنية، العاطفية، والروحية. ويجب ان يدركوا ويفهموا حاجات الآخرين ويهتموا اهتماما شخصيا بمساعدتهم. (فيلبي ٢:٢-٤) وبعد سنوات كتب بولس: «لان كل الناموس في كلمة واحدة يُكمَل. تحب قريبك كنفسك.» — غلاطية ٥:١٤.
٨ اي طريقين ناقشهما يسوع، ولماذا تختار اغلبية الناس احدهما؟
٨ «ادخلوا من الباب الضيق،» قال يسوع بعد ذلك، «لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه.» (متى ٧:١٣، ١٤) كثيرون في تلك الايام اختاروا الطريق الى الهلاك وكثيرون لا يزالون يفعلون ذلك. فالطريق الواسع يسمح للناس بأن يفكروا كما يريدون ويعيشوا كما يريدون: لا قواعد هنالك ولا التزامات، مجرد نمط حياة متهاون، كل شيء سهل. ولا شيء من هذا، «اجتهدوا ان تدخلوا من الباب الضيق،» هو لهم! — لوقا ١٣:٢٤.
٩ ماذا يلزم للسلوك في الطريق الضيق، وأي تحذير يعطيه يسوع للسالكين فيه؟
٩ ولكنّ الطريق الضيق هو الذي ينفتح على الطريق الى الحياة الابدية. وهو مسلك يتطلب ضبط النفس. وقد يستلزم ذلك التأديب الذي يسبر دوافعكم ويمتحن قوة انتذاركم. وعندما تأتي الاضطهادات يصير الطريق وعرا ويتطلب الاحتمال. ويسوع يحذِّر اولئك الذين يسلكون في هذا الطريق: «احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.» (متى ٧:١٥) لاءم هذا الوصف الفريسيين تماما. (متى ٢٣:٢٧، ٢٨) فقد ‹جلسوا على كرسي موسى،› اذ ادَّعوا التكلم عن اللّٰه فيما اتَّبعوا تقاليد الناس. — متى ٢٣:٢.
كيف ‹يغلق الفريسيون الملكوت›
١٠ بأية طريقة خصوصية سعى الكتبة والفريسيون الى ‹اغلاق الملكوت قدام الناس›؟
١٠ وعلاوة على ذلك، سعى رجال الدين اليهود الى اعاقة اولئك الساعين الى الدخول من الباب الضيق. «ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.» (متى ٢٣:١٣) وأسلوب الفريسيين كان تماما كما حذَّر يسوع. كانوا ‹سيُخرجون اسم تلاميذه كشرير من اجل ابن الانسان.› (لوقا ٦:٢٢) فلأن الانسان الذي وُلد اعمى وشفاه المسيح آمن بأن يسوع هو المسيّا اخرجوه من المجمع. وأبواه ما كانا ليجيبا عن الاسئلة لانهما خافا من إخراجهما من المجمع. وللسبب نفسه تردَّد آخرون آمنوا بأن يسوع هو المسيّا في الاعتراف بذلك علانية. — يوحنا ٩:٢٢، ٣٤؛ ١٢:٤٢؛ ١٦:٢.
١١ اية ثمار تثبت الهوية يصنعها رجال دين العالم المسيحي؟
١١ «من ثمارهم تعرفونهم،» قال يسوع. «كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية.» (متى ٧:١٦-٢٠) والقاعدة نفسها تنطبق اليوم. فالكثير من رجال دين العالم المسيحي يقولون شيئا ويفعلون آخَر. وعلى الرغم من الادعاء انهم يعلِّمون الكتاب المقدس، فهم يؤيدون تجاديف كالثالوث ونار الهاوية. وآخرون ينكرون الفدية، يعلِّمون التطور عوضا عن الخلق، ويعلنون علم النفس الشعبي ليدغدغوا الآذان. وكالفريسيين فان كثيرين من رجال الدين اليوم محبون للمال، اذ يستلبون رعاياهم ملايين الدولارات. (لوقا ١٦:١٤) وكلهم يصرخون، «يا رب يا رب،» ولكنّ تجاوب يسوع معهم هو: «اني لم اعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الاثم.» — متى ٧:٢١-٢٣.
