فِي غُضُونِ ذٰلِكَ،‏ تَكُونُ ٱلنِّسَاءُ ٱلْأُخْرَيَاتُ فِي طَرِيقِهِنَّ إِلَى ٱلتَّلَامِيذِ لِإِخْبَارِهِمْ أَنَّ يَسُوعَ أُقِيمَ.‏ وَفِيمَا هُنَّ يَرْكُضْنَ،‏ إِذَا بِيَسُوعَ يُلَاقِيهِنَّ.‏ فَيَقُولُ لَهُنَّ أَلَّا يَخَفْنَ بَلْ أَنْ يَذْهَبْنَ وَيَطْلُبْنَ مِنْ تَلَامِيذِهِ مُوَافَاتَهُ إِلَى ٱلْجَلِيلِ.‏ —‏ متى ٢٨:‏​٩،‏ ١٠؛‏ لوقا ٢٤:‏​٨-‏١٠‏.‏

ثُمَّ تَلْتَفِتُ إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَتَرَى شَخْصًا آخَرَ يُكَرِّرُ عَلَيْهَا سُؤَالَ ٱلْمَلَاكَيْنِ،‏ وَيُضِيفُ:‏ «عَمَّنْ تُفَتِّشِينَ؟‏».‏ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ مُفْتَكِرَةً أَنَّهُ ٱلْبُسْتَانِيُّ:‏ «يَا سَيِّدُ،‏ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ذَهَبْتَ بِهِ،‏ فَأَخْبِرْنِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ،‏ وَأَنَا آخُذُهُ».‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏​١٣-‏١٥‏.‏

لَيْسَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ سِوَى يَسُوعَ ٱلْمُقَامِ!‏ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُمَيِّزُهُ عَلَى ٱلْفَوْرِ.‏ وَلٰكِنْ حِينَ يُنَادِيهَا:‏ «مَرْيَمُ!‏» تَعْلَمُ أَنَّهُ يَسُوعُ،‏ فَهٰذِهِ هِيَ طَرِيقَتُهُ فِي مُخَاطَبَتِهَا.‏ فَتَهْتِفُ فَرِحَةً:‏ ‏«رَابُّونِي!‏»‏ (‏اَلَّذِي يَعْنِي:‏ «يَا مُعَلِّمُ!‏»)‏.‏ ثُمَّ تَتَمَسَّكُ بِهِ ظَنًّا مِنْهَا أَنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ.‏ فَيَطْلُبُ مِنْهَا:‏ «كُفِّي عَنِ ٱلتَّمَسُّكِ بِي.‏ فَإِنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى ٱلْآبِ.‏ وَلٰكِنِ ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:‏ ‹إِنِّي صَاعِدٌ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَى إِلٰهِي وَإِلٰهِكُمْ›».‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏​١٦،‏ ١٧‏.‏

فَتَهْرَعُ إِلَى حَيْثُ ٱلرُّسُلُ وَٱلتَّلَامِيذُ ٱلْآخَرُونَ مُجْتَمِعُونَ وَتَقُولُ لَهُمْ:‏ «إِنِّي رَأَيْتُ ٱلرَّبَّ!‏»،‏ فَتُثَنِّي بِقَوْلِهَا هٰذَا عَلَى شَهَادَةِ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأُخْرَيَاتِ.‏ (‏يوحنا ٢٠:‏١٨‏)‏ لٰكِنَّ ذٰلِكَ يَبْدُو لَهُمْ «كَٱلْهَذَيَانِ».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏١١‏.‏

إِنَّهُ يَوْمُ ٱلْأَحَدِ ١٦ نِيسَانَ ٱلْقَمَرِيِّ وَمَعْنَوِيَّاتُ ٱلتَّلَامِيذِ فِي ٱلْحَضِيضِ.‏ فَهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا بَعْدُ لِمَ ٱلْقَبْرُ فَارِغٌ.‏ (‏متى ٢٨:‏​٩،‏ ١٠؛‏ لوقا ٢٤:‏١١‏)‏ وَفِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ نَفْسِهِ،‏ يُغَادِرُ كِلْيُوبَاسُ وَتِلْمِيذٌ آخَرُ أُورُشَلِيمَ بِٱتِّجَاهِ عِمْوَاسَ ٱلَّتِي تَبْعُدُ حَوَالَيْ ١١ كِيلُومِتْرًا.‏

وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ يَتَنَاقَشَانِ فِي مَا حَدَثَ،‏ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمَا شَخْصٌ غَرِيبٌ وَيَسْأَلُهُمَا:‏ «مَا هٰذِهِ ٱلْأُمُورُ ٱلَّتِي تَتَبَاحَثَانِ فِيهَا وَأَنْتُمَا تَمْشِيَانِ؟‏».‏ فَيَرُدُّ كِلْيُوبَاسُ:‏ «أَمُتَغَرِّبٌ أَنْتَ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ فَلَا تَعْرِفَ مَا حَدَثَ فِيهَا فِي هٰذِهِ ٱلْأَيَّامِ؟‏».‏ فَيَسْأَلُ ٱلْغَرِيبُ:‏ «وَمَا هُوَ؟‏».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏​١٧-‏١٩‏.‏

فَيَقُولَانِ:‏ «مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ .‏ .‏ .‏ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ ٱلَّذِي سَيُنْقِذُ إِسْرَائِيلَ».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏​١٩-‏٢١‏.‏

وَيَرُوحُ كِلْيُوبَاسُ وَرَفِيقُهُ يَرْوِيَانِ أَحْدَاثَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ نَفْسِهِ.‏ فَيَذْكُرَانِ أَنَّ بَعْضَ ٱلنِّسَاءِ ذَهَبْنَ إِلَى ٱلْقَبْرِ حَيْثُ دُفِنَ يَسُوعُ وَوَجَدْنَهُ فَارِغًا،‏ وَأَنَّهُنَّ شَهِدْنَ بِأُمِّ أَعْيُنِهِنَّ مَنْظَرًا فَوْقَ ٱلطَّبِيعَةِ.‏ فَقَدْ تَرَاءَى لَهُنَّ مَلَائِكَةٌ قَالُوا لَهُنَّ إِنَّ يَسُوعَ حَيٌّ‏.‏ وَيُضِيفَانِ أَنَّ آخَرِينَ أَيْضًا قَصَدُوا ٱلْقَبْرَ «فَوَجَدُوهُ هٰكَذَا كَمَا قَالَتِ ٱلنِّسَاءُ».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏٢٤‏.‏

وَاضِحٌ أَنَّ ٱلتِّلْمِيذَيْنِ وَاقِعَانِ فِي حَيْرَةٍ.‏ فَيَرُدُّ ٱلْغَرِيبُ بِسُلْطَةٍ مُصَوِّبًا تَفْكِيرَهُمَا ٱلْخَاطِئَ ٱلَّذِي يَنْعَكِسُ عَلَى قَلْبَيْهِمَا:‏ «أَيُّهَا ٱلْغَبِيَّانِ وَٱلْبَطِيئَا ٱلْقُلُوبِ فِي ٱلْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلْأَنْبِيَاءُ!‏ أَمَا كَانَ عَلَى ٱلْمَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ هٰذَا وَيَدْخُلَ إِلَى مَجْدِهِ؟‏».‏ (‏لوقا ٢٤:‏​٢٥،‏ ٢٦‏)‏ وَيُتَابِعُ مُفَسِّرًا لَهُمَا آيَاتٍ كَثِيرَةً عَنِ ٱلْمَسِيحِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ.‏

وَأَخِيرًا يَصِلُ ٱلثَّلَاثَةُ قُرْبَ عِمْوَاسَ.‏ وَإِذْ يَرْغَبُ ٱلتِّلْمِيذَانِ فِي سَمَاعِ ٱلْمَزِيدِ،‏ يُلِحَّانِ عَلَى ٱلْغَرِيبِ:‏ «اُمْكُثْ مَعَنَا،‏ لِأَنَّهُ نَحْوُ ٱلْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ ٱلنَّهَارُ».‏ فَيَبْقَى مَعَهُمَا وَيَأْكُلُونَ سَوِيَّةً.‏ وَعِنْدَمَا يَتْلُو صَلَاةً وَيَكْسِرُ ٱلْخُبْزَ وَيُعْطِيهِمَا،‏ يَعْرِفَانِهِ وَإِذَا بِهِ يَخْتَفِي.‏ (‏لوقا ٢٤:‏​٢٩-‏٣١‏)‏ عِنْدَئِذٍ يَتَأَكَّدَانِ مِئَةً فِي ٱلْمِئَةِ أَنَّ يَسُوعَ حَيٌّ.‏

