مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ماذا عنى يسوع بقوله «اتبعني»؟‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١

      ماذا عنى يسوع بقوله «اتبعني»؟‏

      حاكم غني شاب يركع امام يسوع ويسأله سؤالا

      ‏«ماذا عليّ ان اعمل لأرث الحياة الابدية؟‏»‏

      ١،‏ ٢ ما هي افضل دعوة يمكن ان يتلقاها الشخص،‏ وأي سؤال يمكن ان نطرحه على انفسنا؟‏

      ما هي افضل دعوة تلقيتها؟‏ قد تخطر على بالك دعوة الى حضور مناسبة خصوصية،‏ ربما زفاف شخصين عزيزين جدا على قلبك.‏ او قد تتذكر يوم دُعيت الى تولي وظيفة مهمة.‏ في هذه الحال،‏ لا شك انك فرحت وشعرت ان تلبية هذه الدعوة شرف لك.‏ ولكن هنالك في الواقع دعوة افضل بكثير موجّهة اليك شخصيا،‏ دعوة تشملنا جميعا.‏ وطريقة تجاوبنا مع هذه الدعوة تغير مجرى حياتنا.‏ فهذا هو اهم خيار نقوم به على الاطلاق.‏

      ٢ فما هي هذه الدعوة؟‏ انها صادرة عن يسوع المسيح،‏ المولود الوحيد لله القادر على كل شيء.‏ وهي مسجّلة في الكتاب المقدس.‏ ففي مرقس ١٠:‏٢١ ترد عبارة يسوع:‏ «تعالَ اتبعني».‏ ورغم ان يسوع وجَّه هذه العبارة الى شخص واحد،‏ فإن انطباقها الموسّع يشمل كل واحد منا.‏ لذلك يحسن بنا ان نسأل انفسنا:‏ ‹كيف سأتجاوب؟‏›.‏ قد يبدو الجواب عن هذا السؤال بديهيا.‏ فمَن يعقل ان يرفض هذه الدعوة الرائعة؟‏!‏ من المستغرب ان معظم الناس يرفضونها.‏ فما السبب؟‏

      ٣،‏ ٤ (‏أ)‏ اية امور امتلكها الرجل الذي اقترب من يسوع ليسأله عن الحياة الابدية ربما حسده البعض عليها؟‏ (‏ب)‏ اية صفتين رائعتين ربما رآهما يسوع في الرئيس الشاب الغني؟‏

      ٣ لنأخذ مثال رجل تلقّى هذه الدعوة من يسوع مباشرة منذ نحو ٠٠٠‏,٢ سنة.‏ فهذا الرجل كان شخصا محترما جدا.‏ وقد امتلك على الاقل ثلاثة امور يرغب فيها البشر،‏ او حتى يحسدونه عليها:‏ الشباب،‏ الثروة،‏ والنفوذ.‏ فالكتاب المقدس يقول عنه انه «شاب»،‏ ‹غني جدا›،‏ و «رئيس».‏ (‏متى ١٩:‏٢٠؛‏ لوقا ١٨:‏​١٨،‏ ٢٣‏)‏ لكنَّ هذه الامور لم تكن اهمّ ما يتميز به هذا الشاب.‏ فكان قد استمع الى المعلم الكبير يسوع وأُعجب بما سمعه.‏

      ٤ ففي ايامه،‏ لم يُظهر معظم الرؤساء ليسوع الاحترام الذي يستحقه.‏ (‏يوحنا ٧:‏٤٨؛‏ ١٢:‏٤٢‏)‏ غير ان هذا الرئيس تصرف بشكل مختلف.‏ يخبرنا الكتاب المقدس:‏ «بينما [يسوع] ماضٍ في طريقه،‏ ركض اليه رجل وسقط امامه على ركبتيه وسأله:‏ ‹ايها المعلم الصالح،‏ ماذا عليّ ان اعمل لأرث الحياة الابدية؟‏›».‏ (‏مرقس ١٠:‏١٧‏)‏ لاحِظ كم كان هذا الرجل متلهفا للتكلم مع يسوع المسيح.‏ فقد ركض اليه امام الجميع،‏ تماما كما كان سيفعل اي شخص فقير او من العامة.‏ كما انه ركع باحترام امامه.‏ وهذا ما يوضح انه تحلى بالتواضع وأنه كان يدرك حاجته الروحية.‏ ويسوع كان يقدِّر هاتين الصفتين الرائعتين.‏ (‏متى ٥:‏٣؛‏ ١٨:‏٤‏)‏ فلا عجب اذًا انه «نظر اليه .‏ .‏ .‏ وشعر بمحبة نحوه».‏ (‏مرقس ١٠:‏٢١‏)‏ فكيف اجاب يسوع عن سؤال هذا الشاب؟‏

      دعوة استثنائية

      ٥ كيف اجاب يسوع الشاب الغني،‏ وكيف نعرف ان الفقر لم يكن ‹الامر الواحد› الذي ينقص هذا الشاب؟‏ (‏انظر ايضا الحاشية.‏)‏

      ٥ اظهر يسوع ان اباه سبق فأعطى معلومات عن هذا السؤال المهم حول نيل الحياة الابدية،‏ اذ اقتبس جوابه من الاسفار المقدسة.‏ فأكّد له الشاب انه يطيع الشريعة الموسوية بأمانة.‏ لكنّ يسوع ببصيرته الخارقة ذهب الى ما وراء المظهر السطحي للامور.‏ (‏يوحنا ٢:‏٢٥‏)‏ فقد ادرك ان هذا الرئيس لديه مشكلة روحية خطيرة.‏ لذلك قال له:‏ «ينقصك امر واحد».‏ وماذا كان هذا ‹الامر الواحد›؟‏ قال يسوع:‏ «اذهب،‏ بِع ما عندك وأعطِ الفقراء».‏ (‏مرقس ١٠:‏٢١‏)‏ فهل عنى ان الشخص يجب ان يكون معدما ليخدم الله؟‏ كلا،‏ بل كان يكشف امرا مهمّا جدا.‏a

      ٦ اية دعوة قدّمها يسوع،‏ وماذا كشف تجاوب الرئيس الشاب الغني عن قلبه؟‏

      ٦ وليوضح يسوع ماذا ينقص هذا الرجل،‏ اتاح له فرصة رائعة حين قال:‏ «تعالَ اتبعني».‏ تخيل:‏ ابن الله العلي دعا هو بنفسه ذلك الرجل ليتبعه.‏ كما انه وعده بمكافأة تفوق التصور عندما قال له:‏ «يكون لك كنز في السماء».‏ فهل انتهز الرئيس الشاب الغني هذه الفرصة،‏ هذه الدعوة الرائعة؟‏ تقول الرواية عنه:‏ «اغتمّ لهذا الكلام ومضى حزينا،‏ لأنه كان ذا املاك كثيرة».‏ (‏مرقس ١٠:‏​٢١،‏ ٢٢‏)‏ وهكذا كشفت كلمات يسوع غير المتوقَّعة عن مشكلة في قلب هذا الرجل.‏ فقد كان متمسكا كثيرا بممتلكاته،‏ ودون شك ايضا بالنفوذ والمركز المرافقين لها.‏ ومن المؤسف ان محبته لهذه الامور فاقت كثيرا محبته للمسيح.‏ لذلك فإن ‹الامر الواحد› الذي كان ينقصه هو محبة التضحية بالذات من كل القلب ليسوع ويهوه.‏ وبسبب افتقاره الى هذه المحبة،‏ رفض دعوة استثنائية.‏ ولكن كيف تكون انت معنيا بهذه الدعوة؟‏

      ٧ ماذا يؤكد لنا ان دعوة يسوع موجّهة الينا نحن اليوم؟‏

      ٧ لم تكن دعوة يسوع مقصورة على ذلك الرجل،‏ او على مجرد اشخاص قليلين.‏ فقد قال:‏ ‹إنْ اراد احد ان يأتي ورائي،‏ فليتبعني على الدوام›.‏ (‏لوقا ٩:‏٢٣‏)‏ لاحِظ ان ايّ شخص بإمكانه ان يتبع المسيح اذا «اراد» ذلك فعلا.‏ فالله يجتذب هؤلاء المستقيمي القلوب الى ابنه.‏ (‏يوحنا ٦:‏٤٤‏)‏ ففرصة قبول دعوة يسوع مُتاحة للجميع —‏ وليس فقط للاغنياء،‏ او الفقراء،‏ او الذين من عرق او امة معيّنة،‏ او الذين عاشوا في تلك الفترة.‏ لذلك فإن عبارة يسوع «تعالَ اتبعني» موجّهة اليك انت شخصيا.‏ ولكن ماذا يجب ان يدفعك الى اتّباع المسيح؟‏ وماذا يعني اتّباعه؟‏

      ماذا يدفعك الى اتّباع المسيح؟‏

      ٨ اية حاجة لدى البشر جميعهم،‏ ولماذا؟‏

      ٨ هنالك واقع لا يمكن انكاره:‏ لدينا حاجة ماسة الى قائد صالح.‏ ورغم ان الناس لا يعترفون جميعهم بها،‏ فهي حاجة فعلية.‏ اوحى يهوه الى نبيه ارميا ان يكتب:‏ «عرفت يا يهوه انه ليس للبشر طريقهم.‏ ليس لإنسان يمشي ان يوجّه خطواته».‏ (‏ارميا ١٠:‏٢٣‏)‏ فالبشر لا يملكون القدرة او الحق في حكم انفسهم.‏ والتاريخ البشري هو بمعظمه سجل يروي فشل القادة الاردياء.‏ (‏جامعة ٨:‏٩‏)‏ في ايام يسوع،‏ كان القادة يظلمون الشعب ويسيئون معاملتهم ويضلّونهم.‏ وقد كان وصف يسوع لحالة عامة الشعب ملائما تماما،‏ اذ قال انهم «كخراف لا راعي لها».‏ (‏مرقس ٦:‏٣٤‏)‏ ويصحّ الامر نفسه في البشر اليوم.‏ فجميعنا،‏ كمجموعة وأفراد،‏ بحاجة الى قائد يمكننا ان نثق به ونحترمه.‏ فهل يسدّ يسوع هذه الحاجة؟‏ لنستعرض في ما يلي عدة اسباب تدفعنا الى الاجابة بنعم عن هذا السؤال.‏

      ٩ ماذا يميِّز يسوع عن غيره من القادة؟‏

      ٩ اولا،‏ يسوع مختار من قبَل يهوه الله.‏ فمعظم القادة البشر يختارهم اشخاص ناقصون غالبا ما يكونون مخدوعين ويقيّمون الامور بشكل خاطئ.‏ اما يسوع فهو قائد من نوع آخر.‏ ولقبه،‏ «المسيح»،‏ يكشف لنا ذلك.‏ فهذه الكلمة،‏ مثلها مثل كلمة «المسيَّا»،‏ تعني «الممسوح».‏ فيسوع هو ممسوح،‏ اي معيّن على نحو خصوصي في مركزه المقدس،‏ من قبَل السيد الرب المتسلط على الكون.‏ قال يهوه الله لابنه:‏ «هوذا خادمي الذي اخترته،‏ حبيبي الذي عنه رضيت نفسي!‏ اضع روحي عليه».‏ (‏متى ١٢:‏١٨‏)‏ فما من احد غير خالقنا يعرف اي نوع من القادة نحن بحاجة اليه.‏ وبما ان حكمة يهوه هي مطلقة،‏ فهذا يعطينا سببا وجيها للثقة باختياره.‏ —‏ امثال ٣:‏​٥،‏ ٦‏.‏

      ١٠ لماذا مثال يسوع هو افضل مثال ليقتدي به البشر؟‏

      ١٠ ثانيا،‏ رسم يسوع لنا مثالا كاملا يحثّ على العمل.‏ ان القائد الافضل يتحلى بصفات يقدِّرها رعاياه ويمكنهم الاقتداء بها.‏ فهو يقود الآخرين بمثاله الذي يحثّهم ان يصيروا اشخاصا افضل.‏ فأية صفات تعجبك في القائد؟‏ الشجاعة؟‏ الحكمة؟‏ الرأفة؟‏ ما قولك في الصمود في وجه الصعوبات؟‏ فيما تتفحص مسلك حياة يسوع على الارض،‏ ستجد انه تحلى بكل هذه الصفات وصفات اخرى ايضا.‏ فقد امتلك كاملا كل صفات الله،‏ وبذلك صار الانعكاس التام لأبيه السماوي.‏ حقا،‏ كان انسانا كاملا بكل معنى الكلمة.‏ ففي كل عمل قام به،‏ كل كلمة قالها،‏ وكل شعور اظهره،‏ نجد مثالا جديرا بأن نقتدي به.‏ لذلك يقول الكتاب المقدس انه ترك لك ‹قدوة لتتّبع خطواته بدقة›.‏ —‏ ١ بطرس ٢:‏٢١‏.‏

      ١١ كيف برهن يسوع انه «الراعي الفاضل»؟‏

      ١١ ثالثا،‏ عاش المسيح كاملا بمقتضى ادعائه:‏ «انا هو الراعي الفاضل».‏ (‏يوحنا ١٠:‏١٤‏)‏ كان هذا التشبيه مألوفا لدى الناس في ازمنة الكتاب المقدس.‏ فالرعاة عملوا بدأب للاعتناء بالخراف التي في عهدتهم.‏ و «الراعي الفاضل» كان يضع سلامة القطيع وخيره قبل سلامته وخيره.‏ مثلا،‏ كان داود الذي تحدر منه يسوع راعيا في حداثته.‏ وقد عرّض حياته مرتَين على الاقل للخطر لصدّ هجوم وحش ضارٍ على خرافه.‏ (‏١ صموئيل ١٧:‏​٣٤-‏٣٦‏)‏ لكن يسوع فعل اكثر من ذلك من اجل أتباعه البشر،‏ اذ بذل حياته عنهم.‏ (‏يوحنا ١٠:‏١٥‏)‏ فكم قائدا يتحلى بروح التضحية بالذات هذه؟‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ بأيّ معنى يعرف الراعي خرافه،‏ وكيف تعرفه؟‏ (‏ب)‏ لماذا تريد ان تكون تحت قيادة الراعي الفاضل؟‏

      ١٢ كان يسوع «الراعي الفاضل» بطريقة اخرى ايضا.‏ قال:‏ «اعرف خرافي وخرافي تعرفني».‏ (‏يوحنا ١٠:‏١٤‏)‏ فكِّر في الصورة الكلامية التي استخدمها يسوع.‏ ففي نظر الشخص العادي،‏ يبدو القطيع مجرد مجموعة كبيرة من الخراف.‏ اما الراعي فيعرف كل خروف افراديا.‏ انه يعرف اية نعجة ستلد وتكون بحاجة الى المساعدة،‏ اي حمَل لا يزال بحاجة الى الحمل لأنه اصغر او اضعف من ان يمشي وحده،‏ وأي خروف مرض مؤخرا او أُصيب بأذى.‏ والخراف بدورها تعرف راعيها جيدا.‏ فهي تعرف صوته ولا تخلط بينه وبين صوت راعٍ آخر.‏ وعندما تميِّز في صوته نبرة تحذير او الحاح،‏ تتجاوب بسرعة.‏ وهي تتبعه حيثما يقتادها.‏ والراعي يعرف اين يقتاد خرافه.‏ فهو يعرف اين يجد وفرة من العشب الاخضر،‏ جداول مياه عذبة ونقية،‏ ومراعي آمنة.‏ كما انه يحرسها،‏ لذلك تشعر معه بالامان.‏ —‏ المزمور ٢٣‏.‏

      ١٣ أفلا ترغب في قائد كهذا؟‏ ان الراعي الفاضل له سجل لا مثيل له في معاملة أتباعه بهذه الطريقة.‏ وهو يعِد بأن يقودك الى حياة سعيدة تجلب الاكتفاء الآن ثم الى حياة ابدية.‏ (‏يوحنا ١٠:‏​١٠،‏ ١١؛‏ رؤيا ٧:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ لذلك علينا الآن ان نعرف ما يعنيه بالضبط اتّباع المسيح.‏

      ما يعنيه اتّباع المسيح

      ١٤،‏ ١٥ ليكون الشخص من أتباع المسيح،‏ لماذا لا يكفي مجرد الادعاء انه مسيحي او التعلق العاطفي بيسوع؟‏

      ١٤ يعتبر مئات ملايين الناس اليوم انفسهم بين الذين قبلوا دعوة المسيح.‏ فهم يدْعون انفسهم مسيحيين.‏ فربما هم منتمون الى الكنيسة التي عمّدهم فيها والدوهم.‏ او قد يدّعون انهم متعلقون عاطفيا بيسوع ويقبلونه كمخلص لهم.‏ ولكن هل يجعلهم ذلك من أتباعه؟‏ وهل هذا ما كان يفكر فيه يسوع عندما دعانا لنتبعه؟‏ ان الصيرورة من أتباع المسيح تشمل اكثر من ذلك بكثير.‏

      ١٥ فكّر في بلدان العالم المسيحي التي يدّعي معظم مواطنيها انهم أتباع للمسيح.‏ فهل يعكس العالم المسيحي تعاليم يسوع؟‏ ام هل نرى في هذه البلدان البغض،‏ القمع،‏ الجريمة،‏ والظلم كما في باقي بلدان العالم؟‏ قال القائد الهندوسي المحترم موهانداس غاندي:‏ «ما من احد على حد علمي صنع خيرا الى الانسانية اكثر من يسوع.‏ حقا،‏ لا عيب مطلقا في المسيحية».‏ ولكنه اضاف:‏ «العيب هو فيكم انتم المسيحيين.‏ فأنتم لا تعيشون البتة بموجب تعاليمكم».‏

      ١٦،‏ ١٧ ماذا ينقص المدّعين المسيحية في اغلب الاحيان،‏ وماذا يميِّز أتباع المسيح الحقيقيين؟‏

      ١٦ قال يسوع ان أتباعه الحقيقيين سيُعرفون بشكل رئيسي من خلال اعمالهم وليس بواسطة كلماتهم او اسم الدين الذي يطلقونه على انفسهم.‏ فقد قال:‏ «ليس كل من يقول لي:‏ ‹يا رب،‏ يا رب›،‏ يدخل ملكوت السموات،‏ بل الذي يعمل مشيئة ابي الذي في السموات».‏ (‏متى ٧:‏٢١‏)‏ ولكن لماذا لا يعمل كثيرون ممن يدّعون ان يسوع هو ربّهم مشيئة ابيه؟‏ تذكَّر ما كان ينقص الرئيس الشاب الغني.‏ كذلك فإن ما ‹ينقص› المدّعين المسيحية هو في اغلب الاحيان «امر واحد»:‏ المحبة من كل النفس ليسوع وللذي ارسله.‏

      ١٧ كيف ذلك؟‏ ألا يدّعي الملايين الذين يدْعون انفسهم مسيحيين انهم يحبون المسيح؟‏ بلى.‏ لكنَّ محبة يسوع ويهوه لا تقتصر على الكلمات.‏ قال يسوع:‏ «إنْ احبني احد يحفظ كلمتي».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٢٣‏)‏ وقال ايضا حين شبَّه نفسه براعٍ:‏ «خرافي تسمع صوتي،‏ وأنا اعرفها وهي تتبعني».‏ (‏يوحنا ١٠:‏٢٧‏)‏ نعم،‏ ان المقياس الحقيقي لمحبتنا للمسيح ليس كلماتنا او مشاعرنا فقط،‏ بل بشكل رئيسي اعمالنا.‏

      ١٨،‏ ١٩ (‏أ)‏ كيف ينبغي ان يؤثر فينا التعلم عن يسوع؟‏ (‏ب)‏ ما هو هدف هذا الكتاب،‏ وكيف يفيد الذين اعتبروا انفسهم منذ وقت طويل انهم أتباع للمسيح؟‏

      ١٨ وأعمالنا تعكس في الواقع ما نحن عليه من الداخل.‏ فمن هنا ينبغي ان نبدأ بالعمل.‏ قال يسوع:‏ «هذا يعني الحياة الابدية:‏ ان يستمروا في نيل المعرفة عنك،‏ انت الاله الحق الوحيد،‏ وعن الذي ارسلته،‏ يسوع المسيح».‏ (‏يوحنا ١٧:‏٣‏)‏ فإذا اخذنا المعرفة الدقيقة عن يسوع وتأملنا فيها،‏ فسيؤثر ذلك في قلبنا.‏ وستزداد محبتنا له،‏ وتنمو فينا رغبة اكبر لاتّباعه باستمرار.‏

      ١٩ وهذا هو غرض هذا الكتاب.‏ فهو لا يهدف الى اعطاء ملخّص كامل لحياة يسوع وخدمته،‏ بل الى مساعدتنا ان نرى بأكثر وضوح كيف نتبعه.‏b انه مصمّم لمساعدتنا على النظر في مرآة الاسفار المقدسة وسؤال انفسنا:‏ ‹هل اتبع يسوع فعلا؟‏›.‏ (‏يعقوب ١:‏​٢٣-‏٢٥‏)‏ فلربما اعتبرت نفسك منذ وقت طويل خروفا يقوده الراعي الفاضل.‏ ولكن ألا توافق ان هنالك دائما طرائق كثيرة لتحسين انفسنا؟‏ يحثنا الكتاب المقدس:‏ «داوموا على امتحان انفسكم هل انتم في الايمان،‏ داوموا على اختبار انفسكم».‏ (‏٢ كورنثوس ١٣:‏٥‏)‏ فمن الجدير بالعناء ان نتأكد ان من يرشدنا هو الراعي الفاضل المحب يسوع الذي عيّنه يهوه نفسه ليقودنا.‏

      ٢٠ ماذا سنناقش في الفصل التالي؟‏

      ٢٠ لذلك نرجو ان يساعدك هذا الكتاب على تقوية محبتك ليسوع ويهوه.‏ وإذ ترشدك هذه المحبة في حياتك،‏ ستشعر بأعظم سلام واكتفاء ممكنين في هذا العالم القديم،‏ وستعيش لتسبّح يهوه الى الابد لأنه ارسل الينا الراعي الفاضل.‏ ولا شك ان درسنا لحياة المسيح يجب ان يكون مبنيا على الاساس السليم.‏ لذلك من الملائم ان نناقش في الفصل ٢ دور يسوع في قصد يهوه الكوني.‏

  • ‏«الطريق والحق والحياة»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٢

      ‏«الطريق والحق والحياة»‏

      عائلة تتبع يسوع على الطريق

      ‏«اتبعني»‏

      ١،‏ ٢ لماذا الاقتراب الى يهوه مستحيل دون مساعدة،‏ وماذا فعل يسوع المسيح لنا في هذا المجال؟‏

      هل ضللت سبيلك ذات مرة؟‏ ربما تتذكر انك كنت ذاهبا يوما لزيارة صديق او قريب لك ولم تهتدِ الى الطريق الذي يجب ان تسلكه،‏ فابتدأت تسير في طريق لا تعرفه.‏ وربما توقفت لتطلب من احد ان يدلّك على الاتجاه الصحيح.‏ تخيّل انك التقيت شخصا مُحسنا،‏ وبدلا من ان يدلّك فقط على الاتجاه الصحيح،‏ يقول لك:‏ «اتبعني،‏ سآ‌خذك الى هناك».‏ فكيف يكون شعورك؟‏ ألا تشعر براحة كبيرة؟‏

      ٢ يمكننا القول ان يسوع المسيح فعل لنا امرا مماثلا.‏ فمن المستحيل الاقتراب الى الله دون مساعدة.‏ فبسبب الخطية والنقص الموروثين،‏ ضلّ الجنس البشري سبيله،‏ وصار ‹مبعَدا عن حياة الله›.‏ (‏افسس ٤:‏​١٧،‏ ١٨‏)‏ لذلك نحن بحاجة ان يدلّنا احد على الاتجاه الصحيح.‏ ومثالنا يسوع (‏الشخص المُحسن)‏ لا يقدِّم لنا النصائح والارشادات فقط.‏ فكما رأينا في الفصل ١‏،‏ يدعونا يسوع قائلا:‏ «تعالَ اتبعني».‏ (‏مرقس ١٠:‏٢١‏)‏ وهو يعطينا سببا مقنعا لنقبل هذه الدعوة.‏ فقد قال ذات مرة:‏ «انا الطريق والحق والحياة.‏ لا يأتي احد الى الآب إلا بي».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٦‏)‏ فلنستعرض الآن بعض الاسباب التي توضح لماذا لا يمكن الاقتراب الى الآب إلا بواسطة الابن.‏ ثم على اساس هذه الاسباب،‏ سنناقش كيف يكون يسوع «الطريق والحق والحياة».‏

      دور بارز في قصد يهوه

      ٣ لماذا يلزم ان يكون الاقتراب الى الله بواسطة يسوع؟‏

      ٣ بادئ ذي بدء،‏ لا يمكن الاقتراب الى الله إلا بواسطة يسوع لأن يهوه رأى من الملائم ان يعطي ابنه الدور الابرز.‏a فقد جعله الشخصية الرئيسية في إنجاز كل مقاصده.‏ (‏٢ كورنثوس ١:‏٢٠؛‏ كولوسي ١:‏​١٨-‏٢٠‏)‏ ولفهم الدور البارز الذي يلعبه الابن،‏ يلزم ان نتأمل في ما حدث في جنة عدن،‏ حيث انضم الزوجان البشريان الاولان الى الشيطان في التمرد على يهوه.‏ —‏ تكوين ٢:‏​١٦،‏ ١٧؛‏ ٣:‏​١-‏٦‏.‏

      ٤ اية قضية انشأها التمرد في عدن،‏ وماذا قرّر يهوه ان يفعل لبتّها؟‏

      ٤ انشأ التمرد في عدن قضية ذات اهمية كونية:‏ هل يمارس يهوه الله حكمه على مخلوقاته بشكل صائب؟‏ ولبتّ هذه القضية الحيوية،‏ قرّر يهوه ان يرسل ابنا روحانيا كاملا الى الارض.‏ كانت مهمة هذا الابن ذات اهمية قصوى:‏ بذْل حياته لتبرئة سلطان يهوه ولتقديم ذبيحة لإنقاذ الجنس البشري.‏ وبقاء الابن المختار امينا حتى الموت كان سيجعل حلّ كل المشاكل التي انشأها تمرد الشيطان امرا ممكنا.‏ (‏عبرانيين ٢:‏​١٤،‏ ١٥؛‏ ١ يوحنا ٣:‏٨‏)‏ لكنّ يهوه كان لديه ربوات من الابناء الروحانيين الكاملين.‏ (‏دانيال ٧:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فأيّ ابن اختاره ليقوم بهذا التعيين البالغ الاهمية؟‏ لقد اختار «الابن،‏ مولوده الوحيد»،‏ الابن الذي صار يُدعى لاحقا يسوع المسيح.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٦‏.‏

      ٥،‏ ٦ كيف برهن يهوه انه يثق بابنه،‏ وعلامَ كانت هذه الثقة مبنية؟‏

      ٥ هل من المستغرب ان يقوم يهوه بهذا الاختيار؟‏ كلا.‏ فالآب كانت لديه ثقة مطلقة بابنه،‏ مولوده الوحيد.‏ فقبل قرون من مجيء ابنه الى الارض،‏ انبأ بأنه سيبقى وليّا رغم كل العذاب الذي يتعرض له.‏ (‏اشعيا ٥٣:‏​٣-‏٧،‏ ١٠-‏١٢؛‏ اعمال ٨:‏​٣٢-‏٣٥‏)‏ تأمل في ما يعنيه ذلك.‏ كسائر المخلوقات العاقلة،‏ تمتع الابن بالارادة الحرة،‏ اذ كانت لديه القدرة على اختيار المسلك الذي يريده.‏ رغم ذلك،‏ امتلك يهوه ثقة كبيرة به حتى انه انبأ مسبقا بأمانته.‏ فعلامَ كانت هذه الثقة مبنية؟‏ على المعرفة.‏ فيهوه يعرف ابنه معرفة لصيقة ويعرف كم يريد ابنه ان يرضيه.‏ (‏يوحنا ٨:‏٢٩؛‏ ١٤:‏٣١‏)‏ فالابن يحب اباه،‏ ويهوه بدوره يحب ابنه.‏ (‏يوحنا ٣:‏٣٥‏)‏ والمحبة التي يكنّها الآب والابن واحدهما للآخر تخلق بينهما رباط وحدة وثقة لا ينثلم.‏ —‏ كولوسي ٣:‏١٤‏.‏

      ٦ لذلك نظرا الى الدور البارز الذي يلعبه الابن،‏ ثقة الآب به،‏ والمحبة التي تربط بينهما،‏ فهل هو غريب ألا يكون الاقتراب الى الله ممكنا إلا بواسطة يسوع؟‏ ولكن هنالك سبب آخر يجعل الابن الشخص الوحيد الذي يمكن ان يقودنا الى الآب.‏

      الابن فقط يعرف الآب تماما

      ٧،‏ ٨ لماذا تمكّن يسوع من القول بالصواب ان لا احد يعرف الآب تماما «إلا الابن»؟‏

      ٧ اذا اردنا الاقتراب الى يهوه،‏ فهنالك مطالب معيّنة علينا بلوغها.‏ (‏مزمور ١٥:‏​١-‏٥‏)‏ ومَن يعرف اكثر من الابن ما هو مطلوب لبلوغ مقاييس الله ونيل رضاه؟‏!‏ قال يسوع:‏ «كلّ شيء قد سُلِّم اليّ من ابي،‏ وليس احد يعرف الابن تماما إلا الآب،‏ وليس احد يعرف الآب تماما إلا الابن،‏ ومن اراد الابن ان يكشفه له».‏ (‏متى ١١:‏٢٧‏)‏ فلنرَ الآن لماذا تمكّن يسوع من القول بالصواب ودون مبالغة ان لا احد يعرف الآب تماما «إلا الابن».‏

      ٨ بما ان الابن هو «بكر كل خليقة»،‏ فهو يتمتع بعلاقة حميمة فريدة من نوعها مع يهوه.‏ (‏كولوسي ١:‏١٥‏)‏ تخيّل العلاقة اللصيقة التي نشأت بين الآب والابن على مرّ دهور طويلة حين لم يكن احد سواهما —‏ من بزوغ فجر الخليقة حتى صنْع المخلوقات الروحانية الاخرى.‏ (‏يوحنا ١:‏٣؛‏ كولوسي ١:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ فكِّر في الفرصة الثمينة التي امتلكها الابن وهو مع ابيه،‏ اذ كان يتلقن افكار ابيه ويتعلم مشيئته ومقاييسه وطرقه.‏ حقا،‏ لا نبالغ حين نقول ان يسوع يعرف اباه اكثر من ايّ شخص آخر.‏ فهذه العلاقة اللصيقة مكّنت يسوع دون شك من الكشف عن صفات ابيه كما لم يكشفها احد سواه قط.‏

      ٩،‏ ١٠ (‏أ)‏ كيف كشف يسوع عن صفات ابيه؟‏ (‏ب)‏ ماذا يجب ان نفعل كي نحظى برضى يهوه؟‏

      ٩ عكست تعاليم يسوع معرفته الدقيقة لطريقة تفكير يهوه وشعوره وما يطلبه من عبّاده.‏b لكنَّ يسوع كشف عن صفات ابيه بطريقة اخرى ايضا تعكس معرفته الدقيقة.‏ قال:‏ «من رآني فقد رأى الآب ايضا».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ فيسوع اقتدى بأبيه في كل ما قاله وفعله.‏ لذلك عندما نقرأ في الكتاب المقدس عن يسوع —‏ الكلمات المؤثرة والمُسرّة التي استخدمها في تعليمه،‏ الرأفة التي دفعته الى شفاء الآخرين،‏ والتعاطف الذي جعله يذرف الدموع —‏ يمكننا ان نتخيل يهوه يقول ويفعل هذه الامور.‏ (‏متى ٧:‏​٢٨،‏ ٢٩؛‏ مرقس ١:‏​٤٠-‏٤٢؛‏ يوحنا ١١:‏​٣٢-‏٣٦‏)‏ فقد كُشفت طرق ومشيئة الآب كاملا من خلال كلمات وأعمال الابن.‏ (‏يوحنا ٥:‏١٩؛‏ ٨:‏٢٨؛‏ ١٢:‏​٤٩،‏ ٥٠‏)‏ لذلك كي نحظى برضى يهوه،‏ يلزم ان نتبع تعاليم يسوع ونقتدي بمثاله.‏ —‏ يوحنا ١٤:‏٢٣‏.‏

      ١٠ بما ان يسوع يعرف يهوه معرفة لصيقة ويقتدي به بشكل كامل،‏ فليس من المستغرب اذًا ان يختار يهوه الابن ليكون الوسيلة للاقتراب اليه.‏ وإذ نبقي في بالنا لماذا لا يمكننا ان نأتي الى يهوه إلا بواسطة يسوع،‏ لنناقش الآن معنى كلمات يسوع:‏ «انا الطريق والحق والحياة.‏ لا يأتي احد الى الآب إلا بي».‏ —‏ يوحنا ١٤:‏٦‏.‏

      ‏«انا الطريق»‏

      ١١ (‏أ)‏ لماذا لا يمكننا نيل علاقة مقبولة مع الله إلا بواسطة يسوع؟‏ (‏ب)‏ كيف تشدِّد الكلمات في يوحنا ١٤:‏٦ على مركز يسوع الفريد من نوعه؟‏ (‏انظر الحاشية.‏)‏

      ١١ كما تعلّمنا،‏ لا يمكننا الاقتراب الى الله إلا بواسطة يسوع.‏ ولكن لنتأمل الآن بالتحديد ما يعنيه ذلك لنا.‏ فيسوع هو «الطريق» بمعنى انه لا يمكننا نيل علاقة مقبولة مع الله إلا بواسطته.‏ لماذا؟‏ بقي يسوع امينا حتى الموت،‏ وهكذا بذل حياته ذبيحة فدائية.‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨‏)‏ ودون تدبير الفدية هذا،‏ يستحيل علينا ان نقترب الى الله.‏ فالخطية هي حاجز بين البشر والله،‏ لأن يهوه قدوس وبالتالي لا يمكن ابدا ان يوافق على الخطية.‏ (‏اشعيا ٦:‏٣؛‏ ٥٩:‏٢‏)‏ غير ان ذبيحة يسوع ازالت هذا الحاجز،‏ اذ زوّدت التغطية او التكفير اللازم عن الخطية.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏١٢؛‏ ١ يوحنا ١:‏٧‏)‏ فإذا قبلنا تدبير الله بواسطة المسيح وآمنّا به،‏ ننال رضى يهوه.‏ فما من طريقة اخرى ‹لنتصالح مع الله›.‏c —‏ روما ٥:‏​٦-‏١١‏.‏

      ١٢ كيف يكون يسوع «الطريق»؟‏

      ١٢ ويسوع هو «الطريق» في ما يتعلق بالصلاة.‏ فبواسطة يسوع فقط يمكننا الاقتراب الى يهوه بالصلاة ونحن على يقين من ان طلباتنا المخلصة ستُستجاب.‏ (‏١ يوحنا ٥:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ قال يسوع:‏ «إنْ سألتم الآب شيئا،‏ يعطيكم اياه باسمي .‏ .‏ .‏ اسألوا تنالوا،‏ ليكون فرحكم تاما».‏ (‏يوحنا ١٦:‏​٢٣،‏ ٢٤‏)‏ فمن الملائم ان نقترب في الصلاة الى يهوه باسم يسوع وندعو الله «ابانا».‏ (‏متى ٦:‏٩‏)‏ ويسوع هو «الطريق» ايضا من خلال مثاله.‏ فكما ذكرنا آنفا،‏ اقتدى يسوع بأبيه كاملا.‏ ومثاله يُظهر لنا مسلك الحياة الذي يرضي يهوه.‏ لذلك علينا ان نتبع خطوات يسوع اذا اردنا الاقتراب الى يهوه.‏ —‏ ١ بطرس ٢:‏٢١‏.‏

      ‏«انا .‏ .‏ .‏ الحق»‏

      ١٣،‏ ١٤ (‏أ)‏ كيف كان يسوع صادقا في كلامه؟‏ (‏ب)‏ ماذا كان على يسوع ان يفعل ليكون «الحق»،‏ ولماذا؟‏

      ١٣ كان يسوع يتكلم دائما بالحق عن كلمة ابيه النبوية.‏ (‏يوحنا ٨:‏​٤٠،‏ ٤٥،‏ ٤٦‏)‏ فلم يوجد قط في فمه خداع.‏ (‏١ بطرس ٢:‏٢٢‏)‏ حتى مقاوموه اعترفوا انه علّم «طريق الله انسجاما مع الحق».‏ (‏مرقس ١٢:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ ولكن عندما قال يسوع «انا .‏ .‏ .‏ الحق»،‏ لم يُشِرْ فقط الى انه عرَّف بالحق في كلامه وكرازته وتعليمه.‏ فقد شمل ذلك اكثر من مجرد التكلم بالحق.‏

      ١٤ تذكَّر انه قبل قرون كان يهوه قد اوحى الى كتبة الكتاب المقدس ان يسجّلوا عشرات النبوات عن المسيَّا،‏ او المسيح.‏ وقد انبأت هذه النبوات بتفاصيل عن حياته،‏ خدمته،‏ وموته.‏ اضافة الى ذلك،‏ احتوت الشريعة الموسوية على ظلال،‏ او نماذج نبوية،‏ اشارت الى المسيَّا.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏١‏)‏ فهل كان يسوع سيبقى امينا حتى الموت،‏ متمِّما بذلك كل الامور المنبإ بها عنه؟‏ بهذه الطريقة فقط كان سيُبرهَن ان يهوه هو اله النبوة الحقة.‏ وكانت مسؤولية البرهان على ذلك ملقاة على عاتق يسوع.‏ فبمسلك حياته —‏ كل كلمة قالها وكل عمل قام به —‏ جعل كلمة يهوه النبوية تصير حقيقة ملموسة.‏ (‏٢ كورنثوس ١:‏٢٠‏)‏ وهكذا،‏ كان يسوع «الحق»،‏ اذ انه جسّد النماذج النبوية.‏ —‏ يوحنا ١:‏١٧؛‏ كولوسي ٢:‏​١٦،‏ ١٧‏.‏

      ‏«انا .‏ .‏ .‏ الحياة»‏

      ١٥ ماذا تعني ممارسة الايمان بالابن،‏ وإلامَ يؤدي ذلك؟‏

      ١٥ ان يسوع هو «الحياة» بمعنى انه لا يمكننا إلا بواسطته ان ننال الحياة —‏ «الحياة الحقيقية».‏ (‏١ تيموثاوس ٦:‏١٩‏)‏ يقول الكتاب المقدس:‏ «الذي يمارس الايمان بالابن له حياة ابدية،‏ والذي يعصي الابن لن يرى حياة،‏ بل يستقر عليه سخط الله».‏ (‏يوحنا ٣:‏٣٦‏)‏ فماذا تعني ممارسة الايمان بابن الله؟‏ يعني ذلك الاقتناع بأنه لا يمكننا نيل الحياة إلا بواسطته.‏ كما يعني ان نبرهن عن ايماننا بأعمالنا،‏ نستمر في التعلم من يسوع،‏ ونبذل قصارى جهدنا لاتّباع تعاليمه ومثاله.‏ (‏يعقوب ٢:‏٢٦‏)‏ وهكذا،‏ تؤدي ممارسة الايمان بابن الله الى الحياة الابدية —‏ الحياة الروحانية الخالدة في السماء ‹للقطيع الصغير› من المسيحيين الممسوحين والحياة البشرية الكاملة على ارض فردوسية ‹للجمع الكثير› من ‹الخراف الاخر›.‏ —‏ لوقا ١٢:‏٣٢؛‏ ٢٣:‏٤٣؛‏ رؤيا ٧:‏​٩-‏١٧؛‏ يوحنا ١٠:‏١٦‏.‏

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ كيف يكون يسوع «الحياة» للذين ماتوا؟‏ (‏ب)‏ اية ثقة لدينا؟‏

      ١٦ ولكن ماذا سيحدث للذين ماتوا؟‏ ان يسوع هو «الحياة» لهم ايضا.‏ فقبيل إقامة صديقه لعازر من الاموات،‏ قال لأخت لعازر مرثا:‏ «انا القيامة والحياة.‏ من يمارس الايمان بي،‏ ولو مات فسيحيا».‏ (‏يوحنا ١١:‏٢٥‏)‏ فيهوه قد عهد الى ابنه ‹بمفاتيح الموت وهادس›،‏ اذ منحه القدرة على الاقامة.‏ (‏رؤيا ١:‏​١٧،‏ ١٨‏)‏ وبهذه المفاتيح،‏ سيفتح يسوع الممجَّد ابواب هادس ويحرِّر بالتالي كل المحتجزين في المدفن العام للجنس البشري.‏ —‏ يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏.‏

      ١٧ «انا الطريق والحق والحياة».‏ بهذه العبارة البسيطة لخّص يسوع القصد من حياته وخدمته على الارض.‏ وهذه الكلمات ذات مغزى لنا اليوم.‏ تذكَّر انه تابع قائلا:‏ «لا يأتي احد الى الآب إلا بي».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٦‏)‏ وكلمات يسوع تنطبق اليوم تماما كما كانت حين تفوّه بها.‏ لذلك يمكننا الثقة بشكل مطلق انه اذا اتّبعنا يسوع،‏ فلن نضلّ سبيلنا ابدا.‏ فهو،‏ ولا احد غيره،‏ مَن سيُرينا الطريق «الى الآب».‏

      كيف ستتجاوب؟‏

      ١٨ ماذا يشمل كوننا أتباعا حقيقيين للمسيح؟‏

      ١٨ نظرا الى دور يسوع البارز ومعرفته اللصيقة لأبيه،‏ لدينا سبب وجيه لنتبع الابن.‏ وكما رأينا في الفصل السابق،‏ يشمل كوننا أتباعا حقيقيين ليسوع الاعمال،‏ وليس مجرد الكلمات او المشاعر.‏ فاتّباع المسيح يشمل تكييف حياتنا مع النموذج الذي وضعه من خلال تعاليمه ومثاله.‏ (‏يوحنا ١٣:‏١٥‏)‏ والكتاب المساعد على درس الكتاب المقدس الذي تقرأه الآن يمكن ان يساعدك في مسعاك هذا.‏

      ١٩،‏ ٢٠ ماذا يحتوي هذا الكتاب المساعد على درس الكتاب المقدس،‏ مما يساعدك في مسعاك ان تتبع المسيح؟‏

      ١٩ في الفصول التالية،‏ سنتفحص عن كثب حياة يسوع وخدمته.‏ وهذه الفصول مقسّمة الى ثلاثة اجزاء.‏ اولا،‏ سنلقي نظرة شاملة على صفاته وطرقه.‏ ثانيا،‏ سنتفحص مثاله الغيور في الخدمة والتعليم.‏ وثالثا،‏ سنناقش كيف اعرب عن المحبة.‏ وابتداء من الفصل ٣‏،‏ سندرج اطارا تعليميا بعنوان «كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏».‏ والآيات والاسئلة التي يحتويها هذا الاطار مصمّمة لمساعدتنا على التأمل كيف يمكننا الاقتداء بيسوع قولا وعملا.‏

      ٢٠ بفضل يهوه الله،‏ لن تضلّ سبيلك وتصير مُبعدا عنه بسبب الخطية الموروثة.‏ فقد دفع ثمنا باهظا،‏ اذ احبنا وأرسل ابنه ليُظهِر لنا الطريق كي نحظى بعلاقة مقبولة معه.‏ (‏١ يوحنا ٤:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فنأمل ان تندفع الى التجاوب مع هذه المحبة العظيمة بقبول وتلبية دعوة يسوع:‏ «اتبعني».‏ —‏ يوحنا ١:‏٤٣‏.‏

      a ان دور يسوع بارز جدا حتى ان الكتاب المقدس يطلق عليه عددا من الاسماء والالقاب النبوية.‏ —‏ انظر الاطار في الصفحة ٢٣‏.‏

      b على سبيل المثال،‏ انظر كلمات يسوع المسجلة في متى ١٠:‏​٢٩-‏٣١؛‏ ١٨:‏​١٢-‏١٤،‏ ٢١-‏٣٥؛‏ ٢٢:‏​٣٦-‏٤٠‏.‏

      c في يوحنا ١٤:‏٦‏،‏ يشدِّد استعمال ضمير المتكلم «انا» مع اداة التعريف «ال» على مركز يسوع الفريد:‏ الطريق،‏ الشخص الوحيد الذي يمكننا بواسطته ان نقترب الى الآب.‏

      بعض الالقاب التي تُطلَق على يسوع المسيح

      الآمين (‏التي تعني ايضا «ليكن كذلك» او «بالتأكيد»)‏.‏ فهو الشخص الذي بواسطته يجري ضمان إتمام وعود الله.‏ —‏ ٢ كورنثوس ١:‏​١٩،‏ ٢٠‏.‏

      الاب الابدي.‏ فقد اعطاه يهوه القدرة والسلطة ان يمنح البشر رجاء الحياة الابدية الكاملة على الارض.‏ —‏ اشعيا ٩:‏٦‏.‏

      رئيس الكهنة.‏ فبإمكانه تطهيرنا من الخطية وتحريرنا من آثارها المميتة.‏ —‏ عبرانيين ٣:‏١؛‏ ٩:‏​١٣،‏ ١٤،‏ ٢٥،‏ ٢٦‏.‏

      ملك الملوك.‏ فيسوع هو الملك السماوي المعيَّن من قبل الله.‏ لذلك فإنه اقوى من ايّ حاكم ارضي.‏ —‏ رؤيا ١٧:‏١٤‏.‏

      رئيس السلام.‏ فيسوع هو الحاكم في ملكوت الله.‏ لذلك سيجعل السلام الابدي يحلّ حول العالم.‏ —‏ اشعيا ٩:‏٦‏.‏

      المشير العجيب.‏ فمشورة يسوع هي دائما عملية وكاملة.‏ واتّباعها يؤدي الى الخلاص.‏ —‏ اشعيا ٩:‏٦؛‏ يوحنا ٦:‏٦٨‏.‏

      الكلمة.‏ فهو الناطق بلسان يهوه.‏ —‏ يوحنا ١:‏١‏.‏

  • ‏«اني .‏.‏.‏ متضع القلب»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٣

      ‏«اني .‏ .‏ .‏ متضع القلب»‏

      يسوع يركب على حمار؛‏ الناس يلوِّحون بأغصان من أشجار النخيل ويفرشون الثياب وأغصان الأشجار على الطريق

      ‏«هوذا ملكك يأتي اليك»‏

      ١-‏٣ كيف دخل يسوع الى اورشليم،‏ ولماذا ربما استغرب البعض بين الجموع؟‏

      الناس في اورشليم متحمسون جدا.‏ فثمة رجل عظيم قادم اليهم!‏ لذلك يجتمعون على طول الطريق خارج اورشليم.‏ وهم ينتظرون قدومه على احرّ من الجمر،‏ فالبعض يقولون انه وريث الملك داود وحاكم اسرائيل الشرعي.‏ لذلك يجلب عدد منهم سَعَف النخل للتلويح بها عند استقباله؛‏ اما آخرون فيفرشون ارديتهم وأغصان الاشجار في الطريق ليمهّدوا له السبيل.‏ (‏متى ٢١:‏​٧،‏ ٨؛‏ يوحنا ١٢:‏​١٢،‏ ١٣‏)‏ وعلى الارجح،‏ كثيرون يتساءلون كيف سيكون دخوله الى المدينة.‏

      ٢ ربما يتوقع البعض منهم عرضا مهيبا.‏ فلا شك انهم سمعوا عن دخول اشخاص مهمّين بهذه الطريقة.‏ مثلا،‏ عندما نصّب ابشالوم بن داود نفسه ملكا،‏ جعل خمسين رجلا يركضون امام مركبته.‏ (‏٢ صموئيل ١٥:‏​١،‏ ١٠‏)‏ كما ان الحاكم الروماني يوليوس قيصر اتى بأبهة اكبر ايضا حين قاد موكب نصر الى الكابيتول في روما،‏ اذ كان محاطا بـ‍ ٤٠ من الفيلة التي تحمل المصابيح.‏ إلا ان الرجل الذي يترقّب الناس دخوله الى اورشليم هو اعظم بكثير.‏ فهذا الرجل هو المسيَّا،‏ اعظم انسان عاش على الاطلاق،‏ سواء ادركت الجموع ذلك ام لا.‏ لكنَّ البعض يُفاجأون عندما يدخل هذا الملك المقبل.‏

      ٣ فهم لا يرون مركبة،‏ او اشخاصا يركضون،‏ او احصنة،‏ او فيلة.‏ فيسوع يركب على دابة وضيعة،‏ على حمار.‏a ومظهره ومظهر الدابة ليس مبهرجا.‏ فبدلا من سرج باهظ الثمن،‏ وضع اثنان من أتباعه الاحماء بعض الاردية على ظهر الدابة.‏ فلماذا يختار يسوع ان يدخل اورشليم بهذه الطريقة المتواضعة في حين ان رجالا اقل شأنا منه اصرّوا على عظمة وأبهة اكبر؟‏

      ٤ ماذا انبأ الكتاب المقدس عن طريقة دخول الملك المسيّاني الى اورشليم؟‏

      ٤ بدخول اورشليم بهذه الطريقة،‏ يتمِّم يسوع النبوة التالية:‏ «افرحي جدا .‏ .‏ .‏ واهتفي هتاف النصر يا بنت اورشليم.‏ هوذا ملكك يأتي اليك.‏ هو بار مخلَّص،‏ متواضع وراكب على حمار».‏ (‏زكريا ٩:‏٩‏)‏ فقد اظهرت هذه النبوة ان المسيَّا،‏ الممسوح من قبل الله،‏ سيُظهِر نفسه ذات يوم لشعب اورشليم كملك معيّن من الله.‏ كما ان طريقة إظهار نفسه،‏ بما في ذلك اختيار الدابة التي يركبها،‏ كانت ستكشف عن صفة رائعة لديه:‏ التواضع.‏

      ٥ لماذا يؤثر تواضع يسوع في نفسنا عندما نتأمل فيه،‏ ولماذا من المهمّ ان نتعلم الاقتداء بيسوع في هذا المجال؟‏

      ٥ ان تواضع يسوع هو اكثر صفاته جاذبية.‏ فهذه الصفة تؤثر في نفسنا عندما نتأمل فيها.‏ فكما ناقشنا في الفصل السابق،‏ يسوع وحده هو «الطريق والحق والحياة».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٦‏)‏ لذلك لا احد بين بلايين البشر الذين وطئوا هذه الارض يضاهي ابن الله اهمية.‏ رغم ذلك،‏ فهو بعيد كل البعد عن الكبرياء،‏ الغطرسة،‏ او الاعتداد بالنفس —‏ صفات يملكها كثيرون من الاشخاص الناقصين.‏ فلكي نكون أتباعا للمسيح،‏ يلزم ان نحارب ميلنا الى الكبرياء.‏ (‏يعقوب ٤:‏٦‏)‏ تذكّر ان يهوه يبغض الغطرسة.‏ لذلك من المهمّ ان نتعلم الاقتداء بتواضع يسوع.‏

      تاريخ طويل حافل بإظهار التواضع

      ٦ ما هو التواضع،‏ وكيف عرف يهوه ان المسيَّا سيكون متواضعا؟‏

      ٦ التواضع،‏ او الاتضاع العقلي،‏ هو نقيض العجرفة والكبرياء.‏ انه صفة تنبع من القلب وتظهر من خلال كلام الشخص،‏ تصرفه،‏ وتعاملاته مع الآخرين.‏ فكيف عرف يهوه ان المسيَّا سيكون متواضعا؟‏ لقد عرف ان ابنه يعكس مثاله الكامل للتواضع.‏ (‏يوحنا ١٠:‏١٥‏)‏ كما انه رأى ابنه يُظهِر التواضع بشكل عملي.‏ كيف؟‏

      ٧-‏٩ (‏أ)‏ كيف اعرب ميخائيل عن التواضع في مواجهته مع الشيطان؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكن ان يقتدي المسيحيون بميخائيل في اظهار التواضع؟‏

      ٧ يكشف سفر يهوذا عن مثال رائع.‏ فهو يقول:‏ «اما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم ابليس مجادلا اياه حول جسد موسى،‏ لم يجسر ان يدينه بكلام مهين،‏ بل قال:‏ ‹لينتهرك يهوه!‏›».‏ (‏يهوذا ٩‏)‏ ان ميخائيل هو اسم يُطلَق على يسوع (‏قبل وبعد مجيئه الى الارض)‏ وهو في دور رئيس الجيوش السماوية من الملائكة التي في حضرة يهوه.‏b (‏١ تسالونيكي ٤:‏١٦‏)‏ ولكن لاحِظ كيف تصرّف ميخائيل خلال هذه المواجهة مع الشيطان.‏

      ٨ لا تخبرنا رواية يهوذا ماذا اراد الشيطان ان يفعل بجسد موسى.‏ ولكن من المؤكد ان ابليس كانت لديه نية شريرة.‏ فلربما اراد ان يروّج استخدام جثة موسى في العبادة الباطلة.‏ وفي حين ان ميخائيل قاوم خطة الشيطان الشريرة،‏ فقد اظهر ضبط نفس لافتا للنظر.‏ فرغم ان الشيطان استحق الانتهار،‏ لكنّ ميخائيل (‏الذي لم تكن «كل الدينونة» قد فوِّضت اليه بعد في ذلك الوقت)‏ شعر بأن هذه الدينونة يجب ان تصدر عن يهوه الله فقط.‏ (‏يوحنا ٥:‏٢٢‏)‏ صحيح ان ميخائيل كرئيس ملائكة كان يتمتع بسلطة واسعة،‏ إلا انه سلّم الامر ليهوه بدلا من محاولة امتلاك سلطة اوسع.‏ وإضافة الى التواضع،‏ اظهر الاحتشام الذي يشمل ادراك المرء حدوده.‏

      ٩ لقد أُوحي الى يهوذا ان يدوِّن هذه الحادثة لسبب معيّن.‏ فمن المؤسف ان بعض المسيحيين في ايامه لم يكونوا متواضعين.‏ بل كانوا بغطرسة «يتكلمون بالاهانة على كل ما لا يعرفونه».‏ (‏يهوذا ١٠‏)‏ فما اسهل ان نسمح نحن البشر الناقصين لكبريائنا بأن تتحكم بنا!‏ فكيف نتصرف اذا لم نفهم لماذا يجري امر معيّن في الجماعة المسيحية،‏ ربما قرار اتخذته هيئة الشيوخ؟‏ اذا شاركنا في حديث سلبي انتقادي رغم اننا لا نعرف كل العوامل التي ادّت الى اتخاذ قرار كهذا،‏ أفلا نُظهِر بذلك اننا نفتقر الى التواضع؟‏ بدلا من ذلك،‏ لنقتدِ بميخائيل (‏اي يسوع)‏،‏ اذ نمتنع عن الحكم على امور لم يُعطنا الله سلطة ان نحكم عليها.‏

