-
سر السعادة الحقيقيةيسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٥
سِرُّ ٱلسَّعَادَةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ
إِخْرَاجُ ٱلشَّيَاطِينِ «بِإِصْبَعِ ٱللّٰهِ»
سِرُّ ٱلسَّعَادَةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ
كَرَّرَ يَسُوعُ لِتَوِّهِ إِرْشَادَهُ بِشَأْنِ ٱلصَّلَاةِ. وَثَمَّةَ حَوَادِثُ تَتَكَرَّرُ أَيْضًا خِلَالَ مَجْرَى خِدْمَتِهِ. فَفِي ٱلْجَلِيلِ، ٱتُّهِمَ بَاطِلًا أَنَّهُ يَجْتَرِحُ ٱلْعَجَائِبَ بِسُلْطَةِ رَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ. وَهَا ٱلتَّارِيخُ يُعِيدُ نَفْسَهُ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ.
فَبَعْدَمَا يَطْرُدُ مِنْ رَجُلٍ شَيْطَانًا يُعِيقُهُ عَنِ ٱلْكَلَامِ، تَتَعَجَّبُ ٱلْجُمُوعُ فِي حِينِ يَتَّهِمُهُ مُنْتَقِدُوهُ: «إِنَّهُ يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ بِبِيلَزَبُوبَ رَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ». (لوقا ١١:١٥) أَمَّا آخَرُونَ فَيُرِيدُونَ أَدِلَّةً أُخْرَى تُثْبِتُ هُوِيَّتَهُ، فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ آيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ.
يُدْرِكُ يَسُوعُ أَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ ٱمْتِحَانَهُ، فَيُجِيبُهُمْ كَمَا أَجَابَ مُنْتَقِدِيهِ فِي ٱلْجَلِيلِ أَنَّ كُلَّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَسْقُطُ. وَيُحَاجُّ قَائِلًا: «فَإِنْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ أَيْضًا مُنْقَسِمًا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟». ثُمَّ يَذْكُرُ بِصَرِيحِ ٱلْعِبَارَةِ: «إِنْ كُنْتُ بِإِصْبَعِ ٱللّٰهِ أُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَدْرَكَكُمْ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ». — لوقا ١١:١٨-٢٠.
إِنَّ عِبَارَةَ «إِصْبَعِ ٱللّٰهِ» يُفْتَرَضُ أَنْ تُعِيدَ إِلَى أَذْهَانِ ٱلسَّامِعِينَ مَا حَدَثَ فِي مَهْدِ تَارِيخِ أُمَّةِ إِسْرَائِيلَ. فَعِنْدَمَا ٱجْتَرَحَ مُوسَى عَجِيبَةً فِي بَلَاطِ فِرْعَوْنَ، هَتَفَ ٱلْحَاضِرُونَ: «هٰذِهِ إِصْبَعُ ٱللّٰهِ!». كَمَا نُقِشَتِ ٱلْوَصَايَا ٱلْعَشْرُ «بِإِصْبَعِ ٱللّٰهِ» عَلَى لَوْحَيْ حَجَرٍ. (خروج ٨:١٩؛ ٣١:١٨) وَعَلَى ٱلْمِنْوَالِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ «إِصْبَعَ ٱللّٰهِ»، أَيْ رُوحَهُ ٱلْقُدُسَ أَوْ قُوَّتَهُ ٱلْفَعَّالَةَ، هُوَ مَا يُمَكِّنُ يَسُوعَ مِنْ إِخْرَاجِ ٱلشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ ٱلْمَرْضَى. فَلَا عَجَبَ أَنَّ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ قَدْ أَدْرَكَ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُقَاوِمِينَ. فَمَلِكُهُ ٱلْمُعَيَّنُ يَسُوعُ قَائِمٌ فِي وَسْطِهِمْ يَصْنَعُ هٰذِهِ ٱلْآيَاتِ.
وَقُدْرَةُ يَسُوعَ عَلَى طَرْدِ ٱلْأَبَالِسَةِ تُبَرْهِنُ سَطْوَتَهُ عَلَى ٱلشَّيْطَانِ، تَمَامًا مِثْلَمَا يَتَغَلَّبُ رَجُلٌ قَوِيٌّ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ يَحْرُسُ قَصْرَهُ مُدَجَّجًا بِٱلسِّلَاحِ. وَمَرَّةً أُخْرَى، يُعِيدُ يَسُوعُ ٱلْمَثَلَ عَنِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ رُوحٌ نَجِسٌ. فَحِينَ لَا يَمْلَأُ ٱلْفَرَاغَ بِأُمُورٍ صَالِحَةٍ بَنَّاءَةٍ، يَعُودُ إِلَيْهِ ٱلرُّوحُ مَعَ سَبْعَةٍ آخَرِينَ. فَتَصِيرُ آخِرَتُهُ أَسْوَأَ مِنْ بِدَايَتِهِ. (متى ١٢:٢٢، ٢٥-٢٩، ٤٣-٤٥) وَهٰذَا مَا يَصِحُّ فِي أُمَّةِ إِسْرَائِيلَ.
وَبَيْنَمَا يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ، تَهْتِفُ ٱمْرَأَةٌ بَيْنَ سَامِعِيهِ: «يَا لَسَعَادَةِ ٱلرَّحِمِ ٱلَّذِي حَمَلَكَ وَٱلثَّدْيَيْنِ ٱللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا!». وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَفَوَّهَتْ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ لِأَنَّ أَيَّ أُمٍّ يَهُودِيَّةٍ تَتَمَنَّى أَنْ تَحْمِلَ فِي أَحْشَائِهَا نَبِيًّا، وَلَا سِيَّمَا ٱلْمَسِيَّا. فَلَعَلَّهَا تَعْتَقِدُ أَنَّ مَرْيَمَ فِي مُنْتَهَى ٱلسَّعَادَةِ لِأَنَّهَا أَنْجَبَتْ مُعَلِّمًا بَارِعًا مِثْلَ يَسُوعَ. غَيْرَ أَنَّهُ يُوضِحُ لَهَا سِرَّ ٱلسَّعَادَةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ قَائِلًا: «بَلْ يَا لَسَعَادَةِ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ وَيَحْفَظُونَهَا!». (لوقا ١١:٢٧، ٢٨) فَيَسُوعُ لَمْ يُشَجِّعْ وَلَا مَرَّةً عَلَى مَنْحِ مَرْيَمَ إِكْرَامًا خُصُوصِيًّا. بَلْ يُبَيِّنُ هُنَا أَنَّ سَبِيلَ أَيِّ رَجُلٍ أَوِ ٱمْرَأَةٍ إِلَى ٱلسَّعَادَةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ لَيْسَ مَنُوطًا بِٱلرَّوَابِطِ ٱلْعَائِلِيَّةِ أَوِ ٱلْإِنْجَازَاتِ، بَلْ بِخِدْمَةِ ٱللّٰهِ بِأَمَانَةٍ وَوَلَاءٍ.
وَمِثْلَمَا فَعَلَ فِي ٱلْجَلِيلِ، يُوَبِّخُ ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَ آيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلًا إِنَّهُمْ لَنْ يُعْطَوْا سِوَى «آيَةِ يُونَانَ». وَيُونَانُ آيَةٌ لِسَبَبَيْنِ: فَقَدْ بَقِيَ فِي بَطْنِ ٱلسَّمَكَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَرَزَ بِجُرْأَةٍ لِأَهْلِ نِينَوَى فَٱنْدَفَعُوا إِلَى ٱلتَّوْبَةِ. وَلٰكِنْ يُتَابِعُ يَسُوعُ: «هٰهُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ». (لوقا ١١:٢٩-٣٢) وَهُوَ أَيْضًا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ٱلَّذِي أَتَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ بِكُلِّ مَجْدِهَا لِتَسْمَعَ حِكْمَتَهُ.
ثُمَّ يَقُولُ: «لَا يُوقِدُ أَحَدٌ سِرَاجًا وَيَضَعُهُ فِي قَبْوٍ أَوْ تَحْتَ مِكْيَالٍ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ». (لوقا ١١:٣٣) وَرُبَّمَا يَقْصِدُ أَنَّ تَعْلِيمَ هٰؤُلَاءِ ٱلنَّاسِ وَٱجْتِرَاحَ ٱلْعَجَائِبِ أَمَامَهُمْ هُمَا بِمَثَابَةِ إِخْفَاءِ ضَوْءِ ٱلسِّرَاجِ. فَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَغْزَى أَعْمَالِهِ لِأَنَّ عُيُونَهُمْ لَيْسَتْ مُرَكَّزَةً عَلَى ٱلْهَدَفِ ٱلصَّحِيحِ.
