-
هل تسيرون على خطى المخلص؟برج المراقبة ١٩٨٧ | ١٥ نيسان (ابريل)
-
-
هل تسيرون على خطى المخلص؟
ان احدى افضل المجاملات التي يمكنكم ان تقدموها لشخص ما هي ان تقتدوا به. وكثيرا ما يقتدي الاولاد بآبائهم. والمراهقون قد يتمثلون بمغنين شعبيين، والراشدون بقادة بارزين في حقول العمل والسياسة. ولكن كم شخصا يحاولون ان يقتدوا بأعظم قائد في التاريخ البشري — يسوع المسيح؟
اظهر استفتاء حديث اجرته هيئة غالوب: «ثمانية من كل ١٠ اميركيين قالوا انهم يبذلون على الاقل بعض الجهد ليتَّبعوا مثال يسوع.» ومجرد «اثني عشر في المئة قالوا انهم يبذلون اكبر جهد ممكن.»
مع ذلك، ماذا يجعل يسوع جديرا بأن يجري اتِّباعه اكثر من الرجال الآخرين ذوي النفوذ؟ اولا، كما لاحظت «دائرة معارف الكتاب العالمي،» ان يسوع المسيح «ربما اثَّر في البشرية اكثر من ايّ شخص آخر عاش على الاطلاق.» ولكن بخلاف الرجال الآخرين ذوي النفوذ لم يقد المسيح جيوشا الى المعركة لكي يحرز اهتداءات قسرية. وهو لم يعتمد على الدعاية المكلفة كما يفعل المبشرون المعروفون اليوم. ولم يؤيد ايّ فريق سياسي. فتأثيره نتج من مجرد قوة رسالته وطريقة تكلمه بها. — متى ٧:٢٨، ٢٩، يوحنا ٧:٤٦.
حمل يسوع الناس على صنع تغييرات مثيرة في حياتهم، روحيا وأدبيا. فأيّ رجل آخر ذي نفوذ اثَّر بشكل مفيد كهذا في كثيرين؟ وأيضا، ايّ قائد بشري آخر يمكن وصفه بـ «قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة»؟ (عبرانيين ٧:٢٦) ولذلك فان مثال يسوع هو مثال كامل — بخلاف ذاك الذي لايّ رجل آخر مشى على الارض على الاطلاق!
‹رغم ذلك، كيف يمكن لانسان ضعيف وناقص ان يتَّبع مثالا كهذا؟› يفكر البعض. يشير المؤرخ ه. ج. ولز في كتابه «موجز التاريخ» الى ان الناس عجزوا عن اتِّباع المسيح منذ البداية. «لانه أن نأخذ [المسيح] بطريقة جدية،» يقول ولز، «كان أن ندخل في حياة غريبة ومزعجة، أن نهجر العادات، أن نضبط الغرائز والدوافع، أن نختبر [نجرب] سعادة لا يمكن تصديقها.» وينتهي ولز الى القول: «لا عجب ان يكون هذا الجليلي [المسيح] الى هذا اليوم اكثر مما ينبغي لقلوبنا الصغيرة.»
ولكن هل هذا صحيح حقا؟ من المسلَّم به ان يكون اتِّباع المسيح كاملا شيئا مستحيلا. مع ذلك قال الرسول بطرس ان المسيح ‹ترك لنا مثالا لكي نتَّبع خطواته بدقة.› (١ بطرس ٢:٢١، عج) لاحظوا انه لم يقل «كاملا» بل «بدقة.» فأيّ مثال ترك لنا يسوع؟ وكيف يمكننا ان نقتدي به؟
-
-
‹اتَّبعوا خطواته بدقة› — كيف؟برج المراقبة ١٩٨٧ | ١٥ نيسان (ابريل)
-
-
‹اتَّبعوا خطواته بدقة› — كيف؟
«لا يمكنني ابدا ان اكون كاملا كيسوع مهما صليت ومهما حاولت جاهدا.» فمن بين اولئك الذين جرى استفتاؤهم من «كاثوليكي الولايات المتحدة» وافق ٨٩ في المئة على هذه العبارة. وفي الواقع، ان امكانية السير على خطى المسيح قد تبدو رابكة — خصوصا عندما تتأملون في الصورة التي تعطيها الكنائس عن المسيح. قال رجل كاثوليكي: «بالاجمال، افكر في يسوع كشخص ودود، محب، مهتم، متسامح، لا يتوقَّع مني اكثر مما ينبغي. ولكن عندما اذهب الى الكنيسة يجري تأليه يسوع بورع فأشعر بأنني خاسر وحقير بسبب نقائصي.»