      ١٠،‏ ١١ (‏أ)‏ ما هو الجدير بالملاحظة بشأن طوعية ابن الله في قبول تعيينه ان يأتي الى الارض؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا الاقتداء بتواضع يسوع؟‏

      ١٠ اظهر ابن الله التواضع ايضا عندما قبِل التعيين ان يأتي الى الارض.‏ تأمَّل في ما اضطر الى التخلي عنه.‏ لقد كان رئيس ملائكة.‏ وكان ايضا «الكلمة»،‏ اي الناطق بلسان يهوه.‏ (‏يوحنا ١:‏​١-‏٣‏)‏ كما كان يسكن في السماء،‏ ‹علياء قدس يهوه وبهائه›.‏ (‏اشعيا ٦٣:‏١٥‏)‏ لكنَّ الابن «اخلى نفسه آخذا هيئة عبد صائرا في شبه الناس».‏ (‏فيلبي ٢:‏٧‏)‏ فكِّر في ما شمله تعيينه الارضي.‏ لقد نُقلَت حياته الى رحم عذراء يهودية وصار جنينا مدة تسعة اشهر ووُلد طفلا بشريا عاجزا عن حماية نفسه في اسرة نجار فقير.‏ بعدئذ،‏ كبر وأصبح صبيا صغيرا ثم مراهقا.‏ ورغم انه كامل،‏ بقي خاضعا لوالديه البشريين الناقصين طوال فترة حداثته.‏ (‏لوقا ٢:‏​٤٠،‏ ٥١،‏ ٥٢‏)‏ فما اروع هذا التواضع!‏

      ١١ فهل يمكننا نحن الاقتداء بتواضع يسوع بأن نقبل طوعا تعيينات الخدمة التي تبدو لنا احيانا وضيعة؟‏ مثلا،‏ قد يبدو تعيين الكرازة ببشارة الملكوت وضيعا حين يتجاوب الناس بلامبالاة،‏ او استهزاء،‏ او عداء.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ غير ان احتمالنا في هذا العمل قد يساهم في إنقاذ حياتهم.‏ ولكن حتى لو لم نتمكن من انقاذ احد،‏ فسنكون قد تعلمنا الكثير عن التواضع واتبعنا خطوات سيدنا يسوع المسيح.‏

      تواضُع يسوع حين كان انسانا

      ١٢-‏١٤ (‏أ)‏ كيف اظهر يسوع التواضع عندما مدحه الناس؟‏ (‏ب)‏ كيف اعرب يسوع عن التواضع من خلال تعاملاته مع الآخرين؟‏ (‏ج)‏ ماذا يُظهِر ان تواضع يسوع لم يكن مجرد شكليات او اعراب عن آداب السلوك؟‏

      ١٢ تحلّى يسوع بالتواضع من بداية خدمته على الارض حتى نهايتها.‏ وقد اظهر هذه الصفة حين اعطى التسبيح والمجد لأبيه.‏ فالناس كانوا يمدحونه على الحكمة التي ينمّ عنها كلامه،‏ القدرة التي تتجلى في عجائبه،‏ حتى الصفات الحسنة في شخصيته.‏ لكنه كان يعطي المجد تكرارا ليهوه وليس لنفسه.‏ —‏ مرقس ١٠:‏​١٧،‏ ١٨؛‏ يوحنا ٧:‏​١٥،‏ ١٦‏.‏

      ١٣ اظهر يسوع التواضع ايضا بطريقة معاملته الناس.‏ فقد اوضح انه لم يأتِ الى الارض ليُخدَم بل ليخدم الآخرين.‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨‏)‏ وتجلّى تواضعه من خلال تعاملاته اللطيفة والمتعقلة مع الناس.‏ فعندما خيّب أتباعه امله،‏ لم يعنّفهم بقسوة،‏ بل ظلّ يحاول بلوغ قلوبهم.‏ (‏متى ٢٦:‏​٣٩-‏٤١‏)‏ وعندما قاطعت الجموع خلوته التي كان ينشد من خلالها الراحة والسكينة،‏ لم يصرفهم بل استمر يبذل الجهد ليعلّمهم «اشياء كثيرة».‏ (‏مرقس ٦:‏​٣٠-‏٣٤‏)‏ وحين لم تنفك امرأة غير اسرائيلية تتوسل اليه ان يشفي ابنتها،‏ عبّر في البداية بلطف انه لا يريد ذلك.‏ لكنه ما لبث ان لبّى طلبها بسبب ايمانها غير العادي،‏ كما سنرى في الفصل ١٤‏.‏ —‏ متى ١٥:‏​٢٢-‏٢٨‏.‏

      ١٤ وهكذا،‏ طبّق يسوع بطرائق عديدة كلماته التي قالها عن نفسه:‏ «اني وديع ومتضع القلب».‏ (‏متى ١١:‏٢٩‏)‏ لكنَّ تواضعه لم يكن سطحيا،‏ مجرد شكليات او اعراب عن آداب السلوك.‏ بل كان نابعا من داخله،‏ من صميم قلبه.‏ فلا عجب اذًا ان يعلِّق يسوع اهمية كبيرة على تعليم أتباعه ان يكونوا متواضعين.‏

      تعليم أتباعه ان يكونوا متواضعين

      ١٥،‏ ١٦ بحسب ما ذكره يسوع،‏ ايّ تباين يجب ان يكون بين موقف الحكام العالميين وموقف أتباعه؟‏

      ١٥ كان رسل يسوع بطيئين في تنمية التواضع.‏ لذلك حاول يسوع مرارا وتكرارا ان يعلّمهم اظهار هذه الصفة.‏ مثلا،‏ طلب يعقوب ويوحنا ذات مرة من يسوع بواسطة امهما ان يعِد بمنحهما مركزا رفيعا في ملكوت الله.‏ فأجاب يسوع باحتشام:‏ «اما الجلوس عن يميني وعن يساري،‏ فليس لي ان اعطيه،‏ انما هو للذين هُيئ لهم من ابي».‏ وقد «اغتاظ» الرسل العشرة الآخرون من يعقوب ويوحنا.‏ (‏متى ٢٠:‏​٢٠-‏٢٤‏)‏ فكيف عالج يسوع هذه المشكلة؟‏

      ١٦ لقد قوّمهم جميعا بلطف،‏ قائلا:‏ «انتم تعرفون ان حكام الامم يسودون عليهم وأن العظماء يتسلطون عليهم.‏ فليس الامر كذلك في ما بينكم،‏ بل مَن اراد ان يكون عظيما بينكم فليكن لكم خادما،‏ ومَن اراد ان يكون الاول بينكم فليكن لكم عبدا».‏ (‏متى ٢٠:‏​٢٥-‏٢٧‏)‏ فالرسل قد رأوا على الارجح كم يمكن ان يكون «حكام الامم» متكبرين،‏ طموحين،‏ وأنانيين.‏ لكنَّ يسوع اظهر ان أتباعه يجب ان يكونوا مختلفين عن هؤلاء الطغاة المتعطشين الى السلطة،‏ اذ عليهم ان يكونوا متواضعين.‏ فهل استوعب الرسل هذا الدرس؟‏

      ١٧-‏١٩ (‏أ)‏ بأية طريقة لا تنسى علّم يسوع رسله درسا عن التواضع في الليلة التي سبقت موته؟‏ (‏ب)‏ ما هو ابلغ درس علّمه يسوع عن التواضع عندما كان انسانا على الارض؟‏

      ١٧ لم يكن ذلك سهلا عليهم.‏ فلم تكن هذه المرة الاولى ولا الاخيرة التي علّمهم يسوع فيها درسا كهذا.‏ ففي وقت سابق،‏ تحاجّ الرسل في مَن هو الاعظم.‏ لذلك اقام يسوع ولدا صغيرا في وسطهم وقال لهم ان يتشبهوا بالاولاد الذين ليس من طبعهم التكبر والطموح والاهتمام بالمراكز،‏ امور شائعة جدا بين الراشدين.‏ (‏متى ١٨:‏​١-‏٤‏)‏ مع ذلك،‏ في الليلة التي سبقت موته،‏ رأى ان الكبرياء لا تزال متأصلة في رسله.‏ فعلّمهم درسا لا يُنسى حين اخذ منشفة وتمنطق بها وقام بخدمة وضيعة جدا،‏ خدمة كان الخدّام يقدِّمونها عادة للضيوف.‏ فقد غسل اقدام كلٍّ من رسله،‏ بمن فيهم يهوذا الذي كان على وشك ان يخونه.‏ —‏ يوحنا ١٣:‏​١-‏١١‏.‏

      ١٨ بعدئذ،‏ اوضح لهم يسوع الهدف مما فعله قائلا:‏ «وضعت لكم نموذجا».‏ (‏يوحنا ١٣:‏١٥‏)‏ فهل بلغ هذا الدرس قلوبهم؟‏ لاحقا في الليلة نفسها،‏ تشاجروا مرة اخرى مَن هو الاعظم بينهم.‏ (‏لوقا ٢٢:‏​٢٤-‏٢٧‏)‏ رغم ذلك،‏ ظلّ يسوع صبورا معهم وعلّمهم بتواضع.‏ بعد ذلك،‏ اعطى درسا له تأثير بالغ عندما «وضع نفسه وصار طائعا حتى الموت،‏ الموت على خشبة آلام».‏ (‏فيلبي ٢:‏٨‏)‏ فقد اذعن يسوع طوعا لموت مخزٍ،‏ اذ أُدين ظلما كمجرم ومجدّف.‏ وهكذا اظهر ابن الله ان لا مثيل له حين اعرب،‏ هو من بين جميع مخلوقات يهوه،‏ عن اقصى درجات التواضع.‏

      ١٩ ولربما كان هذا —‏ اي الدرس الاخير في التواضع الذي علّمه يسوع —‏ هو ما غرس صفة التواضع في قلب رسله الامناء.‏ فالكتاب المقدس يخبرنا ان هؤلاء الرجال عملوا بتواضع طوال سنوات عديدة.‏ فماذا عنا؟‏

      هل تتبع النموذج الذي وضعه يسوع؟‏

      ٢٠ كيف نعرف هل نحن متّضعو القلب ام لا؟‏

      ٢٠ يحضّ بولس كلًّا منا:‏ «ليبقَ فيكم هذا الموقف العقلي الذي كان ايضا في المسيح يسوع».‏ (‏فيلبي ٢:‏٥‏)‏ فعلى غرار يسوع،‏ يلزم ان نكون متّضعي القلب.‏ وكيف نعرف هل قلبنا متواضع ام لا؟‏ يذكِّرنا بولس ‹ألا نعمل شيئا عن نزعة الى الخصام او عن عجب،‏ بل باتّضاع عقلي معتبرين ان الآخرين يفوقوننا›.‏ (‏فيلبي ٢:‏٣‏)‏ اذًا،‏ يكمن السرّ في نظرتنا الى الآخرين بالمقارنة مع انفسنا.‏ فيجب ان نعتبر انهم يفوقوننا،‏ اي اهمّ منا.‏ فهل ترغب في تطبيق هذه النصيحة؟‏

      ٢١،‏ ٢٢ (‏أ)‏ لماذا يجب ان يكون النظار المسيحيون متواضعين؟‏ (‏ب)‏ كيف نُظهِر اننا متمنطقون بالتواضع؟‏

      ٢١ بعد سنوات عديدة من موت يسوع،‏ كان الرسول بطرس لا يزال يفكر في اهمية التواضع.‏ فقد علّم النظار المسيحيين ان يقوموا بواجباتهم بتواضع،‏ غير سائدين على خراف يهوه.‏ (‏١ بطرس ٥:‏​٢،‏ ٣‏)‏ فالمسؤوليات ليست مبرِّرا ليكون الشخص متكبرا،‏ بل هي تحتم عليه اكثر إظهار التواضع الاصيل.‏ (‏لوقا ١٢:‏٤٨‏)‏ لكنَّ هذه الصفة ليست مهمة للنظار فحسب،‏ بل ايضا لكل المسيحيين.‏

      ٢٢ بالتأكيد،‏ لم ينسَ بطرس قط تلك الليلة التي غسل فيها يسوع قدمَيه رغم اعتراضه على ذلك.‏ (‏يوحنا ١٣:‏​٦-‏١٠‏)‏ فقد كتب الى المسيحيين:‏ «تمنطقوا جميعكم باتضاع العقل بعضكم نحو بعض».‏ (‏١ بطرس ٥:‏٥‏)‏ توحي كلمة «تمنطقوا» بأمر كان يقوم به الخادم حين يتمنطق بمئزر لينجز عملا وضيعا.‏ وتذكّرنا هذه الكلمة على الارجح بالمناسبة حين تمنطق يسوع بمنشفة قبل ان يركع ليقوم بغسل اقدام الرسل.‏ فإذا كنا نتبع يسوع،‏ أفيُعقل ان نعتبر انفسنا اهم من القيام بأي تعيين معطى من الله؟‏ فتواضعنا القلبي ينبغي ان يكون ظاهرا للجميع،‏ كما لو اننا متمنطقون به.‏

      ٢٣،‏ ٢٤ (‏أ)‏ لماذا ينبغي ان نقاوم ايّ ميل الى التكبر؟‏ (‏ب)‏ اي مفهوم خاطئ بشأن التواضع سيساعدنا الفصل التالي على تصحيحه؟‏

      ٢٣ ان الكبرياء اشبه بالسمّ.‏ فعواقبها يمكن ان تكون وخيمة.‏ انها صفة يمكن ان تجعل اذكى الاذكياء بلا قيمة في نظر الله.‏ اما التواضع فيمكن ان يجعل حتى الاقل شأنا ذا قيمة كبيرة في نظر يهوه.‏ فإذا نمّينا هذه الصفة القيّمة يوميا بمحاولة اتّباع خطوات المسيح بتواضع،‏ فلدينا مكافأة رائعة في انتظارنا.‏ كتب بطرس:‏ «تواضعوا اذًا تحت يد الله القديرة ليرفعكم في حينه».‏ (‏١ بطرس ٥:‏٦‏)‏ فقد رفع يهوه يسوع لأنه اعرب عن اقصى درجات التواضع.‏ على نحو مماثل،‏ سيسرّ الهنا بأن يكافئك انت ايضا اذا كنت متواضعا.‏

      ٢٤ من المؤسف ان البعض يظنون التواضع علامة ضعف.‏ لكنَّ مثال يسوع يساعدنا ان ندرك عدم صحة هذا المفهوم،‏ لأن هذا الرجل الاكثر تواضعا كان ايضا الاكثر جرأة.‏ وهذا سيكون موضوع مناقشتنا في الفصل التالي.‏

      a في معرض مناقشة هذه الحادثة،‏ يقول احد المراجع ان هذه الحيوانات هي «مخلوقات وضيعة».‏ ويضيف:‏ «انها بطيئة،‏ عنيدة،‏ يستخدمها الفقراء عادة للقيام بالاعمال،‏ وليست جميلة الشكل».‏

      b من اجل المزيد من الادلة ان ميخائيل هو يسوع،‏ انظر الصفحتين ٢١٨-‏٢١٩ من كتاب ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟‏‏،‏ اصدار شهود يهوه.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف يساعدك مثال يسوع حين تُغرى بالتفاخر بإنجازاتك؟‏ —‏ متى ١٢:‏​١٥-‏١٩؛‏ مرقس ٧:‏​٣٥-‏٣٧‏.‏

      •  كيف تقتدي بمثال يسوع في العمل بتواضع في سبيل الاخوة والاخوات الروحيين؟‏ —‏ يوحنا ٢١:‏​١-‏١٣‏.‏

      •  كيف تستفيد من مثال يسوع اذا أُغريت بالسعي وراء الشهرة والنجاح في نظام الاشياء هذا؟‏ —‏ يوحنا ٦:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

  • ‏«هوذا الاسد الذي من سبط يهوذا»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٤

      ‏«هوذا الاسد الذي من سبط يهوذا»‏

      يسوع يعرِّف بنفسه أمام جمع كبير ومن بينهم جنود أتوا ليقبضوا عليه

      ‏«اني هو»‏

      ١-‏٣ ايّ خطر يتعرض له يسوع،‏ وكيف يتجاوب؟‏

      ها هو الجمع الغفير من العسكر والرعاع المسلَّحين بالسيوف والهراوى آتون لإلقاء القبض على يسوع.‏ وإذ يجمعهم هدف شرير واحد،‏ يسيرون في شوارع اورشليم المظلمة ويعبرون وادي قدرون الى جبل الزيتون.‏ ورغم ان القمر بدر،‏ فهم يحملون المشاعل والسُّرُج.‏ فهل يحتاجون الى الانارة لأن الغيم يحجب ضوء القمر؟‏ او هل يتوقعون ان يكون يسوع مختبئا في الظلام؟‏ هنالك امر واحد اكيد:‏ ان الذي يتوقع من يسوع ان يرتعد خوفا هو شخص لا يعرفه البتة.‏

      ٢ يقف يسوع منتظرا مع انه يدرك الخطر الوشيك.‏ فيقترب منه الرعاع بقيادة يهوذا،‏ صديقه السابق الذي كان يثق به.‏ وبكل وقاحة يسلِّم يهوذا سيده السابق،‏ حين يحيّيه برياء ويقبّله بغية تحديد هويته.‏ رغم ذلك،‏ يحافظ يسوع على رباطة جأشه ويتقدم نحو الرعاع ويسأل:‏ «عمَّن تفتشون؟‏».‏ فيجيبونه:‏ «عن يسوع الناصري».‏

      ٣ معظم الناس يتملكهم الذعر حين يواجهون رعاعا مسلَّحين كهؤلاء.‏ وربما هذا ما يتوقعه الجمع من الرجل الواقف امامهم.‏ لكنَّ يسوع لا يرتعد خوفا او يهرب او يتفوه بالاكاذيب،‏ بل يقول لهم:‏ «اني هو».‏ فيصعقهم كثيرا ردّ فعله الهادئ والمقدام حتى انهم يتراجعون ويقعون ارضا.‏ —‏ يوحنا ١٨:‏​١-‏٦؛‏ متى ٢٦:‏​٤٥-‏٥٠؛‏ مرقس ١٤:‏​٤١-‏٤٦‏.‏

      ٤-‏٦ (‏أ)‏ بماذا يشبَّه ابن الله،‏ ولماذا؟‏ (‏ب)‏ ما هي ثلاث من الطرائق التي اعرب يسوع من خلالها عن الشجاعة؟‏

      ٤ ولكن كيف تمكن يسوع من الصمود في وجه هذا الخطر الشديد والمحافظة على رباطة جأشه وضبط نفسه؟‏ يكمن الجواب في كلمة واحدة:‏ الشجاعة.‏ والشجاعة هي من اكثر الصفات اللازمة والمرغوبة في القائد.‏ وما من انسان فاق يسوع او حتى ضاهاه في هذا المجال.‏ لقد تعلّمنا في الفصل السابق ان يسوع كان متواضعا وحليما جدا،‏ لذلك دُعي بحقّ ‹الحمل›.‏ (‏يوحنا ١:‏٢٩‏)‏ إلا ان ابن الله يتحلى ايضا بالشجاعة،‏ لذلك يصفه الكتاب المقدس وصفا مختلفا جدا اذ يقول عنه:‏ «هوذا الاسد الذي من سبط يهوذا».‏ —‏ رؤيا ٥:‏٥‏.‏

      ٥ غالبا ما يُربَط الاسد بالشجاعة.‏ فهل نظرتَ ذات مرة الى اسد وجها لوجه؟‏ على الارجح،‏ كان هنالك سياج يفصل بينك وبينه في حديقة الحيوانات.‏ رغم ذلك،‏ فإن مواجهة هذا المخلوق الضخم والقوي تلقي الرعب في القلوب.‏ فعندما تتفرس في وجه الاسد ويحدِّق هو اليك،‏ لا يعقل ان تتصور ان ايّ شيء يمكن ان يجعله يهرب مذعورا.‏ فالكتاب المقدس يقول عنه انه «جبار البهائم الذي لا يرجع من قدام احد».‏ (‏امثال ٣٠:‏٣٠‏)‏ هكذا هي بالضبط شجاعة المسيح.‏

      ٦ فلنناقش الآن كيف اعرب يسوع عن شجاعة كشجاعة الاسد بثلاث طرائق:‏ الدفاع عن الحق،‏ تأييد العدل،‏ ومواجهة المقاومة.‏ وسنرى ايضا ان في مقدورنا جميعا —‏ سواء كانت الشجاعة من طبعنا ام لا —‏ الاقتداء بيسوع في إظهار الشجاعة.‏

      دافع عن الحق بشجاعة

      ٧-‏٩ (‏أ)‏ ماذا حدث عندما كان يسوع بعمر ١٢ سنة،‏ وماذا يُشعرك بالرهبة لو كنت مكانه؟‏ (‏ب)‏ كيف اعرب يسوع عن الشجاعة عند التعامل مع المعلمين في الهيكل؟‏

      ٧ غالبا ما تلزم الشجاعة للدفاع عن الحق في هذا العالم الذي يحكمه الشيطان،‏ «ابو الكذب».‏ (‏يوحنا ٨:‏٤٤؛‏ ١٤:‏٣٠‏)‏ وقد تمكن يسوع من الدفاع عن الحق حتى قبل بلوغه سن الرشد.‏ فعندما كان بعمر ١٢ سنة،‏ ترك والدَيه بعد عيد الفصح في اورشليم.‏ ولما افتقده يوسف ومريم،‏ انتابهما القلق وبحثا عنه طوال ثلاثة ايام حتى وجداه اخيرا في الهيكل.‏ وماذا كان يفعل هناك؟‏ كان «جالسا وسط المعلمين،‏ يسمعهم ويسألهم».‏ (‏لوقا ٢:‏​٤١-‏٥٠‏)‏ تأمل في الوضع.‏

      ٨ يقول المؤرخون ان بعضا من ابرز القادة الدينيين كانوا يبقون عادة في الهيكل بعد الاعياد ويعلّمون في احد الاروقة الفسيحة هناك،‏ فيما الناس يجلسون عند اقدامهم للاستماع وطرح الاسئلة.‏ وكان هؤلاء المعلمون رجالا واسعي المعرفة،‏ اذ انهم كانوا متضلعين من الشريعة الموسوية والشرائع والتقاليد البشرية المعقدة الكثيرة التي تراكمت على مرّ السنين.‏ فكيف كنت ستشعر لو كنت جالسا في وسطهم؟‏ هل كانت ستستولي عليك الرهبة؟‏ هذا امر طبيعي.‏ وماذا لو كان عمرك ١٢ سنة فقط؟‏ كثيرون من الاحداث هم خجولون.‏ (‏ارميا ١:‏٦‏)‏ فالبعض لا يألون جهدا لتجنب لفت انتباه معلميهم في المدرسة خوفا من ان يُطلب منهم القيام بأمر ما،‏ ان تُسلَّط عليهم الاضواء،‏ او ان يتعرضوا للاحراج او الاستهزاء.‏

      ٩ رغم ذلك،‏ نجد يسوع جالسا في وسط هؤلاء الرجال الواسعي المعرفة،‏ يطرح عليهم دون خوف اسئلة عميقة.‏ لكنه لم يتوقف عند هذا الحد.‏ تخبرنا الرواية:‏ «كان كل الذين يسمعونه مبهوتين من فهمه وأجوبته».‏ (‏لوقا ٢:‏٤٧‏)‏ صحيح ان الكتاب المقدس لا يخبرنا ما قاله آنذاك،‏ لكننا على يقين انه لم يردّد الاكاذيب المتداولة بين اولئك المعلمين الدينيين.‏ (‏١ بطرس ٢:‏٢٢‏)‏ بل دافع عن حق كلمة الله،‏ فبُهت سامعوه حين رأوا غلاما بعمر ١٢ سنة يتكلم بهذه الطريقة التي تنمّ عن نفاذ البصيرة والشجاعة.‏

      شابة مسيحية تخبر معلِّمتها عن ايمانها

      يخبر شباب مسيحيون كثيرون الآخرين بإيمانهم

      ١٠ كيف يقتدي الاحداث المسيحيون اليوم بشجاعة يسوع؟‏

      ١٠ واليوم،‏ يتبع احداث مسيحيون كثيرون خطى يسوع.‏ ورغم انهم ليسوا كاملين مثله،‏ لكنهم يؤيدون الحق قبل بلوغهم سن الرشد تماما كما فعل هو.‏ فهم يطرحون الاسئلة على الناس في المدرسة او في محيطهم،‏ يستمعون اليهم،‏ ويخبرونهم بالحق باحترام.‏ (‏١ بطرس ٣:‏١٥‏)‏ وعموما،‏ يساعد الاحداث المسيحيون رفقاء صفهم ومعلميهم وجيرانهم ان يصيروا أتباعا للمسيح.‏ وكم يفرح يهوه بشجاعتهم!‏ فكلمته تشبّههم بقطرات الندى المنعشة والمسرّة التي لا تعدّ ولا تحصى.‏ —‏ مزمور ١١٠:‏٣‏.‏

      ١١،‏ ١٢ كيف اظهر يسوع الشجاعة في الدفاع عن الحق بعدما بلغ سن الرشد؟‏

      ١١ بعدما بلغ يسوع سن الرجولة،‏ اظهر تكرارا الشجاعة في الدفاع عن الحق.‏ فقد استهل خدمته بمواجهة يعتبرها كثيرون مخيفة،‏ اذ اضطر الى مواجهة الشيطان الذي هو اقوى وأخطر اعداء يهوه.‏ ولكنه في هذه المرة كان انسانا من لحم ودم وليس رئيس ملائكة.‏ وقد صدّ يسوع الشيطان وأحبط محاولته لإساءة تطبيق كلمات الاسفار المقدسة الموحى بها.‏ واختتم هذه المواجهة بأمره بكل جرأة:‏ «اذهب يا شيطان!‏».‏ —‏ متى ٤:‏​٢-‏١١‏.‏

      ١٢ وبذلك اعطى يسوع مثالا مصغَّرا عن خدمته،‏ اذ دافع ببسالة عن كلمة ابيه في وجه محاولات الشيطان لتحريفها او تطبيقها بشكل خاطئ.‏ ففي ذلك الزمان،‏ تماما كما هي الحال اليوم،‏ كان الخداع الديني متفشيا جدا.‏ قال يسوع للقادة الدينيين في ايامه:‏ «تُبطلون كلمة الله بتقليدكم الذي تناقلتموه».‏ (‏مرقس ٧:‏١٣‏)‏ ففي حين ان الشعب كانوا يبجّلون هؤلاء الرجال،‏ شهّر بهم يسوع دون خوف واصفا اياهم بأنهم قادة عميان ومراؤون.‏a (‏متى ٢٣:‏​١٣،‏ ١٦‏)‏ فكيف يمكننا الاقتداء بمثال يسوع الشجاع؟‏

      ١٣ ماذا يلزم ان نتذكر اذا اردنا الاقتداء بيسوع،‏ ولكن ايّ امتياز نحظى به؟‏

      ١٣ طبعا،‏ نحن نتذكر اننا لا نملك قدرة يسوع على معرفة ما في القلوب ولا السلطة المفوّضة اليه للدينونة.‏ رغم ذلك،‏ في مقدورنا الاقتداء بجرأته في الدفاع عن الحق.‏ مثلا،‏ بفضح الاكاذيب الدينية التي تُعلَّم عن الله ومقاصده وكلمته،‏ نضيء كأنوار في هذا العالم الغارق في الظلمة بسبب الدعاية الكاذبة التي يروّجها الشيطان.‏ (‏متى ٥:‏١٤؛‏ رؤيا ١٢:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ وهكذا نساهم في تحرير الناس من العبودية للتعاليم الباطلة التي تملأ قلوبهم خوفا شديدا من الله وتعيقهم عن تنمية علاقة به.‏ فما اعظم امتيازنا ان نشهد اتمام وعد يسوع:‏ «الحق يحرّركم»!‏ —‏ يوحنا ٨:‏٣٢‏.‏

      ايّد العدل بشجاعة

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ ما هي احدى الطرائق التي اوضح يسوع بواسطتها ما هو «العدل»؟‏ (‏ب)‏ اية مواقف متحاملة رفضها يسوع حين تكلم مع المرأة السامرية؟‏

      ١٤ انبأت نبوة الكتاب المقدس بأن المسيّا سيوضح للامم ما هو «العدل».‏ (‏متى ١٢:‏١٨؛‏ اشعيا ٤٢:‏١‏)‏ وهذا ما ابتدأ يسوع يفعله دون شك حين كان هنا على الارض.‏ فبمنتهى الشجاعة،‏ كان على الدوام عادلا وغير متحيز في تعاملاته مع الناس.‏ على سبيل المثال،‏ رفض ان يتبنى المواقف المتحاملة والمتعصبة غير المنسجمة مع الاسفار المقدسة التي كانت متفشية جدا في العالم حوله.‏

      ١٥ فعندما تكلّم مع امرأة سامرية عند بئر سوخار،‏ اندهش تلاميذه.‏ لماذا؟‏ لأن اليهود في تلك الايام كانوا عموما يكنون للسامريين كراهية يرجع تاريخها الى زمن بعيد.‏ (‏عزرا ٤:‏٤‏)‏ علاوة على ذلك،‏ كان بعض الربّانيين ينظرون الى النساء نظرة احتقار.‏ فالقواعد الربّانية،‏ التي دُوِّنت لاحقا،‏ نهت الرجل عن التحدث الى امرأة؛‏ حتى انها اعطت الانطباع ان النساء لسن جديرات بتعلم شريعة الله.‏ كما اعتُبرت النساء السامريات بشكل خاص نجسات.‏ لكنَّ يسوع رفض هذه المواقف المتحاملة الظالمة وعلّم علانية المرأة السامرية (‏التي كانت تعيش حياة فاسدة ادبيا)‏،‏ حتى انه كشف لها انه المسيَّا.‏ —‏ يوحنا ٤:‏​٥-‏٢٧‏.‏

      ١٦ لماذا يحتاج المسيحيون الى الشجاعة ليكونوا مختلفين في مجال التحامل؟‏

      ١٦ هل حدث ان كنت ذات مرة مع اشخاص يمتلكون صفة التحامل الكريهة؟‏ فلربما من عادتهم ان يسخروا من الناس الذين ينتمون الى عرق او امة اخرى،‏ يتكلموا باحتقار عن الجنس الآخر،‏ او يزدروا بالذين هم من طبقة اجتماعية او اقتصادية مختلفة.‏ لكنّ أتباع المسيح لا يتبنون وجهات النظر البغيضة هذه ويبذلون قصارى جهدهم لاستئصال ايّ اثر للتحامل من قلوبهم.‏ (‏اعمال ١٠:‏٣٤‏)‏ لذلك على كلٍّ منا ان ينمي الشجاعة للاعراب عن العدل في هذا المجال.‏

      ١٧ ايّ اجراء اتّخذه يسوع في الهيكل،‏ ولماذا؟‏

      ١٧ دفعت الشجاعة ايضا يسوع الى المحافظة على طهارة شعب الله وترتيب العبادة النقية.‏ ففي بداية خدمته،‏ دخل الى منطقة الهيكل في اورشليم فصعقه منظر التجار والصيارفة الذين كانوا يزاولون تجارتهم هناك.‏ وإذ امتلأ سخطا مبرّرا،‏ طرد هؤلاء الرجال الجشعين ورمى بضائعهم.‏ (‏يوحنا ٢:‏​١٣-‏١٧‏)‏ كما انه قام بعمل مماثل في اواخر خدمته.‏ (‏مرقس ١١:‏​١٥-‏١٨‏)‏ لا شك ان البعض صاروا من الدّ اعدائه بسبب هذه الاعمال،‏ لكنّ ذلك لم يثنه عن عزمه.‏ لماذا؟‏ منذ الطفولية،‏ كان يسوع يدعو هذا الهيكل بيت ابيه،‏ وقد تصرف بالفعل وفقا لذلك.‏ (‏لوقا ٢:‏٤٩‏)‏ فتلويث العبادة النقية المقدَّمة هناك يتنافى مع العدل،‏ امر لم يستطع يسوع التغاضي عنه.‏ وقد بثّت فيه غيرته الشجاعة لاتخاذ الاجراء المناسب.‏

      ١٨ كيف يُظهر مسيحيون كثيرون اليوم الشجاعة في ما يختص بطهارة الجماعة؟‏

      ١٨ على نحو مماثل،‏ يولي أتباع المسيح اهتماما كبيرا لطهارة شعب الله وترتيب العبادة النقية.‏ فإذا عرفوا ان احد الرفقاء المسيحيين ارتكب خطية خطيرة،‏ فهم لا يتعامون عن الخطإ،‏ بل يتكلمون مع الشخص او الشيوخ بشجاعة.‏ (‏١ كورنثوس ١:‏١١‏)‏ وهم يحرصون ان يجري إعلام شيوخ الجماعة بالامر.‏ فبإمكان الشيوخ ان يساعدوا المرضى روحيا ويتّخذوا الاجراء للمحافظة على طهارة خراف يهوه.‏ —‏ يعقوب ٥:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ اية مظالم كانت متفشية في ايام يسوع،‏ وأيّ ضغط تعرّض له؟‏ (‏ب)‏ لماذا يرفض أتباع المسيح التدخل في السياسة والعنف،‏ وما هي احدى المكافآ‌ت التي يحصدونها بسبب موقفهم هذا؟‏

      ١٩ ولكن هل يعني ما ورد آنفا ان يسوع ناضل لرفع الظلم عن المجتمع ككل؟‏ لا شك انه رأى الكثير من المظالم حوله.‏ فالقوات الاجنبية كانت تحتل وطنه.‏ وكان الرومان يقمعون اليهود بواسطة قواتهم المسلحة،‏ يفرضون عليهم ضرائب باهظة،‏ ويتدخلون في عاداتهم الدينية.‏ فلا عجب ان كثيرين آنذاك ارادوا ان يتدخل يسوع في السياسة.‏ (‏يوحنا ٦:‏​١٤،‏ ١٥‏)‏ لكنه اضطر مرة اخرى ان يعرب عن الشجاعة.‏

      ٢٠ اوضح يسوع ايضا ان ملكوته ليس جزءا من العالم.‏ وبمثاله،‏ علّم أتباعه ألا يتدخلوا في الصراعات السياسية في ايامهم وأن يركّزوا بدلا من ذلك على الكرازة ببشارة ملكوت الله.‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٦؛‏ ١٨:‏٣٦‏)‏ فعلّمهم درسا لا ينسى عن الحياد عندما اتى الرعاع لإلقاء القبض عليه.‏ فقد اتّخذ بطرس اجراء فوريا حين استل سيفه وجرح احد الرجال.‏ من السهل تبرير ما فعله بطرس.‏ فالمناسبة الوحيدة التي يمكن ان يبدو فيها العنف مبرّرا هي تلك الليلة حين هوجم ابن الله البريء.‏ لكنّ يسوع وضع في تلك اللحظة المقياس الذي يجب ان يسلك بموجبه أتباعه الارضيون حتى ايامنا هذه.‏ فقد قال:‏ «رد سيفك الى مكانه،‏ لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون».‏ (‏متى ٢٦:‏​٥١-‏٥٤‏)‏ ولا شك ان المحافظة على موقف مسالم تطلبت من أتباع المسيح إظهار الشجاعة،‏ تماما كما هي الحال اليوم.‏ فشعب الله في ايامنا يحافظون على الحياد المسيحي.‏ لذلك لديهم سجل نظيف في ما يتعلق بالحروب،‏ المحرقات،‏ الابادات الجماعية،‏ الثورات،‏ وغيرها من اعمال العنف الكثيرة التي تجري في ايامنا.‏ وهذا السجل الرائع هو احدى المكافآ‌ت التي يحصدونها بسبب شجاعتهم.‏

      واجه المقاومة بشجاعة

      ٢١،‏ ٢٢ (‏أ)‏ اية مساعدة نالها يسوع قبل مواجهة اقسى محنة في حياته؟‏ (‏ب)‏ كيف بقي يسوع شجاعا حتى النهاية؟‏

      ٢١ عرف ابن الله مسبقا انه سيواجه المقاومة الشرسة هنا على الارض.‏ (‏اشعيا ٥٠:‏​٤-‏٧‏)‏ فقد واجه عدة مرات التهديد بالموت،‏ وكانت ذروة هذه التهديدات الحادثة الموصوفة في مستهل هذا الفصل.‏ فكيف حافظ يسوع على شجاعته في وجه هذه المخاطر؟‏ فكّر:‏ ماذا كان يسوع يفعل قبل مجيء الرعاع لإلقاء القبض عليه؟‏ كان يصلّي بحرارة الى يهوه.‏ وماذا فعل يهوه؟‏ يخبرنا الكتاب المقدس انه «استُجيب له».‏ (‏عبرانيين ٥:‏٧‏)‏ فقد ارسل يهوه ملاكا من السماء لتقوية ابنه الشجاع.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٤٢،‏ ٤٣‏.‏

      ٢٢ بعيد ذلك،‏ قال يسوع لرسله:‏ «قوموا لنذهب».‏ (‏متى ٢٦:‏٤٦‏)‏ تأمل في الشجاعة التي تنمّ عنها هذه الكلمات.‏ فقد قال:‏ «لنذهب» مع علمه انه سيطلب من الرعاع عدم اذية اصدقائه،‏ وأن هؤلاء العشراء سيهربون ويتخلون عنه،‏ وأنه سيذهب وحيدا لمواجهة اقسى محنة في حياته.‏ فوحيدا واجه المحاكمة الظالمة غير القانونية،‏ الاستهزاء،‏ التعذيب،‏ والموت الاليم.‏ ولكن خلال كل هذه المحنة،‏ لم تخنه شجاعته.‏

      ٢٣ اوضِح لماذا لم يكن يسوع متهورا حين واجه الخطر والتهديد بالموت.‏

      ٢٣ وهل كان يسوع متهورا؟‏ كلا،‏ فالتهور بعيد كل البعد عن الشجاعة الحقيقية.‏ لقد علّم يسوع أتباعه ان يكونوا حذرين،‏ وذلك بأن يبتعدوا بحكمة عن الخطر كي يتمكنوا من الاستمرار في فعل مشيئة الله.‏ (‏متى ٤:‏١٢؛‏ ١٠:‏١٦‏)‏ ولكن في هذه الحالة،‏ عرف يسوع انه ما من سبيل للتراجع وأدرك ما تشمله مشيئة الله.‏ لذلك كان مصمّما ان يحافظ على استقامته.‏ فالخيار الوحيد المتاح امامه كان المضي قدما ومواجهة التجربة.‏

      ثلاثة من شهود يهوه بعد أن خرجوا من معسكر اعتقال

      اظهر شهود يهوه الشجاعة في وجه الاضطهاد

      ٢٤ لماذا يمكننا الثقة انه بإمكاننا التحلي بالشجاعة في وجه اية تجربة قد تواجهنا؟‏

      ٢٤ يسير أتباع يسوع بشجاعة على خطى سيدهم.‏ فكثيرون يصمدون في وجه الاستهزاء،‏ الاضطهاد،‏ الاعتقال،‏ السجن،‏ التعذيب،‏ حتى الموت.‏ فمن اين لهؤلاء البشر الناقصين هذه الشجاعة؟‏ انها ليست صفة فطرية لديهم.‏ فهم ينالون المساعدة من الله،‏ تماما كما نالها يسوع.‏ (‏فيلبي ٤:‏١٣‏)‏ لذلك لا تخف ابدا مهما كان ما يخبئه لك المستقبل.‏ صمّم ان تحافظ على استقامتك،‏ فيمنحك يهوه الشجاعة اللازمة.‏ واستمدّ القوة من مثال قائدنا يسوع الذي قال:‏ «تشجعوا!‏ انا قد غلبت العالم».‏ —‏ يوحنا ١٦:‏٣٣‏.‏

      a لاحظ المؤرخون ان قبور الربّانيين كانت تكرَّم مثلما كُرِّمت قبور الانبياء والآباء الاجلاء.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف يساعدك مثال يسوع على التكلم بشجاعة،‏ حتى لو انزعج الناس من الحقائق التي تتكلم بها؟‏ —‏ يوحنا ٨:‏​٣١-‏٥٩‏.‏

      •  لماذا لا ينبغي ابدا ان ندَع الخوف الشديد من الشيطان وأبالسته يمنعنا من مساعدة الآخرين؟‏ —‏ متى ٨:‏​٢٨-‏٣٤؛‏ مرقس ١:‏​٢٣-‏٢٨‏.‏

      •  لماذا ينبغي ان نكون على استعداد لإظهار الرأفة للمظلومين رغم اننا سنتعرّض للاضطهاد؟‏ —‏ يوحنا ٩:‏​١،‏ ٦،‏ ٧،‏ ٢٢-‏٤١‏.‏

      •  كيف استمد يسوع العون لمواجهة التجارب من رجائه بالمستقبل،‏ وكيف يمكنك ان تستمد الشجاعة من رجائك؟‏ —‏ يوحنا ١٦:‏٢٨؛‏ ١٧:‏٥؛‏ عبرانيين ١٢:‏٢‏.‏

  • ‏«جميع كنوز الحكمة»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٥

      ‏«جميع كنوز الحكمة»‏

      ١-‏٣ ما هي خلفية الموعظة التي ألقاها يسوع ذات يوم من ايام الربيع في سنة ٣١ ب‌م،‏ ولماذا ذهل مستمعوه؟‏

      ذات يوم من ايام الربيع في سنة ٣١ ب‌م،‏ كان يسوع قرب كفرناحوم،‏ مدينة ناشطة على الشواطئ الشمالية الغربية لبحر الجليل.‏ وكان قد صلّى الليل كلّه بمفرده على جبل مجاور.‏ ولما طلع الصباح،‏ دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر سمّاهم رسلا.‏ في هذه الاثناء،‏ اتت جموع كثيرة —‏ قطع البعض منهم مسافات طويلة —‏ الى هذا الموقع وتجمعوا في مكان مستوٍ على الجبل.‏ وكانوا متشوقين لسماع اقواله والشفاء من اسقامهم.‏ ويسوع لم يخيّب املهم.‏ —‏ لوقا ٦:‏​١٢-‏١٩‏.‏

      ٢ فقد اقترب من الجموع وشفى كل مرضاهم.‏ وعندما لم يعُد احد بينهم يعاني من ايّ مرض خطير،‏ جلس وبدأ يعلّمهم.‏a ولا شكّ ان كلماته التي تفوه بها في الهواء الطلق في ذلك اليوم الربيعي ادهشت مستمعيه.‏ فلم يسمعوا قط في حياتهم شخصا يعلّم كما يعلّم هو.‏ ويسوع لم يقتبس من التقاليد الشفهية او الربّانيين اليهود المشهورين بغية اعطاء اهمية لتعاليمه،‏ بل استشهد تكرارا من الاسفار العبرانية الموحى بها.‏ كما ان رسالته كانت مباشرة،‏ كلماته بسيطة،‏ وقصده واضحا.‏ وقد ذهلت الجموع عندما انتهى من تعليمه.‏ وهذا امر متوقّع اذ انهم كانوا يصغون الى احكم رجل عاش على الاطلاق.‏ —‏ متى ٧:‏​٢٨،‏ ٢٩‏.‏

      يسوع يعطي الموعظة على الجبل امام جمع كبير

      ‏«ذهلت الجموع من طريقة تعليمه»‏

      ٣ سُجِّلت هذه الموعظة في كلمة الله اضافة الى الكثير من اقوال يسوع الاخرى وأعماله.‏ ويحسن بنا ان نفحص بدقة ما يقوله السجل الموحى به عن يسوع،‏ لأن فيه «جميع كنوز الحكمة».‏ (‏كولوسي ٢:‏٣‏)‏ فمن اين له كل هذه الحكمة،‏ اي القدرة على وضع المعرفة والفهم موضع العمل؟‏ وكيف اعرب عن الحكمة،‏ وكيف يمكننا الاقتداء بمثاله؟‏

      ‏«من اين له هذه الحكمة؟‏»‏

      ٤ ايّ سؤال طرحه مستمعو يسوع في الناصرة،‏ ولماذا؟‏

      ٤ قام يسوع خلال احدى جولاته الكرازية بزيارة الناصرة،‏ المدينة التي ترعرع فيها،‏ وابتدأ يعلّم في المجمع.‏ فاندهش كثيرون من مستمعيه وتساءلوا:‏ «من اين له هذه الحكمة؟‏».‏ فكانوا يعرفون عائلته —‏ والديه وأشقاءه —‏ ويعلمون انه تربى في بيئة متواضعة.‏ (‏متى ١٣:‏​٥٤-‏٥٦؛‏ مرقس ٦:‏​١-‏٣‏)‏ ولا شكّ انهم عرفوا ايضا ان هذا النجار الفصيح لم يتعلم في ايٍّ من المدارس الربّانية المحترَمة.‏ (‏يوحنا ٧:‏١٥‏)‏ لذلك بدا ان تساؤلهم منطقي.‏

      ٥ ماذا كشف يسوع عن مصدر حكمته؟‏

      ٥ ان الحكمة التي اعرب عنها يسوع لم تكن من نتاج عقله الكامل فقط.‏ فعندما كان يعلّم علنا في الهيكل في وقت لاحق خلال خدمته،‏ كشف ان حكمته هي من مصدر اسمى بكثير.‏ قال:‏ «ما أعلّمه ليس لي،‏ بل للذي أرسلني».‏ (‏يوحنا ٧:‏١٦‏)‏ نعم،‏ ان المصدر الحقيقي لحكمة يسوع هو الآب الذي ارسله.‏ (‏يوحنا ١٢:‏٤٩‏)‏ ولكن كيف نال يسوع الحكمة من يهوه؟‏

      ٦،‏ ٧ بأية طريقتين نال يسوع الحكمة من ابيه؟‏

      ٦ كان روح يهوه يعمل في عقل يسوع وقلبه.‏ انبأ اشعيا عن يسوع،‏ المسيَّا الموعود به:‏ «يحلّ عليه روح يهوه،‏ روح الحكمة والفهم،‏ روح المشورة والقدرة،‏ روح المعرفة ومخافة يهوه».‏ (‏اشعيا ١١:‏٢‏)‏ فإذا كان روح يهوه يرشد تفكير يسوع وقراراته،‏ فهل هو غريب ان تنمّ كلماته وأعماله عن حكمة فائقة؟‏!‏

      ٧ ونال يسوع ايضا الحكمة من ابيه بطريقة مهمة اخرى.‏ فكما رأينا في الفصل ٢‏،‏ أُتيحت ليسوع فرصة تشرّب افكار ابيه خلال وجوده السابق لبشريته الذي دام دهورا لا تُحصى.‏ ولا يمكننا تخيّل عمق الحكمة التي اكتسبها الابن حين استخدمه ابوه ‹كعامل ماهر› في صنع سائر الاشياء،‏ الحية والجامدة.‏ لسبب وجيه اذًا يوصف الابن في وجوده السابق لبشريته بأنه الحكمة المجسَّمة.‏ (‏امثال ٨:‏​٢٢-‏٣١؛‏ كولوسي ١:‏​١٥،‏ ١٦‏)‏ وخلال خدمته،‏ تمكن من استخدام حكمته التي اكتسبها عندما كان الى جانب ابيه في السماء.‏b (‏يوحنا ٨:‏​٢٦،‏ ٢٨،‏ ٣٨‏)‏ لذلك لا نستغرب سعة المعرفة وعمق الفهم اللذين عكستهما كلمات يسوع او حسن التمييز الواضح في كل عمل قام به.‏

      ٨ كيف يمكننا نحن أتباع يسوع ان ننال الحكمة؟‏

      ٨ كأتباع ليسوع،‏ يلزم ان نلجأ نحن ايضا الى يهوه،‏ مصدر الحكمة.‏ (‏امثال ٢:‏٦‏)‏ طبعا،‏ ان يهوه لا يمنحنا الحكمة بطريقة عجائبية.‏ لكنه يستجيب صلواتنا المخلصة طلبا للحكمة اللازمة لتخطي صعوبات الحياة.‏ (‏يعقوب ١:‏٥‏)‏ ولنيل هذه الحكمة،‏ يلزم ان نبذل جهدا دؤوبا.‏ فيجب ان نستمر في البحث عنها «كالكنوز الدفينة».‏ (‏امثال ٢:‏​١-‏٦‏)‏ نعم،‏ ينبغي ان نداوم على التنقيب في كلمة الله التي تكشف لنا حكمته وأن نحيا وفق ما نتعلمه.‏ ومثال ابن يهوه قيّم جدا لمساعدتنا على اقتناء الحكمة.‏ فلنستعرض الآن عدة مجالات اعرب فيها يسوع عن الحكمة ولنتعلم كيف يمكننا الاقتداء به.‏

      كلمات حكمة

      اخ يقوم بدرسه الشخصي

      يكشف الكتاب المقدس حكمة الله

      ٩ ماذا جعل تعاليم يسوع تنمّ الى هذا الحدّ عن الحكمة؟‏

      ٩ تقاطر الناس بأعداد كبيرة الى يسوع لسماع اقواله.‏ (‏مرقس ٦:‏​٣١-‏٣٤؛‏ لوقا ٥:‏​١-‏٣‏)‏ وهذا ليس غريبا.‏ فحين كان يسوع يتكلم،‏ كانت كلمات حكمة فائقة تصدر من فمه.‏ فقد عكست كلماته معرفة عميقة لكلمة الله وقدرة لا تُضاهى على بلوغ صميم الامور.‏ كما ان تعاليمه تجتذب الناس من كل مكان وتنطبق في ايّ زمان.‏ تأمل في بعض الامثلة للحكمة التي تنمّ عنها كلمات يسوع،‏ ‹المشير العجيب› المنبإ به.‏ —‏ اشعيا ٩:‏٦‏.‏

      ١٠ اية صفات جيدة يحثّنا يسوع ان ننمّيها،‏ ولماذا؟‏

      ١٠ تحتوي الموعظة على الجبل المشار اليها في مستهل المقالة على اكبر مجموعة تعاليم ليسوع مدوّنة في الكتاب المقدس لا يتخللها اي سرد لحوادث او تعليقات لأشخاص آخرين.‏ وفي هذه الموعظة،‏ لا ينصحنا يسوع فقط بأن نتكلم ونتصرف بشكل لائق.‏ فمشورته هي اعمق بكثير.‏ فإذ ادرك ان الاقوال والتصرفات هي وليدة الافكار والمشاعر،‏ يحثّنا ان ننمي صفات جيدة لها علاقة بعقلنا وقلبنا مثل الوداعة،‏ الجوع الى البر،‏ الرحمة والطبع المسالم،‏ والمحبة للآخرين.‏ (‏متى ٥:‏​٥-‏٩،‏ ٤٣-‏٤٨‏)‏ وتنمية صفات كهذه في قلبنا تنتج اقوالا وتصرفات سليمة لا ترضي يهوه فحسب،‏ بل تعزّز ايضا العلاقات الجيدة مع رفقائنا البشر.‏ —‏ متى ٥:‏١٦‏.‏

      ١١ كيف يبلغ يسوع صميم الامور عندما يقدّم مشورة بشأن التصرفات الخاطئة؟‏

      ١١ عندما يقدّم يسوع المشورة بشأن التصرفات الخاطئة،‏ يبلغ صميم الامور.‏ فهو لا يقول لنا ان نمتنع عن الاعمال العنيفة فقط،‏ بل يحذِّرنا من إضمار الغضب في قلبنا.‏ (‏متى ٥:‏​٢١،‏ ٢٢؛‏ ١ يوحنا ٣:‏١٥‏)‏ وهو لا يمنعنا من الزنى فحسب،‏ بل يحذِّرنا من المشاعر التي تبدأ في القلب وتؤدي الى عمل خيانة كهذا.‏ فهو يحضّنا ألا نسمح لعينَينا بأن تثيرا فينا رغبة خاطئة وشهوة جنسية.‏ (‏متى ٥:‏​٢٧-‏٣٠‏)‏ وهكذا نرى ان يسوع يعالج الاسباب وليس الاعراض فقط،‏ اذ يلفت الانتباه الى المواقف والرغبات التي تولِّد الاعمال الخاطئة.‏ —‏ مزمور ٧:‏١٤‏.‏

      ١٢ كيف ينظر أتباع يسوع الى مشورته،‏ ولماذا؟‏

      ١٢ ما اعظم الحكمة التي تنمّ عنها كلمات يسوع!‏ فلا عجب اذًا ان ‹الجموع ذهلت من طريقة تعليمه›.‏ (‏متى ٧:‏٢٨‏)‏ وكأتباع له،‏ نحن نعتبر مشورته الحكيمة مرشدا لنا في حياتنا.‏ فنحن نسعى الى تنمية الصفات الايجابية التي اوصانا بها —‏ مثل الرحمة،‏ الطبع المسالم،‏ والمحبة —‏ عالمين اننا بذلك نضع اساسا للتصرفات التي ترضي الله.‏ كما اننا نحاول ان نستأصل من قلبنا المشاعر والرغبات الخاطئة التي حذّرنا منها —‏ مثل الغضب الشديد والرغبات الفاسدة ادبيا —‏ عالمين ان ذلك سيساعدنا على تجنُّب التصرفات الخاطئة.‏ —‏ يعقوب ١:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      طريقة حياة توجّهها الحكمة

      ١٣،‏ ١٤ ماذا يُظهِر ان يسوع استخدم حسن التمييز في اختيار مسلك حياته؟‏

      ١٣ لم يُظهِر يسوع الحكمة بالقول فقط،‏ بل بالعمل ايضا.‏ فقد اعرب في كامل مسلك حياته —‏ قراراته،‏ نظرته الى نفسه،‏ وتعاملاته مع الآخرين —‏ عن الحكمة بكل اوجهها الرائعة.‏ فلنتأمل في بعض الامثلة التي تُظهِر ان يسوع كانت توجّهه «الحكمة العملية والمقدرة التفكيرية».‏ —‏ امثال ٣:‏٢١‏.‏