فَقَدْ أَخْرَجَ مُنْذُ هُنَيْهَةٍ شَيْطَانًا مِنْ رَجُلٍ أَخْرَسَ وَحَلَّ عُقْدَةَ لِسَانِهِ. أَفَلَا يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ ذٰلِكَ ٱلنَّاسَ إِلَى تَمْجِيدِ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ وَإِخْبَارِ ٱلْآخَرِينَ بِأَفْعَالِهِ؟! لِذَا يُحَذِّرُ يَسُوعُ كُلَّ مَنْ يَنْتَقِدُهُ: «تَنَبَّهْ إِذًا، لِئَلَّا يَكُونَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظُلْمَةً. فَإِنْ كَانَ جَسَدُكَ بِكَامِلِهِ نَيِّرًا لَيْسَ فِيهِ جُزْءٌ مُظْلِمٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كُلُّهُ نَيِّرًا كَمَا حِينَمَا يُنِيرُ لَكَ ٱلسِّرَاجُ بِأَشِعَّتِهِ». — لوقا ١١:٣٥، ٣٦.
-
-
على مائدة فريسييسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٦
عَلَى مَائِدَةِ فَرِّيسِيٍّ
يَسُوعُ يَدِينُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلْمُنَافِقِينَ خِلَالَ وَجْبَةِ غَدَاءٍ
يُلَبِّي يَسُوعُ وَهُوَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ دَعْوَةَ فَرِّيسِيٍّ إِلَى وَجْبَةِ غَدَاءٍ. (لوقا ١١:٣٧، ٣٨) وَقَبْلَ ٱلْأَكْلِ، يَتْبَعُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ طَقْسًا يَقْضِي بِغَسْلِ ٱلْيَدَيْنِ حَتَّى ٱلْمِرْفَقِ. لٰكِنَّ يَسُوعَ لَا يَحْذُو حَذْوَهُمْ. (متى ١٥:١، ٢) صَحِيحٌ أَنَّ هٰذَا ٱلطَّقْسَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ، لٰكِنَّهُ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَيْسَ مَطْلَبًا إِلٰهِيًّا.
يَسْتَغْرِبُ ٱلْفَرِّيسِيُّ تَصَرُّفَ يَسُوعَ ٱلَّذِي يَلْمُسُ ذٰلِكَ فَيَقُولُ: «أَنْتُمُ ٱلْآنَ، أَيُّهَا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ، تُطَهِّرُونَ خَارِجَ ٱلْكَأْسِ وَٱلصَّحْنِ، وَأَمَّا دَاخِلُكُمْ فَمَمْلُوءٌ نَهْبًا وَشَرًّا. يَا عَدِيمِي ٱلتَّعَقُّلِ! أَلَيْسَ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْخَارِجَ صَنَعَ ٱلدَّاخِلَ أَيْضًا؟». — لوقا ١١:٣٩، ٤٠.
أَسَاسُ ٱلْمَسْأَلَةِ إِذًا هُوَ ٱلرِّيَاءُ ٱلدِّينِيُّ، لَا غَسْلُ ٱلْيَدَيْنِ قَبْلَ ٱلْأَكْلِ. فَٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى مُمَارَسَةِ هٰذَا ٱلطَّقْسِ، لٰكِنَّهُمْ بِٱلْمُقَابِلِ لَا يُنَقُّونَ قُلُوبَهُمْ مِنَ ٱلْخُبْثِ وَٱلشَّرِّ. لِذَا يَحُثُّهُمْ يَسُوعُ: «أَعْطُوا مَا فِي ٱلدَّاخِلِ صَدَقَةً، وَهُوَذَا كُلُّ شَيْءٍ آخَرَ يَكُونُ طَاهِرًا لَكُمْ». (لوقا ١١:٤١) فَيَا لَهُ مِنْ نُصْحٍ سَدِيدٍ! فَٱلْعَطَاءُ يَجِبُ أَنْ يَنْبَعَ مِنْ قَلْبٍ يَفِيضُ بِٱلْمَحَبَّةِ، لَا مِنْ رَغْبَةٍ فِي كَسْبِ ٱسْتِحْسَانِ ٱلنَّاسِ عَبْرَ ٱلتَّظَاهُرِ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَى.
وَلَا يُنْكِرُ يَسُوعُ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْخَاصَ يُعْطُونَ، لٰكِنَّهُ يُوضِحُ عَيْبَهُمْ قَائِلًا: «إِنَّكُمْ تُقَدِّمُونَ عُشْرَ ٱلنَّعْنَعِ وَٱلسَّذَابِ وَسَائِرِ ٱلْبُقُولِ، وَتَتَجَاوَزُونَ عَنِ ٱلْعَدْلِ وَمَحَبَّةِ ٱللّٰهِ! كَانَ يَلْزَمُ أَنْ تَعْمَلُوا هٰذِهِ، وَلَا تُهْمِلُوا تِلْكَ». (لوقا ١١:٤٢) فَشَرِيعَةُ ٱللّٰهِ تَنُصُّ عَلَى تَقْدِيمِ عُشْرِ ٱلْغِلَالِ. (تثنية ١٤:٢٢) وَهٰذِهِ تَشْمُلُ أَعْشَابًا أَوْ نَبَتَاتٍ تُسْتَخْدَمُ فِي تَتْبِيلِ ٱلطَّعَامِ، مِثْلَ ٱلنَّعْنَعِ وَٱلسَّذَابِ. وَفِي حِينِ يَحْرِصُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ حِرْصًا شَدِيدًا عَلَى تَقْدِيمِ عُشْرِهَا، يَتَنَاسَوْنَ ٱلْوَصَايَا ٱلْأَهَمَّ فِي ٱلشَّرِيعَةِ مِثْلَ إِجْرَاءِ ٱلْعَدْلِ وَٱلسُّلُوكِ بِٱحْتِشَامٍ أَمَامَ ٱللّٰهِ. — ميخا ٦:٨.
يُتَابِعُ يَسُوعُ: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ، لِأَنَّكُمْ تُحِبُّونَ ٱلْمَقَاعِدَ ٱلْأَمَامِيَّةَ فِي ٱلْمَجَامِعِ، وَٱلتَّحِيَّاتِ فِي سَاحَاتِ ٱلْأَسْوَاقِ! وَيْلٌ لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ مِثْلُ ٱلْقُبُورِ ٱلتَّذْكَارِيَّةِ غَيْرِ ٱلظَّاهِرَةِ، يَمْشِي ٱلنَّاسُ عَلَيْهَا وَلَا يَعْلَمُونَ!». (لوقا ١١:٤٣، ٤٤) فَقَدْ يَتَعَثَّرُ ٱلنَّاسُ بِقُبُورٍ كَهٰذِهِ وَيُمْسُونَ نَجِسِينَ. وَيَتَطَرَّقُ يَسُوعُ إِلَى هٰذِهِ ٱلْحَقِيقَةِ لِيُبْرِزَ أَنَّ نَجَاسَةَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ مُبَطَّنَةٌ. — متى ٢٣:٢٧.
إِذَّاكَ، يَحْتَجُّ رَجُلٌ مُتَضَلِّعٌ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ قَائِلًا: «يَا مُعَلِّمُ، إِنَّكَ بِقَوْلِكَ هٰذَا تُهِينُنَا نَحْنُ أَيْضًا». وَلٰكِنْ كَيْ يُدْرِكَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ وَأَمْثَالُهُ أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي مُسَاعَدَةِ ٱلنَّاسِ، يَذْكُرُ يَسُوعُ: «وَيْلٌ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَيُّهَا ٱلْمُتَضَلِّعُونَ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ، لِأَنَّكُمْ تُحَمِّلُونَ ٱلنَّاسَ أَحْمَالًا يَصْعُبُ حَمْلُهَا، وَأَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ لَا تَمَسُّونَ ٱلْأَحْمَالَ بِإِحْدَى أَصَابِعِكُمْ! وَيْلٌ لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلتَّذْكَارِيَّةَ، وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ!». — لوقا ١١:٤٥-٤٧.