١٢ لماذا بعض الذين كانوا في ما مضى يسلكون في الطريق الضيق توقفوا عن ذلك، وبأية نتيجة؟
١٢ واليوم، ان بعض الذين كانوا في ما مضى يسلكون في الطريق الضيق توقفوا عن ذلك. فهم يقولون انهم يحبون يهوه، لكنهم لا يطيعون وصيته بالكرازة. ويقولون انهم يحبون يسوع، لكنهم لا يرعون غنمه. (متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠؛ يوحنا ٢١:١٥-١٧؛ ١ يوحنا ٥:٣) وهم لا يرغبون في ان يكونوا تحت نير مع اولئك السالكين في خطوات يسوع. لقد وجدوا الطريق الضيق ضيقا جدا. وسئموا فعل الخير، لذلك «منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا.» (١ يوحنا ٢:١٩) فعادوا الى الظلام و «ما اشد هذا الظلام!» (متى ٦:٢٣، عج) وتجاهلوا التماس يوحنا: «يا اولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق.» — ١ يوحنا ٣:١٨.
١٣ و ١٤ اي مثَل اعطاه يسوع عن تطبيق اقواله في حياتنا، ولماذا كان ملائما جدا للذين في فلسطين؟
١٣ واختتم يسوع موعظته على الجبل بمثَل مثير: «كل مَن يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبِّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. لانه كان مؤسسا على الصخر.» — متى ٧:٢٤، ٢٥.
١٤ في فلسطين كان يمكن للامطار الغزيرة ان تقذف المياه المتدفقة الى الاودية الجافة في فيضانات مفاجئة مدمِّرة. فاذا كانت البيوت ستبقى قائمة كانت تتطلب اساسات على صخر صلب. ورواية لوقا تُظهر ان الرجل «حفر وعمَّق ووضع الاساس على الصخر.» (لوقا ٦:٤٨) وكان ذلك عملا شاقا، لكنه كان يثبت انه جدير بالجهد عندما تأتي العاصفة. لذلك فان بناء الصفات المسيحية على اقوال يسوع يجلب المكافأة عند وقوع فيض المحنة المفاجئ.
١٥ ماذا تكون نتيجة اولئك الذين يتبعون تقاليد الناس عوضا عن اطاعة اقوال يسوع؟
١٥ والبيت الآخَر بُني على الرمل: «كل مَن يسمع اقوالي هذه ولا يعمل بها يشبَّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيما.» هكذا يكون لاولئك الذين يقولون «يا رب يا رب» ولكنهم يفشلون في العمل بأقوال يسوع. — متى ٧:٢٦، ٢٧.
«ليس كالكتبة»
١٦ ماذا كان الاثر في اولئك الذين سمعوا الموعظة على الجبل؟
١٦ وماذا كان اثر الموعظة على الجبل؟ «لما اكمل يسوع هذه الاقوال بهتت الجموع من تعليمه. لانه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة.» (متى ٧:٢٨، ٢٩) لقد تأثَّروا في الصميم من ذاك الذي تكلم بسلطان لم يشعروا به من قبل قط.
١٧ ماذا لزم الكتبة ان يفعلوا ليمنحوا تعليمهم شرعية، وماذا ادَّعوا بشأن الحكماء الاموات الذين جرى الاقتباس منهم؟
١٧ لا احد من الكتبة تكلم يوما ما بسلطانه الخاص، كما يُظهر هذا السجل التاريخي: «استعار الكتبة تصديقا لمَبدئهم من التقاليد وآبائهم: وما من موعظة لأيّ من الكتبة كان لها سلطان او قيمة، دون [الاشارة] . . . الربانيون لهم تقليد، او . . . يقول الحكماء؛ او جواب تقليدي من هذا النوع. علَّم هيلل الكبير بحق، وكما كان التقليد في ما يتعلق بأمر معيَّن؛ ‹ولكن، على الرغم من انه حاضَر في هذه المسألة طوال النهار، . . . لم يقبلوا مبدأه الى ان قال اخيرا، هكذا سمعت من شمعيا وأبتاليون [مرجعين قبل هيلل].›» (تعليق على العهد الجديد من التلمود والكتابات العبرانية، بواسطة جون لايتفوت) والفريسيون ادَّعوا بشأن الحكماء الذين ماتوا منذ زمن طويل: «شفاه الابرار، عندما يشير شخص ما الى تعليم للناموس بأسمائهم — شفاههم تهمس معهم في المدفن.» — التوراة — من الدرج الى الرمز في الديانة اليهودية التكوينية.
١٨ (أ) اي اختلاف كان هنالك بين تعليم الكتبة وذاك الذي ليسوع؟ (ب) بأية طرائق كان تعليم يسوع مذهلا جدا؟
١٨ اقتبس الكتبة من الرجال الاموات بصفتهم مراجع؛ وتكلم يسوع بسلطان من اللّٰه الحي. (يوحنا ١٢:٤٩، ٥٠؛ ١٤:١٠) فالربانيون استخرجوا مياها عتيقة من خزّانات مغلقة؛ ويسوع جلب ينابيع مياه عذبة تطفئ الظمأ الداخلي. لقد صلّى وتأمل طوال الليل، وعندما تكلم بلغ اعماقا في الناس لم يدركوها من قبل قط. وقد تكلم بقوة استطاعوا ان يشعروا بها، بسلطان خاف حتى الكتبة، الفريسيون، والصدوقيون اخيرا ان يتحدّوه. (متى ٢٢:٤٦؛ مرقس ١٢:٣٤؛ لوقا ٢٠:٤٠) لم يتكلم قط انسان آخَر هكذا! وعند اختتام الموعظة تُركت الجموع مبهوتة!
١٩ كيف تكون بعض اساليب التعليم التي يستعملها شهود يهوه اليوم مماثلة لتلك التي استعملها يسوع في الموعظة على الجبل؟
١٩ وماذا عن اليوم؟ كخدام من بيت الى بيت، يستعمل شهود يهوه اساليب مماثلة. يقول لكم صاحب البيت: «تقول كنيستي ان الارض ستحترق.» فتجيبون: «كتابكم المقدس يقول في جامعة ١:٤: ‹الارض قائمة الى الابد.›» فيندهش الشخص. «لم اعرف قط ان ذلك موجود في كتابي المقدس!» ويقول آخَر: «أسمع دائما ان الخطاة سيحترقون في نار الهاوية.» «لكنّ كتابك المقدس يقول في رومية ٦:٢٣: ‹اجرة الخطية هي موت.›» او عن الثالوث: «يقول كاهني ان يسوع وأباه متساويان.» «ولكنْ في يوحنا ١٤:٢٨ يقتبس كتابك المقدس من يسوع قوله: ‹ابي اعظم مني.›» ويقول لكم شخص آخَر: «سمعت انه قيل ان ملكوت اللّٰه في داخلكم.» وإجابتكم: «في دانيال ٢:٤٤ يقول كتابكم المقدس: ‹في ايام هؤلاء الملوك يقيم اله السموات مملكة لن تنقرض ابدا . . . تسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت الى الابد.› فكيف يمكن ان يكون هذا في داخلكم؟»
٢٠ (أ) اي تباين هنالك بين طريقة تعليم الشهود وتلك التي لرجال دين العالم المسيحي؟ (ب) لأي شيء الآن هو الوقت؟
٢٠ تكلم يسوع بسلطان من اللّٰه. وشهود يهوه يتكلمون بسلطان كلمة اللّٰه. ورجال دين العالم المسيحي يتكلمون بتقاليد دينية ملوَّثة بعقائد اتت من بابل ومصر. وعندما يسمع الناس المخلصون ان معتقداتهم يدحضها الكتاب المقدس يندهشون ويصرخون: ‹لم اعرف قط ان ذلك موجود في كتابي المقدس!› ولكنّ الامر هو كذلك. فالآن هو الوقت ليصغي جميع الشاعرين بحاجتهم الروحية الى اقوال يسوع في الموعظة على الجبل ويبنوا بالتالي على اساس صخر متين.
-