      ١٤ تشمل الحكمة الحكم السليم.‏ وقد استخدم يسوع حسن التمييز في اختيار مسلك حياته.‏ فهل يمكنك ان تتخيل الحياة التي كان بإمكانه ان يعيشها:‏ البيت الذي كان باستطاعته ان يبنيه،‏ الاعمال التجارية التي كان قادرا على تأسيسها،‏ او الشهرة التي كان في مقدوره ان يحققها؟‏ لكنَّ يسوع عرف ان الحياة المكرّسة لأهداف كهذه هي ‹باطلة وسعي وراء الريح›.‏ (‏جامعة ٤:‏٤؛‏ ٥:‏١٠‏)‏ فمسعى كهذا هو حماقة،‏ نقيض الحكمة.‏ لذلك اختار يسوع ان يبقي حياته بسيطة.‏ فلم يهتم بجني الارباح او تكديس الممتلكات المادية.‏ (‏متى ٨:‏٢٠‏)‏ بل عمل بموجب ما علّمه،‏ اذ ابقى عينه مركَّزة على هدف واحد:‏ فعل مشيئة الله.‏ (‏متى ٦:‏٢٢‏)‏ وقد اظهر يسوع الحكمة بتخصيص وقته وبذل طاقته لترويج مصالح الملكوت التي هي اهم بكثير من الامور المادية ومانحة الاكتفاء اكثر منها.‏ (‏متى ٦:‏​١٩-‏٢١‏)‏ وبذلك رسم مثالا جديرا بالاقتداء.‏

      ١٥ كيف يُظهِر أتباع يسوع انهم يُبقون عينهم بسيطة،‏ ولماذا هذا مسلك حكمة؟‏

      ١٥ يدرك أتباع يسوع اليوم الحكمة وراء ابقاء عينهم بسيطة.‏ لذلك يتجنبون الرزوح تحت الدَّين بلا لزوم وإرهاق انفسهم بمساعٍ دنيوية تتطلب الكثير من الوقت والجهد.‏ (‏١ تيموثاوس ٦:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فكثيرون يتّخذون الاجراءات لتبسيط حياتهم بحيث يتمكنون من تخصيص المزيد من الوقت للخدمة المسيحية،‏ ربما للخدمة كمنادين بالملكوت كامل الوقت.‏ ولا شكّ انه ما من مسلك احكم لاتّباعه،‏ لأن إبقاء مصالح الملكوت في مكانها الصحيح يُنتج اعظم سعادة واكتفاء.‏ —‏ متى ٦:‏٣٣‏.‏

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ كيف اعرب يسوع انه محتشم ومنطقي في ما توقعه من نفسه؟‏ (‏ب)‏ كيف نُظهِر اننا محتشمون ومنطقيون في ما نتوقعه من انفسنا؟‏

      ١٦ يربط الكتاب المقدس الحكمة بالاحتشام،‏ الذي يشمل إدراك المرء حدوده.‏ (‏امثال ١١:‏٢‏)‏ ويسوع كان محتشما ومنطقيا في ما توقعه من نفسه.‏ فقد عرف انه لن يهدي جميع الذين سمعوا رسالته.‏ (‏متى ١٠:‏​٣٢-‏٣٩‏)‏ وأدرك ايضا ان عدد الذين سيتمكن هو شخصيا من الوصول اليهم هو محدود.‏ لذا فوّض بحكمة عمل التلمذة الى أتباعه.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٨-‏٢٠‏)‏ واعترف باحتشام انهم ‹سيعملون اعمالا اعظم› من اعماله،‏ لأن كرازتهم ستبلغ اشخاصا اكثر وتشمل نطاقا اوسع وتمتد فترة زمنية اكبر.‏ (‏يوحنا ١٤:‏١٢‏)‏ كما انه ادرك حاجته الى المساعدة.‏ فقد قبِل مساعدة الملائكة الذين اتوا ليخدموه في البرية والملاك الذي اتى لتقويته في جتسيماني.‏ وحين كان ابن الله بأمسّ الحاجة الى العون،‏ صلّى وصرخ طلبا للمساعدة.‏ —‏ متى ٤:‏١١؛‏ لوقا ٢٢:‏٤٣؛‏ عبرانيين ٥:‏٧‏.‏

      ١٧ اليوم ايضا،‏ يجب علينا ان نكون محتشمين ومنطقيين في ما نتوقعه من انفسنا.‏ فنحن نريد حتما ان نعمل من كل النفس ونجتهد بقوة في عمل الكرازة والتلمذة.‏ (‏لوقا ١٣:‏٢٤؛‏ كولوسي ٣:‏٢٣‏)‏ ولكن علينا في الوقت نفسه ان نتذكر ان يهوه لا يقارننا واحدنا بالآخر،‏ الامر الذي لا يجب ان نفعله نحن ايضا.‏ (‏غلاطية ٦:‏٤‏)‏ والحكمة العملية تساعدنا على وضع اهداف منطقية تتلاءم مع قدراتنا وظروفنا.‏ اضافة الى ذلك،‏ تجعل الحكمة الذين يتولّون مراكز المسؤولية يعترفون بأن لديهم حدودا وأنهم يحتاجون الى المساعدة والدعم احيانا.‏ ويمكِّن الاحتشام هؤلاء الاشخاص من قبول المساعدة بامتنان،‏ مدركين ان يهوه قد يستخدم احد الرفقاء المؤمنين ليكون «عونا مقويا» لهم.‏ —‏ كولوسي ٤:‏١١‏.‏

      ١٨،‏ ١٩ (‏أ)‏ ماذا يُظهِر ان يسوع كان متعقلا وإيجابيا في تعاملاته مع تلاميذه؟‏ (‏ب)‏ لماذا لدينا سبب وجيه لنكون ايجابيين ومتعقلين في تعاملاتنا واحدنا مع الآخر،‏ وكيف يمكننا فعل ذلك؟‏

      ١٨ تقول يعقوب ٣:‏١٧ ان ‹الحكمة التي من فوق هي متعقلة›.‏ وقد كان يسوع متعقلا وإيجابيا في تعاملاته مع تلاميذه.‏ فرغم انه ادرك ضعفاتهم،‏ بحث عن الصفات الجيدة فيهم.‏ (‏يوحنا ١:‏٤٧‏)‏ ومع انه عرف انهم كانوا سيتركونه ليلة إلقاء القبض عليه،‏ لم يشكَّ في ولائهم.‏ (‏متى ٢٦:‏​٣١-‏٣٥؛‏ لوقا ٢٢:‏​٢٨-‏٣٠‏)‏ ورغم ان بطرس انكر معرفته بيسوع ثلاث مرات،‏ فقد تضرّع من اجله وعبّر عن ثقته بأمانته.‏ (‏لوقا ٢٢:‏​٣١-‏٣٤‏)‏ وفي آخر ليلة من حياته على الارض،‏ لم يركِّز في صلاته الى ابيه على الاخطاء التي ارتكبها تلاميذه.‏ بل تكلم ايجابيا عن مسلكهم حتى تلك الليلة،‏ قائلا:‏ «قد حفظوا كلمتك».‏ (‏يوحنا ١٧:‏٦‏)‏ ورغم نقائصهم،‏ عهد اليهم بعمل الكرازة بالملكوت والتلمذة.‏ (‏متى ٢٨:‏٢٠،‏١٩‏)‏ ولا شكّ ان ثقته بهم قوّتهم على انجاز هذا العمل الذي اوصاهم ان يقوموا به.‏

      ١٩ لدى أتباع يسوع سبب للاقتداء به في هذا المجال.‏ فإذا كان ابن الله الكامل صبورا في تعاملاته مع تلاميذه الناقصين،‏ فكم بالاحرى علينا نحن البشر الخطاة ان نكون متعقلين في تعاملاتنا واحدنا مع الآخر؟‏!‏ (‏فيلبي ٤:‏٥‏)‏ لذلك بدلا من التركيز على نقائص الرفقاء العبّاد،‏ يحسن بنا ان نبحث عن الصفات الجيدة فيهم.‏ ومن الحكمة ان نتذكر ان يهوه قد اجتذبهم اليه.‏ (‏يوحنا ٦:‏٤٤‏)‏ اذًا لا بد انه يرى بعض الصلاح فيهم،‏ الامر الذي يجب ان نفعله نحن ايضا.‏ فهذا الموقف الايجابي لن يساعدنا ‹ان نتغاضى عن الاخطاء› فحسب،‏ بل ان نبحث ايضا عن صفات يمكننا مدحهم عليها.‏ (‏امثال ١٩:‏١١‏،‏ الكتاب المقدس الانكليزي الجديد‏)‏ وعندما نُظهِر ثقتنا بإخوتنا وأخواتنا المسيحيين،‏ نساعدهم على بذل قصارى جهدهم في خدمة يهوه وإيجاد الفرح في هذه الخدمة.‏ —‏ ١ تسالونيكي ٥:‏١١‏.‏

      ٢٠ ماذا ينبغي ان نفعل بكنز الحكمة الموجود في روايات الاناجيل،‏ ولماذا؟‏

      ٢٠ ان روايات الاناجيل عن حياة يسوع وخدمته هي حقا كنز يزخر بالحكمة.‏ فماذا يجب ان نفعل بهذه الهدية النفيسة؟‏ في ختام الموعظة على الجبل،‏ حثّ يسوع مستمعيه ألا يسمعوا فقط اقواله الحكيمة بل ايضا ان يعملوا بها،‏ او يطبّقوها.‏ (‏متى ٧:‏​٢٤-‏٢٧‏)‏ فصَوْغ افكارنا ودوافعنا وأعمالنا وفق كلمات وأعمال يسوع الحكيمة سيساعدنا ان نعيش الحياة الفضلى الآن وأن نبقى سائرين في الطريق الذي يؤدي الى الحياة الابدية.‏ (‏متى ٧:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ وحتما،‏ ما من مسلك افضل او احكم من هذا.‏

      a صارت المحاضرة التي ألقاها يسوع ذلك اليوم تُدعى الموعظة على الجبل.‏ وهذه الموعظة،‏ كما هي مسجلة في متى ٥:‏٣–‏٧:‏٢٧‏،‏ تحتوي ١٠٧ اعداد ولا يستغرق إلقاؤها على الارجح سوى ٢٠ دقيقة تقريبا.‏

      b كما يبدو،‏ حين ‹انفتحت السموات› عند معمودية يسوع،‏ أُعيدت اليه ذكرياته المتعلقة بوجوده السابق لبشريته.‏ —‏ متى ٣:‏​١٣-‏١٧‏.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  ما هو مسلك الحكمة الذي يجب ان تتّخذه اذا شعرت انك اسأت الى احد الرفقاء المؤمنين؟‏ —‏ متى ٥:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏

      •  كيف يمكن ان تساعدك كلمات يسوع على التجاوب بحكمة اذا تعرّضت للاهانة او الاستفزاز؟‏ —‏ متى ٥:‏​٣٨-‏٤٢‏.‏

      •  كيف يمكن للتأمل في كلمات يسوع ان يساعدك ان تحافظ على نظرة متزنة الى المال والممتلكات؟‏ —‏ متى ٦:‏​٢٤-‏٣٤‏.‏

      •  كيف يمكن ان يساعدك الاقتداء بمثال يسوع على اتّخاذ قرار حكيم عندما تضع الاولويات في حياتك؟‏ —‏ لوقا ٤:‏٤٣؛‏ يوحنا ٤:‏٣٤‏.‏

  • ‏«تعلَّمَ الطاعة»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٦

      ‏«تعلَّمَ الطاعة»‏

      ١،‏ ٢ لماذا يُسرّ الاب المحب حين يطيعه ابنه،‏ وكيف تكون مشاعره شبيهة بمشاعر يهوه؟‏

      يطلّ الاب من النافذة ليراقب ابنه الصغير وهو يلعب بالطابة مع بعض رفاقه في الحديقة.‏ وفيما هم يلعبون،‏ تثِب الطابة الى الشارع وتلاحقها عينا الصبي.‏ فيحثه احد رفاقه ان يخرج الى الشارع ويجلبها.‏ لكنَّ الصبي يهزّ رأسه ويقول:‏ «لا يسمح لي ابي ان افعل ذلك».‏ فيُسرّ الاب بسماع هذه الكلمات.‏

      ٢ لماذا؟‏ لأنه اوصى ابنه ألا يخرج الى الشارع وحده.‏ والابن يطيع اباه رغم عدم معرفته انه يراه.‏ وعندما يرى الاب ذلك،‏ يدرك ان ابنه يتعلّم الطاعة،‏ وهذا ما يجعله في مأمن.‏ ان مشاعر هذا الاب شبيهة بمشاعر ابينا السماوي يهوه.‏ فالله يعرف ان علينا تعلّم الاتكال عليه وإطاعته اذا اردنا ان نبقى امناء وأحياء لنرى المستقبل الرائع الذي يخبئه لنا.‏ (‏امثال ٣:‏​٥،‏ ٦‏)‏ لهذه الغاية،‏ ارسل لنا افضل معلّم على الاطلاق.‏

      ٣،‏ ٤ بأيّ معنى ‹تعلَّم يسوع الطاعة› و «كُمِّل»؟‏ أوضِح.‏

      ٣ يكشف لنا الكتاب المقدس امرا مذهلا عن يسوع حين يقول:‏ «مع كونه ابنا،‏ تعلَّمَ الطاعة مما تألم به.‏ وبعدما كُمِّل،‏ عُهِد اليه بالخلاص الابدي لجميع الذين يطيعونه».‏ (‏عبرانيين ٥:‏​٨،‏ ٩‏)‏ كان هذا الابن البكر موجودا في السماء منذ دهور لا تحصى.‏ وقد رأى الشيطان وملائكته العصاة يتمردون على الله،‏ لكنه لم ينضم اليهم.‏ وهكذا،‏ انطبقت عليه كلمات النبوة الموحى بها:‏ «انا لم اتمرد».‏ (‏اشعيا ٥٠:‏٥‏)‏ اذًا،‏ كيف يمكن القول ان عبارة «تعلَّمَ الطاعة» تنطبق على هذا الابن الذي امتلك طاعة كاملة؟‏ وكيف يمكن لمخلوق كامل ان ‹يُكمَّل›؟‏

      ٤ تأمل في المثل التالي.‏ لنفرض ان جنديا يملك سيفا حديديا متقن الصنع وحسن التصميم ولكن لم تجرِ تجربته في المعركة.‏ فيستبدله بسيف آخر مصنوع من معدن اقوى:‏ فولاذ صلب.‏ وهذا السيف الجديد سبق ان استُخدم في المعركة وكان فعّالا.‏ أوليس هذا امرا ينمّ عن الحكمة؟‏!‏ على نحو مماثل،‏ اعرب يسوع قبل مجيئه الى الارض عن طاعة لا تشوبها شائبة.‏ ولكن بعدما عاش هنا،‏ تغيّرت طاعته تغيرا جذريا.‏ فقد اصبحت الآن ممتحَنة،‏ «صلبة» اذا جاز التعبير،‏ ومختبَرة بواسطة التجارب التي لم يكن يسوع ليواجهها في السماء.‏

      ٥ ماذا جعل طاعة يسوع مهمة الى هذا الحدّ،‏ وماذا سنناقش في هذا الفصل؟‏

      ٥ كانت الطاعة امرا ضروريا لينجز يسوع المهمة الموكلة اليه ان يأتي الى الارض.‏ فبصفته «آدم الاخير»،‏ جاء الى هنا ليفعل ما لم يتمكن ابونا الاول من فعله:‏ البقاء طائعا ليهوه الله حتى لو تعرض للامتحان.‏ (‏١ كورنثوس ١٥:‏٤٥‏)‏ لكنَّ طاعة يسوع لم تكن آلية.‏ فقد اطاع بفرح بكل عقله،‏ وبكل قلبه،‏ وبكل نفسه.‏ وكان فعل مشيئة ابيه اهم عنده من الاكل.‏ (‏يوحنا ٤:‏٣٤‏)‏ فماذا يساعدنا على الاقتداء بطاعة يسوع؟‏ لنناقش اولا ما دفع يسوع الى الطاعة.‏ فتنمية دوافع كالتي امتلكها تساعدنا على مقاومة التجربة وفعل مشيئة الله.‏ ثم سنراجع بعض المكافآ‌ت التي نحصدها اذا اعربنا عن طاعة شبيهة بطاعة المسيح.‏

      ما دفع يسوع الى الطاعة

      ٦،‏ ٧ ما هي بعض الامور التي دفعت يسوع الى الطاعة؟‏

      ٦ كانت طاعة يسوع نابعة ممّا في قلبه.‏ كما رأينا في الفصل ٣‏،‏ كان يسوع متّضع القلب.‏ فالعجرفة تجعل الناس يزدرون بالطاعة،‏ في حين ان التواضع يساعدنا على إطاعة يهوه عن طيب خاطر.‏ (‏خروج ٥:‏​١،‏ ٢؛‏ ١ بطرس ٥:‏​٥،‏ ٦‏)‏ كما ان طاعة يسوع كانت نابعة ممّا احبه وما ابغضه.‏

      ٧ وأهم محبة امتلكها يسوع كانت محبته لأبيه السماوي.‏ (‏سنتحدث عن هذه المحبة بالتفصيل في الفصل ١٣‏)‏.‏ وهذا ما نمّى لديه صفة التقوى.‏ وقد كانت محبته ليهوه شديدة وتوقيره عميقا بحيث انه كان يخاف إغضابه.‏ وهذه التقوى كانت احد الاسباب لاستجابة صلواته.‏ (‏عبرانيين ٥:‏٧‏)‏ كما ان مخافة يهوه هي سمة مميِّزة لحكم يسوع كملك مسيّاني.‏ —‏ اشعيا ١١:‏٣‏.‏

      اخان يقرران ان لا يحضرا فيلما حين يريان ملصق الاعلان عنه

      هل يُظهِر اختيارك للتسلية انك تبغض الشر؟‏

      ٨،‏ ٩ كما هو منبأ به،‏ ماذا كانت مشاعر يسوع حيال البر والشر،‏ وكيف اظهر هذه المشاعر؟‏

      ٨ تشمل محبة يهوه ايضا بغض ما يبغضه هو.‏ لاحِظ مثلا ما تقوله النبوة الموجهة الى الملك المسيّاني:‏ «احببت البر وأبغضت الشر.‏ من اجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج اكثر من شركائك».‏ (‏مزمور ٤٥:‏٧‏)‏ ان «شركاء» يسوع هم الملوك الآخرون المتحدِّرون من الملك داود.‏ وقد كان لدى يسوع عند مسحه سبب للابتهاج والفرح الجزيل اكثر من ايٍّ من هؤلاء الملوك.‏ لماذا؟‏ لأن مكافأته اعظم بكثير من مكافأتهم،‏ وفوائد ملكه تدوم اكثر بكثير من فوائد ملكهم.‏ وهو يكافَأ لأن محبته للبر وبغضه للشر دفعاه الى اطاعة الله في كل شيء.‏

      ٩ وكيف اظهر يسوع مشاعره حيال البر؟‏ مثلا،‏ كيف تجاوب يسوع عندما اطاع أتباعه توجيهه في عمل الكرازة وحصدوا نتائج جيدة؟‏ يقول الكتاب المقدس انه تهلل.‏ (‏لوقا ١٠:‏​١،‏ ١٧،‏ ٢١‏)‏ بالمقابل،‏ كيف شعر عندما اعرب سكان اورشليم عن روح التمرد ورفضوا تكرارا جهوده الحبية لمساعدتهم؟‏ يقول السجل انه بكى بسبب عصيان هذه المدينة.‏ (‏لوقا ١٩:‏​٤١،‏ ٤٢‏)‏ فالمسلك الجيد والمسلك الرديء كلاهما كانا يؤثران في يسوع تأثيرا عميقا.‏

      ١٠ اية مشاعر يلزم ان ننميها حيال الاعمال البارة والتصرفات الخاطئة،‏ وماذا يساعدنا على فعل ذلك؟‏

      ١٠ يساعدنا التأمل في مشاعر يسوع على فحص ما يدفعنا الى إطاعة يهوه.‏ فرغم اننا ناقصون،‏ يمكننا تنمية محبة كبيرة للاعمال الجيدة وبغض شديد للتصرفات الخاطئة.‏ فيلزم ان نصلي الى يهوه ونطلب منه ان يساعدنا على تنمية مشاعر كمشاعره ومشاعر ابنه.‏ (‏مزمور ٥١:‏١٠‏)‏ وفي الوقت نفسه،‏ يلزم ان نتجنب التأثيرات التي تضعف هذه المشاعر.‏ فمن الضروري ان ننتقي التسلية والعشراء باعتناء.‏ (‏امثال ١٣:‏٢٠؛‏ فيلبي ٤:‏٨‏)‏ وإذا نمّينا دوافع كدوافع المسيح،‏ فلن تكون طاعتنا مجرد شكليات.‏ فسنفعل ما هو صائب لأننا نحب ان نفعله.‏ وسنتجنب الاعمال الخاطئة لأننا نبغضها وليس لأننا نخاف ان نُكتشف.‏

      ‏«لم يرتكب خطية»‏

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ ماذا واجه يسوع في اوائل خدمته؟‏ (‏ب)‏ ما هي تجربة الشيطان الاولى ليسوع،‏ وأي اسلوب ماكر استخدمه؟‏

      ١١ امتُحن بغض يسوع للخطية في اوائل خدمته.‏ فبعد معموديته،‏ قضى اربعين يوما وأربعين ليلة في البرية دون طعام.‏ وفي نهاية هذه الفترة،‏ اتى الشيطان ليجرّبه.‏ لاحِظ مدى مكر ابليس.‏ —‏ متى ٤:‏​١-‏١١‏.‏

      ١٢ في البداية،‏ قال الشيطان:‏ «إنْ كنت ابن الله،‏ فقل لهذه الحجارة ان تصير ارغفة خبز».‏ (‏متى ٤:‏٣‏)‏ وكيف كانت حالة يسوع بعد هذا الصوم الطويل؟‏ يقول الكتاب المقدس بوضوح انه «شعر بالجوع».‏ (‏متى ٤:‏٢‏)‏ ولا شك ان الشيطان انتظر حتى يصير يسوع خائر القوى ثم استغلّ حاجته الطبيعية الى الاكل.‏ لاحِظ ايضا عبارة التحدي التي قالها له:‏ ‏«إنْ كنت ابن الله» رغم انه عرف ان يسوع هو «بكر كل خليقة».‏ (‏كولوسي ١:‏١٥‏)‏ لكنَّ يسوع لم يسمح للشيطان بأن يستفزه ويجرّه الى العصيان.‏ فقد عرف ان مشيئة الله لم تكن ان يستخدم قدرته لغايات انانية.‏ لذلك رفض هذا الامر،‏ مُظهِرا بذلك انه يتّكل بتواضع على دعم يهوه وتوجيهه.‏ —‏ متى ٤:‏٤‏.‏

      ١٣-‏١٥ (‏أ)‏ ما هي تجربة الشيطان الثانية والثالثة ليسوع،‏ وكيف تجاوب يسوع؟‏ (‏ب)‏ كيف نعرف انه كان على يسوع ان يحترس دائما من الشيطان؟‏

      ١٣ في التجربة الثانية،‏ اخذ الشيطان يسوع الى موقع عالٍ على شرفات الهيكل.‏ وقد حرّف كلمة الله ببراعة كي يغريه بالقيام بعرض للتباهي،‏ وذلك بطرح نفسه من ذلك المكان العالي لكي يهبّ الملائكة الى انقاذه.‏ فإذا رأت الجموع المحتشدة في الهيكل هذه العجيبة،‏ أفيجرؤ احد بعد ذلك على الشك في ان يسوع هو المسيَّا الموعود به؟‏!‏ وإذا آمنت الجموع ان يسوع هو المسيَّا بسبب هذا العرض المثير،‏ أفلا يتجنب المشقات والمشاكل؟‏ ربما.‏ لكنَّ يسوع عرف ان مشيئة يهوه للمسيَّا هي ان ينجز عمله بتواضع،‏ لا ان يحمل الناس على الايمان به بواسطة عروض مثيرة.‏ (‏اشعيا ٤٢:‏​١،‏ ٢‏)‏ ومرة ثانية،‏ رفض يسوع ان يعصي يهوه ولم يقع في فخ الشهرة.‏

      ١٤ ولكن ماذا عن فخ السلطة؟‏ في التجربة الثالثة،‏ عرض الشيطان على يسوع كل ممالك العالم اذا قام بعمل عبادة واحد له.‏ فهل فكّر يسوع جديا في عرض الشيطان هذا؟‏ اجابه قائلا:‏ «اذهب يا شيطان!‏».‏ ثم اضاف:‏ «لأنه مكتوب:‏ ‹يهوه إلهك تعبد،‏ وله وحده تؤدي خدمة مقدسة›».‏ (‏متى ٤:‏١٠‏)‏ فما من شيء كان يمكن ان يغريه ليعبد إلها آخر.‏ وما من عرض لمنحه السلطة او النفوذ في هذا العالم كان سيجعله يقوم بأيّ عمل عصيان.‏

      ١٥ وهل استسلم الشيطان؟‏ رغم ان ابليس ترك يسوع بعدما اجابه بالكلمات الآنفة الذكر،‏ يقول انجيل لوقا انه «تنحى عنه الى فرصة اخرى».‏ (‏لوقا ٤:‏١٣‏)‏ ولاحقا،‏ وجد الشيطان فرصا اخرى لامتحان يسوع وتجربته حتى النهاية،‏ اذ يخبرنا الكتاب المقدس ان يسوع «امتُحن في كل شيء».‏ (‏عبرانيين ٤:‏١٥‏)‏ فكان على يسوع ان يحترس دائما،‏ وهذا ما يجب ان نفعله نحن ايضا.‏

      ١٦ كيف يجرِّب الشيطان خدام الله اليوم،‏ وكيف يمكننا صدّ محاولاته؟‏

      ١٦ لا ينفك الشيطان يجرِّب خدام الله اليوم.‏ ومن المؤسف ان نقائصنا غالبا ما تجعلنا هدفا سهلا له.‏ فهو يستغل بمكر الانانية،‏ الكبرياء،‏ والتعطش الى السلطة.‏ حتى انه قد يستغل كلّ هذه مجتمعة حين يستخدم فخ المادية.‏ لذلك من المهم ان نقوم احيانا بفحص صادق للذات.‏ فيحسن بنا ان نتأمل في كلمات ١ يوحنا ٢:‏​١٥-‏١٧ ونرى هل بردت محبتنا لأبينا السماوي الى حدّ ما من جراء الرغبات الجسدية لنظام الاشياء هذا،‏ السعي وراء الممتلكات المادية،‏ والرغبة في اثارة اعجاب الآخرين.‏ يجب ان نتذكر ان هذا العالم آيل الى الزوال هو وحاكمه الشيطان.‏ فلنصدَّ محاولات الشيطان الماكرة ان يغرينا بارتكاب الخطية.‏ ولنتشجع بمثال سيّدنا الذي «لم يرتكب خطية».‏ —‏ ١ بطرس ٢:‏٢٢‏.‏

      ‏«اني دائما افعل ما يرضيه»‏

      ١٧ كيف شعر يسوع حيال إطاعة ابيه،‏ ولكن ايّ اعتراض قد ينشأ؟‏

      ١٧ لا تقتصر الطاعة على الامتناع عن الخطإ.‏ فالمسيح نفّذ كل وصايا ابيه.‏ قال:‏ «اني دائما افعل ما يرضيه».‏ (‏يوحنا ٨:‏٢٩‏)‏ وهذه الطاعة جلبت له فرحا غامرا.‏ طبعا،‏ قد يعترض احد قائلا ان الطاعة كانت اسهل على يسوع.‏ فلربما يظن ان يسوع لم يكن عليه إلا إطاعة يهوه،‏ الذي هو كامل،‏ في حين انه يتوجب علينا إطاعة بشر ناقصين لديهم مركز سلطة.‏ لكنَّ يسوع في الواقع كان طائعا لبشر ناقصين لديهم مركز سلطة.‏

      ١٨ ايّ مثال للطاعة رسمه يسوع عندما كان حدثا؟‏

      ١٨ فيما كان يسوع ينمو،‏ كان خاضعا لسلطة والدَيه البشريَّين الناقصين،‏ يوسف ومريم.‏ وعلى الارجح،‏ تمكّن من ملاحظة نقائص والدَيه اكثر من معظم الاولاد.‏ فهل تمرّد وتخطى دوره المعطى من الله كولد بحيث املى عليهما كيف يديران شؤون العائلة؟‏ لاحِظ ما تقوله لوقا ٢:‏٥١ عن يسوع عندما كان بعمر ١٢ سنة:‏ «بقي خاضعا لهما».‏ وبهذه الطاعة،‏ رسم يسوع مثالا رائعا للاحداث المسيحيين الذين يحاولون إطاعة والديهم وإظهار الاحترام الواجب لهم.‏ —‏ افسس ٦:‏​١،‏ ٢‏.‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ اية صعوبات استثنائية واجهها يسوع في مجال الطاعة للبشر الناقصين؟‏ (‏ب)‏ لماذا ينبغي ان يطيع المسيحيون الحقيقيون اليوم الذين يتولّون القيادة بينهم؟‏

      ١٩ في مجال إطاعة البشر الناقصين،‏ واجه يسوع صعوبات لا يواجهها ابدا المسيحيون الحقيقيون اليوم.‏ تأمل في الازمنة الاستثنائية التي عاش فيها.‏ فنظام الاشياء اليهودي الديني (‏بما فيه الهيكل في اورشليم والكهنوت)‏ الذي نال رضى يهوه فترة طويلة كان على وشك ان يُرفَض ويُستبدَل بترتيب الجماعة المسيحية.‏ (‏متى ٢٣:‏​٣٣-‏٣٨‏)‏ في هذه الاثناء،‏ كان الكثير من القادة الدينيين يعلّمون الاكاذيب المُستمَدة من الفلسفة اليونانية.‏ وقد تفشى الفساد في الهيكل كثيرا حتى ان يسوع دعاه «مغارة لصوص».‏ (‏مرقس ١١:‏١٧‏)‏ فهل امتنع يسوع عن الذهاب الى الهيكل والمجامع؟‏ كلا!‏ فيهوه كان لا يزال يستخدم هذه الترتيبات.‏ لذلك كان يسوع يعرب عن الطاعة بالذهاب الى المجامع والاحتفال بالاعياد في الهيكل،‏ بانتظار الوقت حين يتدخل يهوه ويجري التغييرات.‏ —‏ لوقا ٤:‏١٦؛‏ يوحنا ٥:‏١‏.‏

      ٢٠ فإذا كان يسوع طائعا في ظل ظروف كهذه،‏ فكم بالاحرى ينبغي ان يبقى المسيحيون الحقيقيون طائعين اليوم؟‏!‏ وفي الواقع،‏ نحن نعيش في ازمنة مختلفة جدا،‏ حقبة ردّ العبادة النقية المنبإ بها منذ وقت طويل.‏ والله يؤكد لنا انه لن يسمح ابدا للشيطان بأن يفسد شعبه المسترَد.‏ (‏اشعيا ٢:‏​١،‏ ٢؛‏ ٥٤:‏١٧‏)‏ صحيح اننا نرى الاخطاء والنقائص داخل الجماعة المسيحية،‏ ولكن هل يجيز لنا ذلك استخدام ضعفات الآخرين كمبرِّر لعدم إطاعة يهوه،‏ ربما بالامتناع عن حضور الاجتماعات المسيحية وانتقاد الشيوخ؟‏ كلا البتة!‏ فنحن ندعم بإخلاص الذين يتولّون القيادة في الجماعة.‏ ونحن نعرب عن الطاعة بحضور الاجتماعات والمحافل المسيحية وتطبيق مشورة الاسفار المقدسة التي تُقدَّم لنا هناك.‏ —‏ عبرانيين ١٠:‏​٢٤،‏ ٢٥؛‏ ١٣:‏١٧‏.‏

      شهود ليهوه يتكلمون خارج قاعة الملكوت

      نحن نعرب عن الطاعة بتطبيق ما نتعلّمه في الاجتماعات المسيحية

      ٢١ كيف تجاوب يسوع مع الضغط عليه ليعصي الله،‏ مما رسم ايّ مثال لنا؟‏

      ٢١ لم يسمح يسوع للناس —‏ حتى لأصدقائه الحسني النية —‏ بأن يثنوه عن إطاعة يهوه.‏ مثلا،‏ حاول الرسول بطرس ان يقنع سيده انه لا حاجة ان يتألم ويموت،‏ اذ نصحه ان يلطف بنفسه.‏ غير ان يسوع رفض هذه المشورة الخاطئة رغم انها مقدَّمة بحسن نية.‏ (‏متى ١٦:‏​٢١-‏٢٣‏)‏ اليوم ايضا،‏ كثيرا ما يواجه أتباع يسوع اقرباء حسني النية يحاولون ان يثنوهم عن إطاعة شرائع الله ومبادئه.‏ وعلى غرار أتباع يسوع في القرن الاول،‏ نحن نحافظ على موقفنا انه «ينبغي ان يُطاع الله حاكما لا الناس».‏ —‏ اعمال ٥:‏٢٩‏.‏

      المكافآ‌ت الناجمة عن امتلاكنا الطاعة تمثلا بالمسيح

      ٢٢ ايّ سؤال زوّد يسوع الجواب عنه،‏ وكيف؟‏

      ٢٢ عندما واجه يسوع الموت،‏ كان ذلك بمثابة اقوى امتحان لطاعته.‏ وفي هذا اليوم الحالك،‏ «تعلَّمَ الطاعة» بالمعنى الاكمل.‏ فقد فعل مشيئة ابيه،‏ وليس مشيئته.‏ (‏لوقا ٢٢:‏٤٢‏)‏ وهكذا،‏ صنع سجلا كاملا للاستقامة.‏ (‏١ تيموثاوس ٣:‏١٦‏)‏ وزوّد الجواب عن سؤال قديم العهد:‏ هل يمكن لإنسان كامل ان يبقى طائعا ليهوه حتى لو تعرّض للامتحان؟‏ ان آدم وحواء لم يبقيا طائعين.‏ لكن عندما اتى يسوع —‏ اعظم مخلوقات يهوه —‏ الى الارض وعاش ومات،‏ أعاد الامور الى نصابها.‏ فقد زوّد الجواب الشافي،‏ اذ اطاع حتى عندما كلّفته الطاعة غاليا.‏

      ٢٣-‏٢٥ (‏أ)‏ ما ارتباط الطاعة بالاستقامة؟‏ أوضِح.‏ (‏ب)‏ ما هو موضوع مناقشتنا في الفصل التالي؟‏

      ٢٣ الاستقامة،‏ او التعبد من كل القلب ليهوه،‏ هي وسيلة للاعراب عن الطاعة.‏ فلأن يسوع كان طائعا،‏ حافظ على استقامته وجلب الفوائد لكل البشر.‏ (‏روما ٥:‏١٩‏)‏ وقد كافأه يهوه بسخاء.‏ نحن ايضا سيكافئنا يهوه اذا اطعنا المسيح كسيّد لنا.‏ فالطاعة للمسيح تؤدي الى «الخلاص الابدي».‏ —‏ عبرانيين ٥:‏٩‏.‏

      ٢٤ كما ان الاستقامة هي مكافأة بحدّ ذاتها.‏ تقول الامثال ١٠:‏٩‏:‏ «السائر باستقامة يسير آمنا».‏ يمكننا تشبيه الاستقامة بقصر مصنوع من آجر ذي نوعية جيدة،‏ وكل آجُرَّة تمثّل عمل طاعة معيّنا.‏ قد تبدو كل آجُرَّة بلا قيمة اذا اخذناها على حدة،‏ لكن كلًّا منها له مكانه وقيمته.‏ فعندما تُجمع معا،‏ يَنتج بناء له قيمة اكبر.‏ على نحو مماثل،‏ حين تُجمع اعمال الطاعة معا،‏ اذ يُضاف الواحد الى الآخر يوما بعد يوم وسنة بعد سنة،‏ يُبنى بيت الاستقامة الجميل.‏

      ٢٥ يذكِّرنا مسلك الاستقامة على مدى سنوات طويلة بصفة اخرى هي الاحتمال.‏ وسيكون هذا الوجه من مثال يسوع موضوع مناقشتنا في الفصل التالي.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  ما هي بعض وصايا المسيح،‏ كيف يمكننا إطاعتها،‏ وأية بركات نحصدها؟‏ —‏ يوحنا ١٥:‏​٨-‏١٩‏.‏

      •  في البداية،‏ كيف شعر اقرباء يسوع حيال خدمته،‏ وماذا نتعلّم من طريقة يسوع في التعامل معهم؟‏ —‏ مرقس ٣:‏​٢١،‏ ٣١-‏٣٥‏.‏

      •  لماذا لا ينبغي ان نخشى ان تحرمنا الطاعة ليهوه من العيش حياة سعيدة؟‏ —‏ لوقا ١١:‏​٢٧،‏ ٢٨‏.‏

      •  ماذا نتعلّم من استعداد يسوع لإطاعة شريعة لا تنطبق عليه؟‏ —‏ متى ١٧:‏​٢٤-‏٢٧‏.‏

  • ‏«تفكَّروا بإمعان في الذي احتمل»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٧

      ‏«تفكَّروا بإمعان في الذي احتمل»‏

      ١-‏٣ (‏أ)‏ ما مدى العذاب الذي يعانيه يسوع في بستان جتسيماني،‏ وما هو السبب؟‏ (‏ب)‏ ماذا يمكن القول عن المثال الذي يرسمه يسوع للاحتمال،‏ وأية اسئلة تنشأ؟‏

      الضغط شديد جدا على يسوع،‏ اذ انه لم يعانِ من قبل مثل هذا الالم العقلي والعاطفي.‏ ففي هذه الساعات الاخيرة من حياته على الارض،‏ يأتي مع رسله الى بستان جتسيماني،‏ مكان مألوف لديهم حيث اجتمع معهم مرارا.‏ ولكن في هذه الليلة بالذات،‏ يحتاج يسوع الى الاختلاء بنفسه.‏ لذلك يبتعد عن رسله ويتوغل في البستان،‏ ثم يجثو على ركبتيه ويبدأ بالصلاة بحرارة.‏ فيأخذه الجهد بحيث يصير عرقه «كقطرات دم نازلة على الارض».‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٣٩-‏٤٤‏.‏

      ٢ ولماذا يسوع قلق الى هذا الحدّ؟‏ صحيح انه يعرف انه على وشك التعرض لعذاب جسدي شديد،‏ ولكن ليس هذا ما يقلقه.‏ فالامور التي تشغل باله اهم بكثير.‏ فهو قلق جدا بشأن اسم ابيه ويدرك ان مستقبل العائلة البشرية مرهون ببقائه امينا.‏ كما انه يعرف مدى اهمية احتماله.‏ ففشله في هذا الامتحان سيجلب تعييرا كبيرا على اسم يهوه.‏ لكنّ يسوع لا يفشل،‏ بل يرسم اروع مثال للاحتمال.‏ فلاحقا في اليوم نفسه،‏ وقبل ان يلفظ النفَس الاخير بلحظات،‏ يصرخ صرخة النصر:‏ «قد تمّ!‏».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏٣٠‏.‏

      ٣ يحثنا الكتاب المقدس ان ‹نتفكَّر بإمعان في الذي احتمل›،‏ اي في يسوع.‏ (‏عبرانيين ١٢:‏٣‏)‏ لذلك تنشأ بعض الاسئلة المهمة:‏ ما هي بعض التجارب التي احتملها يسوع؟‏ ماذا مكّنه من الاحتمال؟‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏ ولكن قبل ان نجيب عن هذه الاسئلة،‏ لنناقش ما يشمله الاحتمال.‏

      ما هو الاحتمال؟‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ ماذا يعني الاحتمال؟‏ (‏ب)‏ ايّ مثل يوضح ان الاحتمال ليس مجرد معاناة صعوبة لا مفرّ منها؟‏

      ٤ من حين الى آخر،‏ نحن جميعا ‹نحزن بسبب محن متنوعة›.‏ (‏١ بطرس ١:‏٦‏)‏ ولكن هل تعني مقاساة المحنة اننا نحتملها؟‏ كلا!‏ فالكلمة اليونانية المترجمة الى «احتمال» تعني «القدرة على الثبات والصمود في وجه الصعوبات».‏ يوضح احد علماء الكتاب المقدس بخصوص نوع الاحتمال الذي اشار اليه كتبة الكتاب المقدس:‏ «انه الميل الذي يمكن ان يتحمَّل الامور،‏ لا بمجرد الاستسلام،‏ بل برجاء متَّقد .‏ .‏ .‏ انه الصفة التي تبقي الانسان على رجلَيه ووجهه الى الريح.‏ انه الفضيلة التي يمكن ان تحوِّل اقسى المحن الى مجد لأنها خلف الوجع ترى الهدف».‏

      ٥ اذًا،‏ الاحتمال ليس مجرد معاناة صعوبة لا مفرّ منها.‏ فالاحتمال بحسب الكتاب المقدس يشمل الثبات،‏ المحافظة على موقف عقلي صائب ونظرة متفائلة في وجه المحن.‏ تأمل في المثل التالي:‏ لنفرض ان رجلَين هما مسجونان في الظروف نفسها ولكن لأسباب مختلفة.‏ فالاول هو مجرم يقضي مدة العقوبة على مضض اذ ليس في يده حيلة.‏ أما الثاني فهو مسيحي حقيقي مسجون بسبب امانته وهو يبقى ثابتا ويحافظ على موقف ايجابي لأنه يعتبر وضعه فرصة للبرهان عن ايمانه.‏ طبعا،‏ لا يمكن اعتبار المجرم مثالا للاحتمال،‏ في حين ان المسيحي الولي هو دون شك مثال لهذه الصفة الرائعة.‏ —‏ يعقوب ١:‏​٢-‏٤‏.‏

      ٦ كيف ننمي الاحتمال؟‏

      ٦ والاحتمال ضروري اذا اردنا نيل الخلاص.‏ (‏متى ٢٤:‏١٣‏)‏ لكنّ هذه الصفة ليست فطرية بل يجب تنميتها.‏ كيف ذلك؟‏ تقول روما ٥:‏٣‏:‏ «الضيق ينتج احتمالا».‏ نعم،‏ اذا اردنا فعلا تنمية الاحتمال،‏ فلا يجب ان نخاف ونتجنب كل امتحانات الايمان بل علينا مواجهتها.‏ فالاحتمال يَنتج حين نواجه المحن الكبيرة والصغيرة ونتغلب عليها يوما بعد يوم.‏ وكل امتحان نجتازه يقوّينا لاجتياز الامتحان التالي.‏ إلا انه لا يمكننا تنمية الاحتمال معتمدين على انفسنا فقط.‏ فنحن ‹نعتمد على القوة التي يزوّدها الله›.‏ (‏١ بطرس ٤:‏١١‏)‏ ولمساعدتنا على البقاء ثابتين،‏ اعطانا يهوه افضل عون ممكن:‏ مثال ابنه.‏ فلنتفحص عن كثب المثال الكامل الذي رسمه يسوع للاحتمال.‏

      التجارب التي احتملها يسوع

      ٧،‏ ٨ ماذا احتمل يسوع فيما كانت تدنو نهاية حياته الارضية؟‏

      ٧ احتمل يسوع شتى انواع المعاملة القاسية فيما كانت تدنو نهاية حياته الارضية.‏ فإضافة الى الاجهاد الفكري الشديد الذي احسّ به في ليلته الاخيرة،‏ تأملْ في خيبة الامل التي لا بدّ انه شعر بها والاذلال الذي تعرّض له.‏ فقد خانه احد عشرائه اللصيقين،‏ تركه اصدقاؤه الاحماء،‏ وحوكم محاكمة غير شرعية.‏ وخلال هذه المحاكمة،‏ استهزأ به اعضاء المحكمة الدينية العليا في البلاد،‏ بصقوا في وجهه،‏ ولكموه.‏ لكنه احتمل كل ذلك بهدوء ووقار وقوة.‏ —‏ متى ٢٦:‏​٤٦-‏٤٩،‏ ٥٦،‏ ٥٩-‏٦٨‏.‏

      ٨ واحتمل يسوع ايضا في ساعاته الاخيرة عذابا جسديا شديدا.‏ فقد تعرّض للجلد،‏ ضرب مبرّح يُقال انه «يشرِّط الجسم فينتج تمزقات عميقة ونزفا دمويا حادّا».‏ كما انه عُلِّق على خشبة،‏ اي أُعدم بطريقة ادّت الى «موت بطيء يرافقه وجع شديد وعذاب أليم».‏ فكِّر في الوجع الذي لا بدّ انه شعر به عندما دُقَّت المسامير الكبيرة في يديه ورجليه لتثبيته على الخشبة.‏ (‏يوحنا ١٩:‏​١،‏ ١٦-‏١٨‏)‏ تخيل الالم الذي برّح به عندما رُفعت الخشبة.‏ وكم توجع حين كانت المسامير تحمل ثقل جسمه وظهره الملآن جراحا بليغة يحتكّ بالخشبة!‏ وقد احتمل كل هذا العذاب الجسدي الشديد فيما عانى الاجهاد الفكري الموصوف في مستهل هذا الفصل.‏

      ٩ ماذا يشمله حمل ‹خشبة آلامنا› واتّباع يسوع؟‏

      ٩ وماذا قد نضطر الى احتماله نحن أتباع المسيح؟‏ قال يسوع:‏ ‹إنْ اراد احد ان يأتي ورائي،‏ فليحمل خشبة آلامه ويتبعني على الدوام›.‏ (‏متى ١٦:‏٢٤‏)‏ تُستخدم عبارة «خشبة آلام» هنا بمعنى مجازي رمزا الى التعذيب،‏ الخزي،‏ او حتى الموت.‏ فاتّباع المسيح ليس بالامر السهل.‏ فمقاييسنا المسيحية تجعلنا مختلفين عن العالم الذي يبغضنا لأننا لسنا جزءا منه.‏ (‏يوحنا ١٥:‏​١٨-‏٢٠؛‏ ١ بطرس ٤:‏٤‏)‏ رغم ذلك،‏ نحن مستعدون لحمل خشبة آلامنا.‏ نعم،‏ نحن على استعداد للاستمرار في اتّباع مثالنا،‏ يسوع،‏ حتى لو عنى ذلك التعرّض للتعذيب،‏ او حتى الموت.‏ —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١٢‏.‏

      ١٠-‏١٢ (‏أ)‏ لماذا وضعت نقائص الآخرين احتمال يسوع على المحكّ؟‏ (‏ب)‏ ما هي بعض الاوضاع الصعبة التي احتملها يسوع؟‏

      ١٠ سبَّبت نقائص الآخرين ليسوع امتحانات اخرى خلال خدمته.‏ تذكَّر انه كان ‹العامل الماهر› الذي استخدمه يهوه في خلق الارض والحياة عليها.‏ (‏امثال ٨:‏​٢٢-‏٣١‏)‏ لذلك كان يسوع يعرف قصد يهوه للبشر:‏ ان يعكسوا صفاته ويتمتعوا بالحياة بصحة كاملة.‏ (‏تكوين ١:‏​٢٦-‏٢٨‏)‏ ولكن عندما اتى الى الارض،‏ رأى النتائج المأساوية للخطية من زاوية مختلفة،‏ اذ صار هو نفسه انسانا يحسّ بالمشاعر والعواطف البشرية.‏ فكم آلمه دون شك ان يرى بأمّ عينه كيف ابتعد البشر عن الكمال الذي تمتع به في الاصل آدم وحواء!‏ وهكذا،‏ صار احتمال يسوع على المحكّ.‏ فهل كان سيتثبط ويستسلم،‏ معتبرا البشر الناقصين حالة ميؤوسا منها؟‏ لنرَ.‏

      ١١ تألم يسوع كثيرا من جراء عدم تجاوب اليهود حتى انه بكى.‏ ولكن هل سمح لعدم مبالاتهم بأن يُخمد غيرته ويجعله يتوقف عن الكرازة؟‏ على العكس.‏ فقد «اخذ يعلّم يوميا في الهيكل».‏ (‏لوقا ١٩:‏​٤١-‏٤٤،‏ ٤٧‏)‏ كما انه كان ‹حزينا كل الحزن› على تصلّب قلوب الفريسيين الذين كانوا يراقبونه عن كثب ليروا هل يشفي رجلا في السبت.‏ ولكن هل سمح لهؤلاء المقاومين ذوي البرّ الذاتي بأن يخيفوه؟‏ كلا البتة!‏ فقد اتّخذ موقفا ثابتا وشفى الرجل في وسط المجمع.‏ —‏ مرقس ٣:‏​١-‏٥‏.‏

      ١٢ واجه يسوع امرا آخر ايضا شكّل تحديا له:‏ ضعفات تلاميذه الاحماء.‏ فكما تعلّمنا في الفصل ٣‏،‏ اعرب هؤلاء التلاميذ تكرارا عن رغبة في البروز.‏ (‏متى ٢٠:‏​٢٠-‏٢٤؛‏ لوقا ٩:‏٤٦‏)‏ وقد نصحهم يسوع مرارا بشأن الحاجة الى إظهار التواضع.‏ (‏متى ١٨:‏​١-‏٦؛‏ ٢٠:‏​٢٥-‏٢٨‏)‏ لكنهم لم يتجاوبوا مع المشورة بسرعة.‏ ففي ليلته الاخيرة معهم،‏ حدث بينهم «جدال حامٍ» في ايّهم هو الاعظم.‏ (‏لوقا ٢٢:‏٢٤‏)‏ وهل فقد يسوع الامل فيهم واعتبرهم حالة ميؤوسا منها؟‏ كلا.‏ فإذ كان صبورا دائما،‏ حافظ على نظرة ايجابية ومتفائلة واستمر يرى الصفات الجيدة فيهم.‏ لقد عرف انهم يحبون يهوه في صميم قلوبهم وأنهم يريدون حقا فعل مشيئته.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٢٥-‏٢٧‏.‏

      اخت تمشي مبتعدة عن بيت امرأة غاضبة لم تقبل البشارة

      هل نسمح للمقاومة بأن تثبطنا ام اننا نستمر بالكرازة بغيرة؟‏

      ١٣ اية امتحانات قد نواجهها شبيهة بتلك التي واجهها يسوع؟‏

      ١٣ نحن ايضا،‏ قد نواجه امتحانات شبيهة بتلك التي واجهها يسوع.‏ مثلا،‏ ربما نلتقي اشخاصا غير متجاوبين مع رسالة الملكوت او حتى مقاومين لها.‏ فهل نسمح لردود فعل سلبية كهذه بأن تثبطنا ام اننا نستمر في الكرازة بغيرة؟‏ (‏تيطس ٢:‏١٤‏)‏ وقد تشكّل نقائص اخوتنا المسيحيين امتحانا لنا.‏ على سبيل المثال،‏ ربما يجرح مشاعرنا عمل طائش او كلمة تُقال من غير روية.‏ (‏امثال ١٢:‏١٨‏)‏ فهل ندَع نقائص رفقائنا المؤمنين تجعلنا نفقد الامل فيهم ام اننا نستمر في تحمّل اخطائهم والبحث عن الصفات الجيدة فيهم؟‏ —‏ كولوسي ٣:‏١٣‏.‏

      ماذا مكّن يسوع من الاحتمال؟‏

      ١٤ ايّ عاملين ساعدا يسوع على البقاء ثابتا؟‏

      ١٤ ماذا ساعد يسوع على البقاء ثابتا والمحافظة على استقامته رغم كل الاهانات،‏ خيبات الامل،‏ والآلام التي تعرّض لها؟‏ هنالك عاملان اساسيان شكّلا دعما له.‏ اولا،‏ التجأ يسوع الى «الله الذي يزوّد الاحتمال» وقدّم اليه التوسلات.‏ (‏روما ١٥:‏٥‏)‏ ثانيا،‏ تطلّع يسوع الى المستقبل،‏ مركِّزا على النتائج التي سيسفر عنها احتماله.‏ فلنستعرض هذين العاملين كلًّا على حدة.‏

      ١٥،‏ ١٦ (‏أ)‏ ماذا يُظهِر ان يسوع لم يتّكل على قدرته الخاصة بغية الاحتمال؟‏ (‏ب)‏ كيف كانت ثقة يسوع بأبيه،‏ ولماذا؟‏

      ١٥ لم يتّكل يسوع على قدرته الخاصة بغية الاحتمال رغم انه ابن الله الكامل.‏ بدلا من ذلك،‏ التجأ الى ابيه السماوي وصلّى طلبا للمساعدة.‏ كتب الرسول بولس:‏ «المسيح .‏ .‏ .‏ قدّم تضرعات وطلبات ايضا،‏ بصراخ شديد ودموع».‏ (‏عبرانيين ٥:‏٧‏)‏ لاحِظ ان يسوع لم ‹يقدّم› الطلبات فقط،‏ بل ايضا التضرعات.‏ وتشير كلمة «تضرع» الى التماس جديّ وحارّ،‏ توسل من اجل المساعدة.‏ ويشير استعمال هذه الكلمة بصيغة الجمع ان يسوع توسل مرارا الى يهوه.‏ ففي بستان جتسيماني،‏ قدّم الصلوات الحارة تكرارا.‏ —‏ متى ٢٦:‏​٣٦-‏٤٤‏.‏

      ١٦ وقد امتلك يسوع ثقة مطلقة بأن يهوه سيستجيب تضرعاته،‏ لأنه عرف ان اباه هو «سامع الصلاة».‏ (‏مزمور ٦٥:‏٢‏)‏ فقبل مجيء هذا الابن البكر الى الارض،‏ رأى كيف يستجيب ابوه صلوات عبّاده الاولياء.‏ مثلا،‏ كان الابن شاهد عيان في السماء حين ارسل يهوه ملاكا لاستجابة الصلاة النابعة من القلب التي قدّمها دانيال،‏ حتى قبل ان ينهي صلاته.‏ (‏دانيال ٩:‏​٢٠،‏ ٢١‏)‏ أفيُعقل اذًا ألا يستجيب الآب حين يبوح ابنه الوحيد بمكنونات قلبه «بصراخ شديد ودموع»؟‏!‏ وبالفعل،‏ استجاب يهوه التماس ابنه وأرسل ملاكا ليقويه على الاحتمال تحت المحنة.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏٤٣‏.‏

      ١٧ لماذا ينبغي ان نلتجئ الى الله بغية الاحتمال،‏ وكيف نفعل ذلك؟‏

      ١٧ نحن ايضا،‏ يجب ان نلتجئ الى الله ‹الذي يمنح القوة› بغية الاحتمال.‏ (‏فيلبي ٤:‏١٣‏)‏ فإذا كان ابن الله الكامل قد شعر بالحاجة ان يتضرع الى يهوه طلبا للمساعدة،‏ فكم بالاحرى ينبغي ان نشعر نحن؟‏!‏ وكيسوع،‏ قد يلزم ان نتوسل الى يهوه تكرارا.‏ (‏متى ٧:‏٧‏)‏ ورغم اننا لا نتوقع ارسال ملاك إلينا،‏ يمكننا ان نثق بأن ابانا المحب سيستجيب توسلات المسيحيين الاولياء الذين ‹يواظبون على التضرعات والصلوات ليل نهار›.‏ (‏١ تيموثاوس ٥:‏٥‏)‏ لذلك مهما واجهنا من محن —‏ سواء أكانت تدهورا في صحتنا او موت احد احبائنا او اضطهادا من المقاومين —‏ فسيستجيب يهوه صلواتنا الحارة طلبا للحكمة والشجاعة والقدرة على الاحتمال.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٤:‏​٧-‏١١؛‏ يعقوب ١:‏٥‏.‏