وَهٰذِهِ «ٱلْأَحْمَالُ» هِيَ ٱلتَّقَالِيدُ ٱلشَّفَهِيَّةُ وَتَفَاسِيرُ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي يَبْتَدِعُهَا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ. فَهُمْ يُثْقِلُونَ بِهَا كَاهِلَ ٱلنَّاسِ وَيُعَقِّدُونَ حَيَاتَهُمْ. وَيُشِيرُ يَسُوعُ أَيْضًا أَنَّ أَسْلَافَهُمْ قَتَلُوا أَنْبِيَاءَ ٱللّٰهِ مِنْ هَابِيلَ فَصَاعِدًا. وَمَعَ أَنَّ ٱلْقَادَةَ ٱلدِّينِيِّينَ يَبْنُونَ لِهٰؤُلَاءِ ٱلْأَنْبِيَاءِ قُبُورًا مُتَظَاهِرِينَ بِإِكْرَامِهِمْ، فَٱلْحَقِيقَةُ أَنَّهُمْ يَسِيرُونَ عَلَى نَهْجِ أَسْلَافِهِمْ فِي ٱلْمَوَاقِفِ وَٱلتَّصَرُّفَاتِ. حَتَّى إِنَّهُمْ يَسْعَوْنَ لِقَتْلِ نَبِيِّ ٱللّٰهِ ٱلْأَبْرَزِ. نَتِيجَةً لِذٰلِكَ سَيُحَاسِبُ ٱللّٰهُ هٰذَا ٱلْجِيلَ، وَهِيَ نُبُوَّةٌ تَتَحَقَّقُ سَنَةَ ٧٠ بم، أَيْ بَعْدَ نَحْوِ ٣٨ سَنَةً.
يُوَاصِلُ يَسُوعُ: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُتَضَلِّعُونَ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ، لِأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ ٱلْمَعْرِفَةِ، فَلَمْ تَدْخُلُوا أَنْتُمْ، وَٱلدَّاخِلُونَ أَعَقْتُمُوهُمْ!». (لوقا ١١:٥٢) فَبَدَلَ أَنْ يُؤَدِّيَ هٰؤُلَاءِ وَاجِبَهُمْ وَيُفَسِّرُوا كَلِمَةَ ٱللّٰهِ لِلنَّاسِ، يُغْلِقُونَ عَلَيْهِمْ بَابَ ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْفَهْمِ.
فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ رَدًّا عَلَى هٰذِهِ ٱلْإِدَانَةِ ٱلصَّرِيحَةِ؟ فِيمَا يَهُمُّ يَسُوعُ بِٱلْمُغَادَرَةِ، يَشْرَعُونَ بِغَضَبٍ فِي ٱسْتِفْزَازِهِ وَإِمْطَارِهِ بِوَابِلٍ مِنَ ٱلْأَسْئِلَةِ. وَلَيْسَ دَافِعُهُمُ ٱلتَّعَلُّمَ بَلْ جَرُّهُ إِلَى ٱلتَّفَوُّهِ بِكَلَامٍ يُسَوِّغُ لَهُمُ ٱعْتِقَالَهُ.
-
-
مخاطر السعي وراء الغنىيسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٧
مَخَاطِرُ ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ ٱلْغِنَى
مَثَلُ ٱلرَّجُلِ ٱلْغَنِيِّ
يَسُوعُ يَسْتَشْهِدُ بِٱلْغِرْبَانِ وَٱلزَّنَابِقِ
‹قَطِيعٌ صَغِيرٌ› سَيَرِثُ ٱلْمَلَكُوتَ
بَيْنَمَا يَسُوعُ يَتَغَدَّى فِي بَيْتِ ٱلْفَرِّيسِيِّ، يَتَجَمْهَرُ ٱلْآلَافُ خَارِجًا فِي ٱنْتِظَارِهِ، وَهُوَ مَشْهَدٌ تَكَرَّرَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي ٱلْجَلِيلِ. (مرقس ١:٣٣؛ ٢:٢؛ ٣:٩) فَكَثِيرُونَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ يَتَطَلَّعُونَ إِلَى رُؤْيَتِهِ وَسَمَاعِهِ، مُظْهِرِينَ مَوْقِفًا مُخْتَلِفًا كُلَّ ٱلِٱخْتِلَافِ عَنْ مَوْقِفِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ إِلَى ٱلْمَائِدَةِ.
وَمَا يَقُولُهُ بِدَايَةً يَرِنُّ فِي آذَانِ تَلَامِيذِهِ: «اِحْذَرُوا خَمِيرَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلرِّيَاءُ». لَقَدْ وَجَّهَ هٰذَا ٱلتَّنْبِيهَ مِنْ قَبْلُ، وَلٰكِنْ مَا لَاحَظَهُ خِلَالَ ٱلْغَدَاءِ زَادَ هٰذِهِ ٱلْمَشُورَةَ إِلْحَاحًا. (لوقا ١٢:١؛ مرقس ٨:١٥) فَٱلْفَرِّيسِيُّونَ يُحَاوِلُونَ إِخْفَاءَ خُبْثِهِمْ وَشَرِّهِمْ تَحْتَ سِتَارِ ٱلْوَرَعِ وَٱلتَّقْوَى، لٰكِنَّهُمْ خَطَرٌ لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِهِ. يُوضِحُ يَسُوعُ: «مَا مِنْ مَكْتُومٍ لَنْ يُكْشَفَ، وَمَا مِنْ خَفِيٍّ لَنْ يُعْرَفَ». — لوقا ١٢:٢.
بَعْدَ ذٰلِكَ، يُكَرِّرُ أَفْكَارًا رَئِيسِيَّةً تَنَاوَلَهَا سَابِقًا، رُبَّمَا لِأَنَّ عَدِيدِينَ بَيْنَ ٱلْجَمْعِ هُمْ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَبِٱلتَّالِي لَمْ يَسْمَعُوا تَعَالِيمَهُ فِي ٱلْجَلِيلِ. فَيَحُثُّ مُسْتَمِعِيهِ جَمِيعًا: «لَا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَفْعَلُوا أَكْثَرَ». (لوقا ١٢:٤) وَكَمَا فِي ٱلسَّابِقِ، يُشَدِّدُ كَمْ مُهِمٌّ أَنْ يَتَّكِلَ أَتْبَاعُهُ عَلَى ٱللّٰهِ فِي تَأْمِينِ حَاجَاتِهِمْ، يَعْتَرِفُوا بِٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ، وَيَثِقُوا بِقُدْرَةِ ٱللّٰهِ عَلَى دَعْمِهِمْ خِلَالَ ٱلِٱضْطِهَادِ. — متى ١٠:١٩، ٢٠، ٢٦-٣٣؛ ١٢:٣١، ٣٢.
بَعْدَ ذٰلِكَ، يَطْرَحُ رَجُلٌ بَيْنَ ٱلْجَمْعِ قَضِيَّةً شَخْصِيَّةً تَشْغَلُ بَالَهُ، فَيَقُولُ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لِأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي ٱلْمِيرَاثَ». (لوقا ١٢:١٣) مِنَ ٱلْمُفْتَرَضِ أَلَّا يَنْشَأَ أَيُّ خِلَافٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ إِنْ هُوَ ٱحْتَكَمَ إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي تَنُصُّ أَنْ يَنَالَ ٱلْبِكْرُ نَصِيبَ ٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلْمِيرَاثِ. (تثنية ٢١:١٧) وَلٰكِنْ يَبْدُو أَنَّهُ يُطَالِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ ٱلشَّرْعِيِّ. فَيَرْفُضُ يَسُوعُ بِحِكْمَةٍ ٱلِٱنْحِيَازَ إِلَى أَيٍّ مِنَ ٱلطَّرَفَيْنِ، وَيَسْأَلُهُ: ‹يَا إِنْسَانُ، مَنْ عَيَّنَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟›. — لوقا ١٢:١٤.
ثُمَّ يُوَجِّهُ ٱلْحَضَّ ٱلتَّالِيَ إِلَى ٱلْجَمِيعِ: «أَبْقُوا عُيُونَكُمْ مَفْتُوحَةً وَٱحْتَرِسُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ ٱلطَّمَعِ، لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ مُمْتَلَكَاتِهِ». (لوقا ١٢:١٥) فَمَهْمَا حَصَّلَ ٱلْمَرْءُ مِنْ ثَرَوَاتٍ، أَفَلَنْ يُوَدِّعَ ٱلْحَيَاةَ يَوْمًا وَيَتْرُكَ كُلَّ شَيْءٍ وَرَاءَهُ؟! وَتَشْدِيدًا عَلَى هٰذِهِ ٱلنُّقْطَةِ، يَرْوِي يَسُوعُ مَثَلًا لَا يُنْسَى يُظْهِرُ أَيْضًا أَهَمِّيَّةَ ٱلصِّيتِ ٱلْحَسَنِ لَدَى ٱللّٰهِ.