فَيَقُولَانِ بِحَمَاسَةٍ:‏ «أَلَمْ تَكُنْ قُلُوبُنَا مُتَّقِدَةً إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيَشْرَحُ لَنَا ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ؟‏».‏ (‏لوقا ٢٤:‏٣٢‏)‏ ثُمَّ يُسْرِعَانِ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ يَجِدَانِ ٱلرُّسُلَ وَآخَرِينَ مَعَهُمْ.‏ وَقَبْلَ أَنْ يُفْرِغَا مَا فِي جَعْبَتِهِمَا مِنْ أَخْبَارٍ،‏ يَسْمَعَانِ ٱلْآخَرِينَ يَقُولُونَ:‏ «بِٱلْحَقِيقَةِ أُقِيمَ ٱلرَّبُّ وَتَرَاءَى لِسِمْعَانَ!‏».‏ (‏لوقا ٢٤:‏٣٤‏)‏ فَيَرْوِيَانِ كَيْفَ ظَهَرَ لَهُمَا يَسُوعُ هُمَا أَيْضًا وَرَأَيَاهُ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ.‏

وَلٰكِنْ يَحْصُلُ ٱلْآنَ مَا يَصْعَقُهُمْ جَمِيعًا:‏ فَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ يَظْهَرُ لَهُمْ فِي ٱلْغُرْفَةِ وَيَقِفُ فِي وَسْطِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ أَغْلَقُوا ٱلْأَبْوَابَ خَوْفًا مِنَ ٱلْيَهُودِ!‏ يَقُولُ لَهُمْ بِهُدُوءٍ:‏ «سَلَامٌ لَكُمْ!‏».‏ لٰكِنَّهُمْ يَظَلُّونَ مُرْتَاعِينَ.‏ فَكَمَا مِنْ قَبْلُ ‹يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ رُوحًا›.‏ —‏ لوقا ٢٤:‏​٣٦،‏ ٣٧؛‏ متى ١٤:‏​٢٥-‏٢٧‏.‏

غَيْرَ أَنَّ مَا يُبْصِرُونَهُ لَيْسَ خَيَالًا وَعُيُونَهُمْ لَا تَخْدَعُهُمْ.‏ وَكَيْ يُبَرْهِنَ لَهُمْ يَسُوعُ أَنَّ لَدَيْهِ جَسَدًا لَحْمِيًّا،‏ يُرِيهِمْ يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَيَقُولُ:‏ «لِمَ أَنْتُمْ مُضْطَرِبُونَ،‏ وَلِمَ تُسَاوِرُ ٱلشُّكُوكُ قُلُوبَكُمْ؟‏ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَقَدَمَيَّ،‏ هٰذَا أَنَا بِنَفْسِي.‏ جُسُّونِي وَٱنْظُرُوا،‏ لِأَنَّ ٱلرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي».‏ (‏لوقا ٢٤:‏​٣٦-‏٣٩‏)‏ فَيَغْمُرُهُمُ ٱلْفَرَحُ وَٱلْعَجَبُ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ لَا تَزَالُ تُسَاوِرُهُمْ بَعْضُ ٱلشُّكُوكِ.‏

فَيُحَاوِلُ مُجَدَّدًا إِقْنَاعَهُمْ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ.‏ فَيَسْأَلُهُمْ:‏ «هَلْ عِنْدَكُمْ هُنَا مَا يُؤْكَلُ؟‏».‏ فَيَأْكُلُ قِطْعَةً مِنَ ٱلسَّمَكِ ٱلْمَشْوِيِّ،‏ ثُمَّ يَقُولُ:‏ «هٰذَا هُوَ كَلَامِي ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ إِذْ كُنْتُ بَعْدُ مَعَكُمْ [قَبْلَ مَوْتِي]،‏ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي شَرِيعَةِ مُوسَى وَفِي ٱلْأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِيرِ».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏​٤١-‏٤٤‏.‏