      اخت تصلي بحرارة

      سيستجيب يهوه صلواتنا الحارة كي يعطينا القدرة على الاحتمال

      ١٨ كيف تطلّع يسوع الى ما بعد العذاب،‏ الى ما يكمن امامه؟‏

      ١٨ والعامل الثاني الذي مكّن يسوع من الاحتمال هو انه تطلّع الى ما يكمن امامه في المستقبل،‏ الى ما بعد العذاب الذي يعانيه.‏ فالكتاب المقدس يقول عن يسوع:‏ «من اجل الفرح الموضوع امامه احتمل خشبة الآلام».‏ (‏عبرانيين ١٢:‏٢‏)‏ يوضح مثال يسوع كيف يعمل الرجاء والفرح والاحتمال معا.‏ فالرجاء ينتج الفرح،‏ والفرح ينتج الاحتمال.‏ (‏روما ١٥:‏١٣؛‏ كولوسي ١:‏١١‏)‏ ويسوع كان لديه رجاء رائع.‏ فقد عرف ان امانته ستساهم في تبرئة سلطان ابيه وتمكّنه من افتداء العائلة البشرية من الخطية والموت.‏ كما انه امتلك رجاء الحكم كملك والخدمة كرئيس كهنة ليجلب للبشر الطائعين المزيد من البركات.‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨؛‏ عبرانيين ٧:‏​٢٣-‏٢٦‏)‏ لذلك بالتركيز على الرجاء الموضوع امامه،‏ حصل يسوع على فرح لا يوصف.‏ وهذا الفرح بدوره ساعده على الاحتمال.‏

      ١٩ عندما نواجه امتحانات لإيماننا،‏ كيف يمكننا ان ندع الرجاء والفرح والاحتمال تعمل معا لفائدتنا؟‏

      ١٩ على غرار يسوع،‏ يجب ان ندَع الرجاء والفرح والاحتمال تعمل معا لفائدتنا.‏ قال الرسول بولس:‏ «افرحوا في الرجاء».‏ ثم اضاف:‏ «احتملوا في الضيق».‏ (‏روما ١٢:‏١٢‏)‏ فهل تواجه حاليا امتحانا صعبا لإيمانك؟‏ في هذه الحال،‏ يجب ان تتطلّع الى ما يكمن امامك.‏ لا يغِبْ عن بالك ان احتمالك سيجلب التسبيح لاسم يهوه.‏ ركِّز على رجاء الملكوت الثمين.‏ تصوّر نفسك في عالم الله الجديد القادم وتخيّل انك تتمتع ببركات الفردوس.‏ فالتطلّع الى إتمام وعود يهوه الرائعة —‏ بما فيها تبرئة سلطانه،‏ إزالة الشر من الارض،‏ والقضاء على المرض والموت —‏ سيملأ قلبك فرحا.‏ وهذا الفرح سيساعدك على الاحتمال مهما واجهت من تجارب.‏ فأيّ معاناة في نظام الاشياء هذا هي ‹وجيزة وخفيفة› اذا ما قورنت بالبركات التي سنتمتع بها عندما يتحقق رجاء الملكوت.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٤:‏١٧‏.‏

      ‏‹اتّباع خطواته بدقة›‏

      ٢٠،‏ ٢١ ماذا يتوقع يهوه منا في ما يتعلق بالاحتمال،‏ وعلامَ ينبغي ان نصمم؟‏

      ٢٠ عرف يسوع ان اتّباعه امر صعب،‏ مسلك يتطلب الاحتمال.‏ (‏يوحنا ١٥:‏٢٠‏)‏ لذلك كان مستعدا ليسير في الطليعة،‏ عالما ان مثاله سيقوّي الآخرين.‏ (‏يوحنا ١٦:‏٣٣‏)‏ لكنَّ يسوع رسم مثالا كاملا للاحتمال في حين اننا بعيدون كل البعد عن الكمال.‏ فماذا يتوقع يهوه منا؟‏ يوضح بطرس:‏ «المسيح تألم لأجلكم،‏ تاركا لكم قدوة لتتبعوا خطواته بدقة».‏ (‏١ بطرس ٢:‏٢١‏)‏ فيسوع،‏ من خلال الطريقة التي احتمل بها التجارب،‏ ترك لنا «قدوة» للاحتذاء بها.‏a ويمكن تشبيه سجل احتماله ‹بخطوات› او آثار اقدام.‏ فرغم انه لا يمكننا اتّباع خطواته كاملا،‏ بإمكاننا ان نتبعها «بدقة».‏

      ٢١ فلنصمم اذًا ان نبذل قصارى جهدنا للاقتداء بمثال يسوع.‏ ولا ننسَ انه كلما اتّبعنا خطواته بدقة،‏ صرنا مجهّزين اكثر للاحتمال «الى النهاية» —‏ إما الى نهاية نظام الاشياء القديم هذا او الى نهاية حياتنا الحاضرة.‏ ونحن لا نعرف ايٌّ منهما ستأتي اولا،‏ لكننا نعلم ان يهوه سيكافئنا طوال الابدية على احتمالنا.‏ —‏ متى ٢٤:‏١٣‏.‏

      a ان الكلمة اليونانية المترجمة الى «قدوة» تعني حرفيا «الكتابة تحت شيء آخر».‏ والرسول بطرس هو الكاتب الوحيد في الاسفار اليونانية المسيحية الذي استخدم هذه الكلمة،‏ التي تعني ‹الخط الجميل في اعلى صفحات دفتر التمارين الذي وجب على التلاميذ تقليده بأدق ما يمكن›.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف يجب ان ننظر الى اية محنة قد نواجهها بسبب كوننا أتباعا للمسيح؟‏ —‏ متى ١٠:‏​٥-‏١٢‏.‏

      •  ماذا قال يسوع لأتباعه ان يتوقعوا،‏ وكيف يمكننا اطاعة المشورة التي قدّمها؟‏ —‏ متى ١٠:‏​١٦-‏٢٢‏.‏

      •  كيف يمكننا الاقتداء بمثال يسوع عند مواجهة المقاومة او الاضطهاد؟‏ —‏ ١ بطرس ٢:‏​١٨-‏٢٥‏.‏

      •  ماذا يؤكد الاحتمال بأمانة رغم معاناة الالم؟‏ —‏ ١ بطرس ٤:‏​١٢-‏١٤‏.‏

  • ‏«لهذا أُرسلْت»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٨

      ‏«لهذا أُرسلْت»‏

      ١-‏٤ (‏أ)‏ كيف يعلِّم يسوع بمهارة امرأة سامرية،‏ وما هي النتيجة؟‏ (‏ب)‏ ما هو ردّ فعل رسله؟‏

      يسير يسوع ورسله منذ ساعات متجهين شمالا من اليهودية الى الجليل.‏ وهم يسلكون أقصر طريق الى الجليل،‏ رحلة تستغرق ثلاثة ايام تقريبا وتتطلب منهم الاجتياز بالسامرة.‏ قرابة الظهيرة،‏ يقتربون من مدينة صغيرة تُدعى سوخار ويتوقفون هناك لتناول وجبة طعام.‏

      يسوع يتكلم مع امرأة سامرية قرب بئر

      ٢ عندما يذهب الرسل لشراء الطعام،‏ يستريح يسوع قرب بئر خارج المدينة.‏ فتأتي امرأة سامرية لاستقاء الماء.‏ وبما ان يسوع ‹مُعيٍ من السفر›،‏ يمكنه تجاهلها.‏ (‏يوحنا ٤:‏٦‏)‏ فهو مبرَّر اذا اغمض عينيه وتركها وشأنها دون ان يتكلم معها.‏ وكما رأينا في الفصل ٤ من هذا الكتاب،‏ لا شك ان المرأة تتوقع ان يعاملها ايّ شخص يهودي بازدراء.‏ رغم ذلك،‏ يبتدئ يسوع بمحادثة معها.‏

      ٣ فيستهلّ حديثه بإيضاح مستوحى من حياتها اليومية،‏ وفي الواقع من هذه اللحظة بالذات.‏ فهي آتية لاستقاء الماء،‏ لذلك يتحدث معها عن ماء يعطي الحياة سيروي عطشها الروحي.‏ لكنها تطرح عدة مرات قضايا مثيرة للجدل.‏a إلا ان يسوع يتجنب بلباقة هذه المواضيع ويُبقي الحديث مركَّزا على الامور الروحية:‏ العبادة النقية ويهوه الله.‏ تترك كلماته اثرا بالغا في المرأة بحيث انها تخبر رجال المدينة بها،‏ فيصيرون هم بدورهم راغبين في الاستماع الى يسوع.‏ —‏ يوحنا ٤:‏​٣-‏٤٢‏.‏

      ٤ وما هو ردّ فعل الرسل حيال الشهادة اللافتة للنظر التي يقدّمها يسوع هنا؟‏ لا تبدو عليهم اطلاقا أمارات الحماس.‏ حتى انهم يتعجبون ان يسوع يتكلّم مع هذه المرأة،‏ لكنهم لا يقولون لها شيئا كما يبدو.‏ بعد مغادرتها،‏ يلحّ الرسل على يسوع ان يأكل الطعام الذي جلبوه.‏ إلا انه يقول لهم:‏ «لي طعام آكله لستم تعرفونه».‏ فيتحيرون،‏ اذ انهم يفهمون كلماته في البداية بشكل حرفي.‏ عندئذ يقول لهم:‏ «طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني وأُنهي عمله».‏ (‏يوحنا ٤:‏​٣٢،‏ ٣٤‏)‏ وهكذا،‏ يعلِّمهم انه يعتبر عمله الرئيسي في الحياة اهمّ من الاكل.‏ وهو يريد ان يتبنّوا هم ايضا النظرة نفسها.‏ فما هو هذا العمل؟‏

      ٥ ما هو عمل يسوع الرئيسي في حياته،‏ وماذا سنناقش في هذا الفصل؟‏

      ٥ قال يسوع ذات مرة:‏ «لا بد لي ان ابشّر المدن الاخرى ايضا بملكوت الله،‏ لأني لهذا أُرسلْت».‏ (‏لوقا ٤:‏٤٣‏)‏ نعم،‏ لقد أُرسل يسوع للكرازة ببشارة ملكوت الله وتعليمها.‏b بصورة مماثلة،‏ يجب ان يقوم أتباع يسوع بالعمل نفسه اليوم.‏ لذا من المهمّ ان نناقش لماذا كرز يسوع،‏ بماذا كرز،‏ وماذا كان موقفه من تعيينه.‏

      ما دفع يسوع الى الكرازة

      ٦،‏ ٧ كيف اراد يسوع ان يشعر ‹المرشد› حيال إخبار الآخرين بالبشارة؟‏ أوضِح.‏

      ٦ لنتأمل كيف شعر يسوع حيال الحقائق التي علَّمها،‏ ثم لنتحدث عن موقفه من الناس الذين علَّمهم.‏ لقد استخدم يسوع ايضاحا ليُظهِر ما هي مشاعره حيال إخبار الآخرين بالحقائق التي علَّمه اياها يهوه.‏ قال:‏ «كل مرشد تعلَّم عن ملكوت السموات يشبه رجلا رب بيت يُخرِج من مَكنِزه اشياء جديدة وقديمة».‏ (‏متى ١٣:‏٥٢‏)‏ فلماذا يُخرِج رب البيت في هذا الايضاح اشياء من مَكنِزه؟‏

      ٧ ان رب البيت لا يعرض ممتلكاته بتباهٍ كما فعل الملك حزقيا ذات مرة،‏ الامر الذي انتج عواقب وخيمة.‏ (‏٢ ملوك ٢٠:‏​١٣-‏٢٠‏)‏ اذًا،‏ ما هو دافعه؟‏ لنتأمل في المثل التالي:‏ لنفرض انك زرت استاذا محترَما في بيته.‏ يفتح هذا الاستاذ دُرج مكتبه ويُخرج رسالتين من ابيه:‏ الاولى قديمة مصفرّة تسلّمها منذ عقود حين كان صغيرا،‏ والثانية احدث عهدا تسلّمها مؤخرا.‏ وتشعّ عيناه وهو يخبرك كم يقدِّر هاتين الرسالتين وكيف غيّرت المشورة فيهما حياته وكم يمكن ان تساعدك هذه المشورة.‏ من الواضح ان الرسالتين عزيزتان على قلب الاستاذ.‏ (‏لوقا ٦:‏٤٥‏)‏ وهو لا يريك اياهما من اجل الافتخار او المنفعة الشخصية،‏ بل لتستفيد انت منهما وتدرك اهمية المشورة التي تحتويانها.‏

      ٨ لماذا لدينا سبب وجيه لنعتبر الحقائق التي تعلَّمناها من كلمة الله كنوزا نفيسة؟‏

      ٨ امتلك المعلم الكبير يسوع دوافع مماثلة جعلته يخبر الآخرين بحقائق الله.‏ فقد اعتبر هذه الحقائق كنوزا نفيسة،‏ احبّها،‏ وكان متشوّقا الى الإخبار بها.‏ كما انه اراد ان تكون مشاعر جميع أتباعه،‏ اي «كل مرشد»،‏ تماما كمشاعره.‏ فهل يصحّ ذلك فينا؟‏ لدينا سبب وجيه لنحبّ كل حقيقة نتعلَّمها من كلمة الله.‏ فكنوز الحق عزيزة على قلبنا سواء أكانت معتقدات تبنيناها منذ امد طويل ام تحسينات حديثة العهد.‏ وعلى غرار يسوع،‏ نحن نُظهِر محبتنا هذه بالتكلم بحماسة شديدة والمحافظة على محبتنا لما علَّمنا اياه يهوه.‏

      ٩ (‏أ)‏ كيف شعر يسوع تجاه الناس الذين علَّمهم؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا الاقتداء بموقف يسوع من الناس؟‏

      ٩ احبّ يسوع ايضا الناس الذين علَّمهم،‏ فكرة سنتوسع في مناقشتها في الجزء ٣.‏ فقد جرى التنبؤ ان المسيَّا سوف «يشفق على المسكين والفقير».‏ (‏مزمور ٧٢:‏١٣‏)‏ وبالفعل،‏ كان يسوع يهتم بالناس.‏ فكان يهتم بالافكار والمواقف التي اثّرت فيهم،‏ الاعباء التي اثقلت كاهلهم،‏ والعقبات التي اعاقتهم عن فهم الحق.‏ (‏متى ١١:‏٢٨؛‏ ١٦:‏١٣؛‏ ٢٣:‏​١٣،‏ ١٥‏)‏ تذكَّر ما حدث مع المرأة السامرية.‏ فلا شك ان اهتمام يسوع بها كان له اثر بالغ فيها.‏ كما ان قدرته على فهم ظروفها الشخصية دفعتها الى الاعتراف بأنه نبي وإخبار الآخرين عنه.‏ (‏يوحنا ٤:‏​١٦-‏١٩،‏ ٣٩‏)‏ صحيح اننا كأتباع ليسوع لا نستطيع معرفة خفايا قلوب الاشخاص الذين نكرز لهم،‏ لكن في مقدورنا الاهتمام بالناس كما فعل يسوع.‏ وبإمكاننا إظهار هذا الاهتمام وتكييف كلماتنا لتتلاءم مع حاجات الناس ومشاكلهم واهتماماتهم.‏

      ما كرز به يسوع

      ١٠،‏ ١١ (‏أ)‏ بماذا كرز يسوع؟‏ (‏ب)‏ كيف نشأت الحاجة الى ملكوت الله؟‏

      ١٠ بماذا كرز يسوع؟‏ اذا بحثت عن الجواب من خلال تفحّص تعاليم العديد من الكنائس التي تدّعي انها تمثّله،‏ فقد تستنتج انه بشّر بإنجيل اجتماعي.‏ او ربما تأخذ الانطباع انه ايّد اصلاحا اجتماعيا او انه ركّز على اولوية خلاص المرء الشخصي.‏ لكنه في الواقع لم يفعل ذلك.‏ فكما ذكرنا آنفا،‏ قال يسوع:‏ «لا بد لي ان ابشر .‏ .‏ .‏ بملكوت الله».‏ فماذا شمل ذلك؟‏

      ١١ تذكَّر ان يسوع كان في السماء عندما شكّك الشيطان في صواب سلطان يهوه.‏ فكم آلمه دون شك ان يرى كيف يُفترى على ابيه البارّ ويُتّهم بأنه حاكم ظالم يحرم خلائقه من الامور الجيدة!‏ وكم حزن ابن الله بلا ريب حين صدّق آدم وحواء،‏ اللذان كان سيتحدر منهما الجنس البشري كلّه،‏ افتراء الشيطان!‏ كما رأى هذا الابن كيف تفشّت الخطية والموت بين البشر نتيجة لذاك التمرد.‏ (‏روما ٥:‏١٢‏)‏ ولكن ما اعظم الفرح الذي غمره بالتأكيد حين علم ان اباه سيعيد الامور ذات يوم الى نصابها!‏

      ١٢،‏ ١٣ ما الامر الذي سيعيده ملكوت الله الى نصابه،‏ وكيف جعل يسوع الملكوت محور خدمته؟‏

      ١٢ وما هو الامر الاهم الذي وجب اعادته الى نصابه؟‏ كان يلزم تقديس اسم يهوه،‏ إزالة كل التعيير الذي جلبه عليه الشيطان وجميع المصطفين الى جانبه.‏ فقد وجب تبرئة صواب سلطان يهوه،‏ طريقته في الحكم.‏ وقد ادرك يسوع اكثر من ايّ شخص آخر اهمية ذلك.‏ ففي الصلاة النموذجية،‏ علَّم أتباعه ان يطلبوا اولا ان يتقدّس اسم ابيه،‏ ثم ان يأتي ملكوته،‏ وبعد ذلك ان تكون مشيئته على الارض.‏ (‏متى ٦:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فملكوت الله،‏ الذي يتولى المسيح يسوع الحكم فيه،‏ سيخلّص الارض قريبا من نظام الشيطان الفاسد ويرسّخ حكم يهوه البار الى الابد.‏ —‏ دانيال ٢:‏٤٤‏.‏

      ١٣ وهذا الملكوت كان محور خدمة يسوع.‏ فكل ما قاله او فعله ساهم في ايضاح ما هو الملكوت وكيف سيحقق قصد يهوه.‏ ويسوع لم يسمح لأي شيء بأن يجعله يحيد عن مهمة الكرازة ببشارة ملكوت الله.‏ فرغم انه كانت هنالك في ايامه قضايا اجتماعية ملحّة ومظالم كثيرة،‏ ركّز على رسالته وعمله.‏ ولكن هل عنى ذلك انه افتقر الى المرونة باستخدام اسلوب تكراري ممل وخالٍ من المشاعر؟‏ كلا البتة!‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ كيف برهن يسوع انه «اعظم من سليمان»؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في ما نكرز به؟‏

      ١٤ كما سنرى خلال هذا الجزء،‏ كان تعليم يسوع شيّقا ونابضا بالحياة.‏ وقد حاول ان يمسّ قلوب الناس.‏ ويذكِّرنا ذلك بالملك سليمان الحكيم الذي طلب ان يجد كلمات مسرة،‏ كلمات الحق السديدة،‏ لنقل الافكار التي اوحى اليه يهوه بأن يدوّنها.‏ (‏جامعة ١٢:‏١٠‏)‏ وقد اعطى يهوه هذا الرجل الناقص «قلبا واسع البصيرة»،‏ مما مكَّنه من التحدث عن امور كثيرة كالاسماك والاشجار والبهائم.‏ نتيجة لذلك،‏ اتى الناس من اماكن بعيدة ليسمعوا كلامه.‏ (‏١ ملوك ٤:‏​٢٩-‏٣٤‏)‏ لكنّ يسوع كان «اعظم من سليمان».‏ (‏متى ١٢:‏٤٢‏)‏ فكان يفوقه في الحكمة و ‹القلب الواسع البصيرة›.‏ وعند تعليم الناس،‏ استخدم يسوع معرفته الواسعة لكلمة الله وكذلك استوحى ما يقوله من الطيور،‏ الحيوانات،‏ الاسماك،‏ الزراعة،‏ الطقس،‏ الحوادث الجارية،‏ التاريخ،‏ والاحوال الاجتماعية.‏ إلا انه لم يتباهَ بمعرفته ليترك انطباعا في الآخرين،‏ بل ابقى رسالته بسيطة وواضحة.‏ فلا عجب ان الناس سُرّوا بأن يسمعوه وهو يتكلم!‏ —‏ مرقس ١٢:‏٣٧؛‏ لوقا ١٩:‏٤٨‏.‏

      ١٥ في ايامنا ايضا،‏ نحاول نحن المسيحيين الاقتداء بيسوع.‏ فرغم اننا لا نملك سعة حكمته ومعرفته،‏ لدينا جميعا مقدار من المعرفة والخبرة يمكننا استخدامه حين نخبر الآخرين بحقائق كلمة الله.‏ مثلا،‏ يمكن للوالدين استخدام خبرتهم في تربية الاولاد ليوضحوا للناس محبة يهوه لأولاده.‏ ويمكن ايضا للآخرين ان يستوحوا الامثال والايضاحات من عملهم الدنيوي،‏ مدرستهم،‏ الحوادث الجارية،‏ او خبرتهم في التعامل مع الناس.‏ غير اننا نحرص ألا ندع شيئا يحوِّل انتباهنا عن رسالتنا:‏ بشارة ملكوت الله.‏ —‏ ١ تيموثاوس ٤:‏١٦‏.‏

      موقف يسوع من خدمته

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ ايّ موقف امتلكه يسوع من خدمته؟‏ (‏ب)‏ كيف اظهر يسوع ان خدمته هي محور حياته؟‏

      ١٦ اعتبر يسوع خدمته كنزا ثمينا.‏ فقد سُرّ بأن يعطي صورة حقيقية عن ابيه السماوي،‏ صورة لا تشوّهها العقائد والتقاليد البشرية المشوِّشة.‏ وأحبّ ايضا ان يساعد الناس على نيل علاقة مقبولة بيهوه وامتلاك رجاء الحياة الابدية.‏ كما سُرّ بمنحهم العزاء والفرح الناجم عن البشارة.‏ فكيف برهن انه يملك هذه المشاعر؟‏ لنتأمل في ثلاث طرائق.‏

      ١٧ اولا،‏ جعل يسوع الخدمة محور حياته.‏ فقد ركّز اهتمامه على التكلم عن الملكوت واتّخذ هذه الخدمة مهنة له في حياته.‏ لهذا السبب ابقى يسوع بحكمة حياته بسيطة،‏ كما رأينا في الفصل ٥‏.‏ فكما نصح الآخرين،‏ ابقى عينه مركّزة على الامور الاكثر اهمية،‏ ولم يلتهِ بشراء اشياء كثيرة كي لا يضطر الى دفع ثمنها،‏ صيانتها،‏ وإصلاحها او استبدالها.‏ بل عاش حياة بسيطة بحيث لا يلهيه شيء غير ضروري عن خدمته.‏ —‏ متى ٦:‏٢٢؛‏ ٨:‏٢٠‏.‏

      ١٨ كيف كان يسوع متفانيا في خدمته؟‏

      ١٨ ثانيا،‏ كان يسوع متفانيا في خدمته.‏ فقد بذل قصارى جهده فيها،‏ اذ سار مئات الكيلومترات في كل انحاء فلسطين بحثا عن اشخاص ليكرز لهم بالبشارة.‏ فتحدث اليهم في بيوتهم،‏ في الساحات،‏ في الاسواق،‏ وفي العراء.‏ وتكلم معهم ايضا رغم انه كان بحاجة الى الراحة،‏ الطعام،‏ الماء،‏ او قضاء وقت هادئ مع اصدقائه الاحماء.‏ حتى حين كان مشرفا على الموت،‏ استمر في إخبار الآخرين ببشارة ملكوت الله.‏ —‏ لوقا ٢٣:‏​٣٩-‏٤٣‏.‏

      ١٩،‏ ٢٠ كيف اوضح يسوع ان الكرازة هي عمل ملحّ؟‏

      ١٩ ثالثا،‏ اعتبر الخدمة امرا ملحّا.‏ تذكَّر حديثه مع المرأة السامرية عند البئر خارج سوخار.‏ فكما يبدو،‏ لم يرَ رسله آنذاك ان هنالك حاجة ملحّة الى إخبار الآخرين بالبشارة.‏ لذلك قال لهم يسوع:‏ «أما تقولون:‏ هي اربعة اشهر بعد ويأتي الحصاد؟‏ ها انا اقول لكم:‏ ارفعوا اعينكم وانظروا الحقول،‏ انها قد ابيضت للحصاد».‏ —‏ يوحنا ٤:‏٣٥‏.‏

      ٢٠ استوحى يسوع هذا المثل من الموسم الذي كانوا فيه.‏ فمن الواضح انه كان شهر كِسْلو الذي يقابل تشرين الثاني/‏كانون الاول (‏نوفمبر/‏ديسمبر)‏ في تقويمنا الحالي.‏ وحصاد الشعير لم يكن ليأتي إلا بعد اربعة اشهر،‏ قرابة وقت عيد الفصح في ١٤ نيسان القمري.‏ لذلك لم يشعر المزارعون بأن الحصاد امر ملحّ.‏ فكان لديهم متّسع من الوقت.‏ ولكن ماذا عن حصاد الناس؟‏ كثيرون كانوا مستعدين ليسمعوا ويتعلموا ويصيروا تلاميذ المسيح وينالوا الرجاء الرائع الذي اتاحه لهم يهوه.‏ فكان بإمكان يسوع ان ينظر الى هذه الحقول المجازية ويرى انها ابيضت،‏ اذ امتلأت بسنابل القمح الناضجة التي تتمايل مع النسيم،‏ مما يؤذن بأنها صارت جاهزة للحصاد.‏c لقد آن الاوان،‏ وعمل الحصاد صار امرا ملحّا.‏ لهذا السبب،‏ حين حاول سكان احدى المدن ان يبقوه معهم،‏ اجابهم قائلا:‏ «لا بد لي ان ابشّر المدن الاخرى ايضا بملكوت الله،‏ لأني لهذا أُرسلْت».‏ —‏ لوقا ٤:‏٤٣‏.‏

      ٢١ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع؟‏

      ٢١ بإمكاننا الاقتداء بيسوع في هذه الطرائق الثلاث التي ناقشناها آنفا.‏ اولا،‏ يمكننا ان نجعل الخدمة المسيحية محور حياتنا.‏ فرغم انه قد تكون لدينا التزامات عائلية ودنيوية،‏ في مقدورنا ان نُظهِر اننا نعطي خدمتنا الاولوية حين نشترك فيها بانتظام وغيرة،‏ تماما كما فعل يسوع.‏ (‏متى ٦:‏٣٣؛‏ ١ تيموثاوس ٥:‏٨‏)‏ ثانيا،‏ باستطاعتنا ان نكون متفانين في الخدمة حين نضحي بوقتنا وطاقتنا ومواردنا لدعمها.‏ (‏لوقا ١٣:‏٢٤‏)‏ وثالثا،‏ يمكننا ان نبقي دوما في بالنا ان عملنا ملحّ.‏ (‏٢ تيموثاوس ٤:‏٢‏)‏ لذا يجب ان نغتنم كل فرصة للكرازة.‏

      ٢٢ ماذا سنناقش في الفصل التالي؟‏

      ٢٢ اظهر يسوع ايضا انه ادرك اهمية هذا العمل حين حرص على استمراريته بعد مماته.‏ فقد فوَّض الى أتباعه القيام بعمل الكرازة والتعليم.‏ وسيكون هذا التفويض موضوع مناقشتنا في الفصل التالي.‏

      a على سبيل المثال،‏ حين تسأل المرأة كيف يخاطبها وهو يهودي وهي سامرية،‏ تثير موضوع العداوة القائمة طوال قرون بين هذين الشعبين.‏ (‏يوحنا ٤:‏٩‏)‏ كما انها تصرّ ان شعبها متحدِّر من يعقوب،‏ ادّعاء يرفضه اليهود رفضا باتًّا.‏ (‏يوحنا ٤:‏١٢‏)‏ فهم يدْعون السامريين كوثيين للتشديد على تحدرهم من شعوب اجنبية.‏

      b تشير الكرازة الى المناداة برسالة ما او إعلانها.‏ اما التعليم فيشمل اكثر من ذلك،‏ اذ يشير الى نقل الرسالة والتعمق في مناقشتها.‏ والتعليم الجيد يتطلب ابتكار اساليب تمسّ القلوب بغية دفع التلاميذ الى تطبيق ما يتعلَّمونه.‏

      c يقول احد المراجع عن هذا العدد:‏ «عندما تنضج حبوب القمح،‏ يتحوّل لونها من الاخضر الى الاصفر،‏ او الاصفر الفاتح،‏ مما يشير انه حان الوقت لحصادها».‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف تُظهِر صلواتنا وأعمالنا اننا ندرك ان خدمتنا هي عمل ملحّ؟‏ —‏ متى ٩:‏​٣٥-‏٣٨‏.‏

      •  كيف يحثّنا موقف يسوع على العمل اذا شعرنا ان غيرتنا للخدمة تفتر؟‏ —‏ مرقس ١:‏​٣٥-‏٣٩‏.‏

      • اية نظرة ينبغي ان نمتلكها الى الناس المتضعين او المظلومين او المنبوذين الذين نلتقيهم في كرازتنا؟‏ —‏ لوقا ١٨:‏٣٥–‏١٩:‏١٠‏.‏

      •  لماذا لا ينبغي ابدا ان ندع غيرتنا تفتر بسبب اللامبالاة او العداء اللذين نلقاهما في الكرازة؟‏ —‏ يوحنا ٧:‏​٣٢-‏٥٢‏.‏

  • ‏«اذهبوا وتلمذوا»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ٩

      ‏«اذهبوا وتلمذوا»‏

      محصول في حقل

      ماذا يفعل المزارع اذا كان المحصول وافرا ولا يستطيع ان يحصده وحده؟‏

      ١-‏٣ (‏أ)‏ ماذا فعل المزارع عندما كان المحصول وافرا جدا ولا يستطيع ان يحصده وحده؟‏ (‏ب)‏ ايّ تحدٍّ واجهه يسوع في ربيع سنة ٣٣ ب‌م،‏ وكيف تغلب عليه؟‏

      حرث المزارع حقله وزرع البذار،‏ ثم راقب باهتمام كيف افرخ الورق.‏ وقد فرح جدا حين صار الزرع ناضجا،‏ فجهوده تكلَّلت بالنجاح.‏ لكنه يواجه الآن تحدّيا.‏ فوقت الحصاد قد حان،‏ والمحصول وافر جدا لا يستطيع ان يحصده وحده وليس لديه إلا وقت قصير.‏ لذلك يقرِّر ان يستأجر بعض العمّال ويرسلهم الى الحقل.‏

      ٢ في ربيع سنة ٣٣ ب‌م،‏ واجه يسوع المقام تحدّيا مماثلا.‏ فقد زرع بذار الحق خلال خدمته الارضية وبعد فترة حان وقت الحصاد.‏ وكان المحصول وافرا،‏ فكان يجب تجميع اشخاص متجاوبين كثيرين ليصيروا تلاميذ له.‏ (‏يوحنا ٤:‏​٣٥-‏٣٨‏)‏ فماذا فعل يسوع؟‏ عندما كان على جبل في الجليل قبيل صعوده الى السماء،‏ اعطى تلاميذه تفويضا لإيجاد المزيد من العمّال.‏ قال:‏ «اذهبوا وتلمذوا اناسا من جميع الامم،‏ وعمِّدوهم .‏ .‏ .‏،‏ وعلّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به».‏ —‏ متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏.‏

      ٣ وهذا التفويض هو امر جوهري ليكون الشخص تابعا حقيقيا للمسيح.‏ فلنناقش الآن ثلاثة اسئلة تتعلق به:‏ لماذا اعطى يسوع التفويض لإيجاد المزيد من العمّال؟‏ وكيف درّب تلاميذه على ذلك؟‏ وكيف نكون نحن معنيين بهذا التفويض؟‏

      لماذا لزم المزيد من العمّال؟‏

      ٤،‏ ٥ لماذا لم يكن بإمكان يسوع ان ينهي العمل الذي استهلّه،‏ ومَن كان عليهم القيام بالعمل بعد عودته الى السماء؟‏

      ٤ عندما ابتدأ يسوع خدمته سنة ٢٩ ب‌م،‏ عرف انه يستهلّ عملا لن يستطيع انجازه وحده.‏ ففي الوقت القصير الذي تبقّى له على الارض،‏ كان بإمكانه تغطية منطقة ضيّقة وإخبار عدد محدود من الاشخاص برسالة الملكوت.‏ فقد قَصَر كرازته بشكل رئيسي على اليهود والمتهوّدين،‏ «الخراف الضائعة من بيت اسرائيل».‏ (‏متى ١٥:‏٢٤‏)‏ لكنَّ هؤلاء «الخراف الضائعة» كانوا مشتتين في طول اسرائيل وعرضها،‏ اي ضمن مساحة تبلغ آلاف الكيلومترات المربَّعة.‏ اضافة الى ذلك،‏ كان يجب ايصال البشارة الى باقي الحقل،‏ اي الى كل انحاء العالم.‏ —‏ متى ١٣:‏٣٨؛‏ ٢٤:‏١٤‏.‏

      ٥ لقد ادرك يسوع انه سيترك وراءه عملا هائلا ليُنجَز بعد موته.‏ لذلك قال لرسله الامناء الـ‍ ١١:‏ «الحق الحق اقول لكم:‏ مَن يمارس الايمان بي،‏ يعمل هو ايضا الاعمال التي انا اعملها،‏ ويعمل اعظم منها،‏ لأني ذاهب الى الآب».‏ (‏يوحنا ١٤:‏١٢‏)‏ فبما ان الابن كان عائدا الى السماء،‏ كان على أتباعه —‏ كل تلاميذه المقبلين وليس رسله فقط —‏ ان يقوموا بعمل الكرازة والتعليم.‏ (‏يوحنا ١٧:‏٢٠‏)‏ واعترف يسوع بتواضع ان اعمالهم ستكون «اعظم من» اعماله.‏ كيف ذلك؟‏ بثلاث طرائق.‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ بأيّ معنى تكون اعمال أتباع يسوع اعظم من اعماله؟‏ (‏ب)‏ كيف نُظهِر ان ثقة يسوع بأتباعه هي في محلّها؟‏

      ٦ اولا،‏ كان أتباع يسوع سيغطّون مقاطعة اكبر.‏ ففي ايامنا،‏ بلغت شهادتهم اقاصي الارض،‏ ابعد بكثير من حدود المنطقة التي كرز فيها يسوع.‏ ثانيا،‏ كانوا سيصلون الى اشخاص اكثر.‏ فالأعداد القليلة من التلاميذ الذين تركهم يسوع بعد موته تزايدت بسرعة وصارت بالآلاف.‏ (‏اعمال ٢:‏٤١؛‏ ٤:‏٤‏)‏ وهم الآن يُعدّون بالملايين،‏ ومئات آلاف الاشخاص الجدد يعتمدون كل سنة.‏ ثالثا،‏ كانوا سيكرزون فترة اطول.‏ فهذه الفترة تمتد الى ايامنا،‏ بعد نحو ٠٠٠‏,٢ سنة من نهاية خدمة يسوع التي دامت ثلاث سنوات ونصفا.‏

      ٧ كان يسوع يعبِّر عن ثقته بأتباعه عندما قال انهم سيعملون ‹اعمالا اعظم من› اعماله.‏ فقد عهد اليهم بعمل له اهمية قصوى في نظره،‏ عمل الكرازة ‹ببشارة ملكوت الله› والتعليم.‏ (‏لوقا ٤:‏٤٣‏)‏ وكان مقتنعا بأنهم سينجزون هذا التعيين بأمانة.‏ فماذا يعني ذلك لنا اليوم؟‏ عندما نقوم بالخدمة بغيرة وبكل القلب،‏ نُظهِر ان ثقة يسوع بأتباعه هي في محلّها.‏ أوليس ذلك شرفا رفيعا؟‏!‏ —‏ لوقا ١٣:‏٢٤‏.‏

      التدريب لإعطاء شهادة

      اخت تبشِّر موظفا في محل

      تدفعنا المحبة الى الكرازة حيثما يمكن ايجاد الناس

      ٨،‏ ٩ ايّ مثال رسمه يسوع في الخدمة،‏ وكيف نحتذي بمثاله في خدمتنا؟‏

      ٨ درّب يسوع تلاميذه على الخدمة بأفضل طريقة ممكنة.‏ في المقام الاول،‏ زوّدهم بمثال كامل للاقتداء به.‏ (‏لوقا ٦:‏٤٠‏)‏ مثلا،‏ كان بإمكانهم ملاحظة موقفه من الخدمة،‏ الامر الذي ناقشناه في الفصل السابق.‏ فرأوا انه كرز حيثما وُجد الناس:‏ على شواطئ البحيرات والتلال،‏ في المدن وساحات الاسواق،‏ وكذلك في البيوت.‏ (‏متى ٥:‏​١،‏ ٢؛‏ لوقا ٥:‏​١-‏٣؛‏ ٨:‏١؛‏ ١٩:‏​٥،‏ ٦‏)‏ ورأوا ايضا انه شخص مجتهد،‏ اذ انه كان يستيقظ في الصباح الباكر ليقوم بالخدمة ويظل حتى ساعة متأخرة من الليل.‏ فالخدمة لم تكن مجرد هواية يقوم بها وقت فراغه.‏ (‏لوقا ٢١:‏​٣٧،‏ ٣٨؛‏ يوحنا ٥:‏١٧‏)‏ كما شعروا دون شك ان ما دفعه الى الخدمة هو محبته العميقة للناس.‏ فلربما لاحظوا كيف عكست ملامح وجهه الشفقة التي احسّ بها في قلبه.‏ (‏مرقس ٦:‏٣٤‏)‏ فأيّ اثر تركه مثال يسوع في تلاميذه؟‏ وأيّ اثر كان سيتركه ذلك فيك انت؟‏

      ٩ كأتباع للمسيح،‏ نحن نحتذي بمثاله في خدمتنا.‏ لذلك لا نألو جهدا في تقديم ‹الشهادة كاملا›.‏ (‏اعمال ١٠:‏٤٢‏)‏ فعلى غرار يسوع،‏ نحن نزور الناس في بيوتهم.‏ (‏اعمال ٥:‏٤٢‏)‏ ونكيّف برنامجنا عند الضرورة لكي نتمكن من زيارتهم حين يكون من المرجح ايجادهم في البيت.‏ كما اننا نبحث عن الناس لنكرز لهم في الاماكن العامة:‏ الشوارع،‏ الحدائق العامة،‏ المتاجر،‏ وأماكن العمل.‏ ونحن «نعمل بكدّ ونجتهد» في الخدمة لأننا نحمل هذا العمل محمل الجدّ.‏ (‏١ تيموثاوس ٤:‏١٠‏)‏ والمحبة العميقة النابعة من القلب للآخرين تدفعنا الى الاستمرار في انتهاز الفرص للكرازة حينما وحيثما يمكن ايجاد الناس.‏ —‏ ١ تسالونيكي ٢:‏٨‏.‏

      التلاميذ السبعون يعودون الى يسوع فرحين

      ‏«عاد السبعون بفرح»‏

      ١٠-‏١٢ ايّ درسَين مهمَّين علّمهما يسوع لتلاميذه قبل إرسالهم ليكرزوا؟‏

      ١٠ والطريقة الاخرى التي درّب يسوع تلاميذه بواسطتها هي تزويدهم بإرشادات مفصّلة.‏ فقد عقد يسوع مرتين اجتماعا كان بمثابة جلسة تدريب،‏ وذلك قبل إرساله الرسل الـ‍ ١٢ ثم التلاميذ الـ‍ ٧٠ ليكرزوا.‏ (‏متى ١٠:‏​١-‏١٥؛‏ لوقا ١٠:‏​١-‏١٢‏)‏ وأسفر هذا التدريب عن نتائج رائعة.‏ تقول لوقا ١٠:‏١٧‏:‏ «عاد السبعون بفرح».‏ فلنستعرض درسَين مهمَّين علّمهما يسوع،‏ مبقين في بالنا ان كلماته يجب فهمها على ضوء العادات اليهودية في ازمنة الكتاب المقدس.‏

      ١١ اولا،‏ علّم يسوع تلاميذه الثقة بيهوه.‏ قال لهم:‏ «لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في جيوب مناطقكم،‏ ولا مزودا للطريق،‏ ولا قميصين ولا نعلين ولا عكازا،‏ لأن العامل يستحق طعامه».‏ (‏متى ١٠:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ اعتاد المسافرون قديما ان يأخذوا معهم مالا في جيوب مناطقهم،‏ ومزودا للطعام،‏ وزوجا اضافيا من النعال.‏a لذلك،‏ عندما قال يسوع لتلاميذه ألا يقلقوا بشأن امور كهذه،‏ كان يقول لهم في الواقع:‏ «ثقوا ثقة تامة بيهوه،‏ لأنه سيهتم بحاجاتكم».‏ فكان يهوه سيعتني بهم من خلال دفْع الذين يقبلون البشارة الى اظهار الضيافة لهم،‏ صفة كانت من عادات شعب اسرائيل قديما.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏٣٥‏.‏

      ١٢ ثانيا،‏ علّم يسوع تلاميذه تجنُّب التلهيات غير الضرورية.‏ قال:‏ «لا تسلّموا على احد وتعانقوه في الطريق».‏ (‏لوقا ١٠:‏٤‏)‏ فهل كان يسوع يطلب منهم ان يكونوا غير وديين مع الناس او يتعاملوا معهم بفتور؟‏ كلا البتة!‏ ففي ازمنة الكتاب المقدس،‏ لم يقتصر السلام في اغلب الاحوال على مجرد إلقاء التحية،‏ بل شمل ايضا التقيّد بأصول معيّنة والمحادثات الطويلة.‏ يذكر احد علماء الكتاب المقدس:‏ «لم تكن التحيات عند الشرقيين،‏ كما هي الحال عندنا،‏ مجرد انحناءة بسيطة او مصافحة،‏ بل كانت تؤدَّى بكثير من المعانقات،‏ والانحناءات،‏ وحتى السجود بالوجه الى الارض.‏ وتطلَّب كل ذلك الكثير من الوقت».‏ لذلك،‏ عندما اوصى يسوع تلاميذه ألا يسلّموا على احد،‏ كان يقول لهم في الواقع:‏ «يجب ان تستغلوا وقتكم احسن استغلال لأن الرسالة التي تحملونها ملحّة جدا».‏b

      ١٣ كيف نبرهن اننا نطبِّق الارشادات التي اعطاها يسوع لتلاميذه في القرن الاول؟‏

      ١٣ اليوم ايضا،‏ نحن نطيع الارشادات التي اعطاها يسوع لتلاميذه في القرن الاول.‏ ولدينا ثقة مطلقة بيهوه فيما نقوم بخدمتنا.‏ (‏امثال ٣:‏​٥،‏ ٦‏)‏ فنحن نعرف انه لن تعوزنا ضروريات الحياة اذا ‹داومنا اولا على طلب الملكوت›.‏ (‏متى ٦:‏٣٣‏)‏ ويمكن للكارزين بالملكوت كامل الوقت حول العالم ان يشهدوا ان يد يهوه لا تقصر ابدا،‏ حتى في الاوقات العصيبة.‏ (‏مزمور ٣٧:‏٢٥‏)‏ كما اننا ندرك ضرورة تجنُّب التلهيات.‏ فإذا لم نكن منتبهين،‏ فمن السهل جدا ان يلهينا نظام الاشياء هذا.‏ (‏لوقا ٢١:‏​٣٤-‏٣٦‏)‏ لكنَّ هذا الوقت ليس للتلهي.‏ فرسالتنا ملحّة لأن حياة الناس في خطر.‏ (‏روما ١٠:‏​١٣-‏١٥‏)‏ وإبقاء شعورنا بالالحاح متّقدا سيمنعنا من السماح لتلهيات العالم باستنزاف وقتنا وطاقتنا اللذين من الافضل بذلهما في الخدمة.‏ فالوقت الباقي قصير والحصاد كثير.‏ —‏ متى ٩:‏​٣٧،‏ ٣٨‏.‏

      تفويض نحن معنيون به

      ١٤ ماذا يدل ان التفويض المسجّل في متى ٢٨:‏​١٨-‏٢٠ يشمل كل أتباع المسيح؟‏ (‏انظر ايضا الحاشية.‏)‏

      ١٤ حين قال يسوع المقام:‏ «اذهبوا وتلمذوا»،‏ ألقى مسؤولية كبيرة على أتباعه،‏ اذ انه لم يكن يفكر فقط في تلاميذه الموجودين معه آنذاك على جبل الجليل.‏c فالعمل الذي فوّضه يشمل الوصول الى ‹اناس من جميع الامم› وهو لا يزال مستمرا حتى «اختتام نظام الاشياء».‏ من الواضح اذًا ان هذا التفويض يشمل كل أتباع المسيح،‏ بمَن فيهم نحن اليوم.‏ فلنتفحص اكثر كلمات يسوع المسجّلة في متى ٢٨:‏​١٨-‏٢٠‏.‏

      ١٥ لماذا من الحكمة إطاعة وصية يسوع بالتلمذة؟‏

      ١٥ قال يسوع قبل إعطائه التفويض:‏ «دُفعت اليّ كل سلطة في السماء وعلى الارض».‏ (‏العدد ١٨‏)‏ فهل يتولى يسوع حقا هذه السلطة الكبيرة؟‏ اجل،‏ دون شك!‏ فهو رئيس الملائكة الذي لديه تحت امرته ربوات ربوات من الملائكة.‏ (‏١ تسالونيكي ٤:‏١٦؛‏ رؤيا ١٢:‏٧‏)‏ وهو ايضا «رأس الجماعة» الذي لديه سلطة على أتباعه على الارض.‏ (‏افسس ٥:‏٢٣‏)‏ ومنذ سنة ١٩١٤،‏ يحكم يسوع كملك مسيّاني في السماء.‏ (‏رؤيا ١١:‏١٥‏)‏ حتى ان سلطته تشمل المدفن،‏ اذ ان في مقدوره إقامة الاموات.‏ (‏يوحنا ٥:‏​٢٦-‏٢٨‏)‏ وهكذا،‏ بالتحدث عن سلطته الشاملة،‏ يشير يسوع ان الكلمات التي ستلي ليست اقتراحا بل وصية.‏ ومن الحكمة ان نطيع هذه الوصية اليوم لأن سلطة يسوع ليست نابعة من نفسه بل من الله.‏ —‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٢٧‏.‏

      ١٦ بماذا يأمرنا يسوع عندما يقول:‏ «اذهبوا»،‏ وكيف نقوم بهذا الوجه من التفويض؟‏

      ١٦ بعدئذ،‏ يعطي يسوع التفويض الذي يبدأ بكلمة واحدة:‏ ‏«اذهبوا».‏ (‏العدد ١٩‏)‏ وبذلك يأمرنا ان نأخذ المبادرة لإيصال رسالة الملكوت للآخرين.‏ وللقيام بهذا الوجه من التفويض،‏ يمكننا استخدام طرائق متنوعة.‏ فالكرازة من بيت الى بيت هي وسيلة فعّالة جدا لنلتقي الناس.‏ (‏اعمال ٢٠:‏٢٠‏)‏ كما اننا نتحين الفرص للشهادة بشكل غير رسمي،‏ اذ نبقى مستعدين في حياتنا اليومية للبدء بأحاديث عن البشارة حيثما يكون ملائما.‏ ومع ان اساليب الكرازة قد تختلف باختلاف الحاجات والظروف المحلية،‏ هنالك امر واحد مشترك:‏ نحن ‹نذهب› للبحث عن المستحقين.‏ —‏ متى ١٠:‏١١‏.‏

      ١٧ كيف ‹نتلمذ› الناس؟‏

      ١٧ يوضح يسوع بعد ذلك هدف التفويض:‏ ‏‹تلمذة اناس من جميع الامم›.‏ (‏العدد ١٩‏)‏ فكيف ‹نتلمذ› الناس؟‏ التلميذ هو شخص يجري تعليمه.‏ لكنَّ تلمذة الآخرين لا تقتصر على نقل المعرفة اليهم.‏ فهدفنا من درس الكتاب المقدس مع المهتمين هو مساعدتهم ان يصيروا أتباعا للمسيح.‏ لذلك حيثما امكن،‏ نحن نلفت انتباه تلاميذنا الى مثال يسوع لنعلِّمهم ان ينظروا اليه كمعلّم ونموذج،‏ اذ يقتدون به في طريقة حياته وأعماله.‏ —‏ يوحنا ١٣:‏١٥‏.‏

      ١٨ لماذا المعمودية هي الحدث الاهم في حياة التلميذ؟‏

      ١٨ تتحدث الكلمات التالية عن وجه حيوي من التفويض:‏ ‏«عمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس».‏ (‏العدد ١٩‏)‏ فالمعمودية هي الحدث الاهم في حياة التلميذ،‏ لأنها رمز ملائم الى انتذاره لله من كل قلبه.‏ وهي خطوة ضرورية للخلاص.‏ (‏١ بطرس ٣:‏٢١‏)‏ فإذا استمرّ التلميذ المعتمد يبذل اقصى جهده في خدمة يهوه،‏ يمكنه ان يرجو نيل بركات ابدية في العالم الجديد القادم.‏ فهل ساعدت شخصا ليصير تلميذا معتمدا للمسيح؟‏ ما من فرح آخر في الخدمة المسيحية يضاهي هذا الفرح.‏ —‏ ٣ يوحنا ٤‏.‏

      ١٩ ماذا نعلّم الجدد،‏ ولماذا قد تلزم مواصلة التعليم بعد معموديتهم؟‏

      ١٩ يوضح يسوع الوجه التالي من التفويض قائلا:‏ ‏«علّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به».‏ (‏العدد ٢٠‏)‏ فنحن نعلّم الجدد ان يطبّقوا وصايا يسوع،‏ بما في ذلك وصيته عن محبة الله،‏ محبة القريب،‏ وتلمذة الناس.‏ (‏متى ٢٢:‏​٣٧-‏٣٩‏)‏ كما نعلّمهم تدريجيا كيف يشرحون حقائق الكتاب المقدس ويدافعون عن ايمانهم الذي ينمو شيئا فشيئا.‏ وعندما يصيرون مؤهلين للاشتراك في نشاط الكرازة،‏ نعمل معهم ونعلّمهم بالكلام والمثال كيف يكونون فعّالين في هذا العمل.‏ لكنَّ تعليم التلاميذ الجدد لا ينتهي بالضرورة عند معموديتهم.‏ فالمعتمدون حديثا قد يحتاجون الى ارشاد اضافي يساعدهم ان يتغلبوا على الصعوبات التي تنجم عن كونهم أتباعا للمسيح.‏ —‏ لوقا ٩:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏

      ‏«انا معكم كل الايام»‏

      ٢٠،‏ ٢١ (‏أ)‏ لماذا ما من سبب لنخاف فيما ننجز التفويض الذي اوكله يسوع الينا؟‏ (‏ب)‏ لماذا ليس هذا وقتا للتباطؤ،‏ وعلامَ ينبغي ان نصمِّم؟‏

      ٢٠ كم تطمئننا الكلمات الختامية من تفويض يسوع!‏ فهو يقول:‏ «ها انا معكم كل الايام الى اختتام نظام الاشياء».‏ (‏متى ٢٨:‏٢٠‏)‏ يدرك يسوع ان هذا التعيين بالغ الاهمية.‏ وهو يدرك ايضا ان إنجازه سيثير احيانا ردود فعل عدائية من المقاومين.‏ (‏لوقا ٢١:‏١٢‏)‏ ولكن ما من سبب لنخاف.‏ فقائدنا لا يتوقع منا ان نقوم بهذا التعيين وحدنا.‏ لذلك ألا نتشجع حين نعرف ان الشخص الذي دُفعت اليه «كل سلطة في السماء وعلى الارض» هو معنا لدعمنا فيما ننجز هذا التفويض؟‏!‏

      ٢١ لقد طمأن يسوع تلاميذه انه سيكون معهم في خدمتهم على مرّ القرون «الى اختتام نظام الاشياء».‏ وحتى تأتي النهاية،‏ يجب ان نستمر في القيام بالتفويض الذي اعطاه يسوع.‏ وهذا ليس وقتا للتباطؤ،‏ اذ يجري الآن حصاد روحي وافر.‏ فالاشخاص المتجاوبون يُجمَعون بأعداد كبيرة.‏ لذلك لنصمِّم كأتباع للمسيح ان ننجز هذا التفويض المهمّ الموكل الينا.‏ ولنعقد العزم على التضحية بوقتنا وطاقتنا ومواردنا في سبيل إطاعة وصية المسيح:‏ «اذهبوا وتلمذوا».‏

      a ربما كانت المنطقة حزاما يحتوي كيسا صغيرا لحمل الدراهم.‏ أما المزود فكان كيسا اكبر مصنوعا عادة من الجلد يُعلَّق على الكتف ويُستخدم لحمل الطعام او الضروريات الاخرى.‏

      b اعطى النبي أليشع ذات مرة ارشادا مماثلا.‏ فقد قال لخادمه جيحزي حين ارسله الى بيت امرأة فقدت ابنها في الموت:‏ «اذا صادفت احدا،‏ فلا تسلِّم عليه».‏ (‏٢ ملوك ٤:‏٢٩‏)‏ فالمهمة كانت ملحّة،‏ لذلك لم يكن هنالك وقت لتأخير غير ضروري.‏

      c بما ان أتباع يسوع المقام كانوا في الجليل،‏ فلا بد انه في هذه المناسبة المذكورة في متى ٢٨:‏​١٦-‏٢٠ تراءى «لأكثر من خمس مئة» شخص.‏ (‏١ كورنثوس ١٥:‏٦‏)‏ لذلك ربما كان مئات الاشخاص حاضرين عندما اعطى يسوع التفويض لتلاميذه.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  بأية طريقة ينبغي ان نوصل رسالة الملكوت الى الآخرين؟‏ —‏ متى ١٠:‏​١١-‏١٣؛‏ لوقا ١٠:‏٥‏.‏

      •  كيف يمكن ان تساعدنا كلمات يسوع حين نواجه المقاومة فيما نقوم بعمل الكرازة؟‏ —‏ مرقس ١٣:‏​٩-‏١٣‏.‏