يُخْبِرُ: «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَنْتَجَتْ أَرْضُهُ بِوَفْرَةٍ. فَرَاحَ يَفْتَكِرُ فِي نَفْسِهِ، قَائِلًا: ‹مَاذَا أَفْعَلُ، إِذْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ مَحَاصِيلِي؟›. وَقَالَ: ‹أَفْعَلُ هٰذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَكْبَرَ مِنْهَا، وَهُنَاكَ أَجْمَعُ كُلَّ ٱلْحُبُوبِ وَٱلْخَيْرَاتِ ٱلَّتِي لَدَيَّ، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: «يَا نَفْسُ، لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مُذَّخَرَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. فَٱسْتَرِيحِي وَكُلِي وَٱشْرَبِي وَتَمَتَّعِي»›. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ قَالَ لَهُ: ‹يَا عَدِيمَ ٱلتَّعَقُّلِ، هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ مِنْكَ. فَلِمَنْ تَكُونُ هٰذِهِ ٱلَّتِي ٱدَّخَرْتَهَا؟›. هٰذَا شَأْنُ مَنْ يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا لِلّٰهِ». — لوقا ١٢:١٦-٢١.
فَتَلَامِيذُ يَسُوعَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ ٱلسَّامِعِينَ قَدْ يُغْرَوْنَ بِٱلرَّكْضِ وَرَاءَ ٱلثَّرْوَةِ أَوْ تَكْدِيسِهَا، أَوْ قَدْ تُلْهِيهِمْ مَشَاغِلُ ٱلْحَيَاةِ عَنْ خِدْمَةِ يَهْوَهَ. مِنْ هُنَا، يُعِيدُ يَسُوعُ ذِكْرَ مَشُورَةٍ رَائِعَةٍ أَعْطَاهَا فِي ٱلْمَوْعِظَةِ عَلَى ٱلْجَبَلِ قَبْلَ عَامٍ وَنِصْفٍ تَقْرِيبًا:
«لَا تَحْمِلُوا هَمًّا بَعْدُ مِنْ جِهَةِ نُفُوسِكُمْ مَاذَا تَأْكُلُونَ، أَوْ مِنْ جِهَةِ أَجْسَادِكُمْ مَاذَا تَلْبَسُونَ . . . لَاحِظُوا جَيِّدًا أَنَّ ٱلْغِرْبَانَ لَا تَزْرَعُ وَلَا تَحْصُدُ، وَلَيْسَ لَهَا عَنْبَرٌ وَلَا مَخْزَنٌ، وَٱللّٰهُ يَقُوتُهَا. فَكَمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَثْمَنُ مِنَ ٱلطُّيُورِ؟ . . . لَاحِظُوا جَيِّدًا كَيْفَ تَنْمُو ٱلزَّنَابِقُ. إِنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ، وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: وَلَا سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ تَسَرْبَلَ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا . . . فَلَا تَطْلُبُوا بَعْدُ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ، وَلَا تَكُونُوا فِي حَيْرَةٍ وَهَمٍّ . . . [فَإِنَّ] أَبَاكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هٰذِهِ. إِنَّمَا دَاوِمُوا عَلَى طَلَبِ مَلَكُوتِهِ، وَهٰذِهِ تُزَادُ لَكُمْ». — لوقا ١٢:٢٢-٣١؛ متى ٦:٢٥-٣٣.
وَمَنْ سَيَطْلُبُ وَيَرِثُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ؟ ‹قَطِيعٌ صَغِيرٌ›، أَيْ عَدَدٌ قَلِيلٌ نِسْبِيًّا مِنَ ٱلبَشَرِ ٱلْأَتْقِيَاءِ، حَسْبَمَا يَكْشِفُ يَسُوعُ. وَيَتَبَيَّنُ لَاحِقًا أَنَّ ٱلْعَدَدَ هُوَ ٠٠٠,١٤٤. وَمَاذَا بِٱنْتِظَارِهِمْ؟ يُؤَكِّدُ لَهُمْ: «إِنَّ أَبَاكُمْ رَضِيَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ ٱلْمَلَكُوتَ». فَهٰؤُلَاءِ لَنْ يَصُبُّوا ٱهْتِمَامَهُمْ عَلَى تَجْمِيعِ كُنُوزٍ عَلَى ٱلْأَرْضِ حَيْثُ يَسْرِقُ ٱلسَّارِقُونَ، بَلْ سَيُوَجِّهُونَ قُلُوبَهُمْ إِلَى كَنْزٍ «لَا يَنْفَدُ أَبَدًا فِي ٱلسَّمٰوَاتِ» حَيْثُ سَيَحْكُمُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. — لوقا ١٢:٣٢-٣٤.
-
-
ايها الوكيل الامين ابقَ مستعدا!يسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٨
أَيُّهَا ٱلْوَكِيلُ ٱلْأَمِينُ ٱبْقَ مُسْتَعِدًّا!
عَلَى ٱلْوَكِيلِ ٱلْأَمِينِ أَنْ يَبْقَى مُسْتَعِدًّا
يَسُوعُ يُحْدِثُ ٱنْقِسَامًا
لَقَدْ أَوْضَحَ يَسُوعُ أَنَّ مُجَرَّدَ ‹قَطِيعٍ صَغِيرٍ› لَهُ نَصِيبٌ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمٰوَاتِ. (لوقا ١٢:٣٢) لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلْمُكَافَأَةَ ثَمِينَةٌ وَلَا يُسْتَهَانُ بِهَا. لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ، يُشَدِّدُ كَمْ مُهِمٌّ أَنْ يَتَبَنَّى ٱلْمَرْءُ ٱلْمَوْقِفَ ٱلصَّائِبَ إِنْ هُوَ أَرَادَ أَنْ يَرِثَ ٱلْمَلَكُوتَ.
وَعَلَيْهِ، يَحُثُّ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَبْقَوْا عَلَى أَتَمِّ ٱلِٱسْتِعْدَادِ لِرُجُوعِهِ، قَائِلًا: «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، وَكُونُوا أَنْتُمْ مِثْلَ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَعُودُ مِنَ ٱلْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا وَصَلَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ حَالًا. يَا لَسَعَادَةِ أُولٰئِكَ ٱلْعَبِيدِ ٱلَّذِينَ مَتَى جَاءَ ٱلسَّيِّدُ وَجَدَهُمْ سَاهِرِينَ!». — لوقا ١٢:٣٥-٣٧.
لَا يَصْعُبُ عَلَى ٱلتَّلَامِيذِ أَنْ يَسْتَشِفُّوا أَيُّ مَوْقِفٍ يُبْرِزُهُ يَسُوعُ. فَٱلْخَدَمُ فِي ٱلْمَثَلِ يَتَرَقَّبُونَ عَوْدَةَ سَيِّدِهِمْ وَمُتَأَهِّبُونَ لَهَا. يَذْكُرُ: «إِنْ جَاءَ [ٱلسَّيِّدُ] فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّانِي [مِنْ حَوَالَيِ ٱلتَّاسِعَةِ مَسَاءً إِلَى مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ]، أَوْ حَتَّى فِي ٱلثَّالِثِ [مِنْ مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ إِلَى نَحْوِ ٱلثَّالِثَةِ صَبَاحًا]، وَوَجَدَهُمْ هٰكَذَا [مُسْتَعِدِّينَ]، فَيَا لَسَعَادَتِهِمْ!». — لوقا ١٢:٣٨.
وَلٰكِنْ لَيْسَ ٱلْهَدَفُ مِنْ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ مُجَرَّدَ إِسْدَاءِ نُصْحٍ لِلْخَدَمِ أَوِ ٱلْعُمَّالِ حَوْلَ ٱلِٱجْتِهَادِ. وَيَتَّضِحُ ذٰلِكَ حِينَ يُبْرِزُ يَسُوعُ دَوْرَهُ فِي ٱلْمَثَلِ بِصِفَتِهِ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ. يَقُولُ لِتَلَامِيذِهِ: «اِبْقَوْا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لَا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ». (لوقا ١٢:٤٠) فَهُوَ سَيَأْتِي فِي وَقْتٍ مَا فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ وَيُرِيدُ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَلَا سِيَّمَا «ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ»، أَنْ يَكُونُوا عَلَى أُهْبَةِ ٱلِٱسْتِعْدَادِ.