وَمِثْلَمَا سَاعَدَ يَسُوعُ كِلْيُوبَاسَ وَرَفِيقَهُ عَلَى فَهْمِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ،‏ كَذٰلِكَ يَفْعَلُ ٱلْآنَ مَعَ كُلِّ ٱلْمُجْتَمِعِينَ.‏ فَيَقُولُ:‏ «هٰكَذَا مَكْتُوبٌ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنْ بَيْنِ ٱلْأَمْوَاتِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ،‏ وَبِٱسْمِهِ يُكْرَزُ بِٱلتَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا فِي جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ.‏ اِبْتِدَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ،‏ سَتَكُونُونَ شُهُودًا لِذٰلِكَ».‏ —‏ لوقا ٢٤:‏​٤٦-‏٤٨‏.‏

وَلِسَبَبٍ مَا،‏ لَا يَحْضُرُ ٱلرَّسُولُ تُومَا هٰذَا ٱلِٱجْتِمَاعَ.‏ فَيُخْبِرُهُ ٱلْآخَرُونَ بِفَرَحٍ لَاحِقًا:‏ «لَقَدْ رَأَيْنَا ٱلرَّبَّ!‏».‏ لٰكِنَّهُ يُجِيبُ:‏ «مَا لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ ٱلْمَسَامِيرِ،‏ وَأَضَعْ إِصْبَعِي فِي أَثَرِ ٱلْمَسَامِيرِ،‏ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ،‏ فَإِنِّي لَا أُومِنُ».‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏٢٥‏.‏

وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ،‏ يَجْتَمِعُ ٱلتَّلَامِيذُ مُجَدَّدًا وَرَاءَ أَبْوَابٍ مُقْفَلَةٍ،‏ وَلٰكِنْ بِحُضُورِ تُومَا هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ.‏ فَيَظْهَرُ يَسُوعُ فِي وَسْطِهِمْ بِجَسَدٍ لَحْمِيٍّ وَيُحَيِّيهِمْ قَائِلًا:‏ «سَلَامٌ لَكُمْ!‏».‏ ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى تُومَا وَيَقُولُ:‏ «ضَعْ إِصْبَعَكَ هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ،‏ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي،‏ وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ،‏ بَلْ مُؤْمِنًا».‏ فَيَهْتِفُ تُومَا:‏ «رَبِّي وَإِلٰهِي!‏».‏ (‏يوحنا ٢٠:‏​٢٦-‏٢٨‏)‏ فَهُوَ ٱلْآنَ مُقْتَنِعٌ تَمَامَ ٱلِٱقْتِنَاعِ أَنَّ يَسُوعَ حَيٌّ كَمَخْلُوقٍ رُوحَانِيٍّ قَدِيرٍ يُمَثِّلُ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ.‏

فَيَقُولُ يَسُوعُ:‏ «لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْتَ؟‏ سُعَدَاءُ هُمُ ٱلَّذِينَ لَا يَرَوْنَ وَمَعَ ذٰلِكَ يُؤْمِنُونَ».‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏٢٩‏.‏

قَالَ يَسُوعُ لِرُسُلِهِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مَعَهُمْ:‏ «بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ».‏ (‏متى ٢٦:‏٣٢؛‏ ٢٨:‏​٧،‏ ١٠‏)‏ لِذَا يَتَوَجَّهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ لِمُوَافَاتِهِ.‏ وَلٰكِنْ مَاذَا عَسَاهُمْ يَفْعَلُونَ هُنَاكَ؟‏