ولكنّ سجلات الاناجيل لا ‹تؤله المسيح بورع.› انها تُظهر ان يسوع لم يولد في عائلة ارستقراطية بل في عائلة من الطبقة العاملة. فيوسف ابوه بالتبنّي كان نجارا. ورغم ان القليل يُعرف عن طفولة يسوع، فان حادثة واحدة تُظهر الامر تماما. فعندما كان يسوع ابن ١٢ سنة اخذه ابواه في زيارتهما السنوية الى اورشليم من اجل الفصح. وفي هذه المناسبة انهمك في مناقشة من الاسفار المقدسة، وغادرت عائلته بدونه. ويوسف ومريم القلقان على نحو مفهوم وجداه بعد ثلاثة ايام في الهيكل، «جالسا في وسط المعلّمين يسمعهم ويسألهم.» وعلاوة على ذلك، «كل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته.» تصوَّروا ذلك، فبعمر ١٢ سنة فقط لم يتمكن من ان يسأل اسئلة مثيرة للتفكير وموجَّهة روحيا وحسب بل ايضا ان يعطي اجوبة تدل على ذكاء. ان تدريب ابويه ساعده دون شك! — لوقا ٢:٤١-٥٠.
اذا كنت حدثا، هل من الممكن ان تتَّبع مثال المسيح؟ ذلك ممكن حقا! لان المسيح نفسه ‹ترك لك مثالا لكي تتَّبع خطواته بدقة.› — ١ بطرس ٢:٢١، عج.
والحداثة وقت جيد لتنالوا فيه معرفة اساسية عن اللّٰه وكلمته. صحيح ان الآخرين ممن تعرفونهم قد يضيعون وقتا كبيرا في قراءة الكتب الهزلية ومشاهدة التلفزيون. ولكن، عوضا عن ذلك، لمَ لا يتَّبعون خطوات يسوع الذي، كصبي، سُرّ بالتعلّم عن يهوه؟ ويسوع، بسبب محبته للامور الروحية، «كان يتقدَّم في الحكمة.» (لوقا ٢:٥٢) وأنتم ايضا يمكنكم ذلك.
لنوضح الامر: في مدرسة في جنوب افريقيا سُئل استاذ ما اذا كان بامكانه ان يبرهن على صحة الكتاب المقدس. فاعترف بأنه لا يقدر. فقال حدث من شهود يهوه بجرأة: «يمكنني بالتحديد ان ابرهن على صحة الكتاب المقدس!» كيف؟ لقد تذكَّر المعلومات التي كان قد درسها في عدد اخير من مجلة «برج المراقبة.» وبعد ان سُمح له بالتكلم بدأ يشرح معنى نبوة مسجَّلة في سفر دانيال الاصحاح ٢. فذهل الصف عندما اظهر كيف انبأت النبوة بقيام وسقوط حكومات عالمية متعاقبة وبدمارها النهائي بواسطة ملكوت اللّٰه. وتلت مناقشة جيدة حيث سنحت له فرصة الاجابة عن اسئلة كثيرة.
المجيء لفعل مشيئة اللّٰه
ان الاساس لمعرفة وفهم الكتاب المقدس الذي وضعه يسوع في حداثته دفعه الى اتخاذ خطوة جدية في ما بعد. «جاء يسوع. . . الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه.» والآن كان الوقت المناسب ليتحمل مسؤولياته كخادم للّٰه. فالمعمودية عنت تقديم نفسه لفعل مشيئة اللّٰه. — متى ٣:١٣-١٥.