يَرْغَبُ بُطْرُسُ أَنْ يَضَعَ ٱلنِّقَاطَ عَلَى ٱلْحُرُوفِ، فَيَسْتَفْهِمُ: «يَا رَبُّ، أَتَقُولُ هٰذَا ٱلْمَثَلَ لَنَا أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضًا؟». وَعِوَضَ أَنْ يُعْطِيَهُ يَسُوعُ جَوَابًا مُبَاشِرًا، يَرْوِي مَثَلًا آخَرَ فِي هٰذَا ٱلسِّيَاقِ قَائِلًا: «مَنْ هُوَ ٱلْوَكِيلُ ٱلْأَمِينُ ٱلْفَطِينُ، ٱلَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى هَيْئَةِ خَدَمِهِ لِيُدَاوِمَ عَلَى إِعْطَائِهِمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ ٱلطَّعَامِ فِي حِينِهَا؟ يَا لَسَعَادَةِ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ، إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ وَوَجَدَهُ يَفْعَلُ هٰكَذَا! بِٱلْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ». — لوقا ١٢:٤١-٤٤.
اِتَّضَحَ فِي ٱلْمَثَلِ ٱلْأَوَّلِ أَنَّ «ٱلسَّيِّدَ» هُوَ يَسُوعُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ. وَمَنْطِقِيًّا، يَتَأَلَّفُ «ٱلْوَكِيلُ ٱلْأَمِينُ» مِنْ أَفْرَادٍ يَنْتَمُونَ إِلَى «ٱلْقَطِيعِ ٱلصَّغِيرِ» ٱلَّذِي سَيَرِثُ ٱلْمَلَكُوتَ. (لوقا ١٢:٣٢) وَيُوضِحُ يَسُوعُ هُنَا أَنَّ أَعْضَاءً مِنْ هٰذَا «ٱلْقَطِيعِ ٱلصَّغِيرِ» سَيُعِيلُونَ «هَيْئَةَ خَدَمِهِ» رُوحِيًّا، بِإِعْطَائِهِمْ «حِصَّتَهُمْ مِنَ ٱلطَّعَامِ فِي حِينِهَا». وَبِمَا أَنَّ بُطْرُسَ وَٱلتَّلَامِيذَ ٱلْآخَرِينَ يَرَوْنَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ وَيُطْعِمُهُمْ رُوحِيًّا ٱلْآنَ، يَسْتَخْلِصُونَ حَتْمًا أَنَّ ‹ٱلْوَكِيلَ ٱلْأَمِينَ› سَيُقَامُ لَاحِقًا. فَعِنْدَ مَجِيءِ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ تَرْتِيبٌ جَارٍ لِتَزْوِيدِ أَتْبَاعِهِ، «هَيْئَةِ خَدَمِهِ»، بِٱلطَّعَامِ ٱلرُّوحِيِّ.
ثُمَّ يُبَيِّنُ يَسُوعُ بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى لِمَ عَلَى تَلَامِيذِهِ أَنْ يَبْقَوْا سَاهِرِينَ وَمُنْتَبِهِينَ. فَمِنَ ٱلْوَارِدِ أَنْ يُصْبِحُوا مُتَكَاسِلِينَ، وَقَدْ يُقَاوِمُونَ رُفَقَاءَهُمْ أَيْضًا. يُحَذِّرُهُمْ: «إِنْ قَالَ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ: ‹سَيِّدِي يَتَأَخَّرُ فِي مَجِيئِهِ›، وَٱبْتَدَأَ يَضْرِبُ ٱلْغِلْمَانَ وَٱلْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ، يَأْتِي سَيِّدُ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لَا يَتَرَقَّبُهُ وَفِي سَاعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا، وَيُعَاقِبُهُ عِقَابًا شَدِيدًا وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ غَيْرِ ٱلْأُمَنَاءِ». — لوقا ١٢:٤٥، ٤٦.
بَعْدَ ذٰلِكَ يَقُولُ: «جِئْتُ لِأُوقِدَ نَارًا عَلَى ٱلْأَرْضِ». فَهُوَ يُثِيرُ مَسَائِلَ تُشْعِلُ جِدَالَاتٍ حَامِيَةً وَتَنْسِفُ ٱلتَّعَالِيمَ وَٱلتَّقَالِيدَ ٱلْبَاطِلَةَ، مَا يُحْدِثُ شِقَاقًا حَتَّى بَيْنَ أَقْرَبِ ٱلْأَقْرَبِينَ، إِذْ «يَنْقَسِمُ ٱلْأَبُ عَلَى ٱلِٱبْنِ وَٱلِٱبْنُ عَلَى ٱلْأَبِ، وَٱلْأُمُّ عَلَى ٱلِٱبْنَةِ وَٱلِٱبْنَةُ عَلَى أُمِّهَا، وَٱلْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا وَٱلْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا». — لوقا ١٢:٤٩، ٥٣.
لَقَدْ قَصَدَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ خُصُوصًا بِكُلِّ مَا ذَكَرَهُ آنِفًا. لٰكِنَّهُ يَتَوَجَّهُ ٱلْآنَ بِحَدِيثِهِ إِلَى ٱلْجَمْعِ. فَمُعْظَمُهُمْ يَتَعَامَوْنَ بِكُلِّ عِنَادٍ عَنِ ٱلْأَدِلَّةِ ٱلَّتِي تُثْبِتُ أَنَّهُ ٱلْمَسِيَّا. فَيَقُولُ لَهُمْ: «مَتَى رَأَيْتُمْ سَحَابَةً تَطْلُعُ فِي ٱلْمَغَارِبِ، قُلْتُمْ عَلَى ٱلْفَوْرِ: ‹عَاصِفَةُ مَطَرٍ آتِيَةٌ›، فَيَكُونُ هٰكَذَا. وَمَتَى رَأَيْتُمْ رِيحًا جَنُوبِيَّةً تَهُبُّ، قُلْتُمْ: ‹سَتَكُونُ مَوْجَةُ حَرٍّ›، فَتَكُونُ. يَا مُرَاؤُونَ، تَعْرِفُونَ أَنْ تَفْحَصُوا مَظْهَرَ ٱلْأَرْضِ وَٱلسَّمَاءِ، وَأَمَّا هٰذَا ٱلْوَقْتُ ٱلْخُصُوصِيُّ، فَكَيْفَ لَا تَعْرِفُونَ أَنْ تَفْحَصُوهُ؟». (لوقا ١٢:٥٤-٥٦) فَهُمْ كَمَا يَتَّضِحُ أَبْعَدُ مَا يَكُونُ عَنِ ٱلِٱسْتِعْدَادِ وَٱلتَّرَقُّبِ.
-
-
امَّة غير تائبة تستحق الهلاكيسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٩
أُمَّةٌ غَيْرُ تَائِبَةٍ تَسْتَحِقُّ ٱلْهَلَاكَ
مَأْسَاتَانِ يُعَلِّمُ يَسُوعُ مِنْ خِلَالِهِمَا دَرْسًا مُهِمًّا
اِمْرَأَةٌ تُشْفَى مِنْ إِعَاقَتِهَا فِي ٱلسَّبْتِ
لَمْ يُوَفِّرْ يَسُوعُ جُهْدًا فِي حَفْزِ ٱلنَّاسِ عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ فِي عَلَاقَتِهِمْ بِٱللّٰهِ. وَتَسْنَحُ لَهُ فُرْصَةٌ أُخْرَى ٱلْآنَ أَثْنَاءَ حَدِيثِهِ مَعَ ٱلْجَمْعِ خَارِجَ بَيْتِ ٱلْفَرِّيسِيِّ.
فَبَعْضُهُمْ يَأْتِي عَلَى ذِكْرِ مَأْسَاةِ «ٱلْجَلِيلِيِّينَ ٱلَّذِينَ مَزَجَ [ٱلْحَاكِمُ ٱلرُّومَانِيُّ بُنْطِيُوسُ] بِيلَاطُسُ دَمَهُمْ بِدَمِ ذَبَائِحِهِمْ». (لوقا ١٣:١) فَمَا رَأْيُهُمْ فِي ذٰلِكَ؟
يُحْتَمَلُ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْجَلِيلِيِّينَ قُتِلُوا حِينَ ٱحْتَجَّ آلَافُ ٱلْيَهُودِ عَلَى ٱسْتِخْدَامِ بِيلَاطُسَ أَمْوَالًا مِنْ خِزَانَةِ ٱلْهَيْكَلِ، رُبَّمَا أَخَذَهَا بِٱلتَّعَاوُنِ مَعَ ٱلْمَسْؤُولِينَ فِيهِ، لِإِنْشَاءِ قَنَاةٍ تُوصِلُ ٱلْمَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَعَلَّ ٱلَّذِينَ يَسْرُدُونَ ٱلْحَادِثَةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ٱلْجَلِيلِيِّينَ وَاجَهُوا هٰذَا ٱلْمَصِيرَ عِقَابًا عَلَى أَعْمَالِهِمِ ٱلشِّرِّيرَةِ. لٰكِنَّ يَسُوعَ لَا يُوَافِقُهُمُ ٱلرَّأْيَ.
فَيَسْأَلُهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلْجَلِيلِيِّينَ لِأَنَّهُمْ عَانَوْا ذٰلِكَ؟». وَبَعْدَمَا يَرُدُّ بِٱلنَّفْيِ، يَسْتَغِلُّ ٱلْحَادِثَةَ لِيُحَذِّرَ ٱلْيَهُودَ قَائِلًا: «إِنْ لَمْ تَتُوبُوا، فَكُلُّكُمْ كَذٰلِكَ سَتَهْلِكُونَ». (لوقا ١٣:٢، ٣) ثُمَّ يَسْتَشْهِدُ بِمَأْسَاةٍ أُخْرَى رُبَّمَا حَصَلَتْ مُؤَخَّرًا خِلَالَ تَشْيِيدِ تِلْكَ ٱلْقَنَاةِ.
يَقُولُ: «أُولٰئِكَ ٱلثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ٱلَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمِ ٱلْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ فَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَدْيُونِينَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلنَّاسِ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟». (لوقا ١٣:٤) فَقَدْ يَظُنُّ ٱلْجَمْعُ أَنَّ هٰؤُلَاءِ مَاتُوا لِأَنَّهُمُ ٱرْتَكَبُوا شُرُورًا. غَيْرَ أَنَّ يَسُوعَ يُخَالِفُهُمُ ٱلرَّأْيَ مُجَدَّدًا. فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ «ٱلْوَقْتَ وَٱلْحَوَادِثَ غَيْرَ ٱلْمُتَوَقَّعَةِ» وَارِدَةٌ، وَإِلَيْهَا أَيْضًا تُعْزَى هٰذِهِ ٱلْمَأْسَاةُ عَلَى ٱلْأَغْلَبِ. (جامعة ٩:١١) وَلٰكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ ٱلنَّاسُ دَرْسًا مِنْ هٰذَا ٱلْحَدَثِ. يُخْبِرُهُمْ يَسُوعُ: «إِنْ لَمْ تَتُوبُوا، فَسَتَهْلِكُونَ كُلُّكُمْ مِثْلَهُمْ». (لوقا ١٣:٥) فَلِمَ يُشَدِّدُ عَلَى هٰذَا ٱلدَّرْسِ ٱلْآنَ؟
لِأَنَّهُ قَطَعَ شَوْطًا كَبِيرًا فِي خِدْمَتِهِ وَٱلتَّجَاوُبُ مَعَ رِسَالَتِهِ ضَعِيفٌ نِسْبِيًّا. وَيُوضِحُ ذٰلِكَ بِٱلْمَثَلِ ٱلتَّالِي: «كَانَ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَجَاءَ يَطْلُبُ ثَمَرًا عَلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: ‹هَا إِنَّ لِي ثَلَاثَ سِنِينَ آتِي وَأَطْلُبُ ثَمَرًا عَلَى شَجَرَةِ ٱلتِّينِ هٰذِهِ فَلَا أَجِدُ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُعَطِّلُ ٱلْأَرْضَ؟›. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: ‹يَا سَيِّدُ، ٱتْرُكْهَا هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلًا. فَإِنْ أَنْتَجَتْ ثَمَرًا فِي مَا بَعْدُ، فَذٰلِكَ حَسَنٌ، وَإِلَّا فَتَقْطَعُهَا›». — لوقا ١٣:٦-٩.
فَعَلَى مَرِّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، سَعَى يَسُوعُ لِغَرْسِ ٱلْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ ٱلْيَهُودِ. غَيْرَ أَنَّ خِدْمَتَهُ ٱلدَّؤُوبَةَ لَمْ تَأْتِ بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، إِذْ إِنَّ قَلِيلِينَ نِسْبِيًّا بَاتُوا مِنْ تَلَامِيذِهِ. مَعَ ذٰلِكَ، يُكَثِّفُ جُهُودَهُ ٱلْآنَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ مِنْ خِدْمَتِهِ، كَمَا لَوْ أَنَّهُ يَحْفِرُ حَوْلَ شَجَرَةِ ٱلتِّينِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَيُغَذِّيهَا بِٱلسَّمَادِ عَبْرَ ٱلْكِرَازَةِ وَٱلتَّعْلِيمِ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ وَبِيرْيَا. وَهَلْ مِنْ ثَمَرٍ؟ مُجَرَّدُ عَدَدٍ صَغِيرٍ مِنَ ٱلْيَهُودِ يَتَجَاوَبُونَ. فَٱلْأُمَّةُ عُمُومًا تَأْبَى أَنْ تَتُوبَ وَبِٱلتَّالِي تَسْتَحِقُّ ٱلْهَلَاكَ.
وَهٰذَا ٱلْإِمْعَانُ فِي ٱلْعِنَادِ مِنْ قِبَلِ ٱلْأَغْلَبِيَّةِ سُرْعَانَ مَا يَتَجَلَّى مُجَدَّدًا فِي ٱلسَّبْتِ. فَفِيمَا يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ ٱلْمَجَامِعِ، يَرَى ٱمْرَأَةً مُنْحَنِيَةً مُنْذُ ١٨ سَنَةً بِفِعْلِ شَيْطَانٍ. فَيَرْأَفُ بِهَا وَيَقُولُ لَهَا: «يَا ٱمْرَأَةُ، أَنْتِ فِي حِلٍّ مِنْ مَرَضِكِ». (لوقا ١٣:١٢) ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهَا، فَتَسْتَقِيمُ فِي ٱلْحَالِ وَتَرُوحُ تُمَجِّدُ ٱللّٰهَ.
وَإِذَا بِرَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ يَقُولُ مُمْتَعِضًا: «هُنَاكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي ٱلْعَمَلُ فِيهَا، فَفِي هٰذِهِ تَعَالَوْا وَٱبْرَأُوا، لَا فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ». (لوقا ١٣:١٤) فَهُوَ لَا يُنْكِرُ قُدْرَةَ يَسُوعَ عَلَى ٱلشِّفَاءِ، بَلْ يَسْتَنْكِرُ مَجِيءَ ٱلنَّاسِ لِهٰذِهِ ٱلْغَايَةِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ. فَيَرُدُّ يَسُوعُ بِحُجَّةٍ دَامِغَةٍ: «يَا مُرَاؤُونَ، أَلَا يَفُكُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ ٱلْمَرْبِطِ وَيَمْضِي بِهِ لِيَسْقِيَهُ؟ فَهٰذِهِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي هِيَ ٱبْنَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ وَقَدْ قَيَّدَهَا ٱلشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تُحَلَّ مِنْ هٰذَا ٱلْقَيْدِ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟». — لوقا ١٣:١٥، ١٦.
إِذَّاكَ يَشْعُرُ مُعَارِضُوهُ بِٱلْخِزْيِ، أَمَّا ٱلْجُمُوعُ فَتَفْرَحُ بِٱلْأُمُورِ ٱلْمَجِيدَةِ ٱلَّتِي يَفْعَلُهَا. بَعْدَ ذٰلِكَ، يُكَرِّرُ هُنَا فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ مَثَلَيْنِ نَبَوِيَّيْنِ عَنِ ٱلْمَلَكُوتِ قَالَهُمَا مِنْ عَلَى مَرْكَبٍ عِنْدَ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ. — متى ١٣:٣١-٣٣؛ لوقا ١٣:١٨-٢١.
-
-
الحظائر والراعي الفاضليسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٨٠
اَلْحَظَائِرُ وَٱلرَّاعِي ٱلْفَاضِلُ
يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلْحَظَائِرِ وَٱلرَّاعِي ٱلْفَاضِلِ
يُوَاصِلُ يَسُوعُ ٱلتَّعْلِيمَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ وَيَتَطَرَّقُ ٱلْآنَ إِلَى صُورَةٍ بَيَانِيَّةٍ مَأْلُوفَةٍ لِسَامِعِيهِ: اَلْخِرَافِ وَٱلْحَظِيرَةِ. فَلَطَالَمَا شُبِّهَ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱلَّذِينَ هُمْ تَحْتَ ٱلشَّرِيعَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ ٱلْخِرَافِ. فَلَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ كَلِمَاتِ دَاوُدَ: «يَهْوَهُ رَاعِيَّ، فَلَا يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خَصِيبَةٍ يُرْبِضُنِي». (مزمور ٢٣:١، ٢) كَذٰلِكَ مَا حَضَّ عَلَيْهِ فِي مَزْمُورٍ آخَرَ، قَائِلًا: «هَلُمَّ . . . نَجْثُو أَمَامَ يَهْوَهَ صَانِعِنَا. لِأَنَّهُ هُوَ إِلٰهُنَا، وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ». — مزمور ٩٥:٦، ٧.