      •  كيف يجب ان نتعامل مع الذين لا يتجاوبون مع رسالتنا؟‏ —‏ لوقا ١٠:‏​١٠،‏ ١١‏.‏

      •  اية ثقة ينبغي ان نمتلكها حين نعطي الاولوية لعمل الكرازة؟‏ —‏ لوقا ١٢:‏​٢٢-‏٣١‏.‏

  • ‏«مكتوب»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٠

      ‏«مكتوب»‏

      يسوع يقرأ درج اشعيا في مجمع

      ‏«اليوم تمَّت هذه الآية»‏

      ١-‏٣ ايّ استنتاج مهمّ اراد يسوع ان يتوصل اليه اهل الناصرة،‏ وأيّ دليل قدّمه؟‏

      رجع يسوع المسيح في اوائل خدمته الى موطنه الناصرة.‏ وكان هدفه مساعدة الناس على التوصل الى استنتاج مهمّ:‏ انه هو المسيَّا المنبأ به منذ زمن طويل.‏ فأيّ دليل قدّمه؟‏

      ٢ لا شك ان كثيرين توقعوا منه ان يصنع عجيبة،‏ لأنهم سمعوا تقارير عن الاعمال المدهشة التي قام بها.‏ لكنه لم يعطِهم آية كهذه،‏ بل ذهب الى المجمع حسب عادته ووقف ليقرأ.‏ فأُعطي دَرج اشعيا،‏ على الارجح دَرجا طويلا ملفوفا على قضيبَين.‏ فأمسك به وفتحه من جانب الى آخر.‏ وحين وجد المقطع الذي يبحث عنه،‏ قرأ بصوت عالٍ ما نجده الآن في اشعيا ٦١:‏​١-‏٣‏.‏ —‏ لوقا ٤:‏​١٦-‏١٩‏.‏

      ٣ كان سامعوه يعرفون هذا المقطع،‏ فهو نبوة عن المسيَّا.‏ وإذ كانت عيون جميع الذين في المجمع شاخصة اليه ويسود صمت مطبِق،‏ ابتدأ يسوع عندئذ يعطيهم شرحا ربما يكون مفصَّلا ويقول لهم:‏ «اليوم تمَّت هذه الآية التي قد سمعتموها».‏ فتعجب الحضور من كلماته المسرّة.‏ ولكن من الواضح ان كثيرين كانوا لا يزالون يرغبون في رؤية آية مذهلة.‏ غير ان يسوع استخدم بجرأة مثالا من الاسفار المقدسة لإظهار قلة ايمانهم.‏ وبعد ذلك على الفور،‏ حاول اهل الناصرة قتله.‏ —‏ لوقا ٤:‏​٢٠-‏٣٠‏.‏

      ٤ ايّ نموذج وضعه يسوع في خدمته،‏ وماذا سنناقش في هذا الفصل؟‏

      ٤ في هذه الحادثة،‏ وضع يسوع نموذجا لما سيفعله خلال كامل خدمته.‏ فقد استند كثيرا على كلمة الله الموحى بها.‏ صحيح ان عجائبه كانت برهانا قويا انه يملك روح الله،‏ ولكن ما من شيء كان اهم في نظره من الاسفار المقدسة.‏ لذلك سنتفحص في هذا الفصل المثال الذي رسمه يسوع في هذا المجال.‏ فسنناقش كيف اقتبس سيدنا من كلمة الله،‏ دافع عنها،‏ وشرحها.‏

      الاقتباس من كلمة الله

      ٥ ماذا كان يسوع مصمِّما ان يخبر سامعيه،‏ وكيف اثبت صحة كلماته؟‏

      ٥ اراد يسوع ان يعرف الناس مصدر رسالته.‏ فقد قال لهم ذات مرة:‏ «ما اعلِّمه ليس لي،‏ بل للذي ارسلني».‏ (‏يوحنا ٧:‏١٦‏)‏ وذكر في مناسبة اخرى:‏ «لا افعل شيئا من تلقاء ذاتي،‏ بل كما علَّمني الآب بهذا اتكلم».‏ (‏يوحنا ٨:‏٢٨‏)‏ وقال ايضا:‏ «ما اقوله لكم لست اتكلم به من عندي،‏ بل الآب الذي يبقى في اتّحاد بي هو يعمل اعماله».‏ (‏يوحنا ١٤:‏١٠‏)‏ وإحدى الطرائق التي اثبت بها يسوع صحة كلماته هذه هي الاقتباس تكرارا من كلمة الله.‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ الى ايّ مدى اقتبس يسوع من الاسفار العبرانية،‏ ولماذا هذا امر ذو شأن؟‏ (‏ب)‏ كيف اختلف تعليم يسوع عن تعليم الكتبة؟‏

      ٦ يكشف الفحص الدقيق لكلمات يسوع انه اقتبس مباشرة او اشار بشكل غير مباشر الى اكثر من نصف الاسفار العبرانية القانونية.‏ للوهلة الاولى،‏ قد لا يبدو ذلك امرا ذا شأن.‏ فربما تتساءل:‏ لماذا لم يقتبس يسوع خلال السنوات الثلاث والنصف التي قام فيها بعمل التعليم والكرازة من كل الاسفار الموحى بها؟‏ في الواقع،‏ هذا ما فعله على الارجح.‏ فلا تنسَ انه لم يُسجَّل إلا القليل من اقوال يسوع وأعماله.‏ (‏يوحنا ٢١:‏٢٥‏)‏ وكلمات يسوع المدوَّنة في الاسفار المقدسة يمكن قراءتها بصوت عالٍ في بضع ساعات فقط.‏ فهل تتخيّل انك تتكلم عن الله وملكوته مجرد ساعات قليلة وتتمكن مع ذلك من الاشارة الى اكثر من نصف الاسفار العبرانية؟‏ علاوة على ذلك،‏ لم تكن في متناول يسوع في اغلب الاحيان ادراج مكتوبة.‏ وهذه كانت الحال حين ألقى موعظته الشهيرة على الجبل.‏ رغم ذلك،‏ كثيرا ما اقتبس من الذاكرة مقاطع من الاسفار العبرانية بشكل مباشر او غير مباشر.‏

      ٧ وهذه الاقتباسات اظهرت احترام يسوع العميق لكلمة الله.‏ وقد «ذهل» مستمعوه «من طريقة تعليمه،‏ لأنه كان يعلّمهم كمَن له سلطة،‏ لا كالكتبة».‏ (‏مرقس ١:‏٢٢‏)‏ فالكتبة فضّلوا خلال تعليمهم الاشارة الى ما كان يُدعى الشريعة الشفهية،‏ مقتبسين من الربّانيين القدماء المتضلعين من الشريعة.‏ اما يسوع فاعتبر كلمة الله المرجع الاساسي له ولم يقتبس مرة واحدة من الشريعة الشفهية او من ايّ رابّي ليدعم تعاليمه.‏ فكان يقول دائما:‏ «مكتوب».‏ لقد استخدم تكرارا هذه الكلمة وكلمات اخرى حين كان يعلّم أتباعه ويصحّح الافكار الخاطئة.‏

      ٨،‏ ٩ (‏أ)‏ كيف اظهر يسوع انه يؤيد سلطة كلمة الله؟‏ (‏ب)‏ كيف اظهر القادة الدينيون في الهيكل قلة احترام فاضحة لكلمة الله؟‏

      ٨ قال يسوع عندما طهّر الهيكل في اورشليم:‏ «مكتوب:‏ ‹سيُدعى بيتي بيت صلاة›،‏ وأما انتم فتجعلونه مغارة لصوص».‏ (‏متى ٢١:‏​١٢،‏ ١٣؛‏ اشعيا ٥٦:‏٧؛‏ ارميا ٧:‏١١‏)‏ وكان يسوع قد صنع في اليوم السابق عجائب كثيرة هناك.‏ فتأثر الصبيان كثيرا وابتدأوا يسبّحونه.‏ لكنَّ القادة الدينيين سألوه بسخط هل يسمع ما يقوله هؤلاء الاولاد.‏ فأجابهم:‏ «نعم.‏ أما قرأتم قط:‏ ‹من فم الاطفال والرضَّع هيأتَ تسبيحا›؟‏».‏ (‏متى ٢١:‏١٦؛‏ مزمور ٨:‏٢‏)‏ لقد اراد يسوع ان يعرف هؤلاء الرجال ان كلمة الله تجيز ما كان يحدث هناك.‏

      ٩ إلا ان هؤلاء القادة الدينيين تجمّعوا لاحقا وواجهوه قائلين:‏ «بأية سلطة تفعل هذا؟‏».‏ (‏متى ٢١:‏٢٣‏)‏ كان يسوع قد اظهر بشكل جليّ مصدر سلطته.‏ فهو لم يبتكر او يخترع مبادئ جديدة،‏ بل كان يطبِّق ما تقوله كلمة ابيه الموحى بها.‏ لذلك كان هؤلاء الكهنة والكتبة يُظهِرون قلة احترام فاضحة ليهوه وكلمته.‏ وقد استحقوا إدانة يسوع فيما كان يفضح دوافعهم الشريرة.‏ —‏ متى ٢١:‏​٢٣-‏٤٦‏.‏

      ١٠ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في استخدام كلمة الله،‏ وأية ادوات لدينا لم تكن في متناوله؟‏

      ١٠ على غرار يسوع،‏ يتّكل المسيحيون الحقيقيون اليوم على كلمة الله في الخدمة.‏ فشهود يهوه معروفون حول العالم بحماستهم لإخبار الآخرين برسالة الكتاب المقدس.‏ ومطبوعاتنا زاخرة بالاقتباسات والاشارات من الكتاب المقدس.‏ ونحن نفعل الامر عينه في خدمتنا،‏ اذ نحاول لفت النظر الى الاسفار المقدسة حين نتحدث مع الناس.‏ (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١٦‏)‏ وكم نفرح حين يسمح لنا احد بالقراءة من الكتاب المقدس والتحدث عن فوائد ومعنى كلمة الله!‏ صحيح اننا لا نملك ذاكرة يسوع الكاملة،‏ لكننا نملك ادوات عديدة لم تكن في متناوله.‏ فإضافة الى الكتاب المقدس الكامل المطبوع بعدد متزايد من اللغات،‏ لدينا مساعِدات على درس الكتاب المقدس تمكِّننا من العثور على ايّ آية نبحث عنها.‏ فلنصمِّم على الاستمرار في الاقتباس من الاسفار المقدسة ولفت انتباه الناس اليها في كل مناسبة!‏

      الدفاع عن كلمة الله

      ١١ لماذا اضطر يسوع تكرارا الى الدفاع عن كلمة الله؟‏

      ١١ في ايام يسوع،‏ كثيرا ما تعرضت كلمة الله للهجوم.‏ وهذا حتما لم يفاجئه.‏ فقد قال في صلاته الى ابيه:‏ «كلمتك هي حق».‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٧‏)‏ وكان يعرف ان الشيطان «حاكم العالم» هو «كذّاب وأبو الكذب».‏ (‏يوحنا ٨:‏٤٤؛‏ ١٤:‏٣٠‏)‏ لذلك عندما جرّبه الشيطان،‏ اقتبس ثلاث مرات من الاسفار المقدسة لصدّ محاولاته.‏ وحين استشهد الشيطان بأحد اعداد المزمور وأساء تطبيقه عمدا،‏ دافع يسوع عن كلمة الله للحؤول دون هذا التحريف.‏ —‏ متى ٤:‏​٦،‏ ٧‏.‏

      ١٢-‏١٤ (‏أ)‏ كيف اظهر القادة الدينيون عدم الاحترام للشريعة الموسوية؟‏ (‏ب)‏ كيف دافع يسوع عن كلمة الله؟‏

      ١٢ وكثيرا ما دافع يسوع عن الاسفار المقدسة ولم يسمح بإساءة تطبيقها.‏ فالقادة الدينيون في ايامه اعطوا انطباعا خاطئا عن كلمة الله.‏ فقد شدّدوا على التقيّد بأصغر تفاصيل الشريعة الموسوية،‏ في حين انهم تجاهلوا تطبيق المبادئ التي ارتكزت عليها الشرائع.‏ وبذلك روّجوا عبادة شكلية،‏ عبادة تشدِّد على المظاهر وليس على الامور الاكثر اهمية،‏ مثل العدل والرحمة والامانة.‏ (‏متى ٢٣:‏٢٣‏)‏ فكيف دافع يسوع عن شريعة الله؟‏

      ١٣ في الموعظة على الجبل،‏ استخدم يسوع تكرارا عبارة «سمعتم انه قيل» قبل ذكره سُنة من سنن الشريعة الموسوية.‏ بعد ذلك،‏ كان يستخدم عبارة «أما انا فأقول لكم» ثم يشرح مبدأ اعمق من مجرد تطبيق سطحي للشريعة.‏ فهل كان يسوع يناقض الشريعة؟‏ كلا،‏ بل كان يدافع عنها.‏ لنعطِ بعض الامثلة التي توضح هذه النقطة.‏ كان الناس يعرفون الشريعة التي تقول:‏ «لا تقتل».‏ لكنَّ يسوع قال لهم ان بغض شخص آخر يتعارض مع روح هذه الشريعة.‏ كذلك فإن اشتهاء شخص غير رفيق الزواج ينتهك المبدأ الذي ترتكز عليه شريعة الله التي تحرّم الزنى.‏ —‏ متى ٥:‏​١٧،‏ ١٨،‏ ٢١،‏ ٢٢،‏ ٢٧-‏٣٩‏.‏

      ١٤ كما ان يسوع قال:‏ «سمعتم انه قيل:‏ ‹تحب قريبك وتبغض عدوك›.‏ أما انا فأقول لكم:‏ أحبوا اعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم».‏ (‏متى ٥:‏​٤٣،‏ ٤٤‏)‏ فهل تجد في كلمة الله وصية تقول:‏ ‏«ابغض عدوك»؟‏ كلا.‏ ان هذه القاعدة هي وليدة تعليم القادة الدينيين الذين اضعفوا تأثير شريعة الله الكاملة بالآراء البشرية.‏ لكنَّ يسوع دافع بشجاعة عن كلمة الله لحمايتها من التأثيرات المؤذية للتقاليد البشرية.‏ —‏ مرقس ٧:‏​٩-‏١٣‏.‏

      ١٥ كيف دافع يسوع عن شريعة الله ضد المحاولات لجعلها تبدو صارمة جدا وقاسية؟‏

      ١٥ هاجم القادة الدينيون شريعة الله ايضا بإعطاء الانطباع انها صارمة جدا وقاسية.‏ مثلا،‏ عندما قطف تلاميذ يسوع السنابل وهم مجتازون في الحقول،‏ ادّعى بعض الفريسيين انهم ينتهكون يوم السبت.‏ فما كان من يسوع إلا ان استخدم مثالا من الاسفار المقدسة ليدافع عن كلمة الله ضد هذا الرأي غير المتزن.‏ فأشار الى الرواية الوحيدة في الاسفار المقدسة التي تتحدث عن استعمال خبز الوجوه خارج المقدس في الهيكل،‏ وذلك حين اكله داود ورجاله الجائعون.‏ وهكذا،‏ اظهر يسوع لأولئك الفريسيين انهم لا يفهمون رحمة يهوه ورأفته.‏ —‏ مرقس ٢:‏​٢٣-‏٢٧‏.‏

      ١٦ كيف اساء القادة الدينيون تطبيق وصية موسى المتعلقة بالطلاق،‏ وبماذا اجاب يسوع؟‏

      ١٦ بحث القادة الدينيون ايضا عن منافذ قانونية لإضعاف قوة شريعة الله.‏ مثلا،‏ اجازت الشريعة للرجل ان يطلِّق زوجته اذا وجد فيها «امرا شائنا»،‏ على ما يبدو امرا خطيرا يجلب العار للعائلة.‏ (‏تثنية ٢٤:‏١‏)‏ لكنَّ القادة الدينيين في ايام يسوع استخدموا هذه الوصية كعذر للسماح للرجل بأن يطلِّق زوجته لشتى الاسباب،‏ حتى لو كان السبب انها احرقت عشاءه.‏a غير ان يسوع اظهر لهم انهم اساءوا بشكل فادح تطبيق كلمات موسى الموحى بها.‏ وأعاد المقياس الاصلي للزواج الذي وضعه يهوه:‏ الزواج الاحادي.‏ ثم اوضح ان الفساد الادبي الجنسي هو الاساس الصحيح الوحيد للطلاق.‏ —‏ متى ١٩:‏​٣-‏١٢‏.‏

      ١٧ كيف يقتدي المسيحيون اليوم بيسوع في الدفاع عن كلمة الله؟‏

      ١٧ على نحو مماثل اليوم،‏ يندفع أتباع المسيح الى الدفاع عن الاسفار المقدسة ضد الهجمات التي تُشَنّ عليها.‏ فالقادة الدينيون يهاجمون الكتاب المقدس عندما يلمِّحون ان مقاييسه الادبية عتيقة الطراز.‏ كما ان الكتاب المقدس يتعرض للهجوم عندما تعلِّم الاديان الاكاذيب على انها عقائد مؤسسة عليه.‏ وإنه لشرف عظيم لنا ان ندافع عن كلمة حق الله،‏ مثلا حين نبرهن ان الله ليس اقنوما من اقانيم الثالوث.‏ (‏تثنية ٤:‏٣٩‏)‏ لكنَّنا نقوم بهذا الدفاع بلباقة،‏ اي بوداعة واحترام عميق.‏ —‏ ١ بطرس ٣:‏١٥‏.‏

      شرح كلمة الله

      ١٨،‏ ١٩ ايّ مثالين يُظهِران ان يسوع امتلك قدرة رائعة على شرح كلمة الله؟‏

      ١٨ كان يسوع في السماء عند تدوين الاسفار العبرانية.‏ ولا بد انه سُرّ كثيرا بأن يأتي الى الارض وأن يكون له دور في شرح كلمة الله.‏ مثلا،‏ فكِّر في اليوم المميَّز حين التقى بعد قيامته اثنين من تلاميذه وهما في طريقهما الى عمواس.‏ فقبل ان يعرفا هويته،‏ اخبراه عن الغم والحيرة اللذين يتملكانهما بسبب موت سيدهما الحبيب.‏ فماذا فعل؟‏ تقول الرواية انه «فسَّر لهما،‏ مبتدئا من موسى وكل الانبياء،‏ ما يختص به في الاسفار المقدسة كلها».‏ وأي اثر كان لذلك فيهما؟‏ قالا لاحقا واحدهما للآخر:‏ «ألم تكن قلوبنا متقدة إذ كان يكلّمنا في الطريق ويشرح لنا الاسفار المقدسة؟‏».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏​١٥-‏٣٢‏.‏

      ١٩ في وقت لاحق من اليوم نفسه،‏ التقى يسوع رسله وآخرين غيرهم.‏ لاحِظ ما فعله لهم.‏ لقد «فتح اذهانهم ليفهموا معنى الاسفار المقدسة».‏ (‏لوقا ٢٤:‏٤٥‏)‏ لا شك ان هذه المناسبة السعيدة ذكّرتهم بالمرات الكثيرة التي قام فيها يسوع بأمر مماثل لهم ولكل مَن اصغى اليه.‏ فكثيرا ما كان يقتبس آيات معروفة ويشرحها شرحا يترك اثرا عميقا في عقول مستمعيه بحيث يصير لديهم فهم جديد وعميق لكلمة الله.‏

      ٢٠،‏ ٢١ كيف شرح يسوع الكلمات التي قالها يهوه لموسى عند العليقة المتّقدة بالنار؟‏

      ٢٠ في احدى هذه المرات،‏ كان يسوع يتكلم مع مجموعة من الصدوقيين،‏ وهم بدعة يهودية وثيقة الصلة بالكهنوت اليهودي لا تؤمن بالقيامة.‏ قال لهم:‏ «أما من جهة قيامة الاموات،‏ أفما قرأتم ما قيل لكم من الله القائل:‏ ‹انا إله ابراهيم وإله اسحاق وإله يعقوب›؟‏ فهو ليس إله اموات،‏ بل احياء».‏ (‏متى ٢٢:‏​٣١،‏ ٣٢‏)‏ فقد اقتبس آية معروفة جدا كتبها موسى،‏ رجل يحترمه الصدوقيون كثيرا.‏ هل لاحظتَ فعّالية شرح يسوع؟‏

      ٢١ لقد جرى الحوار بين موسى ويهوه عند العليقة المتّقدة بالنار نحو سنة ١٥١٤ ق‌م.‏ (‏خروج ٣:‏​٢،‏ ٦‏)‏ وآنذاك،‏ كان قد مضى على موت ابراهيم ٣٢٩ سنة،‏ وعلى موت اسحاق ٢٢٤ سنة،‏ وعلى موت يعقوب ١٩٧ سنة.‏ رغم ذلك،‏ قال يهوه انه إلههم.‏ لقد عرف هؤلاء الصدوقيون ان يهوه ليس مثل آلهة الموتى الوثنية التي تحكم عالما سفليا خرافيا.‏ فيهوه هو إله «احياء»،‏ كما قال يسوع.‏ فماذا عنى ذلك؟‏ كان استنتاج يسوع حاسما:‏ «انهم جميعا احياء في نظره».‏ (‏لوقا ٢٠:‏٣٨‏)‏ فخدام يهوه الاحباء الذين ماتوا هم مطبوعون في ذاكرته التي لا حدّ لها والتي لا تضعف.‏ وقصد يهوه لإقامة هؤلاء هو اكيد جدا بحيث يمكن التحدث عنهم بصفتهم احياء.‏ (‏روما ٤:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ أوليس هذا شرحا رائعا لكلمة الله؟‏ فلا عجب اذًا ان ‹الجموع ذهلت من تعليمه›.‏ —‏ متى ٢٢:‏٣٣‏.‏

      ٢٢،‏ ٢٣ (‏أ)‏ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في شرح كلمة الله؟‏ (‏ب)‏ ماذا سنناقش في الفصل التالي؟‏

      ٢٢ لدى المسيحيين اليوم امتياز الاقتداء بطريقة يسوع في شرح كلمة الله.‏ فرغم اننا لا نملك عقلا كاملا،‏ كثيرا ما نقتبس في حديثنا مع الناس آية يعرفونها جيدا ونشرح اوجهًا منها ربما لم يفكروا فيها من قبل.‏ على سبيل المثال،‏ ربما ردّد البعض طوال حياتهم عبارة «ليتقدس اسمك» وعبارة «ليأتِ ملكوتك» دون ان يعرفوا ما هو اسم الله او ما هو ملكوته.‏ (‏متى ٦:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فكم تكون فرصة رائعة حين يسمح لنا شخص بتقديم شرح واضح وبسيط لحقائق كهذه من الكتاب المقدس!‏

      ٢٣ ان الاقتباس من كلمة الله،‏ الدفاع عنها،‏ وشرحها هي طرائق مهمة للاقتداء بالاساليب التي استخدمها يسوع لنقل الحق الى الآخرين.‏ وفي الفصل التالي،‏ سنناقش بعض الاساليب الفعّالة التي استخدمها يسوع لبلوغ قلوب مستمعيه ونقل حقائق الكتاب المقدس اليهم.‏

      a في وقت لاحق،‏ اقترح المؤرخ يوسيفوس،‏ الذي عاش في القرن الاول والذي كان هو نفسه فريسيا مطلَّقا،‏ ان يُجاز الطلاق «لأيّ سبب كان (‏ولدى الرجال اسباب كثيرة لذلك)‏».‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  لماذا ينبغي ان نحرص لئلا ندع الآراء او التقاليد البشرية تصير اهم من كلمة الله؟‏ —‏ متى ١٥:‏​٢-‏١١‏.‏

      •  لماذا من الحكمة ان نلفت الانتباه الى الكتاب المقدس عند الاجابة عن الاسئلة؟‏ —‏ لوقا ١٠:‏​٢٥-‏٢٨‏.‏

      •  كيف يمكننا الاقتداء باستعداد يسوع للسماح لكلمة الله النبوية بإرشاده خلال مسلك حياته وعند اتخاذه القرارات؟‏ —‏ لوقا ١٨:‏​٣١-‏٣٤؛‏ ٢٢:‏٣٧‏.‏

      •  لماذا ينبغي ان يكون دفاعنا مؤسسا على كلمة الله حين تتعرض معتقداتنا للهجوم؟‏ —‏ يوحنا ١٠:‏​٣١-‏٣٩‏.‏

  • ‏«لم يتكلّم قط انسان غيره هكذا»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١١

      ‏«لم يتكلّم قط انسان غيره هكذا»‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ لماذا عاد الشُّرَط الذين أُرسلوا للامساك بيسوع فارغي الايدي؟‏ (‏ب)‏ لماذا كان يسوع معلّما بارزا؟‏

      كان الفريسيون محتدمين غيظا.‏ فيسوع كان يعلّم في الهيكل عن ابيه،‏ وقد تضاربت آراء مستمعيه حوله.‏ فكثيرون آمنوا به في حين ان آخرين ارادوا إلقاء القبض عليه.‏ وبما ان القادة الدينيين لم يستطيعوا كبح جماح غضبهم،‏ أرسلوا الشُّرَط ليمسكوه.‏ غير ان هؤلاء عادوا فارغي الايدي.‏ فطلب كبار الكهنة والفريسيون تفسيرا لذلك قائلين:‏ «لماذا لم تأتوا به؟‏».‏ فأجابهم الشُّرَط:‏ «لم يتكلّم قط انسان غيره هكذا».‏ فقد اثّر تعليم يسوع فيهم كثيرا حتى انهم عجزوا عن إلقاء القبض عليه.‏a —‏ يوحنا ٧:‏​٤٥،‏ ٤٦‏.‏

      ٢ لم يكن هؤلاء الشُّرَط الوحيدين الذين اثّر فيهم تعليم يسوع.‏ فقد تجمع الناس بأعداد كبيرة لسماعه وهو يعلِّم.‏ (‏مرقس ٣:‏​٧،‏ ٩؛‏ ٤:‏١؛‏ لوقا ٥:‏​١-‏٣‏)‏ ولماذا كان يسوع معلّما بارزا الى هذا الحدّ؟‏ كما رأينا في الفصل ٨‏،‏ احب يسوع الحقائق التي علّمها وأحب الناس الذين علّمهم.‏ كما انه برع جدا في استخدام الاساليب التعليمية.‏ فلنستعرض ثلاثة اساليب فعّالة استخدمها يسوع ولنرَ كيف يمكننا الاقتداء بها.‏

      البساطة في التعليم

      ٣،‏ ٤ (‏أ)‏ لماذا استخدم يسوع لغة بسيطة في تعليمه؟‏ (‏ب)‏ كيف تكون الموعظة على الجبل مثالا لبساطة التعليم لدى يسوع؟‏

      ٣ هل يمكنك ان تتخيل كمية المفردات الهائلة التي كان بإمكان يسوع استخدامها؟‏ مع ذلك،‏ لم يتكلّم وهو يعلّم بطريقة تفوق فهم مستمعيه الذين كان كثيرون منهم ‹غير متعلمين وعاميين›.‏ (‏اعمال ٤:‏١٣‏)‏ فقد راعى حدودهم ولم يمطرهم قط بوابل من المعلومات.‏ (‏يوحنا ١٦:‏١٢‏)‏ ورغم بساطة كلماته،‏ كانت الحقائق التي علّمها عميقة جدا.‏

      ٤ لنأخذ على سبيل المثال الموعظة على الجبل المسجّلة في متى ٥:‏٣–‏٧:‏٢٧‏.‏ فقد اعطى يسوع في هذه الموعظة مشورة عميقة بلغت صميم الامور.‏ مع ذلك،‏ فهي لا تتضمن افكارا او عبارات معقدة.‏ فلا تكاد تكون هنالك كلمة واحدة لا يمكن حتى لولد ان يفهمها بسهولة!‏ فلا عجب ان الجموع —‏ التي شملت على الارجح الكثير من المزارعين،‏ الرعاة،‏ وصيادي السمك —‏ «ذهلت من طريقة تعليمه» عندما انتهى من إلقاء الموعظة!‏ —‏ متى ٧:‏٢٨‏.‏

      ٥ أعطِ امثلة لأقوال بسيطة ولكن غنية بالمعاني تفوّه بها يسوع.‏

      ٥ غالبا ما استخدم يسوع في تعليمه جملا قصيرة وأقوالا بسيطة ولكن غنية بالمعاني.‏ ففي زمن كان فيه الاصغاء الوسيلة الوحيدة للتعلّم،‏ ساهم اسلوبه هذا في طبع رسالته التي لا تُنسى في اذهان وقلوب مستمعيه.‏ لاحِظ بعض الامثلة:‏ «لا تدينوا لكيلا تدانوا».‏ «لا يحتاج الاصحاء الى طبيب،‏ بل السقماء».‏ «الروح مندفع،‏ أما الجسد فضعيف».‏ «أوفوا ما لقيصر لقيصر،‏ وما لله لله».‏ «السعادة في العطاء اكثر منها في الاخذ».‏b (‏متى ٧:‏١؛‏ ٩:‏١٢؛‏ ٢٦:‏٤١؛‏ مرقس ١٢:‏١٧؛‏ اعمال ٢٠:‏٣٥‏)‏ والآن بعد ٠٠٠‏,٢ سنة تقريبا من تفوّه يسوع بهذه الكلمات،‏ لا يزال من السهل تذكُّر هذه الاقوال البليغة الاثر.‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ للتعليم ببساطة،‏ لماذا من المهمّ ان نستخدم لغة سهلة؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا تجنب إمطار تلميذ الكتاب المقدس بوابل من المعلومات؟‏

      ٦ فكيف يمكننا ان نعلّم ببساطة؟‏ ان احد اهمّ المطالب هو استخدام لغة بسيطة يستطيع معظم الناس فهمها بسهولة.‏ فالحقائق الاساسية لكلمة الله ليست معقدة.‏ وقد كشف يهوه مقاصده لذوي القلوب المخلصة والمتواضعة.‏ (‏١ كورنثوس ١:‏​٢٦-‏٢٨‏)‏ لذلك فإن الكلمات البسيطة المختارة بعناية تنقل حقائق كلمة الله بفعّالية.‏

      اخ يعقد درسا في الكتاب المقدس مع رجل

      حافظ على البساطة في التعليم

      ٧ وللتعليم ببساطة،‏ يجب ان نتجنب إمطار تلميذ الكتاب المقدس بوابل من المعلومات.‏ لذلك،‏ عندما نعقد درسا في الكتاب المقدس،‏ لا ضرورة لشرح كل التفاصيل.‏ ولا ضرورة ايضا لتغطية المواد بسرعة،‏ كما لو ان ذلك هو الاهم.‏ بدلا من ذلك،‏ من الحكمة ان ندع حاجات وقدرات التلميذ تحدِّد سرعة تغطية المواد في الدرس.‏ فهدفنا هو مساعدة التلميذ ان يصير احد أتباع المسيح وعابدا ليهوه.‏ لهذه الغاية،‏ يلزم صرف الوقت اللازم لمساعدة التلميذ ان يفهم الى حدّ معقول ما يتعلّمه.‏ عندئذ فقط،‏ يمكن ان يبلغ حق الكتاب المقدس قلبه ويدفعه الى تطبيق ما يتعلّمه.‏ —‏ روما ١٢:‏٢‏.‏

      طرح الاسئلة المناسبة

      ٨،‏ ٩ (‏أ)‏ لماذا كان يسوع يطرح الاسئلة؟‏ (‏ب)‏ كيف استخدم يسوع الاسئلة لمساعدة بطرس على التوصل الى الاستنتاج الصحيح في مسألة دفع ضريبة للهيكل؟‏

      ٨ كان استخدام يسوع للاسئلة لافتا للنظر،‏ حتى عندما كان من الاسهل عليه ان يخبر مستمعيه مباشرة بالنقطة التي يريدها.‏ فلماذا طرح الاسئلة؟‏ لقد استخدم احيانا اسئلة ثاقبة لفضح دوافع مقاوميه وإسكاتهم.‏ (‏متى ٢١:‏​٢٣-‏٢٧؛‏ ٢٢:‏​٤١-‏٤٦‏)‏ ولكنه طرح الاسئلة ايضا مرات كثيرة ليجعل تلاميذه يعبِّرون عما يجول في ذهنهم ويحرِّك اذهانهم ويدرِّبهم على التفكير.‏ لذلك كان يطرح اسئلة مثل:‏ ‹ماذا تظنّ؟‏› و ‹أتؤمن بهذا؟‏›.‏ (‏متى ١٨:‏١٢؛‏ يوحنا ١١:‏٢٦‏)‏ وقد تمكّن يسوع بواسطة اسئلته من بلوغ قلوب تلاميذه والتأثير فيها.‏ فلنتأمل في مثال يوضح هذه النقطة.‏

      ٩ ذات مرة،‏ سأل جباة الضرائب بطرس ألَا يدفع يسوع ضريبة للهيكل.‏c فأجاب بطرس على الفور:‏ «بلى».‏ ولكن لاحقا،‏ سأله يسوع:‏ «ماذا تظن،‏ يا سمعان؟‏ ممَّن يأخذ ملوك الارض الرسوم او ضريبة الرأس؟‏ أمِن بنيهم أم من الغرباء؟‏».‏ فأجاب بطرس:‏ «من الغرباء».‏ عندئذ،‏ قال له يسوع:‏ «فالبنون مُعفَون من الضريبة».‏ (‏متى ١٧:‏​٢٤-‏٢٧‏)‏ دون شك،‏ ادرك بطرس الهدف الذي كان يسوع يرمي اليه من خلال اسئلته،‏ اذ كان من الشائع ان يُعفى افراد العائلات المالكة من الضرائب.‏ لذلك لم يتوجب على يسوع،‏ الابن الوحيد للملك السماوي الذي يُعبَد في الهيكل،‏ ان يدفع الضريبة.‏ ولكن لاحِظ ان يسوع،‏ بدلا من ان يعطي بطرس الجواب الصحيح،‏ استخدم الاسئلة بلباقة ليساعده على التوصل الى الاستنتاج الصحيح وربما ليجعله ايضا يرى الحاجة الى التفكير اكثر قبل الاجابة.‏

      اخت تبشر امرأة تحمل طفلا

      اطرح اسئلة تتناسب مع اهتمامات صاحب البيت

      ١٠ كيف يمكننا ان نستخدم الاسئلة بفعّالية عند الكرازة من بيت الى بيت؟‏

      ١٠ وكيف يمكننا ان نستخدم الاسئلة بفعّالية في خدمتنا؟‏ عند الكرازة من بيت الى بيت،‏ يمكننا استخدام الاسئلة لإثارة الاهتمام،‏ مما يمهِّد لنا الطريق لنكرز بالبشارة.‏ مثلا،‏ اذا فتح لنا الباب شخص مسنّ،‏ يمكننا ان نسأله باحترام:‏ «اية تغييرات حصلت في العالم شهدتها خلال حياتك؟‏».‏ وبعد السماح له بالاجابة،‏ يمكننا ان نسأل:‏ «في رأيك،‏ ماذا يجب فعله لنعيش حياة افضل؟‏».‏ (‏متى ٦:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ أما اذا فتحت الباب امّ لديها اولاد صغار فيمكننا ان نسألها:‏ «هل تساءلتِ مرة كيف سيكون العالم عندما يكبر اولادكِ؟‏».‏ (‏مزمور ٣٧:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ وبكوننا شديدي الانتباه عند الاقتراب من البيت،‏ قد نتمكن من اختيار سؤال يتناسب مع اهتمامات صاحب البيت.‏

      ١١ كيف يمكننا استخدام الاسئلة بفعّالية عند عقد درس في الكتاب المقدس؟‏

      ١١ وكيف يمكننا استخدام الاسئلة بفعّالية عند عقد درس في الكتاب المقدس؟‏ ان الاسئلة المختارة بعناية تساعدنا على استقاء المشاعر من قلب التلميذ.‏ (‏امثال ٢٠:‏٥‏)‏ مثلا،‏ لنفترض اننا ندرس الفصل «‏العيش حياة ترضي الله‏» في كتاب ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟‏.‏d يناقش هذا الفصل نظرة الله الى امور مثل الفساد الادبي الجنسي،‏ السكر،‏ والكذب.‏ ورغم ان اجوبة التلميذ قد تدل انه يفهم ما يعلِّمه الكتاب المقدس،‏ ولكن هل يوافق على ما يتعلّمه؟‏ لذلك يمكننا ان نسأله:‏ «هل تعتقد ان نظرة الله الى هذه الامور منطقية؟‏».‏ وقد نسأله ايضا:‏ «كيف يمكنك تطبيق هذه المعلومات في حياتك؟‏».‏ ولكن تذكَّر ضرورة كونك لبقا وضرورة منح التلميذ الكرامة.‏ فلا ينبغي ان نطرح عليه اسئلة محرجة.‏ —‏ امثال ١٢:‏١٨‏.‏

      استخدام المنطق المفحِم

      ١٢-‏١٤ (‏أ)‏ كيف استعمل يسوع قدرته على استخدام التحليل المنطقي؟‏ (‏ب)‏ ايّ منطق مفحِم استخدمه يسوع عندما نسب الفريسيون قوته الى الشيطان؟‏

      ١٢ تمتع يسوع بالكمال العقلي.‏ لذلك برع في إقناع الناس بالمنطق.‏ فقد كان يستخدم احيانا المنطق المفحِم لدحض التهم الباطلة التي وجَّهها اليه مقاوموه.‏ وكثيرا ما استخدم الحجج المقنعة لتعليم أتباعه دروسا مهمّة.‏ فلنتأمل في بعض الامثلة.‏

      ١٣ بعدما شفى يسوع رجلا اعمى وأخرس يسيطر عليه شيطان،‏ اتّهمه الفريسيون:‏ «هذا الرجل لا يُخرِج الشياطين إلا ببيلزبوب [الشيطان]،‏ رئيس الشياطين».‏ صحيح ان الفريسيين اعترفوا بأن قوة فوق الطبيعة البشرية لازمة لطرد الابالسة،‏ لكنهم نسبوا قوة يسوع الى الشيطان.‏ وهذه التهمة لم تكن باطلة فقط بل منافية للمنطق ايضا.‏ ولكي يكشف يسوع كم هم مخطئون في تفكيرهم،‏ اجابهم قائلا:‏ «كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب،‏ وكل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت.‏ وإنْ كان الشيطان يُخرِج الشيطان،‏ فقد انقسم على ذاته،‏ فكيف اذًا تثبت مملكته؟‏».‏ (‏متى ١٢:‏​٢٢-‏٢٦‏)‏ وبكلمات اخرى،‏ كان يسوع يقول:‏ «اذا كنت عميلا للشيطان وأُبطِل عمل الشيطان،‏ فالشيطان اذًا يعمل ضد مصالحه الخاصة وسيسقط قريبا».‏ فكيف لهم ان يدحضوا منطقا مقنعا كهذا؟‏!‏

      ١٤ لكنَّ يسوع لم ينتهِ عند هذا الحدّ،‏ بل اعطاهم حجة اخرى ايضا.‏ فإذ ادرك ان البعض من تلاميذ الفريسيين كانوا قد طردوا شياطين،‏ طرح سؤالا ابكمهم على رغم بساطته:‏ «إنْ كنت انا ببيلزبوب أُخرِج الشياطين،‏ فأبناؤكم [او تلاميذكم] بمن يخرجونهم؟‏».‏ (‏متى ١٢:‏٢٧‏)‏ كان فحوى حجة يسوع:‏ «اذا كنت اطرد الابالسة بقوة الشيطان،‏ فلا بد ان تلاميذكم يفعلون ذلك ايضا بالقوة نفسها».‏ فماذا عسى الفريسيون ان يقولوا؟‏ لم يكونوا ليعترفوا قط بأن تلاميذهم يطردون الابالسة بقوة الشيطان.‏ وهكذا،‏ استخدم يسوع تفكيرهم الخاطئ لحملهم على التوصل الى استنتاج لا يروق لهم البتة.‏ فكم هو رائع ان نقرأ كيف اقنعهم يسوع بالمنطق!‏ تخيل ايضا وقْع كلامه على الجموع التي سمعته مباشرة.‏ فلا شك ان حضوره ونبرة صوته زادا كلماته قوة.‏

      ١٥-‏١٧ أعطِ مثلا يُظهِر كيف استخدم يسوع حجة «فكم بالاحرى» لتعليم حقائق مبهجة عن ابيه.‏

      ١٥ استخدم يسوع ايضا الحجج المنطقية المقنعة لتعليم حقائق ايجابية ومبهجة عن ابيه.‏ فكثيرا ما استخدم حجة «فكم بالاحرى»،‏ مما ساعد مستمعيه على الوصول الى قناعات ارسخ انطلاقا من حقيقة يعرفونها.‏ وبما ان هذا النوع من التحليل مؤسس على المقارنات،‏ فهو يترك اثرا بالغا.‏ فلنستعرض مثالَين يُظهِران ذلك.‏

      ١٦ عندما طلب تلاميذ يسوع منه ان يعلِّمهم كيف يصلّون،‏ وصف استعداد الوالدين البشر الناقصين ان ‹يعطوا اولادهم عطايا صالحة›.‏ ثم استنتج:‏ «إنْ كنتم وأنتم اشرار تعرفون كيف تعطون اولادكم عطايا صالحة،‏ فكم بالاحرى الآب في السماء يعطي روحا قدسا للذين يسألونه!‏».‏ (‏لوقا ١١:‏​١-‏١٣‏)‏ ان النقطة التي اوضحها يسوع مؤسسة على التباين.‏ فإذا كان الوالدون البشر الناقصون يعتنون بحاجات اولادهم،‏ فكم بالاحرى ابونا السماوي الكامل والبارّ في كل النواحي يمنح الروح القدس لعبّاده الاولياء الذين يلجأون اليه بتواضع في الصلاة!‏

      ١٧ واستخدم يسوع ايضا تحليلا مماثلا عند تقديم مشورة عن التغلب على الهموم.‏ فقد قال:‏ «الغربان لا تزرع ولا تحصد،‏ وليس لها عنبر ولا مخزن،‏ والله يقوتها.‏ فكم انتم بالحري اثمن من الطيور؟‏ لاحظوا جيدا كيف تنمو الزنابق.‏ إنها لا تتعب ولا تغزل .‏ .‏ .‏ فإنْ كان النبت في الحقل الذي يوجد اليوم ويُطرَح غدا في التنور يكسوه الله هكذا،‏ فكم بالحري يكسوكم انتم يا قليلي الايمان!‏».‏ (‏لوقا ١٢:‏​٢٤،‏ ٢٧،‏ ٢٨‏)‏ فإذا كان يهوه يعتني بالطيور والزهور،‏ فكم بالحري يعتني بالبشر الذين يحبونه ويعبدونه؟‏!‏ لا شك ان هذه الحجة قد اثّرت في قلوب مستمعي يسوع.‏

      ١٨،‏ ١٩ كيف نحاجّ منطقيا شخصا يقول انه لا يؤمن بإله غير منظور؟‏

      ١٨ نحن ايضا نريد ان نستخدم في خدمتنا المنطق السليم لدحض المعتقدات الباطلة.‏ كما نرغب في استخدام حجج مقنعة لتعليم حقائق ايجابية عن يهوه.‏ (‏اعمال ١٩:‏٨؛‏ ٢٨:‏​٢٣،‏ ٢٤‏)‏ فهل يعني ذلك انه يجب ان نتعلّم استخدام المنطق المعقد؟‏ كلا على الاطلاق.‏ فالدرس الذي نتعلمه من يسوع هو ان الحجج المنطقية المعروضة بطريقة بسيطة هي فعّالة جدا.‏

      ١٩ مثلا،‏ كيف نجيب عندما يقول شخص انه لا يؤمن بإله غير منظور؟‏ يمكننا بناء حجتنا على القانون الطبيعي للسبب والنتيجة.‏ فعندما نرى نتيجة،‏ ندرك ان هنالك سببا.‏ يمكننا ان نقول مثلا:‏ «اذا كنت في منطقة نائية ووجدت بيتا متقن الصنع ملآنا بالطعام (‏النتيجة)‏،‏ أفلا تعترف فورا ان احدا (‏السبب)‏ هو مَن صنع ذلك؟‏ هكذا ايضا عندما نرى التصميم الظاهر في الطبيعة ووفرة الطعام في ‹خزائن› الارض (‏النتيجة)‏،‏ أفليس من المنطقي الاستنتاج بأن احدا (‏السبب)‏ هو مَن صنع ذلك؟‏ وهذا بالضبط ما يقوله الكتاب المقدس:‏ ‹كل بيت يبنيه احد،‏ ولكن باني كل شيء هو الله›».‏ (‏عبرانيين ٣:‏٤‏)‏ ولكن طبعا مهما كانت حججنا مقنعة،‏ فلن يقتنع الجميع بها.‏ —‏ ٢ تسالونيكي ٣:‏٢‏.‏

      شيخان يقومان بزيارة رعائية لأخ

      استخدم التحليل المنطقي لبلوغ القلب

      ٢٠،‏ ٢١ (‏أ)‏ كيف يمكننا استخدام حجة «فكم بالاحرى» لإبراز صفات يهوه وطرقه؟‏ (‏ب)‏ ماذا سنناقش في الفصل التالي؟‏

      ٢٠ سواء في خدمة الحقل او في الجماعة،‏ يمكننا ايضا استخدام حجة «فكم بالاحرى» اثناء تعليمنا لإبراز صفات يهوه وطرقه.‏ على سبيل المثال،‏ لنُظهر ان عقيدة العذاب الابدي في نار الهاوية تحقِّر يهوه،‏ يمكن ان نقول:‏ «ما من اب محب يعاقب ولده بوضع يده في النار.‏ فإذا كان الاب لا يفعل ذلك،‏ فكم بالاحرى يشمئز ابونا السماوي المحب من فكرة نار الهاوية؟‏!‏».‏ (‏ارميا ٧:‏٣١‏)‏ ولكي نطمئن رفيقا مؤمنا يعاني من الكآ‌بة ان يهوه يحبه،‏ يمكننا القول:‏ «اذا كان يهوه يعتبر عصفورا دوريا صغيرا ذا قيمة،‏ فكم بالاحرى يحب ويعتني بكلّ واحد من عبّاده الارضيين،‏ بمن فيهم انت؟‏!‏».‏ (‏متى ١٠:‏​٢٩-‏٣١‏)‏ ان استعمال حجج كهذه يساعدنا على بلوغ قلوب الآخرين.‏

      ٢١ بعد استعراض ثلاثة فقط من الاساليب التعليمية التي استخدمها يسوع،‏ يسهل علينا ان ندرك ان هؤلاء الشُّرَط الذين عجزوا عن إلقاء القبض على يسوع لم يبالغوا البتة عندما قالوا:‏ «لم يتكلّم قط انسان غيره هكذا».‏ وفي الفصل التالي،‏ سنناقش الاسلوب التعليمي الذي ربما كان اكثر ما اشتهر به يسوع:‏ استخدام الامثال.‏

      a كان الشُّرَط على الارجح اشخاصا يعملون لدى السنهدريم وتحت سلطة كبار الكهنة.‏

      b ان هذا المقتطف الاخير،‏ الموجود في الاعمال ٢٠:‏٣٥‏،‏ لا يقتبسه سوى الرسول بولس.‏ فلربما تسلّم هذه العبارة بطريقة شفهية (‏إما من تلميذ سمع يسوع يقولها او من يسوع المُقام)‏ او بالوحي الالهي.‏

      c طُلب من اليهود ان يدفعوا سنويا ضريبة للهيكل قدرها درهمان (‏ما يعادل اجر يومين تقريبا)‏.‏ يقول احد المراجع:‏ «استُخدمَت هذه الضريبة لدفع مصاريف المحرقات اليومية وغيرها من الذبائح التي قُدِّمت عن الشعب».‏

      d اصدار شهود يهوه.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف يمكن ان تساعدك تعليقات يسوع على اختيار كلماتك عند إلقاء خطابات في الجماعة؟‏ —‏ متى ١١:‏٢٥‏.‏

      •  كيف يمكن للذين يلقون خطابات عامة الاقتداء بيسوع في استخدام هذا النوع من الاسئلة؟‏ —‏ متى ١١:‏​٧-‏٩‏.‏

      •  كيف يمكنك ان تستخدم الغلو بفطنة في تعليمك؟‏ —‏ متى ٧:‏٣؛‏ ١٩:‏٢٤‏.‏

      •  كيف يمكننا ان نعلّم الآخرين بالمثال،‏ على غرار يسوع؟‏ —‏ يوحنا ١٣:‏​٥،‏ ١٤‏.‏

  • ‏«بدون مثَل لم يكن يكلّمهم»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٢

      ‏«بدون مثَل لم يكن يكلّمهم»‏

      ١-‏٣ (‏أ)‏ اي امتياز نادر حظي به التلاميذ الذين كانوا يرافقون يسوع،‏ وكيف سهّل عليهم تذكُّر ما علّمه؟‏ (‏ب)‏ لماذا من الصعب نسيان الامثال الفعّالة؟‏

      حظي التلاميذ الذين كانوا يرافقون يسوع بامتياز نادر.‏ فكانوا يتعلّمون مباشرة من المعلّم الكبير ويسمعون صوته وهو يشرح كلمة الله ويعلّمهم الحقائق الرائعة.‏ وكان عليهم حفظ كلماته في عقولهم وقلوبهم لأنه لم يكن قد حان الوقت بعد لتدوين كلماته خطيًّا.‏a لكنَّ يسوع سهّل عليهم تذكُّر ما علّمه.‏ كيف ذلك؟‏ من خلال طريقة تعليمه،‏ وخصوصا استخدامه البارع للامثال.‏

      ٢ حقا،‏ من الصعب نسيان الامثال الفعّالة.‏ فقد قال كاتب انها «تحوِّل الآذان عيونا فيُطلِق المستمعون العنان لتفكيرهم ليروا صورا ذهنية».‏ فيمكن للامثال ان تسهِّل علينا فهم الافكار المجرّدة لأن الصور الذهنية هي خير مساعد لنا على التفكير.‏ وهي تبعث الحياة في الكلمات،‏ معلِّمة ايانا دروسا تنغرس في ذاكرتنا.‏

      ٣ ما من معلّم على الارض كان ابرع من يسوع المسيح في استخدام الامثال.‏ وإلى يومنا هذا،‏ لا يزال من السهل تذكُّر الامثال الكثيرة التي استخدمها.‏ فلماذا اعتمد يسوع كثيرا هذا الاسلوب التعليمي؟‏ ماذا جعل امثاله فعّالة الى هذا الحدّ؟‏ وكيف يمكننا ان نتعلّم استخدام اسلوب التعليم هذا؟‏

      لماذا علَّم يسوع بأمثال

      ٤،‏ ٥ لماذا استخدم يسوع الامثال؟‏

      ٤ يعطي الكتاب المقدس سببَين وجيهين يوضحان لماذا علَّم يسوع بأمثال.‏ اولا،‏ فعل ذلك إتماما للنبوات.‏ نقرأ في متى ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏:‏ «هذا .‏ .‏ .‏ قاله يسوع للجموع بأمثال.‏ فإنه بدون مثَل لم يكن يكلّمهم،‏ ليتم ما قيل بالنبي القائل:‏ ‹أفتح فمي بأمثال›».‏ والنبي الذي اقتبس منه متى هو كاتب المزمور ٧٨:‏٢‏.‏ وصاحب المزمور هذا كتب بوحي من روح الله قبل قرون من ولادة يسوع.‏ لاحِظ ما يعنيه ذلك.‏ لقد قال يهوه قبل مئات السنين ان المسيَّا سيعلّم بأمثال.‏ فلا شك اذًا ان يهوه يقدِّر قيمة اسلوب التعليم هذا.‏

      ٥ ثانيا،‏ اوضح يسوع انه يستخدم الامثال لتمييز ذوي القلوب ‹الغليظة›.‏ (‏متى ١٣:‏​١٠-‏١٥؛‏ اشعيا ٦:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فكيف فضحت امثاله دوافع الناس؟‏ في بعض الاحيان،‏ اراد يسوع ان يطلب سامعوه شرحا ليفهموا المعنى الكامل لكلماته.‏ والمتواضعون هم الذين كانوا على استعداد لطرح الاسئلة بعكس الاشخاص المتكبرين.‏ (‏متى ١٣:‏٣٦؛‏ مرقس ٤:‏٣٤‏)‏ وهكذا،‏ كشفت امثال يسوع الحق لذوي القلوب المتعطشة اليه؛‏ وفي الوقت نفسه أخفته عن المتكبرين.‏

      ٦ اية فوائد كانت لأمثال يسوع؟‏

      ٦ كانت لأمثال يسوع فوائد اخرى ايضا.‏ فقد اثارت اهتمام الناس ودفعتهم الى الاصغاء.‏ ورسمت صورا ذهنية سهّلت عليهم الفهم.‏ وكما ذكرنا في البداية،‏ ساعدت امثال يسوع مستمعيه على تذكُّر كلماته.‏ والموعظة على الجبل،‏ المدوّنة في متى ٥:‏٣–‏٧:‏٢٧‏،‏ هي مثال بارز لاستخدام يسوع الامثال بكثرة.‏ فهي تحتوي بحسب احد الاحصاءات على اكثر من ٥٠ صورة بيانية.‏ لكن تذكَّر ان هذه الموعظة يمكن قراءتها بصوت عالٍ في ٢٠ دقيقة تقريبا.‏ وهذا يعني ان يسوع استخدم كمعدل صورة بيانية كل ٢٠ ثانية تقريبا.‏ من الواضح اذًا ان يسوع ادرك اهمية استخدام الامثال.‏

      ٧ لماذا ينبغي ان نقتدي بيسوع في استخدام الامثال؟‏

      ٧ كأتباع للمسيح،‏ نحن نريد الاقتداء بطريقة تعليمه،‏ بما في ذلك استخدامه للامثال.‏ فالامثال الفعّالة تضفي جاذبية على تعليمنا تماما كما تضفي التوابل على الطعام مذاقا ألذّ.‏ كما ان الامثال المختارة باعتناء يمكن ان تسهّل فهم الحقائق المهمة.‏ فلنستعرض الآن بعض العوامل التي جعلت امثال يسوع فعّالة جدا.‏ عندئذ،‏ سنعرف كيف يمكننا ان نستخدم هذا الاسلوب التعليمي الفعّال.‏