يَقُولُ بُطْرُسُ لِسِتَّةٍ مِنَ ٱلرُّسُلِ:‏ «أَنَا ذَاهِبٌ لِلصَّيْدِ».‏ فَيَرُدُّونَ جَمِيعًا:‏ «نَحْنُ أَيْضًا آتُونَ مَعَكَ».‏ (‏يوحنا ٢١:‏٣‏)‏ لٰكِنَّهُمْ لَا يَتَصَيَّدُونَ شَيْئًا طَوَالَ ٱللَّيْلِ.‏ وَمَعَ بُزُوغِ ٱلْفَجْرِ،‏ يَتَرَاءَى يَسُوعُ عَلَى ٱلشَّاطِئِ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُمَيِّزُونَهُ.‏ فَيُنَادِي:‏ «يَا غِلْمَانُ،‏ أَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ لِلْأَكْلِ؟‏».‏ فَيُجِيبُونَ:‏ «لَا».‏ عِنْدَئِذٍ يَقُولُ:‏ «أَلْقُوا ٱلشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ ٱلْمَرْكَبِ ٱلْأَيْمَنِ فَتَجِدُوا».‏ (‏يوحنا ٢١:‏​٥،‏ ٦‏)‏ فَيَلْتَقِطُونَ سَمَكًا كَثِيرًا لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ يَعْجَزُونَ عَنْ سَحْبِ ٱلشَّبَكَةِ.‏

فَيَقُولُ يُوحَنَّا لِبُطْرُسَ:‏ «إِنَّهُ ٱلرَّبُّ!‏».‏ (‏يوحنا ٢١:‏٧‏)‏ وَفَوْرًا يَرْتَدِي بُطْرُسُ ثَوْبَهُ ٱلْفَوْقَانِيَّ وَيَرْمِي نَفْسَهُ فِي ٱلْبَحْرِ وَيَسْبَحُ حَوَالَيْ ٩٠ مِتْرًا نَحْوَ ٱلشَّاطِئِ.‏ أَمَّا ٱلتَّلَامِيذُ فَيَلْحَقُونَ بِهِ عَلَى مَهْلٍ بِٱلْمَرْكَبِ وَهُمْ يَجُرُّونَ ٱلشَّبَكَةَ ٱلْمَلِيئَةَ بِٱلسَّمَكِ.‏

وَحِينَ يَطَأُونَ ٱلْبَرَّ،‏ يَرَوْنَ «جَمْرًا .‏ .‏ .‏ وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ،‏ وَخُبْزًا».‏ فَيَقُولُ لَهُمْ يَسُوعُ:‏ «أَحْضِرُوا مِنَ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُمُ ٱلْآنَ».‏ فَيَجْذِبُ بُطْرُسُ ٱلشَّبَكَةَ ٱلَّتِي تَحْمِلُ ١٥٣ سَمَكَةً كَبِيرَةً.‏ فَيَدْعُوهُمْ يَسُوعُ:‏ «تَعَالَوْا تَنَاوَلُوا فُطُورَكُمْ».‏ وَلَا يَجْرُؤُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَسْأَلَهُ:‏ «مَنْ أَنْتَ؟‏»،‏ عَالِمِينَ أَنَّهُ يَسُوعُ.‏ (‏يوحنا ٢١:‏​٩-‏١٢‏)‏ وَهٰذِهِ ثَالِثُ مَرَّةٍ يَظْهَرُ فِيهَا لِتَلَامِيذِهِ كَمَجْمُوعَةٍ.‏

يُعْطِي يَسُوعُ كُلًّا مِنْهُمْ بَعْضًا مِنَ ٱلْخُبْزِ وَٱلسَّمَكِ.‏ ثُمَّ يَسْأَلُ،‏ نَاظِرًا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ نَحْوَ صَيْدِهِمِ ٱلْوَفِيرِ:‏ «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُوحَنَّا،‏ أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلَاءِ؟‏».‏ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى،‏ هَلْ بُطْرُسُ مُتَعَلِّقٌ بِصَيْدِ ٱلسَّمَكِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْعَمَلِ ٱلَّذِي يُوكِلُهُ إِلَيْهِ يَسُوعُ؟‏ يُجِيبُ:‏ «نَعَمْ،‏ يَا رَبُّ،‏ أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ عِنْدِي لَكَ مَوَدَّةً».‏ فَيَحُضُّهُ يَسُوعُ:‏ «أَطْعِمْ حُمْلَانِي».‏ —‏ يوحنا ٢١:‏١٥‏.‏

ثُمَّ يَسْأَلُهُ ثَانِيَةً:‏ «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُوحَنَّا،‏ أَتُحِبُّنِي؟‏».‏ وَلَعَلَّ ٱلرَّسُولَ يَتَحَيَّرُ مِنْ تَكْرَارِ ٱلسُّؤَالِ،‏ لٰكِنَّهُ يُجِيبُ بِصِدْقٍ:‏ «نَعَمْ،‏ يَا رَبُّ،‏ أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ عِنْدِي لَكَ مَوَدَّةً».‏ فَيَرُدُّ بِجَوَابٍ مُشَابِهٍ:‏ «اِرْعَ خِرَافِي ٱلصَّغِيرَةَ».‏ —‏ يوحنا ٢١:‏١٦‏.‏

وَمَرَّةً ثَالِثَةً يَسْأَلُهُ:‏ «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُوحَنَّا،‏ أَعِنْدَكَ مَوَدَّةٌ لِي؟‏».‏ وَلَرُبَّمَا يَتَسَاءَلُ بُطْرُسُ ٱلْآنَ هَلْ يُشَكِّكُ يَسُوعُ فِي وَلَائِهِ.‏ فَيُعَبِّرُ بِكُلِّ ثِقَةٍ:‏ «يَا رَبُّ،‏ أَنْتَ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ.‏ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عِنْدِي لَكَ مَوَدَّةً».‏ فَيُسَلِّطُ يَسُوعُ ٱلضَّوْءَ مُجَدَّدًا عَلَى مَطْلَبِهِ:‏ «أَطْعِمْ خِرَافِي ٱلصَّغِيرَةَ».‏ (‏يوحنا ٢١:‏١٧‏)‏ فَمَنْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلْقِيَادَةَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدُمُوا خِرَافَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي يَجْذِبُهَا إِلَى حَظِيرَتِهِ.‏

لَقَدْ قُيِّدَ يَسُوعُ وَأُعْدِمَ لِأَنَّهُ أَنْجَزَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي فُوِّضَ إِلَيْهِ.‏ وَهُوَ يَكْشِفُ ٱلْآنَ أَنَّ بُطْرُسَ سَيُوَاجِهُ مَصِيرًا مُشَابِهًا،‏ قَائِلًا:‏ «لَمَّا كُنْتَ أَصْغَرَ سِنًّا،‏ كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَتَجَوَّلُ حَيْثُ تُرِيدُ.‏ وَلٰكِنَّكَ مَتَى شِخْتَ سَتَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لَا تُرِيدُ».‏ مَعَ ذٰلِكَ يَحُثُّهُ:‏ «اِسْتَمِرَّ فِي ٱتِّبَاعِي».‏ —‏ يوحنا ٢١:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏

فَيَلْتَفِتُ بُطْرُسُ وَيَرَى يُوحَنَّا،‏ فَيَسْأَلُ:‏ «يَا رَبُّ،‏ وَهٰذَا مَاذَا سَيَفْعَلُ؟‏»،‏ أَيْ مَاذَا يُخَبِّئُ ٱلْمُسْتَقْبَلُ لِلَّذِي حَظِيَ بِمَوَدَّةٍ خَاصَّةٍ عِنْدَ مُعَلِّمِهِ.‏ فَيُجِيبُ يَسُوعُ:‏ «إِنْ كَانَتْ مَشِيئَتِي أَنْ يَبْقَى إِلَى أَنْ أَجِيءَ،‏ فَمَا لَكَ؟‏».‏ (‏يوحنا ٢١:‏​٢١-‏٢٣‏)‏ إِذًا عَلَى بُطْرُسَ أَنْ يَتْبَعَ يَسُوعَ دُونَ أَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بِٱلْآخَرِينَ.‏ وَيُوحَنَّا،‏ وَفْقًا لِيَسُوعَ،‏ سَيَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ بَاقِي ٱلرُّسُلِ وَيُعْطَى رُؤْيَا عَنْ مَجِيءِ ٱلْمَسِيحِ فِي سُلْطَةِ ٱلْمَلَكُوتِ.‏