إِنَّ هٰؤُلَاءِ «ٱلْخِرَافَ» هُمْ ضِمْنَ «حَظِيرَةٍ» مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ وُلِدُوا تَحْتَ عَهْدِ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ. وَهٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةُ كَانَتْ بِمَثَابَةِ سِيَاجٍ يَقِيهِمْ مِنْ رَذَائِلِ ٱلْأُمَمِ غَيْرِ ٱلْخَاضِعَةِ لِهٰذَا ٱلتَّرْتِيبِ. إِلَّا أَنَّ بَعْضَ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ أَسَاءُوا مُعَامَلَةَ رَعِيَّةِ ٱللّٰهِ. يَذْكُرُ يَسُوعُ: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ٱلَّذِي لَا يَدْخُلُ حَظِيرَةَ ٱلْخِرَافِ مِنَ ٱلْبَابِ، بَلْ يَصْعَدُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَنَاهِبٌ. وَأَمَّا ٱلَّذِي يَدْخُلُ مِنَ ٱلْبَابِ فَهُوَ رَاعِي ٱلْخِرَافِ». — يوحنا ١٠:١، ٢.
رُبَّمَا تُذَكِّرُ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ ٱلسَّامِعِينَ بِٱلدَّجَّالِينَ ٱلَّذِينَ ٱدَّعَوْا أَنَّهُمُ ٱلْمَسِيَّا، أَوِ ٱلْمَسِيحُ. فَهٰؤُلَاءِ أَشْبَهُ بِٱلسَّارِقِينَ وَٱلنَّاهِبِينَ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَتْبَعَهُمُ ٱلنَّاسُ، بَلْ يَتْبَعُوا «رَاعِيَ ٱلْخِرَافِ» ٱلَّذِي يَقُولُ عَنْهُ يَسُوعُ:
«لَهُ يَفْتَحُ ٱلْبَوَّابُ، وَٱلْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ ٱلْخَاصَّةَ بِأَسْمَائِهَا وَيُخْرِجُهَا. وَمَتَى أَخْرَجَ كُلَّ خِرَافِهِ، يَذْهَبُ أَمَامَهَا، فَتَتْبَعُهُ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. أَمَّا ٱلْغَرِيبُ فَلَا تَتْبَعُهُ أَبَدًا، بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ صَوْتَ ٱلْغُرَبَاءِ». — يوحنا ١٠:٣-٥.
فِي وَقْتٍ أَبْكَرَ، أَدَّى يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ دَوْرَ ٱلْبَوَّابِ حِينَ عَرَّفَ بِيَسُوعَ أَنَّهُ ٱلرَّاعِي ٱلَّذِي يَجِبُ أَنْ تَتْبَعَهُ «ٱلْخِرَافُ» ٱلْخَاضِعَةُ لِلشَّرِيعَةِ. وَبِٱلْفِعْلِ، فَإِنَّ عَدَدًا مِنْ هٰذِهِ ٱلْخِرَافِ، فِي ٱلْجَلِيلِ وَكَذٰلِكَ هُنَا فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ، مَيَّزَتْ صَوْتَ يَسُوعَ. فَإِلَى أَيْنَ «يُخْرِجُهَا»؟ وَمَاذَا يَحِلُّ بِهَا حِينَ تَتْبَعُهُ؟ لَعَلَّ ٱلْحَيْرَةَ تَأْخُذُ بَعْضَ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ إِلَى هٰذَا ٱلْمَثَلِ لِأَنَّهُمْ «لَمْ يَعْرِفُوا مَعْنَى مَا كَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ». — يوحنا ١٠:٦.
لِذَا يُفَسِّرُ لَهُمْ: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنَا بَابُ ٱلْخِرَافِ. جَمِيعُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا لِيَكُونُوا مَكَانِي هُمْ سَارِقُونَ وَنَاهِبُونَ، وَلٰكِنَّ ٱلْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ. أَنَا هُوَ ٱلْبَابُ. مَنْ يَدْخُلُ مِنِّي يَخْلُصُ، وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى». — يوحنا ١٠:٧-٩.
يَعْرِفُ ٱلسَّامِعُونَ أَنَّ يَسُوعَ لَيْسَ ٱلْبَابَ إِلَى عَهْدِ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّذِي مَضَتْ عَلَيْهِ قُرُونٌ. فَلَا بُدَّ أَنَّ ٱلْخِرَافَ ٱلَّتِي «يُخْرِجُهَا» سَتَدْخُلُ حَظِيرَةً أُخْرَى جَدِيدَةً. وَمَاذَا سَيُعْطِيهَا؟
يَذْكُرُ مُلْقِيًا ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلضَّوْءِ عَلَى دَوْرِهِ: «أَنَا أَتَيْتُ لِتَكُونَ لِلْخِرَافِ حَيَاةٌ وَلِتَكُونَ لَهُمْ بِوَفْرَةٍ. أَنَا هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلْفَاضِلُ، وَٱلرَّاعِي ٱلْفَاضِلُ يَبْذُلُ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ». (يوحنا ١٠:١٠، ١١) وَكَانَ قَدْ طَمْأَنَ تَلَامِيذَهُ سَابِقًا بِٱلْقَوْلِ: «لَا تَخَفْ أَيُّهَا ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ، لِأَنَّ أَبَاكُمْ رَضِيَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ ٱلْمَلَكُوتَ». (لوقا ١٢:٣٢) فَيَسُوعُ سَيَقْتَادُ ٱلَّذِينَ يُؤَلِّفُونَ «ٱلْقَطِيعَ ٱلصَّغِيرَ» إِلَى حَظِيرَةٍ جَدِيدَةٍ ‹لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَبِوَفْرَةٍ›. فَمَا أَعْظَمَ ٱلْبَرَكَةَ ٱلَّتِي يَحْظَوْنَ بِهَا!
وَلٰكِنْ فِي جَعْبَةِ يَسُوعَ ٱلْمَزِيدُ بَعْدُ. يُخْبِرُ: «لِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ، لَا بُدَّ لِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا، فَتَسْمَعُ صَوْتِي، فَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَرَاعٍ وَاحِدٌ». (يوحنا ١٠:١٦) بِمَا أَنَّ ‹ٱلْخِرَافَ ٱلْأُخَرَ› لَيْسَتْ «مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ»، أَيْ مِنَ «ٱلْقَطِيعِ ٱلصَّغِيرِ» ٱلَّذِي سَيَرِثُ ٱلْمَلَكُوتَ، فَهِيَ إِذًا مِنْ حَظِيرَةٍ أُخْرَى. وَمَعَ أَنَّ رَجَاءَ ٱلْخِرَافِ فِي هَاتَيْنِ ٱلْحَظِيرَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ، تَسْتَفِيدُ جَمِيعُهَا مِنْ دَوْرِ يَسُوعَ ٱلَّذِي يَذْكُرُ: «لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلْآبُ، لِأَنِّي أَبْذُلُ نَفْسِي». — يوحنا ١٠:١٧.
عِنْدَئِذٍ يَقُولُ كَثِيرُونَ بَيْنَ ٱلْجَمْعِ: «بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ مَجْنُونٌ»، فِي حِينِ يُظْهِرُ آخَرُونَ أَنَّهُمْ يُصْغُونَ بِٱهْتِمَامٍ وَيَرْغَبُونَ فِي ٱتِّبَاعِ ٱلرَّاعِي ٱلْفَاضِلِ. فَيُعَبِّرُونَ: «لَيْسَ هٰذَا كَلَامَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَيَسْتَطِيعُ شَيْطَانٌ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ ٱلْعُمْيَانِ؟». (يوحنا ١٠:٢٠، ٢١) وَهُمْ يُشِيرُونَ كَمَا يَتَّضِحُ إِلَى ٱلرَّجُلِ ٱلْأَعْمَى بِٱلْوِلَادَةِ ٱلَّذِي شَفَاهُ يَسُوعُ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ.