      استخدام تشبيهات بسيطة

      طيرا نورس وزهرة

      كيف استخدم يسوع الطيور والزهور ليوضح ان الله يهتم بنا؟‏

      ٨،‏ ٩ كيف استخدم يسوع تشبيهات بسيطة،‏ ولماذا كانت هذه التشبيهات فعّالة جدا؟‏

      ٨ كثيرا ما استخدم يسوع في تعليمه تشبيهات غير معقدة لا تتطلب سوى كلمات قليلة.‏ رغم ذلك،‏ رسمت هذه الكلمات البسيطة صورا ذهنية حيّة وعلّمت حقائق روحية مهمّة بطريقة واضحة.‏ مثلا،‏ عندما حثّ يسوع تلاميذه ألا يحملوا همًّا بسبب الحاجات اليومية،‏ تحدث عن «طيور السماء» و «زنابق الحقل».‏ فالطيور لا تزرع ولا تحصد،‏ والزنابق لا تغزل ولا تنسج.‏ مع ذلك،‏ فإن الله يهتم بها.‏ فالنقطة التي كان يسوع يرمي اليها واضحة:‏ اذا كان الله يهتم بالطيور والزهور،‏ فهو سيهتم حتما بالبشر الذين ‹يداومون اولا على طلب الملكوت›.‏ —‏ متى ٦:‏​٢٦،‏ ٢٨-‏٣٣‏.‏

      ٩ اكثر يسوع ايضا من استخدام الاستعارات،‏ التي تضفي على المعنى قوة اكبر من التشبيهات.‏ ففي الاستعارة يبدو الواحد كما لو انه هو الآخر.‏ وقد ابقى يسوع الاستعارات ايضا بسيطة.‏ فذات مرة قال لتلاميذه:‏ «انتم نور العالم».‏ والتلاميذ فهموا معنى هذه الاستعارة.‏ فقد ادركوا انه من خلال اقوالهم وأعمالهم،‏ يمكنهم ان يدَعوا نور الحق الروحي يضيء وأن يساعدوا الآخرين على تمجيد الله.‏ (‏متى ٥:‏​١٤-‏١٦‏)‏ لاحِظ ايضا استعارتَين اخريين استخدمهما يسوع:‏ «انتم ملح الارض» و «انا الكرمة،‏ وأنتم الاغصان».‏ (‏متى ٥:‏١٣؛‏ يوحنا ١٥:‏٥‏)‏ ان صورا كلامية كهذه هي فعّالة بسبب بساطتها.‏

      ١٠ أوضِح كيف يمكنك استخدام الامثال في تعليمك.‏

      ١٠ وكيف يمكنك استخدام الامثال في تعليمك؟‏ لا ضرورة لتأليف قصص طويلة معقدة.‏ حاوِل ان تفكّر في تشبيهات بسيطة.‏ لنفرض انك تناقش موضوع القيامة وتريد ان توضح ان إقامة الاموات ليست بالامر الصعب على يهوه.‏ فأية تشبيهات قد تخطر على بالك؟‏ ان الكتاب المقدس يشبّه الموت بالنوم.‏ لذلك يمكنك القول:‏ «يستطيع الله إقامة الاموات بسهولة تماما كما نستطيع نحن ايقاظ شخص من النوم».‏ (‏يوحنا ١١:‏​١١-‏١٤‏)‏ ولنفرض انك تريد الايضاح ان الاولاد بحاجة الى المحبة والحنان لكي يعيشوا حياة ناجحة.‏ فأيّ مثال يمكنك استخدامه؟‏ يشبّه الكتاب المقدس الاولاد ‹بغروس الزيتون›.‏ (‏مزمور ١٢٨:‏٣‏)‏ لذلك يمكنك القول:‏ «المحبة والحنان ضروريان للولد تماما كما ان الشمس والماء ضروريان للشجرة».‏ وكلما كان التشبيه ابسط،‏ صار فهمه اسهل على سامعيك.‏

      استيحاء الامثال من الحياة اليومية

      ١١ أعطِ امثلة تُظهِر كيف عكست امثال يسوع الامور التي شاهدها دون شك وهو يكبر في الجليل.‏

      ١١ برع يسوع في استخدام امثال من حياة الناس اليومية.‏ فالكثير من امثاله مستوحى من ظروف في الحياة اليومية شاهدها دون شك وهو يكبر في الجليل.‏ مثلا،‏ فكِّر لحظة في المرحلة الاولى من حياته.‏ فكم مرة رأى امه تطحن القمح ليصير دقيقا،‏ تضيف الخميرة الى العجين،‏ توقد سراجا،‏ او تكنس البيت؟‏ (‏متى ١٣:‏٣٣؛‏ ٢٤:‏٤١؛‏ لوقا ١٥:‏٨‏)‏ وكم مرة رأى صيادين يلقون شباكهم في بحر الجليل؟‏ (‏متى ١٣:‏٤٧‏)‏ وكم مرة رأى اولادا يلعبون في ساحات الاسواق؟‏ (‏متى ١١:‏١٦‏)‏ لا شك ان يسوع لاحظ امورا مألوفة اخرى واستخدمها في امثاله مثل زرع البذار،‏ ولائم الاعراس المبهجة،‏ وإثمار حقول الزرع في الشمس.‏ —‏ متى ١٣:‏​٣-‏٨؛‏ ٢٥:‏​١-‏١٢؛‏ مرقس ٤:‏​٢٦-‏٢٩‏.‏

      ١٢،‏ ١٣ لماذا هو امر جدير بالملاحظة ان يتكلم يسوع في مثَل السامري المحب للقريب عن الطريق التي ‹تنزل من اورشليم الى اريحا› لإيضاح نقطته؟‏

      ١٢ استخدم يسوع ايضا في امثاله تفاصيل معروفة لدى سامعيه.‏ مثلا،‏ ابتدأ مثَل السامري المحب للقريب بالقول:‏ «كان انسان نازلا من اورشليم الى اريحا،‏ فوقع بين لصوص،‏ فعرّوه وانهالوا عليه ضربا،‏ .‏ .‏ .‏ وقد تركوه بين حي وميت».‏ (‏لوقا ١٠:‏٣٠‏)‏ من الجدير بالملاحظة ان يسوع تحدث عن الطريق التي ‹تنزل من اورشليم الى اريحا› لإيضاح نقطته.‏ فعندما قدَّم هذا المثَل،‏ كان في منطقة اليهودية القريبة من اورشليم؛‏ لذلك لا شك ان مستمعيه عرفوا الطريق التي تكلم عنها.‏ وكانت هذه الطريق معروفة بأنها خطرة جدا،‏ وخصوصا اذا كان الشخص يسافر وحده.‏ فقد كانت تتعرج عبر منطقة مقفرة،‏ مما يجعلها ملآنة بأماكن يختبئ فيها اللصوص.‏

      ١٣ وذكر يسوع تفاصيل اخرى عن الطريق التي ‹تنزل من اورشليم الى اريحا›.‏ فكما جاء في المثَل،‏ كان كاهن ثم لاوي يسيران في هذه الطريق ايضا.‏ ولم يتوقف ايٌّ منهما لمساعدة الضحية.‏ (‏لوقا ١٠:‏​٣١،‏ ٣٢‏)‏ كان الكهنة يخدمون في هيكل اورشليم،‏ وكان اللاويون يساعدونهم.‏ وقد سكن كثيرون من الكهنة واللاويين في اريحا حين لم تكن لديهم خدمة في الهيكل،‏ لأن اريحا لم تكن تبعد عن اورشليم سوى ٢٣ كيلومترا.‏ لذلك لا بدّ انهم كانوا يسيرون في هذه الطريق.‏ لاحِظ ايضا ان يسوع قال ان المسافر كان «نازلا» في الطريق «من اورشليم»،‏ وليس صاعدا فيها.‏ وهذا كان منطقيا بالنسبة الى مستمعيه.‏ فأورشليم كانت اعلى من اريحا.‏ لذلك عند الذهاب «من اورشليم»،‏ كان يجب على المسافر ان ‹ينزل› كما يذكر المثل.‏b فمن الواضح ان يسوع ابقى مستمعيه في ذهنه.‏

      ١٤ كيف نبقي مستمعينا في ذهننا عند استخدام الامثال؟‏

      ١٤ نحن ايضا ينبغي ان نبقي مستمعينا في ذهننا عند استخدام الامثال.‏ فكيف يؤثر مستمعونا في اختيارنا للامثال؟‏ يجب التفكير في عوامل مثل العمر،‏ الخلفية الثقافية والعائلية،‏ والعمل.‏ مثلا،‏ يمكن لمَن يعيش في منطقة زراعية ان يفهم مثَلا يتضمن تفاصيل عن الزراعة اكثر ممَّن يعيش في مدينة كبيرة.‏ ويمكننا ايضا استيحاء الامثال المناسبة من حياة ونشاطات مستمعينا اليومية —‏ بما في ذلك بيتهم،‏ هواياتهم،‏ طعامهم،‏ وأولادهم.‏

      استيحاء الامثال من الخليقة

      ١٥ لماذا ليس غريبا ان يعرف يسوع الخليقة حق المعرفة؟‏

      ١٥ يكشف الكثير من امثال يسوع معرفته عن الطبيعة،‏ بما فيها النباتات،‏ الحيوانات،‏ وعناصر الطبيعة.‏ (‏متى ١٦:‏​٢،‏ ٣؛‏ لوقا ١٢:‏​٢٤،‏ ٢٧‏)‏ فمن اين نال هذه المعرفة؟‏ لا شك ان ترعرُعه في الجليل اتاح له الفرصة لمراقبة الخليقة.‏ إضافة الى ذلك،‏ يسوع هو «بكر كل خليقة» وقد استخدمه يهوه «عاملا ماهرا» في خلق كل الاشياء.‏ (‏كولوسي ١:‏​١٥،‏ ١٦؛‏ امثال ٨:‏​٣٠،‏ ٣١‏)‏ فهل هو غريب ان يعرف يسوع الخليقة حق المعرفة؟‏!‏ لنرَ في ما يلي كيف استخدم يسوع هذه المعرفة ببراعة.‏

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ ماذا يدلّ ان يسوع كان يعرف جيدا ميزات الخراف؟‏ (‏ب)‏ ماذا يُظهِر ان الخراف تصغي حقا الى صوت راعيها؟‏

      ١٦ تذكَّر ان يسوع دعا نفسه «الراعي الفاضل» وأتباعَه «الخراف».‏ تكشف كلماته هذه انه يعرف جيدا ميزات الخراف الاليفة.‏ فقد عرف ان هنالك علاقة لصيقة بين الرعاة وخرافهم.‏ لذلك ذكر ان هذه المخلوقات الطيِّعة تتبع راعيها بإذعان.‏ ولماذا تتبع الخراف راعيها؟‏ قال يسوع:‏ «لأنها تعرف صوته».‏ (‏يوحنا ١٠:‏​٢-‏٤،‏ ١١‏)‏ فهل تعرف الخراف حقا صوت راعيها؟‏

      راعٍ مع خرافه

      ١٧ كتب جورج آ.‏ سميث في كتابه الجغرافيا التاريخية للارض المقدسة (‏بالانكليزية)‏،‏ استنادا الى ما رآه شخصيا:‏ «كنا نتمتع احيانا بالراحة عند الظهيرة قرب احدى آبار اليهودية،‏ التي اتى اليها ثلاثة او اربعة رعاة مع قطعانهم.‏ وكانت القطعان تختلط بعضها ببعض،‏ مما جعلنا نتساءل كيف سيسترجع كلّ راعٍ قطيعه.‏ ولكن بعد ان تشرب القطعان وتلعب،‏ كان الرعاة يذهبون الواحد تلو الآخر الى مختلف انحاء الوادي،‏ وكان كل واحد يُطلق نداءه المميَّز فتنسحب خرافه وتذهب الى راعيها ثم ترحل منظَّمة كما اتت».‏ حقا،‏ لم تكن هنالك طريقة افضل ليوضح يسوع نقطته:‏ اذا فهمنا تعاليمه وأطعناها وتبعنا قيادته،‏ نصير تحت رعاية «الراعي الفاضل».‏

      ١٨ اين يمكننا ايجاد معلومات عن مخلوقات يهوه؟‏

      ١٨ وكيف نتعلم استخدام امثال مستوحاة من الطبيعة؟‏ بإمكاننا استخدام الميزات البارزة لدى الحيوانات لاستنباط تشبيهات فعّالة وبسيطة في آنٍ واحد.‏ وأين يمكننا ايجاد معلومات عن مخلوقات يهوه؟‏ ان الكتاب المقدس هو مصدر غني بالمعلومات عن شتى الحيوانات ويستخدم احيانا ميزاتها في التشبيهات.‏ مثلا،‏ يتحدث الكتاب المقدس عن كون المرء سريعا كالغزال او النمر،‏ حذرا كالحية،‏ وبريئا كالحمام.‏c (‏١ اخبار الايام ١٢:‏٨؛‏ حبقوق ١:‏٨؛‏ متى ١٠:‏١٦‏)‏ والمصادر القيّمة الاخرى للمعلومات هي برج المراقبة،‏ استيقظ!‏،‏ وغيرهما من المطبوعات التي يصدرها شهود يهوه.‏ فيمكنك ان تتعلّم الكثير حين تلاحظ كيف تستخدم هذه المطبوعات التشبيهات البسيطة المستوحاة من عجائب خليقة يهوه الكثيرة.‏

      استيحاء الامثال من حوادث معروفة

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ كيف استخدم يسوع حادثة لم يمضِ عليها فترة طويلة لدحض احد التعاليم الباطلة؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا استخدام حوادث او اختبارات من واقع الحياة في تعليمنا؟‏

      ١٩ تشمل الامثال الفعّالة حوادث من واقع الحياة.‏ فذات مرة،‏ استخدم يسوع حادثة لم يمضِ عليها فترة طويلة لدحض المفهوم الخاطئ ان المآ‌سي تحلّ بالذين يستحقونها.‏ قال:‏ «اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام فقتلهم،‏ أتظنون انهم كانوا مديونين [خطاة] اكثر من سائر الناس الساكنين في اورشليم؟‏».‏ (‏لوقا ١٣:‏٤‏)‏ فهؤلاء الثمانية عشر شخصا لم يموتوا بسبب خطية ما اثارت السخط الالهي،‏ بل بسبب «الوقت والحوادث غير المتوقعة».‏ (‏جامعة ٩:‏١١‏)‏ وهكذا،‏ دحض يسوع تعليما باطلا بالاشارة الى حادثة معروفة لدى سامعيه.‏

      ٢٠ وكيف يمكننا نحن استخدام حوادث او اختبارات من واقع الحياة؟‏ لنفرض انك تناقش موضوع إتمام نبوة يسوع عن علامة حضوره.‏ (‏متى ٢٤:‏​٣-‏١٤‏)‏ فبإمكانك ان تشير الى انباء عن حروب او مجاعات او زلازل حصلت مؤخرا لتُظهِر ان اوجها معيّنة من العلامة تتم.‏ او لنفرض انك تريد استخدام اختبار لتوضح ما هي التغييرات اللازمة للبس الشخصية الجديدة.‏ (‏افسس ٤:‏​٢٠-‏٢٤‏)‏ فأين يمكنك ايجاد اختبار كهذا؟‏ يمكنك استخدام التغييرات التي اجراها بعض الرفقاء المؤمنين او الاستشهاد باختبار نشرته احدى مطبوعات شهود يهوه.‏

      ٢١ اية مكافآ‌ت يحصدها المعلّم الفعّال لكلمة الله؟‏

      ٢١ حقا،‏ كان يسوع ابرع معلّم!‏ وكما رأينا في هذا الجزء،‏ كان ‹التعليم والكرازة بالبشارة› مهنته في الحياة.‏ (‏متى ٤:‏٢٣‏)‏ وهذا العمل هو مهنتنا في الحياة نحن ايضا.‏ والمكافآ‌ت التي يحصدها المعلّم الفعّال عظيمة.‏ فنحن نعطي الآخرين عندما نعلّم،‏ وهذا العطاء يجلب السعادة.‏ (‏اعمال ٢٠:‏٣٥‏)‏ وهذه السعادة هي الفرح الناتج عن المعرفة اننا ننقل شيئا ذا قيمة حقيقية ودائمة:‏ الحق عن يهوه.‏ كما اننا نحصل على الاكتفاء الناجم من المعرفة اننا نقتدي بمثال يسوع،‏ اعظم معلّم عاش على الارض.‏

      a على ما يبدو،‏ كان انجيل متى اول سجل موحى به عن حياة يسوع الارضية.‏ فقد كُتب هذا الانجيل بعد موت يسوع بثماني سنوات تقريبا.‏

      b قال يسوع ايضا ان الكاهن واللاوي كانا آتيين ‏«من اورشليم»،‏ مما يعني انهما كانا قادمَين من الهيكل.‏ لذلك لا يمكن لأحد ان يبرِّر لامبالاتهما بالقول انهما تجنبا الرجل الذي كان يبدو ميتا لأنهما لا يريدان ان يتنجسا وبالتالي ان يُحرما بشكل وقتي من الخدمة في الهيكل.‏ —‏ لاويين ٢١:‏١؛‏ عدد ١٩:‏١٦‏.‏

      c من اجل لائحة شاملة بالاستعمالات المجازية لميزات الحيوانات،‏ انظر بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ المجلد ١،‏ الصفحات ٢٦٨،‏ ٢٧٠-‏٢٧١ (‏بالانكليزية)‏،‏ اصدار شهود يهوه.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  اية اوجه من الخليقة استخدمها يسوع في امثاله،‏ وكيف يمكنك استخدام امثال مشابهة؟‏ —‏ متى ١٣:‏​٢٤-‏٣٢‏.‏

      •  كيف استخدم يسوع مثَلا بسيطا ليوضح امرا مهمّا،‏ وماذا تتعلّم من مثاله؟‏ —‏ متى ١٨:‏​١٢-‏١٤‏.‏

      •  اية امور من واقع الحياة استوحى يسوع امثاله منها،‏ وكيف يساعدك ذلك على اختيار الامثال؟‏ —‏ لوقا ١١:‏​٥-‏٨؛‏ ١٢:‏٦‏.‏

  • ‏«اني احب الآب»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٣

      ‏«اني احب الآب»‏

      ١،‏ ٢ ماذا كشف الرسول يوحنا عن الليلة الاخيرة التي قضاها الرسل مع يسوع؟‏

      يسترجع رجل مسنّ يناهز المئة من عمره ذكريات الماضي فيما يغطّ ريشته في الحبر.‏ هذا الرجل هو يوحنا،‏ آخر رسول باقٍ على قيد الحياة من رسل يسوع المسيح.‏ وهو يتذكر احداثا بالغة الاهمية حصلت ذات ليلة منذ نحو ٧٠ سنة.‏ فقد كانت هذه آخر ليلة يقضيها هو والرسل الآخرون مع يسوع قبل موته.‏ وبإرشاد روح الله القدس،‏ يتمكن يوحنا من تذكُّر وتدوين تلك الاحداث بالتفصيل.‏

      ٢ ففي تلك الليلة،‏ اخبرهم يسوع انه سيُقتل عما قريب.‏ ويوحنا وحده يكشف السبب الذي دفع يسوع الى الاذعان لهذه الميتة الفظيعة.‏ فهو يورد كلمات يسوع:‏ «ليعرف العالم اني احب الآب،‏ وكما اوصاني الآب،‏ هكذا افعل.‏ قوموا،‏ لنذهب من هنا».‏ —‏ يوحنا ١٤:‏٣١‏.‏

      ٣ كيف اظهر يسوع انه يحب اباه؟‏

      ٣ تُظهر عبارة «اني احب الآب» ان محبة يسوع لأبيه كانت اهم شيء في نظره.‏ لكنَّ يسوع لم يُظهر محبته من خلال تكرار هذه الكلمات،‏ اذ ان يوحنا ١٤:‏٣١ هي الآية الوحيدة في الكتاب المقدس التي عبّر فيها عن محبته لأبيه بهذه الصراحة.‏ فقد عاش يسوع بموجب كلماته هذه.‏ فمحبته ليهوه كانت ظاهرة في حياته اليومية.‏ فشجاعة يسوع وطاعته واحتماله هي دليل على محبته لله.‏ وفي الواقع،‏ كانت هذه المحبة هي الدافع وراء خدمته.‏

      ٤،‏ ٥ ايّ نوع من المحبة يركّز عليه الكتاب المقدس،‏ وماذا يمكن القول عن محبة يسوع ليهوه؟‏

      ٤ يعتقد البعض اليوم ان المحبة علامة ضعف.‏ وقد تذكّرهم هذه الكلمة بقصائد وأغاني الحب،‏ او حتى بالطيش الذي يُربط احيانا بالحب الرومنطيقي.‏ بالمقابل،‏ يناقش الكتاب المقدس موضوع الحب بطريقة لائقة وليس كما يُناقش عامة اليوم.‏ (‏امثال ٥:‏​١٥-‏٢١‏)‏ ولكن رغم ان كلمة الله تأتي على ذكر الحب الرومنطيقي،‏ فهي تركّز اكثر على نوع آخر من المحبة.‏ وهذه المحبة ليست مجرد عواطف جياشة او مشاعر عابرة.‏ كما انها ليست مفهوما فلسفيا جافا،‏ بل تشمل القلب والعقل على السواء.‏ فهي نابعة من القلب،‏ توجهها المبادئ السامية،‏ ويُعبَّر عنها بالاعمال البنّاءة.‏ وهي بعيدة كل البعد عن الطيش.‏ تقول كلمة الله:‏ «المحبة لا تفنى ابدا».‏ —‏ ١ كورنثوس ١٣:‏٨‏.‏

      ٥ من بين كل البشر الذين عاشوا،‏ كان يسوع اكثر مَن احب يهوه.‏ فلا احد فاقه في العمل بموجب الكلمات التي قال عنها انها الوصية العظمى:‏ «تحب يهوه إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل عقلك وبكل قوتك».‏ (‏مرقس ١٢:‏٣٠‏)‏ فكيف نمّى يسوع هذه المحبة لله؟‏ كيف ابقاها قوية عندما كان على الارض؟‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏

      اقدم وأمتن رباط محبة

      ٦،‏ ٧ كيف نعرف ان الامثال ٨:‏​٢٢-‏٣١ تنطبق على ابن الله،‏ لا على صفة الحكمة فقط؟‏

      ٦ هل عملت في مشروع ما مع احد اصدقائك،‏ مما قوّى اواصر الصداقة بينكما؟‏ يمكن ان يساعدك هذا الامر على إدراك المحبة التي تربط بين يهوه وابنه الوحيد.‏ لقد اشرنا عدة مرات في هذا الكتاب الى الامثال ٨:‏٣٠‏.‏ ولكن لنتأمل الآن في هذا العدد عن كثب على ضوء قرينته.‏ ففي الاعداد ٢٢ الى ٣١‏،‏ نجد وصفا موحى به للحكمة المجسَّمة.‏ فكيف نعرف ان هذه الكلمات تنطبق على ابن الله؟‏

      ٧ تقول الحكمة في العدد ٢٢‏:‏ «يهوه خلقني بداية لطريقه،‏ اول اعماله منذ القِدَم».‏ لا بد ان هذه الكلمات تشير الى امر آخر غير الحكمة،‏ لأن هذه الصفة لم ‹تُخلَق›.‏ فالحكمة ليست لها بداية لأن يهوه ازلي ولطالما كان حكيما.‏ (‏مزمور ٩٠:‏٢‏)‏ اما ابن الله فكان «بكر كل خليقة»،‏ مما يعني انه خُلق وأنه اول ما ابدعته يَدَا يهوه.‏ (‏كولوسي ١:‏١٥‏)‏ وتقول الامثال ان هذا الابن وُجد قبل الارض والسماء.‏ وبما انه الكلمة،‏ اي الناطق بلسان الله،‏ فقد جسّد حكمة يهوه بشكل مطلق.‏ —‏ يوحنا ١:‏١‏.‏

      ٨ ماذا كان الابن يفعل خلال وجوده السابق لبشريته،‏ وفيمَ قد نفكر حين يذهلنا شيء ما في الطبيعة؟‏

      ٨ وماذا كان الابن يفعل كل هذا الوقت الطويل قبل مجيئه الى الارض؟‏ يخبرنا العدد ٣٠ انه كان بجانب الله «عاملا ماهرا».‏ فماذا يعني ذلك؟‏ توضح كولوسي ١:‏١٦‏:‏ «به خُلقَت سائر الاشياء في السموات وعلى الارض .‏ .‏ .‏ به وله خُلقَت».‏ فيهوه الخالق استخدم ابنه،‏ العامل الماهر،‏ ليُوجِد كل الخلائق الاخرى:‏ المخلوقات الروحانية في الحيز السماوي،‏ الكون المادي الفسيح،‏ الارض بما فيها من حياة نباتية وحيوانية متنوعة،‏ والجنس البشري الذي توَّج به اعماله الخلقية على الارض.‏ ويمكننا الى حدّ ما ان نشبِّه هذا التعاون بين الآب والابن بالتعاون بين المهندس المعماري والبنّاء،‏ او المقاول،‏ الذي ينفِّذ تصاميم المهندس المبدعة بحذافيرها.‏ لذلك حين يذهلنا شيء ما في الخليقة،‏ ننسب الفضل الى المهندس العظيم.‏ (‏مزمور ١٩:‏١‏)‏ لكننا قد نتذكر ايضا التعاون الرائع الطويل الامد بين الخالق و ‹العامل الماهر› الذي استخدمه.‏

      ٩،‏ ١٠ (‏أ)‏ ماذا جعل الرباط بين يهوه وابنه رباطا متينا؟‏ (‏ب)‏ ماذا يمكن ان يجعل الرباط بينك وبين ابيك السماوي رباطا متينا؟‏

      ٩ عندما يعمل شخصان ناقصان عن كثب،‏ قد يجدان صعوبة في الانسجام واحدهما مع الآخر.‏ لكنّ ذلك لم يحصل مع يهوه وابنه.‏ فالابن عمل طوال دهور مع الآب وكان «مسرورا امامه كل حين».‏ (‏امثال ٨:‏٣٠‏)‏ نعم،‏ لقد كان الابن مسرورا برفقة ابيه،‏ وكان هذا شعورا متبادلا.‏ وصار هذا الابن مثل ابيه تماما،‏ اذ تعلّم الاقتداء بصفات الله.‏ فلا عجب اذًا ان يصير الرباط بين الآب والابن متينا الى هذه الدرجة!‏ وهذا الرباط يُدعى بحقٍّ اقدم وأمتن رباط محبة في الكون بأسره.‏

      ١٠ ولكن ماذا يعني ذلك لنا؟‏ قد تشعر انك لن تستطيع ابدا امتلاك رباط كهذا مع يهوه.‏ صحيح ان لا احد منا يحظى بمركز الابن الرفيع،‏ ولكن تُتاح امامنا فرصة رائعة.‏ تذكَّر ان يسوع نال علاقة حميمة بأبيه من جراء العمل الى جانبه.‏ نحن ايضا،‏ يمنحنا يهوه بمحبة الفرصة لنكون ‹عاملين معه›.‏ (‏١ كورنثوس ٣:‏٩‏)‏ ففيما نقتدي بمثال يسوع في الخدمة،‏ ينبغي ان نبقي دائما في بالنا اننا عاملون مع الله.‏ وهكذا،‏ يصير رباط المحبة بيننا وبين يهوه امتن.‏ أوَليس هذا اسمى امتياز نحظى به؟‏!‏

      كيف ابقى يسوع محبته ليهوه قوية

      ١١-‏١٣ (‏أ)‏ لماذا يمكن تشبيه المحبة بنبتة،‏ وكيف ابقى يسوع محبته ليهوه قوية؟‏ (‏ب)‏ كيف اظهر ابن الله اهتمامه بالتعلُّم عن يهوه حين كان في السماء وعندما اتى الى الارض؟‏

      ١١ من نواحٍ عديدة،‏ يمكن تشبيه المحبة في قلبنا بالنبتة التي تحتاج الى الغذاء والعناية لتنمو وتزدهر.‏ فهي تذبل وتموت عندما تُحرَم منهما.‏ وهذا ما فعله يسوع عندما كان على الارض بالمحبة التي أكنها ليهوه.‏ فهو لم يعتبرها تحصيل حاصل،‏ بل ابقاها قوية.‏ فلنرَ في ما يلي كيف فعل ذلك.‏

      ١٢ تذكَّر الحادثة حين كان يسوع صغيرا وتكلم بشجاعة عن علاقته بيهوه في هيكل اورشليم.‏ فقد قال لوالدَيه القلقَين:‏ «لماذا تفتشان عني؟‏ ألَم تعلما انني لا بد ان اكون في بيت ابي؟‏».‏ (‏لوقا ٢:‏٤٩‏)‏ فمحبته لأبيه يهوه كانت شديدة،‏ رغم انه لم تكن لديه بعد اية ذكريات عن وجوده السابق لبشريته.‏ وكان يعرف ان التعبير الفطري عن هذه المحبة هو من خلال العبادة.‏ لذلك لم يحب اي مكان آخر على الارض مثلما احب بيت ابيه للعبادة النقية.‏ فكان يتوق ان يذهب الى هناك ولا يودّ المغادرة.‏ كما انه لم يكن مجرد متفرج،‏ بل كان متعطشا الى التعلم عن يهوه والتحدث عما يعرفه.‏ لكنّ هذه المشاعر لم تولد عنده فجأة عندما كان بعمر ١٢ سنة ولم تخبُ آنذاك ايضا.‏

      ١٣ فعندما كان الابن في السماء،‏ كان متعطشا الى التعلم من ابيه.‏ فالنبوة المسجّلة في اشعيا ٥٠:‏​٤-‏٦ تكشف ان يهوه علّم ابنه عن دوره كمسيَّا.‏ وقد كان هذا الابن تلميذا نهِما رغم معرفته انه سيواجه الضيقات.‏ ولاحقا،‏ عندما اتى يسوع الى الارض وصار راشدا،‏ كان يتوق ان يذهب الى بيت ابيه ليشارك في العبادة والتعليم الذي اراد يهوه ان يُمنح هناك.‏ فالكتاب المقدس يخبر ان يسوع كان يذهب باستمرار الى الهيكل والمجمع.‏ (‏لوقا ٤:‏١٦؛‏ ١٩:‏٤٧‏)‏ على نحو مماثل،‏ اذا اردنا ان نبقي محبتنا ليهوه قوية،‏ يلزم ان نحضر بدأب الاجتماعات المسيحية.‏ ففي هذه الاجتماعات نعبد يهوه ونعمّق معرفتنا ليهوه وتقديرنا له.‏

      يسوع يصلي على جبل

      ‏«صعد الى الجبل منفردا ليصلي»‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ لماذا سعى يسوع الى الاختلاء بنفسه؟‏ (‏ب)‏ كيف تدل صلوات يسوع على علاقته الحميمة بأبيه واحترامه له؟‏

      ١٤ والامر الآخر الذي ساعد يسوع على إبقاء محبته ليهوه قوية هو الصلاة باستمرار.‏ فمع انه كان رجلا اجتماعيا وودودا،‏ فقد عرف اهمية الاختلاء بالنفس.‏ مثلا،‏ تقول لوقا ٥:‏١٦‏:‏ «بقي معتزلا في القفار يصلي».‏ وتذكر متى ١٤:‏٢٣‏:‏ «بعدما صرف الجموع،‏ صعد الى الجبل منفردا ليصلي.‏ ورغم ان الوقت صار متأخرا،‏ كان هناك وحده».‏ لم يسعَ يسوع في هاتين المرتين وفي مناسبات اخرى الى الاختلاء بنفسه لأنه شخص انطوائي او يكره معاشرة الآخرين،‏ بل لأنه اراد ان يكون وحده مع ابيه يهوه ليتكلم معه بحرية في الصلاة.‏

      ١٥ وفي صلاته،‏ كان يستخدم احيانا عبارة ‏«أبَّا،‏ ايّها الآب».‏ (‏مرقس ١٤:‏٣٦‏)‏ في ايام يسوع،‏ كانت كلمة «أبَّا»،‏ التي تعني «اب»،‏ صيغة تحبّب تُستخدم ضمن العائلة.‏ ورغم انها كانت غالبا من اولى الكلمات التي يتعلمها الطفل،‏ فقد كانت تنمّ عن الاحترام.‏ ففي حين انها تدل على علاقة حميمة كتلك التي تربط بين الابن وأبيه الحبيب،‏ فهي تدل ايضا على الاحترام لسلطة يهوه الابوية.‏ وتظهر هذه العلاقة الحميمة المقترنة بالاحترام في كل صلوات يسوع المسجّلة.‏ على سبيل المثال،‏ سجّل الرسول يوحنا في الاصحاح ١٧ من انجيله الصلاة المطوّلة النابعة من القلب التي قدّمها يسوع في الليلة الاخيرة من حياته.‏ ومن المشجّع والمهم لنا ان نتمعّن في صلاة يسوع هذه ونقتدي به،‏ ليس بتكرار كلماته،‏ بل بالتحدث الى ابينا السماويّ كلما امكن من خلال الصلوات النابعة من القلب.‏ فهذا ما يبقي محبتنا له قوية.‏

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ كيف عبّر يسوع عن محبته لأبيه بالكلام؟‏ (‏ب)‏ كيف اخبر يسوع الناس عن سخاء ابيه؟‏

      ١٦ كما ذكرنا سابقا لم يكرر يسوع عبارة «اني احب الآب».‏ لكنه عبّر مرارا عن محبته لأبيه بالكلام.‏ كيف؟‏ قال هو نفسه ذات مرة:‏ ‏«اسبِّحك علانية،‏ ايّها الآب،‏ رب السماء والارض».‏ (‏متى ١١:‏٢٥‏)‏ في الجزء ٢ من هذا الكتاب،‏ تعلَّمنا ان يسوع كان يحب ان يسبِّح اباه بمساعدة الناس على التعرف به.‏ مثلا،‏ شبّه يهوه بأب كان توّاقا ان يغفر لابنه المتمرد،‏ حتى انه كان ينتظر عودة ابنه التائب.‏ وعندما ابصره من بعيد آتيا في الطريق،‏ ركض للقائه وعانقه.‏ (‏لوقا ١٥:‏٢٠‏)‏ فكيف يمكن للشخص ان يقرأ هذا المقطع دون ان يتأثر بالوصف الذي اعطاه يسوع لمحبة يهوه وغفرانه؟‏!‏

      ١٧ كثيرا ما سبَّح يسوع اباه بالتحدث عن سخائه.‏ فاستخدم مثَل الوالدين الناقصين ليُظهِر ان علينا الثقة تماما بأن ابانا سيمنحنا الروح القدس بسخاء.‏ (‏لوقا ١١:‏١٣‏)‏ وقد تحدث ايضا عن الرجاء الذي يمنحه الآب بسخاء.‏ فوصف بلهفة رجاءه باسترداد مكانه الى جانب ابيه في السماء.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٢٨؛‏ ١٧:‏٥‏)‏ وأخبر أتباعه عن الرجاء الذي يمنحه يهوه ‹لقطيع المسيح الصغير›،‏ رجاء العيش في السماء والاشتراك في الحكم مع الملك المسيَّاني.‏ (‏لوقا ١٢:‏٣٢؛‏ يوحنا ١٤:‏٢‏)‏ كما عزى خاطئا مشرفا على الموت برجاء الحياة في الفردوس.‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٣‏)‏ ولا شك ان تحدثه عن سخاء ابيه بهذه الطرائق ساعده على إبقاء محبته ليهوه قوية.‏ بصورة مماثلة،‏ يدرك كثيرون من أتباع المسيح ان التحدث عن يهوه والرجاء الذي يمنحه للذين يحبونه هو خير مساعد لهم على تقوية محبتهم له وإيمانهم به.‏

      هل تقتدي بمحبة يسوع ليهوه؟‏

      ١٨ ما هو اهم مجال ينبغي ان نقتدي فيه بيسوع،‏ ولماذا؟‏

      ١٨ ان اهم مجال ينبغي ان نقتدي فيه بمثال يسوع هو ان نحب يهوه بكل قلبنا ونفسنا وعقلنا وقوتنا.‏ (‏لوقا ١٠:‏٢٧‏)‏ وهذه المحبة لا تُقاس فقط بمدى قوة مشاعرنا،‏ بل ايضا بمدى إعطائنا الدليل عليها بأعمالنا.‏ فيسوع ادرك ان الشعور بالمحبة لأبيه او القول:‏ «اني احب الآب» غير كافيَين،‏ لذلك قال:‏ «ليعرف العالم اني احب الآب،‏ وكما اوصاني الآب،‏ هكذا أفعل».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٣١‏)‏ فقد ادّعى الشيطان انه ما من انسان يخدم يهوه بدافع المحبة غير الانانية.‏ (‏ايوب ٢:‏​٤،‏ ٥‏)‏ وبغية تزويد الجواب الشافي عن هذا الادعاء الشرير،‏ اتّخذ يسوع اجراء شجاعا وأظهر للملإ كم يحب اباه،‏ اذ اطاعه حتى الى درجة بذل نفسه.‏ فهل تقتدي بيسوع؟‏ هل تُظهر للملإ انك تحب يهوه الله فعلا؟‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ لماذا من المهم ان نحضر الاجتماعات المسيحية بانتظام؟‏ (‏ب)‏ كيف يجب ان ننظر الى الدرس الشخصي،‏ التأمل،‏ والصلاة؟‏

      ١٩ لدينا حاجة الى إظهار محبة كهذه.‏ فقد صنع يهوه ترتيب العبادة بحيث يمكِّننا هذا الترتيب من تقوية محبتنا له.‏ فعندما تحضر الاجتماعات المسيحية،‏ حاوِل ان تتذكر انك هناك لتعبد الهك.‏ وهذه العبادة تشمل الاشتراك في الصلاة المخلصة،‏ ترنيم ترانيم التسبيح،‏ الاصغاء بانتباه،‏ وتقديم التعليقات كلما امكن.‏ كما ان هذه الاجتماعات تتيح لك فرصة تشجيع الرفقاء المسيحيين.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏​٢٤،‏ ٢٥‏)‏ وعبادة يهوه بانتظام في الاجتماعات المسيحية ستقوّي محبتك لله اكثر فأكثر.‏

      ٢٠ يمكن قول الامر عينه عن الدرس الشخصي،‏ التأمل،‏ والصلاة.‏ فكّر ان هذه فرص لتكون وحدك مع يهوه.‏ فهو ينقل اليك افكاره من خلال درسك كلمته المكتوبة وتأملك فيها.‏ وبإمكانك ان تبوح له بمكنونات قلبك من خلال الصلاة.‏ ولكن تذكَّر ان الصلاة لا تقتصر على تقديم الطلبات لله.‏ فهي تتيح لك ايضا فرصة شكره على البركات التي يمنحك اياها وتسبيحه على اعماله الرائعة.‏ (‏مزمور ١٤٦:‏١‏)‏ اضافة الى ذلك،‏ فإن تسبيح يهوه علنا بفرح وحماسة هو افضل طريقة لشكره والاعراب عن محبتك له.‏

      ٢١ الى ايّ حد مهمة هي المحبة ليهوه،‏ وماذا سنناقش في الفصول اللاحقة؟‏

      ٢١ ان المحبة لله هي مفتاح السعادة الابدية.‏ فهذه هي الصفة التي كان آدم وحواء بحاجة اليها ليكونا طائعَين،‏ ولكنهما لم يعربا عنها.‏ انها اهم صفة تحتاج اليها لتتخطى ايّ امتحان للايمان،‏ ترفض ايّ اغراء،‏ وتحتمل اية محنة.‏ فهي جوهر ما يعنيه اتّباع يسوع.‏ ولا شك ان المحبة لله مرتبطة بالمحبة لقريبنا.‏ (‏١ يوحنا ٤:‏٢٠‏)‏ لذلك سنناقش في الفصول اللاحقة كيف اعرب يسوع عن المحبة للناس.‏ أما في الفصل التالي فسنناقش لماذا اعتبر كثيرون يسوع شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  على غرار يسوع،‏ كيف نُظهر اننا نثق بيهوه عندما نصلي؟‏ —‏ يوحنا ١١:‏​٤١،‏ ٤٢؛‏ عبرانيين ١١:‏٦‏.‏

      •  كيف نعبّر عن محبة نابعة من القلب ليهوه بالطريقة التي نستخدم بها اسمه؟‏ —‏ يوحنا ١٧:‏​٦-‏٨‏.‏

      •  لماذا تتطلب المحبة ليهوه الاقتداء بيسوع في البقاء منفصلين عن العالم؟‏ —‏ يوحنا ١٧:‏​١٤-‏١٦؛‏ يعقوب ٤:‏٨‏.‏

      •  كيف يمكننا تطبيق مشورة يسوع عن المحافظة على محبة شديدة ليهوه؟‏ —‏ رؤيا ٢:‏​١-‏٥‏.‏

  • ‏«اقتربت اليه جموع كثيرة»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٤

      ‏«اقتربت اليه جموع كثيرة»‏

      يسوع وحوله اولاد من كل الاعمار

      ‏«دعوا الاولاد الصغار يأتون اليّ»‏

      ١-‏٣ ماذا يحدث عندما يُحضِر بعض الوالدين اولادهم الى يسوع،‏ وماذا تكشف لنا هذه الحادثة عنه؟‏

      يعرف يسوع ان نهاية حياته الارضية قريبة جدا.‏ ولكن لا يزال لديه الكثير من العمل ليقوم به في الاسابيع القليلة المتبقية له.‏ فهو يكرز مع رسله في پيريا،‏ مقاطعة شرقي نهر الاردن.‏ وهم متّجهون جنوبا نحو اورشليم،‏ حيث سيحتفل يسوع بالفصح الاخير له الذي ستليه احداث بارزة.‏

      ٢ بعد مناقشة حامية مع بعض القادة الدينيين،‏ تحدث فوضى بعض الشيء،‏ اذ يُحضِر الناس اولادهم اليه ليروه.‏ ومن الواضح ان الاولاد كانوا من مختلف الاعمار.‏ فمرقس يتحدث عنهم مستخدما الكلمة نفسها التي استخدمها قبلا للاشارة الى فتاة في الثانية عشرة من عمرها،‏ في حين ان لوقا يستخدم كلمة يمكن ترجمتها الى «اطفال».‏ (‏لوقا ١٨:‏١٥؛‏ مرقس ٥:‏​٤١،‏ ٤٢؛‏ ١٠:‏١٣‏)‏ ولا شكّ انه حيث يوجد الاولاد،‏ غالبا ما يكثر الضجيج والجلبة.‏ لذلك يؤنب التلاميذ الوالدين،‏ مفترضين ربما ان سيّدهم مشغول جدا ولا يريد ان يزعجه الاولاد.‏ فماذا يفعل يسوع؟‏

      ٣ يغتاظ يسوع عندما يرى ما يحدث.‏ ولكن هل يغتاظ من الاولاد او من الوالدين؟‏ كلا،‏ بل من تلاميذه.‏ فهو يقول لهم:‏ «دعوا الاولاد الصغار يأتون اليّ.‏ لا تحاولوا منعهم،‏ لأن لأمثال هؤلاء ملكوت الله.‏ الحق اقول لكم:‏ مَن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد صغير،‏ فلن يدخله ابدا».‏ بعدئذ،‏ يضمّ يسوع الاولاد «بذراعيه» ويباركهم.‏ (‏مرقس ١٠:‏​١٣-‏١٦‏)‏ تشير الكلمات التي استخدمها مرقس هنا ان يسوع يعانق الاولاد بحنان،‏ حتى انه ربما يحمل بعض الاطفال ويحتضنهم.‏ تكشف لنا هذه الحادثة ان يسوع مولع بالاولاد.‏ ولكننا نتعلم ايضا ان يسوع شخص يسهل الاقتراب اليه.‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ ماذا يؤكد لنا ان يسوع كان شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة سنناقشها في هذا الفصل؟‏

      ٤ لو كان يسوع رجلا متكبرا وصارما وبلا مشاعر،‏ لما كان هؤلاء الاولاد سينجذبون اليه على الارجح ولما كان والدوهم سيستسهلون الاقتراب اليه.‏ هل تتخيل كم فرح هؤلاء الوالدون فيما كان هذا الرجل اللطيف يعبّر عن حنانه تجاه اولادهم ويخبرهم ان الله يعتبرهم ذوي قيمة،‏ ويباركهم؟‏ فرغم ان المسؤوليات كانت تُثقِل كاهل يسوع،‏ فقد بقي شخصا يسهل الاقتراب اليه اكثر من ايّ انسان آخر على الارض.‏

      ٥ فمَن غير هؤلاء شعروا بسهولة الاقتراب اليه؟‏ ماذا جعله شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏ وكيف يمكننا الاقتداء به في هذا المجال؟‏ لنناقش هذه الاسئلة في ما يلي.‏

      مَن شعروا بسهولة الاقتراب الى يسوع؟‏

      ٦-‏٨ مَن بشكل عام كانوا يتبعون يسوع،‏ وكيف اختلف موقفه عن موقف القادة الدينيين؟‏

      ٦ حين تقرأ روايات الاناجيل،‏ قد تندهش حين تعرف ان اعدادا كبيرة من الناس لم تتردد قط في الاقتراب الى يسوع.‏ مثلا،‏ كثيرا ما ترد في روايات الاناجيل عبارة «جموع كثيرة».‏ فالكتاب المقدس يقول انه «تبعته جموع كثيرة من الجليل»،‏ «اجتمعت اليه جموع كثيرة»،‏ «اقتربت اليه جموع كثيرة»،‏ و «كانت جموع كثيرة مسافرة معه».‏ (‏متى ٤:‏٢٥؛‏ ١٣:‏٢؛‏ ١٥:‏٣٠؛‏ لوقا ١٤:‏٢٥‏)‏ نعم،‏ غالبا ما كان يسوع محاطا بجماهير غفيرة.‏

      ٧ وكانت هذه الحشود عموما مؤلفة من عامة الشعب،‏ الذين دعاهم القادة الدينيون بازدراء «شعب الارض».‏ فقد قال الفريسيون والكهنة علنا:‏ «هذا الجمع الذي لا يعرف الشريعة ملعون».‏ (‏يوحنا ٧:‏٤٩‏)‏ وتؤكد كتابات الربّانيين اللاحقة ان القادة الدينيين امتلكوا هذا الموقف.‏ فكثيرون منهم اعتبروا اشخاصا كهؤلاء وضعاء،‏ ورفضوا الاكل معهم او شراء شيء منهم او معاشرتهم.‏ حتى ان البعض اكّدوا ان هؤلاء الذين لا يعرفون الشريعة الشفهية ليس لديهم ايّ رجاء بالقيامة.‏ لذلك لا بد ان كثيرين من المساكين تجنبوا القادة الدينيين ولم يقتربوا اليهم لطلب المساعدة او الارشاد.‏ لكنَّ يسوع كان مختلفا.‏

      ٨ فهو لم يتردد في الاختلاط بعامة الشعب.‏ بل كان يأكل معهم،‏ يشفيهم،‏ يعلّمهم،‏ ويمنحهم الرجاء.‏ طبعا،‏ كان يسوع واقعيا اذ عرف ان معظم الناس سيرفضون امتياز خدمة يهوه.‏ (‏متى ٧:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ رغم ذلك،‏ امتلك نظرة ايجابية الى كل فرد وعرف ان كثيرين لديهم القدرة على فعل الصواب.‏ فشتّان ما بينه وبين اولئك الفريسيين والكهنة المتحجري القلوب!‏ ومن المدهش ان بعض الكهنة والفريسيين اقتربوا الى يسوع،‏ حتى ان عددا منهم غيّروا مسلكهم وتبعوه.‏ (‏اعمال ٦:‏٧؛‏ ١٥:‏٥‏)‏ كما ان بعض الاغنياء وذوي النفوذ كانوا يستسهلون الاقتراب اليه.‏ —‏ مرقس ١٠:‏​١٧،‏ ٢٢‏.‏

      ٩ لماذا استسهلت النساء الاقتراب الى يسوع؟‏

      ٩ لم تتردد النساء ايضا في الاقتراب الى يسوع.‏ فلا شك انهن كثيرا ما شعرن بالازدراء المذلّ الذي اكنّه القادة الدينيون لهنّ.‏ فالربّانيون لم يوافقوا عموما على تعليم النساء.‏ ولم يُسمح للنساء بتقديم الشهادة في المحاكم،‏ اذ ان شهادتهن لم تُعتبر جديرة بالثقة.‏ حتى ان الربّانيين كانوا يتلون صلاة يشكرون فيها الله انهم ليسوا نساء.‏ بالتباين،‏ لم يعامل يسوع النساء بهذه الطريقة.‏ فكثيرات منهن اقتربن اليه،‏ متعطشات الى التعلم منه.‏ مثلا،‏ يروي الكتاب المقدس عن مريم اخت لعازر انها جلست عند قدمي الرب وأصغت بشغف الى كلماته فيما كانت اختها مرثا منشغلة ومهتمة بإفراط بإعداد الطعام.‏ لذلك مدحها يسوع على وضعها الاولويات في مكانها الملائم.‏ —‏ لوقا ١٠:‏​٣٩-‏٤٢‏.‏

      ١٠ كيف كان يسوع مختلفا عن القادة الدينيين في معاملته المرضى؟‏

      ١٠ حتى المرضى تقاطروا الى يسوع.‏ فكثيرا ما عاملهم القادة الدينيون هم ايضا كمنبوذين.‏ صحيح ان الشريعة الموسوية نصّت على وضع البُرص في الحجر الصحيّ،‏ لكنها لم تُجِز معاملتهم بقساوة.‏ (‏لاويين،‏ الاصحاح ١٣‏)‏ فالقواعد الربّانية الموضوعة لاحقا هي التي ذكرت ان البُرص مثيرون للاشمئزاز مثلهم مثل البراز.‏ وقد ذهب بعض القادة الدينيين الى حدّ رمي البُرص بالحجارة لإبعادهم.‏ فهل تتخيل مدى الشجاعة التي كانت تلزم الاشخاص الذين عوملوا بهذه الطريقة للاقتراب الى ايّ معلّم؟‏ رغم ذلك،‏ اقترب البُرص الى يسوع.‏ وقد تفوّه احدهم بهذه الكلمات الشهيرة التي تدل على ايمانه:‏ «يا رب،‏ إنْ اردت،‏ فأنت قادر ان تطهّرني».‏ (‏لوقا ٥:‏١٢‏)‏ وفي الفصل التالي،‏ سنناقش ماذا كان ردّ فعل يسوع.‏ اما الآن فيكفي القول ان هذا هو دليل قاطع ان يسوع كان شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

      ١١ ايّ مثال يُظهِر ان الذين يُثقِل الشعور بالذنب كاهلهم استسهلوا الاقتراب الى يسوع،‏ ولماذا ذلك مهم؟‏

      ١١ سهُل ايضا على الذين يُثقِل كاهلهم الشعور بالذنب ان يقتربوا الى يسوع.‏ مثلا،‏ عندما كان يسوع يتغدَّى في بيت احد الفريسيين،‏ اتت امرأة معروف انها خاطئة وركعت عند قدميه.‏ وكانت تبكي بسبب شعورها بالذنب وتغسل قدميه بدموعها وتجففهما بشعرها.‏ وفي حين ان مضيف يسوع شعر بالنفور وانتقده بقسوة لأنه سمح لهذه المرأة بالاقتراب منه،‏ مدح يسوع بلطف المرأة على توبتها الصادقة وأكّد لها ان يهوه غفر خطاياها.‏ (‏لوقا ٧:‏​٣٦-‏٥٠‏)‏ واليوم اكثر من ايّ وقت مضى،‏ يحتاج الاشخاص الذين يُثقِل الشعور بالذنب كاهلهم ان يشعروا بأنهم يستطيعون الاقتراب الى مَن بإمكانهم مساعدتهم على استعادة علاقتهم بالله.‏ لذلك من المهم ان نعرف ما هي الامور التي سهَّلت الاقتراب الى يسوع بغية الاقتداء بها.‏

      ما الذي سهَّل الاقتراب الى يسوع؟‏

      ١٢ لماذا ليس غريبا ان يكون يسوع شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏

      ١٢ كان يسوع يقتدي كاملا بأبيه السماويّ الحبيب.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ فالكتاب المقدس يقول لنا ان يهوه «ليس بعيدا عن كل واحد منا».‏ (‏اعمال ١٧:‏٢٧‏)‏ ويهوه هو «سامع الصلاة»،‏ لذلك فإن الاقتراب اليه متاح دائما لخدامه الامناء وأيّ شخص آخر يريد بإخلاص ان يجده ويخدمه.‏ (‏مزمور ٦٥:‏٢‏)‏ فأعظم وأهم شخصية في الكون هو ايضا الشخصية التي يسهل الاقتراب اليها اكثر من ايّ كائن آخر.‏ ويسوع يحب الناس على غرار ابيه.‏ وفي الفصول التالية،‏ سنتحدث عن هذه المحبة العميقة التي اكنّها يسوع في قلبه.‏ لكنَّ الناس استسهلوا الاقتراب اليه الى حد كبير لأن محبته لهم كانت ظاهرة.‏ لذلك لنستعرض الآن بعض صفات يسوع التي اظهر من خلالها محبته هذه.‏

      ١٣ كيف يمكن للوالدين الاقتداء بمثال يسوع؟‏

      ١٣ كان الناس يشعرون على الفور ان يسوع يهتم بهم اهتماما شخصيا.‏ وهذا الاهتمام الشخصي لم يختفِ عندما كان يسوع تحت الضغط.‏ فكما سبق ان رأينا،‏ عندما احضر الوالدون اولادهم الى يسوع،‏ بقي شخصا يسهل الاقتراب اليه رغم انه مشغول ولديه مسؤوليات تُثقِل كاهله.‏ وما اروع المثال الذي رسمه يسوع للوالدين!‏ فتربية الاولاد في ايامنا تشكّل تحديا كبيرا.‏ رغم ذلك،‏ من المهم ان يشعر الاولاد انه يسهل عليهم الاقتراب الى والديهم.‏ فأنت تعرف ايها الوالد انك قد تكون احيانا مشغولا جدا ولا تستطيع منح ولدك الاهتمام الذي يطلبه منك.‏ ولكن هل تطمئنه انك ستخصص له الوقت بأسرع ما يمكن؟‏ وإذا وفيت بوعدك،‏ فسيتعلّم ولدك فوائد الصبر.‏ وسيتعلّم ايضا انك مستعد دائما لتصغي له عندما يقترب اليك طلبا للاهتمام او ليخبرك عن مشكلة يواجهها.‏

      ١٤-‏١٦ (‏أ)‏ اية ظروف جعلت يسوع يصنع عجيبته الاولى،‏ ولماذا كان ذلك عملا رائعا؟‏ (‏ب)‏ ماذا تكشف عجيبة يسوع في قانا عنه،‏ وأيّ درس يعلّمه ذلك للوالدين؟‏