وبطريقة مماثلة، يُطلب من المسيحيين ان يقتدوا بالمسيح بالاعتماد. فالمعمودية هي رمز مقدس، علامة ظاهرية للانتذار. وعندما نوافق على العمل لشخص او شركة نتحقق اولا المطالب والشروط وغالبا ما ننجز ذلك بتوقيع عقد. ولكن بدون توقيع لا يكون العقد ملزما. وهكذا هي الحال مع المعمودية — انها تجعل انتذارنا للّٰه شرعيا. والى حد ما نقول كيسوع: ‹هنذا اجيء لافعل مشيئتك يا اللّٰه.› (عبرانيين ١٠:٧) وهكذا نصبح خداما للّٰه! — ٢ كورنثوس ٣:٥، ٦.
وطبعا، كيسوع، يلزمكم اولا ان تنالوا معرفة اساسية عن اللّٰه. ولكن يستطيع شهود يهوه ان يساعدوكم — واولادكم — على ذلك بواسطة درس نظامي للكتاب المقدس.
واضعين الخدمة اولا
بعد الاعتماد باشر يسوع فترة من الصوم والتأمل والصلاة. ولا شك ان ذلك جهَّزه للتجربة التي واجهها بعد ذلك. فالشيطان ابليس عرض عليه السيادة على «جميع ممالك العالم.» ويا للمهنة التي كان يمكن ان يحصل عليها يسوع لو قبل عرض ابليس! ولكنّ المسيح ادرك ان مهنة كهذه ستكون قصيرة الاجل. فانتهر ابليس فورا وعوضا عن ذلك «ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت السموات.» (متى ٤:٢ و ٨-١٠، ١٧) وكان المسيح خادما كامل الوقت لملكوت اللّٰه باقي حياته الارضية.
على نحو مماثل اليوم، لا يدع المسيحي عالم الشيطان يغريه ليجعل الاعمال والمهن ذات الدخل المرتفع هدفه في الحياة. وعندما دعا يسوع تلاميذه الاولين، ‹للوقت تركوا شباكهم وتبعوه.› (مرقس ١:١٧-٢١) فهل من الحكمة اذاً ان نقع في شرك المساعي العالمية؟ يوصي يسوع أتباعه اليوم بأن ‹يكرزوا ببشارة الملكوت.› (متى ٢٤:١٤) حقا، قد تكون لديكم عائلة او مسؤوليات اخرى لتهتموا بها. ولذلك يستخدم كثيرون من شهود يهوه الامسيات ونهايات الاسابيع لينجزوا مسؤوليتهم المسيحية للكرازة. ويتمكن البعض ايضا من ان يرتِّبوا لفعل ذلك كامل الوقت!
في جنوب افريقيا خطَّط شاب ليلتحق بجامعة عند تركه المدرسة. ولكن بعد ان رمز الى انتذاره ليهوه بالمعمودية شعر بالتزام الدخول في الخدمة كامل الوقت. فأبوه، وهو ليس شاهدا، رفض اولا. ولكن بعد كثير من المناقشة وافق اخيرا ان يخدم ابنه في مكتب الفرع لشهود يهوه في جنوب افريقيا.
بعد تسع سنوات سعيدة هناك، تزوَّج وباشر عمل الكرازة كامل الوقت مع عروسه. وفي ما بعد انجبا طفلة. ومع ذلك طلبا من يهوه ان يمنحهما العون على الاستمرار كخادمين كامل الوقت. لقد تذكرا وعد يسوع انه اذا وضع المرء ملكوت اللّٰه اولا «هذه كلها [الحاجات المادية] تُزاد لكم.» (متى ٦:٣٣) لقد تبرهنت صحة ذلك. «عشنا باقتصاد طوال السنين،» يقول الاب، «لكننا قدمنا لابنتنا بيتا بهيجا واهتممنا بكل حاجاتها المادية.»
«وديع ومتواضع القلب»
«تعالوا اليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال،» قال يسوع، «وانا اريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلَّموا مني. لاني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم. لان نيري هيّن وحملي خفيف.» — متى ١١:٢٨-٣٠.
عند صنع العجائب، كاخراج الشياطين، لم ينسب يسوع الفضل الى نفسه لكنه اعترف بشكل علني انه انجز امورا كهذه «بروح اللّٰه.» (متى ١٢:٢٨) ومع انه تمكن من نيل انتباه الحاضرين الى حدّ انهم «بُهتوا من تعليمه،» فانه لم يطلب المجد لنفسه. (لوقا ٤:٣٢) وبالاحرى قال: «تعليمي ليس لي بل للذي ارسلني.» — يوحنا ٧:١٦.
يحاول المسيحيون الحقيقيون اليوم ان يُظهروا الاتضاع نفسه. مثلا، عند تعليم الآخرين لا يلفتون الانتباه الى انفسهم. وبالاحرى يسرعون الى اعطاء الفضل ليهوه وهيئته في اية مقدرة لديهم على نقل رسالة كلمة اللّٰه. «اي شيء لك لم تأخذه،» يسأل الرسول بولس. — ١ كورنثوس ٤:٧.
وكان اتضاع يسوع يُرى ايضا في كونه مستعدا لاجتياز آلاف الاميال، لا في مركبة، بل سيرا على القدمين ككارز جائل. وفي احدى المناسبات تعب هو وتلاميذه حتى احتاجوا الى ان ‹يستريحوا قليلا.› ومع ذلك عندما وصل جمع كثير، جائع للتشجيع الروحي، نسي يسوع تعبه و «ابتدأ يعلّمهم كثيرا.» — مرقس ٦:٣١-٣٤.
في ليسوتو، افريقيا، اظهر مؤخرا خادم جائل من شهود يهوه (يُدعى ناظر دائرة) مع رفيقين روحا مماثلة. لقد مشوا مدة ٢٢ ساعة في منطقة جبلية لكي يزوروا بضعة رفقاء مسيحيين منعزلين. واذ كانوا مرهقين من السفر قرَّر ناظر الدائرة ان يستريح في اليوم التالي. ولكنّ جمعا كبيرا اتى ليرحِّب به ويسأل اسئلة حتى انه، رغم كونه منهكا، نهض وعلَّمهم عن بشارة الملكوت. والتجاوب كان مشجعا حتى ان المسافرين المرهقين شعروا بأنه جرت مكافأتهم كثيرا على جهودهم.
اقتدوا به!
يشجعنا الرسول بولس ان ننظر «الى رئيس الايمان ومكمِّله يسوع.» (عبرانيين ١٢:٢) ويمكننا ذلك بقراءة روايات الاناجيل قانونيا والتأمل في طرائق يمكننا بها ان نقتدي بالمسيح. مثلا، اظهر يسوع شجاعة عندما شجب الرياء والبر الذاتي للقادة الدينيين، مع انه عرف انهم يكرهونه وسيقتلونه. (متى ٢٣:١-٣٦؛ ٢٦:٣، ٤) وحافظ على الهدوء وضبط النفس تحت الهجوم. (١ بطرس ٢:٢٣) وفي تعليمه ابدى تفهُّما للطبيعة البشرية والقدرة على التعبير عن حقائق عميقة بلغة بسيطة.
ولكنّ عطية يسوع الابرز كانت محبته. «ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه.» (يوحنا ١٥:١٣) حتى انه اضاف بعدا جديدا الى كلمة المحبة بقوله لنا ان نحب اعداءنا. — متى ٥:٤٣-٤٨.
كم كان يسوع مثالا ساميا لنا! والاقتداء به ليس سهلا، وقد نتعثر من وقت الى آخر. ولكن لا يجب ان نستسلم ابدا. (غلاطية ٦:٩) لان هنالك ملايين ممن يحاولون بنجاح ان يتبعوا يسوع. والشخص نفسه الذي جلب لكم هذه المجلة هو دون شك بينهم ويسعده جدا ان يساعدكم ايضا لتتَّبعوا خطوات يسوع — بدقة!
[النبذة في الصفحة ٥]
حتى كحدث، اظهر يسوع اهتماما شديدا بالامور الروحية. فهل تقتدون به من هذا القبيل؟
[النبذة في الصفحة ٦]
رفض المسيح مهنة عالمية لمصلحة الخدمة
-