-
-
«انا والآب واحد»؟يسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٨١
«أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ»؟
«أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ»
يَسُوعُ يَدْحَضُ ٱلتُّهْمَةَ أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلّٰهِ
يَحْضُرُ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ ٱلِٱحْتِفَالِ بِعِيدِ ٱلتَّكْرِيسِ (أَوْ حَانُوكَاه) ٱلَّذِي يُحْيِي ذِكْرَى إِعَادَةِ تَكْرِيسِ ٱلْهَيْكَلِ. فَقَبْلَ مَا يَزِيدُ عَنْ قَرْنٍ، عَمَدَ ٱلْمَلِكُ ٱلسُّورِيُّ أَنْطْيُوخُوسُ ٱلرَّابِعُ أَبِيفَانُوسُ إِلَى بِنَاءِ مَذْبَحٍ وَثَنِيٍّ فَوْقَ ٱلْمَذْبَحِ ٱلْعَظِيمِ فِي هَيْكَلِ ٱللّٰهِ. وَلٰكِنْ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، ٱسْتَعَادَ أَبْنَاءُ كَاهِنٍ يَهُودِيٍّ ٱلسَّيْطَرَةَ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَأَعَادُوا تَكْرِيسَ ٱلْهَيْكَلِ لِيَهْوَهَ. وَمُذَّاكَ يُقِيمُ ٱلْيَهُودُ ٱحْتِفَالًا سَنَوِيًّا فِي ٢٥ كِسْلُو، ٱلشَّهْرِ ٱلْمُوَافِقِ لِأَوَاخِرِ تِشْرِينَ ٱلثَّانِي (نُوفَمْبِر) وَأَوَائِلِ كَانُونَ ٱلْأَوَّلِ (دِيسَمْبِر).
إِنَّهُ فَصْلُ ٱلشِّتَاءِ، وَيَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي ٱلْهَيْكَلِ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ. فَيُحِيطُ بِهِ ٱلْيَهُودُ وَيَسْأَلُونَهُ: «إِلَى مَتَى تُبْقِي نُفُوسَنَا فِي حَيْرَةٍ؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ، فَقُلْ لَنَا صَرَاحَةً». (يوحنا ١٠:٢٢-٢٤) فَيُجِيبُهُمْ: «قُلْتُ لَكُمْ، وَلٰكِنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ». لَمْ يَكْشِفْ لَهُمْ يَسُوعُ بِٱلْفَمِ ٱلْمَلْآنِ أَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ، مِثْلَمَا فَعَلَ مَعَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلسَّامِرِيَّةِ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ. (يوحنا ٤:٢٥، ٢٦) لٰكِنَّهُ أَخْبَرَهُمْ ضِمْنًا مَنْ هُوَ حِينَ ذَكَرَ: «مِنْ قَبْلِ أَنْ وُجِدَ إِبْرَاهِيمُ كُنْتُ أَنَا». — يوحنا ٨:٥٨.
فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتَنِعَ ٱلنَّاسُ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ بِمُقَارَنَةِ أَعْمَالِهِ بِمَا قَالَتِ ٱلنُّبُوَّاتُ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ سَيُنْجِزُهُ. وَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ عَيْنِهِ، أَوْصَى تَلَامِيذَهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أَلَّا يُخْبِرُوا أَحَدًا أَنَّهُ ٱلْمَسِيَّا. غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْآنَ لِهٰؤُلَاءِ ٱلْيَهُودِ ٱلْعِدَائِيِّينَ بِدُونِ لَفٍّ وَدَوَرَانٍ: «اَلْأَعْمَالُ ٱلَّتِي أَعْمَلُهَا بِٱسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. وَلٰكِنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ». — يوحنا ١٠:٢٥، ٢٦.
فَلِمَ لَا يُؤْمِنُونَ أَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ؟ يُوضِحُ: «[أَنْتُمْ] لَا تُؤْمِنُونَ، لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي. خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا وَهِيَ تَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، فَلَنْ تَهْلِكَ أَبَدًا، وَلَنْ يَخْطَفَهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. مَا أَعْطَانِي أَبِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سَائِرِ ٱلْأَشْيَاءِ». ثُمَّ يُبْرِزُ كَمْ حَمِيمَةٌ عَلَاقَتُهُ بِأَبِيهِ قَائِلًا: «أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ». (يوحنا ١٠:٢٦-٣٠) وَلٰكِنْ بِمَا أَنَّهُ هُنَا عَلَى ٱلْأَرْضِ وَأَبَاهُ فِي ٱلسَّمَاءِ، فَهُوَ حَتْمًا لَا يَعْنِي أَنَّهُمَا وَاحِدٌ حَرْفِيًّا. بَلْ هَدَفُهُمَا وَاحِدٌ؛ إِنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي رِبَاطٍ مَتِينٍ.
يُثِيرُ كَلَامُهُ هٰذَا ثَائِرَةَ ٱلْيَهُودِ، فَيَلْتَقِطُونَ مَرَّةً ثَانِيَةً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. لٰكِنَّهُ لَا يَهَابُهُمْ قَائِلًا: «أَرَيْتُكُمْ أَعْمَالًا حَسَنَةً كَثِيرَةً مِنْ عِنْدِ ٱلْآبِ. فَلِأَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟». فَيَرُدُّونَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لِأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ لِأَجْلِ تَجْدِيفٍ، لِأَنَّكَ . . . تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰهًا». (يوحنا ١٠:٣١-٣٣) غَيْرَ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَدَّعِ قَطُّ أَنَّهُ إِلٰهٌ. فَلِمَ يُوَجِّهُونَ إِلَيْهِ هٰذِهِ ٱلتُّهْمَةَ؟
لِأَنَّهُ يَنْسُبُ إِلَى نَفْسِهِ سُلُطَاتٍ هِيَ بِرَأْيِهِمْ حُكْرٌ عَلَى ٱللّٰهِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، فِي سِيَاقِ حَدِيثِهِ عَنِ «ٱلْخِرَافِ»، ذَكَرَ: «أَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً». وَهُوَ أَمْرٌ يَفُوقُ إِمْكَانَاتِ ٱلْبَشَرِ. (يوحنا ١٠:٢٨) إِلَّا أَنَّهُمْ يَتَنَاسَوْنَ ٱعْتِرَافَهُ ٱلصَّرِيحَ أَنَّ سُلْطَتَهُ هِيَ مِنَ ٱلْآبِ.
فَيَسْأَلُهُمْ لِيَدْحَضَ هٰذِهِ ٱلتُّهْمَةَ ٱلْكَاذِبَةَ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي شَرِيعَتِكُمْ [فِي ٱلْمَزْمُورِ ٨٢:٦]: ‹أَنَا قُلْتُ: «إِنَّكُمْ آلِهَةٌ»›؟ فَإِنْ دَعَا ‹آلِهَةً› أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَارَتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ . . . أَفَتَقُولُونَ لِي، أَنَا ٱلَّذِي قَدَّسَنِي ٱلْآبُ وَأَرْسَلَنِي إِلَى ٱلْعَالَمِ: ‹إِنَّكَ تُجَدِّفُ›، لِأَنِّي قُلْتُ: أَنَا ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟». — يوحنا ١٠:٣٤-٣٦.
فَإِذَا كَانَتِ ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ تَدْعُو حَتَّى ٱلْقُضَاةَ ٱلْبَشَرَ ٱلظَّالِمِينَ «آلِهَةً»، فَكَمْ بِٱلْأَحْرَى يَسُوعُ؟! كَيْفَ لَهُمْ أَنْ يَلُومُوهُ عَلَى قَوْلِهِ «أَنَا ٱبْنُ ٱللّٰهِ»؟! يَذْكُرُ يَسُوعُ نُقْطَةً إِضَافِيَّةً لِيُقْنِعَهُمْ: «إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي، فَلَا تُؤْمِنُوا بِي. وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُهَا، وَلَوْ كُنْتُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِي، فَآمِنُوا بِٱلْأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتَظَلُّوا عَارِفِينَ أَنَّ ٱلْآبَ هُوَ فِي ٱتِّحَادٍ بِي وَأَنَا فِي ٱتِّحَادٍ بِٱلْآبِ». — يوحنا ١٠:٣٧، ٣٨.
رَدًّا عَلَى ذٰلِكَ، يُحَاوِلُ ٱلْيَهُودُ ٱلْقَبْضَ عَلَيْهِ. لٰكِنَّهُ يَنْجَحُ مُجَدَّدًا فِي ٱلْإِفْلَاتِ مِنْ يَدِهِمْ. فَيُغَادِرُ أُورُشَلِيمَ وَيَتَّجِهُ عَبْرَ نَهْرِ ٱلْأُرْدُنِّ إِلَى حَيْثُ شَرَعَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ قَبْلَ نَحْوِ أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ،
-