      ١٤ كان يسوع يُظهِر للناس انه يهتم بمشاكلهم.‏ مثلا،‏ فكِّر في اول عجيبة قام بها.‏ فيسوع كان يحضر وليمة عرس في بلدة في الجليل اسمها قانا.‏ وقد نشأت مشكلة محرجة،‏ اذ لم يعد لديهم خمر.‏ فماذا فعل يسوع عندما اخبرته امه مريم بما حدث؟‏ امر الخدم ان يملأوا ست جرار حجرية كبيرة بالماء ثم ان يقدّموا عينة منها الى المشرف على الوليمة.‏ فذاقها المشرف،‏ وإذا هي خمر جيدة.‏ فهل كانت هذه حيلة او احدى ألعاب الخفة؟‏ كلا،‏ فكان «الماء .‏ .‏ .‏ قد تحوّل خمرا».‏ (‏يوحنا ٢:‏​١-‏١١‏)‏ لطالما حلم البشر بتحويل مادة الى اخرى.‏ فطوال قرون،‏ حاول الخيميائيون تحويل الرصاص الى ذهب.‏ لكنهم لم ينجحوا في ذلك قط،‏ رغم ان الرصاص والذهب هما في الواقع معدنان متشابهان جدا.‏a وماذا عن الماء والخمر؟‏ ان التركيب الكيميائي للماء بسيط جدا،‏ اذ انه ينتج عن اتّحاد عنصرَين اساسيَّين.‏ بالتباين،‏ تحتوي الخمر على نحو الف مادة كيميائية،‏ والكثير من هذه المواد بالغ التعقيد.‏ فلماذا صنع يسوع عجيبة رائعة كهذه لحل مشكلة قليلة الاهمية كنفاد الخمر في وليمة عرس؟‏

      ١٥ لم تكن المشكلة قليلة الاهمية في نظر العروس والعريس.‏ ففي الشرق الاوسط قديما،‏ كان إظهار الضيافة للمدعوين امرا بالغ الاهمية.‏ ونفاد الخمر في وليمة العرس كان سيتسبب للعروس والعريس بإحراج كبير،‏ مما سيفسد عليهما يوم زفافهما بحيث لن تعود لديهما ذكريات جميلة عنه.‏ وبما ان المشكلة كانت تهم العروسين،‏ فقد اعتبرها يسوع مهمة في نظره وحاول ان يحلّها.‏ فهل عرفت الآن لماذا كان الناس يقتربون الى يسوع ويخبرونه بمشاكلهم؟‏

      ام تواسي ابنتها الحزينة لأن ذراع دميتها تمزقت

      أظهِر لولدك انك شخص يسهل الاقتراب اليه وأنك تهتم به فعلا

      ١٦ يمكن للوالدين ان يتعلّموا درسا من هذه الحادثة ايضا.‏ فإذا اقترب اليك ولدك ليخبرك عن مشكلة يواجهها،‏ فقد تميل الى اعتبار ما يقلقه امرا قليل الاهمية او حتى مضحكا.‏ صحيح ان مشكلة ولدك قد تبدو تافهة مقارنة بهمومك المرهقة،‏ ولكن تذكّر انها ليست كذلك في نظر ولدك.‏ فإذا كانت هذه المسألة مهمة في نظر شخص تحبه كثيرا،‏ أفلا ينبغي ان تعتبرها انت ايضا مهمة؟‏ ان إظهارك لولدك انك تهتم بمشاكله سيسهِّل عليه الاقتراب اليك.‏

      ١٧ ايّ مثال للوداعة رسمه يسوع،‏ ولماذا هذه الصفة هي دليل على القوة؟‏

      ١٧ كما ناقشنا في الفصل ٣‏،‏ كان يسوع وديعا ومتواضعا.‏ (‏متى ١١:‏٢٩‏)‏ والوداعة هي صفة جديرة بالمدح وبرهان قويّ على تواضع المرء.‏ انها ثمرة من ثمر روح الله القدس ومرتبطة بالحكمة الالهية.‏ (‏غلاطية ٥:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ يعقوب ٣:‏١٣‏)‏ فحتى عند التعرض للاستفزاز الشديد،‏ حافظ يسوع على ضبط النفس.‏ فوداعته بعيدة كل البعد عن الضعف.‏ قال احد العلماء عن هذه الصفة:‏ «خلف الرفق تكمن قوة فولاذية».‏ فنحن نحتاج الى القوة لكبح انفعالاتنا ومعاملة الآخرين بوداعة.‏ وببركة يهوه على جهودنا،‏ يمكننا الاقتداء بيسوع في إظهار الوداعة،‏ مما يجعلنا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏

      ١٨ ايّ مثال يُظهِر تعقل يسوع،‏ ولماذا تسهِّل هذه الصفة الاقتراب الى الشخص؟‏

      ١٨ تحلّى يسوع ايضا بالتعقل.‏ فعندما كان في صور،‏ اتت اليه امرأة لأن ابنتها «في سوء من شيطان بها».‏ لكنَّ يسوع اعلمها بثلاث طرائق انه لا يرغب في تلبية طلبها.‏ اولا،‏ لم يُجبها بكلمة؛‏ ثانيا،‏ اعطاها سببا يوضح لماذا لا ينبغي ان يستجيب لها؛‏ وثالثا،‏ قدّم لها مثلا ليوضح النقطة اكثر.‏ ولكن هل كان اسلوبه متصلبا ولامباليا؟‏ هل اوحى لها انها تعرّض نفسها للخطر لأنها تجرأت ان تتحدى رجلا عظيما مثله؟‏ كلا،‏ فهذه المرأة كانت تشعر بالامان.‏ فهي لم تطلب المساعدة منه فحسب،‏ بل ألحت عليه ايضا رغم انه اظهر عدم استعداده لمساعدتها.‏ وقد رأى يسوع الايمان غير العادي الذي دفعها الى الالحاح،‏ فشفى ابنتها.‏ (‏متى ١٥:‏​٢٢-‏٢٨‏)‏ فلا شك ان تعقل يسوع،‏ اي استعداده للاصغاء وتلبية الطلبات حينما يكون ذلك ملائما،‏ جعل الناس يتوقون ان يقتربوا اليه.‏

      هل من السهل الاقتراب اليك؟‏

      ١٩ كيف نعرف ما اذا كنا حقا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏

      ١٩ يحبّ الناس ان يعتبرهم الآخرون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏ فبعض المسؤولين يتباهون بأن ابوابهم مفتوحة دائما لأتباعهم.‏ لكنّ الكتاب المقدس يقدّم هذا التحذير القويّ:‏ «كثيرون من الناس ينادون كل واحد بلطفه الحبي،‏ أما الانسان الامين فمَن يجده؟‏».‏ (‏امثال ٢٠:‏٦‏)‏ فمن السهل القول اننا اشخاص يسهل الاقتراب الينا،‏ ولكن هل نقتدي فعلا بهذا الوجه من محبة يسوع؟‏ لا يعتمد الجواب على نظرتنا الى انفسنا،‏ بل على نظرة الآخرين الينا.‏ قال بولس:‏ «ليُعرَف تعقلكم عند جميع الناس».‏ (‏فيلبي ٤:‏٥‏)‏ فيحسن بكلّ واحد منا ان يسأل نفسه:‏ ‹كيف يراني الآخرون؟‏ وما هو صيتي بين الناس؟‏›.‏

      شيخ يرحب بأخ اقترب منه

      يبذل الشيوخ جهدهم ليكونوا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم

      ٢٠ (‏أ)‏ لماذا من المهم ان يكون الشيوخ المسيحيون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ (‏ب)‏ لماذا ينبغي ان نكون متعقلين ومنطقيين في ما نتوقعه من شيوخ الجماعة؟‏

      ٢٠ يسعى الشيوخ المسيحيون خصوصا ان يكونوا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏ فهم يرغبون بشدة ان ينطبق عليهم الوصف المسجّل في اشعيا ٣٢:‏​١،‏ ٢‏:‏ «يكون كلٌّ منهم كمخبإ من الريح وستر من العاصفة،‏ كجداول ماء في ارض قاحلة،‏ كظل صخرة عظيمة في ارض معيية».‏ ولا يمكن للشيخ ان يزود هذه الحماية والانتعاش والراحة إلا اذا كان شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏ وهذا ليس سهلا دائما،‏ لأن الشيوخ تُلقى على عاتقهم مسؤولية ثقيلة في هذه الازمنة الصعبة.‏ لكنهم يبذلون جهدهم لئلا يعطوا الآخرين الانطباع انهم مشغولون جدا ولا يستطيعون الاهتمام بحاجات خراف يهوه.‏ (‏١ بطرس ٥:‏٢‏)‏ كما ان افراد الجماعة يحاولون ايضا ان يكونوا متعقلين ومنطقيين في ما يتوقعونه من هؤلاء الرجال الامناء،‏ مظهرين التواضع والتعاون.‏ —‏ عبرانيين ١٣:‏١٧‏.‏

      ٢١ كيف يمكن ان يكون الوالدون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم،‏ وعمّ سنتحدث في الفصل التالي؟‏

      ٢١ يبذل الوالدون قصارى جهدهم ليسهِّلوا على اولادهم الاقتراب اليهم دائما.‏ فهذا امر في غاية الاهمية.‏ وهم يريدون ان يعرف اولادهم ان بإمكانهم الثقة بأبيهم او امهم.‏ لذلك يحرص الوالدون المسيحيون ان يكونوا ودعاء ومتعقلين وألا يبالغوا في ردّ فعلهم عندما يعترف الولد بأنه ارتكب خطأ ما او حين يعبّر عن طريقة تفكير خاطئة.‏ كما انهم يبذلون جهدهم لإبقاء الحوار مفتوحا فيما يدرّبون اولادهم.‏ حقا،‏ نحن جميعا نرغب ان نكون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم،‏ اسوة بيسوع.‏ وفي الفصل التالي،‏ سنتحدث عن رأفة يسوع،‏ احدى ابرز الصفات التي جعلته شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

      a يعرف الذين يدرسون الكيمياء ان الرصاص قريب من الذهب في الجدول الدوري للعناصر.‏ فنواة ذرة الرصاص تحتوي ٣ پروتونات اكثر مما تحتويه نواة ذرة الذهب.‏ حتى ان بعض الفيزيائيين في زمننا حوّلوا كميات صغيرة من الرصاص الى ذهب.‏ لكنَّ هذه العملية باهظة التكاليف لأنها تتطلب الكثير من الطاقة.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  لماذا يمكن لطرح الاسئلة والاصغاء جيدا الى الاجوبة ان يدفعا الناس ان يقتربوا الينا؟‏ —‏ متى ١٦:‏​١٣-‏١٧‏.‏

      •  كيف برهن يسوع انه شخص يسهل الاقتراب اليه حتى عندما قوطعت خلوته،‏ وكيف نقتدي بمثاله؟‏ —‏ مرقس ٦:‏​٣١-‏٣٤‏.‏

      •  كيف نظر يسوع الى غير المؤمنين،‏ وكيف يجعلنا تبني نظرته المتزنة اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ —‏ لوقا ٥:‏​٢٩-‏٣٢‏.‏

      •  كيف يساعدنا تبني نظرة يسوع الايجابية الى الناس ان نصير اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ —‏ يوحنا ١:‏٤٧‏.‏

  • ‏«اشفق» على الناس
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٥

      ‏«اشفق» على الناس

      يسوع يشفي اعميين

      ‏‹يا رب،‏ افتح أعيننا›‏

      ١-‏٣ (‏أ)‏ كيف يتجاوب يسوع عندما يتوسل اليه متسوِّلان اعميان ان يساعدهما؟‏ (‏ب)‏ ماذا تعني كلمة «اشفق»؟‏ (‏انظر الحاشية.‏)‏

      خارج مدينة اريحا،‏ يجلس اعميان بجانب الطريق.‏ فهما يأتيان يوميا بحثا عن مكان يكثر فيه المارة بغية الاستعطاء.‏ ولكن في هذا اليوم سيحصل شيء يغيّر حياتهما تغييرا جذريا.‏

      ٢ فجأة،‏ يسمع المتسوِّلان جلبة.‏ وبما انهما لا يستطيعان ان يريا،‏ يستعلم احدهما عمّا يحصل،‏ فيجيبه الناس:‏ «يسوع الناصري مارّ!‏».‏ فيسوع ذاهب الى اورشليم للمرة الاخيرة.‏ ولكنه ليس وحده،‏ اذ ان جموعا كبيرة تتبعه.‏ وحين يعرف المتسوِّلان ان يسوع هو الذي يمرّ،‏ يُحدثان جلبة بالصراخ:‏ «ارحمنا يا رب،‏ يا ابن داود!‏».‏ فيغتاظ منهما الجمع ويأمرونهما بأن يلزما الصمت.‏ لكنَّ هذين الرجلين يائسان ويرفضان ان يسكتا.‏

      ٣ رغم الضجيج العالي الذي يصدره الجمع،‏ يسمع يسوع صراخ المتسوِّلَين.‏ فماذا يفعل؟‏ هنالك امور كثيرة تشغل باله.‏ فالاسبوع الاخير من حياته على الارض يوشك ان يبدأ.‏ وهو يعرف انه سيتألم ويموت ميتة أليمة في اورشليم.‏ مع ذلك،‏ لا يتجاهل الصرخات اللجوجة.‏ بل يتوقف ويطلب ان يُؤتى باللذين يصرخان اليه.‏ فيتوسلان اليه:‏ ‹يا رب،‏ افتح أعيننا›.‏ اذّاك،‏ ‹يشفق يسوع عليهما› ويلمس أعينهما.‏a فيستردان بصرهما ويتبعانه في الحال.‏ —‏ لوقا ١٨:‏​٣٥-‏٤٣؛‏ متى ٢٠:‏​٢٩-‏٣٤‏.‏

      ٤ كيف تمّم يسوع النبوة انه سوف «يشفق على المسكين»؟‏

      ٤ لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي اظهر فيها يسوع الرأفة،‏ اذ انه اعرب عنها في مناسبات وظروف مختلفة كثيرة.‏ فقد انبأت نبوة الكتاب المقدس انه سوف «يشفق على المسكين».‏ (‏مزمور ٧٢:‏١٣‏)‏ إتماما لهذه الكلمات،‏ كان يسوع يراعي مشاعر الآخرين ويأخذ المبادرة لمساعدتهم.‏ وهذه الرأفة ايضا هي ما حفزه الى القيام بعمل الكرازة.‏ فلنرَ في ما يلي ماذا تقول الاناجيل عن الحنان الذي كان الدافع وراء اقواله وأعماله،‏ ولنناقش كيف يمكننا الاقتداء برأفته.‏

      اخْذ مشاعر الآخرين في الاعتبار

      ٥،‏ ٦ اية امثلة تُظهِر ان يسوع كان شخصا متعاطفا؟‏

      ٥ كان يسوع شخصا متعاطفا جدا.‏ فقد تفهّم مشاعر المتألمين وشاطرهم آلامهم.‏ ورغم انه لم يمرّ بكل الظروف التي مرّوا بها،‏ فقد شعر فعلا بألمهم في قلبه.‏ (‏عبرانيين ٤:‏١٥‏)‏ مثلا،‏ عندما شفى امرأة تعاني من سيل دم منذ ١٢ سنة،‏ وصف حالتها بأنها ‹مرض مضنٍ›.‏ فقد عرف ان مرضها سبّب لها عذابا شديدا ومعاناة فظيعة.‏ (‏مرقس ٥:‏​٢٥-‏٣٤‏)‏ على نحو مماثل،‏ عندما رأى مريم والذين معها حزانى ويبكون على موت لعازر،‏ تأثر جدا حتى انه اضطرب جدا.‏ ومع انه كان على وشك اقامة لعازر،‏ تحركت مشاعره كثيرا الى حدّ انه ذرف الدموع.‏ —‏ يوحنا ١١:‏​٣٣،‏ ٣٥‏.‏

      ٦ وفي مناسبة اخرى،‏ اقترب من يسوع ابرص وتوسل اليه قائلا:‏ «إنْ أردت،‏ فأنت قادر ان تطهّرني».‏ فكيف تجاوب يسوع،‏ هذا الانسان الكامل الذي لم يعانِ قط من المرض؟‏ رقّ له قلبه و «أشفق عليه».‏ (‏مرقس ١:‏​٤٠-‏٤٢‏)‏ وهذا ما دفعه الى القيام بشيء غير اعتيادي.‏ فقد عرف ان البُرص اعتُبروا نجسين في الشريعة ومُنعوا من الاختلاط بالآخرين.‏ (‏لاويين ١٣:‏​٤٥،‏ ٤٦‏)‏ ولا شك انه كان في مقدوره شفاء هذا الرجل دون ان يلمسه.‏ (‏متى ٨:‏​٥-‏١٣‏)‏ مع ذلك،‏ اختار ان يمدّ يده ويلمس الابرص،‏ قائلا له:‏ «أريد،‏ فاطهر».‏ وفي الحال،‏ زال البَرص عن الرجل.‏ حقا،‏ كم كان هذا اعرابا رائعا عن التعاطف!‏

      اخت تواسي اختا اخرى

      كُن ‹متعاطفا›‏

      ٧ ماذا يساعدنا على تنمية التعاطف،‏ وكيف يمكن التعبير عن هذه الصفة؟‏

      ٧ يحضّنا الكتاب المقدس نحن المسيحيين ان نكون «متعاطفين» اقتداء بيسوع.‏b (‏١ بطرس ٣:‏٨‏)‏ ولكن ربما نفكر انه من الصعب تفهّم مشاعر المصابين بمرض مزمن او بالاكتئاب،‏ وخصوصا اذا لم نعانِ نحن اوضاعا كهذه.‏ إلا ان الاعراب عن التعاطف لا يعتمد على الظروف المتشابهة.‏ فقد تعاطف يسوع مع المرضى رغم انه لم يُصَب قط بالمرض.‏ اذًا،‏ كيف يمكننا تنمية التعاطف؟‏ بالاصغاء بصبر حين يأتمنوننا ويفصحون لنا عمّا في قلوبهم.‏ وبإمكاننا ان نسأل انفسنا:‏ ‹كيف كنت سأشعر لو كنت مكانهم؟‏›.‏ (‏١ كورنثوس ١٢:‏٢٦‏)‏ فامتلاك حسّ مرهف يمكِّننا من ‹تعزية النفوس المكتئبة›.‏ (‏١ تسالونيكي ٥:‏١٤‏)‏ لكنَّ التعاطف لا يُعبَّر عنه بالكلمات فحسب،‏ بل ايضا بالدموع.‏ فروما ١٢:‏١٥ تقول:‏ «ابكوا مع الباكين».‏

      ٨،‏ ٩ كيف اخذ يسوع مشاعر الآخرين في الاعتبار؟‏

      ٨ كان يسوع يأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار.‏ تذكَّر الحادثة حين جُلب اليه رجل اصمّ وأعقد.‏ فكما يبدو،‏ شعر يسوع ان هذا الرجل مرتبك،‏ لذلك فعل شيئا لا يفعله عادة عند شفاء الآخرين.‏ فقد «انفرد به بعيدا عن الجمع».‏ وشفاه فيما كانا وحدهما بعيدَين عن انظار الناس.‏ —‏ مرقس ٧:‏​٣١-‏٣٥‏.‏

      ٩ اعرب يسوع ايضا عن هذه الصفة عندما احضر اليه الناس اعمى وطلبوا منه ان يشفيه.‏ فقد «اخذ بيد الاعمى،‏ وأخرجه الى خارج القرية».‏ وهناك شفاه على مراحل.‏ ولربما اتاح ذلك لعقل الرجل وعينيه التأقلم مع المشاهد الكثيرة التي كان سيراها في العالم حوله على ضوء الشمس الساطع.‏ (‏مرقس ٨:‏​٢٢-‏٢٦‏)‏ حقا،‏ كان يسوع يأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار!‏

      ١٠ كيف يمكننا ان نأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار؟‏

      ١٠ ان كوننا أتباعا ليسوع يتطلب منا اخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار.‏ وهذا ما يحتّم علينا الانتباه لكلامنا،‏ مبقين في بالنا ان استخدام لساننا دون تفكير يمكن ان يؤذي مشاعر الآخرين.‏ (‏امثال ١٢:‏١٨؛‏ ١٨:‏٢١‏)‏ فلا مكان للكلمات القاسية،‏ الاهانات،‏ والانتقاد اللاذع بين المسيحيين الذين يراعون مشاعر الآخرين.‏ (‏افسس ٤:‏٣١‏)‏ فيا ايّها الشيوخ،‏ كيف تأخذون مشاعر الآخرين في الاعتبار؟‏ كونوا لطفاء عند تقديم المشورة للآخرين وحافظوا على كرامتهم.‏ (‏غلاطية ٦:‏١‏)‏ ويا ايّها الوالدون،‏ كيف تأخذون مشاعر اولادكم في الاعتبار؟‏ جنِّبوا اولادكم الاحراج عند تأديبهم.‏ —‏ كولوسي ٣:‏٢١‏.‏

      اخْذ المبادرة في مساعدة الآخرين

      ١١،‏ ١٢ اية روايتَين في الكتاب المقدس تُظهِران ان يسوع اظهر الرأفة للآخرين دون ان يُطلب منه؟‏

      ١١ احيانا،‏ كان يسوع يُظهِر الرأفة للآخرين دون ان يُطلب منه.‏ فالرأفة في الواقع هي صفة ايجابية تدفع الشخص الى العمل.‏ ليس من المستغرب اذًا ان تدفع الرأفة يسوع الى اخْذ المبادرة في مساعدة الآخرين.‏ مثلا،‏ عندما مكث جمع كبير مع يسوع ثلاثة ايام دون ان يأكلوا،‏ لم يقل له احد ان الناس جياع او يقترح فعل شيء في هذا الشأن.‏ لكنَّ الرواية تقول انه «دعا تلاميذه اليه وقال:‏ ‹اني اشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة ايام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون،‏ ولا اريد ان اصرفهم صائمين.‏ فقد يخورون في الطريق›».‏ بعد ذلك،‏ اطعم الجمع عجائبيا بملء ارادته.‏ —‏ متى ١٥:‏​٣٢-‏٣٨‏.‏

      ١٢ تأمل في حادثة اخرى.‏ في سنة ٣١ ب‌م،‏ رأى يسوع مشهدا حزينا على مقربة من مدينة نايين.‏ فكان موكب جنازة يغادر المدينة ربما باتجاه القبور على الجبل المجاور ليدفنوا ‹الابن الوحيد لأرملة›.‏ هل تتخيل الاسى الذي اعتصر قلب هذه الام؟‏ فقد كانت ذاهبة لدفن ابنها الوحيد،‏ ولم يكن لديها زوج ليشاطرها حزنها.‏ ومن بين كل الناس في الجمع،‏ «رأى» يسوع هذه الارملة الثكلى.‏ فتأثر كثيرا و «أشفق عليها».‏ ولكن لم يضطر احد ان يطلب منه فعل شيء،‏ لأن الرأفة في قلبه دفعته الى اخْذ المبادرة.‏ فقد «اقترب ولمس النعش»،‏ ثم اعاد الشاب الى الحياة.‏ وماذا حدث بعد ذلك؟‏ لم يطلب يسوع من الشاب ان ينضم الى الجمع المسافر معه.‏ بل «دفعه الى امه»،‏ وبذلك جمع شملهما وحرص ان يكون لدى الارملة مَن يعتني بها.‏ —‏ لوقا ٧:‏​١١-‏١٥‏.‏

      اخت تساعد اختا اكبر سنا كي تزرع بعض الازهار

      خُذ المبادرة في مساعدة المحتاجين

      ١٣ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في اخْذ المبادرة في مساعدة المحتاجين؟‏

      ١٣ وكيف يمكننا الاقتداء بمثال يسوع؟‏ طبعا،‏ ليس في مقدورنا تزويد الطعام عجائبيا او إعادة الاموات الى الحياة.‏ ولكن يمكننا الاقتداء بيسوع في اخْذ المبادرة في مساعدة المحتاجين.‏ فقد يعاني احد الرفقاء المؤمنين ضائقة مالية او يخسر عمله.‏ (‏١ يوحنا ٣:‏١٧‏)‏ او ربما يكون بيت احدى الارامل بحاجة ملحة الى صيانة.‏ (‏يعقوب ١:‏٢٧‏)‏ او قد تحتاج عائلة خطف الموت احد افرادها الى التعزية او المساعدة العملية.‏ (‏١ تسالونيكي ٥:‏١١‏)‏ في حالات الحاجة الماسة،‏ لا يجب ان ننتظر كي يطلب منا احد مدّ يد العون.‏ (‏امثال ٣:‏٢٧‏)‏ فالرأفة ستدفعنا الى اخْذ المبادرة في المساعدة،‏ حسبما تسمح لنا ظروفنا.‏ ولا ننسَ ان بإمكاننا الاعراب عن الرأفة بمجرد عمل لطف بسيط واحد او ببعض كلمات التعزية النابعة من القلب.‏ —‏ كولوسي ٣:‏١٢‏.‏

      الرأفة دفعته الى الكرازة

      ١٤ لماذا اعطى يسوع الاولوية للكرازة بالبشارة؟‏

      ١٤ كما رأينا في الجزء ٢ من هذا الكتاب،‏ رسم يسوع مثالا رائعا في الكرازة بالبشارة.‏ قال:‏ «لا بد لي ان ابشّر المدن الاخرى ايضا بملكوت الله،‏ لأني لهذا أُرسلْت».‏ (‏لوقا ٤:‏٤٣‏)‏ فلماذا اعطى الاولوية لهذا العمل؟‏ السبب الرئيسي هو محبته لله.‏ لكنَّ يسوع كان لديه دافع آخر.‏ فقد دفعته الرأفة الشديدة الى سدّ حاجات الآخرين الروحية.‏ فإشباع جوع الناس الروحي كان اهم طريقة لإظهار الرأفة.‏ وفي ما يلي،‏ سنتأمل في حادثتين تكشفان نظرة يسوع الى الناس الذين كرز لهم.‏ فسيساعدنا ذلك على تحليل ما يدفعنا الى الاشتراك في الخدمة العلنية.‏

      ١٥،‏ ١٦ اية حادثتين تكشفان نظرة يسوع الى الناس الذين كرز لهم؟‏

      ١٥ سنة ٣١ ب‌م،‏ وبعدما قضى يسوع سنتين تقريبا في الخدمة النشيطة،‏ كثَّف جهوده وشرع «يجول في جميع المدن والقرى» في الجليل.‏ وما رآه مسّه في الصميم.‏ يروي الرسول متى:‏ «لمّا رأى الجموع اشفق عليهم،‏ لأنهم كانوا منزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها».‏ (‏متى ٩:‏​٣٥،‏ ٣٦‏)‏ فقد تعاطف يسوع مع عامة الناس،‏ لأنه ادرك حالتهم الروحية المزرية.‏ وعرف ان القادة الدينيين،‏ الذين من المفترض ان يكونوا رعاة لهم،‏ اساءوا معاملتهم وأهملوهم.‏ لذلك بدافع الرأفة الشديدة،‏ بذل قصارى جهده ليوصل رسالة الرجاء الى الناس،‏ اذ انهم كانوا بأمس الحاجة الى بشارة الملكوت.‏

      ١٦ حدث امر مماثل ايضا بعد عدة اشهر،‏ قرابة عيد الفصح سنة ٣٢ ب‌م.‏ فقد ركب يسوع ورسله على متن مركب وأبحروا عبر بحر الجليل بحثا عن مكان هادئ ليستريحوا فيه.‏ لكنَّ جمعا من الناس ركضوا على الشاطئ وسبقوهم الى المكان الذي كانوا متوجهين اليه.‏ فكيف تجاوب يسوع؟‏ تقول الرواية:‏ «لمّا خرج رأى جمعا كثيرا،‏ فأشفق عليهم،‏ لأنهم كانوا كخراف لا راعي لها.‏ فابتدأ يعلّمهم اشياء كثيرة».‏ (‏مرقس ٦:‏​٣١-‏٣٤‏)‏ مرة اخرى،‏ «اشفق» يسوع على الناس لأنه رأى حالتهم الروحية المزرية.‏ فكانوا «كخراف لا راعي لها»،‏ اذ عانوا جوعا روحيا شديدا ولم يكن لديهم مَن يهتم بهم.‏ وهكذا نرى ان الرأفة هي التي دفعت يسوع الى الكرازة،‏ وليس مجرد الاحساس بالواجب.‏

      اخت تبشر امرأة وتتعاطف معها

      تحلَّ بالرأفة عندما تكرز

      ١٧،‏ ١٨ (‏أ)‏ ماذا يدفعنا الى الاشتراك في الخدمة؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا تنمية الرأفة تجاه الآخرين؟‏

      ١٧ ماذا يدفعنا نحن أتباع يسوع الى الاشتراك في الخدمة؟‏ كما رأينا في الفصل ٩ من هذا الكتاب،‏ لدينا تفويض،‏ او مسؤولية،‏ ان نكرز ونتلمذ الناس.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ١ كورنثوس ٩:‏١٦‏)‏ لكنَّ دافعنا الى الاشتراك في هذا العمل لا يجب ان يقتصر على الشعور بالواجب.‏ فالدافع الاهم لنكرز ببشارة الملكوت هو محبتنا ليهوه.‏ والدافع الآخر هو الشعور بالرأفة تجاه الذين لا يشاركوننا معتقداتنا.‏ (‏مرقس ١٢:‏​٢٨-‏٣١‏)‏ ولكن كيف يمكننا تنمية الرأفة تجاه الآخرين؟‏

      ١٨ يجب ان نرى الناس كما رآهم يسوع:‏ «منزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها».‏ لنفرض انك وجدت حمَلا ضائعا.‏ وهذا الحمَل المسكين جائع وعطشان لأنه ليس هنالك راعٍ ليقوده الى المراعي الخضراء والمياه.‏ أفلا يرقّ له قلبك؟‏ أوَلا تبذل جهدك لتؤمن له الطعام والماء؟‏ تشبه حالة اشخاص كثيرين حالة هذا الحمَل.‏ فهم لم يسمعوا البشارة بعد.‏ ورعاتهم الدينيون الباطلون يهملونهم،‏ لذلك فهم جياع وعطاش روحيا وفاقدو الامل.‏ وفي حوزتنا نحن ما يحتاجون اليه:‏ الطعام الروحي المغذي ومياه الحق المنعشة من الكتاب المقدس.‏ (‏اشعيا ٥٥:‏​١،‏ ٢‏)‏ أفلا يرقّ قلبنا حين نرى الحاجة الروحية الماسة للذين حولنا؟‏ اذا كنا نتعاطف مع هؤلاء الاشخاص،‏ على غرار يسوع،‏ فسنبذل قصارى جهدنا لإخبارهم برجاء الملكوت.‏

      ١٩ ماذا يمكننا فعله لتشجيع تلميذ الكتاب المقدس على الاشتراك في الخدمة العلنية؟‏

      ١٩ وكيف يمكننا مساعدة الناس على الاقتداء بمثال يسوع؟‏ لنفرض اننا نريد ان نشجّع تلميذا للكتاب المقدس لديه المؤهلات اللازمة على الاشتراك في عمل الكرازة العلنية.‏ او ربما نريد ان نساعد ناشرا خاملا على الاشتراك مجددا في الخدمة.‏ فكيف يمكننا مساعدة شخص كهذا؟‏ يلزم ان نحاول بلوغ قلبه.‏ تذكَّر ان يسوع «اشفق على» الناس اولا،‏ وبعد ذلك علّمهم.‏ (‏مرقس ٦:‏٣٤‏)‏ فإذا ساعدنا الشخص على تنمية الرأفة،‏ فسيدفعه قلبه على الارجح الى الاقتداء بيسوع وإخبار الآخرين بالبشارة.‏ ويمكننا ان نسأله:‏ «كيف حسّن قبول رسالة الملكوت حياتك؟‏ هل فكّرت في الذين لا يعرفون بعد هذه الرسالة؟‏ ألا يحتاجون هم ايضا الى سماع البشارة؟‏ ماذا يمكنك فعله لمساعدتهم؟‏».‏ طبعا،‏ ان الدافع الاقوى الى الاشتراك في الخدمة هو المحبة لله والرغبة في خدمته.‏

      ٢٠ (‏أ)‏ ماذا يشمل كون المرء من أتباع يسوع؟‏ (‏ب)‏ ماذا سنستعرض في الفصل التالي؟‏

      ٢٠ لا يقتصر كون المرء من أتباع يسوع على ترديد كلماته وتقليد تصرفاته.‏ فيلزم ان نمتلك «الموقف العقلي» نفسه الذي كان لديه.‏ (‏فيلبي ٢:‏٥‏)‏ أفلسنا شاكرين اذًا لأن الكتاب المقدس يكشف لنا الافكار والمشاعر التي كانت وراء كلمات وتصرفات يسوع؟‏ فعندما نتعرف جيدا ‹بفكر المسيح›،‏ نتمكن بشكل افضل من تنمية المشاعر المرهفة والرأفة الشديدة وبالتالي معاملة الآخرين كما عاملهم يسوع.‏ (‏١ كورنثوس ٢:‏١٦‏)‏ وفي الفصل التالي،‏ سنستعرض الطرائق التي اعرب يسوع بواسطتها عن محبته لأتباعه بشكل خاص.‏

      a ان الكلمة اليونانية التي تُترجم الى «اشفق» توصف بأنها احدى اقوى الكلمات في اللغة اليونانية للتعبير عن الشعور بالرأفة.‏ ويذكر احد المراجع ان هذه الكلمة لا تشير «الى الشعور بالاسى عند رؤية الالم فحسب،‏ بل ايضا الى الرغبة القوية في تخفيف او إزالة معاناة الآخرين».‏

      b ان الصفة باللغة اليونانية المنقولة الى «تعاطف» تعني حرفيا «التألم مع».‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف اظهر يسوع الرأفة في كيفية ممارسته السلطة،‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏ —‏ متى ١١:‏​٢٨-‏٣٠‏.‏

      •  لماذا من المهم الاقتداء بمثال يسوع في إظهار الرحمة،‏ او الرأفة،‏ للآخرين؟‏ —‏ متى ٩:‏​٩-‏١٣؛‏ ٢٣:‏٢٣‏.‏

      •  اية اعمال قام بها يسوع برهنت انه يتفهم مشاعر الآخرين،‏ وكيف يمكننا الاقتداء بمثاله؟‏ —‏ لوقا ٧:‏​٣٦-‏٥٠‏.‏

      •  كيف يُظهِر مثَل السامري المحب للقريب ان الرأفة صفة ايجابية،‏ وكيف يمكننا تطبيق الدرس الذي نتعلّمه من هذه القصة؟‏ —‏ لوقا ١٠:‏​٢٩-‏٣٧‏.‏

  • ‏‹بلغت محبة يسوع لهم الى المنتهى›‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٦

      ‏‹بلغت محبة يسوع لهم الى المنتهى›‏

      ١،‏ ٢ كيف يقضي يسوع ليلته الاخيرة مع تلاميذه،‏ ولماذا هذه اللحظات الاخيرة ثمينة في نظره؟‏

      يجمع يسوع رسله في علية احد البيوت في اورشليم.‏ وهو يعرف ان هذه هي ليلته الاخيرة معهم وأنه سيعود عمّا قريب الى ابيه.‏ ففي غضون ساعات قليلة،‏ سيُعتقَل ويُمتحَن ايمانه كما لم يسبق ان امتُحن من قبل.‏ لكنَّ موته الوشيك لا يعيقه عن الاهتمام بحاجات الرسل.‏

      ٢ ورغم انه سبق فأخبرهم عن رحيله،‏ لا يزال لديه الكثير من الكلمات المشجّعة لمساعدتهم على مواجهة ما يكمن امامهم.‏ لذلك يقضي هذه اللحظات الاخيرة الثمينة في تعليمهم دروسا مهمة تساعدهم على البقاء امناء.‏ وهذه المحادثة هي بين المحادثات الاحم والارق التي اجراها يسوع معهم.‏ ولكن لماذا يسوع مهتم برسله اكثر من اهتمامه بنفسه؟‏ ولماذا هذه الساعات الاخيرة معهم مهمة الى هذا الحدّ في نظره؟‏ يكمن الجواب في كلمة واحدة:‏ المحبة.‏ فهو يحبهم محبة شديدة.‏

      ٣ كيف نعرف ان يسوع لم ينتظر حتى الليلة الاخيرة ليبرهن عن محبته لأتباعه؟‏

      ٣ بعد عقود،‏ كتب الرسول يوحنا بالوحي عن احداث هذه الليلة قائلا:‏ «قبل عيد الفصح،‏ لمّا كان يسوع يعرف ان ساعته قد اتت لينتقل من هذا العالم الى الآب،‏ وكان قد احب خاصته الذين في العالم،‏ بلغت محبته لهم الى المنتهى».‏ (‏يوحنا ١٣:‏١‏)‏ غير ان يسوع لم ينتظر حتى تلك الليلة ليبرهن عن محبته ‹لخاصته›.‏ فخلال خدمته كلها،‏ برهن بطرائق متنوعة عن محبته لتلاميذه.‏ ومن المفيد ان نناقش في ما يلي بعض الطرائق التي اظهر محبته بواسطتها.‏ فإذا اقتدينا به في هذا المجال،‏ نُثبت اننا تلاميذ حقيقيون له.‏

      إظهار الصبر

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ لماذا كان يسوع بحاجة الى الصبر عند التعامل مع تلاميذه؟‏ (‏ب)‏ كيف تجاوب يسوع عندما لم يُظهِر ثلاثة من رسله التيقظ في بستان جتسيماني؟‏

      ٤ ان المحبة والصبر هما صفتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا.‏ تقول ١ كورنثوس ١٣:‏٤ ان «المحبة طويلة الاناة».‏ وطول الاناة يشمل احتمال الآخرين بصبر.‏ وهل كان يسوع بحاجة الى الصبر عند التعامل مع تلاميذه؟‏ لا شك في ذلك!‏ فكما رأينا في الفصل ٣‏،‏ كان الرسل بطيئين في تنمية التواضع.‏ فقد تحاجّوا عدة مرات في مَن هو الاعظم بينهم.‏ وماذا كان ردّ فعل يسوع؟‏ هل ثار غضبه عليهم او استاء منهم؟‏ كلا.‏ فقد ناقشهم بصبر،‏ حتى عندما حدث بينهم «جدال حامٍ» في ليلته الاخيرة معهم.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٢٤-‏٣٠؛‏ متى ٢٠:‏​٢٠-‏٢٨؛‏ مرقس ٩:‏​٣٣-‏٣٧‏.‏

      ٥ في وقت لاحق من تلك الليلة الاخيرة،‏ ذهب يسوع الى بستان جتسيماني مع الرسل الامناء الـ‍ ١١.‏ وهناك،‏ امتُحن صبره مرة اخرى.‏ فقد ترك ثمانية من الرسل،‏ وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا الى مكان ابعد في البستان وقال لهم:‏ «نفسي حزينة جدا حتى الموت.‏ امكثوا هنا وابقوا ساهرين معي».‏ ثم تقدم قليلا وابتدأ يصلي بحرارة.‏ وبعد صلاة مطوّلة،‏ عاد الى الرسل الثلاثة.‏ وماذا وجد؟‏ في ساعة محنته الشديدة هذه وجدهم نائمين.‏ فهل وبّخهم بقساوة على عدم تيقظهم؟‏ كلا،‏ بل شجّعهم وكان صبورا معهم.‏ وكلماته اللطيفة اظهرت تفهّمه لضعفاتهم والضغط الشديد الذي يعانونه.‏a قال:‏ «ان الروح مندفع،‏ اما الجسد فضعيف».‏ وقد بقي يسوع صبورا تلك الليلة،‏ حتى عندما اتى مرتين اخريين ووجدهم نائمين!‏ —‏ متى ٢٦:‏​٣٦-‏٤٦‏.‏

      ٦ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في تعاملاتنا مع الآخرين؟‏

      ٦ كم نتشجع عندما نعرف ان يسوع لم يقطع امله من رسله!‏ وقد اثمر صبره لاحقا،‏ اذ ان هؤلاء الرجال الامناء تعلّموا اهمية كون المرء متواضعا ومتيقظا!‏ (‏١ بطرس ٣:‏٨؛‏ ٤:‏٧‏)‏ فكيف يمكننا الاقتداء بتعاملات يسوع مع الآخرين؟‏ يلزم ان يمارس الشيوخ بشكل خاص الصبر.‏ فقد يفضي الرفقاء المؤمنون الى الشيخ بمشاكلهم حين يكون هو نفسه مصابا بالاعياء او حين تشغل باله الهموم.‏ وأحيانا،‏ قد يكون الذين يحتاجون الى المساعدة بطيئين في التجاوب مع المشورة.‏ رغم ذلك،‏ على الشيوخ الصبورين ان يرشدوهم «بوداعة» و ‹يعاملوا الرعية برقة›.‏ (‏٢ تيموثاوس ٢:‏​٢٤،‏ ٢٥؛‏ اعمال ٢٠:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ ويحسن بالوالدين ايضا ان يقتدوا بيسوع في إظهار الصبر.‏ فقد يكون اولادهم بطيئين احيانا في التجاوب مع المشورة او التقويم.‏ لذلك فإن المحبة والصبر سيساعدان الوالدين لئلا يتوقفوا عن بذل جهدهم لتدريب اولادهم.‏ ولا شك انهم سيحصدون مكافآ‌ت سخية نتيجة صبرهم هذا.‏ —‏ مزمور ١٢٧:‏٣‏.‏

      الاهتمام بحاجات الآخرين

      ٧ كيف اظهر يسوع الاهتمام بحاجات تلاميذه الجسدية والمادية؟‏

      ٧ تَظهر المحبة من خلال الاعمال غير الانانية.‏ (‏١ يوحنا ٣:‏​١٧،‏ ١٨‏)‏ فالمحبة «لا تطلب مصلحتها الخاصة».‏ (‏١ كورنثوس ١٣:‏٥‏)‏ وهذه الصفة هي التي دفعت يسوع الى الاهتمام بحاجات تلاميذه الجسدية والمادية.‏ وكثيرا ما كان يهتم بهم حتى قبل ان يقولوا له ما هي حاجاتهم.‏ مثلا،‏ عندما رأى انهم متعبون،‏ اقترح ان يرافقوه ‹على انفراد الى مكان خلاء ويستريحوا قليلا›.‏ (‏مرقس ٦:‏٣١‏)‏ وعندما احس انهم جائعون،‏ اخذ المبادرة في إطعامهم هم وآلاف من الذين اتوا للاستماع الى تعليمه.‏ —‏ متى ١٤:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ١٥:‏​٣٥-‏٣٧‏.‏

      ٨،‏ ٩ (‏أ)‏ ماذا يبرهن ان يسوع لم يدرك حاجة تلاميذه الروحية فحسب،‏ بل عمل ايضا على اشباعها؟‏ (‏ب)‏ كيف اظهر يسوع وهو معلّق على الخشبة اهتمامه العميق بخير امه؟‏

      ٨ لم يدرك يسوع حاجة تلاميذه الروحية فحسب،‏ بل عمل ايضا على اشباعها.‏ (‏متى ٤:‏٤؛‏ ٥:‏٣‏)‏ فغالبا ما اولاهم اهتماما خصوصيا خلال تعليمه.‏ مثلا،‏ ألقى يسوع الموعظة على الجبل لفائدة تلاميذه بشكل خاص.‏ (‏متى ٥:‏​١،‏ ٢،‏ ١٣-‏١٦‏)‏ وعندما كان يعلِّم بأمثال،‏ كان «على انفراد .‏ .‏ .‏ يشرح لتلاميذه كل شيء».‏ (‏مرقس ٤:‏٣٤‏)‏ كما أنبأ انه سيعيّن ‹عبدا امينا فطينا› ليضمن اشباع حاجات أتباعه الروحية في الايام الاخيرة.‏ ومنذ سنة ١٩١٩،‏ يزوِّد هذا العبد الامين،‏ المؤلَّف من فريق صغير من إخوة يسوع الممسوحين بالروح على الارض،‏ ‹الطعام الروحي في حينه›.‏ —‏ متى ٢٤:‏٤٥‏.‏

      ٩ اظهر يسوع في يوم مماته اهتمامه بخير احبائه الروحي.‏ تخيّل المشهد.‏ كان يسوع معلّقا على الخشبة ويعاني ألما شديدا.‏ فلكي يتنفس،‏ كان عليه ان يدفع بقدميه ليرفع نفسه.‏ وهذا ما سبّب له دون شك ألما مبرِّحا،‏ اذ كان ثقل جسده يمزِّق جروح المسامير في قدميه وظهره الملآن جراحا بليغة يحتكّ بالخشبة.‏ فلا شك ان الكلام الذي يتطلب التحكم في عملية التنفس كان صعبا عليه.‏ رغم ذلك،‏ قال يسوع قبيل موته مباشرة كلمات اظهرت محبته العميقة لأمه مريم.‏ فعندما رآها هي والرسول يوحنا واقفَين على مقربة منه،‏ قال لها بصوت مسموع للمارة:‏ «يا امرأة،‏ هوذا ابنك!‏».‏ ثم قال ليوحنا:‏ «هوذا أمك!‏».‏ (‏يوحنا ١٩:‏​٢٦،‏ ٢٧‏)‏ فقد عرف يسوع ان الرسول الامين لن يهتم بحاجات مريم الجسدية والمادية فحسب،‏ بل ايضا بخيرها الروحي.‏b

      والدان يتناولان الطعام مع اولادهما ويتمتعان معهم بنزهة في حديقة ويدرسان الكتاب المقدس معهم

      يُظهِر الوالدون المحبون الصبر ويهتمون بحاجات اولادهم

      ١٠ كيف يقتدي الوالدون بيسوع في مجال الاهتمام بحاجات اولادهم؟‏

      ١٠ يستفيد الوالدون المحبون من التأمل في مثال يسوع.‏ فالاب الذي يحب عائلته فعلا يعولهم ماديا.‏ (‏١ تيموثاوس ٥:‏٨‏)‏ ورأس العائلة المحب والمتزن يخصص الوقت من حين الى آخر للراحة والاستجمام.‏ والاهم من ذلك هو ان الوالدين المسيحيين يشبعون حاجات اولادهم الروحية.‏ كيف ذلك؟‏ بعقد درس عائلي منتظم في الكتاب المقدس.‏ وهم يحاولون جعل فترات الدرس بنّاءة وممتعة لأولادهم.‏ (‏تثنية ٦:‏​٦،‏ ٧‏)‏ وبالكلام والمثال،‏ يعلّم الوالدون اولادهم ان الخدمة مهمة وأن الاستعداد للاجتماعات المسيحية وحضورها هما جزء لا يتجزأ من روتيننا الروحي.‏ —‏ عبرانيين ١٠:‏​٢٤،‏ ٢٥‏.‏

      الغفران

      ١١ ماذا علّم يسوع أتباعه عن الغفران؟‏

      ١١ الغفران هو وجه من اوجه المحبة.‏ (‏كولوسي ٣:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ فالمحبة «لا تحفظ حسابا بالاذية»،‏ كما تقول ١ كورنثوس ١٣:‏٥‏.‏ وفي مناسبات عدة،‏ علّم يسوع أتباعه اهمية الغفران.‏ فقد حثّهم ان يغفروا للآخرين ‹لا الى سبع مرات،‏ بل الى سبع وسبعين مرة›،‏ اي الى ما لا نهاية.‏ (‏متى ١٨:‏​٢١،‏ ٢٢‏)‏ وعلّمهم ايضا انه يجب الغفران للخاطئ اذا تاب بعدما جرى توبيخه.‏ (‏لوقا ١٧:‏​٣،‏ ٤‏)‏ لكنّ يسوع لم يكن كالفريسيين المرائين الذين علّموا بالكلام فقط،‏ اذ علّم بالمثال ايضا.‏ (‏متى ٢٣:‏​٢-‏٤‏)‏ فلنرَ في ما يلي كيف برهن يسوع انه غفور حتى عندما خذله احد اصدقائه الموثوق بهم.‏

      الجنود يأخذون يسوع وهو ينظر الى الساحة في الاسفل ويرى بطرس ينكره

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ كيف خذل بطرس يسوع ليلة القبض عليه؟‏ (‏ب)‏ كيف يوضح ما فعله يسوع بعد قيامته انه لم يعلّم الغفران بالكلام فقط،‏ بل ايضا بالمثال؟‏

      ١٢ كانت علاقة حميمة تجمع بين يسوع والرسول بطرس،‏ رجل محب ولكن متسرع في بعض الاحيان.‏ لكنّ يسوع كان يعرف صفاته الجيدة،‏ لذلك منحه امتيازات خصوصية.‏ مثلا،‏ شهد بطرس مع يعقوب ويوحنا عجائب لم يرَها باقي الاثني عشر.‏ (‏متى ١٧:‏​١،‏ ٢؛‏ لوقا ٨:‏​٤٩-‏٥٥‏)‏ وكما ذكرنا سابقا،‏ كان بطرس احد الرسل الذين رافقوا يسوع عندما ذهب الى مكان ابعد في بستان جتسيماني ليلة القبض عليه.‏ ولكن في تلك الليلة عينها حين جرت خيانة يسوع والقبض عليه،‏ تخلى عنه بطرس والرسل الآخرون وفرّوا هاربين.‏ وقد اعرب بطرس عن الشجاعة لاحقا حين وقف خارجا فيما كان يسوع يُحاكم محاكمة غير شرعية.‏ إلا انه خاف واقترف خطأ كبيرا،‏ اذ انكر ثلاث مرات انه يعرف يسوع.‏ (‏متى ٢٦:‏​٦٩-‏٧٥‏)‏ فكيف تجاوب يسوع؟‏ كيف كنت ستتجاوب انت لو خذلك صديقك الحميم؟‏

      ١٣ كان يسوع مستعدا ليغفر لبطرس.‏ فقد عرف انه لم يستطع تحمل وطأة خطيته.‏ فهذا الرسول التائب «لم يملك نفسه وانفجر بالبكاء».‏ (‏مرقس ١٤:‏٧٢‏)‏ لذلك تراءى يسوع لبطرس يوم قيامته،‏ على الارجح ليشجّعه ويطمئنه.‏ (‏لوقا ٢٤:‏٣٤؛‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٥‏)‏ وبعد اقل من شهرين،‏ اكرم يسوع بطرس بالسماح له بأخذ القيادة في الشهادة للجموع في اورشليم يوم الخمسين.‏ (‏اعمال ٢:‏​١٤-‏٤٠‏)‏ كما ان يسوع لم يضمر الضغينة للرسل كمجموعة لأنهم تخلّوا عنه.‏ فبعد قيامته،‏ كان لا يزال يدعوهم «اخوتي».‏ (‏متى ٢٨:‏١٠‏)‏ أفلا يوضح ذلك ان يسوع لم يعلّم الغفران بالكلام فقط،‏ بل ايضا بالمثال؟‏

      ١٤ لماذا يلزم ان نتعلّم الغفران للآخرين،‏ وكيف نُظهِر اننا على استعداد للغفران؟‏

      ١٤ كتلاميذ للمسيح،‏ يلزم ان نتعلّم ان نغفر للآخرين.‏ لماذا؟‏ بعكس يسوع،‏ نحن ناقصون مثلنا مثل الذين يخطئون الينا.‏ فنحن جميعا نعثر احيانا في الكلام والتصرف.‏ (‏روما ٣:‏٢٣؛‏ يعقوب ٣:‏٢‏)‏ لذلك اذا غفرنا للآخرين عندما يكون هنالك اساس للغفران،‏ يغفر الله خطايانا.‏ (‏مرقس ١١:‏٢٥‏)‏ اذًا،‏ كيف نُظهِر اننا على استعداد لنغفر للذين يخطئون الينا؟‏ في حالات كثيرة،‏ تساعدنا المحبة على التغاضي عن نقائص الآخرين وأخطائهم الثانوية.‏ (‏١ بطرس ٤:‏٨‏)‏ وحين يعرب الذين اخطأوا الينا عن توبة مخلصة،‏ كما فعل بطرس،‏ لا شك اننا نريد ان نقتدي بغفران يسوع.‏ فبدلا من اضمار الضغينة،‏ نختار بحكمة التخلص من مشاعر الاستياء.‏ (‏افسس ٤:‏٣٢‏)‏ وبذلك نساهم في ترويج السلام في الجماعة وننال سلام العقل والقلب.‏ —‏ ١ بطرس ٣:‏١١‏.‏

      الاعراب عن الثقة

      ١٥ لماذا كان يسوع يثق بتلاميذه رغم نقائصهم؟‏

      ١٥ المحبة والثقة هما صفتان متلازمتان،‏ اذ ان المحبة «تصدّق كل شيء».‏c (‏١ كورنثوس ١٣:‏٧‏)‏ فقد دفعت المحبة يسوع الى الاعراب عن ثقته بتلاميذه رغم نقائصهم.‏ فكان متيقنا انهم يحبون يهوه من صميم قلوبهم ويريدون ان يفعلوا مشيئته.‏ ولم يشكّ في دوافعهم حتى عندما ارتكبوا الاخطاء.‏ مثلا،‏ عندما طلبت ام الرسولَين يعقوب ويوحنا من يسوع،‏ على الارجح بإيعاز منهما،‏ ان يجلسا الى جانبه في الملكوت لم يشكّ في ولائهما وينحِّهما عن مركزهما كرسولين.‏ —‏ متى ٢٠:‏​٢٠-‏٢٨‏.‏

      ١٦،‏ ١٧ اية مسؤوليات فوّضها يسوع الى تلاميذه؟‏

      ١٦ اعرب يسوع ايضا عن ثقته عندما فوّض الى تلاميذه مختلف المسؤوليات.‏ ففي المناسبتين حين زاد الطعام عجائبيا لإطعام الجمع،‏ فوّض الى تلاميذه مسؤولية توزيع الطعام.‏ (‏متى ١٤:‏١٩؛‏ ١٥:‏٣٦‏)‏ وعندما كان يتهيأ للاحتفال بآ‌خر فصح له،‏ عيّن بطرس ويوحنا ليذهبا الى اورشليم ويعدّا بعض الامور.‏ فجلبا الحمَل،‏ الخمر،‏ الخبز الفطير،‏ الاعشاب المرة،‏ والاشياء الضرورية الاخرى.‏ وهذا التعيين لم يكن تعيينا وضيعا،‏ اذ ان الاحتفال بعيد الفصح بالطريقة الصحيحة كان مطلبا للشريعة الموسوية التي وجب ان يطيعها يسوع.‏ اضافة الى ذلك،‏ استخدم يسوع الخمر والخبز الفطير في وقت لاحق من تلك الليلة كرمزين مهمين عندما اسّس ذكرى موته.‏ —‏ متى ٢٦:‏​١٧-‏١٩؛‏ لوقا ٢٢:‏​٨،‏ ١٣‏.‏

      ١٧ رأى يسوع ايضا انه من الملائم ان يعهد بمسؤوليات اهمّ الى تلاميذه.‏ فكما ذكرنا سابقا،‏ فوّض الى فريق صغير من أتباعه الممسوحين على الارض المسؤولية البالغة الاهمية ان يوزّعوا الطعام الروحي.‏ (‏لوقا ١٢:‏​٤٢-‏٤٤‏)‏ كما انه اوكل الى تلاميذه التفويض المهم ان يكرزوا ويتلمذوا.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٨-‏٢٠‏)‏ ورغم ان يسوع يحكم الآن من السماء كملك غير منظور،‏ فهو يعهد الى ‹العطايا في رجال› المؤهلين روحيا الاعتناء بجماعته على الارض.‏ —‏ افسس ٤:‏​٨،‏ ١١،‏ ١٢‏.‏

      ١٨-‏٢٠ (‏أ)‏ كيف يمكننا ان نظهر اننا نثق بالرفقاء المؤمنين؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا الاقتداء باستعداد يسوع لتفويض المسؤوليات الى الآخرين؟‏ (‏ج)‏ اي موضوع سنتحدث عنه في الفصل التالي؟‏

      ١٨ وكيف يمكننا الاقتداء بمثال يسوع في تعاملاتنا مع الآخرين؟‏ ان اظهار الثقة برفقائنا المؤمنين هو إعراب عن محبتنا لهم.‏ فالمحبة تبحث عن الصلاح في الآخرين،‏ لا عن الاخطاء.‏ لذلك عندما يخيّب الآخرون املنا،‏ الامر الذي لا بدّ ان يحدث من حين الى آخر،‏ تمنعنا المحبة من الافتراض بسرعة ان لديهم دوافع خاطئة.‏ (‏متى ٧:‏​١،‏ ٢‏)‏ وإذا حافظنا على نظرة ايجابية الى رفقائنا المؤمنين،‏ نتعامل معهم بطريقة بناءة لا هدّامة.‏ —‏ ١ تسالونيكي ٥:‏١١‏.‏

      ١٩ وهل يمكننا الاقتداء باستعداد يسوع لتفويض المسؤوليات الى الآخرين؟‏ يحسن بالذين لديهم مراكز مسؤولية في الجماعة ان يفوّضوا الى الآخرين مسؤوليات ذات اهمية تتلاءم مع قدراتهم،‏ واثقين انهم سيبذلون قصارى جهدهم للقيام بها.‏ وبذلك يمكن للشيوخ ذوي الخبرة ان يزوّدوا التدريب الضروري والقيّم للشبان المؤهلين الذين ‹يبتغون› ان يساعدوا في الجماعة.‏ (‏١ تيموثاوس ٣:‏١؛‏ ٢ تيموثاوس ٢:‏٢‏)‏ وهذا التدريب مهم.‏ ففيما يستمر يهوه في الاسراع بعمل الملكوت،‏ يلزم تدريب رجال مؤهلين للاهتمام بالزيادات.‏ —‏ اشعيا ٦٠:‏٢٢‏.‏

      ٢٠ لقد رسم لنا يسوع مثالا رائعا في اظهار المحبة للآخرين.‏ والاقتداء بمحبته هو اهم طريقة يمكننا ان نتبعه بواسطتها.‏ وفي الفصل التالي،‏ سنتحدث عن اعظم تعبير عن محبته لنا:‏ بذل حياته من اجلنا.‏

      a لم يكن نعاس الرسل ناتجا عن التعب الجسدي فقط.‏ فالرواية المناظرة في لوقا ٢٢:‏٤٥ تقول ان يسوع «وجدهم غافين من الحزن».‏

      b على ما يظهر،‏ كانت مريم ارملة في ذلك الحين.‏ ويبدو ان اولادها الآخرين لم يكونوا بعد تلاميذ ليسوع.‏ —‏ يوحنا ٧:‏٥‏.‏

      c دون شك،‏ لا يعني ذلك ان المحبة ساذجة،‏ بل يعني انها لا تنتقد او ترتاب بإفراط.‏ فالمحبة تمتنع عن التسرع في الحكم على دوافع الآخرين او الاستنتاج ان لديهم دوافع خاطئة.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  لماذا من المهم ان نصغي الى مشورة يسوع عن الغفران؟‏ —‏ متى ٦:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      •  كيف نطبِّق النقطة الاساسية في مثَل يسوع عن ضرورة الغفران؟‏ —‏ متى ١٨:‏​٢٣-‏٣٥‏.‏

      •  كيف اظهر يسوع الاعتبار لتلاميذه،‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏ —‏ متى ٢٠:‏​١٧-‏١٩؛‏ يوحنا ١٦:‏١٢‏.‏

      •  كيف اظهر يسوع لبطرس انه يثق به،‏ وكيف يمكننا الاعراب عن ثقتنا بالآخرين؟‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٣١،‏ ٣٢‏.‏

  • ‏«ليس لأحد محبة اعظم من هذه»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٧

      ‏«ليس لأحد محبة اعظم من هذه»‏

      بنطيوس بيلاطس يقدِّم يسوع للجمع الغاضب ويظهر يسوع لابسا ثوبا ارجوانيا و على رأسه تاج من شوك

      ١-‏٤ (‏أ)‏ ماذا يحصل عندما يقدِّم بيلاطس يسوع للرعاع الغاضبين المجتمعين خارج بلاطه؟‏ (‏ب)‏ كيف يتجاوب يسوع مع الاذلال والالم،‏ وأية اسئلة مهمة تنشأ؟‏

      ‏«هوذا الرجل!‏».‏ بهذه الكلمات يقدِّم الحاكم الروماني بنطيوس بيلاطس يسوع المسيح للرعاع الغاضبين المجتمعين خارج بلاطه عند الفجر في فصح سنة ٣٣ ب‌م.‏ (‏يوحنا ١٩:‏٥‏)‏ قبل عدة ايام،‏ كانت الجموع ترحّب بيسوع وهو داخل الى اورشليم كملك ظافر معيّن من الله.‏ لكنَّ نظرة الجمع العدائي اليه هذا اليوم مختلفة جدا.‏

      ٢ صحيح انه متسربل بثوب ارجواني كالملوك ويلبس تاجا على رأسه،‏ لكنَّ ذلك ليس إلا وسيلة للسخرية من مركزه الملكي.‏ فالثوب الارجواني ملقى على ظهره الدامي المليء بالتمزقات بسبب الجَلد.‏ والتاج مضفور من شوك ومغروز في رأسه المضرّج بالدم.‏ وحين يراه الكهنة،‏ يصرخون:‏ «علّقه على خشبة!‏ علّقه على خشبة!‏».‏ وبتحريض من كبار الكهنة،‏ يرفضه الشعب ويريدون قتله،‏ فيصرخون:‏ «يجب ان يموت».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​١-‏٧‏.‏

      ٣ الا ان يسوع يحتمل بكل وقار وشجاعة الاذلال والالم دون تذمر.‏a وهو على اتمّ الاستعداد للموت.‏ وفي وقت لاحق من اليوم نفسه،‏ يذعن طوعا لموت أليم على خشبة الآلام.‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​١٧،‏ ١٨،‏ ٣٠‏.‏

      ٤ عندما بذل يسوع نفسه عن أتباعه،‏ برهن انه صديق حقيقي لهم.‏ فقد قال:‏ «ليس لأحد محبة اعظم من هذه:‏ ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه».‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏)‏ وهذا ما يُنشئ بعض الاسئلة المهمة.‏ فهل لزم فعلا ان يتألم يسوع الى هذا الحد ثم يموت؟‏ لماذا كان مستعدا ان يتحمل كل ذلك؟‏ وكيف يمكننا،‏ نحن ‹اصدقاءه› وأتباعه،‏ ان نقتدي به؟‏

      لماذا لزم ان يتألم يسوع ويموت؟‏

      ٥ كيف عرف يسوع ما هي المحن التي تنتظره؟‏

      ٥ عرف يسوع ماذا يكمن امام المسيَّا الموعود به.‏ فكان مطّلعا على النبوات الكثيرة في الاسفار العبرانية التي انبأت بالتفصيل عن آلام المسيَّا وموته.‏ (‏اشعيا ٥٣:‏​٣-‏٧،‏ ١٢؛‏ دانيال ٩:‏٢٦‏)‏ وقد اعدّ تلاميذه للمحن التي تنتظره.‏ (‏مرقس ٨:‏٣١؛‏ ٩:‏٣١‏)‏ ففي طريقه الى اورشليم للاحتفال بآ‌خر فصح له،‏ قال لرسله بكل وضوح:‏ «ابن الانسان سيُسلَّم الى كبار الكهنة وإلى الكتبة،‏ فيحكمون عليه بالموت ويسلِّمونه الى اناس من الامم،‏ فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه».‏ (‏مرقس ١٠:‏​٣٣،‏ ٣٤‏)‏ ولم يكن هذا مجرد كلام.‏ فكما رأينا،‏ جرى فعلا الاستهزاء بيسوع،‏ البصق عليه،‏ جلده،‏ وقتله.‏

      ٦ لماذا لزم ان يتألم يسوع ويموت؟‏

      ٦ ولكن لماذا لزم ان يتألم يسوع ويموت؟‏ لعدة اسباب بالغة الاهمية.‏ اولا،‏ بالبقاء وليّا كان سيبرهن عن استقامته ليهوه ويؤيد سلطانه.‏ فالشيطان ادّعى زورا ان البشر يخدمون الله بدافع اناني.‏ (‏ايوب ٢:‏​١-‏٥‏)‏ لذلك،‏ ببقاء يسوع امينا «حتى الموت .‏ .‏ .‏ على خشبة آلام» اعطى الجواب الشافي عن تهمة الشيطان العارية عن الصحة.‏ (‏فيلبي ٢:‏٨؛‏ امثال ٢٧:‏١١‏)‏ ثانيا،‏ كان تألُّم المسيَّا وموته سيكفِّر عن خطايا الآخرين.‏ (‏اشعيا ٥٣:‏​٥،‏ ١٠؛‏ دانيال ٩:‏٢٤‏)‏ فيسوع بذل «نفسه فدية عن كثيرين»،‏ فاتحا لنا الطريق كي ننال علاقة جيدة بالله.‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨‏)‏ ثالثا،‏ باحتمال المشقات والآلام «امتُحن [يسوع] في كل شيء مثلنا».‏ لذلك صار رئيس كهنة قادرا «ان يتعاطف معنا في ضعفاتنا».‏ —‏ عبرانيين ٢:‏​١٧،‏ ١٨؛‏ ٤:‏١٥‏.‏

      لماذا بذل يسوع حياته طوعا؟‏

      ٧ الى ايّ حدّ ضحى يسوع عندما اتى الى الارض؟‏

      ٧ لكي تدرك ايّ امر كان يسوع على استعداد لفعله،‏ فكّر في هذا السؤال:‏ مَن يترك عائلته وموطنه وينتقل الى بلد اجنبي اذا كان يعرف ان معظم اهل البلد سيرفضونه وأنه سيتألم ويتعرض للاذلال ثم يُقتَل؟‏ والآن تأمل في ما فعله يسوع:‏ قبل مجيئه الى الارض،‏ كان يشغل مركزا رفيعا في السماء الى جانب ابيه.‏ مع ذلك،‏ ترك موطنه السماوي وأتى الى الارض وعاش كإنسان.‏ وقد قام يسوع بهذه الخطوة رغم علمه ان معظم الناس سيرفضونه،‏ انه سيتألم كثيرا ويتعرض للاذلال الوحشي،‏ وأنه سيموت ميتة أليمة.‏ (‏فيلبي ٢:‏​٥-‏٧‏)‏ فماذا دفعه الى القيام بهذه التضحية؟‏

      ٨،‏ ٩ ماذا دفع يسوع الى بذل حياته؟‏

      ٨ ان اهم ما دفع يسوع الى القيام بهذه التضحية هو محبته العميقة لأبيه.‏ فمحبته ليهوه ساعدته على الاحتمال ودفعته ايضا ان يكون حريصا على اسم ابيه وسمعته.‏ (‏متى ٦:‏٩؛‏ يوحنا ١٧:‏​١-‏٦،‏ ٢٦‏)‏ فَجُلُّ ما اراده هو ازالة التعيير عن اسم ابيه.‏ ولذلك اعتبر يسوع التألم من اجل البر شرفا عظيما له لأنه عرف ان استقامته ستلعب دورا في تقديس اسم ابيه المجيد.‏ —‏ ١ اخبار الايام ٢٩:‏١٣‏.‏

      ٩ والدافع الآخر الذي جعل يسوع يبذل حياته هو المحبة للجنس البشري.‏ ويعود تاريخ هذه المحبة الى فجر البشرية.‏ فيسوع كان يكنّ هذه المشاعر للبشر قبل وقت طويل من مجيئه الى الارض.‏ نقرأ في الكتاب المقدس ان يسوع قال:‏ «لذّاتي مع بني البشر».‏ (‏امثال ٨:‏​٣٠،‏ ٣١‏)‏ وقد تجلّت محبته هذه عندما كان على الارض.‏ فكما رأينا في الفصول الثلاثة السابقة،‏ اظهر يسوع بطرائق عديدة محبته للبشر عموما وأتباعه خصوصا.‏ ولكن في ١٤ نيسان القمري من سنة ٣٣ ب‌م،‏ بذل نفسه طوعا من اجلنا.‏ (‏يوحنا ١٠:‏١١‏)‏ حقا،‏ كان هذا اعظم اعراب عن محبته لنا.‏ فهل ينبغي ان نقتدي به في هذا المجال؟‏ دون شك.‏ فيسوع يوصينا بهذا الامر.‏

      ‏‹أحبّوا بعضكم بعضا كما أحببتكم انا›‏

      ١٠،‏ ١١ ما هي الوصية الجديدة التي اعطاها يسوع لأتباعه،‏ ماذا تشمل،‏ ولماذا من المهم ان نطيعها؟‏

      ١٠ قال يسوع لتلاميذه الاحماء في الليلة التي سبقت موته:‏ «اني اعطيكم وصية جديدة:‏ ان تحبّوا بعضكم بعضا.‏ كما احببتكم انا،‏ تحبّون انتم ايضا بعضكم بعضا.‏ بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي،‏ إنْ كان لكم محبة بعضا لبعض».‏ (‏يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏)‏ ولكن لماذا كانت كلمات يسوع ‹أحبّوا بعضكم بعضا› «وصية جديدة»؟‏ لقد نصت الشريعة الموسوية على الوصية:‏ «تحبّ صاحبك [اي قريبك] كنفسك».‏ (‏لاويين ١٩:‏١٨‏)‏ إلا ان الوصية الجديدة تتطلب محبة اعظم،‏ محبة تدفعنا ان نبذل حياتنا عن الآخرين.‏ وهذا ما اوضحه يسوع حين قال:‏ «هذه هي وصيتي:‏ ان تحبّوا بعضكم بعضا كما انا احببتكم.‏ ليس لأحد محبة اعظم من هذه:‏ ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه».‏ (‏يوحنا ١٥:‏​١٢،‏ ١٣‏)‏ فالوصية الجديدة لا تقول لنا ان نحبّ الآخرين كنفسنا،‏ بل اكثر من نفسنا.‏ وقد جسّد يسوع هذا النوع من المحبة من خلال حياته وموته.‏

      ١١ ولماذا من المهم ان نطيع هذه الوصية الجديدة؟‏ تذكَّر ان يسوع قال:‏ «بهذا [بمحبة التضحية بالذات] يعرف الجميع انكم تلاميذي».‏ نعم،‏ ان محبة التضحية بالذات هي التي تحدِّد هويتنا كمسيحيين حقيقيين.‏ ويمكننا تشبيه هذه المحبة ببطاقة التعريف التي يضعها المندوبون الذين يحضرون محافل شهود يهوه الكورية السنوية.‏ فالبطاقة تحدِّد هوية الشخص الذي يضعها،‏ اذ يظهر عليها اسمه واسم جماعته.‏ على نحو مماثل،‏ فإن محبة التضحية بالذات بعضنا لبعض هي «بطاقة» تحدِّد هوية المسيحيين الحقيقيين.‏ بكلمات اخرى،‏ يجب ان تكون محبتنا بعضنا لبعض واضحة جدا بحيث تكون كبطاقة تخبر الآخرين اننا فعلا أتباع حقيقيون للمسيح.‏ لذلك يحسن بكلٍّ منا ان يسأل نفسه:‏ ‹هل اعرب بشكل واضح عن محبة التضحية بالذات؟‏›.‏

      ماذا تشمل محبة التضحية بالذات؟‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ الى ايّ حدّ يجب ان نكون على استعداد للبرهان عن محبتنا بعضنا لبعض؟‏ (‏ب)‏ ماذا تعني التضحية بالذات؟‏

      ١٢ كأتباع ليسوع،‏ يجب ان نحبّ بعضنا بعضا كما احبّنا هو.‏ وهذا يعني ان نكون على استعداد للقيام بالتضحيات من اجل الرفقاء المؤمنين.‏ فإلى ايّ حدّ نحن على استعداد لفعل ذلك؟‏ يقول لنا الكتاب المقدس:‏ «بهذا قد عرفنا المحبة،‏ لأن ذاك بذل نفسه لأجلنا،‏ ونحن ملزمون ان نبذل نفوسنا لأجل إخوتنا».‏ (‏١ يوحنا ٣:‏١٦‏)‏ فعلى غرار يسوع،‏ يجب ان نكون مستعدين للموت من اجل واحدنا الآخر اذا لزم الامر.‏ مثلا،‏ خلال الاضطهاد،‏ نحن نفضّل التضحية بحياتنا على خيانة إخوتنا الروحيين وبالتالي تعريض حياتهم للخطر.‏ وفي البلدان التي يمزّقها النزاع العرقي او الإثْنِي،‏ نعرِّض حياتنا للخطر بغية حماية إخوتنا مهما كانت خلفيتهم.‏ وعندما تخوض الدول الحروب،‏ نكون على استعداد لمواجهة السجن او حتى الموت بدلا من حمل السلاح ضد رفقائنا المؤمنين او اي شخص آخر.‏ —‏ يوحنا ١٧:‏​١٤،‏ ١٦؛‏ ١ يوحنا ٣:‏​١٠-‏١٢‏.‏

      ١٣ غير ان استعدادنا لبذل حياتنا عن إخوتنا ليس الطريقة الوحيدة لإظهار محبة التضحية بالذات.‏ فقليلون منا يضطرون الى القيام بتضحية كبيرة كهذه.‏ ولكن اذا كنا نحبّ إخوتنا الى درجة الموت لأجلهم،‏ أفلا ينبغي ان نكون مستعدين دائما للقيام بتضحيات اصغر لمدّ يد العون لهم؟‏!‏ ان التضحية بالذات تعني ان نتخلى عن مصلحتنا او راحتنا في سبيل منفعة الآخرين.‏ فينبغي ان نضع حاجاتهم وخيرهم قبل حاجاتنا وخيرنا،‏ حتى عندما يكون ذلك على حسابنا.‏ (‏١ كورنثوس ١٠:‏٢٤‏)‏ ولكن كيف يمكننا إظهار محبة التضحية بالذات عمليا؟‏

      في الجماعة والعائلة

      ١٤ (‏أ)‏ اية تضحيات يجب ان يقوم بها الشيوخ؟‏ (‏ب)‏ ما هو شعورك تجاه الشيوخ الذين يعملون بكدّ في جماعتك؟‏

      ١٤ يقوم شيوخ الجماعات بتضحيات كثيرة من اجل «رعية الله».‏ (‏١ بطرس ٥:‏​٢،‏ ٣‏)‏ فإضافة الى الاهتمام بعائلاتهم،‏ يصرفون الوقت خلال الامسيات ونهايات الاسابيع للاعتناء بشؤون الجماعة —‏ بما في ذلك الاستعداد لخطاباتهم في الاجتماعات،‏ القيام بالزيارات الرعائية،‏ ومعالجة القضايا القضائية.‏ ويقوم شيوخ كثيرون بتضحيات اخرى اذ يعملون بدأب في المحافل ويخدمون كأعضاء في لجان الاتصال بالمستشفيات،‏ فرق زيارة المرضى،‏ ولجان البناء الاقليمية.‏ فلا تنسوا ايها الشيوخ انه بالخدمة بروح طوعية —‏ اي ببذل وقتكم وطاقتكم ومواردكم في رعاية الرعية —‏ تظهرون محبة التضحية بالذات.‏ (‏٢ كورنثوس ١٢:‏١٥‏)‏ وتذكَّروا ان جهودكم غير الانانية ستكون موضع تقدير يهوه والجماعة التي ترعونها على السواء.‏ —‏ فيلبي ٢:‏٢٩؛‏ عبرانيين ٦:‏١٠‏.‏

      ١٥ (‏أ)‏ ما هي بعض التضحيات التي تقوم بها زوجات الشيوخ؟‏ (‏ب)‏ ما هو شعورك تجاه الزوجات الداعمات اللواتي يضحين لكي يتمكن ازواجهن من الاهتمام بالجماعة؟‏

      ١٥ ولكن ماذا عن زوجات الشيوخ؟‏ ألا تقوم ايضا هذه النساء الداعمات بالتضحيات لكي يتمكن ازواجهن من الاعتناء بالرعية؟‏ لا شك ان الزوجة تضحي عندما يضطر زوجها الى تخصيص الوقت لشؤون الجماعة بدلا من تخصيصه لعائلته.‏ ولا ننسَ ايضا زوجات النظار الجائلين اللواتي يضحين حين يرافقن ازواجهن من جماعة الى اخرى ومن دائرة الى اخرى.‏ فهؤلاء النساء يتركن بيوتهن،‏ مما يضطرهن الى النوم في سرير مختلف كل اسبوع.‏ فالزوجات اللواتي يضعن مصالح الجماعة فوق مصالحهن هن جديرات بالمدح لأنهن يعربن بسخاء عن محبة التضحية بالذات.‏ —‏ فيلبي ٢:‏​٣،‏ ٤‏.‏

      ١٦ اية تضحيات يقوم بها الوالدون المسيحيون في سبيل اولادهم؟‏

      ١٦ وكيف يمكننا الاعراب عن محبة التضحية بالذات في العائلة؟‏ يا ايها الوالدون،‏ انتم تقومون بتضحيات كثيرة بغية إعالة اولادكم وتربيتهم «في تأديب يهوه وتوجيهه الفكري».‏ (‏افسس ٦:‏٤‏)‏ فقد تضطرون الى العمل بكدّ ساعات طويلة من اجل تأمين لقمة العيش واللباس والمأوى لهم.‏ وأنتم مستعدون ان تحرموا انفسكم امورا كثيرة لتأمين ضرورات الحياة لهم.‏ كما انكم تبذلون جهدا كبيرا لتدرسوا معهم،‏ تأخذوهم الى الاجتماعات المسيحية،‏ وتصطحبوهم الى خدمة الحقل.‏ (‏تثنية ٦:‏​٦،‏ ٧‏)‏ ومحبة التضحية بالذات هذه التي تعربون عنها تُسِرّ مؤسس العائلة ويمكن ان تعني الحياة الابدية لأولادكم.‏ —‏ امثال ٢٢:‏٦؛‏ افسس ٣:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      ١٧ كيف يقتدي الازواج المسيحيون بموقف يسوع غير الاناني؟‏

      ١٧ وكيف تقتدون ايها الازواج بمحبة التضحية بالذات التي اعرب عنها يسوع؟‏ يجيب الكتاب المقدس:‏ «ايها الازواج،‏ كونوا دائما محبين لزوجاتكم،‏ كما احبّ المسيح ايضا الجماعة وأسلم نفسه لأجلها».‏ (‏افسس ٥:‏٢٥‏)‏ فكما رأينا،‏ احبّ يسوع أتباعه حتى انه مات عنهم.‏ والزوج المسيحي يقتدي بموقف يسوع غير الاناني هذا ‹بعدم ارضاء نفسه›.‏ (‏روما ١٥:‏٣‏)‏ فهو مستعد لوضع حاجات زوجته ومصالحها فوق حاجاته ومصالحه.‏ وهو لا يصرّ على فعل الامور بطريقته،‏ بل يكون على استعداد لتلبية رغبات زوجته اذا لم تكن متعارضة مع مبادئ الاسفار المقدسة.‏ والزوج الذي يعرب عن محبة التضحية بالذات ينال رضى يهوه ويحظى بمحبة وتقدير زوجته وأولاده.‏

      ماذا ستفعل؟‏

      ١٨ ماذا يدفعنا الى اطاعة الوصية الجديدة ان نحبّ بعضنا بعضا؟‏

      ١٨ ليست اطاعة الوصية الجديدة ان نحبّ بعضنا بعضا بالامر السهل.‏ ولكن لدينا دافع قوي الى فعل ذلك.‏ فقد كتب بولس:‏ «المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا،‏ اذ قد حكمنا بهذا:‏ انه .‏ .‏ .‏ واحد قد مات عن الجميع .‏ .‏ .‏ وهو مات عن الجميع لكيلا يحيا الاحياء في ما بعد لأنفسهم،‏ بل للذي مات عنهم وأُقيم».‏ (‏٢ كورنثوس ٥:‏​١٤،‏ ١٥‏)‏ فبما ان يسوع مات عنا،‏ أفلا ينبغي ان يدفعنا ذلك ان نحيا له؟‏ ويمكننا ذلك بالاقتداء بمحبة التضحية بالذات التي اعرب عنها.‏

      ١٩،‏ ٢٠ ما هي الهبة الثمينة التي منحنا اياها يهوه،‏ وكيف نُظهِر اننا نقبلها؟‏

      ١٩ لم يبالغ يسوع حين قال:‏ «ليس لأحد محبة اعظم من هذه:‏ ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه».‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏)‏ فاستعداد يسوع لبذل نفسه عنا هو اعظم اعراب عن محبته لنا.‏ إلا ان هنالك شخصا آخر اظهر لنا محبة اعظم ايضا.‏ قال يسوع:‏ «ان الله احبّ العالم كثيرا حتى انه بذل الابن،‏ مولوده الوحيد،‏ لكيلا يهلك كل من يمارس الايمان به،‏ بل تكون له حياة ابدية».‏ (‏يوحنا ٣:‏١٦‏)‏ فالله يحبّنا كثيرا حتى انه بذل ابنه فدية عنا،‏ مما اتاح لنا الانقاذ من الخطية والموت.‏ (‏افسس ١:‏٧‏)‏ ورغم ان الفدية هي هبة ثمينة من يهوه،‏ فهو لا يجبرنا على قبولها.‏

      ٢٠ فلدينا خيار ان نقبل هبة يهوه او نرفضها.‏ وكيف نقبل هذه الهبة؟‏ ‹بممارسة الايمان› بابنه.‏ لكنَّ الكلمات وحدها لا تكفي،‏ بل يجب ان ندعم الاقوال بالاعمال،‏ اي ان نبرهن عن ايماننا من خلال طريقة حياتنا.‏ (‏يعقوب ٢:‏٢٦‏)‏ فنحن نبرهن عن ايماننا بيسوع المسيح باتّباعه يوميا.‏ وهذا ما سيجلب لنا بركات سخية في حياتنا الآن وفي المستقبل ايضا،‏ كما سيُظهر الفصل الاخير من هذا الكتاب.‏

      a في ذلك اليوم،‏ تعرّض يسوع للبصق مرتين:‏ اولا من القادة الدينيين،‏ ثم من الجنود الرومان.‏ (‏متى ٢٦:‏​٥٩-‏٦٨؛‏ ٢٧:‏​٢٧-‏٣٠‏)‏ لكنه احتمل هذا الازدراء دون تذمر،‏ وبذلك تمّم الكلمات النبوية:‏ «لم استر وجهي عن الذل والبصق».‏ —‏ اشعيا ٥٠:‏٦‏.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  ايّ مسلك غير اناني اوصى يسوع أتباعه ان يختاروه؟‏ —‏ متى ١٦:‏​٢٤-‏٢٦‏.‏

      •  لماذا مسلك التضحية بالذات يجدي نفعا؟‏ —‏ مرقس ١٠:‏​٢٣-‏٣٠‏.‏

      •  كيف برهن يسوع انه الراعي الفاضل،‏ وماذا يتعلّم الشيوخ المسيحيون من مثاله؟‏ —‏ يوحنا ١٠:‏​١١-‏١٥‏.‏

      •  بأية طرائق عملية يمكننا الاقتداء بمحبة التضحية بالذات التي اعرب عنها يسوع؟‏ —‏ ١ يوحنا ٣:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏

  • ‏«استمِرَّ في اتِّباعي»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٨

      ‏«استمِرَّ في اتِّباعي»‏

      ١-‏٣ (‏أ)‏ بأية طريقة ترك يسوع رسله،‏ ولماذا لم يكن ذلك فراقا أليما؟‏ (‏ب)‏ لماذا يلزم ان نتعلّم عن حياة يسوع منذ عودته الى السماء؟‏

      على جبل الزيتون،‏ يحدِّق احد عشر رجلا بمحبة وإعجاب كبيرين الى شخص آخر واقف معهم.‏ ورغم ان هذا الشخص له شكل بشريّ،‏ فهو في الواقع يسوع المقام الذي صار من جديد بعد قيامته اعظم ابناء يهوه الروحانيين.‏ وقد جمع يسوع رسله للقائه للمرة الاخيرة هنا على هذا الجبل.‏

      ٢ لا شك ان هذا الجبل،‏ الذي هو جزء من سلسلة جبال كلسية يفصلها عن اورشليم وادي قدرون،‏ يعيد الى يسوع الكثير من الذكريات.‏ فعلى هذه المنحدرات،‏ تقع بلدة بيت عنيا حيث اقام لعازر من الاموات.‏ ومنذ اسابيع قليلة،‏ انطلق من بيت فاجي المجاورة ودخل الى اورشليم كملك ظافر.‏ كما ان بستان جتسيماني،‏ الذي قضى فيه الساعات المضنية قبيل اعتقاله،‏ يقع على الارجح على جبل الزيتون.‏ والآن،‏ على هذا الجبل بالتحديد،‏ يستعدّ يسوع لترك اصدقائه الاحمّاء وأتباعه.‏ فيقول لهم كلمات وداعية رقيقة،‏ ثم يبتدئ يرتفع الى السماء.‏ فيتسمّر الرسل في مكانهم يحدّقون الى سيّدهم الحبيب.‏ وفي النهاية،‏ تحجبه سحابة عن بصرهم،‏ فلا يعودون يرونه.‏ —‏ اعمال ١:‏​٦-‏١٢‏.‏

      ٣ هل هذا المشهد هو نهاية حزينة وفراق أليم؟‏ كلا.‏ فقد اتى ملاكان ليذكّرا الرسل ان قصة يسوع لم تنتهِ هنا.‏ (‏اعمال ١:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ فصعوده الى السماء ليس نهاية بل بداية لحقبة اخرى من حياته،‏ اذ ان كلمة الله تكشف لنا ما حدث معه بعد ذلك.‏ ومن المهم ان نتعلم عن حياته منذ ترك الارض.‏ لماذا؟‏ تذكَّر الكلمات التي قالها يسوع لبطرس:‏ «استمِرَّ في اتِّباعي».‏ (‏يوحنا ٢١:‏​١٩،‏ ٢٢‏)‏ فعلينا جميعا ان نطيع هذه الوصية مدى حياتنا،‏ وليس فترة قصيرة من الوقت.‏ ولفعل ذلك،‏ يلزم ان نعرف ما يفعله سيّدنا الآن وما هي التعيينات التي نالها في السماء.‏

      حياة يسوع بعد صعوده الى السماء

      ٤ كيف كشف الكتاب المقدس مسبقا ماذا سيحدث في السماء بعد عودة يسوع الى هناك؟‏

      ٤ لا تتحدث الاسفار المقدسة عن وصول يسوع الى السماء،‏ الترحيب به،‏ واجتماع شمله مع ابيه.‏ لكنها كشفت مسبقا ماذا سيحدث في السماء بعيد عودة يسوع الى هناك.‏ كما تعلم،‏ كان اليهود يقيمون دوريا طقسا دينيا مقدسا على مرّ اكثر من ١٥ قرنا.‏ فمرة كل سنة،‏ كان رئيس الكهنة يدخل قدس الاقداس ويرش دم ذبائح يوم الكفارة امام تابوت العهد.‏ وفي ذلك اليوم،‏ كان رئيس الكهنة يرمز الى المسيَّا.‏ وقد تمّم يسوع المغزى النبوي لهذا الطقس الديني مرة لا غير بعد عودته الى السماء،‏ وذلك حين مثَل في حضرة يهوه المجيدة في السماء —‏ اقدس مكان في الكون —‏ وقدّم الى ابيه قيمة ذبيحته الفدائية.‏ (‏عبرانيين ٩:‏​١١،‏ ١٢،‏ ٢٤‏)‏ فهل قبِلها يهوه؟‏

      ٥،‏ ٦ (‏أ)‏ ايّ دليل اظهر ان يهوه قبِل ذبيحة المسيح الفدائية؟‏ (‏ب)‏ مَن يستفيدون من الفدية،‏ وكيف ذلك؟‏

      ٥ بغية ايجاد الجواب،‏ لنتأمل في ما حدث بعد ايام قليلة من صعود يسوع الى السماء.‏ فقد كانت مجموعة صغيرة مؤلفة من نحو ١٢٠ مسيحيا مجتمعة في علية في اورشليم.‏ وفجأة،‏ صار دويّ كما من هبوب ريح شديدة وملأ المكان.‏ وظهرت فوق رؤوسهم ألسنة كأنها من نار وامتلأوا روحا قدسا،‏ فابتدأوا يتكلمون بألسنة مختلفة.‏ (‏اعمال ٢:‏​١-‏٤‏)‏ لقد وسمت هذه الحادثة ولادة اسرائيل الروحي،‏ امة جديدة انتقاها الله لتكون ‹جنسا مختارا› و ‹كهنوتا ملكيا› لإتمام مشيئته على الارض.‏ (‏١ بطرس ٢:‏٩‏)‏ وكان هذا دليلا واضحا ان يهوه الله قبِل ذبيحة المسيح الفدائية.‏ لكنَّ سكْب الروح القدس في هذه المناسبة لم يكن إلا بداية للفوائد التي تمنحها الفدية.‏

      ٦ فمذّاك،‏ تتيح فدية المسيح لأتباعه حول الارض نيل الفوائد.‏ وسواء كنا من افراد «القطيع الصغير» الممسوحين الذين سيحكمون مع المسيح في السماء او من ‹الخراف الاخر› الذين سيحيون في ظلّ حكمه على الارض،‏ فإننا نجني الفوائد من الذبيحة التي قدّمها المسيح.‏ (‏لوقا ١٢:‏٣٢؛‏ يوحنا ١٠:‏١٦‏)‏ مثلا،‏ على اساس هذه الذبيحة،‏ يكون لنا رجاء وغفران لخطايانا.‏ فما دمنا ‹نمارس الايمان› بالفدية،‏ متّبعين يسوع يوما بعد يوم،‏ يمكننا نيل ضمير طاهر ورجاء ساطع للمستقبل.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٦‏.‏

      ٧ اية سلطة مُنحت ليسوع بعد عودته الى السماء،‏ وكيف تعترف بهذه السلطة؟‏

      ٧ وماذا يفعل يسوع منذ عودته الى السماء؟‏ لقد أُوكلت اليه سلطة كبيرة.‏ (‏متى ٢٨:‏١٨‏)‏ فيهوه عيّنه ليحكم الجماعة المسيحية،‏ وهو يقوم بتعيينه هذا بطريقة حبية وعادلة.‏ (‏كولوسي ١:‏١٣‏)‏ وكما أُنبئ،‏ يعطي يسوع رجالا مسؤولين للاعتناء بحاجات رعيته.‏ (‏افسس ٤:‏٨‏)‏ مثلا،‏ اختار يسوع بولس ليكون ‹رسولا للامم›،‏ مرسلا اياه لينشر البشارة الى اماكن بعيدة.‏ (‏روما ١١:‏١٣؛‏ ١ تيموثاوس ٢:‏٧‏)‏ كما انه ارسل في اواخر القرن الاول رسائل مدح ونصح وتقويم الى سبع جماعات في اقليم آسيا الروماني.‏ (‏رؤيا،‏ الاصحاحان ٢-‏٣‏)‏ فهل تعترف بأن يسوع هو رأس الجماعة المسيحية؟‏ (‏افسس ٥:‏٢٣‏)‏ لكي تستمر في اتّباعه،‏ عليك ان تروِّج روح الطاعة والتعاون في جماعتك.‏

      ٨،‏ ٩ اية سلطة فُوِّضت الى يسوع سنة ١٩١٤،‏ وكيف ينبغي ان يؤثر ذلك فينا عند اتّخاذ القرارات؟‏

      ٨ سنة ١٩١٤،‏ فُوِّضت الى يسوع سلطة اوسع.‏ ففي تلك السنة،‏ عُيِّن ملكا لملكوت يهوه المسيَّاني.‏ وعندما ابتدأ حكمه،‏ «نشبت حرب في السماء».‏ وماذا كانت النتيجة؟‏ طُرح الشيطان وأبالسته الى الارض،‏ مما جلب حقبة حافلة بالويلات.‏ فتفشي الحروب،‏ الجرائم،‏ الارهاب،‏ الامراض،‏ الزلازل،‏ والمجاعات يذكِّرنا بأن يسوع يحكم الآن في السماء.‏ لكنَّ الشيطان لا يزال «حاكم هذا العالم»،‏ وحكمه لن يدوم إلا «زمانا قصيرا» بعد.‏ (‏رؤيا ١٢:‏​٧-‏١٢؛‏ يوحنا ١٢:‏٣١؛‏ متى ٢٤:‏​٣-‏٧؛‏ لوقا ٢١:‏١١‏)‏ في هذه الاثناء،‏ يتيح يسوع للناس حول العالم الفرصة ليقبلوا حكمه.‏

      ٩ لذلك من المهم ان نتّخذ موقفنا الى جانب الملك المسيَّاني.‏ ففي كل قراراتنا اليومية،‏ يجب ان نسعى الى نيل رضاه،‏ لا رضى هذا العالم الفاسد.‏ وفيما يتفحص «ملك الملوك ورب الارباب» هذا الجنس البشري،‏ يحتدم قلبه البار غضبا ويطفح فرحا في آنٍ واحد.‏ (‏رؤيا ١٩:‏١٦‏)‏ لماذا؟‏

      غضب وفرح الملك المسيَّاني

      ١٠ بماذا تتميز شخصية سيّدنا يسوع،‏ ولكن ماذا يملأه غيظا؟‏

      ١٠ ان سيّدنا يسوع هو شخص سعيد،‏ على غرار ابيه.‏ (‏١ تيموثاوس ١:‏١١‏)‏ فعندما كان انسانا على الارض،‏ لم يكن انتقاديا او صعب الارضاء.‏ رغم ذلك،‏ فهو يمتلئ غيظا حين يرى ما يحدث على الارض اليوم.‏ على سبيل المثال،‏ لا شك انه غاضب من كل الهيئات الدينية التي تدّعي زورا انها تمثِّله.‏ فقد انبأ قائلا:‏ «ليس كل من يقول لي:‏ ‹يا رب،‏ يا رب›،‏ يدخل ملكوت السموات،‏ بل الذي يعمل مشيئة ابي الذي في السموات.‏ كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم:‏ ‹يا رب،‏ يا رب،‏ أليس باسمك .‏ .‏ .‏ صنعنا قوّات كثيرة؟‏›.‏ فحينئذ أصرّح لهم:‏ اني ما عرفتكم قط!‏ ابتعدوا عني ايها المتعدون على الشريعة».‏ —‏ متى ٧:‏​٢١-‏٢٣‏.‏

      ١١-‏١٣ لماذا قد يتحيَّر البعض بسبب الكلمات القاسية التي وجَّهها يسوع الى الذين يصنعون «قوّات» باسمه،‏ ولكن لماذا يتملّكه الغضب؟‏ أوضِح.‏

      ١١ قد تحيِّر هذه الكلمات كثيرين ممن يدّعون انهم مسيحيون.‏ فلماذا يوجِّه يسوع هذه الكلمات القاسية الى اشخاص يصنعون باسمه «قوّات»،‏ او اعمالا لافتة للنظر؟‏ ان كنائس العالم المسيحي تقوم برعاية الاعمال الخيرية،‏ مساعدة الفقراء،‏ بناء المستشفيات والمدارس،‏ والكثير غيرها من الاعمال.‏ ولكن لنعرف لماذا تستحق غضب يسوع،‏ لمَ لا نتأمل في المثل التالي؟‏

      ١٢ لنفرض ان ابا وأما يريدان الذهاب في رحلة،‏ غير انهما لا يستطيعان اخذ اولادهما معهما.‏ لذلك يستخدمان حاضنة اطفال للاهتمام بهم.‏ ويعطيانها تعليمات بسيطة،‏ فيقولان لها:‏ «اعتني بأولادنا.‏ أطعميهم،‏ اهتمي بنظافتهم،‏ واحرصي على سلامتهم».‏ ولكن عندما يعودان،‏ يُصعقان عندما يريان اولادهما جائعين،‏ وسخين،‏ مرضى،‏ وفي حالة يُرثى لها.‏ والاولاد يصرخون طلبا للمساعدة،‏ لكنّ الحاضنة لا تعيرهم ايّ انتباه.‏ ولماذا؟‏ لأنها على السلّم تنظّف النوافذ.‏ فيستشيط الوالدان غيظا ويطلبان منها تبريرا لذلك.‏ فتجيبهما:‏ «انظرا ماذا فعلت!‏ أليست النوافذ نظيفة؟‏ كما انني قمت ببعض التصليحات في المنزل.‏ وكل ذلك من اجلكم!‏».‏ فهل تهدأ مشاعر الوالدَين؟‏ كلا،‏ على الاطلاق.‏ فهما لم يطلبا منها ان تقوم بهذه الامور،‏ بل ان تهتم بأولادهما.‏ لذلك فإن عدم اتّباعها ارشاداتهما يثير غضبهما.‏

      ١٣ ان تصرُّف العالم المسيحي يشبه تصرُّف حاضنة الاطفال هذه.‏ فيسوع اعطى ممثليه ارشادات ان يُطعموا الناس روحيا،‏ بتعليمهم حق كلمة الله ومساعدتهم ليكونوا نظفاء روحيا.‏ (‏يوحنا ٢١:‏​١٥-‏١٧‏)‏ إلا ان العالم المسيحي اخفق إخفاقا ذريعا في إطاعة ارشاداته.‏ فقد ترك الناس يتضورون جوعا،‏ نتيجة الاكاذيب التي تشوِّشهم والجهل التامّ لحقائق الكتاب المقدس الاساسية.‏ (‏اشعيا ٦٥:‏١٣؛‏ عاموس ٨:‏١١‏)‏ حتى محاولاته لتحسين هذا العالم لا يمكن ان تبرِّر عصيانه العمدي.‏ فهذا النظام هو اشبه ببيت مآ‌له السقوط!‏ فكلمة الله توضح ان نظام الشيطان سيُدمَّر عما قريب.‏ —‏ ١ يوحنا ٢:‏​١٥-‏١٧‏.‏

      ١٤ ايّ عمل جارٍ اليوم يجلب فرحا كبيرا ليسوع؟‏

      ١٤ من ناحية اخرى،‏ لا بدّ ان يسوع يفرح كثيرا حين ينظر من السماء ويرى ملايين الاشخاص يتممون تفويض التلمذة الذي اعطاه لأتباعه قبل تركه الارض.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ ويا له من امتياز عظيم ان نساهم في تفريح الملك المسيَّاني!‏ لذلك لنصمِّم ألا نتوقف ابدا عن مساعدة «العبد الامين الفطين».‏ (‏متى ٢٤:‏٤٥‏)‏ فبعكس رجال دين العالم المسيحي،‏ يُظهِر هذا الفريق الصغير من الاخوة الممسوحين الطاعة ليسوع بتوجيه عمل الكرازة كما انه يُطعم خراف المسيح بأمانة.‏

      ١٥،‏ ١٦ (‏أ)‏ كيف يشعر يسوع حين يرى قلة المحبة المتفشية اليوم،‏ وكيف نعرف ذلك؟‏ (‏ب)‏ ماذا فعل العالم المسيحي ليستحق غضب يسوع؟‏

      ١٥ لا شك ان الملك يغضب حين يرى قلة المحبة المتفشية في الارض اليوم.‏ وربما يخطر على بالنا الفريسيون الذين انتقدوا على يسوع شفاءه المرضى ايام السبت.‏ فقد كانوا قساة القلوب،‏ متصلبين جدا بحيث لم يستطيعوا ان يروا ابعد من تفسيرهم الشخصي المتزمت للشريعة الموسوية والشريعة الشفهية.‏ ولكن شتان ما بين يسوع والفريسيين!‏ فعجائبه افرحت الناس وأراحتهم وقوّت ايمانهم.‏ لكنَّ كل ذلك لم يعنِ شيئا للفريسيين.‏ فماذا كان شعور يسوع حيالهم؟‏ يقول الكتاب المقدس انه ذات مرة،‏ «نظر حوله اليهم بغيظ،‏ وهو حزين كل الحزن على تصلب قلوبهم».‏ —‏ مرقس ٣:‏٥‏.‏

      ١٦ واليوم،‏ يرى يسوع امورا اكثر تجعله ‹حزينا كل الحزن›.‏ فقادة العالم المسيحي يعميهم تعلّقهم الشديد بالتقاليد والعقائد المتعارضة مع الاسفار المقدسة،‏ وتثير حنقهم الكرازة ببشارة ملكوت الله.‏ ففي انحاء كثيرة من العالم،‏ يشنّ رجال الدين اضطهادا عنيفا على المسيحيين الذين يحاولون بإخلاص ان يكرزوا بالرسالة التي كرز بها يسوع.‏ (‏يوحنا ١٦:‏٢؛‏ رؤيا ١٨:‏​٤،‏ ٢٤‏)‏ لكنهم في الوقت نفسه يحرّضون أتباعهم على خوض الحروب وقتل الآخرين،‏ كما لو ان ذلك يرضي يسوع المسيح.‏

      ١٧ كيف يفرّح أتباع يسوع الحقيقيون قلبه؟‏

      ١٧ بالتباين،‏ يسعى أتباع يسوع الحقيقيون ان يُظهِروا المحبة لأخيهم الانسان.‏ فهم يكرزون بالبشارة ‹لشتى الناس› رغم المقاومة،‏ تماما كما فعل يسوع.‏ (‏١ تيموثاوس ٢:‏٤‏)‏ والمحبة التي يظهرونها واحدهم للآخر هي صفة بارزة لديهم،‏ اذ انها السمة التي تميّزهم.‏ (‏يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏)‏ ومعاملتهم رفقاءهم المسيحيين بمحبة واحترام وكرامة هي دليل على انهم يتبعون يسوع فعلا،‏ وبذلك يفرّحون قلب هذا الملك المسيَّاني.‏

      ١٨ ماذا يُحزن سيّدنا،‏ وماذا يفرّحه؟‏

      ١٨ لا يجب ان ننسى ابدا ان سيّدنا يحزن حين يرى أتباعه يتخلّون عن الاحتمال،‏ اذ يدَعون محبتهم ليهوه تبرد ويتوقفون عن خدمته.‏ (‏رؤيا ٢:‏​٤،‏ ٥‏)‏ غير انه يفرح بالذين يحتملون الى النهاية.‏ (‏متى ٢٤:‏١٣‏)‏ لذا لنُبقِ في بالنا دائما وصية المسيح:‏ ‏«استمِرَّ في اتِّباعي».‏ (‏يوحنا ٢١:‏١٩‏)‏ والآن لنستعرض بعض البركات التي سيغدقها الملك المسيَّاني على الذين يحتملون الى النهاية.‏

      تدفّق البركات على خدام الملك الامناء

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ اية بركات ننالها الآن اذا اتّبعنا يسوع؟‏ (‏ب)‏ كيف يساعدنا اتّباع المسيح على إشباع حاجتنا الى اب؟‏

      ١٩ ان اتّباع يسوع هو السبيل لنحيا حياة تجلب المكافآ‌ت الآن.‏ فإذا قبِلنا المسيح سيّدا لنا،‏ متّبعين ارشاداته ومقتدين بمثاله،‏ فسنجد كنوزا يسعى عبثا الناس حول العالم الى ايجادها.‏ مثلا،‏ سيكون لدينا عمل يملأ حياتنا هدفا ومعنى،‏ عائلة من الرفقاء المؤمنين الذين يوحِّدهم رباط المحبة الحقيقية،‏ ضمير طاهر،‏ وسلام العقل.‏ باختصار،‏ سنحيا حياة سعيدة تجلب الاكتفاء.‏ ولكن هنالك اكثر من ذلك ايضا.‏

      ٢٠ فقد اعطى يهوه الذين يرجون الحياة الى الابد على الارض «ابا ابديا» هو يسوع.‏ فيسوع هو البديل عن ابينا البشري الاول آدم الذي خيّب امل كل ذريته.‏ (‏اشعيا ٩:‏​٦،‏ ٧‏)‏ وبقبول يسوع «ابا ابديا» لنا،‏ اي بممارسة الايمان به،‏ ننال رجاء اكيدا بحياة ابدية ونقترب اكثر الى يهوه الله.‏ وكما تعلّمنا،‏ ان السعي الى الاقتداء بمثال يسوع يوما بعد يوم هو افضل طريقة لإطاعة هذه الوصية الالهية:‏ «كونوا مقتدين بالله كأولاد أحباء».‏ —‏ افسس ٥:‏١‏.‏

      ٢١ كيف يعكس أتباع المسيح النور في عالم مظلم؟‏

      ٢١ والاقتداء بيسوع وأبيه يهوه يتيح لنا نيل امتياز رائع.‏ فبذلك نعكس نورا ساطعا.‏ فهذا العالم غارق في ظلمة دامسة،‏ اذ يضلّ الشيطان بلايين الناس ويجعلهم يقتدون بصفاته.‏ اما نحن الذين نقتدي بالمسيح فنعكس النور الساطع:‏ نور حقائق الاسفار المقدسة،‏ نور الصفات المسيحية الجيدة،‏ ونور الفرح الحقيقي والسلام الاصيل والمحبة الخالصة.‏ كما اننا نقترب اكثر الى يهوه،‏ وهذا هو اسمى هدف يمكن ان يسعى اليه ايّ مخلوق عاقل.‏

      يسوع يجلس على عرشه السماوي كملك على المملكة المسيانية ويحكم على البشر الامناء

      ٢٢،‏ ٢٣ (‏أ)‏ اية بركات مستقبلية سينالها الذين يستمرون في اتّباع يسوع بولاء؟‏ (‏ب)‏ علامَ ينبغي ان نصمِّم؟‏

      ٢٢ فكِّر ايضا في ما ينوي يهوه فعله لك في المستقبل بواسطة ملكه المسيَّاني.‏ فعما قريب،‏ سيشن هذا الملك حربا على نظام الشيطان الشرير ويحقق فيها نصرا اكيدا.‏ (‏رؤيا ١٩:‏​١١-‏١٥‏)‏ بعد ذلك،‏ سيبدأ المسيح حكمه الالفي على الارض.‏ وستغدق حكومته السماوية فوائد ذبيحته على كل البشر الامناء،‏ موصلة اياهم الى الكمال.‏ تخيّل نفسك ممتلئا صحة،‏ تتمتع بشباب دائم وقوة لا تنضب،‏ وتعمل بفرح مع عائلة بشرية متّحدة بغية تحويل هذه الارض الى فردوس.‏ وفي نهاية هذا الحكم الالفي،‏ سيعيد يسوع المُلك الى ابيه.‏ (‏١ كورنثوس ١٥:‏٢٤‏)‏ وإذا استمررت في اتّباع المسيح بولاء،‏ فستحصد بركة رائعة تفوق الخيال:‏ «الحرية المجيدة لأولاد الله».‏ (‏روما ٨:‏٢١‏)‏ نعم،‏ سوف ننال كل البركات التي تمتع بها آدم وحواء وخسراها.‏ فكأبناء وبنات يهوه الارضيين،‏ سنتخلص الى الابد من لطخة خطية آدم.‏ حقا،‏ «الموت لا يكون في ما بعد».‏ —‏ رؤيا ٢١:‏٤‏.‏

      ٢٣ هل تذكر الحاكم الشاب الغني الذي تحدثنا عنه في الفصل الاول‏؟‏ لقد رفض هذا الحاكم دعوة يسوع:‏ «تعالَ اتبعني».‏ (‏مرقس ١٠:‏​١٧-‏٢٢‏)‏ فلا ترتكب انت الخطأ نفسه،‏ بل لبِّ هذه الدعوة بفرح وحماسة.‏ وصمِّم ان تحتمل،‏ ان تستمر في اتّباع الراعي الفاضل يوما بعد يوم وسنة بعد سنة،‏ وأن تعيش لتراه في النهاية يتمِّم كل مقاصد يهوه المجيدة.‏

  • ‏«تعالَ وانظر» المسيح
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الجزء ١

      ‏«تعالَ وانظر» المسيح

      رغم ان ابن الله يسوع عاش كإنسان منذ نحو ٠٠٠‏,٢ سنة،‏ فلا يزال بإمكاننا اليوم ان نلبي هذه الدعوة.‏ (‏يوحنا ١:‏٤٦‏)‏ وروايات الاناجيل ترسم لنا صورة نابضة بالحياة لشخصيته ومواقفه وطرقه.‏ وهذا الجزء سيزوّدنا بنظرة شاملة الى صفات يسوع البارزة.‏

  • ‏‹التعليم والكرازة بالبشارة›‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الجزء ٢

      ‏‹التعليم والكرازة بالبشارة›‏

      رغم ان يسوع كان نجارا ومجترحا للعجائب وشافيا للناس وغير ذلك ايضا،‏ لم يستخدم الناس ايًّا من هذه المفردات كألقاب عند مخاطبته.‏ بل كانوا يدعونه المعلّم.‏ فقد كان ‹التعليم والكرازة بالبشارة› مهنته في الحياة.‏ (‏متى ٤:‏٢٣‏)‏ كأتباع ليسوع،‏ يجب ان نقوم نحن ايضا بالعمل نفسه.‏ وفي هذا الجزء،‏ سنتفحص مثاله الذي يُظهِر لنا كيف نقوم بهذا العمل.‏

  • ‏«المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الجزء ٣

      ‏«المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا»‏

      ماذا يدفعنا الى المداومة على اتّباع يسوع؟‏ يجيب الرسول بولس:‏ «المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا».‏ (‏٢ كورنثوس ٥:‏١٤‏)‏ وفي هذا الجزء سنتعلّم عن محبة يسوع ليهوه،‏ للجنس البشري،‏ ولنا كأفراد.‏ وهذه المعلومات ستمس قلوبنا وتدفعنا الى العمل وإحراز التقدم في اتّباع مثال سيّدنا.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة