-
رسالتان من السماءاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١
رسالتان من السماء
كامل الكتاب المقدس انما هو رسالة من السماء، اذ زوَّده ابونا السماوي لاجل ارشادنا. إلا ان رسالتين خصوصيتين جرى نقلهما منذ ٠٠٠,٢ سنة تقريبا بواسطة ملاك «واقف قدام اللّٰه.» واسمه جبرائيل. دعونا نفحص ظروف هاتين الزيارتين المهمتين الى الارض.
السنة هي ٣ قبل الميلاد. وفي تلال اليهودية، ربما ليس بعيدا عن اورشليم، يعيش كاهن ليهوه اسمه زكريا. لقد شاخ، وكذلك زوجته اليصابات. وليس لديهما اولاد. يأخذ زكريا دوره في الخدمة الكهنوتية في هيكل يهوه في اورشليم. وفجأة يظهر جبرائيل عن يمين مذبح البخور.
يخاف زكريا خوفا شديدا. ولكنّ جبرائيل يهدئ مخاوفه، قائلا، «لا تخف يا زكريا لان طلبتك قد سُمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا.» ويمضي جبرائيل معلنا ان يوحنا «يكون عظيما امام الرب» وانه «يهيئ للرب شعبا مستعدا.»
لكنّ زكريا لم يستطع ان يصدِّق ذلك. فيبدو مستحيلا جدا ان يتمكن هو واليصابات من ان ينجبا طفلا في هذا العمر. لذلك يقول له جبرائيل: «تكون صامتا ولا تقدر ان تتكلم الى اليوم الذي يكون فيه هذا لانك لم تصدِّق كلامي.»
وفي غضون ذلك يتعجب الشعب في الخارج من ابطاء زكريا في الهيكل. وعندما يخرج اخيرا لا يستطيع ان يتكلم بل ان يومئ فقط بيديه، فيفهمون أنه قد رأى شيئا فوق الطبيعة.
بعد ان ينهي زكريا فترة خدمته في الهيكل يرجع الى بيته. وبعد وقت قليل يحدث ذلك فعلا — تصبح اليصابات حُبلى! وبينما تنتظر اليصابات ولادة طفلها تبقى في البيت بعيدا عن الناس خمسة اشهر.
وفي ما بعد يظهر جبرائيل ثانية. والى مَن يتكلم؟ الى عذراء اسمها مريم من مدينة الناصرة. فأية رسالة ينقلها هذه المرة؟ اسمعوا! «وجدتِ نعمة عند اللّٰه،» يقول جبرائيل لمريم. «وها انتِ ستحبلين وتلدين ابنا وتسمِّينه يسوع.» ويضيف جبرائيل: «هذا يكون عظيما وابن العليّ يدعى . . . ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية.»
يمكننا ان نتأكد ان جبرائيل حسبه امتيازا ان ينقل هاتين الرسالتين. واذ نقرأ اكثر عن يوحنا ويسوع، سنرى باكثر وضوح لماذا هاتان الرسالتان من السماء مهمتان للغاية. ٢ تيموثاوس ٣:١٦؛ لوقا ١:٥-٣٣.
▪ اية رسالتين مهمتين يجري نقلهما من السماء؟
▪ مَن ينقل الرسالتين، والى مَن يجري نقلهما؟
▪ لماذا يصعب تصديق الرسالتين؟
-
-
مكرَّم قبل ان يولداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢
مكرَّم قبل ان يولد
بعد ان يقول الملاك جبرائيل للمرأة الشابة مريم انها ستلد ابنا ذكرا يصير ملكا ابديا، تسأل مريم: «كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا.»
فيوضح جبرائيل: «الروح القدس يحلُّ عليك وقوة العليّ تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن اللّٰه.»
ولمساعدة مريم على تصديق رسالته، يتابع جبرائيل: «وهوذا اليصابات نسيبتك هي ايضا حُبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا. لانه ليس شيء غير ممكن لدى اللّٰه.»
تقبل مريم كلام جبرائيل. وماذا يكون جوابها؟ «هوذا انا أَمَةُ الرب،» تعلن بقوة. «ليكن لي كقولك.»
بعد ان يغادر جبرائيل بوقت قصير تتأهب مريم وتذهب لزيارة اليصابات، التي تعيش مع زوجها، زكريا، في منطقة اليهودية الجبلية. ومن بيت مريم في الناصرة، هذه هي رحلة طويلة ربما لثلاثة او اربعة ايام.
عندما تصل مريم اخيرا الى بيت زكريا تدخل وتسلِّم. وعندئذ تمتلئ اليصابات من الروح القدس وتقول لمريم: «مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن اين لي هذا ان تأتي امّ ربي اليَّ. فهوذا حين صار صوتُ سلامك في اذنيَّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني.»
عند سماع ذلك تجيب مريم بشكرٍ قلبيّ: «تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي باللّٰه مخلِّصي. لانه نظر الى اتضاع أَمَته. فهوذا منذ الآن جميع الاجيال تطوبني. لان القدير صنع بي عظائم.» وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من الحظوة التي يجري اظهارها لها، توجِّه مريم كل الاكرام الى يهوه. «اسمه قدوس،» تقول، «ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه.»
وتتابع مريم حمدها للّٰه في ترنيمة نبوية موحى بها، اذ تعلن: «صنع قوة بذراعه. شتت المستكبرين بفكر قلوبهم. انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين. عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم آباءنا. لابرهيم ونسله الى الابد.»
وتمكث مريم عند اليصابات نحو ثلاثة اشهر، وتكون دون شك عونا كبيرا في اثناء هذه الاسابيع الاخيرة من حبل اليصابات. وهو شيء حسن فعلا ان تكون هاتان المرأتان المؤمنتان معا، وكلتاهما تحمل ابنا بعون اللّٰه، في هذا الوقت المبارك من حياتهما!
هل لاحظتم التكريم الذي أُعطي ليسوع حتى قبل ان يولد؟ فقد دعته اليصابات «ربي،» وارتكض ابنها غير المولود بابتهاج عندما ظهرت مريم اولا. ومن ناحية اخرى، عامل آخرون مريم وابنها الذي سيولد بعدُ بقليل من الاحترام، كما سنرى. لوقا ١:٢٦-٥٦.
▪ ماذا يقول جبرائيل لمساعدة مريم لتفهم كيف ستصبح حُبلى؟
▪ كيف جرى تكريم يسوع قبل ان يولد؟
▪ ماذا تقول مريم في ترنيمة نبوية حمدا للّٰه؟
▪ لكم من الزمن تمكث مريم عند اليصابات، ولماذا يكون ملائما ان تمكث مريم عند اليصابات في اثناء هذا الوقت؟
-
-
ممهِّد الطريق يولداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣
ممهِّد الطريق يولد
ان اليصابات على وشك ان تلد طفلها. وطوال هذه الاشهر الثلاثة الماضية مكثت مريم عندها. أما الآن فيحين لمريم ان تقول وداعا وتقوم برحلتها الطويلة الى بيتها في الناصرة. وفي خلال ستة اشهر تقريبا ستلد هي ايضا طفلا.
بعد ان تغادر مريم بوقت قصير تلد اليصابات. ويا للفرح الذي ينشأ اذ تكون الولادة ناجحة واليصابات والطفل بصحة جيدة! وعندما تري اليصابات الصغير لجيرانها واقربائها يفرحون جميعهم معها.
وفي اليوم الثامن من ولادته، بحسب شريعة اللّٰه، يجب ان يختن المولود الذكر في اسرائيل. واحتفاء بهذه المناسبة يأتي الاصدقاء والاقرباء للزيارة. فيقولون ان الصبي يجب ان يسمى باسم ابيه، زكريا. لكنّ اليصابات تتكلم جهارا. فتقول: «لا بل يسمى يوحنا.» تذكَّروا، هذا هو الاسم الذي قال الملاك جبرائيل انه يجب ان يسمى به الطفل.
لكنّ اصدقاءهما يحتجون: «ليس احد في عشيرتك تسمى بهذا الاسم.» ثم، باستخدام لغة الاشارة يسألون ماذا يريد ابوه ان يسمي الصبي. واذ يطلب لوحا، يكتب زكريا، لدهشة الجميع: «اسمه يوحنا.»
وفي الحال يسترد زكريا بأعجوبة قدرته على التكلم. وتذكرون انه فقد قدرته على التكلم حين لم يصدِّق اعلان الملاك ان اليصابات ستلد طفلا. حسنا، حينما يتكلم زكريا يندهش جميع الساكنين في الجوار فيقولون لانفسهم: «أترى ماذا يكون هذا الصبي.»
فيمتلئ زكريا الآن من الروح القدس، ويتهلل: «مبارك الرب اله اسرائيل لانه افتقد وصنع فداء لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه.» و ‹قرن الخلاص› هذا، طبعا، هو الرب يسوع، الذي سيولد بعد. وبواسطته يقول زكريا ان اللّٰه «يعطينا اننا بلا خوف منقذين من ايدي اعدائنا نعبده بقداسة وبر قدامه جميع ايام حياتنا.»
ثم يتنبأ زكريا عن ابنه: «وأنت ايها الصبي نبي العلي تدعى لانك تتقدم امام وجه الرب لتعد طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم بأحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي اقدامنا في طريق السلام.»
وفي هذه الاثناء وصلت مريم، التي لا تزال كما يتضح فتاة غير متزوجة، الى بيتها في الناصرة. فماذا سيحدث لها عندما يتبيَّن انها حُبلى؟ لوقا ١:٥٦-٨٠؛ لاويين ١٢:٢، ٣.
▪ بكم يكبر يوحنا يسوع؟
▪ اية امور تحدث عندما يكون عمر يوحنا ثمانية ايام؟
▪ كيف لفت اللّٰه انتباهه الى شعبه؟
▪ اي عمل يجري التنبؤ ان يوحنا سيقوم به؟
-
-
حُبلى لكنها غير متزوجةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤
حُبلى لكنها غير متزوجة
مريم في الشهر الثالث من حبلها. انكم تذكرون انها قضت الجزء الباكر من حبلها في زيارة اليصابات، لكنها الآن عادت الى البيت في الناصرة. وقريبا ستُعرف حالتها في بلدتها. انها حقا في حالة مؤلمة!
وما يجعل الحالة اسوأ هو ان مريم مخطوبة لتصبح زوجة النجار يوسف. وهي تعلم انه، تحت ناموس اللّٰه لاسرائيل، تُرجم حتى الموت المرأة التي تكون مخطوبة لرجل لكنها تمارس طوعا علائق جنسية مع رجل آخر. فكيف يمكنها شرح حبلها ليوسف؟
بما ان مريم غابت ثلاثة اشهر، يمكننا ان نتاكد ان يوسف مشتاق الى رؤيتها. وعند لقائهما تُبلغه مريم على الارجح الخبر. وربما تبذل اقصى جهدها لتوضح انها حُبلى بواسطة روح اللّٰه القدوس. ولكنّ ذلك، كما يمكن ان تتصوروا، شيء يصعب جدا على يوسف ان يصدِّقه.
يعرف يوسف صيت مريم الحسن. ومن الواضح انه يحبها كثيرا. ولكن، رغم ما تدَّعيه، يظهر حقا انها حُبلى من رجل ما. ومع ذلك، لا يريد يوسف ان تُرجم حتى الموت او ان يجري فضحها علانيةً. لذلك يُقرر ان يطلِّقها سرا. ففي تلك الايام كان الاشخاص المخطوبون يُعتبرون كأنهم متزوجون، وكان يلزم الطلاق لانهاء الخطبة.
وفي ما بعد، بينما يوسف لا يزال يتأمل في هذه الامور، يذهب لينام. فيظهر له ملاك يهوه في حلم ويقول: «لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك. لانّ الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لانه يُخلص شعبه من خطاياهم.»
وعندما يستيقظ يوسف، كم يكون شاكرا! ودون توانٍ يفعل تماما كما ارشده الملاك. فيأخذ مريم الى بيته. ان هذا الاجراء العلني يخدم في الواقع كمراسم زواج، مشيرا الى ان يوسف ومريم هما الآن متزوجان رسميا. ولكنّ يوسف لا يمارس العلائق الجنسية مع مريم ما دامت حُبلى بيسوع.
انظروا! مريم مثقلة بطفل، ومع ذلك يضعها يوسف على حمار. فالى اين هما ذاهبان، ولماذا يقومان برحلة ومريم على وشك ان تلد؟ لوقا ١:٣٩-٤١، ٥٦؛ متى ١:١٨-٢٥؛ تثنية ٢٢:٢٣، ٤٢.
▪ ماذا تكون حالة يوسف العقلية عندما يعلم بحبل مريم، ولماذا؟
▪ كيف يمكن ليوسف ان يطلق مريم وهما لم يتزوجا بعد؟
▪ اي اجراء علني يخدم كمراسم زواج ليوسف ومريم؟
-
-
ولادة يسوع — اين ومتى؟اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥
ولادة يسوع — اين ومتى؟
اصدر امبراطور الدولة الرومانية، اوغسطس قيصر، امرا بأن يعود كل واحد الى مدينة ولادته ليكتتب. ولذلك يسافر يوسف الى مكان ولادته، مدينة بيت لحم.
اناس كثيرون هم في بيت لحم من اجل الاكتتاب، والمكان الوحيد الذي يتمكن يوسف ومريم من وجوده ليمكثا فيه هو الاسطبل. هنا، حيث توضع الحمير والحيوانات الاخرى، يولد يسوع. فتقمطه مريم بقطع من القماش وتضعه في مذود، المكان الذي يحتوي على طعام الحيوانات.
بالتأكيد، تحت توجيه اللّٰه اصدر اوغسطس قيصر قانون الاكتتاب. فقد جعل ذلك ممكنا ان يولد يسوع في بيت لحم، المدينة التي انبأت الاسفار المقدسة منذ زمن بعيد بأنها ستكون مكان ولادة الحاكم الموعود به.
ما أهمَّ هذه الليلة! فخارجا في الحقول يلمع نور ساطع حول فريق من الرعاة. انه مجد يهوه! ويقول لهم ملاك يهوه: «لا تخافوا. فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود.» وبغتة يظهر ملائكة كثيرون وينشدون: «المجد للّٰه في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة.»
عندما يمضي الملائكة يقول الرعاة بعضهم لبعض: «لنذهب الآن الى بيت لحم وننظر هذا الامر الواقع الذي اعلمنا به الرب.» فيذهبون مسرعين ويجدون يسوع تماما حيث اخبرهم الملاك. وعندما يقصّ الرعاة ما اخبرهم به الملاك يتعجب كل الذين يسمعون. وتحفظ مريم جميع هذه الاقوال متفكرة بها في قلبها.
يعتقد كثيرون من الناس اليوم ان يسوع وُلد في ٢٥ كانون الاول. ولكنّ كانون الاول فصل ممطر وبارد في بيت لحم. ولا يكون الرعاة خارجا في الحقول طوال الليل مع رعيتهم في هذا الوقت من السنة. وأيضا ليس محتملا ان يطلب القيصر الروماني من شعب ميال الى الثورة ضده ان يقوموا بهذه الرحلة في برد الشتاء ليكتتبوا. فمن الواضح ان يسوع وُلد في وقت ما في الخريف الباكر من السنة. لوقا ٢:١-٢٠؛ ميخا ٥:٢.
▪لماذا يسافر يوسف ومريم الى بيت لحم؟
▪ اي شيء مدهش يحدث في الليلة التي يُولد فيها يسوع؟
▪ كيف نعرف ان يسوع لم يولد في ٢٥ كانون الاول؟
-
-
طفل الموعداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦
طفل الموعد
بدلا من ان يعودا الى الناصرة، يمكث يوسف ومريم في بيت لحم. وعندما يكون يسوع في اليوم الثامن من عمره يختنانه حسبما تأمر شريعة اللّٰه لموسى. انها العادة ايضا كما يظهر ان يسمَّى الصبي في اليوم الثامن. ولذلك يسميان طفلهما يسوع كما امر الملاك جبرائيل في وقت ابكر.
يمضي اكثر من شهر، ويكون عمر يسوع ٤٠ يوما. فأين يأخذه ابواه الآن؟ الى الهيكل في اورشليم، الذي لا يبعد سوى بضعة اميال عن المكان الذي يسكنان فيه. وبحسب شريعة اللّٰه لموسى، بعد ٤٠ يوما من ولادة الصبي، يُطلب من الام ان تقدِّم ذبيحة التطهير في الهيكل.
هذا ما تعمله مريم. ولكنها تجلب طيرين صغيرين للتقدمة. ويبيِّن ذلك شيئا عن الحالة الاقتصادية ليوسف ومريم. وتشير شريعة موسى الى ان خروفا حوليا، وهو اثمن بكثير من الطيور، يجب ان يُقدَّم. أما اذا كانت الام لا تقدر ان تتحمَّل ذلك، فزوج يمام او فرخا حمام يكفيان.
يأخذ رجل مسن في الهيكل يسوع على ذراعيه. واسمه سمعان. وكان اللّٰه قد اوحى اليه بأنه لن يموت قبل ان يرى مسيح يهوه، او المسيّا، الموعود به. فعندما يأتي سمعان الى الهيكل في هذا اليوم يوجِّهه الروح القدس الى الصبي المحمول من يوسف ومريم.
واذ يحمل سمعان يسوع يشكر اللّٰه، قائلا: «الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لان عينيَّ قد ابصرتا خلاصك الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور اعلان للامم ومجدا لشعبك اسرائيل.»
يندهش يوسف ومريم عند سماعهما ذلك. وبعدئذ يباركهما سمعان ويقول لمريم ان ابنها «قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل،» وإن الحزن، كسيف ماضٍ، سيطعن نفسها.
وتكون النبية المسمَّاة حنة، التي تبلغ من العمر ٨٤ سنة، حاضرة في هذه المناسبة. وفي الواقع، انها لا تتغيب ابدا عن الهيكل. وفي هذه الساعة عينها تتقدم وتبدأ باعطاء الشكر للّٰه والتكلم عن يسوع الى كل الذين يسمعون.
كم ابتهج يوسف ومريم بهذه الحوادث في الهيكل! وبالتأكيد، فان هذا كله يثبت لهما ان الطفل هو الموعود به من اللّٰه. لوقا ٢:٢١-٣٨؛ لاويين ١٢:١-٨.
▪ متى كانت العادة كما يظهر ان يسمَّى الصبي الاسرائيلي؟
▪ ماذا كان يُطلب من الام الاسرائيلية عندما يبلغ ابنها ٤٠ يوماً، وكيف يبيِّن تحقيق هذا المطلب حالة مريم الاقتصادية؟
▪ من يدرك هوية يسوع في هذه المناسبة، وكيف؟
-
-
يسوع والمجوساعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧
يسوع والمجوس
يأتي عدد من الرجال من المشرق. انهم مجوس — شعب يدّعي بأنه يفسر وضع النجوم. فبينما كانوا في موطنهم في المشرق رأوا نجما جديدا وتبعوه مئات الأميال الى اورشليم.
عندما يصل المجوس الى اورشليم يسألون: «اين هو المولود ملك اليهود. فاننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له.»
وعندما يسمع هيرودس الملك في اورشليم بهذا يضطرب كثيرا. ولذلك يدعو رؤساء الكهنة ويسأل اين يولد المسيح. فيجيبون على اساس الاسفار المقدسة: «في بيت لحم.» وحينئذٍ يدعو هيرودس المجوس ويقول لهم: «اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فأخبروني لكي آتي انا ايضا وأسجد له.» ولكنّ هيرودس في الواقع يريد ان يجد الصبي ليقتله!
وبعد ان ينصرفوا يحدث شيء عجيب. فالنجم الذي كانوا قد رأوه عندما كانوا في المشرق يتقدمهم. ومن الواضح ان هذا ليس نجما عاديا، لكنه هُيئ خصوصا ليقتادهم. والمجوس يتبعونه حتى يتوقف تماما فوق البيت حيث يقيم يوسف ومريم.
عندما يدخل المجوس البيت يجدون مريم مع طفلها، يسوع. وعند ذلك يسجدون له جميعا. ثم يُخرجون من اكياسهم هدايا ذهبا ولبانا ومرا. وبعد ذلك، اذ يحاولون الرجوع ليخبروا هيرودس بمكان الصبي، يحذرهم اللّٰه في حلم لئلا يفعلوا ذلك. فينصرفون في طريق اخرى الى بلدهم.
من تعتقدون انه هيّأ النجم الذي تحرك في الفضاء كي يدل المجوس؟ تذكَّروا ان النجم لم يدلهم مباشرة الى يسوع في بيت لحم. وبالأحرى، اقتيدوا الى اورشليم حيث اتصلوا بالملك هيرودس، الذي اراد ان يقتل يسوع. وكان سيفعل ذلك لولا تدخُّل اللّٰه وتحذيره للمجوس لئلا يخبروا هيرودس اين هو يسوع. فعدوّ اللّٰه، الشيطان ابليس، هو الذي اراد قتل يسوع، وقد استخدم هذا النجم في محاولة لانجاز قصده. متى ٢:١-١٢؛ ميخا ٥:٢.
▪ ماذا يُظهر ان النجم الذي رآه المجوس لم يكن نجما عاديا؟
▪ اين يكون يسوع عندما يجده المجوس؟
▪ لماذا نعرف ان الشيطان هيّأ النجم كي يدل المجوس؟
-
-
الهروب من مستبداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨
الهروب من مستبد
يوقظ يوسف مريم ليعطيها أخبارا ملحَّة. فقد ظهر له ملاك يهوه منذ لحظات، قائلا: «قم وخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك. لان هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه.»
بسرعة يهربون هم الثلاثة. ويكون ذلك في الوقت المناسب لان هيرودس علم ان المجوس قد خدعوه وغادروا البلد. تذكَّروا، لقد كان من المفروض أن يعودوا اليه عندما يجدون يسوع. فيغضب هيرودس. ولذلك في محاولة لقتل يسوع يأمر بقتل جميع الصبيان في بيت لحم وتخومها من ابن سنتين فما دون. وهو يؤسس حساب العمر هذا على المعلومات التي حصل عليها سابقا من المجوس الذين اتوا من المشرق.
ان قتل جميع الاطفال الذكور شيء رؤيته رهيبة! فيقتحم جنود هيرودس بيتا تلو الآخر. وعندما يجدون طفلا ذكرا ينتزعونه من ذراعي أمه. وليست لدينا فكرة عن عدد الاطفال الذين يقتلونهم، ولكنّ بكاء وعويل الامهات العظيمين يتممان نبوة في الكتاب المقدس لنبي اللّٰه، ارميا.
في هذه الاثناء وصل يوسف وعائلته بأمان الى مصر، وهم الآن يعيشون هناك. ولكن في احدى الليالي يظهر ملاك يهوه مرة اخرى ليوسف في حلم. «قُم وخذ الصبي وأمه،» يقول الملاك، «واذهب الى ارض اسرائيل. لانه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي.» وهكذا تعود العائلة الى موطنها، اتماما لنبوة اخرى في الكتاب المقدس تقول بأن ابن اللّٰه كان سيُدعى من مصر.
يَظهر أن يوسف يعتزم الاستقرار في اليهودية، مكان سكناهم في بلدة بيت لحم قبل هروبهم الى مصر. لكنه يعلم أن أرخيلاوس الشرير ابن هيرودس هو الآن ملك اليهودية، ويحذره يهوه من الخطر في حلم آخر. لذلك يسافر يوسف وعائلته شمالا ويسكنون في بلدة الناصرة في الجليل. هنا في هذا المجتمع، بعيدا عن مركز الحياة الدينية اليهودية، يكبر يسوع. متى ٢:١٣-٢٣؛ ارميا ٣١:١٥؛ هوشع ١١:١.
▪ عند عدم رجوع المجوس اي شيء رهيب يفعله الملك هيرودس، ولكن كيف تجري حماية يسوع؟
▪ عند الرجوع من مصر لماذا لا يسكن يوسف في بيت لحم مرة اخرى؟
▪ اية نبوتين في الكتاب المقدس يجري اتمامهما خلال هذه الفترة من الوقت؟
-
-
حياة يسوع العائلية الباكرةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩
حياة يسوع العائلية الباكرة
حين يكبر يسوع في الناصرة تكون نوعا ما مدينة صغيرة وغير مهمة. وتكون واقعة في اقليم التلال من منطقة تدعى الجليل غير بعيدة عن وادي يزرعيل الجميل.
وحين يأتي بيسوع الى هنا من مصر يوسف ومريم، ربما في الثانية من عمره تقريبا، يكون بوضوح الولد الوحيد لمريم. ولكن ليس لوقت طويل. ففي حينه يولد يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا، ويصبح مريم ويوسف ابوين لبنات ايضا. وأخيرا، يكون لدى يسوع على الاقل ستة اخوة واخوات اصغر منه.
ولدى يسوع اقرباء آخرون ايضا. ونحن نعرف سابقا عن نسيبه الاكبر يوحنا، الذي يسكن على بعد عدة اميال في اليهودية. ولكن في مكان اقرب في الجليل تسكن سالومة، التي يظهر انها اخت مريم. وسالومة متزوجة بزبدي، وهكذا فان ولديهما يعقوب ويوحنا هما ابنا خالة يسوع. ولا نعرف ما اذا صرف يسوع، وهو يكبر، وقتا كثيرا مع هذين الولدين، ولكن في ما بعد يصبحون رفقاء أحماء.
يجب على يوسف ان يعمل بجد لاعالة عائلته النامية. فهو نجار. ويربي يوسف يسوع كابن له، ولذلك يدعى يسوع «ابن النجار.» ويعلّم يوسف يسوع ليكون نجارا ايضا، فيتعلم جيدا. ولهذا السبب يقول الناس في ما بعد عن يسوع، «هذا هو النجار.»
حياة عائلة يوسف مبنية حول عبادة يهوه اللّٰه. وانسجاما مع شريعة اللّٰه، يعطي يوسف ومريم اولادهما ارشادا روحيا ‹حين يجلسان في بيتهما وحين يمشيان في الطريق وحين ينامان وحين يقومان.› وهنالك مجمع في الناصرة، ويمكن ان نكون على يقين من ان يوسف يأخذ ايضا عائلته معه بانتظام للعبادة هناك. لكنهم دون شك يجدون متعتهم العظمى في الرحلات المنتظمة الى هيكل يهوه في اورشليم. متى ١٣:٥٥، ٥٦؛ ٢٧:٥٦؛ مرقس ١٥:٤٠؛ ٦:٣؛ تثنية ٦:٦-٩.
▪ كم اخا واختا على الاقلّ لدى يسوع اصغر منه، وما هي اسماء البعض منهم؟
▪ من هم انسباء يسوع الثلاثة المعروفون جيدا؟
▪ اية مهنة دنيوية يتخذها يسوع اخيرا، ولماذا؟
▪ اي ارشاد حيوي يزوده يوسف لعائلته؟
-
-
رحلات الى اورشليماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠
رحلات الى اورشليم
جاء الربيع. وهذا هو الوقت لقيام عائلة يوسف، مع الاصدقاء والاقرباء، برحلتهم الربيعية السنوية الى اورشليم للاحتفال بالفصح. وبينما هم ينطلقون في ما يعادل نحو ٦٥ ميلا (١٠٥ كلم) من السفر، هنالك الاثارة المعتادة. ويبلغ يسوع الآن ١٢ سنة من العمر، وهو يتطلع الى الامام باهتمام خصوصي الى العيد.
بالنسبة الى يسوع وعائلته، ليس الفصح قضية يوم واحد. فهم يبقون ايضا من اجل عيد الفطير التالي الذي يستغرق سبعة ايام والذي يعتبرونه جزءا من وقت الفصح. ونتيجة لذلك، فان كامل رحلتهم انطلاقا من بيتهم في الناصرة، بما في ذلك المكوث في اورشليم، تستغرق نحو اسبوعين. انما هذه السنة، بسبب امر يشمل يسوع، تستغرق وقتا اطول.
تبرز المسألة في رحلة الرجوع من اورشليم. فيظن يوسف ومريم ان يسوع موجود مع مجموعة الاقرباء والاصدقاء المسافرين معا. ولكن لا يظهر له اثر عند التوقف الليلي، فيطلبانه بين رفقائهما المسافرين. ولا يُعثر عليه في ايّ مكان. فيعود يوسف ومريم أدراجهما الى اورشليم ليفتشا عنه.
يبحثان ليوم كامل، ولكن دون نجاح. وفي اليوم الثاني ايضا لا يستطيعان ان يجداه. وأخيرا، في اليوم الثالث، يذهبان الى الهيكل. وهناك، في احدى قاعاته، يريان يسوع جالسا في وسط المعلمين اليهود، مستمعا اليهم وطارحا اسئلة.
«يا بنيَّ لماذا فعلت بنا هكذا،» تسأل مريم. «هوذا ابوك وأنا كنا نطلبك معذَّبين.»
يستغرب يسوع انهما لم يعرفا اين يجدانه. «لماذا كنتما تطلبانني،» يسأل. «ألم تعلما أنه ينبغي ان اكون في ما لابي.»
لا يفهم يسوع سبب عدم معرفة ابويه ذلك. وعندئذ يعود يسوع الى البيت مع ابويه ويظل خاضعا لهما. ويستمر في التقدم في الحكمة وفي النمو الجسدي وفي النعمة عند اللّٰه والناس. نعم، من طفوليته فصاعدا، يرسم يسوع مثالا حسنا ليس في طلب الاهتمامات الروحية وحسب بل في اظهار الاحترام لابويه ايضا. لوقا ٢:٤٠-٥٢؛ ٢٢:٧.
▪ اية رحلة ربيعية يقوم بها يسوع بانتظام مع عائلته، وكم تستغرق؟
▪ ماذا يحدث في اثناء الرحلة التي يقومون بها عندما تكون ليسوع ١٢ سنة من العمر؟
▪ اي مثال يرسمه يسوع للاحداث اليوم؟
-
-
يوحنا يهيئ الطريقاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١
يوحنا يهيئ الطريق
سبع عشرة سنة مضت منذ كان يسوع ولدا بعمر ١٢ سنة يسأل المعلمين في الهيكل. انه ربيع السنة ٢٩ بم، وكل شخص كما يبدو يتحدث عن نسيب يسوع، يوحنا، الذي يكرز في كل الكورة المحيطة بنهر الاردن.
يوحنا هو حقا رجل مؤثر في المظهر والكلام كليهما. لباسه من وبر الابل وعلى حقويه منطقة من جلد. طعامه جراد وعسل بري. ورسالته؟ «توبوا لانه قد اقترب ملكوت السموات.»
هذه الرسالة تثير سامعيه. وكثيرون يدركون حاجتهم الى التوبة، اي الى تغيير موقفهم ونبذ طريقة حياتهم السابقة بصفتها غير مرغوب فيها. ولذلك من كل المقاطعة حول الاردن، وحتى من اورشليم، يخرج الناس الى يوحنا بأعداد كبيرة فيعمدهم بتغطيسهم كاملا في مياه الاردن. ولماذا؟
يعمد يوحنا الناس رمزا الى او اعترافا بتوبتهم القلبية عن الخطايا ضد عهد ناموس اللّٰه. وهكذا عندما يخرج بعض الفريسيين والصدوقيين الى الاردن يدينهم يوحنا. «يا اولاد الافاعي،» يقول. «اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم لنا ابرهيم ابا. لاني اقول لكم ان اللّٰه قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابرهيم. والآن قد وضعت الفأس على اصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.»
بسبب كل الاهتمام الذي يحصل عليه يوحنا يرسل اليه اليهود كهنة ولاويين. وهؤلاء يسألون: «من انت.»
«لست انا المسيح،» يعترف يوحنا.
«اذًا ماذا،» يستفسرون. «ايليا انت.»
«لست انا،» يجيب.
«أَلنبي انت.»
«لا.»
لذلك يصيرون ملحّين: «من انت لنعطي جوابا للذين ارسلونا. ماذا تقول عن نفسك.»
فيوضح يوحنا: «انا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال اشعياء النبي.»
«فما بالك تعمّد،» يريدون ان يعرفوا، «ان كنت لست المسيح ولا ايليا ولا النبي.»
«انا اعمد بماء،» يجيب. «في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي.»
يهيئ يوحنا الطريق بجلب الناس الى حالة قلبية ملائمة لقبول المسيّا الذي سيصبح ملكا. وعن هذا يقول يوحنا: «الذي يأتي بعدي هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احمل حذاءه.» وفي الواقع، يقول يوحنا ايضا: «الذي يأتي بعدي صار قدامي لانه كان قبلي.»
وهكذا فان رسالة يوحنا، «قد اقترب ملكوت السموات،» هي كاشعار علني بأن خدمة ملك يهوه المعيَّن، يسوع المسيح، على وشك الابتداء. يوحنا ١:٦-٨، ١٥-٢٨؛ متى ٣:١-١٢؛ لوقا ٣:١-١٨؛ اعمال ١٩:٤.
▪ ايّ نوع من الرجال هو يوحنا؟
▪ لماذا يعمد يوحنا الناس؟
▪ لماذا يستطيع يوحنا ان يقول ان الملكوت قد اقترب؟
-
-
معمودية يسوعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢
معمودية يسوع
بعد ابتداء يوحنا الكرازة بنحو ستة اشهر يأتي اليه يسوع الى الاردن، بالغا الآن ٣٠ سنة من العمر. ولاي سبب؟ هل لزيارة اجتماعية؟ وهل يسوع مهتم بمجرّد تقدُّم عمل يوحنا؟ كلا، يطلب يسوع من يوحنا ان يعمده.
يعترض يوحنا فورا: «انا محتاج ان اعتمد منك وأنت تأتي اليَّ.» يعرف يوحنا ان نسيبه يسوع هو ابن اللّٰه الخاص. فقد ارتكض يوحنا بابتهاج في بطن امه عندما زارتهم مريم الحُبلى بيسوع! ولا شك ان امّ يوحنا، أليصابات، اخبرته بذلك في ما بعد. وأخبرته ايضا عن اعلان الملاك ولادة يسوع وعن ظهور الملائكة للرعاة في ليلة ولادة يسوع.
وهكذا فان يسوع ليس غريبا عند يوحنا. ويوحنا يعرف ان معموديته ليست لاجل يسوع. فهي لاجل اولئك التائبين عن خطاياهم، ولكنّ يسوع بلا خطية. ومع ذلك، رغم اعتراض يوحنا، يصرّ يسوع: «اسمح الآن. لانه هكذا يليق بنا ان نكمّل كل بر.»
ولماذا هو صائب ان يعتمد يسوع؟ لان معمودية يسوع ليست رمزا الى التوبة عن الخطايا بل الى تقديم نفسه لفعل مشيئة ابيه. فقد كان يسوع نجارا، ولكنّ الوقت قد حان الآن ليبدأ بالخدمة التي ارسله يهوه اللّٰه الى الارض لينجزها. وهل تعتقدون ان يوحنا يتوقع حدوث شيء غير اعتيادي عندما يعمد يسوع؟
في الواقع، يخبر يوحنا في ما بعد: «الذي ارسلني لاعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس.» وهكذا يتوقع يوحنا اتيان روح اللّٰه على احد المعتمدين منه. لذلك، اذ يصعد يسوع من الماء، ربما لا يكون يوحنا مندهشا حقا عندما يرى «روح اللّٰه نازلا مثل حمامة.»
ولكن يحصل اكثر من ذلك عندما يعتمد يسوع. ‹تنفتح السموات› له. فماذا يعني ذلك؟ بشكل واضح يعني انه، فيما يجري تعميده، تعود اليه ذكرى حياته السابقة لبشريته في السماء. وهكذا يتذكر يسوع الآن كاملا حياته كابن روحاني ليهوه اللّٰه، بما في ذلك كل الامور التي كلَّمه بها اللّٰه في السماء خلال وجوده السابق لبشريته.
واضافة الى ذلك، في وقت معموديته، يعلن صوت من السماء: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.» وصوت مَن هو هذا؟ صوت يسوع؟ طبعا لا! انه صوت اللّٰه. فمن الواضح ان يسوع هو ابن اللّٰه، لا اللّٰه نفسه، كما يدّعي البعض.
ولكنّ يسوع هو ابن بشري للّٰه، تماما كما كان الانسان الاول آدم. يكتب التلميذ لوقا بعد وصف معمودية يسوع: «ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يُظن ابن يوسف بن هالي . . . بن داود . . . بن ابرهيم . . . بن نوح . . . بن آدم ابن اللّٰه.»
فكما كان آدم «ابن اللّٰه» البشري، كذلك هو يسوع. ويسوع هو اعظم انسان عاش على الاطلاق، الامر الذي يصير واضحا عندما نفحص حياة يسوع. ولكن، عند معموديته، يدخل يسوع في علاقة جديدة باللّٰه، صائرا ايضا ابن اللّٰه الروحي. فاللّٰه كما لو انه يدعوه الآن الى العودة الى السماء بجعله يشرع في مسلك يؤدي الى بذل حياته البشرية الى الابد ذبيحة في سبيل الجنس البشري المحكوم عليه. متى ٣:١٣-١٧؛ لوقا ٣:٢١-٣٨؛ ١:٣٤-٣٦، ٤٤؛ ٢:١٠-١٤؛ يوحنا ١:٣٢-٣٤؛ عبرانيين ١٠:٥-٩.
▪ لماذا ليس يسوع غريبا عند يوحنا؟
▪ بما انه لم يرتكب اية خطية، لماذا يعتمد يسوع؟
▪ نظرا الى ما يعرفه يوحنا عن يسوع، لماذا ربما لا يكون مندهشا عندما يأتي روح اللّٰه على يسوع؟
-
-
التعلُّم من تجارب يسوعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٣
التعلُّم من تجارب يسوع
على الفور بعد معموديته يُقتاد يسوع بروح اللّٰه الى برية اليهودية. فلديه الكثير ليفكر فيه لان «السموات قد انفتحت» عند معموديته بحيث يتمكن من تمييز الامور السماوية. وفي الواقع، هنالك الشيء الكثير ليتأمل فيه!
يقضي يسوع ٤٠ نهارا و ٤٠ ليلة في البرية ولا يأكل شيئا في اثناء هذا الوقت. ثم، عندما يكون يسوع جائعا جدا، يقترب ابليس ليجربه، قائلا: «ان كنت ابنا للّٰه فقل لهذه الحجارة ان تصير ارغفة خبز.» لكنّ يسوع يعرف انه من الخطإ استعمال قواه العجائبية لارضاء رغباته الشخصية. ولذلك يرفض ان يُغوى.
لكنّ ابليس لا يستسلم. فيحاول اقترابا آخر. يتحدى يسوع في ان يطرح نفسه من سور الهيكل حتى تنقذه ملائكة اللّٰه. ولكنّ يسوع لا يُغوى بالقيام بعرض مثير كهذا. واذ يقتبس من الاسفار المقدسة، يُظهر يسوع انه من الخطإ وضع اللّٰه تحت الامتحان بهذه الطريقة.
وفي تجربة ثالثة، يُري ابليس يسوع كل ممالك العالم بطريقة عجائبية ويقول: «اعطيك هذه جميعها ان خررت وقمت بعمل عبادة لي.» ولكن مرة اخرى يرفض يسوع الاذعان للاغواء بفعل الخطإ، ويختار البقاء امينا للّٰه.
بامكاننا التعلُّم من تجارب يسوع هذه. فهي تبيِّن، مثلا، ان ابليس ليس مجرد صفة الشر، كما يدعي بعض الاشخاص، ولكنه شخص حقيقي غير منظور. وتجربة يسوع تُظهر ايضا ان كل حكومات العالم هي ملك لابليس. اذ كيف يمكن لاهدائها من قبل ابليس الى المسيح ان يكون تجربة حقيقية ان لم تكن بالفعل ملكه؟
وفكروا في هذا: قال ابليس انه على استعداد لمكافأة يسوع على عمل عبادة واحد، معطيا اياه ايضا كل ممالك العالم. فقد يحاول ابليس تجربتنا بطريقة مماثلة، ربما بوضع فرص مغرية امامنا للحصول على ثروة، سلطة، او مركز عالمي. ولكن كم نكون حكماء باتّباعنا مثال يسوع بالبقاء امناء للّٰه مهما كانت التجربة! متى ٣:١٦؛ ٤:١-١١، عج؛ مرقس ١:١٢، ١٣؛ لوقا ٤:١-١٣.
▪ ما هي الامور التي من الواضح ان يسوع يتأمل فيها خلال وجوده ٤٠ يوما في البرية؟
▪ كيف يحاول ابليس اغواء يسوع؟
▪ ماذا نستطيع تعلُّمه من تجارب يسوع؟
-
-
تلاميذ يسوع الاولوناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٤
تلاميذ يسوع الاولون
بعد ٤٠ يوما في البرية يعود يسوع الى يوحنا، الذي كان قد عمّده. واذ يقترب، يشير يوحنا اليه كما يتضح ويعلن بقوة لاولئك الحاضرين: «هوذا حمل اللّٰه الذي يرفع خطية العالم. هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لانه كان قبلي.» فمع ان يوحنا اكبر سنا من نسيبه يسوع، يعرف يوحنا ان يسوع وُجد قبله كشخص روحاني في السماء.
ومع ذلك، قبل بضعة اسابيع، عندما جاء يسوع ليعتمد، فان يوحنا كما يتضح لم يعرف يقينا ان يسوع سيكون المسيّا. «وانا لم اكن اعرفه،» يعترف يوحنا، «لكن ليظهر لاسرائيل لذلك جئت اعمد بالماء.»
ويمضي يوحنا موضحا لسامعيه ما حدث عندما اعتمد يسوع: «اني قد رأيت الروح نازلا مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وأنا لم اكن اعرفه. لكنّ الذي ارسلني لاعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن اللّٰه.»
وفي اليوم التالي يكون يوحنا واقفا مع اثنين من تلاميذه. واذ يقترب يسوع، يقول ايضا: «هوذا حمل اللّٰه.» وعندئذ يتبع هذان التلميذان ليوحنا المعمدان يسوع. احدهما هو اندراوس، والآخر من الواضح انه الشخص نفسه الذي سجّل هذه الامور والذي يُدعى ايضا يوحنا. ويوحنا هذا، وفقا للادلة، هو ايضا نسيب ليسوع، لكونه كما يتضح ابن سالومة، اخت مريم.
واذ يلتفت يسوع وينظر اندراوس ويوحنا يتبعانه، يسأل: «ماذا تطلبان.»
«رَبِّي،» يسألان، «اين تمكث.»
«تعاليا وانظرا،» يجيب يسوع.
انها حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر، وأندراوس ويوحنا يمكثان عند يسوع بقية ذلك اليوم. وبعدئذ يتحمس اندراوس بحيث يسرع ليجد اخاه، الذي يُدعى بطرس. «قد وجدنا مسيّا،» يخبره. ويأخذ بطرس الى يسوع. وربما يجد يوحنا اخاه يعقوب في الوقت نفسه ويجيء به الى يسوع؛ مع ذلك، وعلى نحو مميَّز، يحذف يوحنا هذه المعلومات الشخصية من انجيله.
وفي اليوم التالي يجد يسوع فيلبس، الذي هو من بيت صيدا، المدينة عينها التي كان اندراوس وبطرس منها اصلا. فيدعوه: «اتبعني.»
وبعدئذ يجد فيلبس نثنائيل، الذي يُدعى ايضا برثولماوس، فيقول: «وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والانبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة.» يشك نثنائيل ويسأل: «أمن الناصرة يمكن ان يكون شيء صالح.»
«تعال وانظر،» يحث فيلبس. وعندما يكونان آتيين نحو يسوع يقول يسوع عن نثنائيل: «هوذا اسرائيلي حقا لا غش فيه.»
«من اين تعرفني،» يسأل نثنائيل.
«قبل ان دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك،» يجيب يسوع.
يذهل نثنائيل ويقول: «(رَبِّي) [الذي يعني يا معلِّم] انت ابن اللّٰه. انت ملك اسرائيل.»
«هل آمنت لاني قلت لك اني رأيتك تحت التينة،» يسأل يسوع. «سوف ترى اعظم من هذا.» ثم يعد: «الحق الحق اقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة اللّٰه يصعدون وينزلون على ابن الانسان.»
بعد هذا بقليل، يغادر يسوع وادي الاردن برفقة تلاميذه المكتسَبين حديثا، ويسافر الى الجليل. يوحنا ١:٢٩-٥١.
▪ من هم تلاميذ يسوع الاولون؟
▪ كيف يجري تعريف بطرس، وربما ايضا يعقوب، بيسوع؟
▪ ماذا يقنع نثنائيل بأن يسوع هو ابن اللّٰه؟
-
-
عجيبة يسوع الاولىاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٥
عجيبة يسوع الاولى
لقد مرّ يوم او يومان منذ ان اصبح اندراوس، بطرس، يوحنا، فيلبس، نثنائيل، وربما يعقوب اول تلاميذ يسوع. وهؤلاء الآن في طريق موطنهم الى مقاطعة الجليل، حيث نشأوا جميعا. ومكانهم المقصود هو قانا، بلدة نثنائيل، وهي واقعة على تلال ليست بعيدة عن الناصرة، حيث كبر يسوع نفسه. وهم مدعوون الى وليمة عرس في قانا.
وقد اتت ام يسوع ايضا الى العرس. وكصديقة لعائلة الشخصين اللذين يتزوجان، يظهر ان مريم كانت منهمكة في خدمة حاجات الضيوف العديدين. ولذلك فهي سريعة الملاحظة لنقص تخبر به يسوع: «ليس لهم خمر.»
وهكذا، عندما تقترح مريم، في الواقع، ان يفعل يسوع شيئا في ما يتعلق بفقدان الخمر، يكون يسوع في بادئ الامر ممانعا. «ما لي ولكِ،» يسأل. وكملك اللّٰه المعين، فهو لا يكون موجها في نشاطه من العائلة او الاصدقاء. ولذلك بحكمة تترك مريم القضية بين يدي ابنها، قائلة بوضوح للخدام: «مهما قال لكم فافعلوه.»
حسنا، هنالك ستة اجران ماء كبيرة من حجارة يمكن ان يسع كل واحد منها اكثر من عشرة غالونات (٤٠ ل). ويأمر يسوع الخدام: «املأوا الاجران ماء.» فيملأها الخدام الى فوق. ثم يقول يسوع: «استقوا الآن وقدموا الى رئيس المتكإِ.»
يتأثر الرئيس بالنوعية الرفيعة للخمر، غير مدرك انها صُنعت بأعجوبة. واذ يدعو العريس يقول: «كل انسان انما يضع الخمر الجيدة اولا ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما انت فقد أبقيت الخمر الجيدة الى الآن.»
هذه اول عجيبة ليسوع، وبمشاهدتهم اياها تقوّى ايمان تلاميذه الجدد. وبعدئذ، مع امه واخوته من امه، سافروا الى مدينة كفرناحوم قرب بحر الجليل. يوحنا ٢:١-١٢.
▪ متى في خلال خدمة يسوع يحدث العرس في قانا؟
▪ لماذا يعترض يسوع على اقتراح امه؟
▪ اية عجيبة يصنعها يسوع، واي تأثير يكون لها في الآخرين؟
-
-
غيرة لعبادة يهوهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٦
غيرة لعبادة يهوه
ان اخوة يسوع من امه — ابناء مريم الآخرين — هم يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. وقبل ان يسافر جميع هؤلاء مع يسوع وتلاميذه الى كفرناحوم، مدينة قرب بحر الجليل، ربما يتوقفون في بيوتهم في الناصرة حتى تتمكن العائلة من رزم الاشياء التي يحتاجونها.
ولكن لماذا يذهب يسوع الى كفرناحوم مفضلا ذلك على متابعة خدمته في قانا او الناصرة او مكان آخر في هضاب الجليل؟ احد الاسباب هو ان كفرناحوم مشهورة اكثر ومن الواضح انها مدينة اكبر. وايضا، ان اغلب تلاميذ يسوع المكتسبين حديثا يعيشون في كفرناحوم او بقربها، فلا يكون لزاما عليهم ان يتركوا بيوتهم لينالوا التدريب منه.
في اثناء مكوثه في كفرناحوم ينجز يسوع اعمالا مدهشة، كما يشهد هو بنفسه بعد عدة اشهر. ولكن سرعان ما نرى يسوع ورفقاءه في الطريق مرة بعد اخرى. انه الربيع، وهم في طريقهم الى اورشليم لحضور فصح السنة ٣٠ بم. وبينما هم هنالك يرى تلاميذه شيئا بشأن يسوع ربما لم يروه قبلا.
بحسب ناموس اللّٰه، يُطلب من الاسرائيليين تقديم الذبائح الحيوانية. لذلك، من اجل راحتهم، يبيع التجار في اورشليم الحيوانات او الطيور لهذا القصد. ولكنّهم يقومون بالبيع داخل الهيكل تماما، وهم يغشّون الشعب بفرض اثمان باهظة عليهم.
واذ يمتلئ يسوع سخطا يصنع سوطا من الحبال ويطرد الباعة. ويكبّ دراهم الصيارفة ويقلّب موائدهم. «ارفعوا هذه من ههنا،» يصيح على باعة الحمام. «لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة.»
عندما يرى تلاميذ يسوع ذلك يتذكرون النبوّة عن ابن اللّٰه: «غيرة بيتك اكلتني.» ولكنّ اليهود يسألون: «ايّة آية ترينا حتى تفعل هذا.» فيجيب يسوع: «انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة ايام أقيمه.»
يظن اليهود ان يسوع يتكلم عن الهيكل الحرفي، ولذلك يسألون: «في ست واربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة ايام تقيمه.» ولكن يسوع يتكلم عن هيكل جسده. وبعد ثلاث سنوات، يتذكر تلاميذه قوله هذا عندما يقام من الاموات. يوحنا ٢:١٢-٢٢؛ متى ١٣:٥٥؛ لوقا ٤:٢٣.
▪ بعد العرس في قانا الى اية اماكن يسافر يسوع؟
▪ لماذا يسخط يسوع، وماذا يفعل؟
▪ ماذا يتذكر تلاميذ يسوع عند رؤيتهم افعاله؟
▪ ماذا يقول يسوع عن «هذا الهيكل،» وماذا يعني؟
-
-
تعليم نيقوديموساعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٧
تعليم نيقوديموس
فيما يحضر عيد الفصح سنة ٣٠ بم يصنع يسوع آيات او عجائب رائعة. ونتيجة ذلك يؤمن به اشخاص عديدون. ونيقوديموس، عضو في السنهدريم، المحكمة اليهودية العليا، يتأثر ويريد ان يتعلم اكثر. فيزور يسوع في عتمة الليل، ربما خوفا من ان تتأذى سمعته لدى القادة اليهود الآخرين اذا شوهد.
«يا معلم،» يقول، «نعلم أنك قد اتيت من اللّٰه معلما لان ليس احد يقدر ان يعمل هذه الآيات التي انت تعمل ان لم يكن اللّٰه معه.» وفي الاجابة يقول يسوع لنيقوديموس انه لكي يدخل الشخص ملكوت اللّٰه، يجب ان «يولد» ثانية.
ولكن، كيف يمكن للشخص ان يولد ثانية؟ «ألعله يقدر ان يدخل بطن امه ثانية ويولد،» يسأل نيقوديموس.
كلا، ليس هذا ما تعنيه الولادة الثانية. «ان كان احد لا يولد من الماء والروح،» يشرح يسوع، «لا يقدر ان يدخل ملكوت اللّٰه.» وعندما اعتمد يسوع ونزل عليه الروح القدس ولد هكذا «من الماء والروح.» وبالاعلان المرافق من السماء، «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت،» اعلن اللّٰه انه قد ولد ابنا روحيا لديه امل الدخول الى الملكوت السماوي. وفي ما بعد، في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، ينال معتمدون آخرون الروح القدس وهكذا يولدون ثانية ايضا كابناء روحيين للّٰه.
ولكنّ دور ابن اللّٰه البشري الخاص هو حيوي. «كما رفع موسى الحية في البرية،» يقول يسوع لنيقوديموس، «هكذا ينبغي ان يُرفع ابن الانسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.» نعم، كما كان على اولئك الاسرائيليين الذين تلدغهم الحيّات السامة ان ينظروا الى الحية النحاسية ليخلصوا، كذلك يلزم البشر جميعا ان يمارسوا الايمان بابن اللّٰه ليخلصوا من حالتهم المائتة.
وتأكيدا لدور يهوه الحبي في ذلك يقول يسوع بعد ذلك لنيقوديموس: «هكذا احب اللّٰه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.» وهكذا، هنا في اورشليم بعد بدء خدمته بستة اشهر فقط، يوضح يسوع انه وسيلة يهوه اللّٰه لتخليص الجنس البشري.
ويتابع يسوع في توضيح اضافي لنيقوديموس: «لانه لم يرسل اللّٰه ابنه الى العالم ليدين العالم،» اي، ليس ليدينه على نحو مضاد، او يحكم عليه، قاضيا على الجنس البشري بالهلاك. وعوضا عن ذلك، كما يقول يسوع، أُرسل «ليخلص به العالم.»
جاء نيقوديموس خائفا الى يسوع تحت ستار الليل. لذلك يكون مثيرا ان يختتم يسوع محادثته معه بقوله: «هذه هي الدينونة ان النور [الذي جسّده يسوع في حياته وتعليمه] قد جاء الى العالم وأحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة. لان كل من يعمل السيآت يبغض النور ولا يأتي الى النور لئلا توبخ اعماله. واما من يفعل الحق فيقبل الى النور لكي تظهر اعماله انها باللّٰه معمولة.» يوحنا ٢:٢٣-٣:٢١؛ متى ٣:١٦، ١٧؛ اعمال ٢:١-٤؛ عدد ٢١:٩.
▪ ماذا يحث زيارة نيقوديموس، ولماذا يأتي ليلا؟
▪ ماذا يعني ان «يولد» المرء ثانية؟
▪ كيف يوضح يسوع دوره في خلاصنا؟
▪ ماذا يعني ان يسوع لم يأتِ ليدين العالم؟
-
-
يوحنا ينقص، يسوع يزيداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٨
يوحنا ينقص، يسوع يزيد
بعد الفصح في ربيع سنة ٣٠ بم، يغادر يسوع وتلاميذه اورشليم. لكنهم لا يرجعون الى بيوتهم في الجليل بل يذهبون الى ارض اليهودية، حيث يعمدون. كان يوحنا المعمدان يقوم بالعمل نفسه لحوالي سنة خلت، ولا يزال يملك تلاميذ يعاشرونه.
وفي الواقع، لا يُجري يسوع اي تعميد بنفسه، لكنّ تلاميذه يفعلون ذلك تحت توجيهه. ومعموديتهم تملك ذات المغزى كتلك التي انجزت بواسطة يوحنا، لكونها رمزا الى توبة اليهودي عن الخطايا ضد عهد ناموس اللّٰه. لكن بعد قيامته يأمر يسوع تلاميذه بأن يجروا معمودية ذات مغزى مختلف. فالمعمودية المسيحية اليوم هي رمز الى انتذار الشخص ليخدم يهوه اللّٰه.
في هذه المرحلة الباكرة من خدمة يسوع، فان يوحنا ويسوع كليهما، مع انهما يعملان منفصلين، يعلّمان ويعمدان الاشخاص التائبين. لكنّ تلاميذ يوحنا يغارون ويتشكون اليه بخصوص يسوع. «يا معلم . . . هو يعمد والجميع يأتون اليه.»
بدل ان يكون غيورا يفرح يوحنا بنجاح يسوع ويريد ايضا ان يفرح تلاميذه. فيذكرهم: «انتم انفسكم تشهدون لي اني قلت لست انا المسيح بل اني مرسل امامه.» وبعدئذ يستعمل ايضاحا جميلا: «من له العروس فهو العريس. واما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس. اذًا فرحي هذا قد كمل.»
ان يوحنا بصفته صديق العريس، فرح قبل حوالي ستة اشهر عندما قدم تلاميذه الى يسوع. وصار بعض منهم اعضاء مقبلين في صف عروس المسيح السماوي الذي سيتألف من مسيحيين ممسوحين بالروح. ويريد يوحنا من تلاميذه الحاليين ايضا ان يتبعوا يسوع، طالما ان قصده هو ان يعدّ الطريق لخدمة يسوع الناجحة. وكما يوضح يوحنا المعمدان: «ينبغي ان ذلك يزيد واني انا انقص.»
يكتب يوحنا تلميذ جديد ليسوع، وكان ايضا في وقت ابكر تلميذا ليوحنا المعمدان، في ما يتعلق بأصل يسوع ودوره المهم في خلاص البشر، قائلا: «الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع . . . الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده الذي يؤمن بالابن له حياة ابدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب اللّٰه.»
لا يمضي وقت طويل بعد ان يناقش يوحنا المعمدان نقص نشاطه الخاص حتى يجري اعتقاله بواسطة الملك هيرودس. لقد اتخذ هيرودس هيروديا زوجة فيلبس اخيه زوجة له، وعندما يشهر يوحنا علنا اعماله بصفتها غير لائقة، يلقي به هيرودس في السجن. وعندما يسمع يسوع باعتقال يوحنا يغادر اليهودية مع تلاميذه الى الجليل. يوحنا ٣:٢٢-٤:٣؛ اعمال ١٩:٤؛ متى ٢٨:١٩؛ ٢ كورنثوس ١١:٢؛ مرقس ١:١٤؛ ٦:١٧-٢٠.
▪ ما هو مغزى المعموديات التي جرت تحت توجيه يسوع قبل قيامته؟ وبعد قيامته؟
▪ كيف يظهر يوحنا ان تذمر تلاميذه لا مبرر له؟
▪ لماذا يوضع يوحنا في السجن؟
-
-
تعليم امرأة سامريةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٩
تعليم امرأة سامرية
يسوع وتلاميذه، في طريقهم من اليهودية الى الجليل، يجتازون مقاطعة السامرة. واذ كانوا قد تعبوا من السفر يتوقفون نحو الظهر ليستريحوا عند بئر قرب مدينة سوخار. وهذه البئر حفرها قبل قرون يعقوب، وهي تبقى حتى اليوم، قرب المدينة الحالية نابلس.
بينما يستريح يسوع هنا يذهب تلاميذه الى المدينة ليبتاعوا طعاما. وعندما تأتي امرأة سامرية لتستقي ماء يطلب منها: «أعطيني لاشرب.»
ان اليهود والسامريين عموما لا يتعاملون واحدهم مع الآخر بسبب التحيز المتأصل. ولذلك، في ذهول، تسأل المرأة: «كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية.»
«لو كنت تعلمين،» يجيب يسوع، «من هو الذي يقول لك اعطيني لاشرب لطلبت انت منه فاعطاك ماء حيا.»
«يا سيد،» تجاوبه، «لا دلو لك والبئر عميقة. فمن اين لك الماء الحي. ألعلك اعظم من ابينا يعقوب الذي اعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه.»
«كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضا،» يعلّق يسوع. «ولكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد. بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماء الى حياة ابدية.»
«يا سيد اعطني هذا الماء لكي لا اعطش ولا آتي الى هنا لاستقي،» تقول المرأة.
يقول لها يسوع الآن: «اذهبي وادعي زوجك وتعالي الى ههنا.»
«ليس لي زوج،» تجيب.
فيؤكد يسوع صحة قولها. «حسنا قلت ليس لي زوج. لانه كان لك خمسة ازواج والذي لك الآن ليس هو زوجك.»
«يا سيد ارى أنك نبي،» تقول المرأة في ذهول. واذ تكشف عن اهتمامها الروحي، تذكر ان السامريين «سجدوا في هذا الجبل [جرزيم، الذي يقوم في الجوار] وانتم [اليهود] تقولون ان في اورشليم الموضع الذي ينبغي ان يُسجد فيه.»
ولكنّ مكان السجود ليس الشيء المهم، يظهر يسوع. «تأتي ساعة،» يقول، «حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لان الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. اللّٰه روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا.»
تتأثر المرأة بشدة. «انا اعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي،» تقول. «فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء.»
«انا الذي اكلمك هو،» يعلن يسوع. فكروا في ذلك! فهذه المرأة التي تأتي في منتصف النهار لتستقي ماء، ربما لكي تتجنب الاحتكاك بنساء المدينة اللواتي يحتقرنها بسبب طريقتها في الحياة، تنال حظوة بطريقة بديعة عند يسوع. فبصراحة يخبرها ما لم يعترف به علنا لاي شخص آخر. وبأية نتائج؟
كثيرون من السامريين يؤمنون
عند رجوعهم من سوخار متزوّدين بالطعام يجد التلاميذ يسوع عند بئر يعقوب حيث تركوه، وحيث يتكلّم الآن مع امرأة سامرية. وعندما يصل التلاميذ تنصرف، تاركةً جرّتها، وتتّجه نحو المدينة.
ونتيجة اهتمامها العميق بالأمور التي كلّمها بها يسوع تخبر الرجال في المدينة: «هلمّوا انظروا إنسانا قال لي كلّ ما فعلت.» ثم تسأل بطريقة تثير الفضول: «ألعلّ هذا هو المسيح.» فينجز السؤال هدفه — فيذهب الرجال للتأكّد بأنفسهم.
وفي أثناء ذلك يحثّ التلاميذ يسوع على أكل الطعام الذي جلبوه من المدينة. ولكنه يجيب: «أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم.»
فيسأل التلاميذ بعضهم بعضا، «ألعلّ احدا أتاه بشيء ليأكل.» فيوضح يسوع: «طعامي ان أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمّم عمله. أما تقولون إنّه يكون أربعة أشهر ثمّ يأتي الحصاد.» إلا ان يسوع يشير الى الحصاد الروحي ويقول: «ارفعوا اعينكم وانظروا الحقول انها قد ابيضت للحصاد. والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرا للحياة الأبدية لكي يفرح الزارع والحاصد معا.»
وربما يتمكّن يسوع الآن من رؤية الأثر الكبير لالتقائه بالمرأة السامرية — وهو أنّ كثيرين يؤمنون به بسبب شهادتها. فهي تشهد لأهل المدينة، قائلة: «قال لي كل ما فعلت.» ولذلك عندما يأتي رجال سوخار اليه عند البئر يسألونه ان يمكث عندهم ويتحدّث إليهم أكثر. فيقبل يسوع الدّعوة ويمكث هناك يومين.
واذ يصغي السامريون الى يسوع يؤمن به عدد اكبر. ثم يقولون للمرأة: «إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. لاننا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم.» بكل تأكيد، تزوّد المرأة السامرية مثالا حسنا يُظهر كيف نستطيع ان نشهد عن المسيح باثارة فضول السامعين حتّى يبحثوا أكثر!
تذكّروا أنّه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد — وواضح انّه حصاد الشعير، وفي فلسطين يحدث هذا في الربيع. فنحن الآن على الأرجح في تشرين الثاني او كانون الأول. ويعني هذا انّه عقب فصح السنة ٣٠ بم قضى يسوع وتلاميذه حوالي ثمانية أشهر في اليهودية يعلّمون ويعمّدون. وهم ينصرفون الآن الى مقاطعة مسقط رأسهم، الجليل. فماذا ينتظرهم هنالك؟ يوحنا ٤:٣-٤٣.
▪ لماذا تندهش المرأة السامرية اذ تكلم يسوع معها؟
▪ ماذا يعلّمها يسوع عن الماء الحي وأين عليها ان تسجد؟
▪ كيف يعلن لها يسوع من هو، ولماذا يكون هذا الكشف مذهلا؟
▪ أية شهادة تعطي المرأة السامرية، وبأية نتيجة؟
▪ ما هي علاقة طعام يسوع بالحصاد؟
▪ كيف نستطيع تحديد طول مدّة خدمة يسوع في اليهودية عقب فصح السنة ٣٠ بم؟
-
-
العجيبة الثانية وهو في قانااعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٠
العجيبة الثانية وهو في قانا
عندما يعود يسوع الى موطنه بعد حملة كرازية مطوَّلة في اليهودية لا يكون ذلك للراحة. وبالاحرى، يبدأ بخدمة اكبر ايضا في الجليل، الارض التي كبر فيها. ولكنّ تلاميذه، بدلا من ان يبقوا معه، يعودون الى عائلاتهم واشغالهم السابقة.
فأية رسالة يبدأ يسوع بالكرازة بها؟ هذه: «اقترب ملكوت اللّٰه. فتوبوا وآمنوا بالانجيل.» والتجاوب؟ يقبل الجليليون يسوع. ويكرمه الجميع. ومع ذلك لا يكون هذا خصوصا بسبب رسالته ولكن، بالاحرى، لان كثيرين منهم كانوا وقت الفصح في اورشليم قبل اشهر ورأوا الآيات الرائعة التي انجزها.
وكما يتضح يبدأ يسوع بخدمته الجليلية العظيمة في قانا. وفي وقت ابكر، كما تذكرون، عند عودته من اليهودية، حوَّل الماء الى خمر في وليمة عرس هناك. وفي هذه المناسبة الثانية، يمرض ابن رسمي حكومي للملك هيرودس انتيباس مرضا شديدا. واذ يسمع ان يسوع قد جاء من اليهودية الى قانا يسافر الرسمي كل الطريق من بيته في كفرناحوم ليجد يسوع. ولانه مصاب بالحزن يلحّ الرجل: ‹ارجوك ان تأتي فورا، قبل ان يموت ابني.›
يجيب يسوع: ‹عد الى بيتك، ابنك قد شفي!› فيؤمن رسمي هيرودس ويبدأ بالرحلة الطويلة الى بيته. وفي الطريق يلقاه خدامه، الذين اسرعوا ليخبروه ان كل شيء على ما يرام — ابنه قد تعافى! فيسألهم: ‹متى اخذ يتحسن؟›
يجيبون: ‹امس في الساعة ٠٠:١ بعد الظهر.›
يدرك الرسمي ان هذه هي الساعة نفسها التي قال فيها يسوع، ‹ابنك قد شفي!› وبعد ذلك يصبح الرجل وكامل اهل بيته تلاميذ للمسيح.
وهكذا اصبحت قانا ذات حظوة بصفتها المكان الذي فيه، مميِّزا عودته من اليهودية، انجز يسوع مرتين عجيبة. وهاتان، طبعا، ليستا العجيبتين الوحيدتين اللتين انجزهما حتى ذلك الوقت، ولكنهما كانتا هامتين لانهما وسمتا عودته الى الجليل.
يتجه يسوع الآن الى بلدته الناصرة. فماذا ينتظره هناك؟ يوحنا ٤:٤٣-٥٤؛ مرقس ١:١٤، ١٥؛ لوقا ٤:١٤، ١٥.
▪ عندما يعود يسوع الى الجليل ماذا يحدث لتلاميذه، وكيف يستقبله الناس؟
▪ اية عجيبة ينجزها يسوع، وكيف تؤثر في اولئك المشمولين؟
▪ وهكذا كيف تنال قانا حظوة من يسوع؟
-
-
في مجمع بلدة يسوعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢١
في مجمع بلدة يسوع
هنالك دون شك ضجة اهتياج في الناصرة عندما يرجع يسوع الى موطنه. فقبل ان يغادر ليعتمد من يوحنا منذ اكثر من سنة بقليل كان يسوع معروفا كنجار. أما الآن فهو يُعرف في كل مكان كصانع عجائب. والسكان المحليون مشتاقون الى رؤيته يفعل بعض هذه الاعمال العجيبة بينهم.
ويرتفع توقعهم اذ يذهب يسوع حسب عادته الى المجمع المحلي. وفي اثناء الاجتماع الديني يقوم ليقرأ، فيعطى سفر النبي اشعياء. فيجد الموضع حيث يخبر عن الشخص الممسوح بروح يهوه، الموضع الذي هو في كتابنا المقدس اليوم الاصحاح ٦١ .
وبعد ان يقرأ كيف يكرز هذا الشخص للمأسورين بالاطلاق، وللعمي بالبصر، وبسنة يهوه المقبولة، يعطي يسوع السفر ثانية للخادم ويجلس. وكل العيون شاخصة اليه. ثم يتكلم، وربما مطوَّلا نوعا ما، موضحا: «اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم.»
يتعجب الناس من «كلمات النعمة» التي له ويقولون احدهم للآخر: «أليس هذا ابن يوسف.» ولكنّ يسوع، اذ يعرف انهم يريدون ان يروه يصنع عجائب، يتابع قائلا: «على كل حال تقولون لي هذا المثل ايها الطبيب اشف نفسك. كم سمعنا أنه جرى في كفرناحوم فافعل ذلك هنا ايضا في وطنك.» ومن الواضح ان جيران يسوع السابقين يشعرون بأن الشفاء يجب ان يبدأ في موطنه لفائدة شعبه اولا. ولذلك يشعرون بأن يسوع قد اهملهم.
واذ يدرك يسوع تفكيرهم يسرد تاريخا ملائما. فيذكر انه كانت هنالك ارامل كثيرة في اسرائيل في ايام ايليا، ولكنّ ايليا لم يرسَل الى واحدة منها. وانما ذهب الى ارملة غير اسرائيلية في صيداء حيث صنع عجيبة تنقذ الحياة. وفي زمان أليشع كان هنالك برص كثيرون، ولكنّ أليشع لم يطهّر الا نعمان السرياني.
واذ يغتاظ اولئك الذين في المجمع من هذه التشبيهات التاريخية غير المؤاتية التي تشهّر انانيتهم وقلة ايمانهم يقومون ويُخرجون يسوع خارج المدينة. وهناك، في حافة الجبل الذي تكون الناصرة مبنية عليه، يحاولون ان يطرحوه الى اسفل. ولكنّ يسوع ينجو من قبضتهم ويمضي بأمان. لوقا ٤:١٦-٣٠؛ ١ ملوك ١٧:٨-١٦؛ ٢ ملوك ٥:٨-١٤.
▪ لماذا هنالك ضجة اهتياج في الناصرة؟
▪ ماذا يفكر الناس في خطاب يسوع، ولكن بعدئذ ماذا يجعلهم يغتاظون جدا؟
▪ ماذا يحاول الناس ان يفعلوه بيسوع؟
-
-
اربعة تلاميذ يُدعَوناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٢
اربعة تلاميذ يُدعَون
بعد محاولة اهلاك حياة يسوع في بلدته الناصرة ينتقل الى مدينة كفرناحوم قرب بحر الجليل. وهذا يتمم نبوة اخرى لاشعياء. وهي تلك التي انبأت بأن شعب الجليل القاطنين عند البحر سيبصرون نورا عظيما.
واذ يتابع يسوع هنا عمله المنير للكرازة بالملكوت يجد اربعة من تلاميذه. وكان هؤلاء قد سافروا معه في وقت سابق ولكنهم عادوا الى مهنة صيدهم عندما رجعوا مع يسوع من اليهودية. وعلى الارجح، يبحث يسوع الآن عنهم لانه يحين الوقت ليكون له مساعدون ثابتون قانونيون يمكنه تدريبهم لمتابعة الخدمة بعد ذهابه.
ولذلك اذ يمشي يسوع على شاطئ البحر، ويبصر سمعان بطرس ورفقاءه يغسلون شباكهم، يذهب اليهم. فيدخل سفينة بطرس ويطلب منه ان يبتعد عن البر. وعندما يبتعدون مسافة قصيرة يجلس يسوع في السفينة ويبتدئ يعلم الجموع على الشاطىء.
وبعد ذلك يقول يسوع لبطرس: «ابعد الى العمق وألقوا شباككم للصيد.»
«يا معلم،» يجيب بطرس، «قد تعبنا الليل كلَّه ولم نأخذ شيئا ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة.»
وعندما تُلقى الشباك يُمسك سمك كثير حتى تبتدئ الشباك تتمزق. فيشير الرجال بالحاح الى شركائهم في سفينة مجاورة ان يأتوا ويساعدوهم. وسرعان ما تمتلئ السفينتان بسمك كثير حتى تأخذان في الغرق. واذ يرى بطرس ذلك يخرّ امام يسوع ويقول: «اخرج من سفينتي يا رب لاني رجل خاطئ.»
«لا تخف،» يجيب يسوع. «من الآن تكون تصطاد الناس.»
ويدعو يسوع ايضا اخا بطرس، أندراوس. «هلمَّ ورائي،» يحثهما، «فأجعلكما صيادي الناس.» وشريكاهما في الصيد، يعقوب ويوحنا، ابنا زبدي، ينالان الدعوة نفسها فيتجاوبان ايضا دون تردد. ولذلك يترك هؤلاء الاربعة مهنة صيدهم ويصيرون الاربعة الاولين من أتباع يسوع الثابتين القانونيين. لوقا ٥:١-١١؛ متى ٤:١٣-٢٢؛ مرقس ١:١٦-٢٠؛ اشعياء ٩:١، ٢.
▪ لماذا يدعو يسوع تلاميذه الى اتّباعه، ومن هم هؤلاء؟
▪ اية عجيبة أخافت بطرس؟
▪ الى اي نوع من الصيد يدعو يسوع تلاميذه؟
-
-
عجائب اخرى في كفرناحوماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٣
عجائب اخرى في كفرناحوم
في السبت التالي بعد ان دعا يسوع تلاميذه الاربعة الاولين — بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا — يذهبون جميعا الى المجمع المحلي في كفرناحوم. ويبتدئ يسوع يعلّم هناك، فيبهت الناس لانه يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
وفي هذا السبت يحضر رجل به روح ابليسي. وبعد برهة يصرخ بصوت عال: «ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. انا اعرفك مَن انت قدوس اللّٰه.»
ان الروح الابليسي المسيطر على الرجل هو في الواقع واحد من ملائكة الشيطان. وبانتهاره الروح الابليسي يقول يسوع: «اخرس واخرج منه.»
فيصرع الروح الابليسي الرجل ويصيح بصوت عظيم. ولكنه يخرج من الرجل دون ان يؤذيه. فيتحيّر كل واحد! «ما هذا،» يسألون. «لانه بسلطان يأمر حتى الارواح النجسة فتطيعه.» وينتشر خبر ذلك في كل مكان من الكورة المحيطة.
واذ يترك المجمع يذهب يسوع وتلاميذه الى بيت سمعان، او بطرس. وهناك تكون حماة بطرس مريضة جدا بحمى شديدة. فيتوسلون، ‹نرجوك ساعدها.› فيتقدم يسوع، ويمسك بيدها، ويقيمها. فتشفى حالا وتبتدئ تُحضّر وجبة طعام لهم!
وفي ما بعد، عندما تغرب الشمس، يبتدئ الناس بالمجيء الى بيت بطرس من كل مكان مع مرضاهم. وسرعان ما تجتمع المدينة كلها على الباب! فيشفي يسوع جميع مرضاهم، مهما تكن امراضهم. ويحرر حتى الخاضعين لروح ابليسي. واذ تخرج الابالسة التي يطردها تصرخ: «انت . . . ابن اللّٰه.» ولكنّ يسوع ينتهرهم ولا يدعهم يتكلمون لانهم يعرفون أنه المسيح. مرقس ١:٢١-٣٤؛ لوقا ٤:٣١-٤١؛ متى ٨:١٤-١٧.
▪ ماذا يحدث في المجمع في السبت التالي بعد ان يدعو يسوع تلاميذه الاربعة؟
▪ اين يذهب يسوع عندما يترك المجمع، وأية عجيبة ينجزها هناك؟
▪ ماذا يحدث في ما بعد في الامسية نفسها؟
-
-
لماذا اتى يسوع الى الارضاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٤
لماذا اتى يسوع الى الارض
كان يوم يسوع في كفرناحوم مع تلاميذه الاربعة يوما مليئا بالعمل، مختتما بجلب الناس في كفرناحوم اليه جميع مرضاهم كي يشفوا خلال المساء. فلم يكن هنالك وقت للعزلة.
والآن هو الصباح التالي باكرا. فبينما لا يزال هنالك ظلام ينهض يسوع ويخرج وحده. ويمضي الى موضع خلاء حيث يمكنه ان يصلّي الى ابيه سرا. ولكنّ عزلة يسوع تكون قصيرة لانه عندما يفتقده بطرس والآخرون يخرجون للبحث عنه.
وعندما يجدون يسوع يقول بطرس: «انَّ الجميع يطلبونك.» ان الناس في كفرناحوم يريدون ان يبقى يسوع معهم. فهم يقدّرون حقا ما قد فعله لهم! ولكن هل اتى يسوع الى الارض لينجز في المقام الاول شفاء عجائبيا كهذا؟ ماذا يقول هو بشأن ذلك؟
بحسب احدى روايات الكتاب المقدس، يجيب يسوع تلاميذه: «لنذهب الى القرى المجاورة لاكرز هناك ايضا لاني لهذا خرجت.» ومع ان الناس يلحّون على يسوع ان يبقى، يقول لهم: «ينبغي لي ان أُبشر المدن الاخر ايضا بملكوت اللّٰه لاني لهذا قد أُرسلت.»
نعم، اتى يسوع الى الارض لكي يكرز بصورة خاصة بملكوت اللّٰه، الذي سيبرئ اسم ابيه ويشفي على نحو دائم جميع اسقام البشر. ولكن، لكي يعطي دليلا على انه مرسل من اللّٰه، ينجز يسوع شفاء عجائبيا. وبطريقة مماثلة، انجز موسى قبل قرون عجائب ليثبت اوراق اعتماده كخادم للّٰه.
والآن، عندما يترك يسوع كفرناحوم ليكرز في مدن اخرى، يذهب تلاميذه الاربعة معه. وهؤلاء الاربعة هم بطرس وأخوه اندراوس ويوحنا وأخوه يعقوب. وتذكرون انه، في الاسبوع السابق، كانوا قد دُعوا ليكونوا العاملين الجائلين الاولين مع يسوع.
ان رحلة يسوع الكرازية في الجليل مع تلاميذه الاربعة هي نجاح رائع! وفي الواقع، ينتشر الخبر عن نشاطاته حتى في جميع سورية. وتتبع جموع كثيرة من الجليل واليهودية وعبر نهر الاردن يسوع وتلاميذه. مرقس ١:٣٥-٣٩؛ لوقا ٤:٤٢، ٤٣؛ متى ٤:٢٣-٢٥؛ خروج ٤:١-٩، ٣٠، ٣١.
▪ ماذا يحدث في الصباح بعد يوم يسوع المليء بالعمل في كفرناحوم؟
▪ لماذا أُرسل يسوع الى الارض، واي قصد تخدم عجائبه؟
▪ من يذهب مع يسوع في رحلته الكرازية في الجليل، وماذا يكون التجاوب مع نشاطات يسوع؟
-
-
التحنن على ابرصاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٥
التحنن على ابرص
اذ يزور يسوع وتلاميذه الاربعة مدن الجليل تنتشر الاخبار في كل مكان من الكورة عن الامور الرائعة التي يعملها. ويصل خبر عن افعاله الى مدينة يوجد فيها رجل مريض بالبرص. والطبيب لوقا يصفه بأنه «مملوء برصا.» وهذا المرض المريع، في مراحله المتقدمة، يشوِّه ببطء شتى اجزاء الجسم. ولذلك فان هذا الابرص هو في حالة تثير الشفقة.
وعندما يصل يسوع الى المدينة يقترب منه الابرص. وحسب شريعة اللّٰه، يجب على الابرص ان يصرخ محذرا «نجس نجس» ليحمي الآخرين من الاقتراب كثيرا منه والتعرض لخطر التقاط العدوى. والآن يخر الابرص على وجهه ويتوسل الى يسوع: «يا سيد ان اردت تقدر ان تطهرني.»
فيا للايمان الذي لهذا الرجل بيسوع! ومع ذلك كم يجعله مرضه يبدو مثيرا للشفقة! فماذا سيفعل يسوع؟ ماذا تفعلون انتم؟ اذ يدفع الحنو يسوع يمد يده ويلمس الرجل قائلا: «اريد فاطهر.» وللوقت يذهب عنه البرص.
أترغبون في شخص بهذا الحنو ملكا عليكم؟ ان الطريقة التي بها يعامل يسوع هذا الابرص تمنحنا ثقة بأنه، خلال حكم ملكوته، ستتم نبوة الكتاب المقدس: «يشفق على المسكين والبائس ويخلص انفس الفقراء.» نعم، سيتمم يسوع آنذاك رغبة قلبه في مساعدة كل المرضى.
وحتى قبل شفاء الابرص كانت خدمة يسوع تخلق اثارة عظيمة بين الناس. واتماما لنبوة اشعياء يأمر يسوع الآن الرجل الذي شُفي: «انظر لا تقل لاحد شيئا.» وبعدئذ يوصيه: «اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما امر به موسى شهادة لهم.»
ولكنّ الرجل سعيد حتى انه يعجز عن حفظ العجيبة لنفسه. فيخرج ويبدأ بنشر الخبر في كل مكان، مما يسبب على ما يظهر اهتماما وفضولا بين الناس حتى لم يعد يسوع يقدر ان يدخل مدينة ظاهرا. وهكذا، يمكث يسوع في اماكن خالية حيث لا يعيش احد، ويأتي الناس من كل ناحية ليصغوا اليه وليشفوا من امراضهم. لوقا ٥:١٢-١٦؛ مرقس ١:٤٠-٤٥؛ متى ٨:٢-٤؛ لاويين ١٣:٤٥؛ ١٤:١٠-١٣؛ مزمور ٧٢:١٣؛ اشعياء ٤٢:١، ٢.
▪ اي اثر يمكن ان يكون للبرص، واي تحذير كان على الابرص ان يعطيه؟
▪ كيف يتوسل ابرص الى يسوع، وماذا يمكننا ان نتعلم من تجاوب يسوع؟
▪ كيف يفشل الرجل الذي شُفي في اطاعة يسوع، وماذا تكون النتائج؟
-
-
العودة الى كفرناحوماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٦
العودة الى كفرناحوم
الى الآن انتشرت سمعة يسوع في كل مكان، وكثيرون من الناس يرتحلون الى الاماكن البعيدة حيث يقيم. ولكنه، بعد عدة ايام، يعود الى كفرناحوم عن طريق بحر الجليل. وسرعان ما تنتشر في المدينة اخبار عودته، فيأتي كثيرون الى البيت حيث هو موجود. ويأتي فريسيون ومعلمون للناموس من اماكن بعيدة كأورشليم.
كان الجمع عظيما حتى انهم يملأون المدخل، ولا يوجد مكان لدخول ايّ فرد آخر. والمسرح مرتَّب حقا لحادثة غير عادية. وما يحدث في هذه المناسبة له اهمية حيوية، لانه يساعدنا لنقدِّر ان يسوع يملك القدرة على ازالة سبب الالم البشري واعادة الصحة الى كل الذين يختارهم.
بينما يعلِّم يسوع الجمع يجلب اربعة رجال الى البيت مفلوجا على سرير. فيريدون ان يشفي يسوع صديقهم، ولكن بسبب الجمع لا يتمكنون من الدخول. فيا للخيبة! ومع ذلك لا يستسلمون. فيصعدون على السطح المنبسط، ويعملون فيه فتحة، وينزلون الرجل المفلوج وهو على سريره الى جانب يسوع في الاسفل.
هل يغضب يسوع بسبب هذه المقاطعة؟ لا ابدا! وعلى العكس، يتأثر عميقا بايمانهم. فيقول للمفلوج: «مغفورة لك خطاياك.» ولكن هل يستطيع يسوع حقا ان يغفر الخطايا؟ لا يظن ذلك الكتبة والفريسيون. فيفكرون في قلوبهم: «لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف. من يقدر ان يغفر خطايا الا اللّٰه وحده.»
واذ يعرف يسوع افكارهم يقول لهم: «لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم. ايّما ايسر ان يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك. ام ان يقال قم واحمل سريرك وامشِ.»
عندئذ، يسمح يسوع للجموع، بمن فيهم منتقدوه، بأن يروا اثباتا بارزا يكشف انّ له سلطانا ان يغفر الخطايا على الارض وانه حقا اعظم انسان عاش على الاطلاق. فيلتفت الى المفلوج ويأمره: «قم واحمل سريرك واذهب الى بيتك.» فيقوم للوقت ويخرج حاملا سريره امامهم جميعا! ويصرخ الشعب ويمجدون اللّٰه مندهشين: «ما رأينا مثل هذا قط.»
هل لاحظتم ان يسوع يذكر الخطايا في ما يتعلق بالمرض وأن مغفرة الخطايا تتعلَّق باستعادة الصحة الجسدية؟ يشرح الكتاب المقدس ان ابانا الاول، آدم، اخطأ وأننا جميعا ورثنا نتائج هذه الخطية، اي المرض والموت. ولكن تحت حكم ملكوت اللّٰه سوف يغفر يسوع خطايا جميع الذين يحبون اللّٰه ويخدمونه، وحينئذ تزول كل الامراض. وكم سيكون ذلك رائعا! مرقس ٢:١-١٢؛ لوقا ٥:١٧-٢٦؛ متى ٩:١-٨؛ رومية ٥:١٢، ١٧-١٩.
▪ ماذا كان الوضع لحادثة غير عادية حقا؟
▪ كيف وصل المفلوج الى يسوع؟
▪ لماذا نحن جميعا خطاة، ولكن كيف زوَّد يسوع الرجاء بأن مغفرة خطايانا والصحة الكاملة ممكنة؟
-
-
دعوة متّىاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٧
دعوة متّى
بعد شفاء المفلوج بوقت قصير يخرج يسوع من كفرناحوم الى بحر الجليل. وأيضا تأتي اليه جموع من الناس، فيبدأ بتعليمهم. واذ يمشي يرى متّى، الذي يُدعى ايضا لاوي، جالسا عند مكان الجباية. «اتبعني،» هي دعوة يسوع.
وعلى الارجح، فان متّى الآن عارف بتعاليم يسوع، تماما كما كان بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا عندما دُعوا. ومثلهم، يستجيب متّى للدعوة فورا. فيقوم، ويترك وراءه مسؤولياته كعشار، ويتبع يسوع.
وفي ما بعد، ربما للاحتفال بنيل دعوته، يصنع متّى وليمة استقبال كبيرة في بيته. وبالاضافة الى يسوع وتلاميذه، يحضر عشراء متّى السابقون. واولئك الرجال هم عموما محتقرون من رفقائهم اليهود لانهم يجمعون الضرائب للسلطات الرومانية المكروهة. وفضلا عن ذلك، فانهم كثيرا ما يتطلبون بعدم استقامة مالا من الناس اكثر من نسبة الضريبة القانونية.
بملاحظة يسوع في الوليمة مع اشخاص كهؤلاء يسأل الفريسيون تلاميذه: «لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة.» وبسماع السؤال صدفة يجيب يسوع الفريسيين: «لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلموا ما هو. اني اريد رحمة لا ذبيحة. لاني لم آت لأدعو ابرارا بل خطاة الى التوبة.»
وكما يظهر، فان متّى قد دعا اولئك العشارين الى بيته كي يتمكنوا من الاستماع الى يسوع ونيل الشفاء الروحي. ولذلك يعاشرهم يسوع كي يساعدهم على احراز علاقة سليمة مع اللّٰه. فلا يحتقر يسوع اشخاصا كهؤلاء كما يفعل الفريسيون ذوو البر الذاتي. وبالاحرى، اذ يندفع بالرأفة، يخدم في الواقع كطبيب روحي لهم.
وهكذا فان ممارسة يسوع الرحمة نحو الخطاة ليست تغاضيا عن خطاياهم ولكنها تعبير عن المشاعر الرقيقة نفسها التي اعرب عنها نحو المرضى جسديا. تذكروا، مثلا، عندما مدَّ يده برأفة ولمس الابرص قائلا: «اريد فاطهر.» فلنظهر نحن ايضا الرحمة بمساعدة الاشخاص الذين هم في حاجة، وخاصة باعانتهم بطريقة روحية. متى ٨:٣؛ ٩:٩-١٣؛ مرقس ٢:١٣-١٧؛ لوقا ٥:٢٧-٣٢.
▪ اين يكون متّى عندما يراه يسوع؟
▪ ما هي مهنة متّى، ولماذا اشخاص كهؤلاء محتقرون من اليهود الآخرين؟
▪ اي تذمر على يسوع يجري، وكيف يتجاوب؟
▪ لماذا يعاشر يسوع الخطاة؟
-
-
يُسأل عن الصوماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٨
يُسأل عن الصوم
مضت سنة تقريبا منذ ان حضر يسوع فصح السنة ٣٠ بم. وفي هذا الوقت كان يوحنا المعمدان مسجونا لشهور عديدة. وبالرغم من انه اراد ان يصبح تلاميذه أتباعا للمسيح، لم يصبح الجميع كذلك.
والآن يأتي بعض تلاميذ يوحنا المسجون هؤلاء الى يسوع ويسألون: «لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون.» فالفريسيون يمارسون الصوم مرتين في الاسبوع كطقس من دينهم. وربما اتَّبع تلاميذ يوحنا عادة مشابهة. وربما كانوا ايضا يصومون نوحا على سجن يوحنا ويتعجبون لماذا لا ينضم اليهم تلاميذ يسوع في هذا التعبير عن الاسى.
وفي الاجابة يشرح يسوع: «هل يستطيع بنو العرس ان ينوحوا ما دام العريس معهم. ولكن ستأتي ايام حين يُرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون.»
ويجب ان يتذكر تلاميذ يوحنا ان يوحنا نفسه تكلم عن يسوع بصفته العريس. ولذلك، فيما يكون يسوع حاضرا، لا يعتبر يوحنا الصوم ملائما ولا تلاميذ يسوع. وفي ما بعد، عندما يموت يسوع، ينوح تلاميذه ويصومون. ولكن عندما يُقام ويصعد الى السماء لا يكون لديهم سبب اضافي للصوم الذي يدل على النوح.
ثم يعطي يسوع هذه الايضاحات: «ليس احد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق. لان الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق اردأ. ولا يجعلون خمرا جديدة في زقاق عتيقة. لئلا تنشق الزقاق فالخمر تنصب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة.» فما هي علاقة هذه الايضاحات بالصوم؟
كان يسوع يساعد تلاميذ يوحنا المعمدان ليقدّروا انه لا يجب ان يتوقع احد من أتباعه ان يعملوا وفق الممارسات القديمة لليهودية، كالصوم الطقسي. فهو لم يأت ليصلح ويطيل انظمة العبادة البالية القديمة التي كانت مهيَّأة لترمى. والمسيحية لم تُصنع لتوافق يهودية تلك الايام بتقاليدها البشرية. كلا، لن تكون كرقعة جديدة على ثوب عتيق او كخمر جديدة في زقاق عتيقة. متى ٩:١٤-١٧؛ مرقس ٢:١٨-٢٢؛ لوقا ٥:٣٣-٣٩؛ يوحنا ٣:٢٧-٢٩.
▪ من يمارسون الصوم، ولاي قصد؟
▪ لماذا لا يصوم تلاميذ يسوع فيما يكون معهم، وبعد ذلك كيف يختفي سبب الصوم سريعا؟
▪ اية ايضاحات يرويها يسوع، وماذا تعني؟
-
-
صنع اعمال حسنة في السبتاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٢٩
صنع اعمال حسنة في السبت
انه ربيع السنة ٣١ بم. لقد مرت اشهر قليلة منذ تكلم يسوع الى المرأة عند البئر في السامرة في طريقه من اليهودية الى الجليل.
والآن، بعد التعليم على نحو شامل في كل الجليل، يغادر يسوع ثانية الى اليهودية حيث يكرز في المجامع. وبالمقارنة مع الانتباه الذي يعطيه الكتاب المقدس لخدمته في الجليل، يخبر القليل عن نشاط يسوع في اليهودية خلال هذه الزيارة وخلال الاشهر التي قضاها هنا عقب الفصح السابق. ومن الواضح ان خدمته لم تلقَ تجاوبا مؤاتيا في اليهودية كما لقيت في الجليل.
سرعان ما يكون يسوع في طريقه الى المدينة الرئيسية لليهودية، اورشليم، من اجل فصح السنة ٣١ بم. وهنا، قرب باب الضأن للمدينة، توجد البركة التي تُدعى بيت حسدا حيث يأتي كثيرون من المرضى والعمي والعرج. فهم يعتقدون ان الناس يستطيعون ان يُشفوا بنزولهم في مياه البركة عند تحريكها.
انه السبت، ويرى يسوع عند البركة انسانا به مرض منذ ٣٨ سنة. واذ يعلم بالمدة الطويلة لمرض الانسان يسأل يسوع: «أتريد ان تبرأ.»
فيجيب يسوعَ: «يا سيد ليس لي انسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما انا آت ينزل قدامي آخر.»
فيقول له يسوع: «قم. احمل سريرك وامشِ.» فحالا يبرأ الانسان ويحمل سريره ويمشي!
ولكن عندما يرى اليهود الانسان يقولون: «انه سبت. لا يحل لك ان تحمل سريرك.»
فيجيبهم الانسان: «ان الذي ابرأني هو قال لي احمل سريرك وامشِ.»
«من هو الانسان الذي قال لك احمل سريرك وامشِ،» يسألون. وكان يسوع قد اعتزل بسبب الجمع، والذي شُفي لم يعرف اسم يسوع. ولكن بعد ذلك يلتقي يسوع والانسان في الهيكل، فيعلم الانسان من هو الذي شفاه.
فيجد الانسان الذي شُفي اليهود ليخبرهم ان يسوع هو الذي ابرأه. واذ يعلم اليهود بذلك يذهبون الى يسوع. ولأي سبب؟ أليعلموا بأية وسيلة يقدر ان يفعل هذه الامور المدهشة؟ كلا. بل ليجدوا فيه علة لانه يفعل هذه الامور الحسنة في السبت. حتى انهم يبدأون باضطهاده! لوقا ٤:٤٤؛ يوحنا ٥:١-١٦.
▪ كم من الوقت تقريبا مرَّ منذ زيارة يسوع الاخيرة لليهودية؟
▪ لماذا تكون البركة التي تدعى بيت حسدا شهيرة جدا؟
▪ اية عجيبة ينجزها يسوع عند البركة، وماذا يكون تجاوب اليهود؟
-
-
إجابة متَّهميهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٠
إجابة متَّهميه
عندما يتَّهم القادة الدينيون اليهود يسوع بنقض السبت، يجيب: «ابي يعمل حتى الآن وأنا اعمل.»
ورغم ادعاء الفريسيين، ليس عمل يسوع من النوع الذي تمنعه شريعة السبت. فعمل كرازته وشفائه هو تعيين من اللّٰه، واقتداء بمثال اللّٰه يستمر في فعل ذلك يوميا. ولكنّ جوابه يغيظ اليهود اكثر ايضا مما كانوا عليه قبلا، فيطلبون ان يقتلوه. ولماذا؟
ذلك لانهم الآن لا يعتقدون فقط ان يسوع ينقض السبت بل يعتبرون ادعاء كونه ابنا شخصيا للّٰه تجديفا. ولكنّ يسوع لا يخاف ويجيبهم ايضا عن علاقته المفضَّلة باللّٰه. «الآب يحب الابن،» يقول، «ويريه جميع ما هو يعمله.»
«كما أن الآب يقيم الاموات،» يتابع يسوع، «كذلك الابن ايضا يحيي من يشاء.» وفعلا، ان الابن يقيم الآن الاموات بطريقة روحية! «ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني،» يقول يسوع، «قد انتقل من الموت الى الحياة.» نعم، ويتابع: «تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الاموات صوت ابن اللّٰه والسامعون يحيون.»
ورغم انه ليس هنالك سجل بأن يسوع حتى الآن اقام حرفيا احدا من الاموات، فهو يخبر متَّهميه ان قيامة حرفية كهذه من الاموات ستحصل. «لا تتعجبوا من هذا،» يقول، «فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. (فيخرجون).»
وحتى الآن من الواضح ان يسوع لم يصف جهارا قط دوره الحيوي في قصد اللّٰه بطريقة مميَّزة ومحدَّدة كهذه. ولكنّ متَّهمي يسوع لديهم اكثر من شهادته الخاصة عن هذه الامور. «انتم ارسلتم الى يوحنا،» يذكّرهم يسوع، «فشهد للحق.»
فقبل سنتين فقط اخبر يوحنا المعمدان القادة الدينيين اليهود هؤلاء عن الآتي بعده. ويقول يسوع، مذكّرا اياهم باحترامهم الرفيع سابقا ليوحنا المسجون الآن: «انتم اردتم ان تبتهجوا بنوره ساعةً.» يعيد يسوع ذلك الى اذهانهم راجيا ان يساعدهم، نعم، ان يخلصهم. ومع ذلك فهو لا يعتمد على شهادة يوحنا.
«الاعمال بعينها التي انا اعملها [بما فيها العجيبة التي انجزها الآن] هي تشهد لي أن الآب قد ارسلني.» ولكن بالاضافة الى ذلك يتابع يسوع: «الآب نفسه الذي ارسلني يشهد لي.» لقد شهد اللّٰه ليسوع، مثلا، عند معموديته قائلا: «هذا هو ابني الحبيب.»
حقا، ليس لدى متَّهمي يسوع ايّ عذر في رفضه. فالاسفار المقدسة نفسها التي يدَّعون تفتيشها تشهد له! «لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني،» يختتم يسوع، «لانه هو كتب عني. فان كنتم لستم تصدّقون كتب ذاك فكيف تصدّقون كلامي.» يوحنا ٥:١٧-٤٧؛ ١:١٩-٢٧؛ متى ٣:١٧.
▪ لماذا ليس عمل يسوع انتهاكا للسبت؟
▪ كيف يصف يسوع دوره الحيوي في قصد اللّٰه؟
▪ لكي يبرهن يسوع انه ابن اللّٰه الى شهادة من يشير؟
-
-
قطف القمح في السبتاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣١
قطف القمح في السبت
سرعان ما يترك يسوع وتلاميذه اورشليم ليعودوا الى الجليل. انه الربيع، وفي الحقول هنالك سنابل قمح في السويقات. والتلاميذ جياع. لذلك يقطفون السنابل ويأكلون. ولكن بما انه سبت لا تمرّ اعمالهم دون ان تراقَب.
ان القادة الدينيين في اورشليم كانوا قد طلبوا ان يقتلوا يسوع بسبب انتهاكات مزعومة للسبت. والآن يقدّم الفريسيون اتِّهاما. «هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت،» يتَّهمون.
يدّعي الفريسيون ان التقاط القمح وفركه بالايدي للاكل هو حصاد ودرس. ولكنّ تفسيرهم المتزمت لما يتألف منه العمل قد جعل السبت عبءا فيما كان القصد منه وقتا مبهجا بنّاء روحيا. لذلك يردّ يسوع بمثالين من الاسفار المقدسة ليبيّن ان يهوه اللّٰه لم يقصد قط تطبيقا متزمتا غير لائق كهذا لشريعته عن السبت.
يقول يسوع ان داود ورجاله حين جاعوا توقفوا عند المسكن واكلوا خبز التقدمة. وذلك الخبز كان قد رُفع الآن من امام يهوه واستُبدل به خبز سخن، وكان يُحفظ عادةً ليأكله الكهنة. إلا ان داود ورجاله، في هذه الحال، لم يدانوا لاكله.
واذ يزود مثالا آخر يقول يسوع: «أوما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم ابرياء.» نعم، حتى في السبت يواصل الكهنة ذبح الحيوانات وعملا آخر في الهيكل إعدادا للذبائح الحيوانية! «ولكن اقول لكم،» يقول يسوع، «ان ههنا اعظم من الهيكل.»
واذ يلوم الفريسيين يتابع يسوع: «فلو علمتم ما هو. اني اريد رحمة لا ذبيحة. لما حكمتم على الابرياء.» ثم يختتم: «فان ابن الانسان هو رب السبت ايضا.» فماذا يعني يسوع بذلك؟ يشير يسوع الى حكم ملكوته السلمي لالف سنة.
فطوال ٠٠٠،٦ سنة الآن، يعاني الجنس البشري عبودية شاقة تحت رئاسة الشيطان ابليس اذ يكون العنف والحرب الحالة السائدة. ومن جهة ثانية، سيكون حكم المسيح السبتي العظيم وقتا للراحة من كل هذه المعاناة والظلم. متى ١٢:١-٨؛ لاويين ٢٤:٥-٩؛ ١ صموئيل ٢١:١-٦؛ عدد ٢٨:٩؛ هوشع ٦:٦.
▪ اية تهمة تُدخَل على تلاميذ يسوع، وكيف يردّ يسوع عليها؟
▪ اي فشل للفريسيين يبيّنه يسوع؟
▪ بأية طريقة يكون يسوع «رب السبت»؟
-
-
ماذا يحلّ في السبت؟اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٢
ماذا يحلّ في السبت؟
في سبت آخر يزور يسوع مجمعا قرب بحر الجليل. ويكون هناك رجل يده اليمنى يابسة. والكتبة والفريسيون يراقبون بدقة ليروا ما اذا كان يسوع سيشفيه. وأخيرا يسألون: «هل يحلّ الابراء في السبوت.»
يعتقد القادة الدينيون اليهود ان الشفاء يحلّ في السبت اذا كانت الحياة في خطر فقط. فهم يعلِّمون، على سبيل المثال، انه لا يحلّ في السبت ان يُجبر عظم او يُعصب التواء مفصل. ولذلك يسأل الكتبة والفريسيون يسوع محاولين ان يشتكوا عليه.
ولكنّ يسوع يعرف افكارهم. وفي الوقت نفسه يدرك انهم قد تبنّوا رأيا متطرفا غير مؤسس على الاسفار المقدسة في ما يتعلق بما يشكل انتهاكا لمطلب يوم السبت الذي يمنع العمل. وهكذا يُعدّ يسوع المسرح لمجابهة مثيرة بقوله للرجل الذي يده يابسة: «قم وقف في الوسط.»
والآن، اذ يلتفت الى الكتبة والفريسيين، يقول يسوع: «اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط هذا في السبت في حفرة أفما يُمسكه ويقيمه.» وبما ان الخروف يمثل استثمارا ماليا فلم يكونوا ليتركوه في الحفرة حتى اليوم التالي، ربما ليمرض ويسبب لهم خسارة. وبالاضافة الى ذلك، تقول الاسفار المقدسة: «الصدّيق يراعي نفس بهيمته.»
واذ يرسم تناظرا يتابع يسوع: «فالانسان كم هو افضل من الخروف. اذًا يحلّ فعل الخير في السبوت.» واذ يكون القادة الدينيون غير قادرين على دحض تفكير منطقي ورؤوف كهذا يبقون ساكتين.
بغضب وأيضا بحزن على حماقتهم المستعصية ينظر يسوع حوله. ثم يقول للرجل: «مُدَّ يدك.» فيمدّ يده وتشفى.
وعوضا عن ان يكونوا سعداء لان يد الرجل عادت صحيحة، يخرج الفريسيون ويتآمرون فورا مع حزب الهيرودسيين لكي يقتلوا يسوع. ومن الواضح ان هذا الحزب السياسي يشمل اعضاء من الصدوقيين الدينيين. وعادة يقاوم هذا الحزب السياسي والفريسيون واحدهم الآخر علنا، لكنهم يتَّحدون بقوة في مقاومتهم ليسوع. متى ١٢:٩-١٤؛ مرقس ٣:١-٦؛ لوقا ٦:٦-١١؛ امثال ١٢:١٠؛ خروج ٢٠:٨-١٠.
▪ ما هو زمان ومكان المجابهة المثيرة بين يسوع والقادة الدينيين اليهود؟
▪ ماذا يعتقد اولئك القادة الدينيون اليهود في ما يتعلق بالشفاء في السبت؟
▪ اي مثل يستعمله يسوع لدحض آرائهم الخاطئة؟
-
-
إتمام نبوة اشعياءاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٣
إتمام نبوة اشعياء
بعد ان يعلم يسوع ان الفريسيين وأتباع حزب هيرودس يخططون لقتله ينصرف مع تلاميذه الى بحر الجليل. هنا تحتشد اليه جموع كثيرة من جميع انحاء فلسطين وحتى من خارج تخومها. فيشفي كثيرين، وتكون النتيجة ان جميع اولئك المصابين بأمراض خطيرة يندفعون اليه ليلمسوه.
ولان الجموع غفيرة جدا يقول يسوع لتلاميذه ان تلازمه سفينة دائما. فبالابتعاد عن الشاطئ يمكنه ان يمنع الجموع عن زحمه. ويمكنه ان يعلّمهم من السفينة او يسافر الى منطقة اخرى على موازاة الشاطئ لمساعدة الناس هناك.
يشير التلميذ متّى الى ان نشاط يسوع يتمم «ما قيل باشعياء النبي.» ثم يقتبس متّى النبوة التي يتممها يسوع:
«هوذا فتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سرَّت به نفسي. اضع روحي عليه فيخبر الامم (بالعدل). لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف. وفتيلة مدخنة لا يطفئ. حتى يُخرج (العدل) الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم.»
طبعا، ان يسوع هو الخادم الحبيب الذي يسرّ به اللّٰه. ويسوع يبيِّن ما هو العدل الحقيقي الذي تخفيه التقاليد الدينية الباطلة. فالفريسيون، بسبب تطبيقهم الجائر لشريعة اللّٰه، لا يأتون حتى لمساعدة شخص مريض في السبت! وبتبيان عدل اللّٰه، يحرر يسوع الناس من عبء التقاليد الجائرة، ولاجل ذلك يحاول القادة الدينيون ان يقتلوه.
وماذا يعني انه ‹لا يخاصم ولا يرفع صوته بحيث يُسمع في الشوارع›؟ عند شفاء الناس ‹يوصيهم يسوع بشدة ان لا يُظهروه.› فهو لا يريد ان يحصل على اعلان صاخب عن نفسه في الشوارع او ان تُنقل اخبار محرّفة باثارة من فم الى فم.
وايضا يحمل يسوع رسالته المعزية الى اشخاص هم مجازيا كقصبة مرضوضة وملتوية ومسحوقة تحت الاقدام. وهم كفتيلة مدخِّنة يوشك بصيص حياتها الاخير ان يهمد. فيسوع لا يقصف القصبة المرضوضة او يطفئ الفتيلة الخامدة المدخِّنة. لكنه، بحنان ومحبة، يقدم العون بطريقة بارعة للودعاء. حقا، ان يسوع هو الشخص الذي عليه يمكن ان يكون رجاء الامم! متى ١٢:١٥-٢١؛ مرقس ٣:٧-١٢؛ اشعياء ٤٢:١-٤.
▪ كيف يبيِّن يسوع العدل دون ان يخاصم او يرفع صوته في الشوارع؟
▪ مَن هم مثل قصبة مرضوضة وفتيلة، وكيف يعاملهم يسوع؟
-
-
اختيار رسلهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٤
اختيار رسله
كان قد مضى حوالي سنة ونصف منذ ان قدَّم يوحنا المعمدان يسوع كحمل اللّٰه وابتدأ يسوع خدمته الجهرية. في ذلك الوقت كان اندراوس، سمعان بطرس، يوحنا، وربما يعقوب (اخو يوحنا)، بالاضافة الى فيلبس ونثنائيل (يُدعى ايضا برثولماوس)، قد صاروا تلاميذه الاولين. وبعد مدة انضمَّ اليهم كثيرون آخرون في اتِّباع المسيح.
ان يسوع مستعد الآن لانتقاء رسله. وهؤلاء سيكونون عشراءه الاحماء الذين سيُعطَون تدريبا خصوصيا. ولكن قبل انتقائهم يذهب يسوع الى جبل ويقضي الليل كله في الصلاة، طالبا على الارجح الحكمة وبركة اللّٰه. وعندما يصير النهار يدعو تلاميذه ومن بينهم يختار ١٢. ولكن بما انهم يستمرون متعلمين من يسوع فهم لا يزالون يُدعون تلاميذ ايضا.
ان الستة الذين ينتقيهم يسوع، المذكورين آنفا، هم اولئك الذين صاروا تلاميذه الاولين. ومتّى، الذي دعاه يسوع من مكان جبايته، يجري انتقاؤه ايضا. والمختارون الخمسة الآخرون هم يهوذا (يُدعى ايضا تَدَّاوس)، يهوذا الاسخريوطي، سمعان القانوي، توما، ويعقوب بن حلفى. ويعقوب هذا يُدعى ايضا يعقوب الصغير ربما لكونه اما اقصر بالقامة الجسدية أو اصغر سنا من الرسول يعقوب الآخر.
الى الآن كان هؤلاء الـ ١٢ مع يسوع لبعض الوقت، وهو يعرفهم جيدا. وفي الواقع، ان عددا منهم هم اقرباؤه. فيعقوب وأخوه يوحنا هما بشكل واضح ابنا خالة يسوع. ومن المحتمل ان حلفى كان اخا يوسف، ابي يسوع بالتبنِّي. فابن حلفى، الرسول يعقوب، يكون ايضا ابن عم يسوع.
وطبعا، ليست لدى يسوع اية مشكلة في تذكر اسماء رسله. ولكن هل يمكنكم انتم ان تتذكروهم؟ حسنا، تذكروا فقط ان هنالك اثنين يُسمَّيان سمعان واثنين يُسمَّيان يعقوب واثنين يُسمَّيان يهوذا، وان سمعان له اخ هو اندراوس، ويعقوب له اخ هو يوحنا. هذا هو المفتاح لتتذكروا ثمانية رسل. والاربعة الآخرون يشملون جابي ضرائب (متّى)، واحدا شك في ما بعد (توما)، واحدا جرت دعوته من تحت شجرة (نثنائيل)، وصديقه فيلبس.
ان احد عشر رسولا هم من الجليل، مقاطعة موطن يسوع. نثنائيل هو من قانا. فيلبس وبطرس واندراوس هم في الاصل من بيت صيدا، وبطرس واندراوس انتقلا في ما بعد الى كفرناحوم، حيث سكن متّى على ما يظهر. يعقوب ويوحنا كانا في مهنة صيد السمك وسكنا ايضا على الارجح في كفرناحوم او قربها. ويبدو ان يهوذا الاسخريوطي، الذي خان يسوع في ما بعد، هو الرسول الوحيد من اليهودية. مرقس ٣:١٣-١٩؛ لوقا ٦:١٢-١٦.
▪ ايّ رسل ربما كانوا اقرباء ليسوع؟
▪ من هم رسل يسوع، وكيف يمكنكم تذكر اسمائهم؟
▪ من اية مقاطعات اتى الرسل؟
-
-
اشهر موعظة أُعطيت على الاطلاقاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٥
اشهر موعظة أُعطيت على الاطلاق
المشهد هو واحد من المشاهد الاكثر جدارة بأن تُذكر في تاريخ الكتاب المقدس: يسوع يجلس في منحدر جبل، ملقيا موعظته الشهيرة على الجبل. المكان هو قرب بحر الجليل، وربما في جوار كفرناحوم. بعد قضاء الليل كله في الصلاة، اختار يسوع الآن ١٢ من تلاميذه ليكونوا رسلا. ثم، معهم جميعا، ينزل الى هذا الموضع السهل من الجبل.
والآن، قد تفكرون، يجب ان يكون يسوع تعبا جدا ويرغب في شيء من النوم. ولكنّ جموعا كثيرة اتت، بعضهم من اليهودية واورشليم على بعد ٦٠ الى ٧٠ ميلا (١٠٠ الى ١١٠ كلم). وآخرون اتوا من ساحل صور وصيداء الواقعتين شمالا. لقد اتوا ليسمعوا يسوع ويشفوا من امراضهم. وكان هنالك ايضا اشخاص معذَّبون من الابالسة، الملائكة الاشرار للشيطان.
واذ ينزل يسوع يقترب اليه الاشخاص المرضى ليلمسوه فيشفيهم جميعا. وبعد ذلك يبدو ان يسوع يتسلق موضعا اعلى في الجبل. وهنا يجلس ويبدأ بتعليم الجموع المنتشرة في الموضع السهل امامه. تأملوا في ذلك! لا يوجد الآن حتى ولا شخص واحد بين الحاضرين جميعا يشكو من عجز خطير!
ويتشوق الشعب الى سماع المعلم القادر على انجاز هذه العجائب المذهلة. إلا ان يسوع يلقي موعظته بشكل رئيسي لفائدة تلاميذه المجتمعين على الارجح حوله وأقرب ما يمكن اليه. ولكن لنتمكن من الاستفادة نحن ايضا سجَّلها متى ولوقا كلاهما.
وطول رواية متى للموعظة هو حوالي اربعة اضعاف طول رواية لوقا. وفضلا عن ذلك، فان اجزاء مما يسجله متى يقدمها لوقا كأمور قالها يسوع في وقت آخر اثناء خدمته، كما يمكن ملاحظته بمقارنة متى ٦:٩-١٣ بلوقا ١١:١-٤، ومتى ٦:٢٥-٣٤ بلوقا ١٢:٢٢-٣١. ومع ذلك لا يجب ان يكون ذلك مدهشا. فمن الواضح ان يسوع علَّم الامور نفسها اكثر من مرة، وقد اختار لوقا ان يسجِّل بعض هذه التعاليم في مكان مختلف.
وما يجعل موعظة يسوع قيِّمة للغاية ليس فقط عمق محتوياتها الروحية وانما البساطة والوضوح الذي به يقدم هذه الحقائق. وهو يعتمد على الاختبارات العادية ويستعمل امورا مألوفة عند الشعب، جاعلا بالتالي افكاره مفهومة بسهولة من جميع الذين يطلبون حياة افضل في طريق اللّٰه.
من هم السعداء حقا؟
كل فرد يريد ان يكون سعيدا. واذ يدرك يسوع ذلك يبتدئ موعظته على الجبل واصفا اولئك الذين هم سعداء حقا. وكما يمكننا ان نتصور، يجذب ذلك فورا انتباه حضوره الكثير العدد. ورغم ذلك، لا بد ان تبدو كلماته الافتتاحية متناقضة لكثيرين.
يبتدئ يسوع موجها تعليقاته الى تلاميذه: «طوباكم ايها المساكين لان لكم ملكوت اللّٰه. طوباكم ايها الجياع الآن لانكم تُشبعون. طوباكم ايها الباكون الآن لانكم ستضحكون. طوباكم اذا ابغضكم الناس . . . افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا. فهوذا اجركم عظيم في السماء.»
هذه رواية لوقا لمقدمة موعظة يسوع. ولكن حسب سجل متى يقول يسوع ايضا ان الودعاء والرحماء والانقياء القلب وصانعي السلام هم سعداء. وهؤلاء هم سعداء، يذكر يسوع، لانهم يرثون الارض، ويُرحمون، ويعاينون اللّٰه، وأبناء اللّٰه يُدعون.
ولكنَّ ما يعنيه يسوع بكون المرء سعيدا ليس مجرد كونه جذلا او مرحا، كما عندما يلهو. فالسعادة الحقيقية هي اعمق، حاملة فكرة القناعة، الشعور بالاكتفاء والانجاز في الحياة.
فاولئك الذين هم سعداء حقا، يُظهر يسوع، هم اناس يدركون حاجتهم الروحية، وتحزنهم حالتهم الخاطئة، ويأتون الى معرفة اللّٰه وخدمته. وحتى اذا جرى ابغاضهم او اضطهادهم من اجل صنع مشيئة اللّٰه يكونون سعداء اذ يعرفون انهم يسرّون اللّٰه وسينالون مكافأته للحياة الابدية.
ولكنّ كثيرين من سامعي يسوع، تماما كبعض الناس اليوم، يعتقدون ان الازدهار والتمتع بالملذات هو ما يجعل الشخص سعيدا. يعرف يسوع خلافا لذلك. واذ يلفت الانتباه الى تباين لا بد ان يدهش كثيرين من سامعيه يقول:
«ويل لكم ايها الاغنياء. لانكم قد نلتم عزاءكم. ويل لكم ايها الشباعى لانكم ستجوعون. ويل لكم ايها الضاحكون الآن لانكم ستحزنون وتبكون. ويل لكم اذا قال فيكم جميع الناس حسنا. لانه هكذا كان آباؤهم يفعلون بالانبياء الكذبة.»
فماذا يعني يسوع؟ ولماذا امتلاك الغنى والسعي وراء الملذّات بضحك والتمتع باستحسان الناس يجلب الويل؟ لانه عندما يمتلك الشخص هذه الاشياء ويتعلق بها تُستثنى من حياته خدمة اللّٰه، التي تجلب وحدها السعادة الحقيقية. وفي الوقت نفسه، لم يعنِ يسوع ان مجرد كون الشخص فقيرا وجائعا وحزينا يجعله سعيدا. ولكن، في الغالب، يمكن ان يتجاوب مثل هؤلاء الاشخاص المحرومين مع تعاليم يسوع، وبذلك يتباركون بالسعادة الحقيقية.
بعد ذلك يقول يسوع مخاطبا تلاميذه: «انتم ملح الارض.» انه طبعا لا يعني انهم حرفيا ملح. فالملح هو حافظ. وتوضع كومة كبيرة منه قرب المذبح في هيكل يهوه، والكهنة القائمون بالخدمة هناك استخدموه لتمليح التقدمات.
ان تلاميذ يسوع هم «ملح الارض» بمعنى أن لهم تأثيرا حافظا في الناس. وفي الواقع، ان الرسالة التي يحملونها ستحفظ حياة جميع الذين يتجاوبون معها! وهي ستجلب لحياة مثل هؤلاء الاشخاص صفات الاستمرار والولاء والامانة، مانعة ايّ فساد روحي وأدبي فيهم.
«انتم نور العالم،» يقول يسوع لتلاميذه. فالسراج لا يوضع تحت المكيال بل على المنارة، ولذلك يقول يسوع: «فليضئ نوركم هكذا قدام الناس.» ويفعل تلاميذ يسوع ذلك بشهادتهم العلنية، بالاضافة الى خدمتهم كأمثلة مضيئة للسلوك الذي ينسجم مع مبادئ الكتاب المقدس.
مقياس رفيع لأتباعه
يعتبر القادة الدينيون يسوع متعديا على ناموس اللّٰه حتى انهم مؤخرا تآمروا ليقتلوه. ولذلك اذ يتابع يسوع موعظته على الجبل يشرح: «لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمّل.»
يملك يسوع الاعتبار الاسمى لناموس اللّٰه ويشجع الآخرين على حيازة الاعتبار عينه ايضا. وفي الواقع، يقول: «فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات،» مما يعني ان شخصا كهذا لن يدخل الملكوت اطلاقًا.
وبعيدًا عن الاحتقار لناموس اللّٰه يدين يسوع حتى المواقف التي تساهم في نقض الشخص له. فبعد الاشارة الى ان الناموس يقول، «لا تقتل،» يضيف يسوع: «وأما انا فأقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم.»
وبما ان استمرار الغضب على عشير ما خطير جدا، وربما يقود ايضا الى القتل، يوضح يسوع الحد الذي يجب على المرء ان يصل اليه تحقيقا للسلام. يأمر: «فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت أن لاخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولاً اصطلح مع اخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك.»
واذ يلفت الانتباه الى الوصية السابعة من الوصايا العشر يتابع يسوع: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن.» ولكنّ يسوع يدين حتى الموقف الثابت من الزنا. «اقول لكم ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.»
لا يتكلم يسوع هنا عن مجرد فكرة عابرة فاسدة ادبيا بل عن الاستمرار في النظر. فنظر مستمر كهذا يثير الرغبة الشهوانية التي، ان سنحت الفرصة، يمكن ان تبلغ الذروة في الزنا. وكيف يمكن للشخص ان يمنع حدوث ذلك؟ يوضح يسوع كيف يمكن ان تكون الاجراءات الصارمة ضرورية اذ يقول: «فان كانت عينك اليمنى تُعثرك فاقلعها وألقها عنك. . . . وان كانت يدك اليمنى تُعثرك فاقطعها وألقها عنك.»
غالبا ما يرغب الناس في ان يضحوا بعضو حرفي مريض بغية انقاذ حياتهم. ولكن، حسب قول يسوع، من الحيوي اكثر ايضا ان ‹يُلقوا› أي شيء، حتى ولو كان شيئا ثمينا كالعين او اليد، لكي يتجنبوا التفكير الفاسد والاعمال الفاسدة ادبيا. وإلا، يشرح يسوع، فان اشخاصا كهؤلاء سيلقون في جهنم (كومة نفايات مشتعلة قرب اورشليم)، التي ترمز الى الهلاك الابدي.
ويناقش يسوع ايضا كيفية التعامل مع الناس الذين يسببون الأذى والاساءة. ومشورته هي: «لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر ايضا.» لا يعني يسوع ان الشخص لا يجب ان يدافع عن نفسه او عائلته اذا هوجم. فاللطمة لا يُقصد بها اذية الشخص الآخر جسديا، بل بالحري الاهانة. ولذلك فان ما يقوله يسوع هو انه اذا حاول احد ان يثير القتال او الجدال، إن باللطم الحرفي باليد المفتوحة او باللسع بكلمات مهينة، فمن الخطإ الانتقام.
وبعد لفت الانتباه الى ناموس اللّٰه لمحبة المرء قريبه يصرّح يسوع: ‹أما انا فأقول لكم أحبوا اعداءكم. وصلّوا لاجل الذين يضطهدونكم.› واذ يزوّد سببا قويا لذلك يضيف: «[وهكذا تكونون] ابناء ابيكم الذي في السموات. فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين.»
ويختتم يسوع هذا الجزء من موعظته بالنصح: «فكونوا انتم كاملين كما أن اباكم الذي في السموات هو كامل.» ولا يعني يسوع انه يمكن للناس ان يكونوا كاملين بالمعنى المطلق. وبالأحرى يمكنهم، تمثلاً باللّٰه، ان يوسعوا محبتهم لتشمل حتى اعداءهم. ورواية لوقا المناظرة تسجل كلمات يسوع: «فكونوا رحماء كما أن اباكم ايضا رحيم.»
الصلاة، والثقة باللّٰه
فيما يواصل يسوع موعظته يدين رياء الناس الذين يعرضون تقواهم المزعومة. «متى صنعت صدقة،» يقول، «فلا تصوِّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون.»
ويتابع يسوع، «ومتى صلّيت فلا تكن كالمرائين. فانهم يحبّون ان يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس.» ويأمر بالاحرى: «متى صليت فادخل الى مخدعك وأغلق بابك وصلِّ الى ابيك الذي في الخفاء.» ويسوع نفسه قدم صلوات علنية، ولذلك فهو لا يدينها. وما يشجبه هو الصلوات التي تقال للتأثير في السامعين وكسب تملّقات اعجابهم.
وينصح يسوع ايضا: «حينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالامم.» لا يعني يسوع ان التكرار بحد ذاته خطأ. فذات مرة استخدم تكرارا هو نفسه «الكلام بعينه» عندما صلى. ولكنّ ما يرفضه هو قول عبارات مستظهَرة ‹تكرارا،› بالطريقة التي يفعلها اولئك الذين يمسُّون السُّبحة بأصابعهم فيما يكررون صلواتهم حفظا.
ولمساعدة سامعيه على الصلاة يزوّد يسوع صلاة نموذجية تشمل سبعة التماسات. فالثلاثة الاولى تعترف بحق بسلطان اللّٰه ومقاصده. انها طلبات من اجل تقديس اسم اللّٰه، واتيان ملكوته، وفعل مشيئته. والاربعة المتبقية هي طلبات شخصية، اي من اجل الطعام اليومي، ومن اجل غفران الخطايا، وعدم التجربة فوق الاحتمال، والنجاة من الشرير.
واذ يتابع يسوع يتحدث عن فخ التشديد غير الملائم على الممتلكات المادية. ويحث: «لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يُفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون.» فليست كنوز كهذه فانية فحسب ولكنها لا تبني اي استحقاق عند اللّٰه.
لذلك يقول يسوع: «بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء.» ويكون ذلك بوضع خدمة اللّٰه اولا في حياتكم. ولا احد يمكنه سلب الاستحقاق المتجمع على هذا النحو عند اللّٰه او مكافأته العظيمة. ثم يضيف يسوع: «حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا.»
واذ يتحدث يسوع ايضا عن فخ المادية يعطي الايضاح: «سراج الجسد هو العين. فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيِّرا. وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما.» فالعين التي تعمل كما ينبغي هي للجسد كسراج مضيء في مكان مظلم. ولكن لكي ترى على نحو صحيح يجب ان تكون العين بسيطة، اي يجب ان تركِّز على شيء واحد. والعين غير المركَّزة تؤدي الى تقدير خاطئ للامور والى وضع المساعي المادية امام خدمة اللّٰه بنتيجة صيرورة ‹الجسد كله› مظلما.
يبلغ يسوع ذروة هذه القضية بالايضاح القوي: «لا يقدر احد ان يخدم سيدين. لانه إما ان يُبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون ان تخدموا اللّٰه والمال.»
بعد اعطاء هذه المشورة يؤكد يسوع لسامعيه انه لا يلزمهم ان يقلقوا بشأن حاجاتهم المادية اذا وضعوا خدمة اللّٰه اولا. «انظروا الى طيور السماء،» يقول، «انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن. وابوكم السماوي يقوتها.» ثم يسأل: «ألستم انتم بالحري أفضل منها.»
بعد ذلك يشير يسوع الى زنابق الحقل ويقول انه «ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان،» يتابع، «عشب الحقل . . . يُلبسه اللّٰه هكذا أفليس بالحري جدا يُلبسكم انتم يا قليلي الايمان.» ولذلك يختتم يسوع: «لا تهتموا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. . . . لان اباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت اللّٰه وبره وهذه كلها تزاد لكم.»
الطريق الى الحياة
الطريق الى الحياة هو ذاك الذي للتقيّد بتعاليم يسوع. ولكن ليس من السهل فعل ذلك. والفريسيون، مثلا، يميلون الى ان يدينوا الآخرين بقسوة، وعلى الارجح يتمثَّل بهم كثيرون. وهكذا اذ يواصل يسوع موعظته على الجبل يعطي هذا التحذير: «لا تدينوا لكي لا تُدانوا. لانكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون.»
من الخطر ان نتبع قيادة الفريسيين الانتقاديين جدا. وبحسب رواية لوقا، يوضح يسوع هذا الخطر قائلا: «هل يقدر اعمى ان يقود اعمى. أما يسقط الاثنان في حفرة.»
وكون المرء انتقاديا للآخرين اكثر من اللازم، مكبِّرا اخطاءهم ومضايقا اياهم، هو اساءة خطيرة. ولذلك يسأل يسوع: «كيف تقول لاخيك دعني أُخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي أَخرج اولا الخشبة من عينك. وحينئذ تُبصر جيدا ان تُخرج القذى من عين اخيك.»
لا يعني ذلك ان تلاميذ يسوع لا يجب ان يستعملوا التمييز في ما يتعلق بالناس الآخرين، لانه يقول: «لا تعطوا القدس للكلاب. ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير.» ان الحقائق من كلمة اللّٰه مقدسة. وهي كدرر مجازية. ولكن اذا كان بعض الافراد، الذين هم كالكلاب او الخنازير، لا يُظهرون ايّ تقدير لهذه الحقائق الثمينة يجب على تلاميذ يسوع ان يتركوا هؤلاء الناس ويفتشوا عن اولئك الذين يكونون اكثر تقبلا.
رغم ان يسوع ناقش الصلاة سابقا في موعظته على الجبل، يشدد الآن على الحاجة الى المواظبة عليها. «اسألوا تعطوا،» يحث. ولكي يوضح استعداد اللّٰه لاستجابة الصلوات يسأل يسوع: «اي انسان منكم اذا سأله ابنه خبزا يعطيه حجرا. . . . فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه.»
ثم يزوّد يسوع ما قد صار قاعدة شهيرة للسلوك تُدعى عموما القاعدة الذهبية. يقول: «فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم.» والعيش بحسب هذه القاعدة يشمل تصرفا ايجابيا في فعل الخير للآخرين، معاملينهم كما تريدون ان تُعاملوا.
أمّا ان الطريق الى الحياة ليس سهلا فيظهره ارشاد يسوع: «ادخلوا من الباب الضيق. لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه.»
ان خطر كون المرء على ضلال هو كبير، ولذلك يحذر يسوع: «احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.» وتماما كما ان الاشجار الجيدة والاشجار الردية يمكن معرفتها من ثمارها، يذكر يسوع، فان الانبياء الكذبة يمكن معرفتهم من سلوكهم وتعاليمهم.
واذ يتابع يسوع يشرح انه ليس ما يقوله الشخص يجعله تلميذا له بل ما يفعله. فبعض الناس يدّعون ان يسوع هو ربهم، ولكن اذا كانوا لا يفعلون ارادة ابيه، يقول: «اصرّح لهم اني لم اعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الاثم.»
وأخيرا يعطي يسوع الخاتمة الجديرة بالذكر لموعظته. يقول: «كل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبَّت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. لانه كان مؤسسا على الصخر.»
ومن ناحية اخرى يعلن يسوع: «كل من يسمع اقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبَّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبَّت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيما.»
وعندما يُكمل يسوع موعظته تبهت الجموع من طريقة تعليمه، لانه يعلمهم كمن له سلطان وليس كقادتهم الدينيين. لوقا ٦:١٢-٢٣؛ متى ٥:١-١٢؛ لوقا ٦:٢٤-٢٦؛ متى ٥:١٣-٤٨؛ ٦:١-٣٤؛ ٢٦:٣٦-٤٥؛ ٧:١-٢٩؛ لوقا ٦:٢٧-٤٩.
▪ اين يكون يسوع عندما يعطي موعظته الاكثر جدارة، ومن يكونون حاضرين، وماذا يحدث قبيل اعطائها؟
▪ لماذا ليس مدهشا ان يسجِّل لوقا بعض تعاليم الموعظة في مكان آخر؟
▪ ماذا يجعل موعظة يسوع قيِّمة للغاية؟
▪ مَن هم السعداء حقا، ولماذا؟
▪ مَن ينالون الويل، ولماذا؟
▪ كيف يكون تلاميذ يسوع «ملح الارض» و «نور العالم»؟
▪ كيف يظهر يسوع اعتبارا رفيعا لناموس اللّٰه؟
▪ ايّ ارشاد يزوّده يسوع ليستأصل اسباب القتل والزنا؟
▪ ماذا يعني يسوع عندما يتكلم عن تحويل الخد الآخر؟
▪ كيف يمكننا ان نكون كاملين كما ان اللّٰه كامل؟
▪ اية ارشادات بشأن الصلاة يزوِّدها يسوع؟
▪ لماذا الكنوز السماوية هي اسمى، وكيف يجري الحصول عليها؟
▪ اية ايضاحات تُعطى لمساعدة المرء على تجنب المادية؟
▪ لماذا يقول يسوع انه لا يلزم ان نقلق؟
▪ ماذا يقول يسوع عن ادانة الآخرين، ولكن كيف يُظهر ان تلاميذه يحتاجون الى استعمال التمييز في ما يتعلق بالناس؟
▪ ماذا يقول يسوع اكثر عن الصلاة، وأية قاعدة للسلوك يزوِّد؟
▪ كيف يُظهر يسوع ان الطريق الى الحياة لن يكون سهلا وان هنالك خطر كون المرء على ضلال؟
▪ كيف يختتم يسوع موعظته، وأيّ تأثير يكون لها؟
-
-
الايمان العظيم لقائد مئةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٦
الايمان العظيم لقائد مئة
بالقاء يسوع موعظته على الجبل يصل تقريبا الى منتصف الطريق في خدمته الجهرية. ويعني ذلك انه تبقى لديه سنة وتسعة اشهر فقط او ما يقارب ذلك لاتمام عمله على الارض.
يدخل يسوع الآن مدينة كفرناحوم، ما يشبه القاعدة الاساسية لنشاطاته. وهنا يقترب منه شيوخ اليهود بطلب. لقد ارسلهم قائد في الجيش الروماني وهو اممي، رجل من عرق مختلف عن اليهود.
فالخادم المحبوب لقائد المئة يوشك ان يموت من داء خطير، وهو يريد ان يشفي يسوع خادمه. ويلتمس اليهود باجتهاد لاجل القائد: «انه مستحق ان يُفعل له هذا،» يقولون، «لانه يحبّ امّتنا وهو بنى لنا المجمع.»
دون تردد يذهب يسوع مع الرجال. ولكن اذ يقتربون يرسل قائد المئة اصدقاء ليقولوا: «يا سيد لا تتعب. لاني لست مستحقا ان تدخل تحت سقفي. لذلك لم احسب نفسي اهلا ان آتي اليك.»
يا له من تعبير متواضع لقائد معتاد ان يأمر الآخرين! ولكنه ربما يفكر ايضا في يسوع، مدركا ان العادة تمنع اليهودي عن ان تكون له علاقات اجتماعية بغير اليهود. وحتى بطرس قال: «انتم تعلمون كيف هو محرَّم على رجل يهودي ان يلتصق بأحد اجنبي او يأتي اليه.»
وربما لانه لا يريد ان يعاني يسوع نتائج مخالفته هذه العادة يجعل القائد اصدقاءه يطلبون منه: «قل كلمة فيبرأ غلامي. لاني انا ايضا انسان مرتب تحت سلطان. لي جند تحت يدي. وأقول لهذا اذهب فيذهب ولآخر ائت فيأتي ولعبدي افعل هذا فيفعل.»
عندما يسمع يسوع ذلك يتعجب. «الحق اقول لكم،» يقول، «لم اجد ولا في اسرائيل ايمانا بمقدار هذا.» وبعد ان يشفي خادم القائد يستخدم يسوع المناسبة ليروي كيف سيحظى ذوو الايمان غير اليهود بالبركات التي يرفضها اليهود العديمو الايمان.
«ان كثيرين،» يقول يسوع، «سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابرهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيُطرحون الى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.»
و «بنو الملكوت» الذين «يُطرحون الى الظلمة الخارجية» هم اليهود الطبيعيون الذين لا يقبلون الفرصة الممنوحة لهم اولا ليكونوا حكاما مع المسيح. ويمثل ابرهيم واسحق ويعقوب ترتيب ملكوت اللّٰه. وهكذا يروي يسوع كيف سيجري الترحيب بالامم للاتّكاء كما لو انه على المائدة السماوية «في ملكوت السموات.» لوقا ٧:١-١٠؛ متى ٨:٥-١٣؛ اعمال ١٠:٢٨.
▪ لماذا يلتمس اليهود لاجل قائد المئة الاممي؟
▪ ماذا يمكن ان يوضح لماذا لم يدعُ القائد يسوع الى دخول بيته؟
▪ ماذا يعني يسوع بتعليقاته الختامية؟
-
-
يسوع يزيل حزن ارملةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٧
يسوع يزيل حزن ارملة
بعد ابراء غلام قائد المئة بوقت قصير يمضي يسوع الى نايين، مدينة على بعد اكثر من ٢٠ ميلا (٣٢ كلم) الى الجنوب الغربي من كفرناحوم. فيرافقه تلاميذه وجمع كثير. والوقت هو نحو المساء على الارجح حين يقتربون من ضواحي نايين. هنا يلتقون موكب جنازة. فجثة شاب هي محمولة الى خارج المدينة للدفن.
ان حالة الامّ بصورة خاصة مأساوية، لأنها ارملة وهذا هو ولدها الوحيد. فعندما مات زوجها استطاعت ان تتعزى اذ كان لها ابنها. وصارت آمالها ورغباتها وطموحاتها متعلقة بمستقبله. أما الآن فلا احد هنالك تتعزى به. فحزنها عظيم فيما يرافقها سكان البلدة الى مكان الدفن.
عندما يرى يسوع المرأة يتأثر قلبيا من كآبتها الشديدة. وهكذا بحنان، ولكن بثبات يمنح الثقة، يقول لها: «لا تبكي.» فيلفت اسلوبه وعمله انتباه الجمع. ولذلك عندما يتقدم ويلمس النعش الذي تُحمل عليه الجثة يقف الحاملون. ولا بدّ ان الجميع يتساءلون عما سيفعل.
صحيح ان اولئك الذين يرافقون يسوع قد رأوه يشفي بطريقة عجائبية اشخاصا كثيرين من الامراض. ولكن يظهر انهم لم يروه قط يقيم احدا من الاموات. فهل يمكنه فعل امر كهذا؟ يأمر يسوع مخاطبا الجسد: «ايها الشاب لك اقول قم.» فيجلس الشاب! ويبتدئ يتكلم، فيدفعه يسوع الى امه.
عندما يرى الناس ان الشاب حي حقا يبدأون بالقول: «قد قام فينا نبي عظيم.» وآخرون يقولون: «افتقد اللّٰه شعبه.» وسرعان ما يخرج الخبر عن هذا العمل المدهش في كل اليهودية وفي جميع الكورة المحيطة.
لا يزال يوحنا المعمدان في السجن، وهو يريد ان يعلم المزيد عن الاعمال التي يقدر يسوع ان ينجزها. وتلاميذ يوحنا يخبرونه عن هذه العجائب. فما هو تجاوبه؟ لوقا ٧:١١-١٨.
▪ ماذا يحدث فيما يقترب يسوع من نايين؟
▪ كيف يتأثر يسوع مما يراه، وماذا يفعل؟
▪ كيف يتجاوب الناس مع عجيبة يسوع؟
-
-
هل كان يوحنا ينقصه الايمان؟اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٨
هل كان يوحنا ينقصه الايمان؟
يوحنا المعمدان، الذي كان في السجن لنحو سنة الآن، يتسلَّم الخبر عن قيامة ابن الارملة في نايين. لكنّ يوحنا يريد ان يسمع مباشرة من يسوع عن مغزى هذا، ولذلك يرسل اثنين من تلاميذه ليستفسر: «انت هو الآتي ام ننتظر آخر.»
قد يبدو ذلك سؤالا غريبا، وخصوصا لان يوحنا رأى روح اللّٰه ينزل على يسوع وسمع صوت رضى اللّٰه عند تعميد يسوع قبل سنتين تقريبا. وسؤال يوحنا قد يجعل البعض يستنتجون ان ايمانه قد ضعف. ولكنّ الامر ليس كذلك. فيسوع لم يكن ليتكلم على نحو رفيع جدا عن يوحنا، الامر الذي يفعله في هذه المناسبة، لو ابتدأ يوحنا يشك. فلماذا يطرح يوحنا هذا السؤال؟
قد يريد يوحنا مجرد اثباتٍ من يسوع انه المسيّا. فسيكون ذلك مقويا جدا ليوحنا اذ تفتر همته في السجن. ولكن، كما يتضح، هنالك لسؤال يوحنا اكثر من ذلك. فهو على ما يظهر يريد ان يعرف ان كان هنالك شخص آخر آتٍ، كخلَف، سيكمل اتمام جميع الامور التي أُنبئ بأن المسيّا سينجزها.
بحسب نبوات الكتاب المقدس التي يُلمّ بها يوحنا سيكون الشخص الممسوح من اللّٰه ملكا، منقذا. ومع ذلك، لا يزال يوحنا سجينا حتى بعد معمودية يسوع بشهور عديدة. ولذلك فان يوحنا على ما يظهر يسأل يسوع: ‹هل انت حقا الشخص الذي سيؤسس ملكوت اللّٰه في سلطة ظاهرة، ام هنالك شخص مختلف، خلَف، يجب ان ننتظره لاتمام جميع النبوات الرائعة المتعلقة بمجد المسيّا؟›
وبدلا من القول لتلميذي يوحنا، ‹طبعا انا هو الشخص الذي كان سيأتي!› يقدم يسوع في تلك الساعة عينها عرضا رائعا بشفاء اناس كثيرين، مبرئا اياهم من جميع انواع الامراض والعلل. وبعدئذ يقول للتلميذين: «اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. ان العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون.»
وبكلمات اخرى، ان سؤال يوحنا قد يدل على التوقع ان يسوع سيفعل اكثر مما يفعله وربما سيحرر يوحنا نفسه. ولكنّ يسوع يخبر يوحنا ان لا يتوقع اكثر من العجائب التي ينجزها يسوع.
عندما يُغادر تلميذا يوحنا يلتفت يسوع الى الجموع ويقول لهم ان يوحنا هو «رسول» يهوه المنبأ به في ملاخي ٣:١، عج، وهو ايضا النبي ايليا المنبأ به في ملاخي ٤:٥ و ٦. وبذلك يعظم يوحنا بصفته معادلا لايّ نبي عاش قبله، موضحا: «الحق اقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء اعظم من يوحنا المعمدان. ولكنّ الاصغر في ملكوت السموات اعظم منه. ومن ايام يوحنا المعمدان الى الآن ملكوت السموات (هو الهدف الذي يندفع نحوه الناس).»
يُظهر يسوع هنا ان يوحنا لن يكون في الملكوت السماوي، لان الاصغر هناك اعظم من يوحنا. فيوحنا هيَّأ الطريق ليسوع، ولكنه يموت قبل ان يختم المسيح العهد، او الاتفاق، مع تلاميذه ليكونوا حكاما معاونين معه في ملكوته. من اجل ذلك يقول يسوع ان يوحنا لن يكون في الملكوت السماوي. فيوحنا، عوضا عن ذلك، سيكون احد الرعايا الارضيين لملكوت اللّٰه. لوقا ٧:١٨-٣٠؛ متى ١١:٢-١٥.
▪ لماذا يسأل يوحنا عما اذا كان يسوع الشخص الآتي ام يجب توقع شخص مختلف؟
▪ اية نبوات يقول يسوع ان يوحنا تممها؟
▪ لماذا لن يكون يوحنا المعمدان في السماء مع يسوع؟
-
-
المتكبرون والمتواضعوناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٣٩
المتكبرون والمتواضعون
بعد ذكر فضائل يوحنا المعمدان يلفت يسوع الانتباه الى الناس المتكبرين المتقلبين الذين هم حوله. «هذا الجيل،» يصرّح، «يشبه اولادا جالسين في الاسواق يُنادون الى اصحابهم ويقولون زمَّرنا لكم فلم ترقصوا. نُحنا لكم فلم تلطموا.»
فماذا يعني يسوع؟ يوضح قائلا: «جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب. فيقولون فيه شيطان. جاء ابن الانسان يأكل ويشرب. فيقولون هوذا انسان أكول وشرّيب خمر. محب للعشارين والخطاة.»
من المستحيل ارضاء الناس. فلا شيء يسرهم. لقد عاش يوحنا حياة تقشف لانكار الذات كنذير، انسجاما مع اعلان الملاك انه «خمرا ومسكرا لا يشرب.» ومع ذلك يقول الناس ان به شيطانا. ومن ناحية اخرى، يعيش يسوع كالناس الآخرين، غير ممارس ايّ تقشف، فيُتَّهم بالافراط.
ما أصعب ارضاء الناس! انهم كرفقاء اللعب، الذين بعضهم يرفضون التجاوب بالرقص عندما يزمّر الاولاد الآخرون او بالحزن عندما ينوح رفقاؤهم. ولكنّ يسوع يقول: «الحكمة (تتبرَّر بأعمالها).» نعم، ان الدليل — الاعمال — يوضح ان الاتهامات ضد يوحنا ويسوع كليهما هي باطلة.
ويتابع يسوع خاصّا بالتوبيخ مدن كورزين وبيت صيدا وكفرناحوم الثلاث، حيث انجز معظم قواته. فلو قام بتلك الاعمال في مدينتي صور وصيداء الفينيقيتين، يقول يسوع، لتابت هاتان المدينتان في المسوح والرماد. واذ يدين كفرناحوم، التي كانت كما يتضح مقره الرئيسي في فترة خدمته، يصرّح يسوع: «ان ارض سدوم تكون لها حالة اكثر احتمالا يوم الدين ممَّا لكِ.»
ثم يحمد يسوع علنا اباه السماوي. ويندفع الى فعل ذلك لان اللّٰه يُخفي حقائق روحية ثمينة عن الحكماء والفهماء ولكنه يعلن هذه الامور الرائعة للمتواضعين، للاطفال، اذا جاز التعبير.
وأخيرا، يقدم يسوع الدعوة الجذابة: «تعالوا اليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلَّموا مني. لاني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم. لان نيري هيِّن وحملي خفيف.»
وكيف يمنح يسوع الراحة؟ يفعل ذلك بتزويد الحرية من التقاليد المستعبِدة التي بها وضع القادة الدينيون عبءا على الناس، بما في ذلك، مثلا، فرائض حفظ السبت المقيِّدة. وأيضا يُظهر الطريق الى الراحة لاولئك الذين يشعرون بثقل السيطرة الساحق من قبل السلطات السياسية ولاولئك الذين يشعرون بثقل خطاياهم من خلال ضمير متألم. فيعلن لاولئك المتألمين كيف يمكن غفران خطاياهم وكيف يمكنهم ان يتمتعوا بعلاقة ثمينة مع اللّٰه.
ان النير الهيِّن الذي يقدمه يسوع هو ذاك الذي للانتذار الكامل للّٰه، متمكنين من خدمة ابينا السماوي الرؤوف والرحوم. والحمل الخفيف الذي يقدمه يسوع لاولئك الذين يأتون اليه هو ذاك الذي لاطاعة مطالب اللّٰه من اجل الحياة، التي هي وصاياه المسجلة في الكتاب المقدس. واطاعة هذه ليست ثقيلة ابدا. متى ١١:١٦-٣٠؛ لوقا ١:١٥؛ ٧:٣١-٣٥؛ ١ يوحنا ٥:٣.
▪ كيف يكون الناس المتكبرون المتقلبون لجيل يسوع كالاولاد؟
▪ لماذا يندفع يسوع الى حمد ابيه السماوي؟
▪ بأية طرائق يجري وضع عبء على الناس، وأية راحة يقدمها يسوع؟
-
-
درس في الرحمةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٠
درس في الرحمة
ربما كان يسوع لا يزال في نايين، حيث اقام مؤخرا ابن ارملة، او ربما كان يزور مدينة مجاورة. والفريسي الذي يُدعى سمعان يرغب في النظر عن كثب الى الشخص الذي ينجز اعمالا جديرة بالملاحظة كهذه. ولذلك يدعو يسوع الى تناول الطعام معه.
واذ ينظر يسوع الى المناسبة كفرصة لمساعدة اولئك الحاضرين يقبل الدعوة، تماما كما قبل دعوات ليأكل مع جباة الضرائب والخطاة. ومع ذلك، عندما يدخل بيت سمعان، لا يلقى يسوع الاهتمام الودّي الذي يُمنح عادة للضيوف.
فالارجل اللابسة نعالا تصير حارة ووسخة نتيجة السير في الطرقات المغبرة، وهو عمل ضيافة عادي ان تُغسل اقدام الضيوف بالماء البارد. ولكنّ قدمي يسوع لا تُغسلان عندما يصل. ولا ينال قبلة ترحيب، قاعدة من قواعد السلوك الشائعة. وطيب الضيافة العادي لا يزوَّد لاجل شعره.
وفي اثناء الطعام، فيما الضيوف متكئون على المائدة، تدخل الغرفة بهدوء امرأة غير مدعوة. فهي معروفة في المدينة بأنها تحيا حياة فاسدة ادبيا. وعلى الارجح سمعت بتعاليم يسوع، بما فيها دعوته ‹جميع الثقيلي الاحمال ان يأتوا اليه من اجل الراحة.› واذ تأثرت بعمق بما رأته وسمعته فتشت الآن عن يسوع.
تقف المرأة وراء يسوع عند المائدة وتركع عند قدميه. واذ تسقط دموعها على قدميه تمسحهما بشعرها. وتأخذ ايضا طيبا من قارورتها، وفيما تقبِّل قدميه بحنان تسكب الطيب عليهما. ويراقب سمعان بعدم رضى. «لو كان هذا نبيا،» يفكر، «لعلم مَن هذه الامرأة التي تلمسه وما هي. انها خاطئة.»
واذ يدرك يسوع تفكيره يقول: «يا سمعان عندي شيء اقوله لك.»
«قل يا معلم،» يجيب.
«كان لمداين مديونان،» يبدأ يسوع. «على الواحد خمسمئة دينار وعلى الآخر خمسون. واذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا. فقل. ايهما يكون اكثر حبا له.»
«اظن،» يقول سمعان، ربما بمظهر اللامبالاة تجاه السؤال الذي يبدو غير متعلق بالامر، «الذي سامحه بالاكثر.»
«بالصواب حكمت،» يقول يسوع. وبعدئذ اذ يلتفت الى المرأة يقول لسمعان: «أتنظر هذه المرأة. اني دخلت بيتك وماء لاجل رجليَّ لم تُعطِ. وأما هي فقد غسلت رجليَّ بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبّلني. وأما هي فمنذ دخلتُ لم تكفَّ عن تقبيل رجليَّ. بزيت لم تدهن رأسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليَّ.»
اعطت المرأة بذلك دليلا على التوبة القلبية عن ماضيها الفاسد ادبيا. وهكذا يختتم يسوع، قائلا: «من اجل ذلك اقول لك قد غُفرت خطاياها الكثيرة لانها احبَّت كثيرا. والذي يُغفر له قليل يُحب قليلا.»
ان يسوع لا يعذر ولا يتغاضى بطريقة ما عن الفساد الادبي. وبالاحرى، يكشف هذا الحادث عن تفهمه الرؤوف للناس الذين يرتكبون الاخطاء في الحياة ولكنهم بعدئذ يُظهرون اسفهم عليها وهكذا يأتون الى المسيح من اجل الراحة. واذ يزوِّد المرأة راحة حقيقية يقول يسوع: «مغفورة لك خطاياك. . . . ايمانك قد خلَّصك. اذهبي بسلام.» لوقا ٧:٣٦-٥٠؛ متى ١١:٢٨-٣٠.
▪ كيف يجري استقبال يسوع من قبل مضيفه، سمعان؟
▪ مَن يفتش عن يسوع، ولماذا؟
▪ ايّ ايضاح يزوِّده يسوع، وكيف يطبقه؟
-
-
مركز جدالاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤١
مركز جدال
بعد ضيافته في بيت سمعان بوقت قصير يبدأ يسوع جولة كرازية ثانية في الجليل. ففي جولته السابقة في المقاطعة رافقه تلاميذه الاوائل، بطرس واندراوس ويعقوب ويوحنا. أما الآن فيرافقه الرسل الـ ١٢، بالاضافة الى بعض النساء. وهؤلاء يشملن مريم المجدلية، وسوسنَّة، ويُوَنَّا التي زوجها هو قائد عند الملك هيرودس.
واذ تشتد سرعة خدمة يسوع يشتد كذلك الجدال في ما يتعلق بنشاطه. ويجري احضار رجل به شيطان، هو ايضا اعمى ولا يستطيع التكلم، الى يسوع. وعندما يشفيه يسوع، بحيث يتحرر من سيطرة الابالسة ويتمكن من ان يتكلم ويبصر على حد سواء، تبهت الجموع تماما. ويبدأون بالقول: «ألعل هذا هو ابن داود.»
وتجتمع الجموع بأعداد كبيرة حول البيت حيث يقيم يسوع حتى انه وتلاميذه لا يقدرون ولا على اكل وجبة طعام. واضافة الى اولئك الذين يفكرون انه قد يكون «ابن داود» الموعود به، هنالك كتبة وفريسيون قد اتوا كل الطريق من اورشليم لكي يشوِّهوا سمعته. وعندما يسمع اقرباء يسوع بالاهتياج الذي يدور حول يسوع يأتون ليمسكوه. ولايّ سبب؟
حسنا، ان اخوة يسوع ايضا لا يؤمنون حتى الآن بأنه ابن اللّٰه. وكذلك فان الاضطراب العام والنزاع اللذين قد احدثهما ليسا على الاطلاق من خصائص يسوع الذي عرفوه فيما كان ينمو في الناصرة. ولذلك يعتقدون ان خللا خطيرا اصاب يسوع عقليا. «انه مختل،» يستنتجون، ويريدون ان يمسكوه ويأخذوه بعيدا.
ولكنّ الدليل واضح على ان يسوع شفى الرجل الخاضع لنفوذ الشياطين. ويعرف الكتبة والفريسيون انهم لا يستطيعون انكار حقيقة ذلك. ولذلك لكي يشوِّهوا سمعة يسوع يقولون للشعب: «هذا لا يُخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين.»
واذ يعرف تفكيرهم يدعو يسوع الكتبة والفريسيين اليه ويقول: «كل مملكة منقسمة على ذاتها تُخرب. وكل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت. فإن كان الشيطان يُخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته.»
يا له من منطق مخرِّب! وبما ان الفريسيين يدَّعون بأن اشخاصا من صفوفهم قد اخرجوا شياطين يسأل يسوع ايضا: «ان كنت انا ببعلزبول أُخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يُخرجون.» وبكلمات اخرى، ان تهمتهم ضد يسوع يجب تطبيقها عليهم تماما كما عليه. ثم يحذّر يسوع: «ولكن ان كنت انا بروح اللّٰه أُخرج الشياطين فقد اقبل عليكم ملكوت اللّٰه.»
ولكي يوضح ان اخراجه للشياطين دليل على تفوقه على الشيطان يقول يسوع: «كيف يستطيع احد ان يدخل بيت القوي وينهب امتعته ان لم يربط القوي اولا. وحينئذ ينهب بيته. مَن ليس معي فهو عليَّ ومَن لا يجمع معي فهو يفرِّق.» ومن الواضح ان الفريسيين هم ضد يسوع، مظهرين انهم عملاء الشيطان. انهم يفرِّقون الاسرائيليين عنه.
وبناء على ذلك، يحذّر يسوع اولئك المقاومين الشيطانيين: «أما التجديف على الروح فلن يُغفر.» ويوضح: «مَن قال كلمة على ابن الانسان يُغفر له. وأما مَن قال على الروح القدس فلن يُغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي.» ان اولئك الكتبة والفريسيين قد ارتكبوا تلك الخطية التي لا تُغتفر بنسبهم بخبث الى الشيطان ما هو بشكل واضح عمل عجائبي لروح اللّٰه القدوس. متى ١٢:٢٢-٣٢؛ مرقس ٣:١٩-٣٠؛ يوحنا ٧:٥.
▪ كيف تختلف جولة يسوع الثانية في الجليل عن الاولى؟
▪ لماذا يحاول اقرباء يسوع ان يمسكوه؟
▪ كيف يحاول الفريسيون تشويه سمعة عجائب يسوع، وكيف يدحضهم يسوع؟
▪ بماذا يكون اولئك الفريسيون مذنبين، ولماذا؟
-
-
يسوع يوبِّخ الفريسييناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٢
يسوع يوبِّخ الفريسيين
لو انه بقوة الشيطان يُخرج شياطين، يحتج يسوع، اذًا انقسم الشيطان على ذاته. «اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدا،» يتابع، «او اجعلوا الشجرة ردية وثمرها رديا. لأن من الثمر تُعرف الشجرة.»
من الحماقة الاتهام بأن الثمر الجيد لاخراج الشياطين هو نتيجة خدمة يسوع للشيطان. فاذا كان الثمر جيدا لا يمكن ان تكون الشجرة ردية. ومن ناحية اخرى، ان ثمار الفريسيين الردية من اتهامات سخيفة ومقاومة لا اساس لها ليسوع برهان على انهم هم انفسهم اردياء. «يا اولاد الافاعي،» يعلن يسوع بقوة، «كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم اشرار. فانه من فضلة القلب يتكلم الفم.»
وبما ان كلماتنا تعكس حالة قلوبنا فما نقوله يزوِّد اساسا للدينونة. «اقول لكم،» يقول يسوع، «ان كل كلمة بطَّالة يتكلم بها الناس سوف يُعطون عنها حسابا يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرَّر وبكلامك تُدان.»
على الرغم من كل قوات يسوع، يطلب الكتبة والفريسيون: «يا معلم نريد ان نرى منك آية.» ومع ان هؤلاء الرجال من اورشليم ربما لم يروا شخصيا عجائبه، فانه يوجد في ما يتعلق بهم دليل شاهد عيان لا يُدحض. ولذلك يقول يسوع للقادة اليهود: «جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطى له آية الاَّ آية يونان النبي.»
واذ يشرح ما يعنيه يتابع يسوع: «كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليالٍ.» فبعد ان ابتلعه الحوت خرج يونان كما لو انه أُقيم، وكذلك ينبئ يسوع بأنه سيموت وفي اليوم الثالث سيقام حيا. ومع ذلك، فان القادة الدينيين، حتى عندما يُقام يسوع لاحقا، يرفضون «آية يونان.»
وهكذا يقول يسوع ان رجال نينوى الذين تابوا بمناداة يونان سيقومون في يوم الدينونة ليدينوا اليهود الذين يرفضون يسوع. وعلى نحو مماثل، يصنع تناظرا مع ملكة التيمن التي اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان واندهشت مما رأت وسمعت. «وهوذا،» يذكر يسوع، «اعظم من سليمان ههنا.»
ثم يعطي يسوع المثل عن انسان يخرج منه روح نجس. فالانسان لا يملأ الفراغ بالصالحات، ولذلك يصير به سبعة ارواح اشرّ. «هكذا يكون ايضا لهذا الجيل الشرير،» يقول يسوع. فالامة الاسرائيلية كانت قد تطهَّرت واختبرت الاصلاحات — كالخروج الوقتي للروح النجس. ولكنّ رفض الامة لانبياء اللّٰه، بالغةً الذروة في مقاومتها للمسيح نفسه، يكشف ان حالتها الشريرة اردأ بكثير من بدايتها.
وفيما يتكلم يسوع تصل امه واخوته ويقفون عند طرف الجمع. فيقول واحد: «هوذا امك واخوتك واقفون خارجا طالبين ان يكلموك.»
«مَن هي امي ومَن هم اخوتي،» يسأل يسوع. واذ يمدّ يده نحو تلاميذه يقول: «ها امي واخوتي. لأن مَن يصنع مشيئة ابي الذي في السموات هو اخي واختي وامي.» وبهذه الطريقة يُظهر يسوع، بصرف النظر عن مقدار كون الروابط التي تربطه بأقاربه عزيزة، ان علاقته بتلاميذه أعز ايضا. متى ١٢:٣٣-٥٠؛ مرقس ٣:٣١-٣٥؛ لوقا ٨:١٩-٢١.
▪ كيف يفشل الفريسيون في جعل «الشجرة» و «الثمر» جيدين على السواء؟
▪ ما هي «آية يونان،» وكيف يجري رفضها لاحقا؟
▪ كيف تكون الامة الاسرائيلية للقرن الاول كالرجل الذي خرج منه روح نجس؟
▪ كيف يشدِّد يسوع على علاقته اللصيقة بتلاميذه؟
-
-
التعليم بأمثالاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٣
التعليم بأمثال
يكون يسوع كما يظهر في كفرناحوم عندما يوبِّخ الفريسيين. ولاحقا في اليوم عينه، يخرج من البيت ويجتاز بالقرب من بحر الجليل حيث تجتمع جموع من الناس. وهناك يدخل سفينة، يبتعد، ويبتدئ يعلّم الناس على الشاطئ عن ملكوت السموات. ويفعل ذلك بواسطة سلسلة من حكايات رمزية او امثال، كل منها بمشهد مألوف لدى الناس.
اولا، يخبر يسوع عن زارع يزرع زرعا. فيسقط بعض الزرع على جانب الطريق وتأكله الطيور. ويسقط زرع آخر على تربة ذات اساس صخري. وبما ان الاصول ينقصها العمق فان النبات الحديث يجف تحت الشمس المحرقة. ويسقط زرع آخر ايضا على الشوك الذي يخنق النبات عندما يطلع. وأخيرا، يسقط بعض الزرع على ارض جيدة فيصنع مئة ضعف وآخر ستين وآخر ثلاثين.
وفي مثل آخر يشبِّه يسوع ملكوت اللّٰه بانسان يلقي بذارا. واذ تمرُّ الايام، فيما ينام الانسان وعندما يستيقظ، ينمو البذار. والانسان لا يعلم كيف. ينمو كله من تلقاء نفسه ويصنع حَبّا. وعندما ينضج الحَبّ يحصده الانسان.
ويخبر يسوع بمثل ثالث عن انسان يزرع النوع الصحيح من الزرع، ولكن «فيما الناس نيام» يجيء عدوّ ويزرع زوانا في وسط الحنطة. فيسأل خدام الانسان عما اذا كان عليهم ان يقلعوا الزوان. ولكنه يجيب: ‹لا، ستقلعون بعضا من الحنطة اذا فعلتم ذلك. دعوهما ينميان كلاهما معا الى الحصاد. وحينئذ اقول للحصادين ان يفرزوا الزوان ويحرقوه ويضعوا الحنطة في المخزن.›
اذ يتابع حديثه الى الجموع على الشاطئ يزوِّد يسوع مثلين اضافيين. فيشرح ان «ملكوت السموات» يشبه حبة خردل يزرعها انسان. ورغم انها اصغر جميع البزور، يقول، تنمو لتصير اكبر البقول. وتصير شجرة تأتي اليها الطيور، واجدة مأوى في اغصانها.
يعترض البعض اليوم بأنه توجد بزور اصغر من حبوب الخردل. ولكنّ يسوع لا يعطي درسا في علم النبات. فمن البزور المعروفة عند الجليليين في ايامه تكون حبة الخردل هي الاصغر حقا. ولذلك يقدِّرون قضية النمو غير الاعتيادي الذي يوضحه يسوع.
وأخيرا، يشبِّه يسوع «ملكوت السموات» بخميرة تأخذها امرأة وتخلطها بثلاثة اكيال دقيق. وفي الوقت المعيَّن، قال، يختمر كل جزء من العجين.
بعد اعطاء هذه الامثال الخمسة يصرف يسوع الجموع ويعود الى البيت حيث يقيم. وسرعان ما يتقدَّم اليه هناك رسله الـ ١٢ وآخرون.
الاستفادة من امثال يسوع
عندما يأتي التلاميذ الى يسوع بعد خطابه للجموع على الشاطئ يكونون محبين للاطلاع على طريقته الجديدة للتعليم. لقد سمعوه قبلا يستعمل الامثال، ولكن ليس بهذه الشمولية. ولذلك يسألون: «لماذا تكلمهم بأمثال.»
ان احد الاسباب لفعله ذلك هو اتمام كلمات النبي: «سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم.» ولكن هنالك المزيد من الاسباب. فاستعماله الامثال يخدم قصد المساعدة على اظهار موقف الناس القلبي.
وفي الواقع، ان اغلبية الناس مهتمون بيسوع فقط كقصَّاص بارع وصانع عجائب، وليس كمن يجب ان يُخدم كسيد وأن يُتبع بلا انانية. فلا يريدون ازعاجهم في نظرتهم الى الامور او طريقة حياتهم. ولا يريدون ان تنفذ الرسالة الى هذا الحد.
ولذلك يقول يسوع: «من اجل هذا اكلمهم بأمثال. لانهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. فقد تمت فيهم نبوة اشعياء القائلة . . . لان قلب هذا الشعب قد غلظ.»
«ولكن،» يتابع يسوع القول، «طوبى لعيونكم لانها تبصر. ولآذانكم لانها تسمع. فاني الحق اقول لكم ان انبياء وأبرارا كثيرين اشتهوا ان يروا ما انتم ترون ولم يروا. وأن يسمعوا ما انتم تسمعون ولم يسمعوا.»
نعم، ان الرسل الـ ١٢ واولئك الذين معهم لديهم قلوب متقبلة. ولذلك يقول يسوع: «قد أعطي لكم ان تعرفوا اسرار ملكوت السموات. وأما لاولئك فلم يعطَ.» ولسبب رغبتهم في الفهم يزوِّد يسوع تلاميذه تفسيرا لمثل الزارع.
«الزرع هو كلام اللّٰه،» يقول يسوع، والتربة هي القلب. وعن الزرع المزروع على الجانب القاسي من الطريق يوضح: «يأتي ابليس وينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا.»
ومن ناحية اخرى، فان الزرع المزروع على الارض الصخرية يشير الى قلوب الناس الذين يقبلون الكلمة بفرح. ومع ذلك، لان الكلمة لا يمكن ان تتأصل عميقا في قلوب كهذه، فان هؤلاء الناس يرتدّون عندما يأتي وقت التجربة والاضطهاد.
وأما الزرع الذي سقط بين الشوك، يتابع يسوع، فهذا يشير الى الناس الذين سمعوا الكلمة. ولكنّ هموم هذه الحياة وغناها ولذَّاتها تجرفهم، ولذلك يختنقون كاملا ولا يأتون بثمر.
وأخيرا، بالنسبة الى الزرع المزروع على الارض الجيدة، يقول يسوع، هؤلاء هم الذين بعد سماعهم الكلمة بقلب جيد وصالح يحفظونها ويثمرون باحتمال.
ما اعظم بركة اولئك التلاميذ الذين طلبوا يسوع ليحصلوا على تفسير لتعاليمه! ويريد يسوع ان تُفهم امثاله لكي تنقل الحق الى الآخرين. «هل يؤتى بسراج ليوضع تحت المكيال او تحت السرير،» يسأل. كلا، «ليوضع على المنارة.» وهكذا يضيف يسوع: «فانظروا كيف تسمعون.»
مباركون بارشاد اضافي
بعد ان تلقوا تفسيرا لمثل الزارع، يريد التلاميذ ان يتعلموا اكثر. «فسِّر لنا،» طلبوا، «مثل زوان الحقل.»
وكم يختلف موقف التلاميذ عن ذاك الذي لباقي الجمع على الشاطئ! فاولئك الناس تنقصهم رغبة جدية في تعلم المعنى الكامن وراء الامثال، اذ يكتفون فقط بموجز الاشياء المعروضة لهم. واذ يقابل يسوع جمهور السامعين هذا على الشاطئ بتلاميذه المحبين للاستطلاع الذين اتوا اليه في البيت يقول:
«بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم ويُزاد لكم.» فالتلاميذ يكيلون ليسوع اهتماما وانتباها جديين ولذلك يتباركون بتلقي ارشاد اضافي. وهكذا، اجابة عن سؤال تلاميذه، يشرح يسوع:
«الزارع الزرع الجيد هو ابن الانسان. والحقل هو العالم. والزرع الجيد هو بنو الملكوت. والزوان هو بنو الشرير. والعدو الذي زرعه هو ابليس. والحصاد هو انقضاء العالم. والحصادون هم الملائكة.»
بعد اثبات هوية كل وجه من اوجه المثل يصف يسوع النتيجة. فعند اختتام نظام الاشياء يقول ان الحصادين، او الملائكة، سيفرزون المسيحيين الزائفين المشبهين بالزوان من ‹بني الملكوت› الحقيقيين. و «بنو الشرير» سيوسمون عندئذ للهلاك، ولكنّ بني ملكوت اللّٰه، «الابرار،» سيضيئون بتألق في ملكوت ابيهم.
وبعدئذ يبارك يسوع تلاميذه المحبين للاستطلاع بثلاثة امثال اضافية. اولا، يقول: «يشبه ملكوت السموات كنزا مخفى في حقل وجده انسان فأخفاه ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل.»
«ايضا،» يتابع يسوع، «يشبه ملكوت السموات انسانا تاجرا يطلب لآلئ حسنة. فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها.»
يسوع نفسه هو كالانسان الذي يكتشف كنزا مخفى وكالتاجر الذي يجد لؤلؤة كثيرة الثمن. لقد باع كل شيء، اذا جاز التعبير، متخليا عن مركز مكرَّم في السماء ليصير انسانا وضيعا. ثم، كانسان على الارض، عانى التعيير والاضطهاد البغيض، مبرهنا على استحقاقه الصيرورة حاكما لملكوت اللّٰه.
والتحدي موضوع امام أتباع يسوع ايضا ليبيعوا كل شيء من اجل الحصول على الجائزة العظمى للصيرورة إما من الحكام مع المسيح او من الرعايا الارضيين للملكوت. فهل نعتبر حيازة نصيب في ملكوت اللّٰه أثمن بكثير من اي شيء آخر في الحياة، كنزا لا يقدَّر بثمن او لؤلؤة نفيسة؟
وأخيرا، يشبِّه يسوع «ملكوت السموات» بشبكة تجمع سمكا من كل نوع. وعندما يُفرز السمك يُطرح الرديء خارجا وأما الجيد فيُحتفظ به. هكذا، يقول يسوع، يكون في اختتام نظام الاشياء. فسيفرز الملائكة الاشرار من الابرار، محتجزين الاشرار للابادة.
بدأ يسوع نفسه مشروع صيد السمك هذا، داعيا تلاميذه الاولين ليكونوا «صيادي الناس.» وتحت اشراف ملائكي يستمر عمل صيد السمك على مر القرون. وأخيرا يحين الوقت لاصعاد «الشبكة،» التي ترمز الى الهيئات التي تدَّعي المسيحية على الارض.
ومع ان السمك الرديء يُطرح للهلاك، يمكن بشكر ان نُحسب بين ‹السمك الجيد› الذي يُحتفظ به. وباظهار الرغبة الجدية نفسها التي اظهرها تلاميذ يسوع في مزيد من المعرفة والفهم سنتبارك ليس فقط بارشاد اضافي بل ببركة اللّٰه للحياة الابدية. متى ١٣:١-٥٢؛ مرقس ٤:١-٣٤؛ لوقا ٨:٤-١٨؛ مزمور ٧٨:٢؛ اشعياء ٦:٩، ١٠.
▪ متى وأين يتكلم يسوع بأمثال الى الجموع؟
▪ بأية امثال خمسة يخبر يسوع الآن الجموع؟
▪ لماذا يقول يسوع ان حبة الخردل هي اصغر جميع البزور؟
▪ لماذا يتكلم يسوع بأمثال؟
▪ كيف يُظهر تلاميذ يسوع انهم مختلفون عن الجموع؟
▪ ايّ تفسير يزوِّده يسوع لمثل الزارع؟
▪ كيف يختلف التلاميذ عن الجموع التي كانت على الشاطئ؟
▪ مَن او ماذا يمثَّل بالزارع، الحقل، الزرع الجيد، العدو، الحصاد، والحصادين؟
▪ اية امثال ثلاثة اضافية يزوِّدها يسوع، وماذا يمكن ان نتعلم منها؟
-
-
اسكات عاصفة مروِّعةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٤
اسكات عاصفة مروِّعة
لقد كان يوم يسوع مليئا بالنشاط، بما فيه تعليم الجموع على الشاطئ ثم شرح الامثال لتلاميذه على انفراد. وعندما يأتي المساء يقول: «لنجتز الى العبر.»
وعلى الشاطئ الشرقي لبحر الجليل توجد المنطقة المسماة ديكاپوليس (المدن العشر)، من ديكا اليونانية، وتعني «عشرة،» و پوليس، وتعني «مدينة.» ومدن الديكاپوليس هي مركز للثقافة اليونانية، مع انها ايضا دون ريب موطن ليهود كثيرين. إلا ان نشاط يسوع في المنطقة يكون محدودا جدا. حتى انه في هذه الزيارة، كما سنرى لاحقا، يجري منعه من البقاء طويلا.
وعندما يطلب يسوع ان يغادروا الى الشاطئ الآخر يأخذه التلاميذ في السفينة. ولكنّ انطلاقهم لا يمضي دون ان يُلاحَظ. وسرعان ما يركب آخرون في سفنهم ليرافقوهم. فالجانب الآخر لا يبعد كثيرا. وفي الواقع، ان بحر الجليل هو مجرد بحيرة كبيرة طولها حوالي ١٣ ميلا (٢١ كلم) وعرضها الاقصى ٢⁄١ ٧ أميال (١٢ كلم).
من المفهوم ان يكون يسوع تعبا. ولذلك بعد انطلاقهم بوقت قصير يستلقي في مؤخَّر السفينة، يضع رأسه على وسادة، وسرعان ما يستغرق في نوم عميق. وبعض الرسل هم بحارة ذوو خبرة، اذ كانوا يصطادون على نحو واسع في بحر الجليل. ولذلك يتولَّون امر قيادة السفينة.
ولكنّ ذلك لم يكن ليصير رحلة سهلة. فبسبب درجة الحرارة الاكثر دفءًا على سطح البحيرة، التي هي حوالي ٧٠٠ قدم (٢١٠ م) تحت سطح البحر، والهواء الاكثر برودة في الجبال المجاورة، تندفع احيانا رياح قوية فتخلق عواصف عنيفة فجائية في البحيرة. هذا ما يحدث الآن. وحالا تضرب الامواج الى السفينة وتدخل فيها بحيث تصير قريبة من الغرق. ومع ذلك، يستمر يسوع في النوم!
والملاحون ذوو الخبرة يعملون باهتياج شديد ليديروا دفة السفينة. فهم دون شك قد اداروا سفينة وسط العواصف من قبل. ولكنهم هذه المرة على وشك استنفاد كل طاقاتهم. واذ يخافون على حياتهم يوقظون يسوع. ‹يا سيد، أما يهمك؟ اننا نغوص!› يصرخون. ‹انقذنا، فاننا نغرق!›
واذ يقوم يسوع يأمر الريح والبحر: «اسكت. ابكم.» فتتوقف الريح الهائجة ويصير البحر هادئا. واذ يلتفت الى تلاميذه يسأل: «ما بالكم خائفين هكذا. كيف لا ايمان لكم.»
وعند ذلك يستحوذ خوف غير اعتيادي على التلاميذ. «من هو هذا،» يسألون بعضهم بعضا، «فانه يأمر الرياح ايضا والماء فتطيعه.»
يا للقوة التي يعرب عنها يسوع! وكم مطَمْئن هو ان نعرف ان ملكنا لديه قوة على العناصر الطبيعية، وأنه عندما يجري توجيه كل اهتمامه نحو ارضنا في اثناء حكم ملكوته سيسكن جميع الناس في امن من الكوارث الطبيعية المروِّعة!
وفي وقت ما بعد ان تسكن العاصفة يصل يسوع وتلاميذه بأمان الى الشاطئ الشرقي. والسفن الاخرى ربما اجتنبت شدة العاصفة وعادت بأمان الى موطنها. مرقس ٤:٣٥-٥:١؛ متى ٨:١٨، ٢٣-٢٧؛ لوقا ٨:٢٢-٢٦.
▪ ما هي الديكاپوليس، وأين تقع؟
▪ اية اوجه طبيعية مسؤولة عن العواصف العنيفة في بحر الجليل؟
▪ عندما لا تستطيع مهارات إبحارهم ان تنقذهم ماذا يفعل التلاميذ؟
-
-
تلميذ مختلفاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٥
تلميذ مختلف
يا له من مشهد مرعب اذ يخرج يسوع الى الشاطئ! هنالك رجلان هائجان على نحو غير اعتيادي يأتيان من المقبرة المجاورة ويركضان نحوه. ففيهما ابالسة. وبما ان احدهما ربما كان اعنف من الآخر، وتألم مدة اطول بكثير تحت سيطرة الابالسة، فانه يصير مركز الانتباه.
لزمن طويل يعيش هذا الرجل الجدير بالشفقة عاريا بين القبور. ودائما، نهارا وليلا، يصيح ويجرِّح نفسه بالحجارة. انه عنيف جدا حتى لم يكن احد يجسر ان يجتاز من تلك الطريق. ولقد جرت محاولات لربطه، لكنّه يقطِّع السلاسل ويكسِّر الأغلال عن قدميه. ولا احد يقدر ان يذلِّله.
واذ يقترب الرجل من يسوع ويقع عند قدميه يجعله الابالسة الذين يسيطرون عليه يصرخ: «ما لي ولك يا يسوع ابن اللّٰه العلي. أستحلفك باللّٰه ان لا تعذبني.»
«اخرج من الانسان يا ايها الروح النجس،» يستمر يسوع في القول. ولكنّ يسوع يسأل بعد ذلك: «ما اسمك.»
«اسمي لجئون لاننا كثيرون،» يكون الجواب. يستمتع الابالسة كثيرا برؤية آلام اولئك الذين يستطيعون السيطرة عليهم، ويُسرّون كما يظهر بمهاجمتهم بروح جبن الغوغاء. ولكن اذ يجابههم يسوع يتوسلون ان لا يجري ارسالهم الى المهواة. فنرى مرة اخرى ان يسوع كانت له قدرة عظيمة؛ وكان قادرا على قهر حتى الابالسة الاردياء. ويوضح ذلك ايضا ان الابالسة يدركون ان طرحهم في المهواة مع ذاك الذي لقائدهم، الشيطان ابليس، هو اخيرا دينونتهم من اللّٰه.
هنالك قطيع من حوالي ٠٠٠،٢ خنزير يرعى في الجبل في الجوار. فيقول الابالسة: «أرسلنا الى الخنازير لندخل فيها.» ومن الواضح ان الابالسة ينالون شكلا من اشكال المتعة المنحرفة غير الطبيعية من غزو اجسام المخلوقات اللحمية. وعندما يسمح لهم يسوع بالدخول في الخنازير تندفع الـ ٠٠٠،٢ جميعها من على الجرف وتختنق في البحر.
عندما يرى ذلك اولئك الذين يعتنون بالخنازير يسرعون ليخبروا في المدينة وفي الضياع. وعندئذ يخرج الناس ليروا ما جرى. وعندما يصلون يرون الرجل الذي خرجت منه الابالسة. فهو لابس وعاقل، وهو جالس عند قدمي يسوع!
ان شهود العيان يسردون كيف خلص الرجل. ويخبرون الناس ايضا عن الموت الغريب للخنازير. وعندما يسمع الناس ذلك يعتريهم خوف عظيم، ويطلبون الى يسوع ان يغادر مقاطعتهم. فيستجيب ويدخل السفينة. والشخص الذي كان فيه ابالسة يتوسل الى يسوع ان يسمح له بالمجيء معه. لكنّ يسوع يقول له: «اذهب الى بيتك والى اهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك.»
يوصي يسوع عادة اولئك الذين يشفيهم بأن لا يخبروا احدا، اذ لا يريد ان يصل الناس الى الاستنتاجات على اساس اخبار مثيرة. ولكنّ هذا الاستثناء ملائم لان الشخص الذي كان فيه ابالسة سيشهد بين اناس ربما لا يملك يسوع الآن فرصة الوصول اليهم. وفضلا عن ذلك، سيزوّد حضور الرجل شهادة عن قدرة يسوع على فعل الخير، مبطلا ايّ خبر غير مؤات قد يجري ترويجه حول فقدان الخنازير.
وانسجاما مع ارشاد يسوع، يمضي الشخص الذي كان فيه ابالسة. ويبتدئ بالمناداة في كل مكان من العشر المدن بكل ما فعله له يسوع، فيتعجب الناس. متى ٨:٢٨-٣٤؛ مرقس ٥:١-٢٠؛ لوقا ٨:٢٦-٣٩؛ رؤيا ٢٠:١-٣.
▪ لماذا، ربما، يتركز الانتباه على شخص واحد كان فيه ابالسة فيما كان اثنان حاضرين؟
▪ ماذا يُظهر ان الابالسة يعرفون عن الطرح المستقبلي في المهواة؟
▪ لماذا، كما يظهر، يحبّ الابالسة السيطرة على البشر والحيوانات؟
▪ لماذا يصنع يسوع استثناء مع الشخص الذي كان فيه ابالسة، موصيا اياه بإخبار الآخرين عما فعله له؟
-
-
مسَّت ثوبهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٦
مسَّت ثوبه
ان أخبار عودة يسوع من العشر المدن تصل الى كفرناحوم، فيجتمع جمع كثير عند البحر ليرحبوا بعودته. ولا شك انهم سمعوا بأنه سكَّن العاصفة وشفى الذين سيطرت عليهم الابالسة. والآن اذ يخرج الى الشاطئ يجتمعون حوله، متشوقين ومترقبين.
وأحد اولئك التوّاقين الى رؤية يسوع هو يايرس، رئيس من رؤساء المجمع. فيقع عند قدمي يسوع ويتوسل اليه مرة بعد اخرى: «ابنتي الصغيرة على آخر نسمة. ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتشفى فتحيا.» وبما انها ابنته الوحيدة ولها ١٢ سنة فانها بشكل خصوصي عزيزة على يايرس.
يتجاوب يسوع ويتجه بصحبة الجمع الى بيت يايرس. ويمكننا ان نتخيل اهتياج الناس فيما يتوقعون عجيبة اخرى. ولكنّ انتباه احدى النساء في الجمع يتركَّز على مشكلتها الخاصة الخطيرة.
فطوال ١٢ سنة كانت هذه المرأة تعاني من نزف دم. لقد ذهبت الى طبيب بعد آخر، منفقة كل اموالها على المعالجات. لكنها لم تُشفَ؛ وبالاحرى، صارت مشكلتها اردأ.
وكما يمكنكم على الارجح ان تدركوا فان مرضها المزمن، بالاضافة الى إضعافها كثيرا جدا، هو محرج ايضا ومذلّ. والشخص عموما لا يتكلم علنا عن مرض كهذا. وفضلا عن ذلك، فان سيلان الدم تحت الناموس الموسوي يجعل المرأة نجسة، وكل من يمسها او يمس ثيابها الملطخة بالدم يلزم ان يغتسل ويكون نجسا الى المساء.
لقد سمعت المرأة بعجائب يسوع والآن ذهبت اليه. وبالنظر الى نجاستها، تتقدم بين الجمع على نحو يتعذر تمييزه قدر المستطاع، قائلة في نفسها: «ان مسست ولو ثيابه شفيت.» وعندما تفعل ذلك تشعر للوقت بأن نزف دمها قد جف!
«مَن الذي لمسني.» وكم تصدمها كلمات يسوع هذه! كيف استطاع ان يعرف؟ «يا معلم،» يحتج بطرس، «الجموع يضيِّقون عليك ويزحمونك وتقول مَن الذي لمسني.»
واذ ينظر حوله ليرى المرأة يوضح يسوع: «قد لمسني واحد لاني علمت ان قوة قد خرجت مني.» حقا، انها لمسة غير عادية، لان الشفاء الذي ينتج يعتمد على حيوية يسوع.
واذ ترى المرأة انها لم تختفِ تجيء وتخرّ امام يسوع، خائفة ومرتعدة. وأمام جميع الشعب تخبر بالحقيقة كلها عن مرضها وكيف برئت في الحال.
واذ يتأثر يسوع باعترافها الكامل يعزيها برأفة: «يا ابنة ايمانك قد شفاك. اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك.» فما ابدع ان نعرف ان ذاك الذي اختاره اللّٰه ليحكم الارض هو شخص ودّي ورؤوف كهذا يهتم بالناس ويملك القدرة ايضا على مساعدتهم! متى ٩:١٨-٢٢؛ مرقس ٥:٢١-٣٤؛ لوقا ٨:٤٠-٤٨؛ لاويين ١٥:٢٥-٢٧.
▪ من هو يايرس، ولماذا يأتي الى يسوع؟
▪ اية مشكلة توجد لدى احدى النساء، ولماذا يكون المجيء الى يسوع طلبا للمساعدة صعبا عليها للغاية؟
▪ كيف تُشفى المرأة، وكيف يعزيها يسوع؟
-
-
الدموع تحوَّلت الى ابتهاج عظيماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٧
الدموع تحوَّلت الى ابتهاج عظيم
عندما يرى يايرس المرأة بنزف دم قد شفيت تزداد دون شك ثقته بقدرات يسوع العجائبية. ففي وقت ابكر من اليوم كان يايرس قد طلب من يسوع ان يأتي ويساعد ابنته المحبوبة التي تبلغ من العمر ١٢ سنة، والتي كانت على وشك الموت. إلا انه، الآن، يحدث ما يخافه يايرس كثيرا. فبينما يسوع يتكلم بعدُ مع المرأة يصل بعض الرجال ويخبرون يايرس بهدوء: «ابنتك ماتت. لماذا تتعب المعلم بعدُ.»
يا له من خبر مدمر! تأملوا: هذا الرجل، الذي ينال احتراما عظيما في المجتمع، هو الآن عاجز كليا اذ يعلم بموت ابنته. لكنّ يسوع يسمع الحديث. ولذلك، اذ يلتفت الى يايرس، يقول مشجعا: «لا تخف. آمن فقط.»
يرافق يسوع الرجل المصاب بالحزن الى بيته. وعندما يصلان يجدان ضجيجا كبيرا من البكاء والعويل. فقد تجمَّع حشد من الناس، وهم يلطمون انفسهم بحزن. وعندما يدخل يسوع يسأل: «لماذا تضجون وتبكون. لم تمت الصبية لكنها نائمة.»
وعند سماع ذلك يبتدئ الناس يضحكون بازدراء على يسوع لانهم يعرفون ان الصبية ميتة حقا. ومع ذلك يقول يسوع انها نائمة فقط. وباستعمال قدرته الممنوحة من اللّٰه، يظهر ان الناس يمكن ان يرجعوا من الموت بالسهولة التي بها يمكن ان يستيقظوا من نوم عميق.
والآن يُخرج يسوع الجميع ما عدا بطرس ويعقوب ويوحنا وأم الصبية الميتة وأباها. وعندئذ يأخذ هؤلاء الخمسة معه الى حيث تضطجع الصبية. واذ يمسك يسوع بيدها يقول: «طليثا قومي،» الذي تفسيره، «يا صبية لك اقول قومي.» وللوقت تقوم الصبية وتمشي! فيبهت والداها ويبتهجان ابتهاجا عظيما.
وبعد ان يأمر بأن تعطى الصبية لتأكل يوصي يسوع يايرس وزوجته ان لا يقولا لاحد عما كان. ولكن على الرغم مما يقوله يسوع يخرج الخبر الى تلك الارض كلها. هذه هي القيامة الثانية التي ينجزها يسوع. متى ٩:١٨-٢٦؛ مرقس ٥:٣٥-٤٣؛ لوقا ٨:٤١-٥٦.
▪ اي خبر يتلقاه يايرس، وكيف يشجعه يسوع؟
▪ ماذا تكون عليه الحال عندما يصلان الى بيت يايرس؟
▪ لماذا يقول يسوع ان الصبية الميتة نائمة فقط؟
▪ من هم الخمسة مع يسوع الذين يشهدون القيامة؟
-
-
مغادرة بيت يايرس وزيارة الناصرة من جديداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٨
مغادرة بيت يايرس وزيارة الناصرة من جديد
كان النهار حافلا بالنشاط بالنسبة الى يسوع — رحلة بحرية من العشر المدن، شفاء المرأة المصابة بنزف دم، واقامة ابنة يايرس. لكنّ النهار لم ينتهِ. وكما يتضح، اذ يغادر يسوع بيت يايرس يتبعه اعميان يصرخان: «ارحمنا يا ابن داود.»
وبمخاطبة يسوع بصفته «ابن داود،» يعبِّر هذان الرجلان عن ايمانهما بأن يسوع هو الوريث لعرش داود، وأنه بالتالي المسيّا الموعود به. لكنّ يسوع كما يبدو يتجاهل صراخهما طلبا للعون، ربما لامتحان مثابرتهما. لكنّ الرجلين لا يستسلمان. فيتبعان يسوع الى حيث يقيم، وعندما يدخل البيت يتبعانه الى الداخل.
وهناك يسأل يسوع: «أتؤمنان أني اقدر ان افعل هذا.»
«نعم يا سيد،» يجيبان بثقة.
وهكذا اذ يلمس اعينهما يقول يسوع: «بحسب ايمانكما ليكن لكما.» وفي الحال يتمكنان من الرؤية! ثم ينتهرهما يسوع: «انظرا لا يعلم احد.» ولكنهما اذ يطفحان سرورا يتجاهلان وصية يسوع ويتكلمان عنه في كل ذلك الريف.
وحالما يغادر هذان الرجلان يُدخل الناس انسانا به شيطان سلبه القدرة على الكلام. فيُخرج يسوع الشيطان، ويبتدئ الرجل يتكلم على الفور. فيتعجب الجموع من هذه العجائب قائلين: «لم يَظهر قط مثل هذا في اسرائيل.»
والفريسيون حاضرون ايضا. ولا يمكنهم انكار العجائب، لكنهم في عدم ايمانهم الشرير يكررون تهمتهم بالنسبة الى مصدر قوات يسوع قائلين: «برئيس الشياطين يُخرج الشياطين.»
وبعد وقت قصير من هذه الحوادث يعود يسوع الى بلدته الناصرة، وهذه المرة بصحبة تلاميذه. وقبل نحو سنة كان قد زار المجمع وعلَّم هناك. ومع ان الناس تعجبوا في بادئ الامر من كلماته السارَّة، الا انهم في ما بعد استاءوا من تعليمه وحاولوا ان يقتلوه. والآن، برحمة، يقوم يسوع بمحاولة اخرى لمساعدة جيرانه السابقين.
وفيما يتوافد الناس على يسوع في اماكن اخرى، فهم لا يفعلون ذلك هنا كما يظهر. فيذهب يوم السبت الى المجمع ليعلم. ومعظم الذين يسمعونه يبهتون. «من اين لهذا هذه الحكمة والقوات،» يسألون. «أليس هذا ابن النجار. أليست امه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. أوليست اخواته جميعهن عندنا. فمن اين لهذا هذه كلها.»
‹يسوع هو مجرد رجل من اهل البلدة مثلنا،› يفكرون. ‹رأيناه يكبر، ونحن نعرف عائلته. فكيف يمكن ان يكون المسيّا؟› ولذلك على الرغم من كل الادلة — حكمته العظيمة وعجائبه — يرفضونه. وبسبب ألفتهم الحميمة يعثر به اقرباؤه ايضا، جاعلين يسوع يستنتج: «ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين اقربائه وفي بيته.»
حقا، يتعجب يسوع من عدم ايمانهم. ولذلك لا يصنع هناك اية عجائب سوى وضع يديه على مرضى قليلين وشفائهم. متى ٩:٢٧-٣٤؛ ١٣:٥٤-٥٨؛ مرقس ٦:١-٦؛ اشعياء ٩:٧.
▪ بمخاطبة يسوع بصفته «ابن داود» بماذا يُظهر الاعميان انهما يؤمنان؟
▪ اي تفسير لعجائب يسوع استقرّ عليه الفريسيون؟
▪ لماذا من الرحمة ان يعود يسوع لمساعدة اولئك الذين في الناصرة؟
▪ اي استقبال يلقاه يسوع في الناصرة، ولماذا؟
-
-
جولة كرازية اخرى في الجليلاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٤٩
جولة كرازية اخرى في الجليل
بعد نحو سنتين من الكرازة الكثيفة، هل يبتدئ يسوع الآن يتوقف او يتباطأ؟ على العكس، فهو يوسِّع نشاطه الكرازي بالشروع في جولة اخرى، جولة ثالثة في الجليل. فيزور كل المدن والقرى في المقاطعة، معلِّما في المجامع وكارزا ببشارة الملكوت. وما يراه في هذه الجولة يقنعه اكثر من ايّ وقت مضى بالحاجة الى تكثيف عمل الكرازة.
حيثما يذهب يسوع يرى الجموع في حاجة الى الشفاء الروحي والتعزية. فهم منزعجون ومنطرحون كغنم لا راعي لها، فيتحنن عليهم. ويقول لتلاميذه: «الحصاد كثير ولكنّ الفعلة قليلون. فاطلبوا من رب الحصاد ان يرسل فعلة الى حصاده.»
لدى يسوع خطة للعمل. فهو يدعو الرسل الـ ١٢ الذين اختارهم قبل سنة تقريبا. ويقسِّمهم اثنين اثنين، جاعلا من الكارزين ستة ازواج، ويعطيهم الارشادات. يشرح قائلا: «الى طريق امم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري الى خراف بيت اسرائيل الضالة. وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات.»
وهذا الملكوت الذي يجب ان يكرزوا به هو الذي علَّمهم يسوع ان يصلّوا لاجله في الصلاة النموذجية. فالملكوت يقترب بمعنى ان ملك اللّٰه المعيَّن، يسوع المسيح، يكون حاضرا. ولكي يثبت اوراق اعتماد تلاميذه كممثلين لتلك الحكومة فوق الطبيعة البشرية يعطيهم يسوع سلطانا ان يشفوا المرضى ويقيموا الموتى ايضا. ويوصيهم ان ينجزوا هذه الخدمات مجانا.
بعد ذلك يقول لتلاميذه ان لا يصنعوا استعدادات مادية لجولتهم الكرازية. «لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم. ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا احذية ولا عصا. لان الفاعل مستحق طعامه.» فاولئك الذين يقدِّرون الرسالة سيتجاوبون ويساهمون في الطعام والمأوى. وكما يقول يسوع: «وأية مدينة او قرية دخلتموها فافحصوا مَن فيها مستحق. وأقيموا هناك حتى تخرجوا.»
بعدئذ يعطي يسوع ارشادات عن كيفية الاقتراب من اصحاب البيوت برسالة الملكوت. «وحين تدخلون البيت،» يوصي، «سلِّموا عليه. فان كان البيت مستحقا فليأت سلامكم عليه. ولكن ان لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم اليكم. ومَن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجا من ذلك البيت او من تلك المدينة وانفضوا غبار ارجلكم.»
وعن المدينة التي ترفض رسالتهم، يكشف يسوع ان الدينونة عليها ستكون حقا شديدة. يشرح قائلا: «الحق اقول لكم ستكون لارض سدوم وعمورة يوم الدين حالة اكثر احتمالا مما لتلك المدينة.» متى ٩:٣٥–١٠:١٥؛ مرقس ٦:٦-١٢؛ لوقا ٩:١-٥.
▪ متى يبتدئ يسوع جولة كرازية ثالثة في الجليل، وبماذا يقنعه ذلك؟
▪ عند ارسال رسله الـ ١٢ ليكرزوا اية ارشادات يعطيهم؟
▪ لماذا يكون صائبا ان يعلِّم التلاميذ ان الملكوت يقترب؟
-
-
الاستعداد لمواجهة الاضطهاداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٠
الاستعداد لمواجهة الاضطهاد
بعد ارشاد رسله في اساليب القيام بعمل الكرازة يحذرهم يسوع من المقاومين. فيقول: «ها انا ارسلكم كغنم في وسط ذئاب . . . ولكن احذروا من الناس. لانهم سيسلمونكم الى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون امام ولاة وملوك من اجلي.»
وعلى الرغم من الاضطهاد القاسي الذي سيواجهه أتباعه، يعد يسوع مُطمئنا: «متى اسلموكم فلا تهتموا كيف او بما تتكلمون. لانكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لان لستم انتم المتكلمين بل روح ابيكم الذي يتكلم فيكم.»
ويتابع يسوع: «وسيسلم الاخ اخاه الى الموت والاب ولده. ويقوم الاولاد على والديهم ويقتلونهم.» ويضيف: «تكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي. ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص.»
ان الكرازة ذات اهمية رئيسية. ولهذا السبب يشدد يسوع على الحاجة الى الفطنة من اجل البقاء احرارا للقيام بالعمل. «ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا الى الاخرى،» يقول، «فاني الحق اقول لكم لا تكملون مدن اسرائيل حتى يأتي ابن الانسان.»
صحيح ان يسوع اعطى هذا الارشاد والتحذير والتشجيع لرسله الـ ١٢، لكنّ ذلك عنى ايضا اولئك الذين سيشتركون في الكرازة حول العالم بعد موته وقيامته. ويظهر هذا من قوله ان تلاميذه سيكونون «مبغضين من الجميع،» وليس من مجرد الاسرائيليين الذين أُرسل الرسل اليهم ليكرزوا. وفضلا عن ذلك، فان الرسل كما يظهر لم يُساقوا امام ولاة وملوك عندما ارسلهم يسوع في حملتهم الكرازية القصيرة. وعلاوة على ذلك، لم يجرِ تسليم المؤمنين الى الموت من قبل اعضاء العائلة.
ولذلك عند القول ان تلاميذه لن يكملوا دائرة كرازتهم «حتى يأتي ابن الانسان» كان يسوع يخبرنا نبويا بأن تلاميذه لن يكملوا دائرة الارض المسكونة كلها بالكرازة بملكوت اللّٰه المؤسس قبل ان يأتي الملك الممجد يسوع المسيح بصفته المنفِّذ الرسمي لاحكام يهوه في هرمجدون.
واذ يتابع ارشاداته الكرازية يقول يسوع: «ليس التلميذ افضل من المعلم ولا العبد افضل من سيده.» لذلك يجب ان يتوقع أتباع يسوع تلقّي سوء المعاملة والاضطهاد نفسه كما حصل له هو بسبب الكرازة بملكوت اللّٰه. ومع ذلك ينصح: «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم.»
كان على يسوع ان يرسم المثال في هذه المسألة. فكان سيحتمل الموت دون خوف عوض ان يساير في ولائه للكلي القدرة، يهوه اللّٰه. نعم، يهوه هو الذي يستطيع ان يهلك «نفس» المرء (التي تعني في هذه الحالة آمال المرء للمستقبل كنفس حية) او يستطيع عوض ذلك ان يقيم الشخص ليتمتع بالحياة الابدية. فيا ليهوه من أب سماوي محب وعطوف!
يشجع يسوع بعد ذلك تلاميذه بايضاحٍ يُبرز عناية يهوه الحبية بهم. «أليس عصفوران يباعان بفلس،» يسأل. «وواحد منهما لا يسقط على الارض بدون ابيكم. وأما انتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة. فلا تخافوا. انتم افضل من عصافير كثيرة.»
ان رسالة الملكوت التي اوكلها يسوع الى تلاميذه لينادوا بها ستقسم البيوت، اذ يقبلها بعض اعضاء العائلة ويرفضها آخرون. «لا تظنوا اني جئت لالقي سلاما على الارض،» يوضح. «ما جئت لالقي سلاما بل سيفا.» وأن يعتنق عضو من العائلة حق الكتاب المقدس يتطلب الشجاعة. «من احب ابا او اما اكثر مني فلا يستحقني،» يعلِّق يسوع، «ومن احب ابنا او ابنة اكثر مني فلا يستحقني.»
واذ يختتم ارشاداته يوضح يسوع ان اولئك الذين يقبلون تلاميذه يقبلونه هو ايضا. «ومن سقى احد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره.» متى ١٠:١٦-٤٢.
▪ اية تحذيرات يزوِّدها يسوع لتلاميذه؟
▪ اي تشجيع وتعزية يمنحهم اياهما؟
▪ لماذا تنطبق ارشادات يسوع على المسيحيين العصريين ايضا؟
▪ بأية طريقة ليس تلميذ يسوع افضل من معلمه؟
-
-
جريمة قتل في حفلة يوم ميلاداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥١
جريمة قتل في حفلة يوم ميلاد
بعد اعطاء الارشادات لرسله يرسلهم يسوع الى المقاطعة اثنين اثنين. وعلى الارجح يذهب الاخوان بطرس واندراوس معا، وكذلك يعقوب ويوحنا، فيلبس وبرثولماوس، توما ومتى، يعقوب وتداوس، سمعان ويهوذا الاسخريوطي. والازواج الستة من المبشرين يبشرون بالملكوت ويصنعون شفاء عجائبيا حيثما يذهبون.
وفي هذه الاثناء لا يزال يوحنا المعمدان في السجن. وكانت له هناك الآن سنتان تقريبًا. ولعلكم تذكرون ان يوحنا اعلن جهرا انه كان خطأ ان يتخذ هيرودس انتيباس هيروديا، زوجة اخيه فيلبس، زوجة له. وبما ان هيرودس انتيباس ادّعى بأنه يتبع الناموس الموسوي فقد شهَّر يوحنا بلياقة اتحاد الزنا هذا. ولذلك ألقى هيرودس يوحنا في السجن، وربما بتحريض من هيروديا.
يدرك هيرودس انتيباس ان يوحنا رجل بار حتى انه يصغي اليه بسرور. لذلك يرتبك في ما سيفعله به. وهيروديا، من جهة اخرى، تبغض يوحنا وتستمر في طلب قتله. وأخيرا تأتي الفرصة التي كانت تنتظرها.
قبيل فصح السنة ٣٢ بم يرتب هيرودس احتفالا كبيرا بيوم ميلاده. ويجتمع في الحفلة جميع رسميي هيرودس العظماء وقواد الجيش، بالاضافة الى مواطني الجليل الوجهاء. واذ يتقدم المساء تُرسَل سالومة، ابنة هيروديا الشابة من زوجها السابق فيلبس، لترقص للضيوف. فيُفتن الحضور الذكور بأدائها.
يُسرُّ هيرودس جدا بسالومة ويعلن: «مهما اردت اطلبي مني فأعطيك.» حتى انه يقسم: «مهما طلبت مني لأعطينَّك حتى نصف مملكتي.»
قبل الاجابة تذهب سالومة لتستشير امها. «ماذا اطلب،» تسأل.
الفرصة اخيرا! «رأس يوحنا المعمدان،» تجيب هيروديا دون تردد.
تعود سالومة بسرعة الى هيرودس وتطلب: «اريد ان تعطيني حالا رأس يوحنا المعمدان على طبق.»
يتضايق هيرودس جدا. ولكن لان ضيوفه سمعوا قسمه يربكه ان لا يمنحها ذلك، مع ان هذا يعني قتل رجل بريء. فيجري ارسال جلاّد على الفور الى السجن بأوامره المريعة. وبعد وقت قصير يعود برأس يوحنا على طبق، ويعطيه لسالومة. وهي بدورها تأخذه الى امها. وعندما يسمع تلاميذ يوحنا بما حدث يأتون ويرفعون جسده ويدفنونه، وبعدئذ يخبرون يسوع بالقضية.
وفي ما بعد، عندما يسمع هيرودس بشفاء يسوع للناس وطرد الابالسة، يرتعب اذ يخاف ان يكون يسوع في الواقع يوحنا الذي اقيم من الاموات. وبعد ذلك يرغب بشدة ان يرى يسوع، لا ليسمع كرازته، بل ليتأكد ما اذا كانت مخاوفه صحيحة ام لا. متى ١٠:١-٥؛ ١١:١؛ ١٤:١-١٢؛ مرقس ٦:١٤-٢٩؛ لوقا ٩:٧-٩.
▪ لماذا يوحنا في السجن، ولماذا يريد هيرودس ان يقتله؟
▪ كيف تتمكن هيروديا اخيرا من قتل يوحنا؟
▪ بعد موت يوحنا لماذا يريد هيرودس ان يرى يسوع؟
-
-
يسوع يطعم الآلاف بأعجوبةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٢
يسوع يطعم الآلاف بأعجوبة
تمتع الرسل الـ ١٢ بجولة كرازية رائعة في كل مكان من الجليل. والآن، بعد اعدام يوحنا بوقت قصير، يرجعون الى يسوع ويروون اختباراتهم البديعة. واذ يرى انهم متعَبون وأن اناسا كثيرين قادمون وذاهبون حتى انه لا تتيسر لهم فرصة للاكل يقول يسوع: ‹لنذهب منفردين الى موضع خلاء حيث يمكنكم ان تستريحوا.›
واذ يصعدون الى سفينتهم، ربما قرب كفرناحوم، يتوجهون الى مكان ناءٍ، وعلى ما يظهر شرقي الاردن وراء بيت صيدا. لكنّ اناسا كثيرين يرونهم منطلقين وآخرين يعلمون بذلك. فيتراكض هؤلاء جميعا على طول الشاطئ، وعندما ترسو السفينة يكون الناس هناك لملاقاتهم.
واذ يخرج من السفينة ويرى الجمع الكثير يتحنَّن يسوع لان الناس يكونون كخراف لا راعي لها. فيشفي مرضاهم ويبتدئ بتعليمهم امورا كثيرة.
يمضي الوقت بسرعة، فيأتي تلاميذ يسوع اليه ويقولون: «الموضع خلاء والوقت مضى. اصرفهم لكي يمضوا الى الضياع والقرى حوالينا ويبتاعوا لهم خبزا.»
ولكنّ يسوع يجيب قائلا: «أعطوهم انتم ليأكلوا.» ثم، لأن يسوع يعرف مسبقا ما هو مزمع ان يفعل، يمتحن فيلبس بسؤاله: «من اين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء.»
من وجهة نظر فيلبس تكون الحالة مستحيلة. فهنالك حوالي ٠٠٠,٥ رجل، وربما اكثر من ٠٠٠,١٠ شخص اذا حسبنا النساء والاولاد ايضا! فيجيب فيلبس انه «لا يكفيهم خبز بمئتي دينار [كان الدينار آنذاك اجرة يوم] ليأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا.»
وربما لكي يُظهر تعذُّر اطعام كل هذا العدد يقول اندراوس: «هنا غلام معه خمسة ارغفة شعير وسمكتان،» ويضيف، «ولكن ما هذا لمثل هؤلاء.»
وبما انه فصل الربيع، قبيل فصح السنة ٣٢ بم، هنالك كثير من العشب الاخضر. ولذلك يأمر يسوع تلاميذه بأن يقولوا للناس ان يتكئوا على العشب في فرق من ٥٠ ومن ١٠٠. فيأخذ الارغفة الخمسة والسمكتين، ويرفع نظره نحو السماء ويبارك. ثم يبتدئ بتكسير الارغفة وتقسيم السمكتين. فيعطيها لتلاميذه، الذين يوزعونها بدورهم على الناس. وعلى نحو مدهش يأكل جميع الناس حتى يشبعوا!
بعد ذلك يقول يسوع لتلاميذه: «اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء.» وعندما يفعلون ذلك يملأون ١٢ قفَّة من فضلات ما اكلوا! متى ١٤:١٣-٢١؛ مرقس ٦:٣٠-٤٤؛ لوقا ٩:١٠-١٧؛ يوحنا ٦:١-١٣.
▪ لماذا يطلب يسوع موضع خلاء لرسله؟
▪ الى اين يأخذ يسوع تلاميذه، ولماذا لا تتحقق حاجتهم الى الراحة؟
▪ عندما يصير الوقت متأخرا على ماذا يحث التلاميذ، ولكن كيف يعتني يسوع بالناس؟
-
-
حاكم اعظم من البشر مرغوب فيهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٣
حاكم اعظم من البشر مرغوب فيه
عندما يطعم يسوع الآلاف بأعجوبة يندهش الناس. «هذا هو بالحقيقة النبي الآتي الى العالم،» يقولون. ويستنتجون ليس فقط ان يسوع لا بد ان يكون النبي الاعظم من موسى بل ايضا يمكن ان يصير حاكما مرغوبا فيه جدا. ولذلك يخططون ان يختطفوه ويجعلوه ملكا.
لكنّ يسوع يدرك ما يخططه الناس. ولذلك يعمل بسرعة كي يتجنب ان يجرّوه بالقوة. فيصرف الجموع ويُلزِم تلاميذه ان يدخلوا سفينتهم ويتجهوا رجوعا الى كفرناحوم. ثم يمضي الى الجبل ليصلّي. في تلك الليلة يكون يسوع وحده.
وقبيل الفجر يُطل يسوع من موقعه المرتفع ويلاحظ الامواج هائجة في البحر بسبب ريح قوية. وفي ضوء القمر الكامل تقريبا، لان الفصح قريب، يرى يسوع السفينة وتلاميذه يجاهدون ليتقدموا في وجه الامواج. فالرجال يجذِّفون بكل قوتهم.
عندما يرى يسوع ذلك ينزل من الجبل ويبتدئ بالمشي نحو السفينة على الامواج. وتكون السفينة قد قطعت حوالي ثلاثة او اربعة اميال عندما يصل يسوع اليها. لكنه يتابع المشي كما لو كان سيتجاوزها. وعندما يراه التلاميذ يصرخون: «انه خيال.»
فيجيب يسوع مشجعا: «انا هو. لا تخافوا.»
لكنّ بطرس يقول: «يا سيد ان كنت انت هو فمرني ان آتي اليك على الماء.»
«تعال،» يجيب يسوع.
عندئذ يخرج بطرس من السفينة ويمشي على الماء باتجاه يسوع. ولكنّ بطرس اذ يرى الريح شديدة يخاف ويبتدئ بالغرق فيصرخ: «يا رب نجِّني.»
وفي الحال يمدّ يسوع يده ويمسك به قائلا: «يا قليل الايمان لماذا شككت.»
بعد ان يعود بطرس ويسوع الى السفينة تتوقف الريح فيندهش التلاميذ. ولكن هل يجب ان يندهشوا؟ فلو فهموا «(معنى) الارغفة» بتقديرهم العجيبة العظيمة التي صنعها يسوع قبل ساعات قليلة عندما اطعم الآلاف من خمسة ارغفة وسمكتين صغيرتين فقط، لما وجب ان يبدو مدهشا جدا ان يستطيع المشي على الماء ويجعل الريح تسكن. أما الآن فيخضع التلاميذ ليسوع ويقولون: «بالحقيقة انت ابن اللّٰه.»
وفي وقت قصير يصلون الى جنِّيسارت، سهل جميل وخصب قرب كفرناحوم. وهناك يُرسون السفينة. ولكن عندما يصلون الى الشاطئ يعرف الناس يسوع فيذهبون الى الكورة المحيطة ليجدوا اولئك الذين هم مرضى. وعندما يؤتى بهؤلاء على اسرَّتهم ويلمسون هدب ثوب يسوع فقط ينالون الشفاء التام.
وفي هذه الاثناء يكتشف الجمع الذي شهد اطعام الآلاف بأعجوبة ان يسوع قد غادر. ولذلك عندما تصل سفن صغيرة من طبريّة يركبونها ويتجهون الى كفرناحوم باحثين عن يسوع. وعندما يجدونه يسألون: «يا معلم متى صرت هنا.» فيوبخهم يسوع، كما سنرى بعد قليل. يوحنا ٦:١٤-٢٥؛ متى ١٤:٢٢-٣٦؛ مرقس ٦:٤٥-٥٦.
▪ بعد ان يطعم يسوع الآلاف بأعجوبة ماذا يريد الناس ان يفعلوا به؟
▪ ماذا يرى يسوع من الجبل الذي مضى اليه، وماذا يفعل بعد ذلك؟
▪ لماذا لا يجب ان يندهش التلاميذ جدا من هذه الامور؟
▪ ماذا يحدث بعد وصولهم الى الشاطئ؟
-
-
«الخبز الحقيقي من السماء»اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٤
«الخبز الحقيقي من السماء»
لقد كان اليوم السابق زاخرا بالحوادث حقا. فيسوع اطعم الآلاف بأعجوبة وبعد ذلك فرّ من محاولة الشعب لجعله ملكا. وفي تلك الليلة سار على بحر الجليل الهائج؛ انقذ بطرس، الذي ابتدأ يغرق عندما مشى على المياه الهائجة المضطربة؛ وهدّأ الامواج ليخلّص تلاميذه من انكسار السفينة.
والآن يجده الناس، الذين اطعمهم يسوع بأعجوبة في شمال شرق الجليل، قرب كفرناحوم فيسألون: «متى صرت هنا.» واذ يوبّخهم، يقول يسوع انهم جاءوا يبحثون عنه فقط لانهم يتوقعون الحصول على وجبة طعام مجانية اخرى. فيحثّهم على العمل لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الابدية. فيطرح الناس السؤال: «ماذا نفعل حتى نعمل اعمال اللّٰه.»
يشير يسوع الى عمل واحد ذي قيمة كبيرة: «هذا هو عمل اللّٰه،» يشرح يسوع، «ان تؤمنوا بالذي هو ارسله.»
ولكنّ الناس لا يمارسون الايمان بيسوع على الرغم من كل العجائب التي صنعها. وبعدم ايمان، حتى بعد كل الاشياء البديعة التي عملها، يسألون: «اية آية تصنع لنرى ونؤمن بك. ماذا تعمل. آباؤنا اكلوا المن في البرية كما هو مكتوب انه اعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا.»
وردًا على طلبهم آية يوضح يسوع مصدر التدابير العجائبية قائلا: «ليس موسى اعطاكم الخبز من السماء بل ابي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لان خبز اللّٰه هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم.»
«يا سيد،» يقول الشعب، «اعطنا في كل حين هذا الخبز.»
«انا هو خبز الحياة،» يوضح يسوع. «من يُقبل الي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش ابدا. ولكني قلت لكم انكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون. كل ما يعطيني الآب فإليّ يقبل ومن يقبل إليّ لا اخرجه خارجا. لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي ارسلني. وهذه مشيئة الآب الذي ارسلني ان كل ما اعطاني لا أتلف منه شيئًا بل اقيمه في اليوم الاخير. لان هذه هي مشيئة الذي ارسلني ان كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة ابدية.»
عند ذلك يبدأ اليهود بالتذمر على يسوع لانه قال: «انا هو الخبز الذي نزل من السماء.» فهم لم يروا فيه اكثر من ابن لابوين بشريين، ولذلك بالطريقة نفسها التي اعترض بها الشعب في الناصرة اعترضوا قائلين: «اليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وامه. فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء.»
«لا تتذمروا فيما بينكم،» يجيب يسوع. «لا يقدر احد ان يقبل اليّ ان لم يجتذبه الآب الذي ارسلني وانا اقيمه في اليوم الاخير. انه مكتوب في الانبياء ويكون الجميع متعلمين من اللّٰه. فكل من سمع من الآب وتعلَّم يُقبل اليَّ. ليس أنّ احدا رأى الآب الا الذي من اللّٰه. هذا قد رأى الآب. الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فله حياة ابدية.»
واذ يتابع، يكرر يسوع: «انا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الانسان ولا يموت. انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد.» نعم، بممارسة الايمان بيسوع، المرسل من اللّٰه، يمكن للناس ان يحصلوا على الحياة الابدية. فلا المنّ ولا اي خبز آخر يمكن ان يزود ذلك!
ان المناقشة المتعلقة بالخبز من السماء ابتدأت على ما يظهر بعد وقت قصير من ايجاد الناس يسوع قرب كفرناحوم. ولكنها تستمر، بالغة ذروتها لاحقا عندما يعلّم يسوع في مجمع في كفرناحوم. يوحنا ٦:٢٥-٥١، ٥٩؛ مزمور ٧٨:٢٤؛ اشعياء ٥٤:١٣؛ متى ١٣:٥٥-٥٧.
▪ اية حوادث سبقت مناقشة يسوع المتعلقة بالخبز من السماء؟
▪ بالنظر الى ما فعله يسوع الآن، لماذا يكون طلب آية غير ملائم للغاية؟
▪ لماذا يتذمَّر اليهود عندما يدَّعي يسوع انه الخبز الحقيقي من السماء؟
▪ اين حدثت المناقشة حول الخبز من السماء؟
-
-
تلاميذ كثيرون يتخلَّون عن اتِّباع يسوعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٥
تلاميذ كثيرون يتخلَّون عن اتِّباع يسوع
ان يسوع يعلّم في مجمع في كفرناحوم في ما يتعلق بدوره بصفته الخبز الحقيقي من السماء. وحديثه كما يظهر هو امتداد للمناقشة التي بدأت مع الناس عندما وجدوه لدى عودتهم من الجهة الشرقية لبحر الجليل، حيث كانوا قد اكلوا من الخبز والاسماك المزودة بطريقة عجائبية.
ويتابع يسوع ملاحظاته قائلا: «الخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم.» فقبل مجرد سنتين، في ربيع السنة ٣٠ بم، اخبر يسوع نيقوديموس أن اللّٰه احب العالم كثيرا حتى زوّد ابنه كمخلّص. وهكذا فإن يسوع يُظهر الآن ان ايّ شخص من عالم الجنس البشري يأكل رمزيا من جسده، بممارسة الايمان بالذبيحة التي سيقدّمها قريبا، يمكنه ان ينال الحياة الابدية.
ولكنّ الناس يعثرون من كلمات يسوع. «كيف يقدر هذا ان يعطينا جسده لنأكل،» يسألون. يريد يسوع ان يفهم سامعوه ان الاكل من جسده سيتم بطريقة مجازية. ولكي يؤكد ذلك، يقول شيئا يُعتَرض عليه اكثر ايضا اذا ما أُخذ بطريقة حرفية.
«ان لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه،» يعلن يسوع، «فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير. لان جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وانا فيه.»
حقا، لو كان يسوع يقترح اكل لحوم البشر لبدا تعليمه عدوانيا الى اقصى حد. ولكنّ يسوع، طبعا، لا يؤيد اكل الجسد او شرب الدم حرفيا. فهو يؤكد ببساطة ان جميع الذين ينالون الحياة الابدية يجب ان يمارسوا الايمان بالذبيحة التي سيصنعها عندما يقدّم جسده البشري الكامل ويسفك دم حياته. ولكنّ كثيرين ايضا من تلاميذه لا يحاولون فهم تعليمه ولذلك يعترضون: «ان هذا الكلام صعب. من يقدر ان يسمعه.»
واذ يعرف ان كثيرين من تلاميذه يتذمرون، يقول يسوع: «أهذا يعثركم. فإن رأيتم ابن الانسان صاعدا الى حيث كان اولا. . . . الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة. ولكن منكم قوم لا يؤمنون.»
ويتابع يسوع: «لهذا قلت لكم انه لا يقدر احد ان يأتي اليّ ان لم يُعطَ من ابي.» عند ذلك يترك كثيرون من تلاميذه ولا يعودون يتبعونه. فيلتفت يسوع الى رسله الـ ١٢ ويسأل: «العلكم انتم ايضا تريدون ان تمضوا.»
فيجيب بطرس: «يا رب الى من نذهب. كلام الحياة الابدية عندك. ونحن قد آمنّا وعرفنا انك انت المسيح ابن اللّٰه الحي.» فيا له من تعبير رائع عن الولاء على الرغم من ان بطرس والرسل الآخرين ربما لم يفهموا كاملا تعليم يسوع في هذه المسألة!
ومع انه يُسرّ بجواب بطرس، يعلّق يسوع: «اليس اني انا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان.» انه يتكلم عن يهوذا الاسخريوطي. فربما في هذا الوقت يكتشف يسوع في يهوذا ‹بداية› او مستهل مسلك خاطئ.
لقد خيّب يسوع امل الناس بمقاومته محاولاتهم لجعله ملكا، وقد يفكرون، ‹كيف يمكن ان يكون هذا المسيّا ان لم يأخذ مركز المسيّا الشرعي؟› وهذه ايضا تكون مسألة حيوية في اذهان الناس. يوحنا ٦:٥١-٧١؛ ٣:١٦.
▪ من اجل مَن يبذل يسوع جسده، وكيف يأكل هؤلاء جسده؟
▪ اية كلمات اضافية ليسوع كانت صعبة على الناس، ومع ذلك ماذا يؤكّد؟
▪ متى تخلّى كثيرون عن اتّباع يسوع، وما هو تجاوب بطرس؟
-
-
ماذا ينجّس الانسان؟اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٦
ماذا ينجّس الانسان؟
ان المقاومة ليسوع تصير اقوى. ليس ان كثيرين من تلاميذه يتركون وحسب لكنّ اليهود في اليهودية يطلبون ان يقتلوه، كما فعلوا ايضا عندما كان في اورشليم في اثناء فصح السنة ٣١ بم.
والآن هو فصح السنة ٣٢ بم. وعلى الارجح، انسجاما مع مطلب اللّٰه ان يحضر، يصعد يسوع الى الفصح في اورشليم. ولكنه يفعل ذلك بحذر لان حياته في خطر. وبعد ذلك يعود الى الجليل.
ربما يكون يسوع في كفرناحوم عندما يأتي اليه الفريسيون والكتبة من اورشليم. انهم يفتشون عن اسباب ليتهموه على اساسها بكسر الشريعة الدينية. «لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ،» يستفسرون. «فانهم لا يغسلون ايديهم حينما يأكلون خبزا.» ليس هذا شيئا مطلوبا من اللّٰه، ومع ذلك يعتبره الفريسيون اساءة خطيرة أن لا ينجزوا هذا الطقس التقليدي الذي كان يشمل الاغتسال حتى المرفقين.
وبدلا من ان يجيبهم عن اتهامهم، يشير يسوع الى كسرهم الشرير والعمدي لشريعة اللّٰه. «لماذا تتعدّون وصية اللّٰه بسبب تقليدكم،» يريد ان يعرف. «فان اللّٰه اوصى قائلا أكرم اباك وامك. ومن يشتم ابا او اما فليمت موتا. واما انتم فتقولون من قال لابيه او امه قربان هو الذي تنتفع به مني. فلا يكرم اباه او امه.»
فعلا، يعلِّم الفريسيون ان المال، الممتلكات، او اي شيء منذور كهدية للّٰه هو للهيكل ولا يمكن ان يُستعمل لاي قصد آخر. ولكنّ الهدية المنذورة، في الواقع، يحتفظ بها الشخص الذي نذرها. وبهذه الطريقة فان الابن، بمجرد القول ان ماله او ممتلكاته «قربان» — هدية منذورة للّٰه او للهيكل — يتهرب من مسؤوليته في مساعدة والديه المسنين، اللَّذَين قد يكونان في ضيقات شديدة.
واذ يغتاظ بلياقة من تحريف الفريسيين الشرير لشريعة اللّٰه، يقول يسوع: «ابطلتم وصية اللّٰه بسبب تقليدكم. يا مراؤون حسنا تنبّأ عنكم اشعياء قائلا. يقترب اليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا. وباطلا يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس.»
وربما كان الجمع قد تراجع ليسمح للفريسيين بأن يطرحوا الاسئلة على يسوع. والآن، عندما لم يعد لدى الفريسيين اي رد على نقد يسوع القوي لهم، يطلب من الجمع ان يقترب. «اسمعوا مني،» يقول، «وافهموا. ليس شيء من خارج الانسان اذا دخل فيه يقدر ان ينجّسه. لكن الاشياء التي تخرج منه هي التي تنجّس الانسان.»
وفي ما بعد، عندما يدخلون بيتا، يسأل تلاميذُه: «أتعلم انّ الفريسيين لما سمعوا القول نفروا.»
«كل غرس لم يغرسه ابي السماوي يقلع،» يجيب يسوع. «اتركوهم. هم عميان قادة عميان. وان كان اعمى يقود اعمى يسقطان كلاهما في حفرة.»
ويبدو يسوع مندهشا عندما يطلب بطرس، امام التلاميذ، ايضاحا في ما يتعلق بما ينجس الانسان. «هل انتم ايضا حتى الآن غير فاهمين،» يتجاوب يسوع. «ألا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج. واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر. وذاك ينجّس الانسان. لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف. هذه هي التي تنجس الانسان. واما الاكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الانسان.»
ان يسوع هنا لا يعارض العادات الصحية الطبيعية. ولا يحتج بأن الشخص لا يحتاج الى ان يغسل يديه قبل تحضير الطعام او تناول وجبات الطعام. ان يسوع بالاحرى يدين رياء القادة الدينيين الذين يحاولون بطريقة خادعة ان يحيدوا عن شرائع اللّٰه البارة بالاصرار على التقاليد المخالفة للاسفار المقدسة. نعم، ان الاعمال الشريرة هي التي تنجّس الانسان، ويُظهر يسوع انها تنشأ في قلب الشخص. يوحنا ٧:١؛ تثنية ١٦:١٦؛ متى ١٥:١-٢٠؛ مرقس ٧:١-٢٣؛ خروج ٢٠:١٢؛ ٢١:١٧؛ اشعياء ٢٩:١٣.
▪ اية مقاومة يواجهها يسوع الآن؟
▪ اي اتهام يصنعه الفريسيون، ولكن بحسب يسوع كيف يكسر الفريسيون عمدا شريعة اللّٰه؟
▪ ماذا يُظهر يسوع انها الامور التي تنجّس الانسان؟
-
-
الرأفة بالحزانىاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٧
الرأفة بالحزانى
بعد ان يشهّر يسوع الفريسيين بتقاليدهم ذات المصلحة الشخصية يغادر مع تلاميذه. وقبل ذلك بوقت غير طويل، قد تتذكرون، كانت محاولته الابتعاد معهم للاستراحة قليلا قد اعيقت عندما وجدهم الجموع. والآن يرحل مع تلاميذه الى تخوم صور وصيداء، اللتين تقعان على بعد عدة اميال الى الشمال. وهذه كما يظهر هي الرحلة الوحيدة التي يقوم بها يسوع مع تلاميذه وراء حدود اسرائيل.
وبعد ايجاد بيت للمكوث فيه، يجعل معروفا انه لا يريد ان يعلم احد مكانهم. ولكن حتى في هذه المقاطعة غير الاسرائيلية لا يستطيع ان يفلت من الملاحظة. فتجده امرأة يونانية، مولودة هنا في فينيقية سورية، وتبتدئ تتوسل: «ارحمني يا سيد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جدا.» ولكنّ يسوع لا يجيب بكلمة.
وأخيرا يقول تلاميذ يسوع له: «اصرفها لانها تصيح وراءنا.» واذ يشرح سبب تجاهله اياها، يقول يسوع: «لم ارسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالّة.»
لكنّ المرأة لا تستسلم. فتقترب من يسوع وتخرّ امامه. وتناشده، «يا سيد أعنّي.»
فكم يتأثر قلب يسوع دون شك باستغاثة المرأة الجدية! لكنّه يشير ثانية الى مسؤوليته الاولى، ان يخدم شعب اللّٰه، اسرائيل. وفي الوقت نفسه، ليمتحن ايمانها كما يظهر، يدنو من نظرة التحامل عند اليهود الى الذين هم من قوميات اخرى، محاجا: «ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب (الصغيرة).»
فبنغمة صوته الرؤوفة وتعبير وجهه يظهر يسوع بالتأكيد مشاعره الرقيقة تجاه غير اليهود. حتى انه يليّن ايضا مقارنة الامم بالكلاب بالاشارة اليهم ‹ككلاب صغيرة،› او جراء. وبدلا من الاستياء، تعلّق المرأة على اشارة يسوع الى التحامل اليهودي وتبدي الملاحظة المتواضعة: «نعم يا سيد. والكلاب (الصغيرة) ايضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة اربابها.»
«يا امرأة عظيم ايمانك،» يجيب يسوع. «ليكن لك كما تريدين.» وهذا ما حدث! فعندما تعود الى بيتها تجد ابنتها على الفراش وقد شفيت تماما.
ومن منطقة صيداء الساحلية، يتّجه يسوع وتلاميذه عبر البلاد نحو منابع نهر الاردن. ويظهر انهم يخوضون الاردن في مكان ما فوق بحر الجليل ويدخلون منطقة المدن العشر شرقي البحر. وهناك يصعدون الى الجبل، لكنّ الجموع يجدونهم ويأتون الى يسوع بالعرج والشّل والعمي والخرس وكثيرين من المرضى والمشوهين بطريقة اخرى. ويطرحونهم بطريقة لائقة عند قدمي يسوع فيشفيهم. يتعجب الناس اذ يرون البكم يتكلمون والعرج يمشون والعمي يبصرون؛ فيسبّحون اله اسرائيل.
ويمنح يسوع انتباها خصوصيا لرجل اصم ويكاد لا يقدر ان يتكلم. وغالبا ما يرتبك الصم بسهولة، وخصوصا في الجمع. وربما يلاحظ يسوع عصبية هذا الرجل المعيَّنة. فيأخذه يسوع برأفة من بين الجمع على انفراد. وفيما يكونان وحدهما، يشير يسوع الى ما سيفعله من اجله. فيضع اصابعه في اذني الرجل، وبعد ان يتفل، يلمس لسانه. ثم، اذ ينظر نحو السماء، يئن يسوع ويقول: «انفتح.» عندئذ تجري استعادة قوى الرجل السمعية ويتمكن من التكلم بصورة طبيعية.
عندما ينجز يسوع اعمال الشفاء الكثيرة هذه يتجاوب الجموع بتقدير. فيقولون: «انه عمل كل شيء حسنا. جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون.» متى ١٥:٢١-٣١؛ مرقس ٧:٢٤-٣٧.
▪ لماذا لا يشفي يسوع ابنة المرأة اليونانية على الفور؟
▪ بعد ذلك، الى اين يأخذ يسوع تلاميذه؟
▪ كيف يعامل يسوع برأفة الرجل الاصم الذي يكاد لا يتكلم؟
-
-
الارغفة والخميراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٨
الارغفة والخمير
احتشدت جموع غفيرة الى يسوع في المدن العشر. وكثيرون جاءوا من بعيد الى هذه المنطقة المكتظة بالامم من اجل الاستماع اليه والشفاء من اسقامهم. وقد جلبوا معهم سلالا كبيرة او قففا كانوا يستعملونها عادة لحمل المؤن في اثناء السفر في المناطق الاممية.
ولكنّ يسوع يدعو تلاميذه اخيرا ويقول: «اني اشفق على الجمع لان الآن لهم ثلاثة ايام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. وان صرفتهم الى بيوتهم صائمين يخوّرون في الطريق. لان قوما منهم جاءوا من بعيد.»
«من اين يستطيع احد ان يشبع هؤلاء خبزا هنا في البرية،» يسأل التلاميذ.
يستفسر يسوع: «كم عندكم من الخبز.»
«سبعة،» يجيبون، «وقليل من صغار السمك.»
واذ يأمر الشعب ان يتكئوا على الارض يأخذ يسوع الارغفة والسمك، يصلّي الى اللّٰه، يكسرها ويعطيها لتلاميذه. وهم بدورهم يقدمونها الى الشعب، الذين يأكلون جميعا حتى الشبع. وبعد ذلك، عندما تُلتقط الفضلات، تكون هنالك سبعة سلال مملوءة، رغم ان حوالي ٠٠٠,٤ شخص، اضافة الى النساء والاولاد، قد اكلوا!
يصرف يسوع الجموع ويدخل السفينة مع تلاميذه ويجتاز الى الشاطئ الغربي لبحر الجليل. وهنا يحاول الفريسيون، الذين يرافقهم هذه المرة اعضاء من طائفة الصدوقيين الدينية، ان يجربوا يسوع سائلينه ان يريهم آية من السماء.
واذ يدرك جهودهم ليجربوه، يجيب يسوع: «اذا كان المساء قلتم صحو. لان السماء محمرّة. وفي الصباح اليوم شتاء. لان السماء محمرّة بعبوسة. يا مراؤون تعرفون ان تميزوا وجه السماء واما علامات الازمنة فلا تستطيعون.»
بذلك يدعوهم يسوع جيلا شريرا وفاسقا ويحذرهم بأنه، كما قال للفريسيين قبلا، لا تعطى لهم آية الاّ آية يونان. واذ يغادر يصعد هو وتلاميذه الى سفينة وينطلقون نحو بيت صيدا على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحر الجليل. وفي الطريق يكتشف التلاميذ انهم نسوا ان يجلبوا خبزا، اذ لم يكن معهم الا رغيف واحد فقط.
واذ كان يفكر في مواجهته الاخيرة للفريسيين ومؤيدي هيرودس الصدوقيين، يحذر يسوع: «انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس.» ومن الواضح ان ذكر الخمير يجعل التلاميذ يفكرون ان يسوع يشير الى نسيانهم جلب الخبز، لذلك يبدأون بمناقشة القضية. واذ يلاحظ سوء فهمهم، يقول يسوع: «لماذا تفكرون ان ليس عندكم خبز.»
ومؤخرا، كان يسوع قد زوّد بصورة عجائبية الخبز لآلاف من الناس وكان قد صنع هذه العجيبة الاخيرة ربما قبل يوم او اثنين فقط. فكان يجب ان يعرفوا انه ليس مهتما بالنقص في ارغفة حرفية. ‹ألا تذكرون،› يذكّرهم، «حين كسّرت الارغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوة كسرا رفعتم.»
«اثنتي عشرة،» يجيبون.
«وحين السبعة للاربعة الآلاف كم سلّ كسر مملوّا رفعتم.»
«سبعة،» يجيبون.
«كيف لا تفهمون،» يسأل يسوع. «كيف لا تفهمون اني ليس عن الخبز قلت لكم ان تتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين.»
وفهم التلاميذ اخيرا الفكرة. فالخمير، وهو مادة تسبب التخمّر وتجعل الخبز ينتفخ، كان كلمة تستعمل للدلالة على الفساد. ولذلك يفهم التلاميذ الآن ان يسوع يستخدم اسلوب الرمزية، منبها اياهم ليحترسوا من «تعليم الفريسيين والصدوقيين،» التعليم الذي له تأثير مفسد. مرقس ٨:١-٢١؛ متى ١٥:٣٢-١٦:١٢.
▪ لماذا يحمل الناس سلالا كبيرة؟
▪ بعد مغادرة المدن العشر، اية رحلات بحرية يقوم بها يسوع؟
▪ اي سوء فهم يكون عند التلاميذ بشأن تعليق يسوع على الخمير؟
▪ ماذا يعني يسوع بعبارة «خمير الفريسيين والصدوقيين»؟
-
-
مَن هو يسوع حقا؟اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٥٩
مَن هو يسوع حقا؟
عندما ترفئ السفينة التي تحمل يسوع وتلاميذه في بيت صيدا يقدّم الشعب اليه رجلا اعمى ويلتمسون منه ان يلمس الرجل ويشفيه. فيقود يسوع الرجل بيده الى خارج القرية، وبعد ان يتفل في عينيه يسأل: ‹هل تبصر شيئا؟›
«أُبصر الناس،» يجيب الرجل، «أُبصر الناس كأشجار يمشون.» واذ يضع يديه على عيني الرجل يعيد يسوع بصره لكي يرى بوضوح. ثم يرسل يسوع الرجل الى البيت موصيا اياه بأن لا يدخل المدينة.
يذهب الآن يسوع مع تلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس، في اقصى شمال فلسطين. انه مرتقى طويل، يغطي حوالي ٣٠ ميلا، تجاه الموقع الجميل لقيصرية فيلبس، نحو ١٥٠,١ قدما فوق مستوى سطح البحر. وتستغرق الرحلة على الارجح يومين.
في الطريق، ينفرد يسوع ليصلي. يبقى فقط حوالي تسعة او عشرة اشهر قبل موته، وهو قلق على تلاميذه. لقد توقف كثيرون في ذلك الحين عن اتِّباعه. والآخرون مضطربون وخائبون على ما يبدو لانه رفض جهود الشعب لتنصيبه ملكا ولانه، عندما تحدّاه اعداؤه، لم يزوِّد علامة من السماء ليثبت ملكيته. فبماذا يؤمن رسله بشأن هويته؟ عندما يأتون الى المكان الذي يصلي فيه يسأل يسوع: «مَن يقول الناس اني انا.»
«قوم يوحنا المعمدان،» يجيبون، «وآخرون ايليا. وآخرون ارميا او واحد من الانبياء.» نعم، يعتقد الناس ان يسوع هو واحد من هؤلاء الرجال مقام من الاموات!
«وانتم مَن تقولون اني انا،» يسأل يسوع.
يجيب بطرس على الفور: «انت هو المسيح ابن اللّٰه الحي.»
وبعد التعبير عن استحسانه لجواب بطرس، يقول يسوع: «وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني (جماعتي) وابواب الجحيم لن تقوى عليها.» يعلن يسوع هنا لاول مرة انه سيبني جماعة وانه حتى الموت لن يأسر اعضاءها بعد مسلكهم الامين على الارض. ثم يقول لبطرس: «أعطيك مفاتيح ملكوت السموات.»
وهكذا يُظهر يسوع ان بطرس كان سينال امتيازات خصوصية. كلا، لم يُعطَ بطرس المكانة الاولى بين الرسل، ولم يعيَّن اساسا للجماعة. فيسوع نفسه هو الصخرة التي ستُبنى عليها جماعته. لكنّ بطرس كان سيُعطى ثلاثة مفاتيح يفتح بها، اذا جاز التعبير، الفرصة لفِرَق من الناس للدخول الى ملكوت السموات.
يستخدم بطرس المفتاح الاول في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم ليظهر لليهود التائبين ما يجب فعله ليخلصوا. ويستخدم الثاني بعد ذلك بوقت قصير ليفتح للسامريين المؤمنين فرصة الدخول الى ملكوت اللّٰه. ثم في سنة ٣٦ بم يستخدم المفتاح الثالث ليفتح الفرصة عينها للامم غير المختونين، كرنيليوس ورفقائه.
يتابع يسوع مناقشته مع رسله. فيخيّبهم بالإخبار عما سيواجهه قريبا في اورشليم من آلام وموت. واذ يفشل في الفهم ان يسوع سيُقام الى حياة سماوية، يأخذ بطرس يسوع على انفراد. «حاشاك يا رب،» يقول. «لا يكون لك هذا.» فيلتفت يسوع مجيبا: «اذهب عني يا شيطان. انت معثرة لي لانك لا تهتم بما للّٰه لكن بما للناس.»
من الواضح ان آخرين الى جانب الرسل يسافرون مع يسوع، فيدعوهم الآن اليه ويوضح انه ليس من السهل اتِّباعه. «مَن اراد ان يأتي ورائي،» يقول، «فلينكر نفسه ويحمل (خشبة آلامه) ويتبعني. فإن مَن اراد ان يخلص نفسه يهلكها. ومَن يُهلك نفسه من اجلي ومن اجل الانجيل فهو يخلصها.»
نعم، يجب على أتباع يسوع ان يكونوا شجعانا ومضحّين بالذات اذا كانوا سيثبتون انهم يستحقون رضاه. يسرد قائلا: «لان من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فان ابن الانسان يستحي به متى جاء بمجد ابيه مع الملائكة القديسين.» مرقس ٨:٢٢-٣٨؛ متى ١٦:١٣-٢٨؛ لوقا ٩:١٨-٢٧.
▪ لماذا يسوع قلق على تلاميذه؟
▪ اية وجهات نظر بشأن هوية يسوع يملكها الناس؟
▪ اية مفاتيح تُعطى لبطرس، وكيف يجري استخدامها؟
▪ اي تصحيح يناله بطرس، ولماذا؟
-
-
نظرة مسبقة الى مجد ملكوت المسيحاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٠
نظرة مسبقة الى مجد ملكوت المسيح
يأتي يسوع الى انحاء قيصرية فيلبس، وهو يعلّم جمعا يشمل رسله. فيصنع هذا الاعلان المروّع لهم: «الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الانسان آتيا في ملكوته.»
‹ماذا يمكن ان يعني يسوع؟› لا بد ان يتساءل التلاميذ. وبعد حوالي اسبوع يأخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا معه، ويصعدون الى جبل عال. ومن المحتمل ان يكون ذلك ليلا لان التلاميذ هم نعَّس. وفيما يسوع يصلّي، يتجلى امامهم. فيبتدئ وجهه بالاضاءة كالشمس، وتصير ثيابه مشرقة كالنور.
ثم تَظهر شخصيتان يجري اثبات هويتهما بأنهما «موسى وايليا،» ويشرعان في التكلم مع يسوع عن ‹خروجه الذي كان سيحدث في اورشليم.› ومن الواضح ان الخروج يشير الى موت يسوع وقيامته اللاحقة. وهكذا تبرهن هذه المحادثة ان موته المذلّ ليس شيئا ليجري تجنبه، كما كان بطرس قد رغب.
واذ يستيقظون الآن تماما، يراقب التلاميذ ويصغون بدهشة. ورغم انها رؤيا، فانها تظهر حقيقية جدا بحيث يبتدئ بطرس بالاشتراك في المشهد، قائلا: «يا رب جيد ان نكون ههنا. فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال. لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة.»
وفيما بطرس يتكلم، تغطيهم سحابة نيّرة، وصوت من السحابة يقول: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.» وعند سماع الصوت يسقط التلاميذ على وجوههم. لكنّ يسوع يقول: «قوموا ولا تخافوا.» وعندما يقومون لا يرون احدا سوى يسوع.
وفي طريقهم نزولا من الجبل في اليوم التالي يوصي يسوع: «لا تعلموا احدا بما رأيتم حتى يقوم ابن الانسان من الاموات.» ان ظهور ايليا في الرؤيا ينشئ سؤالا في اذهان التلاميذ. «لماذا،» يسألون، «يقول الكتبة ان ايليا ينبغي ان يأتي اولا.»
«ايليا قد جاء،» يقول يسوع، «ولم يعرفوه.» إلا ان يسوع يتكلم عن يوحنا المعمدان الذي تمَّم دورا مماثلا لدور ايليا. لقد اعد يوحنا الطريق للمسيح، كما فعل ايليا لاليشع.
وكم تُبرهن هذه الرؤيا انها مقوية ليسوع والتلاميذ على حد سواء! ان الرؤيا هي، اذا جاز التعبير، نظرة مسبقة الى مجد ملكوت المسيح. لقد رأى التلاميذ، في الواقع، «ابن الانسان آتيا في ملكوته،» تماما كما كان يسوع قد وعد قبل اسبوع. وبعد موت يسوع كتب بطرس عن صيرورتهم ‹(شهود عيان) لعظمة المسيح اذ كانوا معه في الجبل المقدس.›
كان الفريسيون قد طلبوا من يسوع آية ليثبت انه الموعود في الاسفار المقدسة بأن يكون ملك اللّٰه المختار. ولم يُعطَوا آية كهذه. ومن ناحية اخرى، يُسمح لتلاميذ يسوع الاحماء بأن يروا تجلي يسوع كاثبات لنبوات الملكوت. لذلك كتب بطرس في ما بعد: «وعندنا الكلمة النبوية (صائرة) اثبت.» متى ١٦:١٣، ٢٨-١٧:١٣؛ مرقس ٩:١-١٣؛ لوقا ٩:٢٧-٣٧؛ ٢ بطرس ١:١٦-١٩.
▪ قبل ان يذوقوا الموت كيف يرى البعض المسيح آتيا في ملكوته؟
▪ في الرؤيا، عن اي شيء يتحدث موسى وايليا مع يسوع؟
▪ لماذا هذه الرؤيا عون مقوٍّ للتلاميذ؟
-
-
صبي به شيطان يشفىاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦١
صبي به شيطان يشفى
فيما يكون يسوع وبطرس ويعقوب ويوحنا بعيدين، من المرجح على نتوء في جبل حرمون، يقع التلاميذ الآخرون في مشكلة. وعند عودته، سرعان ما يلاحظ يسوع وجود خطإ ما. فهنالك جمع يحتشد حول تلاميذه، والكتبة يحاجّونهم. وعند مشاهدة يسوع يندهش الناس جدا ويركضون ليسلِّموا عليه. «بماذا تحاورونهم،» يسأل.
واذ يتقدم من بين الجمع، يجثو رجل امام يسوع ويوضح: «يا معلم قد قدمت اليك ابني به روح اخرس. وحيثما ادركه يمزقه فيزبد ويصرّ باسنانه وييبس. فقلت لتلاميذك ان يخرجوه فلم يقدروا.»
والكتبة على ما يظهر يستفيدون الى حد بعيد من فشل التلاميذ في شفاء الصبي، ربما مستهزئين بجهودهم. وفي هذه اللحظة الحرجة نفسها يصل يسوع. «ايها الجيل غير المؤمن،» يقول، «الى متى اكون معكم. الى متى احتملكم.»
يَظهر ان يسوع يوجه تعليقاته الى جميع الحاضرين، ولكنها دون شك موجّهة بصورة خصوصية الى الكتبة الذين كانوا يزعجون تلاميذه. وبعد ذلك يقول يسوع عن الصبي: «قدّموه الي.» ولكن عندما يأتي الصبي الى يسوع يوقعه الشيطان الذي به على الارض ويصرعه. فيتمرغ الصبي على الارض ويزبد فمه.
«كم من الزمان منذ اصابه هذا،» يسأل يسوع.
«منذ صباه،» يجيب الاب. «كثيرا ما القاه [الشيطان] في النار وفي الماء ليهلكه.» ثم يلتمس الاب: «ان كنت تستطيع شيئا فتحنّن علينا وأعنّا.»
فربما لسنين، كان الاب يطلب المساعدة. والآن مع فشل تلاميذ يسوع يصير يأسه عظيما. واذ يسمع استغاثة الرجل اليائسة، يقول يسوع على نحو مشجِّع: «إن كنت تستطيع ان تؤمن. كل شيء مستطاع للمؤمن.»
«(لي ايمان!)» يصرخ الرجل حالا، لكنه يلتمس: «(اعنّي حيث احتاج الى الايمان!)»
واذ يلاحظ يسوع ان الجمع يتراكضون ينتهر الشيطان: «ايها الروح الاخرس الاصم انا آمرك. اخرج منه ولا تدخله ايضا.» وفيما يخرج الشيطان يجعل الصبي يصرخ ثانية ويصرعه. ثم يستلقي الصبي دون حركة على الارض، حتى ان معظم الناس يبتدئون بالقول: «انه مات.» لكنّ يسوع يمسك الصبي بيده، فيقوم.
وفي وقت سابق، عند ارسال التلاميذ ليكرزوا، كانوا قد اخرجوا شياطين. فالآن، عندما يدخلون بيتا، يسألون يسوع على انفراد: «لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه.»
واذ يشير يسوع الى ان ذلك كان بسبب عدم ايمانهم، يجيب: «هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء إلا بالصلاة.» من الواضح انه لزم الاستعداد لاخراج الشيطان القوي على نحو خصوصي في هذه الحالة. فكان يلزم ايمان قوي مع صلاة تطلب مساعدة اللّٰه التي تمنح السلطة.
ثم يضيف يسوع: «الحق اقول لكم لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم.» فكم يمكن ان يكون الايمان قويا!
ان العقبات والصعوبات التي تعيق التقدم في خدمة يهوه يمكن ان تبدو اشياء لا تُقهر ولا تُنقل كجبل عظيم حرفي. لكنّ يسوع يُظهر اننا اذا زرعنا الايمان في قلوبنا، مسقين اياه ومنشطينه لكي ينمو، سيتسع الى النضج ويمكّننا من التغلب على مثل هذه العقبات والصعوبات المشبهة بجبال. مرقس ٩:١٤-٢٩؛ متى ١٧:١٩، ٢٠؛ لوقا ٩:٣٧-٤٣.
▪ اية حالة يواجهها يسوع عندما يعود من جبل حرمون؟
▪ اي تشجيع يمنحه يسوع لأبي الصبي الذي به شيطان؟
▪ لماذا لم يكن التلاميذ قادرين على اخراج الشيطان؟
▪ الى اي حد يظهر يسوع ان الايمان يمكن ان يصير قويا؟
-
-
درس في التواضعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٢
درس في التواضع
بعد شفاء الصبي الذي به روح شيطان في المنطقة قرب قيصرية فيلبس يرغب يسوع في العودة الى موطنه كفرناحوم. ولكنه يريد ان يكون وحده مع تلاميذه في الرحلة بحيث يتمكن الى حد ابعد من ان يُعدّهم لموته ومسؤولياتهم في ما بعد. «ان ابن الانسان يسلَّم الى ايدي الناس،» يوضح لهم، «فيقتلونه. وبعد ان يُقتل يقوم في اليوم الثالث.»
ورغم ان يسوع تكلم مسبقا عن ذلك، وثلاثة رسل رأوا فعلا التجلي الذي خلاله جرت مناقشة «خروجه،» فإن أتباعه لا يزالون غير فاهمين في ما يتعلق بالامر. ورغم انه لا احد منهم يحاول ان ينكر انه سيُقتل، كما فعل بطرس سابقا، فانهم يخافون ان يسألوه المزيد عن ذلك.
وأخيرا يأتون الى كفرناحوم التي كانت نوعا ما المقر الرئيسي خلال خدمة يسوع. وهي ايضا موطن بطرس وعدد من الرسل الآخرين. وهناك يتقدم الرجال الذين يأخذون جزية الهيكل الى بطرس. واذ ربما يحاولون ان يورطوا يسوع في خرق عادة مقبولة يسألون: «أما يوفي معلمكم الدرهمين [للهيكل].»
«بلى،» يجيب بطرس.
ويدرك يسوع، الذي ربما وصل الى المنزل بعد ذلك بوقت قصير، ما قد حدث. ولذلك حتى قبل ان يتمكن بطرس من الابتداء بمناقشة الامر يسأل يسوع: «ماذا تظن يا سمعان. ممَّن يأخذ ملوك الارض الجباية او الجزية أمِنْ بنيهم ام من الاجانب.»
«من الاجانب،» يجيب بطرس.
«فاذًا البنون احرار،» يعلِّق يسوع. وبما ان ابا يسوع هو ملك الكون، ذاك الذي يُعبد في الهيكل، فليس حقًا مطلبا شرعيا ان يدفع ابن اللّٰه جزية الهيكل. «ولكن لئلا نعثرهم،» يقول يسوع، «اذهب الى البحر وألقِ صنارة والسمكة التي تطلع اولا خذها ومتى فتحت فاها تجد إستارا [اربعة دراهم] فخذه واعطهم عني وعنك.»
وعندما يجتمع التلاميذ معا بعد العودة الى كفرناحوم، ربما في بيت بطرس، يسألون: «فمَن هو اعظم في ملكوت السموات.» يعرف يسوع ما الذي اثار سؤالهم، اذ ادرك ما كان يجري فيما بينهم عندما كانوا يمشون وراءه في اثناء عودتهم من قيصرية فيلبس. لذلك يسأل: «بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق.» واذ يرتبكون يبقى التلاميذ ساكتين، لانهم تحاجّوا فيما بينهم في مَن سيكون الاعظم.
بعد حوالي ثلاث سنين من تعليم يسوع، هل يبدو غير معقول ان يكون للتلاميذ مثل هذه المحاجَّة؟ حسنا. يُظهر ذلك التأثير القوي للنقص البشري، بالاضافة الى الخلفية الدينية. فالدين اليهودي الذي فيه كان التلاميذ قد تربَّوا يشدد على المركز والطبقة في كل التعاملات. وبالاضافة الى ذلك، ربما كان بطرس، بسبب وعد يسوع بنيل «مفاتيح» معينة للملكوت، يشعر بأنه متفوق. وربما كانت ليعقوب ويوحنا افكار مماثلة بسبب نيلهما حظوة مشاهدة تجلي يسوع.
ومهما كانت الحال، يقدّم يسوع تمثيلية مثيرة محاولا اصلاح موقفهم. فيدعو ولدا، يقيمه في وسطهم، يحتضنه ويقول: «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات. فمَن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الاعظم في ملكوت السموات. ومَن قبل ولدا واحدا مثل هذا باسمي فقد قبلني.»
يا لها من طريقة مدهشة لاصلاح تلاميذه! فلا يغضب يسوع عليهم ويدعوهم متغطرسين او جشعين او طموحين. كلا، بل يوضح تعليمه الاصلاحي باستعمال مثال الاولاد الصغار الذين هم على نحو مميز محتشمون وبلا طموح وعموما لا يفكرون في الطبقة فيما بينهم. وهكذا يُظهر يسوع ان تلاميذه يحتاجون الى تنمية الصفات التي تميز الاولاد المتواضعين. كما يختتم يسوع: «(الذي يتصرف كالاصغر فيما بينكم) جميعا هو يكون عظيما.» متى ١٧:٢٢-٢٧؛ ١٨:١-٥؛ مرقس ٩:٣٠-٣٧؛ لوقا ٩:٤٣-٤٨.
▪ في اثناء العودة الى كفرناحوم اي تعليم يعيده يسوع، وكيف يجري اخذه؟
▪ لماذا يسوع ليس تحت التزام لدفع جزية الهيكل، ولكن لماذا دفعها؟
▪ ماذا ربما ساهم في محاجَّة التلاميذ، وكيف يصلحهم يسوع؟
-
-
مشورة اصلاحية اضافيةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٣
مشورة اصلاحية اضافية
بينما لا يزال يسوع ورسله في البيت في كفرناحوم تجري مناقشة امر آخر فضلا عن محاجَّة الرسل في مَن هو الاعظم. وهذه هي حادثة ربما جرت ايضا في اثناء عودتهم الى كفرناحوم حين لم يكن يسوع حاضرا شخصيا. يخبر الرسول يوحنا: «راينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا. فمنعناه لانه ليس يتبعنا.»
من الواضح ان يوحنا ينظر الى الرسل كفريق خاص من الشافين، فريق يحمل اللقب. ولذلك يشعر بأن الرجل يصنع قوات على نحو غير ملائم لانه لم يكن جزءا من فريقهم.
لكنّ يسوع يعطي المشورة: «لا تمنعوه. لانه ليس احد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعا ان يقول علي شرا. لان مَن ليس علينا فهو معنا. لان مَن سقاكم كأس ماء باسمي لانكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره.»
لم يكن من الضروري ان يتبع هذا الرجل جسديا يسوع لكي يكون الى جانبه. فالجماعة المسيحية لم تكن قد تأسست بعد، وعدم كونه جزءا من فريقهم لم يكن يعني انه من جماعة مختلفة. لقد كان للرجل حقا ايمان باسم يسوع وهكذا نجح في اخراج الشياطين. وكان يفعل امرا يقارَن على نحو مؤات بما قال يسوع انه يستحق المكافأة. ويظهر يسوع انه من اجل القيام بذلك لن يخسر مكافأته.
ولكن ماذا اذا تعثر الرجل بكلمات وأعمال الرسل؟ يكون ذلك خطيرا جدا! يعلِّق يسوع: «مَن اعثر احد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طُوِّق عنقه بحجر رحى وطُرح في البحر.»
ويقول يسوع ان أتباعه يجب ان يزيلوا من حياتهم كل الاشياء العزيزة لديهم كاليد او الرجل او العين التي يمكن ان تجعلهم يعثرون. وأن يكونوا بدون هذا الشيء العزيز ويدخلوا ملكوت اللّٰه افضل من ان يحتفظوا به ويُطرحوا في جهنم (كومة نفايات مشتعلة قرب اورشليم) التي ترمز الى الهلاك الابدي.
ويحذر يسوع ايضا: «انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار. لاني اقول لكم ان ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السموات.» وهو بعدئذ يوضح قيمة «الصغار» الغالية عندما يخبر عن رجل يملك مئة خروف ولكنه يضيع واحدا. فالرجل يترك الـ ٩٩ ليطلب الضال، يوضح يسوع، وعند ايجاده يفرح به اكثر من الـ ٩٩. «هكذا،» يختتم يسوع بعدئذ، «ليست مشيئة امام ابيكم الذي في السموات ان يهلك احد هؤلاء الصغار.»
وربما في التفكير في محاجَّة رسله فيما بينهم يحث يسوع: «ليكن لكم في انفسكم ملح وسالموا بعضكم بعضا.» فالمأكولات التي لا طعم لها تُجعل اكثر لذة بالملح. وهكذا فالملح المجازي يجعل قبول ما يقوله المرء اسهل. وامتلاك مثل هذا الملح يساعد على حفظ السلام.
ولكن بسبب النقص البشري تحدث احيانا منازعات خطيرة. ويسوع يزوِّد ايضا دليلا لمعالجتها. «إن اخطأ اليك اخوك،» يقول يسوع، «فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت اخاك.» وإن لم يسمع، ينصح يسوع، «فخذ معك ايضا واحدا او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة.»
وكسبيل اخير باق، يقول يسوع، خذ القضية الى «(الجماعة)،» اي الى النظار المسؤولين في الجماعة الذين يمكنهم تقديم قرار قضائي. وإن لم يلتزم الخاطئ بقرارهم، يختتم يسوع، «فليكن عندك كالوثني والعشار.»
وباتخاذ قرار كهذا يلزم النظار ان يلتصقوا على نحو وثيق بالارشادات في كلمة يهوه. وهكذا عندما يجدون فردا مذنبا ويستحق العقاب فالحكم ‹حالا يكون مربوطا في السماء.› وعندما ‹يحلون على الارض،› اي يجدون امرأ بريئا، فذلك حالا «يكون محلولا في السماء.» وفي مثل هذه التداولات القضائية، يقول يسوع، «حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم.» متى ١٨:٦-٢٠؛ مرقس ٩:٣٨-٥٠؛ لوقا ٩:٤٩، ٥٠.
▪ لماذا لم يكن من الضروري في ايام يسوع ان تجري مرافقته؟
▪ كم تكون خطيرة مسألة اعثار احد الصغار، وكيف يوضح يسوع اهمية مثل هؤلاء الصغار؟
▪ ماذا ربما يثير تشجيع يسوع لرسله ان يكون لهم ملح فيما بينهم؟
▪ اية اهمية هنالك ‹للربط› و ‹الحل›؟
-
-
درس في المغفرةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٤
درس في المغفرة
لا يزال يسوع على ما يظهر في البيت في كفرناحوم مع تلاميذه. انه يناقش معهم كيفية معالجة المشاكل بين الاخوة، لذلك يسأل بطرس: «يا رب كم مرة يخطئ الي اخي وانا اغفر له.» وبما ان المعلمين الدينيين اليهود يقترحون منح المغفرة الى ثلاث مرات فربما يعتبره بطرس امرا نبيلا جدا ان يقترح «الى سبع مرات.»
لكنّ الفكرة بكاملها عن الاحتفاظ بسجل كهذا هي خطأ. فيصحح يسوع لبطرس: «لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات.» ويُظهر انه لا يجب وضع حدود لعدد المرات التي فيها يغفر بطرس لأخيه.
ولكي يغرس في اذهان تلاميذه التزامهم ان يغفروا يقول لهم يسوع مثلا. انه عن ملك اراد ان يحاسب عبيده. فيقدَّم اليه عبد مديون بدَين كبير من ٠٠٠،٠٠٠،٦٠ دينار. وليست هنالك طريقة يتمكن بها من ان يوفيه. وهكذا، كما يوضح يسوع، يأمر الملك ان يُباع هو وامرأته واولاده ويوفى الدَّين.
عند ذلك يخرّ العبد عند قدمي سيده ويلتمس: «تمهل علي فاوفيك الجميع.»
واذ يتحنن عليه يلغي السيد برحمة الدَّين الكبير للعبد. ولكن حالا عندما يفعل ذلك، يتابع يسوع، يذهب هذا العبد ويجد رفيقه العبد المديون له بمجرد ١٠٠ دينار. فيمسك الرجل رفيقه العبد بعنقه ويبتدئ بخنقه قائلا: «اوفني ما لي عليك.»
لكنّ الرفيق العبد لا يملك مالا. فيخرّ عند قدمي العبد الذي له هو مديون ملتمسا: «تمهل علي فأوفيك الجميع.» وبخلاف سيده، يكون العبد عديم الرحمة ويلقي رفيقه العبد في السجن.
حسنا، يتابع يسوع، ان العبيد الآخرين الذين رأوا ما حدث يذهبون ويخبرون السيد. فيدعو العبدَ بغضب. «ايها العبد الشرير،» يقول، «كل ذلك الدَّين تركته لك لأنك طلبت الي. أفما كان ينبغي انك انت ايضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك انا.» واذ يغضب السيد يسلِّم العبد العديم الرحمة الى السجّانين حتى يوفي كل ما عليه.
ثم يختتم يسوع: «فهكذا ابي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لاخيه زلاته.»
يا له من درس جيد في المغفرة! فبالمقارنة مع الدَّين الكبير للخطية التي غفرها لنا، مهما كانت الاساءة التي يرتكبها ضدنا الاخ المسيحي فهي صغيرة فعلا. وفضلا عن ذلك، لقد غفر يهوه اللّٰه لنا آلاف المرات. وفي كثير من الاحيان لا نكون ايضا مدركين لخطايانا ضده. أفلا يمكننا ان نغفر لأخينا مرات قليلة حتى ولو كان لدينا سبب للتشكي؟ تذكروا، كما علَّم يسوع في الموعظة على الجبل، ان اللّٰه «سيغفر لنا (ديوننا) كما نغفر نحن ايضا (للمدينين لنا).» متى ١٨:٢١-٣٥؛ ٦:١٢؛ كولوسي ٣:١٣.
▪ ماذا يثير سؤال بطرس عن المغفرة لاخيه، ولماذا ربما يعتبر اقتراحه المتعلق بالغفران لاحد سبع مرات امرا نبيلا؟
▪ كيف يختلف تجاوب الملك مع التماس عبده الرحمة عن ذاك الذي للعبد مع التماس رفيقه العبد؟
▪ ماذا نتعلم من مثل يسوع؟
-
-
رحلة سرية الى اورشليماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٥
رحلة سرية الى اورشليم
انه خريف السنة ٣٢ بم وعيد المظال قريب. لقد جعل يسوع نشاطه يقتصر خصوصا على الجليل منذ فصح السنة ٣١ بم عندما حاول اليهود قتله. ومن المرجح انه منذ ذلك الحين زار يسوع اورشليم فقط لحضور الاعياد السنوية الثلاثة لليهود.
ان اخوة يسوع يلحّون عليه الآن: «انتقل من هنا واذهب الى اليهودية.» فاورشليم هي مدينة اليهودية الرئيسية والمركز الديني للبلد كله. ويحتج اخوته: «ليس احد يعمل شيئا في الخفاء وهو يريد ان يكون علانية.»
ورغم ان يعقوب وسمعان ويوسي ويهوذا لا يؤمنون بأن اخاهم الاكبر، يسوع، هو المسيّا حقا فهم يريدون منه اظهار قواه العجائبية لجميع المجتمعين في العيد. لكنّ يسوع يدرك الخطر. «لا يقدر العالم ان يبغضكم،» يقول، «ولكنه يبغضني انا لاني اشهد عليه ان اعماله شريرة.» ولذلك يقول يسوع لاخوته: «اصعدوا انتم الى هذا العيد. انا لست اصعد بعد الى هذا العيد.»
وعيد المظال هو احتفال مدته سبعة ايام. وفي اليوم الثامن يُختتم بنشاطات مقدسة. ويسم العيد نهاية السنة الزراعية وهو وقت ابتهاج وشكر عظيمين. وبعد عدة ايام من ذهاب اخوة يسوع للحضور مع جماعة المسافرين الرئيسية يذهب هو وتلاميذه سرا، اذ يبقون بعيدين عن اعين الشعب. ويأخذون الطريق عبر السامرة بدلا من ذاك الذي يسلكه معظم الناس قرب نهر الاردن.
وبما ان يسوع ومرافقيه سيحتاجون الى مأوى في قرية سامرية، يرسل رسلا امامه للقيام بالاستعدادات. لكنّ الناس يرفضون صنع اي شيء ليسوع بعد معرفتهم انه متجه نحو اورشليم. فيسأل يعقوب ويوحنا بسخط: «يا رب أتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم.» فيوبخهما يسوع على اقتراح امر كهذا ويمضون الى قرية اخرى.
وفيما هم سائرون في الطريق يقول احد الكتبة ليسوع: «يا سيد اتبعك اينما تمضي.»
«للثعالب اوجرة ولطيور السماء اوكار،» يجيب يسوع، «واما ابن الانسان فليس له اين يسند رأسه.» يوضح يسوع ان هذا الكاتب سيختبر المشقة اذا صار تابعا له. ويبدو ان المعنى الضمني هو ان الكاتب هذا متكبر اكثر من ان يقبل نمط الحياة هذا.
ولرجل آخر يقول يسوع: «اتبعني.»
«ائذن لي ان امضي اولا وادفن ابي،» يجيب الرجل.
«دع الموتى يدفنون موتاهم،» يجيب يسوع، «واما انت فاذهب وناد بملكوت اللّٰه.» من الواضح ان ابا الرجل لم يكن قد مات بعد، لانه لو مات لما كان مرجحا ان يكون ابنه هنا يستمع الى يسوع. فالابن على ما يظهر يطلب وقتا لانتظار موت ابيه. وهو ليس مستعدا لوضع ملكوت اللّٰه اولا في حياته.
واذ يتقدمون في الطريق نحو اورشليم يقول رجل آخر ليسوع: «اتبعك يا سيد ولكن ائذن لي اولا ان اودع الذين في بيتي.»
واجابة عن ذلك يقول يسوع: «ليس احد يضع يده على المحراث وينظر الى الوراء يصلح لملكوت اللّٰه.» فاولئك الذين يكونون تلاميذ ليسوع يجب ان تتركز اعينهم على خدمة الملكوت. وكما يصير التلم على الارجح ملتويا اذا لم يستمر الحارث في النظر مستقيما امامه، كذلك يمكن لمَن ينظر وراءه الى نظام الاشياء القديم هذا ان يتعثر ويصير خارج الطريق الذي يقود الى الحياة الابدية. يوحنا ٧:٢-١٠؛ لوقا ٩:٥١-٦٢؛ متى ٨:١٩-٢٢.
▪ مَن هم اخوة يسوع، وكيف يشعرون تجاهه؟
▪ لماذا السامريون عنفاء جدا، وماذا يريد يعقوب ويوحنا فعله؟
▪ اية محادثات ثلاث يقوم بها يسوع في الطريق، وكيف يشدد على الحاجة الى خدمة التضحية بالذات؟
-
-
في عيد المظالاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٦
في عيد المظال
صار يسوع شهيرا خلال الثلاث سنوات تقريبا منذ معموديته. فآلاف كثيرة شاهدت عجائبه، والاخبار عن نشاطاته انتشرت في كل مكان من البلد. والآن، فيما يجتمع الشعب من اجل عيد المظال في اورشليم يطلبونه هناك. «اين ذاك،» يريدون ان يعرفوا.
لقد صار يسوع موضوع نزاع. «انه صالح،» يقول البعض. «لا بل يضل الشعب،» يؤكد آخرون. فهنالك مناجاة كثيرة من هذا النوع خلال الايام الافتتاحية للعيد. ومع ذلك لا احد لديه الشجاعة ليتكلم جهارا لمصلحة يسوع. ذلك لان الشعب يخافون انتقام القادة اليهود.
وعندما ينتصف العيد يصل يسوع. ويصعد الى الهيكل حيث يندهش الناس من مقدرته التعليمية الرائعة. وبما ان يسوع لم يحضر قط مدارس الربابنة يتعجب اليهود قائلين: «كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلم.»
«تعليمي ليس لي،» يوضح يسوع، «بل للذي ارسلني. ان شاء احد ان يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من اللّٰه ام اتكلم انا من نفسي.» ان تعليم يسوع متمسك بدقة بشريعة اللّٰه. وهكذا، يجب ان يكون واضحا انه يطلب مجد اللّٰه لا مجده الخاص. «أليس موسى قد اعطاكم الناموس،» يسأل يسوع. وعلى سبيل التوبيخ، يقول: «ليس احد منكم يعمل الناموس.»
«لماذا تطلبون ان تقتلوني،» يسأل يسوع بعدئذ.
والناس في الجمع، ربما المقبلون الى العيد، غير مدركين لمثل هذه الجهود. فهم يعتبرونه امرا لا يصدق ان يرغب احد في قتل معلم رائع كهذا. ويظنون انه لا بد ان يكون هنالك خطأ ما في يسوع لكي يعتقد ذلك. «بك شيطان،» يقولون، «مَن يطلب ان يقتلك.»
ان القادة اليهود يريدون قتل يسوع رغم ان الجمع ربما لا يدرك ذلك. فعندما شفى يسوع رجلا في السبت قبل سنة ونصف حاول القادة ان يقتلوه. لذلك يؤكد يسوع الآن عدم صواب تفكيرهم بطرح سؤال عليهم: «إن كان الانسان يقبل الختان في السبت لئلا يُنقَض ناموس موسى أفتسخطون علي لاني شفيت انسانا كله في السبت. لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكما عادلا.»
ان سكانا من اورشليم، يدركون الحالة، يقولون الآن: «أليس هذا هو الذي يطلبون ان يقتلوه. وها هو يتكلم جهارا ولا يقولون له شيئا. ألعل الرؤساء عرفوا يقينا ان هذا هو المسيح حقا.» واهل اورشليم هؤلاء يوضحون لماذا لا يؤمنون بأن يسوع هو المسيح: «هذا نعلم من اين هو. واما المسيح فمتى جاء لا يعرف احد من اين هو.»
ويجيب يسوع: «تعرفونني وتعرفون من اين انا ومن نفسي لم آت بل الذي ارسلني هو حق الذي انتم لستم تعرفونه. انا اعرفه لاني منه وهو ارسلني.» عند ذلك يحاولون ان يمسكوه، ربما ليضعوه في السجن او ليقتلوه. ولكنهم لا ينجحون لانه لا يكون قد حان ليسوع ان يموت.
ومع ذلك، يؤمن كثيرون بيسوع، كما يجب فعلا. لقد مشى على الماء، هدّأ الريح، سكّن البحار العاصفة، اطعم الآلاف على نحو عجائبي من قليل من الارغفة والسمك، شفى المرضى، جعل العرج يمشون، فتح اعين العمي، شفى البرص، وأيضا اقام الموتى. ولذلك يسألون: «ألعل المسيح متى جاء يعمل آيات اكثر من هذه التي عملها هذا.»
وعندما يسمع الفريسيون الجمع يتناجون بهذه الامور يرسلون هم ورؤساء الكهنة خداما ليمسكوه. يوحنا ٧:١١-٣٢.
▪ متى يصل يسوع الى العيد، وماذا يقول الناس عنه؟
▪ لماذا ربما يقول البعض ان يسوع به شيطان؟
▪ اية نظرة الى يسوع تكون لسكان اورشليم؟
▪ لماذا يؤمن كثيرون بيسوع؟
-
-
يفشلون في القبض عليهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٧
يفشلون في القبض عليه
فيما لا يزال عيد المظال جاريا يرسل القادة الدينيون خداما عسكريين للقبض على يسوع. فلا يحاول الاختباء. وعوضا عن ذلك، يستمر يسوع في التعليم جهارا، قائلا: «انا معكم زمانا يسيرا بعد ثم امضي الى الذي ارسلني. ستطلبونني ولا تجدونني وحيث اكون انا لا تقدرون انتم ان تأتوا.»
لا يفهم اليهود ذلك فيسألون فيما بينهم: «الى اين هذا مزمع ان يذهب حتى لا نجده نحن. ألعله مزمع ان يذهب الى شتات اليونانيين ويعلِّم اليونانيين. ما هذا القول الذي قال ستطلبونني ولا تجدونني وحيث اكون انا لا تقدرون انتم ان تأتوا.» طبعا، يتكلم يسوع عن موته الوشيك وقيامته الى الحياة في السماء حيث لا يستطيع اعداؤه ان يتبعوه.
ويأتي اليوم السابع والاخير من العيد. وفي كل صباح من العيد كان الكاهن يسكب الماء، الذي يأخذه من بركة سلوام، بحيث يجري الى اسفل المذبح. واذ يذكِّر الشعب على الارجح بهذا الطقس اليومي، ينادي يسوع: «إن عطش احد فليقبل الي ويشرب. مَن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي.»
في الواقع، يتكلم يسوع هنا عن النتائج العظيمة عندما يُسكب الروح القدس. وفي السنة التالية يحدث انسكاب الروح القدس هذا في يوم الخمسين. وهناك، تجري انهار الماء الحي عندما يبتدئ التلاميذ الـ ١٢٠ بخدمة الناس. ولكن حتى ذلك الحين لا يكون هنالك روح بمعنى انه لا احد من تلاميذ المسيح يكون ممسوحا بالروح القدس ومدعوا الى الحياة السماوية.
واستجابة لتعليم يسوع، يبتدئ البعض بالقول: «هذا بالحقيقة هو النبي،» مشيرين على ما يظهر الى النبي الاعظم من موسى الموعود باتيانه. ويقول آخرون: «هذا هو المسيح.» ولكن يحتج آخرون: «ألعلّ المسيح من الجليل يأتي. ألم يقل الكتاب انه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح.»
لذلك يحدث انشقاق في الجمع. فالبعض يريدون القبض على يسوع، ولكن لا احد يلقي يدا عليه. وعندما يعود الخدام العسكريون بدون يسوع يسأل رؤساء الكهنة والفريسيون: «لماذا لم تأتوا به.»
«لم يتكلم قط انسان هكذا مثل هذا الانسان،» يجيب الخدام.
واذ يمتلئون غيظا، ينزل القادة الدينيون الى مستوى الاستهزاء وتشويه الحقائق والشتم. فيسخرون: «ألعلكم انتم ايضا قد ضللتم. ألعل احدا من الرؤساء او من الفريسيين آمن به. ولكنّ هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون.»
عند ذلك، يجرؤ نيقوديموس، وهو فريسي ورئيس لليهود (اي، عضو في السنهدريم)، على التكلم لمصلحة يسوع. قد تتذكرون انه قبل سنتين ونصف جاء نيقوديموس الى يسوع ليلا وعبّر عن الايمان به. والآن يقول نيقوديموس: «ألعل ناموسنا يدين انسانا لم يسمع منه اولا ويعرف ماذا فعل.»
ويغتاظ الفريسيون اكثر ايضا اذ ان واحدا منهم يدافع عن يسوع. «ألعلك انت ايضا من الجليل،» يعلقون بسخرية. «فتش وانظر. انه لم يقم نبي من الجليل.»
ورغم ان الاسفار المقدسة لا تقول مباشرة ان نبيا سيقوم من الجليل، فهي تشير فعلا الى المسيح آتيا من هناك، قائلة ان «نورا عظيما» سيُرى في هذه المنطقة. اضافة الى ذلك، ولد يسوع في بيت لحم وكان من نسل داود. وفيما يكون الفريسيون ربما عارفين بذلك، فهم على الارجح مسؤولون عن نشر الافكار الخاطئة التي للناس عن يسوع. يوحنا ٧:٣٢-٥٢؛ اشعياء ٩:١، ٢؛ متى ٤:١٣-١٧.
▪ ماذا يحدث كل صباح من العيد، وكيف ربما يلفت يسوع الانتباه الى ذلك؟
▪ لماذا يفشل الخدام في القبض على يسوع، وكيف يتجاوب القادة الدينيون؟
▪ مَن هو نيقوديموس، ما هو موقفه من يسوع، وكيف يعامله رفقاؤه الفريسيون؟
▪ اي برهان هنالك على ان المسيح كان سيقوم من الجليل؟
-
-
تعليم اضافي في اليوم السابعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٨
تعليم اضافي في اليوم السابع
اليوم الاخير من عيد المظال، اليوم السابع، لا يزال جاريا. ويسوع يعلم في القسم من الهيكل المدعو «الخزانة.» وهذا على ما يبدو في المنطقة المسماة دار النساء حيث توجد صناديق يودع فيها الناس تبرعاتهم.
وفي كل ليلة خلال العيد هنالك عرض انارة خصوصي في هذه المنطقة من الهيكل. فتُقام هنا اربع مناير ضخمة، لكل منها اربع مراحض كبيرة مملوة زيتا. والنور من هذه المناير، بزيت مشتعل من الـ ١٦ مرحضة، يكون قويا بشكل يكفي لانارة المحيط الى مسافة كبيرة ليلا. وما يقوله يسوع الآن قد يُذكِّر سامعيه بهذا العرض. «انا هو نور العالم،» يعلن يسوع. «من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة.»
ويعترض الفريسيون: «انت تشهد لنفسك. شهادتك ليست حقا.»
وفي الاجابة يردُّ يسوع: «وان كنت اشهد لنفسي فشهادتي حق لاني اعلم من اين اتيت والى اين اذهب. وأما انتم فلا تعلمون من اين آتي ولا الى اين اذهب.» ويضيف: «انا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الآب الذي ارسلني.»
«اين هو ابوك،» يريد الفريسيون ان يعرفوا.
«لستم تعرفونني انا ولا ابي،» يجيب يسوع. «لو عرفتموني لعرفتم ابي ايضا.» ومع ان الفريسيين لا يزالون يريدون ان يُلقى القبض على يسوع فان احدا لا يلمسه.
«انا امضي،» يقول يسوع ايضا. «حيث امضي انا لا تقدرون انتم ان تأتوا.»
وعند ذلك يبدأ اليهود بالتساؤل: «ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث امضي انا لا تقدرون انتم ان تأتوا.»
«انتم من اسفل،» يوضح يسوع. «أما انا فمن فوق. انتم من هذا العالم. أما انا فلست من هذا العالم.» ثم يضيف: «ان لم تؤمنوا اني انا هو تموتون في خطاياكم.»
وطبعا، يشير يسوع الى وجوده السابق لبشريته والى كونه المسيّا الموعود به، او المسيح. ومع ذلك يسألون، ودون شك بازدراء عظيم: «من انت.»
وفي وجه رفضهم يجيب يسوع: «(ولمَ أكلّمكم ايضا بأية حال؟)» ولكنه يمضي قائلا: «الذي ارسلني هو حق. وانا ما سمعته منه فهذا اقوله للعالم.» ويتابع يسوع: «متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون اني انا هو ولست افعل شيئا من نفسي بل اتكلم بهذا كما علمني ابي. والذي ارسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لاني في كل حين افعل ما يرضيه.»
وعندما يقول يسوع هذه الامور يؤمن به كثيرون. ولهؤلاء يقول: «انكم ان ثبتّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم.»
«اننا ذرية ابرهيم،» يتدخَّل مقاوموه، «ولم نُستعبد لاحد قط. كيف تقول انت انكم تصيرون احرارا.»
ومع ان اليهود كانوا في اغلب الاحيان تحت سيطرة اجنبية، إلا انهم لا يعترفون بأي ظالم كسيد. ويرفضون ان يُدعوا عبيدا. ولكنّ يسوع يشير الى انهم عبيد فعلا. بأية طريقة؟ «الحق الحق اقول لكم،» يقول يسوع، «ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية.»
ورفض اعتراف اليهود بعبوديتهم للخطية يجعلهم في وضع خطر. «العبد لا يبقى في البيت الى الابد،» يوضح يسوع. «أما الابن فيبقى الى الابد.» وبما ان العبد لا يملك حقوق الميراث فقد يكون معرضا للطرد في ايّ وقت. والابن المولود فعلا او المُتبنَّى في البيت هو وحده يبقى «الى الابد،» اي ما دام حيا.
«فان حرركم الابن،» يتابع يسوع، «فبالحقيقة تكونون احرارا.» وهكذا فان الحق الذي يحرر الناس هو الحق في ما يتعلق بالابن، يسوع المسيح. وبواسطة ذبيحة حياته البشرية الكاملة فقط يمكن للمرء ان يتحرر من الخطية التي تسبب الموت. يوحنا ٨:١٢-٣٦.
▪ اين يعلِّم يسوع في اليوم السابع؟ ماذا يحدث ليلا هناك، وكيف يتعلق هذا بتعليم يسوع؟
▪ ماذا يقول يسوع عن اصله، وماذا يجب ان يُظهر ذلك عن هويته؟
▪ بأية طريقة يكون اليهود عبيدا، ولكن ايّ حق سيحررهم؟
-
-
مسألة الأبوَّةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٦٩
مسألة الأبوَّة
في اثناء العيد تزداد مناقشة يسوع مع القادة اليهود حدة. «انا عالم انكم ذرية ابرهيم،» يعترف يسوع، «لكنكم تطلبون ان تقتلوني لان كلامي لا موضع له فيكم. انا اتكلم بما رأيت عند ابي. وانتم تعملون ما رأيتم عند ابيكم.»
ومع انه لا يحدد هوية ابيهم، يوضح يسوع ان اباهم مختلف عن ابيه. واذ لا يدرون في من يفكِّر يسوع، يجيب القادة اليهود: «ابونا هو ابرهيم.» فهم يشعرون بأنهم يملكون الايمان نفسه كابرهيم، الذي كان خليل اللّٰه.
ولكنّ يسوع يصدمهم بالرد: «لو كنتم اولاد ابرهيم لكنتم تعملون اعمال ابرهيم.» حقا، يتمثل الابن الحقيقي بأبيه. «ولكنكم الآن تطلبون ان تقتلوني،» يقول يسوع، «وانا انسان قد كلّمكم بالحق الذي سمعه من اللّٰه. هذا لم يعمله ابرهيم.» ولذلك يقول يسوع ايضا: «انتم تعملون اعمال ابيكم.»
ومع ذلك لا يفهمون عمَّن يتكلم يسوع. ويصرّون انهم ابناء شرعيون لابرهيم، قائلين: «اننا لم نولد من زنا.» ثم، اذ يزعمون انهم عبّاد حقيقيون كابرهيم، يجزمون: «لنا اب واحد وهو اللّٰه.»
ولكن هل اللّٰه ابوهم حقا؟ «لو كان اللّٰه اباكم،» يجيب يسوع، «لكنتم تحبونني لاني خرجت من قبل اللّٰه واتيت. لاني لم آت من نفسي بل ذاك ارسلني. لماذا لا تفهمون كلامي.»
حاول يسوع ان يُري هؤلاء القادة الدينيين عواقب رفضهم اياه. ولكنه الآن يقول بصراحة: «انتم من اب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا.» وايّ نوع من الآباء هو ابليس؟ حدَّد يسوع هويته بصفته قتّالا وقال ايضا: «انه كذاب وابو (الكذب).» وهكذا يستنتج يسوع: «الذي من اللّٰه يسمع كلام اللّٰه. لذلك انتم لستم تسمعون لانكم لستم من اللّٰه.»
واذ تغضبهم دينونة يسوع، يجيب اليهود: «ألسنا نقول حسنا انك سامري وبك شيطان.» ويجري استعمال الكلمة «سامري» كتعبير عن الازدراء والتعيير، لان السامريين شعب يبغضه اليهود.
واذ يتجاهل الاهانة التحقيرية بشأن كونه سامريا، يجيب يسوع: «انا ليس بي شيطان لكني اكرم ابي وانتم تهينونني.» واذ يتابع يسوع، يقطع الوعد المذهل: «ان كان احد يحفظ كلامي فلن يرى الموت الى الابد.» وطبعا، لا يعني يسوع ان جميع اولئك الذين يتبعونه لن يروا الموت حرفيا. وبالاحرى، يعني انهم لن يروا الهلاك الابدي، او «الموت الثاني،» الذي لا قيامة منه.
ولكنّ اليهود يفهمون كلمات يسوع حرفيا. ولذلك يقولون: «الآن علمنا ان بك شيطانا. قد مات ابرهيم والانبياء. وانت تقول ان كان احد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت الى الابد. ألعلّك اعظم من ابينا ابرهيم الذي مات. والانبياء ماتوا. من تجعل نفسك.»
وفي هذه المناقشة كلها من الواضح ان يسوع يدل اولئك الرجال على انه المسيّا الموعود به. ولكن عوضا عن ان يجيب مباشرة عن سؤالهم بخصوص هويته يقول يسوع: «ان كنت امجد نفسي فليس مجدي شيئا. ابي هو الذي يمجدني الذي تقولون انتم انه الهكم ولستم تعرفونه. وأما انا فأعرفه. وان قلت اني لست اعرفه اكون مثلكم كاذبا.»
واذ يتابع يسوع، يشير ثانية الى ابرهيم الامين قائلا: «ابوكم ابرهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح.» نعم، بعين الايمان تطلَّع ابرهيم بشوق الى قدوم المسيّا الموعود به. وبعدم ايمان يجيب اليهود: «ليس لك خمسون سنة بعد. أفرأيت ابرهيم.»
«الحق الحق اقول لكم،» يجيب يسوع، «قبل ان يكون ابرهيم انا كائن.» ويشير يسوع، طبعا، الى وجوده السابق لبشريته كشخص روحاني قدير في السماء.
واذ يسخطهم ادعاء يسوع انه كان قبل ابرهيم، يرفع اليهود حجارة ليرجموه. لكنه يختفي ويخرج من الهيكل سليما. يوحنا ٨:٣٧-٥٩؛ رؤيا ٣:١٤؛ ٢١:٨.
▪ كيف يُظهر يسوع ان له ولاعدائه ابوين مختلفين؟
▪ ما هو مغزى دعوة اليهود يسوع سامريا؟
▪ بأي معنى يقول يسوع ان أتباعه لن يروا الموت؟
-
-
شفاء انسان مولود اعمىاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٠
شفاء انسان مولود اعمى
عندما يحاول اليهود ان يرجموا يسوع لا يغادر اورشليم. وفي ما بعد، في السبت، يجتاز هو وتلاميذه في المدينة حيث يرون انسانا اعمى من الولادة. فيسأل التلاميذ يسوع: «يا معلم مَن اخطأ هذا ام ابواه حتى ولد اعمى.»
ربما يعتقد التلاميذ، كبعض الربابنة، ان الشخص يمكن ان يخطئ في رحم امه. ولكنّ يسوع يجيب: «لا هذا اخطأ ولا ابواه لكن لتظهر اعمال اللّٰه فيه.» ان عمى الانسان ليس نتيجة خطإ محدَّد او خطية ارتكبها الانسان او ابواه. فخطية الانسان الاول آدم ادت الى صيرورة جميع البشر ناقصين، وبالتالي خاضعين للعيوب كولادة المرء اعمى. وهذا العيب في الانسان يزوِّد الآن يسوع فرصة لاظهار اعمال اللّٰه.
يشدد يسوع على الالحاح في القيام بهذه الاعمال. «ينبغي ان اعمل اعمال الذي ارسلني ما دام نهار،» يقول. «يأتي ليل حين لا يستطيع احد ان يعمل. ما دمت في العالم فانا نور العالم.» فموت يسوع عن قريب سيغرقه في ظلمة المدفن حيث لا يستطيع ان يفعل شيئا في ما بعد. وفي هذه الاثناء يكون مصدر نور للعالم.
بعد قول هذه الامور يتفل يسوع على الارض وباللعاب يصنع طينا. ويضع ذلك على عيني الاعمى ويقول: «اذهب اغتسل في بركة سلوام.» فيطيع الانسان. وعندما يفعل ذلك يستطيع ان يرى! وكم يبتهج عند رجوعه اذ يرى لاول مرة في حياته!
ان الجيران والآخرين الذين يعرفونه يندهشون. «أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي،» يسألون. «هذا هو،» يجيب البعض. ولكنّ آخرين لا يقدرون ان يصدقوا ذلك: «انه يشبهه.» إلا ان الانسان يقول «اني انا هو.»
«كيف انفتحت عيناك،» يريد الناس ان يعرفوا.
«انسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينيَّ وقال لي اذهب الى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فابصرت.»
«اين ذاك،» يسألون.
«لا اعلم،» يجيب.
يقود الناس الآن الانسان الذي كان قبلا اعمى الى قادتهم الدينيين، الفريسيين. فيبتدئ هؤلاء ايضا يسألونه كيف ابصر. «وضع طينا على عينيَّ واغتسلت فانا ابصر،» يوضح الانسان.
بالتاكيد، يجب ان يفرح الفريسيون بشفاء المستعطي! ولكن، عوضا عن ذلك، يتهمون يسوع. «هذا الانسان ليس من اللّٰه،» يدَّعون. ولماذا يقولون ذلك؟ «لانه لا يحفظ السبت.» ومع ذلك يتساءل فريسيون آخرون: «كيف يقدر انسان خاطئ ان يعمل مثل هذه الآيات.» وهكذا يكون هنالك انشقاق بينهم.
وبعد ذلك يسألون الانسان: «ماذا تقول انت عنه من حيث انه فتح عينيك.»
«انه نبي،» يجيب.
يرفض الفريسيون ان يؤمنوا بذلك. فهم مقتنعون بأنه لا بد ان يكون هنالك اتفاق سري بين يسوع وهذا الانسان لخدع الناس. ولذلك، لبتّ المسألة، يدعون ابوي المستعطي لاستجوابهما. يوحنا ٨:٥٩؛ ٩:١-١٨.
▪ ماذا يكون سبب عمى الانسان، وماذا لا يكون؟
▪ ما هو الليل حين لا يستطيع احد ان يعمل؟
▪ عندما يشفى الانسان ماذا تكون ردة فعل اولئك الذين يعرفونه؟
▪ كيف يكون بين الفريسيين انشقاق حول كون الانسان قد شفي؟
-
-
عدم ايمان الفريسيين المستعصياعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧١
عدم ايمان الفريسيين المستعصي
يخاف أبَوَا المستعطي الذي كان مرة اعمى عندما يُدعيان الى امام الفريسيين. فهما يعرفان انه تمَّ القرار ان كل من يظهر الايمان بيسوع يُخرج من المجمع. ومثل هذا القطع عن مرافقة الآخرين في الجماعة يمكن ان يُحدث مشقة هائلة، وخصوصا لعائلة فقيرة. لذلك يحترس الابوان.
«أهذا ابنكما الذي تقولان انه ولد اعمى،» يسأل الفريسيون. «فكيف يبصر الآن.»
«نعلم ان هذا ابننا وانه ولد اعمى،» يؤكد الابوان. «وأما كيف يبصر الآن فلا نعلم. او من فتح عينيه فلا نعلم.» لا شك ان ابنهما قد اخبرهما بكل ما حدث، ولكنّ الابوين يقولان بفطنة: «هو كامل السن. اسألوه فهو يتكلم عن نفسه.»
لذلك يدعو الفريسيون الرجل ثانية. وهذه المرة يحاولون اخافته بالاشارة الى انهم جمعوا دليل ادانة ضد يسوع. «أعطِ مجدا للّٰه،» يطلبون. «نحن نعلم ان هذا الانسان خاطئ.»
لا ينكر الرجل الذي كان مرة اعمى تهمتهم اذ يعلّق: «أخاطئ هو. لست اعلم.» لكنه يضيف: «انما اعلم شيئا واحدا. اني كنت اعمى والآن أبصر.»
واذ يحاولون ايجاد خلل في شهادته، يسأل الفريسيون ثانية: «ماذا صنع بك. كيف فتح عينيك.»
«قد قلت لكم،» يتذمر الرجل، «ولم تسمعوا. لماذا تريدون ان تسمعوا ايضا.» ويسأل بتهكم: «ألعلكم انتم تريدون ان تصيروا له تلاميذ.»
تُغضب هذه الاجابة الفريسيين. «انت تلميذ ذاك،» يتهمون، «واما نحن فاننا تلاميذ موسى. نحن نعلم ان موسى كلّمه اللّٰه. واما هذا فما نعلم من اين هو.»
واذ يعبِّر عن دهشته، يجيب المستعطي المتواضع: «ان في هذا عجبا انكم لستم تعلمون من اين هو وقد فتح عينيَّ.» وأيّ استنتاج يجب ان يُستنتج من هذا؟ يشير المستعطي الى الفرضية المسلَّم بها: «نعلم ان اللّٰه لا يسمع للخطاة. ولكن ان كان احد يتقي اللّٰه ويفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يُسمع ان احدا فتح عيني مولود اعمى.» وهكذا يجب ان يكون الاستنتاج واضحا: «لو لم يكن هذا من اللّٰه لم يقدر ان يفعل شيئا.»
ليس لدى الفريسيين جواب عن هذا المنطق الصريح الواضح. فهم لا يستطيعون مواجهة الحق، ولذلك يشتمون الرجل: «في الخطايا ولدت انت بجملتك وانت تعلّمنا.» عندئذٍ يُخرجون الرجل خارجا، طاردين اياه على ما يظهر من المجمع.
عندما يعلم يسوع بما فعلوه يجد الرجل ويقول: «أتؤمن بابن اللّٰه.»
وفي الاجابة، يسأل المستعطي الذي كان مرة اعمى: «من هو يا سيد لأومن به.»
«الذي يتكلم معك هو هو،» يجيب يسوع.
وفي الحال يسجد الرجل امام يسوع ويقول: «أومن يا سيد.»
ثم يوضح يسوع: «لدينونة اتيت انا الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون.»
عندئذٍ يسأل الفريسيون الذين يسمعون: «ألعلنا نحن ايضا عميان.» فلو اعترفوا بأنهم عميان ذهنيا لكان هنالك مبرر لمقاومتهم يسوع. وكما يقول لهم يسوع: «لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية.» لكنهم يصرّون بقسوة قلب على عدم كونهم عميانا وانهم لا يحتاجون الى الانارة الروحية. لذلك يعلّق يسوع: «الآن تقولون اننا نبصر فخطيتكم باقية.» يوحنا ٩:١٩-٤١.
▪ لماذا يخاف أبَوَا المستعطي الذي كان مرة اعمى عندما يُدعيان الى امام الفريسيين، ولذلك كيف يجيبان باحتراس؟
▪ كيف يحاول الفريسيون اخافة الرجل الذي كان مرة اعمى؟
▪ اية حجة منطقية للرجل تغيظ الفريسيين؟
▪ لماذا يكون الفريسيون دون مبرر لمقاومتهم يسوع؟
-
-
يسوع يرسل الـ ٧٠اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٢
يسوع يرسل الـ ٧٠
انه خريف السنة ٣٢ بم، ثلاث سنوات كاملة منذ معمودية يسوع. وقد حضر مؤخرا هو وتلاميذه عيد المظال في اورشليم، وعلى ما يظهر فانهم لا يزالون في الجوار. وفي الواقع، يقضي يسوع معظم الاشهر الستة الباقية من خدمته إما في اليهودية او عبر نهر الاردن في منطقة بيرية. فهذه المقاطعة تحتاج الى التغطية ايضا.
صحيح انه بعد فصح السنة ٣٠ بم صرف يسوع حوالي ثمانية اشهر يكرز في اليهودية. ولكن، بعد ان حاول اليهود قتله هناك في فصح السنة ٣١ بم، صرف السنة والنصف التالية يعلِّم بنوع خاص تقريبا في الجليل. وخلال هذا الوقت طوَّر هيئة كبيرة من الكارزين، مدرَّبة جيدا، الشيء الذي لم يكن لديه في وقت ابكر. ولذلك يبدأ الآن حملة شهادة مكثَّفة اخيرة في اليهودية.
يجعل يسوع هذه الحملة تنطلق باختياره ٧٠ تلميذا وارسالهم اثنين اثنين. وهكذا فان هنالك بالاجمال ٣٥ زوجا من كارزي الملكوت لخدمة المقاطعة. وهؤلاء يذهبون امام وجهه الى كل مدينة وموضع حيث يسوع، كما يتضح مصحوبا برسله، يخطط ان يذهب.
وبدلا من ان يوجه الـ ٧٠ ليذهبوا الى المجامع، يأمرهم يسوع ان يدخلوا البيوت الخاصة، موضحا: «وأي بيت دخلتموه فقولوا اولا سلام لهذا البيت. فان كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه.» وماذا يجب ان تكون رسالتهم؟ «قولوا لهم،» يقول يسوع، «قد اقترب منكم ملكوت اللّٰه.» وفي ما يتعلق بنشاط الـ ٧٠ يخبر تعليق متى هنري: «مثل سيدهم، حيثما ذهبوا، كرزوا من بيت الى بيت.»
ان ارشادات يسوع للـ ٧٠ مماثلة لتلك التي اعطيت للـ ١٢ عندما أَرسل هؤلاء في حملة كرازية في الجليل قبل نحو سنة. فهو لا يحذر الـ ٧٠ من المقاومة التي سيواجهونها ويعدّهم ليقدموا الرسالة لاصحاب البيوت فقط، وانما يمنحهم السلطة ليشفوا المرضى. وهكذا، عندما يصل يسوع بعد ذلك بوقت قصير، يكون كثيرون تواقين الى مقابلة السيد الذي يتمكَّن تلاميذه من فعل امور رائعة كهذه.
ان كرازة الـ ٧٠، وعمل يسوع اللاحق، يدوم وقتا قصيرا نسبيا. وسرعان ما يرجع الـ ٣٥ زوجا من الكارزين بالملكوت الى يسوع. «يا رب،» يقولون بفرح، «حتى الشياطين تخضع لنا باسمك.» ان تقرير خدمة جميلا كهذا يثير يسوع بالتأكيد، لانه يجيب: «رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء. ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب.»
يعرف يسوع انه بعد ولادة ملكوت اللّٰه في وقت النهاية يجب ان يُطرد الشيطان وأبالسته من السماء. ولكنّ هذا الطرد الآن للابالسة غير المنظورين من البشر يخدم كتأكيد اضافي لهذا الحدث القادم. ولذلك يتكلم يسوع عن سقوط الشيطان المستقبلي من السماء كيقين مطلق. وهكذا فانه بمعنى رمزي يعطى الـ ٧٠ سلطانا ليدوسوا الحيات والعقارب. ومع ذلك، يقول يسوع: «لا تفرحوا بهذا ان الارواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري ان اسماءَكم كتبت في السموات.»
يتهلل يسوع ويحمد اباه علنا لاستخدامه خدامه المتواضعين هؤلاء بطريقة قوية كهذه. واذ يلتفت الى تلاميذه يقول: «طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه. لاني اقول لكم ان انبياء كثيرين وملوكا ارادوا ان ينظروا ما انتم تنظرون ولم ينظروا وان يسمعوا ما انتم تسمعون ولم يسمعوا.» لوقا ١٠:١-٢٤؛ متى ١٠:١-٤٢؛ رؤيا ١٢:٧-١٢.
▪ اين كرز يسوع خلال السنوات الثلاث الاولى من خدمته، وأية مقاطعة يغطيها في اشهره الستة الاخيرة؟
▪ الى اين يوجه يسوع الـ ٧٠ لايجاد الناس؟
▪ لماذا يقول يسوع انه رأى الشيطان ساقطا من السماء؟
▪ بأي معنى يستطيع الـ ٧٠ ان يدوسوا الحيات والعقارب؟
-
-
سامري قريباعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٣
سامري قريب
يسوع ربما يكون قرب بيت عنيا، قرية تبعد حوالي ميلين عن اورشليم. فيقترب منه رجل خبير بناموس موسى بسؤال قائلا: «يا معلم ماذا اعمل لأرث الحياة الابدية.»
يكتشف يسوع ان الرجل، وهو محام، يسأل لا من اجل المعلومات فقط بل بالحري لانه يريد ان يمتحنه. وهدف المحامي ربما يكون لجعل يسوع يجيب بطريقة تسيء الى معتقدات ومشاعر اليهود. ولذلك يجعل يسوع المحامي يحكم على نفسه اذ يسأل: «ما هو مكتوب في الناموس. كيف تقرأ.»
وفي الاجابة عن ذلك يمارس المحامي بصيرة غير عادية، فيقتبس من شريعة اللّٰه في تثنية ٦:٥ ولاويين ١٩:١٨ قائلا: «تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك.»
«بالصواب اجبت،» يجيب يسوع. «افعل هذا فتحيا.»
إلا ان المحامي لا يكتفي. فجواب يسوع ليس محدَّدا كفاية بالنسبة اليه. وهو يريد تاكيدا من يسوع ان وجهات نظره صحيحة وأنه بالتالي بار في معاملته الآخرين. ولذلك يسأل: «من هو قريبي.»
يعتقد اليهود ان الكلمة «قريب» تنطبق فقط على الرفقاء اليهود، كما يَظهر ان القرينة تشير في لاويين ١٩:١٨. وفي الواقع، حتى الرسول بطرس قال في ما بعد: «انتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي ان يلتصق باحد اجنبي.» لذلك فان المحامي، وربما تلاميذ يسوع ايضا، يعتقدون انهم ابرار اذا عاملوا الرفقاء اليهود فقط بلطف، لانه في نظرهم ليس غير اليهود اقرباءهم حقا.
ودون الاساءة الى سامعيه، كيف يستطيع يسوع ان يصحح نظرتهم؟ يروي قصة ربما كانت مؤسسة على حادث واقعي. «انسان [يهودي]،» يوضح يسوع، «كان نازلا من اورشليم الى اريحا فوقع بين لصوص فعرّوه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت.»
«فعرض،» يتابع يسوع، «انَّ كاهنا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاوي ايضا اذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامريا مسافرا جاء اليه ولما رآه تحنَّن.»
كثيرون من الكهنة ومساعديهم اللاويين في الهيكل يسكنون في اريحا التي تبعد ١٤ ميلا (٢٣ كلم) في طريق خطر، وتنخفض ٠٠٠،٣ (٩٠٠ كلم) قدم، عن مكان خدمتهم في الهيكل في اورشليم. فيجري التوقع من الكاهن واللاوي ان يساعدا الرفيق اليهودي في الشدة. لكنهما لا يفعلان. وعوضا عن ذلك، يفعل سامري هذا الامر. واليهود يكرهون السامريين كثيرا حتى انهم مؤخرا اهانوا يسوع بأقسى العبارات بقولهم انه «سامري.»
وماذا يفعل السامري ليساعد اليهودي؟ «فتقدم،» يقول يسوع، «وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا واركبه على دابَّته واتى به الى فندق واعتنى به وفي الغد لما مضى اخرج دينارين [اجرة حوالي يومين] واعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما انفقت اكثر فعند رجوعي اوفيك.»
بعد رواية القصة يسأل يسوع المحامي: «فاي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبا للذي وقع بين اللصوص.»
واذ يشعر بعدم ارتياح ازاء نسب ايّ استحقاق الى السامري، يجيب المحامي ببساطة: «الذي صنع معه الرحمة.»
«اذهب انت ايضا واصنع هكذا،» يختتم يسوع.
فلو قال يسوع للمحامي مباشرة ان غير اليهود ايضا هم اقرباؤه، فليس ان الرجل لن يقبل ذلك فحسب بل ان معظم الحضور على الارجح سيأخذون جانبه في المناقشة مع يسوع. ولكنّ قصة الحياة الحقيقية هذه اوضحت بطريقة لا تُدحض ان اقرباءنا يشملون اناسا غير الذين هم من عرقنا وقوميتنا. فيا للطريقة الرائعة التي يستعملها يسوع للتعليم! لوقا ١٠:٢٥-٣٧؛ اعمال ١٠:٢٨؛ يوحنا ٤:٩؛ ٨:٤٨.
▪ اية اسئلة يطرحها المحامي على يسوع، وعلى ما يظهر ما هو قصده في السؤال؟
▪ مَن يعتقد اليهود ان اقرباءهم هم، وأي سبب هنالك لنعتقد انه حتى التلاميذ يشاركون في هذه النظرة؟
▪ كيف يعبِّر يسوع عن النظرة الصحيحة حتى ان المحامي لا يستطيع ان يدحضها؟
-
-
المشورة لمرثا، والارشاد بشأن الصلاةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٤
المشورة لمرثا، والارشاد بشأن الصلاة
في اثناء خدمة يسوع في اليهودية يدخل قرية بيت عنيا. انها حيث يسكن مرثا ومريم وأخوهما لعازر. وربما التقى يسوع هؤلاء الثلاثة في وقت ابكر من خدمته ولذلك فهو الآن احد اصدقائهم الاحماء. على كل حال، يذهب يسوع الآن الى بيت مرثا فترحب به.
تتشوق مرثا الى تزويد يسوع افضل ما عندها. حقا، انه لشرف عظيم ان يزور المسيّا الموعود به منزل المرء! ولذلك تنهمك مرثا في تحضير وجبة جيدة وتهتم بتفاصيل اخرى كثيرة بغية جعل اقامة يسوع ممتعة ومريحة اكثر.
أما مريم اخت مرثا فتجلس عند قدمي يسوع وتصغي اليه. وبعد قليل تقترب مرثا وتقول ليسوع: «يا رب اما تبالي بان اختي قد تركتني اخدم وحدي. فقل لها ان تعينني.»
لكنّ يسوع يرفض قول ايّ شيء لمريم. وبالاحرى، ينصح مرثا لكونها مهتمة اكثر مما ينبغي بالاشياء المادية. «مرثا مرثا،» يوبخ بلطف، «انت تهتمين وتضطربين لاجل امور كثيرة. ولكن الحاجة الى واحد.» يقول يسوع انه ليس ضروريا صرف كثير من الوقت في اعداد عدة أطباق للوجبة. فالقليل فقط او حتى طبق واحد هو كافٍ.
ونيات مرثا جيدة؛ فهي تريد ان تكون مضيفة كريمة. ولكنها، باهتمامها القلِق بالتدابير المادية، تخسر فرصة نيل الارشاد الشخصي من ابن اللّٰه نفسه! ولذلك يختتم يسوع: «فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها.»
وفي ما بعد، في مناسبة اخرى، يسأل احد التلاميذ يسوع: «يا رب علمنا ان نصلي كما علّم يوحنا ايضا تلاميذه.» ربما لم يكن هذا التلميذ حاضرا قبل حوالي سنة ونصف السنة عندما زوَّد يسوع الصلاة النموذجية في موعظته على الجبل. فيكرِّر يسوع ارشاداته ثم يتابع ليقدم ايضاحا للتشديد على الحاجة الى المواظبة على الصلاة.
«من منكم يكون له صديق،» يبدأ يسوع، «ويمضي اليه نصف الليل ويقول له يا صديق اقرضني ثلاثة ارغفة. لان صديقا لي جاءني من سفر وليس لي ما اقدِّم له. فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني. الباب مغلق الآن واولادي معي في الفراش. لا اقدر ان اقوم واعطيك. اقول لكم وان كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج.»
بهذه المقارنة لا يقصد يسوع الدلالة على ان يهوه اللّٰه غير مستعد لاستجابة الالتماسات، كما كان الصديق في قصته. كلا، وانما يوضح انه اذا كان الصديق غير المستعد سيستجيب المطالب اللجوجة، فكم بالحري ابونا السماوي المحب! ولذلك يتابع يسوع: «وانا اقول لكم اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم. لان كل من يسأل يأخذ. ومن يطلب يجد. ومن يقرع يُفتح له.»
ثم يشير يسوع الى الآباء الناقصين الخطاة، قائلا: «من منكم وهو اب يسأله ابنه خبزا أفيعطيه حجرا. او سمكة أفيعطيه حية بدل السمكة. او اذا سأله بيضة أفيعطيه عقربا. فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه.» حقا، يا للتشجيع المحرِّك الذي يزوِّده يسوع على المواظبة على الصلاة! لوقا ١٠:٣٨-١١:١٣.
▪ لماذا تقوم مرثا بتلك التحضيرات الشاملة ليسوع؟
▪ ماذا تفعل مريم، ولماذا يمدحها يسوع عوض مرثا؟
▪ ماذا يحث يسوع على تكرار ارشاداته بشأن الصلاة؟
▪ كيف يوضح يسوع الحاجة الى المواظبة على الصلاة؟
-
-
مصدر السعادةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٥
مصدر السعادة
في اثناء خدمته في الجليل صنع يسوع عجائب، وها هو الآن يكرّرها في اليهودية. مثلا، يطرد من رجل شيطانا كان قد أخرسه. فتتعجّب الجموع، ولكنّ النقدة يثيرون الاعتراض نفسه الذي أثير في الجليل. «ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين،» يدّعون. ويريد آخرون من يسوع دليلا اقوى يثبت هويته، ويحاولون ان يجرّبوه بطلب آية من السماء.
واذ يعلم ما يفكّرون فيه يعطي يسوع لنقدته في اليهودية الجواب نفسه الذي اعطاه لاولئك الذين في الجليل. فيقول ان كل مملكة منقسمة على ذاتها تسقط. ويسأل، «فان كان الشيطان ايضا ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته.» ويبيّن الوضع الخطِر لنقدته بقوله: «ان كنت باصبع اللّٰه أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت اللّٰه.»
واولئك الذين لاحظوا عجائب يسوع ينبغي لهم ان يتجاوبوا معها بالطريقة نفسها التي تجاوب بها اولئك الذين قبل قرون رأوا موسى يصنع اعجوبة. فقد هتفوا: «هذا اصبع اللّٰه.» وكان «اصبع اللّٰه» ايضا هو الذي نقش الوصايا العشر على لوحي حجر. و «اصبع اللّٰه» — روحه القدوس، او قوّته الفعالة — هو الذي يمكِّن يسوع من طرد الشياطين وشفاء المرضى. وهكذا فان ملكوت اللّٰه قد اقبل فعلا على اولئك النقدة اذ ان يسوع، الملك المعيَّن للملكوت، هو هناك في وسطهم.
ويوضح يسوع بعد ذلك ان مقدرته على طرد الشياطين انما هي دليل على سلطته على الشيطان، تماما كما هي الحال عندما يأتي رجل اقوى ويغلب رجلا متسلحا جيدا يحرس قصره. ويكرِّر ايضا المثل الذي قاله في الجليل في ما يتعلق بروح نجس. فالروح يترك انسانا، ولكن عندما لا يملأ الانسان الفراغ بالصالحات يرجع الروح مع سبعة آخرين، فتصير حالة ذلك الانسان اردأ مما في البداية.
وفيما هم يصغون الى هذه التعاليم تندفع امرأة من الجمع هاتفة بصوت عالٍ: «طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما.» وبما ان رغبة كل امرأة يهودية هي ان تكون امّ احد الانبياء وخصوصا المسيّا، من المفهوم ان تقول هذه المرأة ذلك. ومن الواضح انها ظنت ان مريم يمكن ان تكون سعيدة بصورة خاصة لكونها امّ يسوع.
لكنّ يسوع يقوِّم المرأة بسرعة في ما يتعلق بالمصدر الحقيقي للسعادة. فيجيب: «بل طوبى للذين يسمعون كلام اللّٰه ويحفظونه.» ولم يُشِر يسوع ضمنا قط الى ان امه، مريم، يجب ان تكرم اكراما خصوصيا. وأظهر عوضا عن ذلك ان السعادة الحقيقية توجد في كون المرء خادما امينا للّٰه، لا في اية روابط جسدية او انجازات.
وكما فعل في الجليل، يمضي يسوع ايضا موبخا الناس في اليهودية على طلبهم آية من السماء. فيقول لهم انه لن تعطى لهم آية إلاّ آية يونان. فصار يونان آية بأيامه الثلاثة في جوف الحوت وأيضا بكرازته الجريئة التي ادَّت الى حمل اهل نينوى على التوبة. «وهوذا،» يقول يسوع، «اعظم من يونان ههنا.» وعلى نحو مماثل، تعجَّبت ملكة سبا من حكمة سليمان. «وهوذا،» يقول يسوع ايضا، «اعظم من سليمان ههنا.»
ويوضح يسوع انه عندما يُشعل الشخص مصباحا لا يضعه في مكان مخفيّ او تحت المكيال بل على المنارة ليتمكن الناس من رؤية النور. ولعلّه يلمّح الى ان التعليم وصنع العجائب امام هؤلاء الاشخاص الصلاب الرقبة بين حضوره يشابه اخفاء نور المصباح. وأعين مثل هؤلاء الملاحظين ليست بسيطة، او مركَّزة، ولذلك لا يجري انجاز القصد المطلوب من عجائبه.
لقد طرد يسوع الآن شيطانا وجعل اخرس يتكلم. وهذا يجب ان يحثّ الناس ذوي الاعين البسيطة، او المركَّزة، على مدح هذا العمل المجيد والمناداة بالبشارة! ولكن مع هؤلاء النقدة لا يحدث ذلك. فيختتم يسوع: «انظر اذًا لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة. فان كان جسدك كله نيِّرا ليس فيه جزء مظلم يكون نيِّرا كله كما حينما يضيء لك السراج بلمعانه.» لوقا ١١:١٤-٣٦؛ خروج ٨:١٨، ١٩؛ ٣١:١٨؛ متى ١٢:٢٢، ٢٨.
▪ ما هو التجاوب مع شفاء يسوع للرجل؟
▪ ما هو «اصبع اللّٰه،» وكيف اقبل ملكوت اللّٰه على مستمعي يسوع؟
▪ ما هو مصدر السعادة الحقيقية؟
▪ كيف يمكن ان تكون للشخص عين بسيطة؟
-
-
الغداء مع فريسياعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٦
الغداء مع فريسي
بعد ان يجيب يسوع النقدة الذين يشكِّكون في مصدر قدرته على شفاء رجل لا يستطيع ان يتكلم يدعوه فريسي الى الغداء. وقبل ان يأكلوا ينهمك الفريسيون في الغسل الشعائري لايديهم حتى المرفق. وهم يفعلون ذلك قبل الوجبة وبعدها وحتى بين ألوان الطعام. ومع ان التقليد لا ينتهك ناموس اللّٰه المكتوب، فهو يتجاوز ما يتطلبه اللّٰه بشأن النظافة الطقسية.
وعندما يفشل يسوع في التقيُّد بالتقليد يندهش مضيفه. ومع ان دهشته لا يجري الاعراب عنها كلاميا، يكتشف يسوع ذلك فيقول: «انتم الآن ايها الفريسيون تنقون خارج الكأس والقصعة واما باطنكم فمملوء اختطافا وخبثا. يا اغبياء أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل ايضا.»
وهكذا يشهِّر يسوع رياء الفريسيين الذين يغسلون ايديهم شعائريا لكنهم يفشلون في غسل قلوبهم من الشر. فينصح: «أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شيء يكون نقيا لكم.» وعطاؤهم يجب ان يدفعه قلب محب، لا رغبة في التأثير في الآخرين ببرهم المزعوم.
«ويل لكم ايها الفريسيون،» يتابع يسوع، «لانكم تعشِّرون النعنع والسَّذاب وكل بقل وتتجاوزون عن الحق ومحبة اللّٰه. كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك.» وناموس اللّٰه للاسرائيليين يتطلب اعطاء العشور، او جزء من عشرة، من انتاج الحقول. والنعنع والسَّذاب نبتتان او عشبتان صغيرتان تُستعملان في تتبيل الطعام. فالفريسيون يقدمون باعتناء عشرا حتى من هذه الاعشاب الزهيدة، لكنّ يسوع يدينهم على تجاهل المطلب الاهم لاظهار المحبة، ممارسة اللطف والكينونة متضعين.
واذ يدينهم اكثر، يقول يسوع: «ويل لكم ايها الفريسيون لانكم تحبون المجلس الاول في المجامع والتحيات في الاسواق. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم مثل القبور المختفية والذين يمشون عليها لا يعلمون.» فنجاستهم لم تكن ظاهرة. ودين الفريسيين له مظهر خارجي خادع لكنه بلا قيمة داخلية! انه مؤسس على الرياء.
واذ يصغي الى ادانة كهذه يتذمر ناموسي، احد اولئك المتضلعين من ناموس اللّٰه: «يا معلم حين تقول هذا تشتمنا نحن ايضا.»
ويعتبر يسوع هؤلاء الخبراء بالناموس مسؤولين ايضا اذ يقول: «وويل لكم انتم ايها الناموسيون لانكم تحمِّلون الناس احمالا عسرة الحمل وانتم لا تمسّون الاحمال باحدى اصابعكم. ويل لكم لانكم تبنون قبور الانبياء وآباؤكم قتلوهم.»
والاحمال التي يذكرها يسوع هنا هي التقاليد الشفهية، لكنّ هؤلاء الناموسيين لا يرفعون حتى فريضة صغيرة واحدة ليجعلوا الامر اسهل على الناس. ويُظهر يسوع انهم موافقون حتى على قتل الانبياء، ويحذّر: «لكي يُطلب من هذا الجيل دم جميع الانبياء المهرق منذ انشاء العالم. من دم هابيل الى دم زكريا الذي أُهلك بين المذبح والبيت. نعم اقول لكم انه يُطلب من هذا الجيل.»
وعالم الجنس البشري المفدي كانت له بدايته بولادة الاولاد لآدم وحواء؛ وهكذا عاش هابيل عند «انشاء العالم.» وبعد القتل العنيف لزكريا سلبت قوة أرامية يهوذا. ولكنّ يسوع ينبئ بسلب اسوأ لجيله بسبب شره الاعظم. ويحدث هذا السلب بعد حوالي ٣٨ سنة، في ٧٠ بم.
واذ يتابع هذه الادانة، يقول يسوع: «ويل لكم ايها الناموسيون لانكم اخذتم مفتاح المعرفة. ما دخلتم انتم والداخلون منعتموهم.» فالخبراء بالناموس من واجبهم توضيح كلمة اللّٰه للناس وشرح معناها. ولكنهم يفشلون في ذلك حتى انهم يُبعدون فرصة الفهم عن الناس.
يغتاظ الفريسيون والخبراء الشرعيون على يسوع من تشهيره اياهم. وعندما يترك البيت يبدأون بمقاومته بعنف ويحيطونه بالاسئلة. وهم يحاولون ان يوقعوه في قول شيء يمكنهم توقيفه من اجله. لوقا ١١:٣٧-٥٤؛ تثنية ١٤:٢٢؛ ميخا ٦:٨؛ ٢ أخبار الايام ٢٤:٢٠-٢٥.
▪ لماذا يدين يسوع الفريسيين والخبراء بالناموس؟
▪ اية احمال يضعها الناموسيون على الناس؟
▪ متى كان «انشاء العالم»؟
-
-
مسألة الميراثاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٧
مسألة الميراث
يعرف الناس على ما يتضح ان يسوع كان يتغدَّى في بيت الفريسي. فيحتشدون خارجا بالآلاف ويكونون منتظرين عندما يخرج يسوع. وبخلاف الفريسيين الذين يقاومون يسوع ويحاولون ان يمسكوه في قول شيء خاطئ، فان الناس يصغون اليه بشوق وبتقدير.
واذ يلتفت اولا الى تلاميذه، يقول يسوع: «تحرَّزوا لانفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء.» وكما يجري ايضاحه في اثناء وجبة الطعام، فان كامل نظام الفريسيين الديني مليء بالرياء. ولكن، رغم ان شر الفريسيين يمكن اخفاؤه بمظهر التقوى، سينكشف اخيرا. «ليس مكتوم،» يقول يسوع، «لن يُستعلن ولا خفي لن يُعرف.»
ويمضي يسوع مكرِّرا التشجيع الذي كان قد منحه للـ ١٢ عندما ارسلهم في جولة كرازية في الجليل. يقول: «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون اكثر.» وبما ان اللّٰه لا ينسى حتى العصفور الواحد، يؤكد يسوع لأتباعه ان اللّٰه لن ينساهم. يقول: «ومتى قدَّموكم الى المجامع والرؤساء والسلاطين . . . الروح القدس يعلِّمكم في تلك الساعة ما يجب ان تقولوه.»
ويتكلم واحد من الجمع جهرًا. «يا معلم،» يلتمس، «قل لأخي ان يقاسمني الميراث.» فشريعة موسى تنصُّ على ان يأخذ الابن البكر نصيب اثنين من الميراث، ولذلك لا يجب ان يكون هنالك ايّ سبب للخلاف. لكنّ الرجل على ما يظهر يريد اكثر من حصته الشرعية من الميراث.
ويرفض يسوع بلياقة ان يتورط. «يا انسان مَن اقامني عليكما قاضيا او مقسِّما،» يسأل. ثم يعطي هذا النصح الحيوي للجمع: «انظروا وتحفَّظوا من الطمع. فانه متى كان لاحد كثير فليست حياته من امواله.» اجل، مهما كان مقدار ما قد يمتلكه الشخص فانه عادة يموت ويتركه كله وراءه. وللتشديد على هذا الواقع، وكذلك لاظهار حماقة الفشل في بناء صيت حسن عند اللّٰه، يستعمل يسوع مثلا. فيوضح:
«انسان غني أخصبت كورته. ففكَّر في نفسه قائلا ماذا أعمل لان ليس لي موضع أجمع فيه أثماري. وقال اعمل هذا. أهدم مخازني وأبني اعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي يا نفس لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له اللّٰه يا غبي هذه الليلة تُطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون.»
وفي الختام يعلِّق يسوع: «هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيا للّٰه.» وفي حين ان التلاميذ ربما لا يقعون في شرك حماقة تكديس الثروة، فبسبب هموم الحياة اليومية يمكن ان يلتهوا بسهولة عن خدمة يهوه من كل النفس. ولذلك ينتهز يسوع الفرصة ليكرر المشورة البديعة التي كان قد اعطاها قبل سنة ونصف السنة تقريبا في الموعظة على الجبل. واذ يلتفت الى تلاميذه، يقول:
«من اجل هذا اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون. . . . تأملوا الغربان. انها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخدع ولا مخزن واللّٰه يقيتها. . . . تأملوا الزنابق كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. . . .
«فلا تطلبوا انتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا. فان هذه كلها تطلبها امم العالم. واما انتم فابوكم يعلم انكم تحتاجون الى هذه. بل اطلبوا ملكوت اللّٰه وهذه كلها تزاد لكم.»
وفي اثناء المشقة الاقتصادية خصوصا تستحق كلمات يسوع التأمل الدقيق. فالشخص الذي يقلق اكثر مما ينبغي بشأن حاجاته المادية ويبدأ بالتراخي في مساعيه الروحية يُظهر في الواقع قلة ايمان بقدرة اللّٰه على اعالة خدامه. لوقا ١٢:١-٣١؛ تثنية ٢١:١٧.
▪ لماذا ربما يسأل الرجل عن الميراث، وأي نصح يعطيه يسوع؟
▪ اي مثل يستعمله يسوع، وما هي الفكرة منه؟
▪ اية مشورة يكرِّرها يسوع، ولماذا هي ملائمة؟
-
-
كونوا مستعدين!اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٨
كونوا مستعدين!
بعد تحذير الجموع من الطمع وتلاميذه من منح الانتباه المفرط للامور المادية يشجِّع يسوع: «لا تخف ايها القطيع الصغير لأن اباكم قد سُرَّ ان يعطيكم الملكوت.» وهكذا يعلن ان عددا صغيرا نسبيا فقط (حُدِّد في ما بعد بـ ٠٠٠,١٤٤) سيكونون في الملكوت السماوي. وأغلبية الاشخاص الذين ينالون الحياة الابدية سيكونون رعايا ارضيين للملكوت.
يا له من عطية بديعة، «الملكوت»! واذ يصف التجاوب اللائق الذي يجب ان يكون لتلاميذه ازاء نيله، يحثهم يسوع: «بيعوا ما لكم وأَعطوا صدقة.» اجل، يجب ان يستخدموا املاكهم ليفيدوا الآخرين روحيا وهكذا يقيمون «كنزا لا ينفد في السموات.»
وبعد ذلك ينصح يسوع تلاميذه بأن يكونوا مستعدين لرجوعه. يقول: «لتكن احقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة. وانتم مثل اناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى اذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لاولئك العبيد الذين اذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين. الحق اقول لكم انه يتمنطق ويُتكئهم ويتقدم ويخدمهم.»
في هذا المثل يَظهر استعداد الخدم عند رجوع سيدهم بتشميرهم ثيابهم الطويلة وتثبيتهم اياها تحت حُزُمهم واستمرارهم في الاعتناء بواجباتهم حتى وقت متقدم من الليل في ضوء مصابيح مزوَّدة جيدا بالوقود. يوضح يسوع: ‹ان اتى السيد في الهزيع الثاني [من نحو الساعة التاسعة مساء الى منتصف الليل]، او اتى في الهزيع الثالث [من منتصف الليل الى نحو الساعة الثالثة صباحا]، ووجدهم مستعدين فطوبى لهم.›
ويكافئ السيد خدمه بطريقة استثنائية. فيُتكئهم ويشرع في خدمتهم. ويعاملهم لا كعبيد بل كاصدقاء اولياء. يا لها من مكافأة بديعة على استمرارهم في العمل لسيدهم طوال الليل فيما ينتظرون رجوعه! يختتم يسوع: «فكونوا انتم اذًا مستعدين لانه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الانسان.»
ويسأل بطرس الآن: «يا رب ألنا تقول هذا المثل ام للجميع ايضا.»
وعوضا عن الاجابة مباشرة، يعطي يسوع مثلا آخر. «فمن هو الوكيل الامين الحكيم،» يسأل، «الذي يقيمه سيّده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها. طوبى لذلك العبد الذي اذا جاء سيّده يجده يفعل هكذا. بالحق اقول لكم انه يقيمه على جميع امواله.»
من الواضح ان ‹السيد› هو يسوع المسيح. و «الوكيل» يرمز الى «القطيع الصغير» من التلاميذ كهيئة جَماعية، وكلمة ‹الخدم› تشير الى هذا الفريق عينه من الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين ينالون الملكوت السماوي، ولكنّ هذا التعبير يركّز الانتباه على عملهم كافراد. و ‹الاموال› التي يجري تعيين الوكيل الامين الحكيم للاعتناء بها هي مصالح السيد الملكية على الارض، التي تشمل رعايا الملكوت الارضيين.
واذ يتابع المثل، يشير يسوع الى الامكانية انه ليس كل اعضاء صف الوكيل، او العبد، هذا سيكونون اولياء، موضحا: «إن قال ذلك العبد في قلبه سيدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره . . . فيقطعه.»
ويقول يسوع ان مجيئه قد جلب وقتا ناريا لليهود، اذ يقبل البعض ويرفض الآخرون تعاليمه. وقبل ذلك باكثر من ثلاث سنوات اعتمد في الماء، أما الآن فمعموديته في الموت تقترب اكثر من ايّ وقت مضى، وكما يقول: «(اتضايق) حتى تُكمل.»
وبعد توجيه هذه الملاحظات الى تلاميذه يخاطب يسوع الجموع ثانية. فيرثي رفضهم العنيد قبول الدليل الواضح على هويته وأهميتها. «اذا رأيتم السحاب تطلع من المغارب،» يعلِّق، «فللوقت تقولون انه يأتي مطر. فيكون هكذا. واذا رأيتم ريح الجنوب تهبّ تقولون انه سيكون حر. فيكون. يا مراؤون تعرفون ان تميزوا وجه الارض والسماء واما هذا الزمان فكيف لا تميزونه.» لوقا ١٢:٣٢-٥٩.
▪ كم شخصا يؤلفون «القطيع الصغير،» وماذا ينالون؟
▪ كيف يشدد يسوع على حاجة خدامه الى ان يكونوا مستعدين؟
▪ في مثل يسوع مَن هو ‹السيد،› «الوكيل،» ‹الخدم،› و ‹الاموال›؟
-
-
امة ضائعة، ولكن ليس كلهااعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٧٩
امة ضائعة، ولكن ليس كلها
بعد وقت قصير من مناقشة يسوع لاولئك الذين تجمَّعوا خارج بيت فريسي يخبره قوم «عن الجليليين الذين خلط بيلاطس [البنطي الوالي الروماني] دمهم بذبائحهم.» وهؤلاء الجليليون ربما كانوا الاشخاص الذين قُتلوا عندما احتج آلاف اليهود على استعمال بيلاطس مال خزينة الهيكل ليبني قناة لجر المياه الى اورشليم. والذين يسردون هذه المسألة ليسوع ربما كانوا يقترحون ان الجليليين كابدوا الكارثة بسبب افعالهم الشريرة.
ولكنّ يسوع يقوِّمهم اذ يسأل: «أتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا. كلا،» يجيب يسوع. ثم يستعمل الحادثة ليحذر اليهود: «ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.»
واذ يتابع، يذكِّر يسوع بمأساة محلية اخرى، ربما مقترنة ايضا ببناء القناة. يسأل: «او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم أتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم.» كلا، ليس بسبب شر هؤلاء الاشخاص حدث انهم ماتوا، يقول يسوع. وبالاحرى، فان «الوقت والعرض» مسؤولان عموما عن مآسٍ كهذه. ولكنّ يسوع يستعمل المناسبة مرة ثانية ليحذر: «بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.»
ثم يواصل يسوع معطيا مثلا ملائما، موضحا: «كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه. فأتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرا في هذه التينة ولم اجد. اقطعها. لماذا تبطِّل الارض ايضا. فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها وأضع زبلا. فان صنعت ثمرا والا ففيما بعد تقطعها.»
حاول يسوع لاكثر من ثلاث سنين تنمية الايمان بين الامة اليهودية. ولكنّ مئات قليلة فقط من التلاميذ يمكن ان يُحسبوا كثمر لأعماله. والآن، في اثناء هذه السنة الرابعة من خدمته، يكثِّف جهوده، ناقبا رمزيا وواضعا زبلا حول التينة اليهودية بالكرازة والتعليم الغيورين في اليهودية وبيرية. ولكن دون جدوى! فالامة ترفض ان تتوب ولذلك فهي في الطريق الى الدمار. وبقية من الامة فقط تجاوبت.
وبعد ذلك بوقت قصير يعلِّم يسوع في مجمع في السبت. وهناك يرى امرأة كانت، لان شيطانا يعذبها، منحنية طوال ١٨ سنة. وبرحمة يخاطبها يسوع: «يا امرأة انك محلولة من ضعفك.» وعند ذلك يضع عليها يديه، وفي الحال تستقيم وتبتدئ تمجِّد اللّٰه.
لكنّ رئيس المجمع يغضب. «هي ستة ايام ينبغي فيها العمل،» يحتج. «ففي هذه ائتوا واستشفوا وليس في يوم السبت.» وهكذا يعترف الرئيس بقدرة يسوع على الشفاء ولكنه يدين الشعب لانهم يأتون ليُشفوا في السبت!
«يا مرائي،» يجيب يسوع، «ألا يحلُّ كل واحد منكم في السبت ثوره او حماره من المذود ويمضي به ويسقيه. وهذه وهي ابنة ابرهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة أما كان ينبغي ان تُحلَّ من هذا الرباط في يوم السبت.»
وعند سماع ذلك يخجل اولئك الذين يقاومون يسوع. ولكنّ الجمع يفرح بجميع الاعمال المجيدة التي يرون يسوع يقوم بها. وعلى سبيل التجاوب يكرر يسوع مثلين نبويين في ما يتعلق بملكوت اللّٰه كان قد قالهما من سفينة في بحر الجليل قبل سنة تقريبا. لوقا ١٣:١-٢١؛ جامعة ٩:١١؛ متى ١٣:٣١-٣٣.
▪ اية مأساتين يجري ذكرهما هنا، وأي درس يستمد يسوع منهما؟
▪ اي تطبيق يمكن صنعه في ما يتعلق بشجرة التين غير المثمرة، وكذلك المحاولات لجعلها مثمرة؟
▪ كيف يعترف رئيس المجمع بقدرة يسوع على الشفاء، ولكن كيف يشهِّر يسوع رياء الرجل؟
-
-
الحظائر والراعياعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٠
الحظائر والراعي
يسوع اتى الى اورشليم من اجل عيد التجديد، او هانوقا، وهو عيد يُحتفَل فيه بتدشين الهيكل ليهوه من جديد. ففي السنة ١٦٨ قم، قبل ذلك بنحو ٢٠٠ سنة، استولى انطيوخس الرابع ابيفانس على اورشليم ودنَّس الهيكل ومذبحه. ولكن بعد ثلاث سنوات استُردت اورشليم ودُشِّن الهيكل من جديد. وفي وقت لاحق جرى الاحتفال سنويا بتدشين الهيكل من جديد.
وعيد التجديد هذا يجري في ٢٥ كِسلو، الشهر اليهودي الذي يقابل الجزء الاخير من تشرين الثاني والجزء الاول من كانون الاول في تقويمنا العصري. وهكذا يبقى فقط اكثر قليلا من مئة يوم لحلول الفصح البالغ الاهمية للسنة ٣٣ بم. واذ هو فصل الطقس البارد، يدعوه الرسول يوحنا «شتاء.»
يستخدم يسوع الآن ايضاحا يذكر فيه ثلاث حظائر ودوره بصفته الراعي الصالح. والحظيرة الاولى التي يتكلم عنها تقترن بترتيب عهد الناموس الموسوي. فقد خدم الناموس كسياج، يفصل اليهود عن الممارسات المفسدة لاولئك الناس الذين ليسوا في هذا العهد الخصوصي مع اللّٰه. يوضح يسوع قائلا: «الحق الحق اقول لكم ان الذي لا يدخل من الباب الى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص. وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف.»
لقد جاء آخرون وادَّعوا بأنهم المسيّا، او المسيح، لكنهم لم يكونوا الراعي الحقيقي الذي يمضي يسوع قائلا عنه: «لهذا يفتح البوَّاب والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها. . . . وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لانها لا تعرف صوت الغرباء.»
كان يوحنا المعمدان «بوَّاب» الحظيرة الاولى. وبصفته البوَّاب ‹فتح› يوحنا ليسوع باثبات هويته لتلك الخراف المجازية التي كان سيخرجها الى المرعى. وهذه الخراف التي يدعوها يسوع بأسماء ويخرجها يجري ادخالها اخيرا الى حظيرة اخرى، كما يوضح: «الحق الحق اقول لكم اني انا باب الخراف،» اي باب حظيرة جديدة. وعندما يؤسس يسوع العهد الجديد مع تلاميذه ويسكب عليهم من السماء الروح القدس يوم الخمسين التالي يجري ادخالهم الى هذه الحظيرة الجديدة.
واذ يوضح دوره اكثر، يقول يسوع: «انا هو الباب. ان دخل بي احد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. . . . وأما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل. . . . أما انا فاني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني كما ان الآب يعرفني وانا اعرف الآب. وانا اضع نفسي عن الخراف.»
وقبل ذلك بوقت قصير كان يسوع قد عزَّى أتباعه قائلا: «لا تخف ايها القطيع الصغير لان اباكم قد سر ان يعطيكم الملكوت.» وهذا القطيع الصغير، الذي يكون عدده اخيرا ٠٠٠,١٤٤، يدخل الى هذه الحظيرة الجديدة او الثانية. لكنّ يسوع يمضي قائلا: «ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي ان آتي بتلك ايضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد.»
وبما ان ‹الخراف الاخر› ليسوا «من هذه الحظيرة» فلا بدّ ان يكونوا من حظيرة اخرى، حظيرة ثالثة. وهاتان الحظيرتان، او زريبتا الخراف، الاخيرتان لهما مصيران مختلفان. ‹فالقطيع الصغير› في الحظيرة الواحدة سيحكمون مع المسيح في السماء، و ‹الخراف الاخر› في الحظيرة الاخرى سيعيشون على الارض الفردوسية. ولكن، رغم كونها في حظيرتين، ليس لدى الخراف ايّ حسد، وهي لا تشعر بالعزلة، لانها كما قال يسوع، «تكون رعية واحدة» تحت «راع واحد.»
والراعي الصالح، يسوع المسيح، يضع حياته طوعا عن حظيرتي الخراف كلتيهما. «اضعها انا من ذاتي،» يقول. «لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان آخذها ايضا. هذه الوصية قبلتها من ابي.» وعندما يقول يسوع ذلك يحدث انشقاق بين اليهود.
وكثيرون من الجمع يقولون: «به شيطان وهو يهذي. لماذا تستمعون له.» لكنّ آخرين يتجاوبون: «ليس هذا كلام مَن به شيطان.» وبعد ذلك، اذ يشيرون على ما يتضح الى شفائه الرجل المولود اعمى قبل شهرين، يضيفون: «ألعل شيطانا يقدر ان يفتح اعين العميان.» يوحنا ١٠:١-٢٢؛ ٩:١-٧؛ لوقا ١٢:٣٢؛ رؤيا ١٤:١، ٣؛ ٢١:٣، ٤؛ مزمور ٣٧:٢٩.
▪ ما هو عيد التجديد، ومتى يجري الاحتفال به؟
▪ ما هي الحظيرة الاولى، ومن هو بوابها؟
▪ كيف يفتح البواب للراعي، والى اين يجري ادخال هذه الخراف بعد ذلك؟
▪ مَن يؤلفون حظيرتي الراعي الصالح، وكم رعية يصيرون؟
-
-
محاولات اخرى لقتل يسوعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨١
محاولات اخرى لقتل يسوع
بما انه فصل الشتاء يتمشى يسوع في الفِناء المسقوف المعروف برواق سليمان. انه على موازاة الهيكل. وهنا يحتاط به اليهود ويبتدئون بالقول: «الى متى تعلِّق انفسنا. ان كنت انت المسيح فقل لنا جهرا.»
«اني قلت لكم،» يجيب يسوع، «ولستم تؤمنون.» لم يقل يسوع لهم مباشرة انه المسيح، كما قال للمرأة السامرية عند البئر. لكنه، في الواقع، كان قد كشف عن هويته عندما اوضح لهم انه من فوق وأنه كان قبل ابرهيم.
ومع ذلك يريد يسوع ان يصل الناس انفسهم الى الاستنتاج انه المسيح بمقارنة نشاطاته بما انبأ الكتاب المقدس ان المسيح سينجزه. لهذا السبب اوصى تلاميذه في وقت ابكر ان لا يقولوا لاحد انه المسيح. ولهذا السبب يمضي الآن قائلا لاولئك اليهود المعادين: «الاعمال التي انا اعملها باسم ابي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون.»
ولماذا لا يؤمنون؟ ألسبب عدم وجود دليل على ان يسوع هو المسيح؟ كلا، بل للسبب الذي يعطيه يسوع عندما يقول لهم: «لستم من خرافي . . . خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي. ابي الذي اعطاني اياها هو اعظم من الكل ولا يقدر احد ان يخطف من يد ابي.»
ثم يصف يسوع علاقته الحميمة بأبيه، موضحا: «انا والآب واحد.» وبما ان يسوع على الارض وأباه في السماء فهو على نحو واضح لا يقول انه وأباه حرفيا، او جسديا، واحد. وبالاحرى، يعني انهما واحد في القصد، انهما في وحدة.
وفي غضبهم من كلمات يسوع يتناول اليهود حجارة ليقتلوه، تماما كما فعلوا في وقت ابكر، في اثناء عيد المظال. واذ يواجه بشجاعة اولئك الراغبين في قتله، يقول يسوع: «اعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند ابي. بسبب اي عمل منها ترجمونني.»
«لسنا نرجمك لاجل عمل حسن،» يجيبون، «بل لاجل تجديف. فانك وانت انسان تجعل نفسك الها.» وبما ان يسوع لم يدَّعِ قط انه اله، فلماذا يقول اليهود هكذا؟
ذلك لان يسوع على ما يتضح ينسب الى نفسه قوات يعتقدون انها للّٰه بشكل مطلق. مثلا، قال عن ‹الخراف› قبل لحظات، «انا اعطيها حياة ابدية،» الامر الذي لا يستطيع ايّ انسان ان يفعله. ولكنّ اليهود يتغاضون عن واقع اعتراف يسوع بنيل السلطة من ابيه.
أما ان يسوع يقول انه ادنى من اللّٰه فيظهره بعد ذلك بطرح السؤال: «أليس مكتوبا في ناموسكم [في المزمور ٨٢:٦] انا قلت انكم آلهة. ان قال آلهة لاولئك الذين صارت اليهم كلمة اللّٰه . . . فالذي قدَّسه الآب وأرسله الى العالم أتقولون له انك تجدّف لاني قلت اني ابن اللّٰه.»
بما ان الاسفار المقدسة تدعو حتى القضاة البشر الظالمين «آلهة،» فأيّ عيب يمكن لاولئك اليهود ان يجدوه في يسوع لسبب قوله، «اني ابن اللّٰه»؟ ويضيف يسوع: «ان كنت لست اعمل اعمال ابي فلا تؤمنوا بي. ولكن ان كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالاعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا ان الآب فيَّ وانا فيه.»
وعندما يقول يسوع ذلك يحاول اليهود ان يمسكوه. لكنه ينجو منهم، كما فعل في وقت ابكر في عيد المظال. فيغادر اورشليم ويمضي الى عبر الاردن الى المكان الذي ابتدأ يوحنا يعمد فيه قبل نحو اربع سنوات. وهذا الموضع على ما يظهر ليس بعيدا عن الشاطئ الجنوبي لبحر الجليل، مسيرة يومين تقريبا من اورشليم.
ويأتي اناس كثيرون الى يسوع في هذا المكان ويبتدئون بالقول: «ان يوحنا لم يفعل آية واحدة. ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا كان حقا.» وهكذا يؤمن كثيرون به هناك. يوحنا ١٠:٢٢-٤٢؛ ٤:٢٦؛ ٨:٢٣، ٥٨؛ متى ١٦:٢٠.
▪ بأية وسيلة يريد يسوع ان يثبت الناس هويته بصفته المسيح؟
▪ كيف يكون يسوع وأبوه واحدا؟
▪ لماذا يقول اليهود على ما يتضح ان يسوع يجعل نفسه الها؟
▪ كيف يُظهر اقتباس يسوع من المزامير انه لا يدَّعي انه مساوٍ للّٰه؟
-
-
يسوع يتَّجه من جديد نحو اورشليماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٢
يسوع يتَّجه من جديد نحو اورشليم
سرعان ما يكون يسوع في السفر من جديد، معلِّما من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية. ومن الواضح انه في مقاطعة بيريا، في عبر نهر الاردن من اليهودية. ولكنّ وجهته هي اورشليم.
والفلسفة اليهودية بأن عددا محدودا فقط يستحقون الخلاص قد تكون الشيء الذي يدفع رجلا الى ان يسأل: «يا سيد أقليل هم الذين يخلصون.» وبجوابه يجبر يسوع الناس على التفكير في ما هو لازم من اجل الخلاص: «اجتهدوا [اي، «صارعوا،» او «ناضلوا»] ان تدخلوا من الباب الضيق.»
ان جهدا قويا كهذا ملحّ ‹لان كثيرين،› يتابع يسوع، «سيطلبون ان يدخلوا ولا يقدرون.» ولماذا لا يقدرون؟ يوضح انه ‹من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب وابتدأ الناس يقفون خارجا ويقرعون الباب قائلين يا رب افتح لنا يقول لا اعرفكم من اين انتم. تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم.›
من الواضح ان الاشخاص المحتجزين خارجا يأتون في وقت يلائمهم فقط. ولكن حينئذ يكون باب الفرصة مغلقا وموصدا بالمزلاج. فلكي يدخلوا كان يجب ان يأتوا في وقت ابكر، رغم ان ذلك آنذاك ربما لم يكن ملائما لهم. حقا، ان نتيجة محزنة تنتظر اولئك الذين يؤجلون جعل عبادة يهوه الهدف الرئيسي في الحياة!
واليهود الذين يرسَل اليهم يسوع ليَخدم يفشلون، في اغلب الاحيان، في انتهاز فرصتهم الرائعة لقبول تدبير اللّٰه من اجل الخلاص. ولذلك يقول يسوع انهم سوف يبكون ويصرّون بأسنانهم عندما يُطرحون خارجا. ومن ناحية اخرى، فان اناسا «من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب،» نعم، من جميع الامم، سوف «يتكئون في ملكوت اللّٰه.»
ويتابع يسوع: «هوذا آخِرون [غير اليهود المحتقرون، وكذلك اليهود المدوسون] يكونون اولين وأولون [اليهود ذوو الحظوة ماديا ودينيا] يكونون آخِرين.» وكونهم آخِرين يعني ان مثل هؤلاء الكسالى غير الشاكرين لن يكونوا في ملكوت اللّٰه ابدا.
يأتي الفريسيون الآن الى يسوع ويقولون: «اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس [انتيباس] يريد ان يقتلك.» وقد يكون هيرودس هو الذي اطلق هذه الاشاعة لجعل يسوع يفرّ من المقاطعة. وربما كان هيرودس خائفا ان يصبح متورطا في موت نبي آخَر للّٰه كما كان في قتل يوحنا المعمدان. ولكنّ يسوع يخبر الفريسيين: «امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث اكمَّل.»
وبعد الانتهاء من عمله هناك يتابع يسوع رحلته نحو اورشليم لانه، كما يوضح، «لا يمكن ان يهلك نبي خارجا عن اورشليم.» ولماذا يكون من المتوقَّع ان يُقتل يسوع في اورشليم؟ لان اورشليم هي العاصمة، حيث تقع محكمة السنهدريم العليا بأعضائها الـ ٧١ وحيث تُقدَّم الذبائح الحيوانية. ولذلك لا يمكن ان يُقتل «حمل اللّٰه» في مكان آخر غير اورشليم.
«يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها،» يرثي يسوع، «كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خرابا.» فبسبب رفض ابن اللّٰه تهلك الامة!
وفيما يمضي يسوع باتجاه اورشليم تجري دعوته الى بيت احد رؤساء الفريسيين. انه يوم السبت والناس يراقبونه بدقة لانّ هنالك انسانا موجودا يتألم من داء الاستسقاء، تجمُّع سائل ربما في ذراعيه او ساقيه. ويخاطب يسوع الفريسيين والخبيرين بالناموس الحاضرين ويسأل: «هل يحلُّ الابراء في السبت.»
لا احد يقول كلمة. ولذلك يبرئ يسوع الرجل ويطلقه. ثم يسأل: «مَن منكم يسقط حماره او ثوره في بئر ولا ينشله حالا في يوم السبت.» ومن جديد، لا يجيب احد بكلمة. لوقا ١٣:٢٢-١٤:٦؛ يوحنا ١:٢٩.
▪ ماذا يُظهر يسوع انه لازم من اجل الخلاص، ولماذا يجري احتجاز الكثيرين خارجا؟
▪ مَن هم ‹الآخِرون› الذين يصيرون اولين، و ‹الاولون› الذين يصيرون آخِرين؟
▪ لماذا ربما قيل ان هيرودس يريد ان يقتل يسوع؟
▪ لماذا لا يمكن ان يهلك نبي خارج اورشليم؟
-
-
يُضيفه فريسي بارزاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٣
يُضيفه فريسي بارز
يسوع لا يزال في بيت فريسي بارز، وقد ابرأ قبل قليل رجلا يتألم من داء الاستسقاء. واذ يلاحظ الرفقاءَ الضيوف يختارون المتكآت الاولى وقت وجبة الطعام، يعلِّم درسا في التواضع.
«متى دُعيت من احد الى عرس،» يوضح عندئذ يسوع، «فلا تتكئ في المتكإ الاول لعل اكرم منك يكون قد دُعي منه. فيأتي الذي دعاك واياه ويقول لك أَعطِ مكانا لهذا. فحينئذ تبتدئ بخجل تأخذ الموضع الاخير.»
لذلك ينصح يسوع: «متى دُعيت فاذهب واتكئ في الموضع الاخير حتى اذا جاء الذي دعاك يقول لك يا صديق ارتفع الى فوق. حينئذ يكون لك مجد امام المتكئين معك.» واذ يختتم، يقول يسوع: «لانّ كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.»
ثم يخاطب يسوع الفريسي الذي دعاه ويصف كيفية تزويد غداء له قيمة حقيقية عند اللّٰه. «اذا صنعتَ غداء او عشاء فلا تدعُ اصدقاءك ولا اخوتك ولا اقرباءك ولا الجيران الاغنياء لئلا يدعوك هم ايضا فتكون لك مكافاة. بل اذا صنعت ضيافة فادعُ المساكين الجدع العرج العمي. فيكون لك الطوبى اذ ليس لهم حتى يكافوك.»
وتزويد وجبة طعام كهذه للبائسين يجلب السعادة لمزوِّدها لانه، كما يشرح يسوع لمضيفه، «تكافى في قيامة الابرار.» ووصْف يسوع لهذه الوجبة التي تستأهل المكافأة يذكِّر ضيفا معه بنوع آخر من الوجبات. «طوبى لمن يأكل خبزا في ملكوت اللّٰه،» يقول هذا الضيف. ولكن لا يقدِّر الجميع بلياقة هذا الرجاء السعيد، اذ يمضي يسوع مظهرا بمثل.
«انسان صنع عشاء عظيما ودعا كثيرين. وأرسل عبده . . . ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد أُعدّ. فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون. قال له الاول اني اشتريت حقلا وانا مضطر ان اخرج وأنظره. اسألك ان تعفيني. وقال آخر اني اشتريت خمسة ازواج بقر وانا ماضٍ لامتحنها. اسألك ان تعفيني. وقال آخر اني تزوجت بامرأة فلذلك لا اقدر ان أجيء.»
يا لها من اعذار واهية! فالحقل او المواشي تُمتحن عادة قبل شرائها، ولذلك لا يوجد الحاح حقيقي ويمكن النظر اليها في ما بعد. وعلى نحو مماثل، فان زواج الشخص لا يجب ان يمنعه من قبول مثل هذه الدعوة المهمة. ولذلك عند سماع هذه الاعذار يغضب السيد ويأمر عبده:
«اخرج عاجلا الى شوارع المدينة وأزقتها وأَدخل الى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي. فقال العبد يا سيد قد صار كما امرت ويوجد ايضا مكان. فقال السيد للعبد اخرج الى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي. . . . ليس واحد من اولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي.»
اية حالة يصفها المثل؟ حسنا، يمثِّل «السيد» الذي يزوِّد وجبة الطعام يهوه اللّٰه؛ و «العبد» الذي يقدِّم الدعوة، يسوع المسيح؛ و ‹العشاء العظيم،› فرص الصيرورة اهلا لملكوت السموات.
وأول من نالوا الدعوة ليصيروا اهلا للملكوت، قبل الآخرين جميعا، كانوا القادة الدينيين اليهود ايام يسوع. لكنهم رفضوا الدعوة. وهكذا، ابتداء من يوم الخمسين سنة ٣٣ بم بصورة خصوصية، قُدِّمت دعوة ثانية للمحتقَرين والمساكين من الامة اليهودية. غير انه لم يتجاوب عدد كاف لملء الـ ٠٠٠,١٤٤ مكان في ملكوت اللّٰه السماوي. ولذلك في سنة ٣٦ بم، بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، قُدِّمت الدعوة الثالثة والاخيرة للامميين غير المختونين، واستمر تجميع مثل هؤلاء الاشخاص الى القرن الـ ٢٠ . لوقا ١٤:١-٢٤.
▪ اي درس في التواضع يعلِّمه يسوع؟
▪ كيف يمكن للمضيف تزويد وجبة لها قيمة عند اللّٰه، ولماذا تجلب له السعادة؟
▪ لماذا اعذار الضيوف المدعوين واهية؟
▪ ماذا يمثِّله مثل يسوع عن ‹العشاء العظيم›؟
-
-
مسؤولية الصيرورة تلاميذاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٤
مسؤولية الصيرورة تلاميذ
بعد مغادرة بيت الفريسي البارز، وهو كما يبدو عضو في السنهدريم، يتابع يسوع سيره نحو اورشليم. فتتبعه جموع كثيرة. ولكن ما هي دوافعهم؟ وماذا يشمله في الواقع كون المرء تابعا حقيقيا له؟
واذ يسيرون معه، يلتفت يسوع الى الجموع وربما يصدمهم عندما يقول: «ان كان احد يأتي اليَّ ولا يُبغض اباه وامَّه وامرأته واولاده واخوته واخواته حتى نفسه ايضا فلا يقدر ان يكون لي تلميذا.»
فماذا يعني يسوع؟ لا يقول يسوع هنا انه يجب على أتباعه ان يبغضوا حرفيا اقاربهم. وبالاحرى، يجب ان يبغضوهم بمعنى ان يحبوهم اقل مما يحبونه. وقد قيل ان يعقوب سلف يسوع ‹كره› ليئة وأحب راحيل، مما عنى ان ليئة كانت محبوبة اقل من اختها راحيل.
تأملوا ايضا ان يسوع قال انه يجب على التلميذ ان يبغض «حتى نفسه،» او حياته. ومرة ثانية فان ما يعنيه يسوع هو ان التلميذ الحقيقي يجب ان يحبه حتى اكثر مما يحبّ حياته الخاصة. وهكذا يشدد يسوع على ان الصيرورة تلميذا له هي مسؤولية جدية. انها ليست شيئا ليجري تعهده دون تفكير دقيق.
ان المشقة والاضطهاد مشمولان في كون المرء تلميذا ليسوع، كما يتابع ليبيِّن: «ومن لا يحمل (خشبة آلامه) ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذا.» وهكذا يجب على التلميذ الحقيقي ان يكون على استعداد لتحمل عبء التعيير نفسه الذي عاناه يسوع، بما في ذلك، اذا كان ضروريا، الموت على ايدي اعداء اللّٰه، الامر الذي سيفعله يسوع قريبا.
ولذلك فان كون المرء تلميذا للمسيح هو قضية تحتاج الجموع التي تتبعه الى تحليلها باعتناء جيد. ويشدد يسوع على هذا الواقع بواسطة مثل. يقول: «ومن منكم وهو يريد ان يبني برجا لا يجلس اولا ويحسب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله. لئلا يضع الاساس ولا يقدر ان يكمل. فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به قائلين هذا الانسان ابتدأ يبني ولم يقدر ان يكمِّل.»
وهكذا يوضح يسوع للجموع التي تتبعه انه قبل الصيرورة تلاميذ له يجب ان يكونوا مصمِّمين بثبات انه بامكانهم انجاز ما يشمله الامر، تماما كما ان الرجل الذي يريد بناء برج يتأكد قبل ان يبدأ انه يملك الموارد لاكماله. واذ يزوِّد مثلا آخر، يتابع يسوع:
«وأيّ ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس اولا ويتشاور هل يستطيع ان يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفا. وإلا فما دام ذلك بعيدا يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح.»
وبعد ذلك يشدد يسوع على القصد من مثليه، قائلا: «فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع امواله لا يقدر ان يكون لي تلميذا.» هذا ما يجب على الجموع التي تتبعه، نعم، وكل شخص آخر يتعلم عن المسيح، ان يكونوا على استعداد لفعله. فيجب ان يكونوا مستعدين ليضحّوا بكل ما لديهم — كل ممتلكاتهم، بما فيها الحياة نفسها — اذا ارادوا ان يكونوا تلاميذ له. فهل انتم على استعداد لذلك؟
«الملح جيد،» يتابع يسوع. وفي موعظته على الجبل قال ان تلاميذه هم «ملح الارض،» مما يعني ان لهم تأثيرا حافظا في الناس، تماما كما ان الملح الحرفي هو مادة حافظة. «ولكن اذا فسد الملح فبماذا يُصلح. لا يَصلح لأرض ولا لمزبلة،» يختتم يسوع. «فيطرحونه خارجا. من له اذنان للسمع فليسمع.»
وهكذا يُظهر يسوع انه حتى اولئك الذين كانوا تلاميذ له لبعض الوقت يجب ان لا يضعفوا في تصميمهم على الاستمرار. واذا ضعفوا يصبحون عديمي النفع، عُرضة لاستهزاء هذا العالم وغير صالحين امام اللّٰه، وفي الواقع، تعييرا على اللّٰه. ولذلك، مثل الملح العديم المفعول والفاسد، سيُطرحون خارجا، نعم، سيهلكون. لوقا ١٤:٢٥-٣٥؛ تكوين ٢٩:٣٠-٣٣؛ متى ٥:١٣.
▪ ماذا يعني ان «يبغض» الشخص اقاربه ونفسه؟
▪ ايّ مثلين يعطيهما يسوع، وماذا يعنيان؟
▪ ما هو القصد من تعليقات يسوع الختامية على الملح؟
-
-
التفتيش عن الضالاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٥
التفتيش عن الضال
يسوع مشتاق ان يبحث عن العتيدين ان يخدموا اللّٰه بتواضع وأن يجدهم. فيفتش ويكلم كل شخص عن الملكوت، بمن فيهم الخطاة الاردياء السمعة. ومثل هؤلاء الاشخاص يدنون الآن ليسمعوه.
واذ يلاحظ الفريسيون والكتبة ذلك ينقدون يسوع لمخالطته اناسا يعتبرونهم غير مستحقين. فيتذمرون: «هذا يقبل خطاة ويأكل معهم.» كم يكون ذلك دون منزلتهم! فالفريسيون والكتبة يعاملون عامة الشعب كالقذر تحت اقدامهم. وفي الواقع، يستعملون التعبير العبراني «أم هاأريتس،» «شعب الارض،» ليُظهروا الازدراء الذي لديهم بمثل هؤلاء.
ومن ناحية اخرى، يعامل يسوع كل شخص بكرامة ولطف وحنوّ. ونتيجة لذلك فان كثيرين من هؤلاء المتضعين، بمن فيهم اشخاص مشهورون بممارسة الاثم، يشتاقون الى الاصغاء اليه. ولكن ماذا عن نقد الفريسيين يسوع لاستهلاكه الجهود لمصلحة اولئك الذين يعتبرونهم غير مستحقين؟
يجيب يسوع عن اعتراضهم باستعمال مثل. فيتكلم من وجهة نظر الفريسيين انفسهم كما لو انهم ابرار وأنهم آمنون في حظيرة اللّٰه، فيما المحتقَرون «أم هاأريتس» قد ضلّوا وهم في حالة ضياع. أصغوا وهو يسأل:
«ايّ انسان منكم له مئة خروف واضاع واحدا منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لاجل الضال حتى يجده. واذا وجده يضعه على منكبيه فرِحا. ويأتي الى بيته ويدعو الاصدقاء والجيران قائلا لهم افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال.»
ثم يصنع يسوع تطبيقا لقصته، موضحا: «اقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة.»
يعتبر الفريسيون انفسهم ابرارا وبالتالي لا يحتاجون الى توبة. وعندما نقد بعضهم يسوع قبل بضع سنين لأكله مع العشارين والخطاة قال لهم: «لم آتِ لأدعو ابرارا بل خطاة الى التوبة.» فالفريسيون ذوو البر الذاتي، الذين يفشلون في رؤية حاجتهم الى التوبة، لا يجلبون ايّ فرح للسماء. ولكنّ الخطاة التائبين باخلاص يفعلون ذلك.
ولمضاعفة التشديد على النقطة بأن ردّ الخطاة الضالين انما هو سبب لفرح عظيم يسرد يسوع مثلا آخر. يقول: «اية امرأة لها عشرة دراهم ان اضاعت درهما واحدا ألا توقد سراجا وتكنس البيت وتفتش باجتهاد حتى تجده. واذا وجدته تدعو الصديقات والجارات قائلة افرحن معي لأني وجدت الدرهم الذي اضعته.»
ثم يعطي يسوع تطبيقا مماثلا. يمضي قائلا: «هكذا اقول لكم يكون فرح قدام ملائكة اللّٰه بخاطئ واحد يتوب.»
كم يكون جديرا بالملاحظة هذا الاهتمام الحبي لملائكة اللّٰه بردّ الخطاة الضالين! ويصحّ ذلك بصورة خاصة لان هؤلاء الـ «أم هاأريتس» المتضعين والمحتقَرين ذات مرة يتأهلون اخيرا للعضوية في ملكوت اللّٰه السماوي. ونتيجة لذلك، ينالون مركزا في السماء اعلى من ذاك الذي للملائكة انفسهم! ولكن بدلا من ان يشعروا بالحسد او الاهانة يقدِّر الملائكة بتواضع ان هؤلاء البشر الخطاة قد واجهوا وتغلبوا على اوضاع في الحياة تُعدُّهم ليخدموا كملوك وكهنة سماويين شفوقين ورحماء. لوقا ١٥:١-١٠؛ متى ٩:١٣؛ ١ كورنثوس ٦:٢، ٣؛ رؤيا ٢٠:٦.
▪ لماذا يخالط يسوع خطاة معروفين، واي نقد يثيره من الفريسيين؟
▪ كيف ينظر الفريسيون الى عامة الشعب؟
▪ ايّ مثلين يستعملهما يسوع، وماذا يمكننا ان نتعلم منهما؟
▪ لماذا فرح الملائكة جدير بالملاحظة؟
-
-
قصة ابن ضالاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٦
قصة ابن ضال
اذ انهى منذ لحظات سرد مثلين للفريسيين عن استرداد خروف ضائع ودرهم ضائع، يتابع يسوع الآن بمثل آخر. وهذا المثل هو عن اب محب ومعاملته لابنيه، اللذين ارتكب كل منهما اخطاء خطيرة.
اولا، هنالك الابن الاصغر، الشخصية الرئيسية في المثل. فهو يجمع ميراثه الذي اعطاه اياه ابوه بلا تردد. ثم يغادر البيت ويتورط في طريقة حياة فاسدة ادبيا جدا. ولكن أصغوا فيما يخبر يسوع القصة، وافحصوا اذا كنتم تستطيعون معرفة الشخصيات المقصود تمثيلها.
«انسان،» يبدأ يسوع، «كان له ابنان. فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم الذي يصيبني من المال. فقسم [الاب] لهما معيشته.» فماذا يفعل هذا الابن الاصغر بما يتسلَّمه؟
يوضح يسوع، «وبعد ايام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذَّر ماله بعيش مُسرف.» وفي الواقع، انه ينفق ماله بالعيش مع العاهرات. وفي ما بعد تأتي ايام قاسية، كما يمضي يسوع ساردا:
«فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج. فمضى والتصق بواحد من اهل تلك الكورة فأرسله الى حقوله ليرعى خنازير. وكان يشتهي ان يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. فلم يعطه احد.»
كم يكون مخزيا ان يصير مُجبَرا على قبول تربية الخنازير، اذ ان هذه الحيوانات كانت نجسة بحسب الشريعة! ولكنّ ما آلم الابن الى ابعد حد هو الجوع المزعج الذي جعله ايضا يشتهي الطعام الذي تأكله الخنازير. وبسبب مصيبته الرهيبة، قال يسوع، «رجع الى نفسه.»
واذ يتابع قصته، يوضح يسوع: «وقال [لنفسه] كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا. اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطأت الى السماء وقدامك. ولست مستحقا بعد ان أُدعى لك ابنا. اجعلني كأحد أجراك. فقام وجاء الى ابيه.»
هنا شيء للتأمل فيه: لو كان ابوه قد هاجمه وصاح عليه بغضب عندما غادر البيت لما صار الابن على الارجح شديد العزم الى هذا الحد على ما يجب ان يفعله. وكان يمكن ان يقرر ان يعود ويحاول ايجاد عمل في مكان آخر في كورته لكي لا يكون مضطرا ان يواجه اباه. ولكن لم تخطر بباله فكرة كهذه. فالبيت هو المكان الذي اراد ان يكون فيه!
من الواضح ان الاب في مثل يسوع يمثِّل ابانا السماوي المحب والرحيم، يهوه اللّٰه. وربما تدركون ايضا ان الابن الضائع، او الضال، يمثِّل الخطاة المعروفين. فالفريسيون، الذين يكلمهم يسوع، قد سبقوا ونقدوا يسوع لانه كان يأكل مع هؤلاء الافراد انفسهم. ولكن مَن يمثِّل الابن الاكبر؟
عندما يوجد الابن الضال
عندما يعود الابن الضائع، او الضال، في مثل يسوع الى بيت ابيه، ايّ استقبال يلقاه؟ أصغوا فيما يصف يسوع ذلك:
«واذ كان لم يزل بعيدا رآه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبَّله.» فيا له من اب رحيم عطوف، يمثِّل الى حدٍّ بعيد ابانا السماوي، يهوه!
من المحتمل ان يكون الاب قد سمع عن عيش ابنه الخليع. ومع ذلك يرحِّب به في بيته دون ان ينتظر تفسيرا مفصَّلا. ويسوع ايضا يملك روح ترحيب كهذه، آخذا المبادرة في الاقتراب الى الخطاة وجباة الضرائب، الممثَّلين في المثل بالابن الضال.
صحيح ان الاب الفطن في مثل يسوع يملك دون شك فكرة عن توبة ابنه بملاحظة ملامحه المكتئبة الحزينة لدى رجوعه. إلا ان مبادرة الاب الحبية تسهِّل على الابن الاعتراف بخطاياه، كما يروي يسوع: «فقال له الابن يا ابي أخطأتُ الى السماء وقدامك ولستُ مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. (اجعلني كأحد أَجراك).»
ولكن لا تكاد الكلمات تخرج من فم الابن حتى يشرع ابوه في العمل، آمرا عبيده: «أَخرجوا الحلَّة الاولى وأَلبسوه واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه. وقدِّموا العجل المسمَّن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجد.» عندئذ «ابتدأوا يفرحون.»
وفي هذه الاثناء كان الابن الاكبر للأب «في الحقل.» انظروا اذا كنتم تستطيعون ان تثبتوا هوية مَن يمثّله باصغائكم الى باقي القصة. يقول يسوع عن الابن الاكبر: «فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقصا. فدعا واحدا من الغلمان وسأله ما عسى ان يكون هذا. فقال له. اخوك جاء فذبح ابوك العجل المسمَّن لانه قبِله سالما. فغضب ولم يُرد ان يدخل. فخرج ابوه يطلب اليه. فأجاب وقال لابيه ها انا اخدمك سنين هذا عددها وقط لم اتجاوز وصيتك وجَدْيا لم تعطني قط لافرح مع اصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي اكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمَّن.»
فمن كان، كالابن الاكبر، انتقاديا للرحمة والاهتمام الممنوحين للخطاة؟ أليس الكتبة والفريسيون؟ وبما ان نقدهم ليسوع بسبب ترحيبه بالخطاة هو الذي حضَّ على تقديم هذا المثل فلا بدّ ان يكونوا بشكل واضح الاشخاص الممثَّلين بالابن الاكبر.
ويختتم يسوع قصته بمناشدة الاب ابنه الاكبر: «يا بُنَيَّ انت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك. ولكن كان ينبغي ان نفرح ونُسَرَّ لانّ اخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد.»
وهكذا يترك يسوع ما يفعله الابن الاكبر في النهاية دون حلّ. وفي الواقع، في وقت لاحق، بعد موت يسوع وقيامته، كان «جمهور كثير من الكهنة يطيعون الايمان،» بمن فيهم على الارجح بعض اولئك الذين هم من صف ‹الابن الاكبر› الذين يخاطبهم يسوع هنا.
ولكن مَن يمثِّل الابنان في الازمنة العصرية؟ لا بدّ ان يكونوا اولئك الذين اتوا الى معرفة ما فيه الكفاية عن مقاصد يهوه ليكون لديهم اساس لدخولهم في علاقة معه. فالابن الاكبر يمثِّل بعض اعضاء «القطيع الصغير،» او «(جماعة) ابكار مكتوبين في السموات.» وقد تبنّى هؤلاء موقفا مماثلا لذاك الذي للابن الاكبر. فلم تكن لديهم رغبة في الترحيب بصف ارضي، ‹الخراف الاخر،› الذين شعروا بأنهم كانوا يسلبون الاضواء.
والابن الضال، من الناحية الاخرى، يمثِّل اولئك الاشخاص من شعب اللّٰه الذين يتركون ليتمتعوا بالملذات التي يقدِّمها العالم. ولكن، على مرّ الوقت، يرجع هؤلاء تائبين ويصيرون ثانية خداما نشاطى للّٰه. حقا، كم يكون الآب محبّا ورحيما تجاه اولئك الذين يعترفون بحاجتهم الى الغفران ويرجعون اليه! لوقا ١٥:١١-٣٢؛ لاويين ١١:٧، ٨؛ اعمال ٦:٧؛ لوقا ١٢:٣٢؛ عبرانيين ١٢:٢٣؛ يوحنا ١٠:١٦.
▪ لمن يقول يسوع هذا المثل، او القصة، ولماذا؟
▪ من هو الشخصية الرئيسية في القصة، وماذا يحدث له؟
▪ من في ايام يسوع يمثِّل الاب والابن الاصغر؟
▪ كيف يقتدي يسوع بمثال الاب الشفوق في مثله؟
▪ ما هي نظرة الابن الاكبر الى الترحيب بأخيه، وكيف يتصرَّف الفريسيون كالابن الاكبر؟
▪ ايّ انطباق هنالك لمثل يسوع في ايامنا؟
-
-
استعدوا للمستقبل بحكمة عمليةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٧
استعدوا للمستقبل بحكمة عملية
لقد انتهى يسوع قبل قليل من الاخبار بقصة الابن الضال للجمع الذي يضم تلاميذه، العشارين غير المستقيمين والخطاة الآخرين المعروفين، والكتبة والفريسيين. والآن اذ يخاطب تلاميذه يروي مثلا عن انسان غني بلغه خبر غير مؤات عن مدبِّر بيته، او وكيله.
وبحسب قول يسوع، يدعو الانسان الغني وكيله ويخبره بأنه سيصرفه. «ماذا افعل. لان سيدي يأخذ مني الوكالة،» يتساءل الوكيل. «لست استطيع ان أنقب وأستحي ان أستعطي. قد علمتُ ماذا افعل حتى اذا عُزلتُ عن الوكالة يقبلوني في بيوتهم.»
فما هي خطة الوكيل؟ يدعو اولئك المديونين لسيده. «كم عليك،» يسأل.
يجيب الاول، ‹٥٨٠ غالون زيت.›
‹خذ صكك واجلس عاجلا واكتب ٢٩٠،› يقول له.
ويسأل شخصا آخر: «وانت كم عليك.»
يقول، ‹٦٣٠ بوشل قمح.›
‹خذ صكك واكتب ٥٠٤.›
ان الوكيل يحق له ان يقلِّل فواتير الدين لسيده، لانه لا يزال مسؤولا عن شؤون سيده المالية. وبتقليل المقادير يصنع اصدقاء مع اولئك الذين يمكن ان يبادلوه بالمعروف عندما يخسر عمله.
وعندما يسمع السيد بما حدث يتأثر. وفي الواقع، «مدح . . . وكيلَ الظلم اذ بحكمة (عملية) فعل.» حقا، يضيف يسوع: «ابناء هذا الدهر أحكم (بطريقة عملية) من ابناء النور في جيلهم.»
والآن، اذ يستخلص العبرة لتلاميذه، يشجع يسوع: «اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى اذا (فني مثل هذا) يقبلونكم في المظال الابدية.»
لا يمدح يسوع الوكيل على ظلمه بل على بُعد نظره، حكمته العملية. وكثيرا ما يستعمل «ابناء هذا الدهر» بدهاء مالهم او مركزهم لصنع اصدقاء مع اولئك الذين يمكن ان يبادلوهم بالمعروف. ولذلك فان خدام اللّٰه، «ابناء النور،» يحتاجون ايضا الى استعمال مقتنياتهم المادية، «مال الظلم» الذي لهم، بطريقة حكيمة لينتفعوا.
ولكن كما يقول يسوع يجب ان يصنعوا اصدقاء بهذا المال مع اولئك الذين يمكن ان يقبلوهم «في المظال الابدية.» فبالنسبة الى اعضاء القطيع الصغير، هذه المظال هي في السماء؛ وبالنسبة الى ‹الخراف الاخر،› هي في الارض الفردوسية. وبما ان يهوه اللّٰه وابنه فقط يستطيعان قبول الاشخاص في هذه المظال، يجب ان نجتهد في تنمية الصداقة معهما باستعمال ايّ ‹مال ظلم› قد نملكه في دعم مصالح الملكوت. وبعدئذ، عندما يفنى المال المادي او يبيد، كما سيحدث حتما، يكون مستقبلنا الابدي مضمونا.
يمضي يسوع قائلا ان الاشخاص الامناء في الاعتناء حتى بهذه الاشياء المادية، او القليلة، سيكونون امناء ايضا في الاعتناء بالامور ذات الاهمية الاعظم. ويتابع: «فإن لم تكونوا امناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق [اي المصالح الروحية او مصالح الملكوت]. وان لم تكونوا امناء في ما هو للغير [مصالح الملكوت التي ائتمن اللّٰه خدامه عليها] فمن يعطيكم ما هو لكم [مكافأة الحياة في المظال الابدية].»
ونحن لا نقدر ان نكون خداما حقيقيين للّٰه وفي الوقت عينه عبيدا لمال الظلم، الغنى المادي، كما يختتم يسوع: «لا يقدر خادم ان يخدم سيدين. لانه إما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون ان تخدموا اللّٰه والمال.» لوقا ١٥:١، ٢؛ ١٦:١-١٣؛ يوحنا ١٠:١٦.
▪ كيف يصنع الوكيل في مثل يسوع اصدقاء مع اولئك الذين يمكن ان يساعدوه في ما بعد؟
▪ ما هو «مال الظلم،» وكيف يمكننا ان نصنع اصدقاء به؟
▪ من يستطيع ان يقبلنا «في المظال الابدية،» وأية اماكن هي هذه؟
-
-
الانسان الغني ولعازراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٨
الانسان الغني ولعازر
كان يسوع يكلِّم تلاميذه عن الاستعمال اللائق للغنى المادي، موضحًا اننا لا نستطيع ان نكون عبيدا لهذا الغنى وفي الوقت نفسه عبيدا للّٰه. والفريسيون كانوا يسمعون ايضا، فبدأوا يستهزئون بيسوع لأنهم محبون للمال. لذلك قال لهم: «انتم الذين تبرِّرون انفسكم قدام الناس. ولكنّ اللّٰه يعرف قلوبكم. إن المستعلي عند الناس هو رجس قدام اللّٰه.»
لقد حان الوقت لكي تنعكس احوال الناس الذين هم اغنياء في الخيرات العالمية، السلطة السياسية، والسيطرة والنفوذ الدينيين. فسيُذلّون. أما الناس الذين يشعرون بحاجتهم الروحية فسيُرفعون. ويشير يسوع الى تغيير كهذا عندما يمضي قائلا للفريسيين:
«كان الناموس والانبياء الى يوحنا [المعمدان]. ومن ذلك الوقت يُبشَّر بملكوت اللّٰه وكل واحد يغتصب نفسه اليه. ولكنّ زوال السماء والارض أيسر من ان تسقط نقطة واحدة من الناموس.»
يفتخر الكتبة والفريسيون بالتصاقهم المتصنِّع بناموس موسى. تذكَّروا انه عندما منح يسوع بأعجوبة البصر لاحد الرجال في اورشليم تباهوا: «إننا تلاميذ موسى. نحن نعلم أنّ موسى كلَّمه اللّٰه.» أما الآن فقد تمَّم ناموسُ موسى قصدَه المطلوب لقيادة المتواضعين الى مَلك اللّٰه المعيَّن، يسوع المسيح. لذلك مع بداية خدمة يوحنا ابتدأ كل انواع الاشخاص، وخصوصًا المتواضعين والفقراء، ببذل انفسهم لكي يصبحوا من رعايا ملكوت اللّٰه.
وبما ان الناموس الموسوي قد تمّ الآن فان التزام حفظه سيُرفع. فالناموس يسمح بالطلاق لاسباب مختلفة، ولكنّ يسوع يقول الآن: «كل من يطلق امرأته ويتزوج بأخرى يزني. وكل من يتزوج بمطلَّقة من رجل يزني.» كم تُسخط تصريحات كهذه الفريسيين، وخصوصًا لأنهم يسمحون بالطلاق لأسباب عديدة!
واذ يتابع ملاحظاته للفريسيين، يروي يسوع مَثلا يُبرز انسانين يتغيَّر فجأة وضعهما، او حالتهما، في آخر الأمر. فهل يمكنكم ان تعرفوا من يجري تمثيلهم بالانسانين وما يعنيه الانقلاب في حالتيهما؟
«كان انسان غني،» يوضح يسوع، «وكان يلبس الارجوان والبَز وهو يتنعَّم كل يوم مترفِّها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طُرح عند بابه مضروبا بالقروح. ويشتهي ان يشبع من الفُتات الساقط من مائدة الغني. بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه.»
يستعمل يسوع هنا الانسان الغني ليمثِّل القادة الدينيين اليهود، بمن فيهم ليس فقط الفريسيون والكتبة بل الصدوقيون ورؤساء الكهنة ايضا. انهم اغنياء في الامتيازات والفرص الروحية، ويتصرَّفون كما تصرَّف الانسان الغني. وملابسهم الارجوانية الملكية تمثِّل مركزهم المتميِّز، والبَز الابيض يصوِّر بِرَّهم الذاتي.
ان صف الانسان الغني المتفاخر هذا ينظر الى عامة الشعب باحتقار تام، داعيًا اياهم «أم هاأريتس،» او شعب الأرض. وهكذا يمثِّل المسكين لعازر اولئك الناس الذين يحرمهم القادة الدينيون الغذاء الروحي والامتيازات اللائقة. لذلك، كلعازر المغطى بالقروح، يُنظر الى عامة الشعب بازدراء كمرضى روحيا ويصلحون لمجرد معاشرة الكلاب. ومع ذلك فان الافراد من صف لعازر يجوعون ويعطشون الى الغذاء الروحي ولذلك هم امام الباب، يلتمسون الحصول على الكِسرات الضئيلة من الطعام الروحي، التي قد تسقط من مائدة الانسان الغني.
يمضي يسوع الآن واصفا تغييرات في حالة الانسان الغني ولعازر. فما هي هذه التغييرات، وماذا تمثِّل؟
الانسان الغني ولعازر يختبران تغييرا
يمثِّل الانسان الغني القادة الدينيين الممنوحين امتيازات وفرصا روحية، ويصوِّر لعازر عامة الناس الذين يجوعون الى الغذاء الروحي. ويتابع يسوع قصته، واصفا تغييرا مفاجئا في ظروف الانسانين.
يقول يسوع: «فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابرهيم. ومات الغني ايضا ودُفن. فرفع عينيه في (آذس) وهو في العذاب ورأى ابرهيم من بعيد ولعازر في حضنه.»
بما ان الانسان الغني ولعازر ليسا شخصين حرفيين ولكنهما يرمزان الى صفين من الناس، فمن المنطقي ان يكون موتهما ايضا رمزيا. فالى ماذا يرمز، او ماذا يمثِّل، موتهما؟
انتهى يسوع الآن من الاشارة الى تغيير في الظروف بالقول انه ‹كان الناموس والانبياء الى يوحنا. ولكن من ذلك الوقت يُبشَّر بملكوت اللّٰه.› ولذلك، بكرازة يوحنا ويسوع المسيح يكون ان الانسان الغني ولعازر يموتان كلاهما بالنسبة الى ظروفهما السابقة، او حالتيهما.
فاولئك الذين هم من صف لعازر التائبين المتواضعين يموتون بالنسبة الى حالتهم السابقة للحرمان روحيا ويأتون الى موقف الرضى الالهي. وبينما تطلعوا سابقا الى القادة الدينيين لاجل القليل الذي يسقط من مائدتهم الروحية فان حقائق الاسفار المقدسة التي ينقلها يسوع تسدّ الآن حاجاتهم. وهكذا يؤتى بهم الى حضن، او موقف رضى، ابرهيم الاعظم، يهوه اللّٰه.
ومن ناحية اخرى، فان اولئك الذين يؤلفون صف الانسان الغني يقعون تحت السخط الالهي بسبب رفضهم باصرار قبول رسالة الملكوت التي علَّمها يسوع. وبذلك يموتون بالنسبة الى موقف الرضى الظاهري السابق. وفي الواقع، يجري التكلم عنهم وكأنهم في عذاب مجازي. أصغوا الآن فيما يتكلم الانسان الغني:
«يا أبي ابرهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبلَّ طرف اصبعه بماء ويبرِّد لساني لاني معذَّب في هذا اللهيب.» ورسائل دينونة اللّٰه النارية التي ينادي بها تلاميذ يسوع هي ما يعذِّب الافراد من صف الانسان الغني. فهم يريدون ان يتوقف التلاميذ عن اعلان هذه الرسائل، مزوِّدينهم بالتالي مقدارا من الراحة من عذابهم.
«فقال ابرهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذَّب. وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت حتى إن الذين يريدون العبور من هٰهنا اليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون الينا.»
فكم يكون عادلا وملائما ان يحصل هذا الانقلاب المفاجئ بين صف لعازر وصف الانسان الغني! والتغيير في الحالتين يجري بعد اشهر قليلة في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم حين يُستبدل عهد الناموس القديم بالعهد الجديد. وعندئذ يصبح واضحا بشكل لا يقبل الخطأ ان التلاميذ، لا الفريسيين والقادة الدينيين الآخرين، مرضيون عند اللّٰه. لذلك فان ‹الهوَّة العظيمة› التي تفصل الانسان الغني عن تلاميذ يسوع تُمثِّل دينونة اللّٰه البارة التي لا تتغير.
ثم يطلب الانسان الغني من ‹أبيه ابرهيم›: ‹ارسل [لعازر] الى بيت أبي. لانّ لي خمسة اخوة.› وهكذا يعترف الانسان الغني بأن لديه علاقة اوثق بأب آخر، الذي هو في الواقع الشيطان ابليس. ويطلب الانسان الغني ان يُلطِّف لعازر رسائل دينونة اللّٰه لكي لا يوضع ‹اخوته الخمسة،› حلفاؤه الدينيون، في «موضع العذاب هذا.»
«قال له ابرهيم عندهم موسى والانبياء. ليسمعوا منهم.» نعم، اذا كان ‹الاخوة الخمسة› سينجون من العذاب فان كل ما يجب ان يفعلوه هو ان ينتبهوا الى كتابات موسى والانبياء التي تُثبت هوية يسوع بصفته المسيّا ثم ان يصبحوا تلاميذه. ولكنّ الانسان الغني يعترض: «لا يا ابي ابرهيم. بل اذا مضى اليهم واحد من الاموات يتوبون.»
ولكن يقال له: «ان كانوا لا يسمعون من موسى والانبياء ولا ان قام واحد من الاموات يصدِّقون.» فاللّٰه لن يزوِّد علامات او عجائب خصوصية ليُقنع الناس. فيجب ان يقرأوا ويطبِّقوا الاسفار المقدسة اذا كانوا سينالون رضاه. لوقا ١٦:١٤-٣١؛ يوحنا ٩:٢٨، ٢٩؛ متى ١٩:٣-٩؛ غلاطية ٣:٢٤؛ كولوسي ٢:١٤؛ يوحنا ٨:٤٤.
▪ لماذا يجب ان يكون موت الانسان الغني ولعازر رمزيا، وماذا يرمز اليه موتهما؟
▪ مع بداية خدمة يوحنا، اي تغيير يدل يسوع على حدوثه؟
▪ ماذا يُرفع بعد موت يسوع، وكيف يؤثر ذلك في مسألة الطلاق؟
▪ في مثل يسوع، مَن هم الممثَّلون بالانسان الغني وبلعازر؟
▪ ما هو العذاب الذي يقاسيه الانسان الغني، وبأية وسيلة يطلب ان يتحرر منه؟
▪ ماذا تمثِّل ‹الهوَّة العظيمة›؟
▪ من هو الاب الحقيقي للانسان الغني، ومن هم اخوته الخمسة؟
-
-
مهمة رحمة في اليهوديةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٨٩
مهمة رحمة في اليهودية
قبل بضعة اسابيع، خلال عيد التجديد في اورشليم، حاول اليهود قتل يسوع. فسافر شمالا، وعلى ما يظهر الى منطقة ليست بعيدة عن بحر الجليل.
ومؤخرا، كان من جديد متجها جنوبا نحو اورشليم، كارزا على طول الطريق في قرى بيريا، مقاطعة في شرقي نهر الاردن. وبعد قول المثل عن الانسان الغني ولعازر يتابع تعليم تلاميذه الامور التي علَّمها في وقت ابكر حين كان في الجليل.
مثلا، يقول انه خير للشخص «لو طُوِّق عنقه بحجر رحى وطُرح في البحر» من ان يُعثر احد «صغار» اللّٰه. ويشدد ايضا على الحاجة الى الغفران، موضحا: «إن اخطأ اليك [أخ] سبع مرات في اليوم ورجع اليك سبع مرات في اليوم قائلا انا تائب فاغفر له.»
وعندما يطلب التلاميذ «زد ايماننا» يجيب يسوع: «لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجُمَّيزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم.» فحتى الايمان القليل يمكن ان ينجز امورا عظيمة.
ثم يتكلم يسوع عن حالة من واقع الحياة توضح الموقف اللائق لخادم الاله الكلي القدرة. «ومَن منكم له عبد يحرث او يرعى،» يذكر يسوع، «يقول له اذا دخل من الحقل تقدَّم سريعا واتكئ. بل ألا يقول له أعدد ما أتعشى به وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب انت. فهل لذلك العبد فضل لانه فعل ما أُمر به. لا اظن. كذلك انتم ايضا متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا إننا عبيد بطَّالون. لاننا انما عملنا ما كان يجب علينا.» وهكذا، لا يجب ابدا ان يشعر خدام اللّٰه بأنهم يصنعون معروفا مع اللّٰه بخدمتهم اياه. وبالاحرى، يجب عليهم ان يتذكروا دائما امتياز عبادته الذي لديهم كأعضاء موثوق بهم في بيته.
ويَظهر انه بعد ان يعطي يسوع هذا الايضاح بوقت قصير يصل رسول. وكان مرسَلا من مريم ومرثا اختَي لعازر، الذي يسكن في بيت عنيا في اليهودية. «يا سيد هوذا الذي تحبه مريض،» يقول الرسول.
فيجيب يسوع: «هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد اللّٰه ليتمجد ابن اللّٰه به.» وبعد ان يمكث حيث هو يومين يقول يسوع لتلاميذه: «لنذهب الى اليهودية ايضا.» ولكنهم يذكِّرونه: «يا معلم الآن كان اليهود يطلبون ان يرجموك وتذهب ايضا الى هناك.»
«أليست ساعات النهار اثنتي عشرة،» يسأل يسوع اجابة عن ذلك. «إن كان احد يمشي في النهار لا يعثر لانه ينظر نور هذا العالم. ولكن إن كان احد يمشي في الليل يعثر لان النور ليس فيه.»
وما يعنيه يسوع كما يظهر هو ان «ساعات النهار،» او الوقت الذي خصصه اللّٰه لخدمة يسوع الارضية، لم تنقضِ بعد، والى ان تنقضي لا يستطيع احد ان يصيبه بأذى. فيلزم ان يستخدم كاملا وقت «النهار» القصير الباقي له، لانه بعد ذلك يأتي «الليل» حين يقتله اعداؤه.
ويضيف يسوع: «لعازر حبيبنا قد نام. لكني اذهب لاوقظه.»
واذ يعتقدون على ما يظهر أن لعازر راقد وأن ذلك علامة اكيدة انه سيُشفى، يجيب التلاميذ: «يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى.»
حينئذ يقول لهم يسوع علانية: «لعازر مات. وأنا افرح لاجلكم إني لم اكن هناك لتؤمنوا. ولكن لنذهب اليه.»
واذ يدرك ان يسوع يمكن ان يُقتل في اليهودية، وأيضا اذ يرغب في تأييده، يشجع توما رفقاءه التلاميذ: «لنذهب نحن ايضا لكي نموت معه.» وهكذا اذ يخاطرون بحياتهم يرافق التلاميذ يسوع في مهمة الرحمة هذه في اليهودية. لوقا ١٣:٢٢؛ ١٧:١-١٠؛ يوحنا ١٠:٢٢، ٣١، ٤٠-٤٢؛ ١١:١-١٦.
▪ اين كان يسوع يكرز مؤخرا؟
▪ اية تعاليم يكررها يسوع، وأية حالة من واقع الحياة يصفها لكي يوضح اية نقطة؟
▪ اي خبر يتسلَّمه يسوع، وماذا يعني ‹بالنهار› و «الليل»؟
▪ ماذا يعني توما عندما يقول، ‹لنذهب لكي نموت معه›؟
-
-
رجاء القيامةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٠
رجاء القيامة
يصل يسوع اخيرا الى ضواحي بيت عنيا، قرية تبعد حوالي ميلين عن اورشليم. وقد مضى مجرد بضعة ايام منذ موت لعازر ودفنه. وأختاه مريم ومرثا لا تزالان تنوحان، وكثيرون قد جاءوا الى بيتهما ليعزّوهما.
وبينما هما تنوحان يُعلم شخص مرثا ان يسوع آتٍ. فتغادر وتسرع للقائه، وكما يظهر بدون ان تخبر اختها. واذ تأتي الى يسوع تكرِّر مرثا ما لا بدّ انها هي وأختها قد قالتاه مرات عديدة خلال الاربعة الايام الماضية: «لو كنت ههنا لم يمت اخي.»
ولكنّ مرثا تعبِّر عن الرجاء، ملمِّحة الى ان يسوع قد يفعل شيئا على الرغم من ذلك لاخيها. «أعلم أن كل ما تطلب من اللّٰه يعطيك اللّٰه إياه،» قالت.
«سيقوم اخوك،» يعد يسوع.
تفهم مرثا ان يسوع يتكلم عن قيامة ارضية مقبلة، قيامة انتظرها ايضا ابرهيم وخدام اللّٰه الآخرون. لذلك تجيب: «انا اعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الاخير.»
ولكنّ يسوع، يعطي رجاء لراحة حالية، مجيبا: «انا هو القيامة والحياة.» ويذكِّر مرثا ان اللّٰه قد اعطاه سلطانا على الموت، قائلا: «من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت الى الابد.»
لا يوحي يسوع الى مرثا بأن الامناء الاحياء آنذاك لن يموتوا ابدا. كلا، ولكنّ النقطة التي يثبتها هي ان ممارسة الايمان به يمكن ان تقود الى الحياة الأبدية. وحياة كهذه سيتمتع بها معظم الناس نتيجة قيامتهم في اليوم الاخير. ولكنّ الآخرين الذين يكونون امناء سينجون من نهاية نظام الاشياء على الارض، وبالنسبة الى هؤلاء ستتحقق كلمات يسوع حرفيا. فلن يموتوا ابدا! وبعد هذه العبارة الشهيرة يسأل يسوع مرثا، «أتؤمنين بهذا.»
«نعم يا سيد،» تجيب. «انا قد آمنت أنك انت المسيح ابن اللّٰه الآتي الى العالم.»
ثم تسرع مرثا عائدة لتدعو اختها، مخبرة اياها على انفراد: «المعلم قد حضر وهو يدعوك.» وفورا تترك مريم البيت. وعندما يراها الآخرون تذهب يتبعونها، معتقدين انها ذاهبة الى القبر التذكاري.
واذ تأتي الى يسوع، تخرّ عند رجليه باكية. «يا سيد لو كنت ههنا لم يمت اخي،» تقول. فيتأثر يسوع بشدة عندما يرى ان مريم وجموع الناس الذين يتبعونها يبكون. «اين وضعتموه،» يسأل.
«يا سيد تعال وانظر،» يجيبون.
يبكي يسوع ايضا، مما يجعل اليهود يقولون: «انظروا كيف كان يحبه.»
ويتذكر البعض ان يسوع، في وقت عيد المظال قبل بضعة اشهر، كان قد شفى شابا وُلد اعمى، فيسألون: «ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الاعمى ان يجعل هذا ايضا لا يموت.» يوحنا ٥:٢١؛ ٦:٤٠؛ ٩:١-٧؛ ١١:١٧-٣٧.
▪ متى يصل يسوع اخيرا الى قرب بيت عنيا، وماذا تكون الحالة هناك؟
▪ ما هو الاساس الذي تملكه مرثا للايمان بالقيامة؟
▪ كيف يتأثر يسوع بموت لعازر؟
-
-
عند اقامة لعازراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩١
عند اقامة لعازر
يسوع، مع اولئك المرافقين له، يصلون الآن الى قبر لعازر التذكاري. وفي الواقع، انه مغارة بحجر موضوع على المدخل. «ارفعوا الحجر،» يقول يسوع.
تعترض مرثا، غير فاهمة بعدُ ما ينوي يسوع فعله. «يا سيد،» تقول، «قد أنتن لأن له اربعة ايام.»
ولكنّ يسوع يسأل: «ألم اقل لكِ إن آمنتِ ترين مجد اللّٰه.»
وهكذا تجري ازاحة الحجر. ثم يرفع يسوع عينيه ويصلّي: «ايها الآب اشكرك لانك سمعت لي. وانا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت. ليؤمنوا انك ارسلتني.» يصلّي يسوع علانية لكي يعرف الناس ان ما يوشك ان يفعله سيتم بواسطة قوة نالها من اللّٰه. ثم يصرخ بصوت عال: «لعازر هلمّ خارجا.»
عندئذ يخرج لعازر. ويداه ورجلاه مربوطات بعدُ بأقمطة الدفن، ووجهه مغطى بمنديل. «حُلّوه ودعوه يذهب،» يقول يسوع.
عند رؤية الاعجوبة يؤمن بيسوع كثيرون من اليهود الذين كانوا قد اتوا لتعزية مريم ومرثا. إلا ان آخرين يذهبون ليخبروا الفريسيين بما حدث. وفورا يرتبون هم والكهنة الرئيسيون من اجل اجتماع المحكمة اليهودية العليا، السنهدريم.
يشمل السنهدريم رئيس الكهنة الحالي، قيافا، اضافة الى فريسيين وصدوقيين، كهنة رئيسيين، ورؤساء كهنة سابقين. يرثي هؤلاء: «ماذا نصنع فان هذا الانسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا.»
رغم أن القادة الدينيين يعترفون بأن يسوع «يعمل آيات كثيرة،» فالشيء الوحيد الذي يقلقون بشأنه هو مركزهم وسلطتهم. وإقامة لعازر إنما هي ضربة للصدوقيين قوية على نحو خصوصي، لأنهم لا يؤمنون بالقيامة.
وقيافا، الذي ربما هو صدوقي، يتكلم الآن قائلا: «أنتم لستم تعرفون شيئا. ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت انسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها.»
واللّٰه جعل قيافا يقول ذلك، لان الرسول يوحنا كتب لاحقا: «لم يقل [قيافا] هذا من نفسه.» فما عناه قيافا فعلا هو ان يسوع يجب أن يُقتل لمنعه من إضعاف مراكز سلطتهم ونفوذهم الى حدّ أبعد. ومع ذلك، بحسب يوحنا، ‹تنبأ قيافا ان يسوع مزمع ان يموت ليس عن الأمة فقط بل ليجتمع ابناء اللّٰه معا.› وفعلا، ان قصد اللّٰه هو ان يموت ابنه فدية عن الجميع.
ينجح قيافا الآن في التأثير في السنهدريم لصنع خطط لقتل يسوع. ولكنّ يسوع، اذ يَعلم على الارجح بهذه الخطط من نيقوديموس، عضو في السنهدريم محب له، يمضي من هناك. يوحنا ١١:٣٨-٥٤.
▪ لماذا يصلّي يسوع علانية قبل اقامة لعازر؟
▪ كيف يتجاوب اولئك الذين رأوا هذه القيامة معها؟
▪ ماذا يكشف عن شر اعضاء السنهدريم؟
▪ ماذا كانت نية قيافا، ولكنّ اللّٰه استخدمه ليتنبأ عن ايّ شيء؟
-
-
عشرة بُرص يشفون خلال رحلة يسوع الاخيرة الى اورشليماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٢
عشرة بُرص يشفون خلال رحلة يسوع الاخيرة الى اورشليم
يحبط يسوع جهود السنهدريم لقتله بمغادرته اورشليم والسفر الى مدينة افرايم، ربما على بعد ١٥ ميلا (٢٤ كلم) فقط او نحو ذلك شمال شرقي اورشليم. وهناك يمكث مع تلاميذه بعيدا عن اعدائه.
ولكنّ الوقت لفصح السنة ٣٣ بم يقترب، وسرعان ما يصير يسوع في حالة تنقل من جديد. فيجتاز السامرة ويصعد الى الجليل. هذه هي زيارته الاخيرة لهذه المنطقة قبل موته. وبينما هم في الجليل ينضم على الارجح هو وتلاميذه الى آخرين من الذين هم في طريقهم الى اورشليم للاحتفال بالفصح. فيسلكون الطريق عبر كورة بيريا شرقي نهر الاردن.
في وقت مبكر من الرحلة، وفيما يدخل يسوع قرية إما في السامرة او في الجليل، يستقبله عشرة رجال مصابين بالبرص. ان هذا المرض الرهيب يأكل تدريجيا اجزاء جسم الشخص — اصابع يديه، اصابع رجليه، اذنيه، انفه، وشفتيه. ولوقاية الآخرين من الاصابة بالعدوى تقول شريعة اللّٰه في ما يتعلق بالابرص: «يُغطي شاربيه وينادي نجس نجس. كل الايام التي تكون الضربة فيه يكون نجسا . . . يقيم وحده.»
ان البُرص العشرة يحفظون تقييدات الشريعة للبرص فيبقون بعيدين عن يسوع. ولكنهم يصرخون بأصوات عالية: «يا يسوع يا معلم ارحمنا.»
واذ يراهم من بعيد، يأمر يسوع: «اذهبوا وأروا انفسكم للكهنة.» يقول يسوع هذا لان شريعة اللّٰه تعطي الكهنة سلطة اعلان شفاء البُرص الذين قد تعافوا من مرضهم. وبهذه الطريقة يحصل اشخاص كهؤلاء على الموافقة ليحيوا ثانية مع الناس الاصحاء.
يثق البُرص العشرة بقوى يسوع العجائبية. فيسرعون ليروا الكهنة، مع انهم لم يُبرأوا بعد. وبينما هم في الطريق يكافَأ ايمانهم بيسوع. فيبدأون بأن يروا ويشعروا بصحتهم المستعادة!
تسعة من البُرص الذين طهروا يتابعون طريقهم، ولكنّ الابرص الآخر، وهو سامري، يعود ليبحث عن يسوع. ولماذا؟ لانه شاكر جدا على ما حدث له. فيسبح اللّٰه بصوت عظيم، وعندما يجد يسوع يقع عند رجليه شاكرا اياه.
فيجيب يسوع ويقول: «أليس العشرة قد طهروا. فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدا للّٰه غير هذا الغريب الجنس.»
ثم يقول للرجل السامري: «قم وامض. ايمانك خلصك.»
عندما نقرأ عن إبراء يسوع للبُرص العشرة يجب ان نفكر جدِّيا في الدرس الذي يتضمَّنه سؤاله: «أين التسعة.» ان نكران الجميل الذي اظهره التسعة هو عيب خطير. فهل سنُظهر كالسامري اننا شاكرون على الاشياء التي نحصل عليها من اللّٰه، بما في ذلك الوعد الاكيد بالحياة الابدية في عالم اللّٰه الجديد البار؟ يوحنا ١١:٥٤، ٥٥؛ لوقا ١٧:١١-١٩؛ لاويين ١٣:١٦، ١٧، ٤٥، ٤٦؛ رؤيا ٢١:٣، ٤.
▪ كيف يحبط يسوع الجهود لقتله؟
▪ الى اين يسافر يسوع بعد ذلك، وما هو المكان الذي يقصده؟
▪ لماذا يقف البُرص من بعيد، ولماذا يقول لهم يسوع ان يذهبوا الى الكهنة؟
▪ اي درس يجب ان نتعلمه من هذا الاختبار؟
-
-
عندما يُظهَر ابن الانساناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٣
عندما يُظهَر ابن الانسان
بينما لا يزال يسوع في الشمال (إما في السامرة او في الجليل) يسأله الفريسيون عن إتيان الملكوت. فهم يعتقدون انه سيأتي بموكب واحتفال عظيمين، ولكنّ يسوع يقول: «لا يأتي ملكوت اللّٰه بمراقبة. ولا يقولون هوذا هٰهنا او هوذا هناك لأن ها ملكوت اللّٰه (في وسطكم).»
إن عبارة يسوع «(في وسطكم)» تُرجمت احيانا «داخلكم.» لذلك ظنّ البعض ان يسوع عنى أن ملكوت اللّٰه يملك في قلوب خدام اللّٰه. ولكن، بشكل واضح، ليس ملكوت اللّٰه داخل قلوب هؤلاء الفريسيين غير المؤمنين الذين يكلِّمهم يسوع. إلا انه في وسطهم، لان الملك المعيَّن لملكوت اللّٰه، يسوع المسيح، انما هو بينهم.
وبعد مغادرة الفريسيين على الارجح يتكلم يسوع اكثر مع تلاميذه عن إتيان الملكوت. وهو يفكر بشكل خصوصي في حضوره المستقبلي في سلطة الملكوت عندما يحذّر: «يقولون لكم هوذا هٰهنا او هوذا هناك. لا تذهبوا ولا تتبعوا [هؤلاء المسحاء الكذبة]. لانه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء الى ناحية تحت السماء كذلك يكون ايضا ابن الانسان في يومه.» لذلك يشير يسوع الى انه كما يُرى البرق فوق منطقة واسعة فان دليل حضوره في سلطة الملكوت سيكون منظورا بوضوح لكل من يرغب في مراقبته.
ثم يقيم يسوع مقارنات بحوادث قديمة ليُري ما ستكون عليه مواقف الناس خلال حضوره المستقبلي. فيوضح: «وكما كان في ايام نوح كذلك يكون ايضا في ايام ابن الانسان. . . . كذلك ايضا كما كان في ايام لوط كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون. ولكنّ اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم امطر نارا وكبريتا من السماء فأَهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يُظهَر ابن الانسان.»
لا يقول يسوع ان الناس في ايام نوح وفي ايام لوط هلكوا لمجرد انهم كانوا منهمكين في النشاطات العادية للأكل، الشرب، الشراء، البيع، الغرس، والبناء. فحتى نوح ولوط وعائلتاهما فعلوا هذه الامور. ولكنّ الآخرين شُغلوا بهذه النشاطات اليومية دون منح ايّ انتباه لمشيئة اللّٰه، ولهذا السبب كان أن هلكوا. وللسبب عينه سيهلك الناس عندما يُظهَر المسيح خلال الضيق العظيم على نظام الاشياء هذا.
واذ يشدِّد على اهمية التجاوب بشكل سريع مع دليل حضوره المستقبلي في سلطة الملكوت، يضيف يسوع: «في ذلك اليوم مَن كان على السطح وأمتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها. والذي في الحقل كذلك لا يرجع الى الوراء. اذكروا امرأة لوط.»
عندما يَظهر دليل حضور المسيح لا يجوز للناس ان يدَعوا التعلق بممتلكاتهم المادية يمنعهم عن اتخاذ اجراء فوري. ففي طريق خروجها من سدوم نظرت زوجة لوط كما يظهر الى الوراء بتوق الى الاشياء المتروكة خلفها فصارت عمود ملح.
واذ يتابع وصفه للوضع الذي سيكون خلال حضوره المستقبلي، يقول يسوع لتلاميذه: «في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيؤخذ الواحد ويُترك الآخر. تكون اثنتان تطحنان معا فتُؤخذ الواحدة وتُترك الأخرى.»
وأن يؤخذ المرء يماثل دخول نوح مع عائلته الى الفلك وأَخْذ الملاك لوطا وعائلته خارج سدوم. ويعني ذلك الخلاص. ومن ناحية أخرى، أن يُترك المرء يعني معاناة الهلاك.
عند هذه النقطة يسأل التلاميذ: «أين يا رب.»
«حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور،» يجيب يسوع. واولئك الذين ‹يؤخذون› للخلاص هم كالنسور البعيدة النظر في انهم يجتمعون معا الى «الجثة.» وللجثة اشارة الى المسيح الحقيقي في حضوره غير المنظور في سلطة الملكوت والى الوليمة الروحية التي يزوِّدها يهوه. لوقا ١٧:٢٠-٣٧؛ تكوين ١٩:٢٦.
▪ كيف كان الملكوت في وسط الفريسيين؟
▪ بأية طريقة يشبه حضور المسيح البرق؟
▪ لماذا سيهلك الناس من اجل اعمالهم خلال حضور المسيح؟
▪ ماذا يعني أن يؤخذ المرء، وأن يُترك؟
-
-
الحاجة الى الصلاة والاتضاعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٤
الحاجة الى الصلاة والاتضاع
في وقت ابكر، عندما كان في اليهودية، قال يسوع مَثلا في ما يتعلق بأهمية المواظبة على الصلاة. والآن، في رحلته الاخيرة الى اورشليم، يشدد ثانية على الحاجة الى عدم الكف عن الصلاة. وربما يكون يسوع بعدُ في السامرة او الجليل عندما يقول لتلاميذه هذا المَثل الاضافي:
«كان في مدينة قاضٍ لا يخاف اللّٰه ولا يهاب انسانا. وكان في تلك المدينة ارملة. وكانت تأتي اليه قائلة أنصفني من خصمي. وكان لا يشاء الى زمان. ولكن بعد ذلك قال في نفسه وإن كنت لا اخاف اللّٰه ولا اهاب انسانا فإني لاجل ان هذه الارملة تزعجني أنصفها لئلا تأتي دائما فتقمعني.»
ثم يقدِّم يسوع تطبيق قصته، قائلا: «اسمعوا ما يقول قاضي الظلم. أفلا ينصف اللّٰه مختاريه الصارخين اليه نهارا وليلا وهو متمهل عليهم.»
لا يعني يسوع ان يدلّ ان يهوه اللّٰه بطريقة ما شبيه بقاضي الظلم هذا. وعوض ذلك، اذا كان حتى قاضي الظلم يتجاوب مع التوسلات المستمرة لا يجب ان يكون هنالك شك في ان اللّٰه، الذي هو بار وصالح تماما، يستجيب اذا كان شعبه لا يكفّ عن الصلاة. ولذلك يتابع يسوع: «اقول لكم ان [اللّٰه] ينصفهم سريعا.»
يُحرَم المساكين والفقراء العدل على نحو متكرر في حين ان الاقوياء والاغنياء ينالون حظوة في احيان كثيرة. ولكنّ اللّٰه لن يهتم فقط بأن يعاقب الاشرار بعدل، ولكنه سيضمن ايضا ان تجري معاملة خدامه بعدل بمنحهم الحياة الابدية. ولكن كم من الناس يؤمنون بشكل راسخ بأن اللّٰه يُجري العدل سريعا؟
اذ يشير بصورة خاصة الى الايمان المتعلق بقوة الصلاة، يسأل يسوع: «متى جاء ابن الانسان ألعله يجد الايمان على الارض.» ورغم ان السؤال يُترك بدون جواب، فقد يكون المعنى الضمني ان ايمانا كهذا لن يكون شائعا عندما يأتي المسيح بسلطة الملكوت.
بين اولئك المستمعين الى يسوع هنالك بعض الذين يشعرون بأنهم متأكدون تماما من ايمانهم. فهم يثقون بأنفسهم أنهم ابرار ويحتقرون الآخرين. وقد يُشمل ايضا بعض من تلاميذ يسوع في الفريق. لذلك يوجِّه المَثل التالي الى مثل هؤلاء:
«انسانان صعدا الى الهيكل ليصلِّيا واحد فريسي والآخر عشار. أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا. اللّهمّ انا اشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. اصوم مرتين في الاسبوع وأعشِّر كل ما اقتنيه.»
يُعرف الفريسيون بتظاهرهم العلني بالبر للتأثير في الآخرين. فالايام العادية لصومهم الذي فرضوه هم على انفسهم هي ايام الاثنين والخميس، وهم بتدقيق شديد يعشِّرون حتى اعشاب الحقل الصغيرة. وقبل اشهر قليلة كان قد ظهر ازدراؤهم بعامة الشعب خلال عيد المظال عندما قالوا: «هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس [اي، التفسير الفريسي المعطى له] هو ملعون.»
واذ يتابع مَثله، يخبر يسوع عن شخص «ملعون» كهذا: «وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء. بل قرع على صدره قائلا اللّهمّ ارحمني انا الخاطئ.» ولأن العشار اعترف بتواضع بنقائصه يقول يسوع: «اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك. لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.»
وهكذا يشدد يسوع ثانية على الحاجة الى التواضع. واذ نشأوا في مجتمع حيث الفريسيون ذوو البر الذاتي لهم نفوذ كبير، والمركز والطبقة الاجتماعية يجري التشديد عليهما دائما، ليس مدهشا ان يتأثر تلاميذ يسوع ايضا. ومع ذلك، يا للدروس الحسنة التي يعلِّمها يسوع في الاتضاع! لوقا ١٨:١-١٤؛ يوحنا ٧:٤٩.
▪ لماذا يوافق قاضي الظلم على طلب الارملة، وأيّ درس يعلِّمه مَثل يسوع؟
▪ عن ايّ ايمان سيبحث يسوع عندما يأتي؟
▪ الى مَن يوجِّه يسوع مَثله عن الفريسي والعشار؟
▪ ايّ موقف للفريسيين يجب تجنبه؟
-
-
دروس في الطلاق وفي محبة الاولاداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٥
دروس في الطلاق وفي محبة الاولاد
يسوع وتلاميذه في طريقهم الى اورشليم لحضور فصح السنة ٣٣ بم. فيعبرون نهر الاردن ويسلكون الطريق عبر مقاطعة بيريا. كان يسوع في بيريا قبل بضعة اسابيع ولكنه استدعي آنذاك الى اليهودية لان صديقه لعازر كان مريضا. وبينما كان آنذاك في بيريا كلَّم يسوع الفريسيين عن الطلاق، وهم الآن يثيرون المسألة من جديد.
هنالك بين الفريسيين مدارس فكرية مختلفة عن الطلاق. قال موسى ان المرأة يمكن ان تطلَّق بسبب ‹عيب شيءٍ فيها.› فيعتقد البعض ان هذا يشير فقط الى عدم العفة. ولكنْ يعتبر الآخرون ان ‹عيب الشيء› يشمل اساءات ثانوية جدا. ولذلك، لكي يجربوا يسوع، يسأل الفريسيون: «هل يحلُّ للرجل ان يطلق امرأته لكل سبب.» انهم واثقون بأنه مهما قال يسوع فذلك سيورِّطه في مشكلة مع الفريسيين الذين يتمسكون بوجهة نظر مختلفة.
يعالج يسوع السؤال ببراعة، غير لاجئ الى ايّ رأي بشري، بل مشيرا الى الترتيب الاول للزواج. «أما قرأتم،» يسأل، «أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى وقال. من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا. اذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه اللّٰه لا يفرقه انسان.»
إن قصد اللّٰه الاصلي، يُظهر يسوع، هو أن يلتصق رفقاء الزواج معا، أن لا يحصلوا على طلاق. اذا كان الامر كذلك، يجيب الفريسيون، «فلماذا اوصى موسى ان يعطى كتاب طلاق فتطلَّق.»
«إن موسى من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم ان تطلقوا نساءكم،» يجيب يسوع، «ولكن من البدء لم يكن هكذا.» نعم، عندما اسس اللّٰه المقياس الحقيقي للزواج في جنة عدن لم يصنع تدبيرا للطلاق.
يتابع يسوع ليخبر الفريسيين: «وأقول لكم إن مَن طلق امرأته إلا بسبب الزنا [من اليونانية، بورنيا] وتزوج بأخرى يزني.» وبذلك يُظهر أن بورنيا، التي هي الفساد الادبي الجنسي الجسيم، هي السبب الوحيد الذي يقبله اللّٰه للطلاق.
واذ يدركون ان الزواج يجب ان يكون اتحادا دائما له هذا السبب الوحيد للطلاق، يندفع التلاميذ الى القول: «إن كان هكذا امر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج.» لا شك ان مَن يعتزم الزواج يجب ان يتأمل جديا في دوام الرباط الزوجي!
يتابع يسوع ليتحدث عن العزوبة. فيوضح ان بعض الفتيان يولدون خصيانا اذ يكونون غير قادرين على التزوج بسبب عدم النمو جنسيا. والآخرون يخصيهم الناس، جاعلينهم بشكل وحشي يصابون بالعجز جنسيا. وأخيرا، يكبت البعض الرغبة في الزواج وفي التمتع بالعلاقات الجنسية لكي يتمكنوا من نذر انفسهم على وجه اكمل للامور المتعلقة بملكوت السموات. «مَن استطاع ان يَقبل [العزوبة] فليَقبل،» يختتم يسوع.
يبدأ الناس الآن بتقديم اولادهم الى يسوع. إلا ان التلاميذ ينتهرون الاولاد ويحاولون ابعادهم، راغبين دون شك في حماية يسوع من الضغط غير الضروري. ولكنّ يسوع يقول: «دعوا الاولاد يأتون اليَّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت اللّٰه. الحق اقول لكم من لا يقبل ملكوت اللّٰه مثل ولد فلن يدخله.»
يا للدروس الحسنة التي يزوِّدها يسوع هنا! فلكي نقبل ملكوت اللّٰه لا بد ان نتمثل باتضاع الاولاد واستعدادهم للتعلم. ولكنّ مثال يسوع يوضح ايضا كم يكون مهما، وخصوصا للآباء، قضاء الوقت مع اولادهم. ويُظهر يسوع الآن محبته للصغار باحتضانهم ومباركتهم. متى ١٩:١-١٥؛ تثنية ٢٤:١؛ لوقا ١٦:١٨؛ مرقس ١٠:١-١٦؛ لوقا ١٨:١٥-١٧.
▪ اية وجهات نظر مختلفة يملكها الفريسيون في الطلاق، ولذلك كيف يجربون يسوع؟
▪ كيف يعالج يسوع جهد الفريسيين ليجربوه، وماذا يعطي كسبب وحيد للطلاق؟
▪ لماذا يقول تلاميذ يسوع ان التزوج لا يكون موافقا، وأية توصية يزوِّدها يسوع؟
▪ ماذا يعلِّمنا يسوع من تعاملاته مع الاولاد؟
-
-
يسوع ورئيس شاب غنياعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٦
يسوع ورئيس شاب غني
فيما يمضي يسوع عبر مقاطعة بيريا نحو اورشليم يركض شاب ويجثو امامه. والشاب يُدعى رئيسا، وربما يعني انه يشغل منصبا بارزا في مجمع محلي او حتى انه عضو في السنهدريم. وهو ايضا غني جدا. «ايها المعلم الصالح،» يسأل، «ماذا اعمل لارث الحياة الابدية.»
«لماذا تدعوني صالحا،» يجيب يسوع. «ليس احد صالحا الا واحد وهو اللّٰه.» وعلى الارجح يستعمل الشاب كلمة «صالح» كلقب، فيدعه يسوع يعرف ان لقبا كهذا هو للّٰه فقط.
«ولكن،» يتابع يسوع، «ان اردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا.»
«اية الوصايا،» يسأل الشاب.
اذ يعدد خمسا من الوصايا العشر، يجيب يسوع: «لا تقتل. لا تزنِ. لا تسرق. لا تشهد بالزور. اكرم اباك وامك.» واذ يضيف وصية ذات اهمية اكثر ايضا، يقول يسوع: «احبّ قريبك كنفسك.»
«هذه كلها حفظتها منذ حداثتي،» يجيب الشاب بكل صدق. «فماذا يعوزني بعد.»
اذ يستمع الى طلب الشاب الجدّي القوي، يشعر يسوع بالمحبة له. لكنّ يسوع يلاحظ تعلُّق الشاب بالممتلكات المادية ولذلك يوضح حاجته: «يعوزك شيء واحد. اذهب بِع كل ما لك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني.»
يراقب يسوع، ودون شك بشفقة، فيما يقوم الرجل ويمضي حزينا بعمق. فغناه يُعميه عن قيمة الكنز الحقيقي. «ما اعسر،» يتأسف يسوع، «دخول ذوي الاموال الى ملكوت اللّٰه.»
تُذهل كلمات يسوع التلاميذ. لكنهم يندهشون اكثر ايضا عندما يتابع ليذكر قاعدة عامة: «لان دخول جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت اللّٰه.»
«فمن يستطيع ان يخلص،» يريد التلاميذ ان يعرفوا.
واذ ينظر اليهم مباشرة، يجيب يسوع: «عند الناس غير مستطاع. ولكن ليس عند اللّٰه. لان كل شيء مستطاع عند اللّٰه.»
اذ يلاحظ انهم اختاروا شيئا مختلفا جدا عن ذاك الذي للرئيس الشاب الغني، يقول بطرس: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك.» ولذلك يسأل: «فماذا يكون لنا.»
يعِد يسوع: «انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون انتم ايضا على اثني عشر كرسيا تدينون اسباط اسرائيل الاثني عشر.» نعم، يُظهر يسوع انه سيكون هنالك تجديد للاحوال على الارض بحيث ان الامور ستكون كما كانت في جنة عدن. وبطرس والتلاميذ الآخرون سينالون مكافأة الحكم مع المسيح على هذا الفردوس الذي يشمل الارض. طبعا، ان مكافأة عظيمة كهذه جديرة بأية تضحية!
مع ذلك، الآن ايضا هنالك مكافآت، كما يذكر يسوع بثبات: «ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امرأة او اولادا او حقولا لاجلي ولاجل الانجيل إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات واولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الآتي الحياة الابدية.»
وكما يعِد يسوع، حيثما يذهب تلاميذه في العالم يتمتعون بعلاقة مع رفقاء مسيحيين ألصق وأثمن من تلك التي يجري التمتع بها مع اعضاء العائلة الطبيعيين. وكما يظهر، فان الرئيس الشاب الغني يخسر هذه المكافأة وكذلك تلك التي للحياة الابدية في ملكوت اللّٰه السماوي.
وبعد ذلك يضيف يسوع: «ولكنْ كثيرون اوَّلون يكونون آخِرين والآخِرون اوَّلين.» فماذا يعني؟
يعني ان كثيرين من الناس الذين هم «اوَّلون» في التمتع بامتيازات دينية، كالرئيس الشاب الغني، لن يدخلوا الملكوت. فسيكونون «آخِرين.» ولكنّ الكثيرين، بمن فيهم تلاميذ يسوع المتواضعون، الذين يزدري بهم الفريسيون الابرار في نظر انفسهم اذ يعتبرونهم «آخِرين» — شعب الارض، او أم هاأريتس — سيصبحون «اوَّلين.» ان صيرورتهم «اوَّلين» تعني انهم سينالون امتياز الصيرورة حكاما معاونين مع المسيح في الملكوت. مرقس ١٠:١٧-٣١؛ متى ١٩:١٦-٣٠؛ لوقا ١٨:١٨-٣٠.
▪ على ما يظهر، ايّ نوع من الرؤساء هو الشاب الغني؟
▪ لماذا يعترض يسوع على دعوته صالحا؟
▪ كيف يوضح اختبار الرئيس الشاب خطر كون المرء غنيا؟
▪ اية مكافآت يعِد بها يسوع أتباعه؟
▪ كيف يصبح الاوَّلون آخِرين، والآخِرون اوَّلين؟
-
-
الفعلة في الكرماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٧
الفعلة في الكرم
«كثيرون أوَّلون،» قال يسوع قبل قليل، «يكونون آخِرين وآخِرون أوَّلين.» وهو الآن يوضح ذلك بإخبار قصة. «ان ملكوت السموات،» يبدأ، «يشبه رجلا ربّ بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه.»
ويتابع يسوع: «فاتفق [رب البيت] مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم الى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قياما في السوق بطّالين. فقال لهم اذهبوا انتم ايضا الى الكرم فأُعطيكم ما يحقّ لكم. فمضوا. وخرج ايضا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياما بطّالين. فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطّالين. قالوا له لانه لم يستأجرنا احد. قال لهم اذهبوا انتم ايضا الى الكرم.»
ان ربّ البيت، او صاحب الكرم، هو يهوه اللّٰه، والكرم هو امة اسرائيل. والفعلة في الكرم هم اشخاص أُدخلوا في عهد الناموس؛ وهم خصوصا اولئك اليهود العائشون في ايام الرسل. ومع فعلة كامل النهار فقط يُصنع اتفاق لأجرة. والأجرة هي دينار لعمل نهار. وبما ان «الساعة الثالثة» هي الـ ٠٠:٩ صباحا فان الذين دُعوا في الساعة الـ ٣، ٦، ٩، والـ ١١ يعملون، على التوالي، ٩، ٦، ٣ و ١ ساعة فقط.
ان فعلة الـ ١٢ ساعة، او كامل النهار، يمثِّلون القادة اليهود الذين كانوا مشغولين باستمرار بالخدمة الدينية. وهم بخلاف رسل يسوع الذين كانوا، في اغلب حياتهم، مستخدَمين في الصيد او الاشغال الدنيوية الاخرى. و «رب البيت» لم يرسل يسوع المسيح حتى خريف السنة ٢٩ بم كي يجمع هؤلاء ليكونوا رسله. وهكذا صاروا ‹الآخِرين،› او فعلة الساعة الـ ١١ للكرم.
وأخيرا ينتهي يوم العمل الرمزي عند موت يسوع، ويأتي الوقت للدفع للفعلة. والقاعدة غير العادية للدفع للأخير أولا تُتَّبع، كما هو موضح: «فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله. ادعُ الفعلة وأعطهم الاجرة مبتدئا من الآخِرين الى الأوّلين. فجاء اصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا دينارا دينارا. فلما جاء الأوّلون ظنّوا انهم يأخذون اكثر. فأخذوا هم ايضا دينارا دينارا. وفيما هم يأخذون تذمَّروا على رب البيت قائلين. هؤلاء الآخِرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر. فأجاب وقال لواحد منهم. يا صاحب ما ظلمتك. أما اتفقت معي على دينار. فخذ الذي لك واذهب. فاني اريد ان أعطي هذا الاخير مثلك. أو ما يحلّ لي ان افعل ما أريد بما لي. أم عينك شريرة لأني انا صالح.» وفي الختام كرَّر يسوع نقطة ذكرها سابقا، قائلا: «هكذا يكون الآخِرون أوّلين والأوّلون آخِرين.»
يحدث اخذُ الدينار، ليس عند موت يسوع، بل في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، عندما يسكب المسيح، ‹الوكيل،› الروح القدس على تلاميذه. وتلاميذ يسوع هؤلاء هم مثل ‹الآخِرين،› او فعلة الساعة الـ ١١. ولا يمثِّل الدينار عطية الروح القدس نفسها. فالدينار هو شيء ليستعمله التلاميذ هنا على الارض. انه شيء يعني وسيلة عيشهم، حياتهم الابدية. انه امتياز الكينونة اسرائيليا روحيا، ممسوحا للكرازة بملكوت اللّٰه.
سرعان ما يلاحظ اولئك المستأجَرون اولا ان تلاميذ يسوع قد دُفع لهم، ويرونهم يستعملون الدينار الرمزي. ولكنهم يريدون اكثر من الروح القدس وامتيازات الملكوت المقترنة به. وتذمّرهم واعتراضاتهم تتخذ شكل اضطهاد لتلاميذ المسيح، ‹آخِر› الفعلة في الكرم.
وهل اتمام القرن الاول هذا هو الاتمام الوحيد لمثل يسوع؟ كلا، ان رجال دين العالم المسيحي في هذا القرن الـ ٢٠ كانوا، بسبب مراكزهم ومسؤولياتهم، ‹اول› من استؤجر للعمل في كرم اللّٰه الرمزي. لقد اعتبروا الكارزين المنتذرين المقترنين بجمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس ‹آخِر› من يحصل على ايّ تعيين شرعي في خدمة اللّٰه. وفي الواقع، ان هؤلاء الافراد عينهم، الذين احتقرهم رجال الدين، هم الذين اخذوا الدينار — شرف الخدمة كسفراء ممسوحين لملكوت اللّٰه السماوي. متى ١٩:٣٠-٢٠:١٦.
▪ ماذا يجري تمثيله بالكرم؟ ومن هم الممثَّلون بصاحب الكرم وبفعلة الـ ١٢ ساعة والساعة الـ ١؟
▪ متى انتهى يوم العمل الرمزي، ومتى جرى الدفع؟
▪ ماذا يمثِّل دفع الدينار؟
-
-
التلاميذ يتحاجّون فيما يقترب موت يسوعاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٨
التلاميذ يتحاجّون فيما يقترب موت يسوع
يسوع وتلاميذه هم بالقرب من نهر الاردن، حيث يعبرون من مقاطعة بيريا الى اليهودية. وثمة آخرون كثيرون مسافرون معهم الى فصح السنة ٣٣ بم، الذي هو بعد حوالي اسبوع فقط او نحوه.
يسير يسوع امام التلاميذ، وهم متحيِّرون من تصميمه الجريء. تذكَّروا انه منذ بضعة اسابيع عندما مات لعازر وكان يسوع على وشك الذهاب من بيريا الى اليهودية شجَّع توما الآخرين: «لنذهب نحن ايضا لكي نموت معه.» وتذكَّروا ايضا انه بعدما اقام يسوع لعازر دبَّر السنهدريم خططا لقتل يسوع. فلا عجب ان يسيطر الخوف على التلاميذ فيما يدخلون الآن اليهودية ثانية.
ولتهيئتهم لما يكمن امامهم يأخذ يسوع الـ ١٢ على انفراد ويخبرهم: «ها نحن صاعدون الى اورشليم وابن الانسان يُسلَّم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلِّمونه الى الامم فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم.»
هذه هي المرة الثالثة في الاشهر الاخيرة التي اخبر فيها يسوع تلاميذه عن موته وقيامته. ومع انهم يستمعون اليه، فهم يفشلون في ان يفهموا. ربما لأنهم يؤمنون بردّ مملكة اسرائيل على الارض، وهم يتطلَّعون الى الامام الى التمتع بالمجد والكرامة في ملكوت ارضي مع المسيح.
وبين المسافرين القاصدين الفصح سالومة، امّ الرسولين يعقوب ويوحنا. ولقد دعا يسوع هذين الرجلين «ابني الرعد،» ودون شك بسبب طباعهما الحادة. فلبعض الوقت كان هذان الاثنان قد اضمرا طموحا الى الصيرورة بارزين في ملكوت المسيح، وقد جعلا رغبتيهما معروفتين عند امّهما. وهي الآن تقترب من يسوع لاجلهما، تنحني امامه، وتطلب خدمة.
«ماذا تريدين،» يسأل يسوع.
تجيب: «قل ان يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك.»
واذ يدرك مصدر الطلب، يقول يسوع ليعقوب ويوحنا: «لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا.»
«نستطيع،» يجيبان. وعلى الرغم من ان يسوع قد اخبرهما قبل قليل انه يواجه اضطهادا رهيبا وأخيرا اعداما، فانهما كما يظهر لا يفهمان ان هذا هو ما يعنيه بِـ «الكأس» التي سيشربها.
ومع ذلك، يقول لهما يسوع: «أما كأسي فتشربانها. . . . وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه الا للّذين أُعدّ لهم من ابي.»
ومع الوقت يعلم الرسل العشرة الآخرون ما طلبه يعقوب ويوحنا، فيغضبون. وربما كان يعقوب ويوحنا بارزين في الجدال السابق بين الرسل حول مَن هو الاعظم. وطلبهما الحاضر يكشف انهما لم يطبقا المشورة التي اعطاها يسوع في هذه المسألة. وللأسف، فان رغبتهما في البروز لا تزال قويّة.
لذلك، لكي يعالج هذا الخلاف الاخير والحقد الذي خلقه، يدعو يسوع الـ ١٢ معا. واذ يشير عليهم على نحو حبي، يقول: «أنتم تعلمون ان رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلَّطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من اراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن اراد ان يكون فيكم أولا فليكن لكم عبدا.»
لقد رسم يسوع المثال الذي يجب ان يتمثلوا به، كما يشرح: «كما ان ابن الانسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.» فلم يخدم يسوع لاجل الآخرين فحسب لكنه سيقوم بذلك الى درجة الموت من اجل الجنس البشري! ويحتاج التلاميذ الى هذا الميل نفسه الشبيه بميل المسيح للرغبة في ان يَخدموا عوض ان يُخدموا وأن يكونوا الاقل شأنا عوض ان يكونوا في مركز البروز. متى ٢٠:١٧-٢٨؛ مرقس ٣:١٧؛ ٩:٣٣-٣٧؛ ١٠:٣٢-٤٥؛ لوقا ١٨:٣١-٣٤؛ يوحنا ١١:١٦.
▪ لماذا يسيطر الخوف الآن على التلاميذ؟
▪ كيف يهيئ يسوع تلاميذه لما يكمن امامهم؟
▪ اي شيء يُطلب من يسوع، وكيف يتأثر الرسل الآخرون؟
▪ كيف يعالج يسوع المشكلة بين رسله؟
-
-
يسوع يعلِّم في اريحااعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ٩٩
يسوع يعلِّم في اريحا
سرعان ما يصل يسوع والجموع المسافرة معه الى اريحا، وهي مدينة تبعد حوالي سفر يوم عن اورشليم. وكما يظهر فان اريحا مدينة مزدوجة، والمدينة اليهودية القديمة تبعد حوالي ميل (٥,١ كلم) عن المدينة الرومانية الاحدث. واذ تخرج الجموع من المدينة القديمة وتقترب من الجديدة، يسمع متسوِّلان اعميان الجلبة. ويدعى احدهما بارتيماوس.
واذ يعلمان ان يسوع هو المجتاز، يبتدئ بارتيماوس ورفيقه بالصراخ: «ارحمنا يا سيد يا ابن داود.» وعندما ينتهرهما الجمع ليسكتا يصرخان اكثر وبأصوات أعلى: «ارحمنا يا سيد يا ابن داود.»
واذ يسمع التشويش، يقف يسوع. ويطلب من اولئك الذين معه ان ينادوا اللذين يقومان بكل هذا الصراخ. فيذهب هؤلاء الى المتسوِّلين الاعميين ويقولون لاحدهما: «ثِقْ. قم. هوذا يناديك.» وباثارة غير محدودة يطرح الرجل الاعمى رداءه، يقوم، ويذهب الى يسوع.
«ماذا تريدان ان افعل بكما،» يسأل يسوع.
«يا سيد ان تنفتح أعيننا،» يتوسَّل الرجلان.
فيتحنّن يسوع ويلمس اعينهما. وبحسب رواية مرقس، يقول يسوع لاحدهما: «اذهب. ايمانك قد شفاك.» وللوقت يبصر المتسوِّلان الاعميان، ودون شك يبتدئان كلاهما يمجِّدان اللّٰه. وعندما يرى كل الشعب ما حدث يسبحون هم ايضا اللّٰه. ودون تأخير، يبتدئ بارتيماوس ورفيقه باتِّباع يسوع.
وبينما يجتاز يسوع في اريحا تكون الجموع هائلة. وكل واحد يريد ان يرى الشخص الذي شفى الرجلين الاعميين. فيزدحم الشعب حول يسوع من كل ناحية، ونتيجة لذلك لا يتمكَّن البعض حتى من ان يلمحوه لمحا. وبين هؤلاء زكا، رئيس العشارين في اريحا وحولها. انه اقصر من ان يرى ما يحدث.
فيركض زكا متقدِّما ويصعد الى جميزة على الطريق التي يتخذها يسوع. فمن هذا الموقع الممتاز يمكنه ان يحصل على رؤية جيدة لكل شيء. واذ تقترب الجموع، ينادي يسوع نحو الشجرة: «يا زكا أَسرع وانزل لأنه ينبغي ان أمكث اليوم في بيتك.» ينزل زكا فرحا ويسرع الى البيت ليهيئ الامور لزائره المميَّز.
ولكن عندما يرى الشعب ما يحدث يبتدئون جميعهم بالتأفف. فهم يعتبرونه غير لائق ان يكون يسوع ضيفا لرجل كهذا. وكما ترون، صار زكا غنيا بسلب المال على نحو غير شريف في عمله لجباية الضرائب.
كثيرون من الناس يتبعون، وعندما يدخل يسوع بيت زكا يتشكّون: «دخل ليبيت عند رجل خاطئ.» إلا ان يسوع يرى في زكا امكانية للتوبة. ولا يخيب امل يسوع، لان زكا يقف ويعلن: «ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وإن كنت قد (سلبت احدا) اردّ اربعة اضعاف.»
يبرهن زكا ان توبته اصيلة باعطائه نصف ممتلكاته للفقراء وباستعماله النصف الآخر لارجاعه الى اولئك الذين غشّهم. وكما يظهر يمكنه ان يحسب من سجلاته للضرائب ما يدين به تماما لهؤلاء الاشخاص. لذلك ينذر ان يردّ اربعة اضعاف، انسجاما مع شريعة اللّٰه التي تقول: ‹اذا سرق انسان شاة يعوّض عن الشاة بأربعة من الغنم.›
يُسرّ يسوع بالطريقة التي يعد زكا ان يوزِّع بها ممتلكاته، لانه يقول: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن إبرهيم. لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك.»
ومؤخرا، كان يسوع قد اوضح حالة الضائع في قصته عن الابن الضال. والآن لدينا مثل حي حقيقي عن ضال قد وُجد. ومع ان القادة الدينيين واولئك الذين يتبعونهم يتذمرون ويتشكّون من انتباه يسوع لاشخاص كزكا، يتابع يسوع بحثه عن وردّه ابناء إبرهيم الضالين هؤلاء. متى ٢٠:٢٩-٣٤؛ مرقس ١٠:٤٦-٥٢؛ لوقا ١٨:٣٥-١٩:١٠؛ خروج ٢٢:١.
▪ اين، كما يظهر، يلتقي يسوع المتسوِّلين الاعميين، وماذا يفعل لهما؟
▪ من هو زكا، ولماذا يصعد الى شجرة؟
▪ كيف يبرهن زكا عن توبته؟
▪ اي درس يمكننا تعلّمه من معاملة يسوع لزكا؟
-
-
مَثل الأَمْناءاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٠
مَثل الأَمْناء
ربما لا يزال يسوع في بيت زكا حيث توقَّف في طريقه الى اورشليم. ويعتقد تلاميذه انه عندما يصلون الى اورشليم سيُعلِن انه المسيّا ويؤسس ملكوته. وليصحح هذه الفكرة ويُظهر ان الملكوت لا يزال بعيدا يعطي يسوع مَثلا.
«انسان شريف الجنس،» يروي، «ذهب الى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه (سلطة ملكية) ويرجع.» فيسوع هو ‹الانسان الشريف الجنس،› والسماء هي ‹الكورة البعيدة.› وعندما يصل يسوع الى هناك سيمنحه ابوه سلطة ملكية.
ولكن قبل مغادرته يدعو الانسان الشريف الجنس عشرة عبيد ويعطي كلاًّ منهم مَنا فضيا، قائلا: «تاجروا حتى آتي.» والعشرة عبيد في الاتمام الاولي يمثِّلون تلاميذ يسوع الاولين. وفي تطبيق موسَّع يمثِّلون كل الذين هم وارثون مقبلون معه في الملكوت السماوي.
والأَمْناء الفضية هي قطع نقود قيِّمة، يساوي كلٌّ منها اجرة ثلاثة اشهر تقريبا لعامل زراعي. ولكن ماذا تمثِّل الأَمْناء؟ وأيّ نوع من التجارة يجب على العبيد ان يتاجروا بها؟
ان الأَمْناء تمثِّل المقتنيات التي يمكن للتلاميذ المولودين من الروح ان يستعملوها في انتاج مزيد من ورثة الملكوت السماوي حتى مجيء يسوع كملك في الملكوت الموعود به. وبعد قيامته وظهوره لتلاميذه اعطاهم الأَمْناء المجازية لتلمذة اناس اكثر وبالتالي زيادة صف ملكوت السموات.
«وأما،» يتابع يسوع، «اهل مدينته فكانوا يبغضون [الانسان الشريف الجنس] فأرسلوا وراءه سفارة قائلين لا نريد ان هذا يملك علينا.» وأهل المدينة هم الاسرائيليون، او اليهود، باستثناء تلاميذه. وبعد انطلاق يسوع الى السماء فان اولئك اليهود باضطهادهم تلاميذه جعلوه معروفا انهم لا يريدونه مَلكا لهم. وبهذه الطريقة كانوا يتصرفون كأهل المدينة الذين ارسلوا السفارة.
وكيف استعمل العشرة عبيد أَمْناءهم؟ يشرح يسوع: «ولما رجع بعدما اخذ (السلطة الملكية) امر ان يُدعى اليه اولئك العبيد الذين اعطاهم الفضة ليعرف بما تاجر كل واحد. فجاء الاول قائلا يا سيد مَناك ربح عشرة أَمْناء. فقال له نعمّا أيها العبد الصالح. لانك كنت أمينا في القليل فليكن لك سلطان على عشر مدن. ثم جاء الثاني قائلا يا سيد مَناك عمل خمسة أَمْناء. فقال لهذا ايضا وكن انت على خمس مدن.»
ان العبد ذا العشرة أَمْناء يمثِّل صفّا، او فريقا، من التلاميذ من يوم الخمسين سنة ٣٣ بم الى الآن يشمل الرسل. والعبد الذي ربح خمسة أَمْناء يمثِّل ايضا فريقا خلال فترة الوقت نفسها يزيدون، بحسب فرصهم وقدراتهم، مقتنيات مَلكهم التي على الارض. والفريقان كلاهما يكرزان بالبشارة بغيرة، ونتيجة لذلك يصير كثيرون من ذوي القلوب المستقيمة مسيحيين. ان تسعة من العبيد قد تاجروا بنجاح وزادوا ممتلكاتهم.
«ثم،» يمضي يسوع قائلا، «جاء آخر قائلا يا سيد هوذا مَناك الذي كان عندي موضوعا في منديل. لاني كنت أخاف منك اذ انت انسان صارم تأخذ ما لم تضع وتحصد ما لم تزرع. فقال له من فمك ادينك ايها العبد الشرير. عرفتَ اني انسان صارم آخذ ما لم اضع وأحصد ما لم ازرع. فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة فكنت متى جئت استوفيها مع ربا. ثم قال للحاضرين خذوا منه المنا وأعطوه للذي عنده العشرة الأَمْناء.»
ان خسارة المنا المجازي، بالنسبة الى العبد الشرير، تعني خسارة مكان في الملكوت السماوي. اجل، انه يخسر امتياز الحكم، اذا جاز التعبير، على عشر مدن او خمس مدن. لاحظوا ايضا ان العبد لا يجري الاعلان انه شرير بسبب ايّ شر فعله بل، بالاحرى، بسبب الفشل في العمل على زيادة ثروة ملكوت سيده.
وعندما يُعطى مَنا العبد الشرير للعبد الاول يجري صنع الاعتراض: «يا سيد عنده عشرة أَمْناء.» ومع ذلك، يجيب يسوع: «ان كل من له يُعطى. ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه. أما اعدائي اولئك الذين لم يريدوا ان أَملك عليهم فأْتوا بهم الى هنا واذبحوهم قدامي.» لوقا ١٩:١١-٢٧؛ متى ٢٨:١٩، ٢٠.
▪ ماذا يحض على مَثل يسوع للأَمْناء؟
▪ من هو الانسان الشريف الجنس، وما هي الكورة التي يذهب اليها؟
▪ من هم العبيد، وماذا تمثِّل الأَمْناء؟
▪ من هم اهل المدينة، وكيف يُظهرون بغضهم؟
▪ لماذا يُدعى احد العبيد شريرا، وماذا تعني خسارة مَناه؟
-
-
في بيت عنيا، في بيت سمعاناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠١
في بيت عنيا، في بيت سمعان
عندما يغادر يسوع اريحا يتوجَّه الى بيت عنيا. وتستغرق الرحلة معظم النهار، اذ انها صعود لحوالي ١٢ ميلا (١٩ كلم) في ارض وعرة. فأريحا هي حوالي ٨٢٠ قدما (٢٥٠ م) تحت سطح البحر، وبيت عنيا هي حوالي ٥٠٠,٢ قدم (٧٦٠ م) فوق سطح البحر. وبيت عنيا، قد تذكرون، هي موطن لعازر وأختيه. والقرية الصغيرة هي على بعد حوالي ميلين (٣ كلم) من اورشليم، وتقع في المنحدر الشرقي لجبل الزيتون.
وصل كثيرون الآن الى اورشليم من اجل الفصح. وقد أتوا في وقت مبكر ليطهِّروا انفسهم. فربما لمسوا جثة او قاموا بشيء آخر يجعلهم نجسين. لذلك يتبعون الاجراءات ليطهِّروا انفسهم لكي يحتفلوا بالفصح بشكل مقبول. واذ يجتمع هؤلاء الواصلون باكرا في الهيكل، يتفكَّر كثيرون في ما اذا كان يسوع سيأتي الى الفصح.
واورشليم هي مكان الجدل في ما يتعلق بيسوع. فقد صار معروفا ان القادة الدينيين يريدون ان يمسكوه ليقتلوه. وفي الواقع، اصدروا امرا أنه إن علم احد بمكان وجوده يجب ان يخبرهم بذلك. وثلاث مرات في الاشهر الاخيرة — في عيد المظال، وعيد التجديد، وبعد ان اقام لعازر — حاول هؤلاء القادة ان يقتلوه. لذلك يتساءل الناس، هل يَظهر يسوع علانية مرة اخرى ايضا؟ «ماذا تظنون،» يسأل احدهم الآخر.
وفي هذه الاثناء يأتي يسوع الى بيت عنيا قبل الفصح بستة ايام، الفصح الذي يقع في ١٤ نيسان قمري بحسب التقويم اليهودي. ويصل يسوع الى بيت عنيا في وقت ما يوم الجمعة مساء، الذي هو في بداية ٨ نيسان قمري. ولم يكن ليقوم بالرحلة الى بيت عنيا يوم السبت لان السفر في السبت — من غروب شمس يوم الجمعة الى غروب شمس يوم السبت — تمنعه الشريعة اليهودية. ويذهب يسوع على الارجح الى بيت لعازر، كما فعل من قبل، ويقضي يوم الجمعة ليلا هناك.
إلا ان ساكنا آخر في بيت عنيا يدعو يسوع ورفقاءه الى عشاء يوم السبت مساء. والرجل هو سمعان، ابرص سابق، وربما شفاه يسوع في وقت ابكر. وانسجاما مع طبع اجتهادها، تخدم مرثا الضيوف. ولكنّ مريم، كما هو معروف عنها، منتبهة الى يسوع، وهذه المرة بطريقة تثير الجدل.
تفتح مريم قارورة او قنينة صغيرة من الطيب تحتوي على حوالي پاوند من الطيب، «ناردين خالص.» وهذا ثمين جدا. وفي الواقع، تعادل قيمته حوالي اجرة سنة! وعندما تسكب مريم الطيب على رأس يسوع وعلى قدميه وتمسح قدميه بشعرها تملأ الرائحة العطرة كامل البيت.
يغضب التلاميذ ويسألون: «لماذا هذا الإتلاف.» ثم يقول يهوذا الاسخريوطي: «لماذا لم يُبع هذا الطيب بثلاثمئة دينار ويُعطَ للفقراء.» ولكنّ يهوذا ليس مباليا حقا بالفقراء، لانه كان يسرق من صندوق المال الذي يحفظه التلاميذ.
يدافع يسوع عن مريم. «اتركوها،» يأمر. «لماذا تزعجونها. قد عملت بي عملا حسنا. لأن الفقراء معكم في كل حين ومتى اردتم تقدرون ان تعملوا بهم خيرا. وأما انا فلست معكم في كل حين. عملت ما عندها. قد سبقت ودهنت بالطيب جسدي للتكفين. الحق اقول لكم حيثما يُكرز بهذا الانجيل في كل العالم يُخبَر ايضا بما فعلته هذه تذكارا لها.»
يسوع هو في بيت عنيا الآن لاكثر من ٢٤ ساعة، وخبر وجوده قد انتشر. فيأتي كثيرون الى بيت سمعان ليروا يسوع، ولكنهم يأتون كذلك ليروا لعازر، الذي يكون موجودا ايضا. لذلك يتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا ليس يسوع فحسب بل لعازر ايضا. وهذا لأن اناسا كثيرين يؤمنون بيسوع لسبب رؤية ذاك الذي اقامه من الاموات حيا! حقا، ما اشرَّ اولئك القادة الدينيين! يوحنا ١١:٥٥-١٢:١١؛ متى ٢٦:٦-١٣؛ مرقس ١٤:٣-٩؛ اعمال ١:١٢.
▪ اية مناقشة تجري في الهيكل في اورشليم، ولماذا؟
▪ لماذا لا بد ان يسوع وصل الى بيت عنيا يوم الجمعة عوضا عن يوم السبت؟
▪ عندما يصل يسوع الى بيت عنيا، اين يقضي على الارجح السبت؟
▪ اي عمل لمريم يثير الجدل، وكيف يدافع يسوع عنها؟
▪ ماذا يوضح الشر العظيم لرؤساء الكهنة؟
-
-
دخول المسيح الظافر الى اورشليماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٢
دخول المسيح الظافر الى اورشليم
في الصباح التالي، يوم الاحد ٩ نيسان قمري، يغادر يسوع بيت عنيا مع تلاميذه ويتجه من طريق جبل الزيتون الى اورشليم. وفي وقت قصير يقتربون من بيت فاجي، الواقعة عند جبل الزيتون. فيأمر يسوع اثنين من تلاميذه:
«اذهبا الى القرية التي امامكما فللوقت تجدان اتانا مربوطة وجحشا معها فحلاّهما واتياني بهما. وان قال لكما احد شيئا فقولا الرب محتاج اليهما. فللوقت يرسلهما.»
ومع ان التلاميذ يفشلون اولا في التمييز ان هذه الارشادات لها علاقة باتمام نبوة الكتاب المقدس، يدركون في ما بعد انها كذلك. فقد انبأ النبي زكريا بأن ملك اللّٰه الموعود به سيدخل الى اورشليم راكبا على حمار، نعم، «على جحش ابن أتان.» والملك سليمان ركب بشكل مماثل الى مكان مسحه على حيوان من ذرية الحمار.
عندما يدخل التلميذان بيت فاجي ويأخذان الجحش وأمه يقول بعض الواقفين هناك: «ماذا تفعلان.» ولكن عندما يُقال لهم ان الحيوانين هما للرب يترك الرجال التلميذين يأخذانهما الى يسوع. ويضع التلميذان ثيابهما على الاتان الام وعلى ابنها، إلا ان يسوع يمتطي الجحش.
وإذ يركب يسوع متجها نحو اورشليم، يزداد الجمع. ومعظم الناس يفرشون ثيابهم في الطريق، فيما يقطع آخرون اغصانا من الشجر ويفرشونها. «مبارك الملك الآتي باسم الرب،» يصرخون. «سلام في السماء ومجد في الاعالي.»
وبعض الفريسيين في الجمع يستاؤون من هذه الاعلانات ويتشكَّون الى يسوع: «يا معلم انتهر تلاميذك.» ولكنّ يسوع يجيب: «اقول لكم انه ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ.»
واذ يقترب يسوع من اورشليم، ينظر الى المدينة ويبدأ بالبكاء عليها، قائلا: «انكِ لو علمتِ انتِ ايضا حتى في يومكِ هذا ما هو لسلامكِ. ولكن الآن قد أُخفي عن عينيكِ.» فمن اجل عصيانها العمدي لا بدّ ان تدفع اورشليم الثمن، كما ينبئ يسوع:
«يحيط بكِ اعداؤكِ [الرومان تحت قيادة الجنرال تيطس] بمترسة ويحدقون بكِ ويحاصرونكِ من كل جهة. ويهدمونكِ وبنيكِ فيكِ ولا يتركون فيكِ حجرا على حجر.» ودمار اورشليم هذا الذي انبأ به يسوع يحدث في الواقع بعد ٣٧ سنة، في السنة ٧٠ بم.
وقبل اسابيع قليلة فقط كان كثيرون في الجمع قد رأوا يسوع يقيم لعازر. والآن يستمر هؤلاء في إخبار الآخرين بهذه الاعجوبة. وهكذا عندما يدخل يسوع اورشليم ترتجّ المدينة كلها. «مَن هذا،» يريد الناس ان يعرفوا. وتستمر الجموع في القول: «هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل.» وعند رؤيتهم ما يحدث يرثي الفريسيون كونهم لا ينفعون شيئا، لأنه، كما يقولون: «العالم قد ذهب وراءه.»
وكما هي عادته في زيارات اورشليم، يذهب يسوع الى الهيكل ليعلِّم. وهناك يتقدَّم اليه العمي والعرج فيشفيهم! فعندما يرى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي يصنعها يسوع وعندما يسمعون الاولاد في الهيكل يصرخون، «أُوصنّا لابن داود،» يغضبون. «أتسمع ما يقول هؤلاء،» يحتجون.
«نعم،» يجيب يسوع. «أما قرأتم قط من افواه الاطفال والرضّع هيّأتَ تسبيحا.»
يستمر يسوع في التعليم، وينظر حوله الى كل شيء في الهيكل. وسرعان ما يصير الوقت متأخرا. فيغادر مع الـ ١٢، ويقطع مسافة ميلين (٣ كلم) او نحو ذلك عائدا الى بيت عنيا. وهناك يقضي يوم الاحد ليلا، على الأرجح في بيت صديقه لعازر. متى ٢١:١-١١، ١٤-١٧؛ مرقس ١١:١-١١؛ لوقا ١٩:٢٩-٤٤؛ يوحنا ١٢:١٢-١٩؛ زكريا ٩:٩.
▪ متى وبأية طريقة يدخل يسوع اورشليم كملك؟
▪ كم يكون حيويا ان تثني الجموع على يسوع؟
▪ كيف يشعر يسوع عندما ينظر الى اورشليم، وأية نبوة يتلفَّظ بها؟
▪ ماذا يحدث عندما يذهب يسوع الى الهيكل؟
-
-
زيارة الهيكل ثانيةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٣
زيارة الهيكل ثانية
لقد قضى يسوع وتلاميذه ليلتهم الثالثة في بيت عنيا منذ وصولهم من اريحا. والآن يجدهم نور صباح الاثنين، ١٠ نيسان قمري، في الطريق الى اورشليم. ويسوع جائع. لذلك عندما ينظر شجرة تين عليها ورق يجيء اليها ليرى ما اذا كان فيها بعض التين.
ان ورق الشجرة مبكر في غير وقته، لان وقت التين لا يكون حتى حزيران، والآن هو مجرد اواخر آذار. إلا ان يسوع يشعر كما يظهر بأنه اذ الورق مبكر فربما كان التين ايضا مبكرا. ولكن يخيب امله. فالورق قد اعطى الشجرة مظهرا خدّاعا. وعندئذ يلعن يسوع الشجرة، قائلا: «لا يأكل احد منك ثمرا بعد الى الابد.» ونتائج تصرف يسوع ومغزاه يجري التعلم عنهما في الصباح التالي.
واذ يتابعون، يصل يسوع وتلاميذه الى اورشليم سريعا. فيذهب الى الهيكل، الذي كان قد تفحَّصه بعد ظهر اليوم السابق. ولكنه اليوم يتخذ اجراء، تماما كما فعل قبل ثلاث سنوات عندما اتى الى الفصح في السنة ٣٠ بم. فيُخرج يسوع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل ويقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. حتى انه لا يدع احدا يجتاز الهيكل بمتاع.
واذ يدين اولئك الذين كانوا يصرِّفون المال ويبيعون الحيوانات في الهيكل، يقول: «أليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الامم. وانتم جعلتموه مغارة لصوص.» فهم لصوص لانهم يطلبون اثمانا فادحة من اولئك الذين ليس لهم بديل إلا ان يشتروا منهم الحيوانات اللازمة للذبيحة. لذلك يعتبر يسوع هذه التعاملات التجارية شكلا من الابتزاز او اللصوصية.
وعندما يسمع رؤساء الكهنة، الكتبة، مع وجوه الشعب بما فعل يسوع يطلبون مرة اخرى طريقة لقتله. وبذلك يبرهنون انهم لا يقبلون الاصلاح. ولكنهم لا يعرفون كيف يهلكون يسوع، لان الشعب كله متعلِّق به يسمع منه.
والى جانب اليهود الطبيعيين، فان امميين ايضا اتوا الى الفصح. هؤلاء هم دخلاء، اي انهم قد اهتدوا الى دين اليهود. وبعض اليونانيين، الدخلاء كما يظهر، يتقدمون الآن الى فيلبس ويطلبون ان يروا يسوع. فيذهب فيلبس الى اندراوس، ربما ليسأل عما اذا كان مثل هذا الاجتماع ملائما. ويبدو ان يسوع لا يزال في الهيكل حيث يتمكن اليونانيون من رؤيته.
يعرف يسوع ان له بضعة ايام فقط من الحياة باقية، لذلك يوضح وضعه جيدا: «قد اتت الساعة ليتمجد ابن الانسان. الحق الحق اقول لكم ان لم تقع حبة الحنطة في الارض وتمت فهي تبقى (حبة واحدة فقط). ولكن ان ماتت تأتي بثمر كثير.»
ان لحبة الحنطة الواحدة قيمة زهيدة. ولكن ماذا ان وُضعت في التربة و «ماتت،» منهية حياتها كبزرة؟ عندئذ تنبت وبعد مدة تنمو لتصير ساقا يُنتج الكثير الكثير من حبات الحنطة. وعلى نحو مشابه، فان يسوع هو انسان كامل واحد فقط. ولكن اذا مات امينا للّٰه يصير وسيلة لاعطاء حياة ابدية للامناء الذين لهم روح التضحية بالذات نفسها التي له. لذلك يقول يسوع: «من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها الى حياة ابدية.»
من الواضح ان يسوع لا يفكر فقط في نفسه، لانه بعد ذلك يشرح: «ان كان احد يخدمني فليتبعني. وحيث اكون انا هناك ايضا يكون خادمي. وان كان احد يخدمني يكرمه الآب.» فيا لها من مكافأة رائعة على اتِّباع يسوع وخدمته! انها مكافأة الاكرام من قِبل الآب للاقتران بالمسيح في الملكوت.
واذ يفكر في الالم العظيم وموت العذاب الذي ينتظره، يتابع يسوع: «الآن نفسي قد اضطربت. وماذا اقول. ايها الآب نجِّني من هذه الساعة.» ليت ما ينتظره يمكن تجنبه! ولكن كلا، كما يقول: «لاجل هذا اتيت الى هذه الساعة.» ان يسوع على وفاق مع ترتيب اللّٰه بكامله، بما في ذلك موته الفدائي. متى ٢١:١٢، ١٣، ١٨، ١٩؛ مرقس ١١:١٢-١٨؛ لوقا ١٩:٤٥-٤٨؛ يوحنا ١٢:٢٠-٢٧.
▪ لماذا يتوقع يسوع ان يجد تينا مع ان الوقت ليس وقته؟
▪ لماذا يدعو يسوع اولئك الذين يبيعون في الهيكل ‹لصوصا›؟
▪ بأية طريقة يشبه يسوع حبة حنطة تموت؟
▪ كيف يشعر يسوع حيال الالم والموت الذي ينتظره؟
-
-
صوت اللّٰه يُسمع للمرة الثالثةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٤
صوت اللّٰه يُسمع للمرة الثالثة
فيما هو في الهيكل يتعذب يسوع بسبب الموت الذي لا بد ان يواجهه قريبا. وقلقه الرئيسي هو كيف ستتأثر سمعة ابيه، لذلك يصلّي: «ايها الآب مجّد اسمك.»
عند ذلك يأتي صوت قوي من السموات، مناديا: «مجَّدتُ وأمجّد ايضا.»
الجمع الواقف مذهول. «قد كلّمه ملاك،» يبتدئ البعض بالقول. وآخرون يدَّعون انه حدث رعد. ولكنّ يهوه اللّٰه، في الواقع، هو الذي تكلَّم! إلا ان هذه ليست المرة الاولى التي يُسمع فيها صوت اللّٰه في ما يتعلق بيسوع.
فعند معمودية يسوع، قبل ثلاث سنين ونصف، سمع يوحنا المعمدان اللّٰه يقول عن يسوع: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.» ثم، في وقت ما بعد الفصح السابق، عندما تجلّى يسوع امامهم، سمع يعقوب ويوحنا وبطرس اللّٰه يعلن: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.» والآن للمرة الثالثة، في ١٠ نيسان قمري، قبل موت يسوع بأربعة ايام، يسمع الناس صوت اللّٰه من جديد. ولكنّ يهوه هذه المرة يتكلم بحيث يكون ممكنا للجماهير ان تسمع!
يشرح يسوع: «ليس من اجلي صار هذا الصوت بل من اجلكم.» وذلك يزوِّد البرهان على ان يسوع هو فعلا ابن اللّٰه، المسيّا الموعود به. «الآن دينونة هذا العالم،» يتابع يسوع، «الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجا.» وفي الواقع، ان المسلك الامين لحياة يسوع يؤكد ان الشيطان ابليس، رئيس العالم، يستحق ان ‹يُطرح خارجا،› ان ينفَّذ فيه الحكم.
واذ يشير الى نتائج موته الوشيك، يقول يسوع: «وانا إن ارتفعت عن الارض أجذب اليَّ الجميع.» فموته ليس هزيمة ابدا، لانه بذلك يجذب الآخرين اليه بحيث يكون ممكنا ان يتمتعوا بحياة ابدية.
ولكنّ الجمع يحتج: «نحن سمعنا من الناموس ان المسيح يبقى الى الابد. فكيف تقول انت انه ينبغي ان يرتفع ابن الانسان. من هو هذا ابن الانسان.»
على الرغم من الدليل كله، بما في ذلك سماع صوت اللّٰه، لا تؤمن الاغلبية بأن يسوع هو ابن الانسان الحقيقي، المسيّا الموعود به. ومع ذلك، كما فعل قبل ستة شهور في عيد المظال، يتكلم يسوع من جديد عن نفسه بصفته «النور» ويشجِّع سامعيه: «ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا ابناء النور.» وبعد قوله هذه الامور يمضي يسوع ويختفي، لان حياته كما يتضح تكون في خطر.
ان افتقار اليهود الى الايمان بيسوع يتمم كلمات اشعياء عن ‹اعماء عيون الناس واغلاظ قلوبهم لئلا يرجعوا فيُشفوا.› لقد رأى اشعياء في رؤيا ديار يهوه السماوية، بما فيها يسوع في مجده السابق لبشريته الى جانب يهوه. ولكنّ اليهود، اتماما لما كتبه اشعياء، يرفضون بعناد الدليل على ان هذا الشخص هو منقذهم الموعود به.
ومن جهة اخرى، فان كثيرين من الرؤساء ايضا (وكما يتضح اعضاء من المحكمة العليا اليهودية، السنهدريم) يؤمنون فعلا بيسوع. ونيقوديموس ويوسف الذي من الرامة هما اثنان من هؤلاء الرؤساء. ولكنّ الرؤساء، على الاقل في الوقت الحاضر، يفشلون في اعلان ايمانهم، خوفا من ان يُطردوا من مراكزهم في المجمع. وكم يخسر مثل هؤلاء الاشخاص!
يتابع يسوع ليشير: «الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي ارسلني. . . . والذي يراني يرى الذي أرسلني. وإن سمع احد كلامي ولم يؤمن فانا لا أَدينه. لاني لم آتِ لأدين العالم بل لاخلِّص العالم. . . . الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير.»
ان محبة يهوه لعالم الجنس البشري دفعته الى ارسال يسوع لكي يخلِّص اولئك الذين يؤمنون به. وما اذا كان الناس يخلصون سيقرره ما اذا كانوا يطيعون الامور التي علَّم اللّٰه يسوع ان يتكلم بها. والدينونة ستحدث «في اليوم الاخير،» خلال حكم المسيح ألف سنة.
ويختتم يسوع بالقول: «لم اتكلم من نفسي لكنّ الآب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول وبماذا اتكلم. وانا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية. فما اتكلم انا به فكما قال لي الآب هكذا اتكلم.» يوحنا ١٢:٢٨-٥٠؛ ١٩:٣٨، ٣٩؛ متى ٣:١٧؛ ١٧:٥؛ اشعياء ٦:١، ٨-١٠.
▪ في اية مناسبات ثلاث سُمع صوت اللّٰه في ما يختص بيسوع؟
▪ كيف رأى النبي اشعياء مجد يسوع؟
▪ مَن هم الرؤساء الذين يؤمنون بيسوع، ولكن لماذا لا يعترفون به علانية؟
▪ ما هو «اليوم الاخير،» وعلى اي اساس سيُدان الناس عندئذ؟
-
-
بداية يوم حاسماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٥
بداية يوم حاسم
عندما يغادر يسوع اورشليم يوم الاثنين مساء يعود الى بيت عنيا في المنحدر الشرقي لجبل الزيتون. لقد انتهى يومان من خدمته الختامية في اورشليم. ودون شك، يقضي يسوع الليلة مرة اخرى مع صديقه لعازر. هذه هي ليلته الرابعة التي قضاها في بيت عنيا منذ وصوله من اريحا يوم الجمعة.
والآن، باكرا في صباح يوم الثلاثاء، ١١ نيسان قمري، يكون هو وتلاميذه في الطريق من جديد. ويتبيَّن ان هذا هو يوم حاسم في خدمة يسوع، الاكثر انشغالا حتى الآن. انه اليوم الاخير الذي يَظهر فيه في الهيكل. وهو اليوم الاخير لخدمته العلنية قبل محاكمته وتنفيذ الحكم فيه.
يتخذ يسوع وتلاميذه الطريق عينها على جبل الزيتون نحو اورشليم. وبجانب هذه الطريق من بيت عنيا يلاحظ بطرس الشجرة التي لعنها يسوع في الصباح السابق. «يا سيدي انظر،» يهتف، «التينة التي لعنْتَها قد يبست.»
ولكن لماذا قضى يسوع على الشجرة؟ يشير الى السبب عندما يمضي قائلا: «الحق أقول لكم ان كان لكم ايمان ولا تشكّون فلا تفعلون امر التينة فقط بل ان قلتم ايضا لهذا الجبل [جبل الزيتون الذي عليه يقفون] انتقل وانطرح في البحر فيكون. وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه.»
اذًا، بجعل الشجرة تيبس، يزوِّد يسوع تلاميذه درسا منظورا في حاجتهم الى امتلاك الايمان باللّٰه. وكما يذكر: «كل ما تطلبونه حينما تصلّون فآمنوا ان تنالوه فيكون لكم.» يا له من درس مهم ليتعلَّموه، وخصوصا بالنظر الى الامتحانات المروِّعة التي كانت ستأتي قريبا. ولكن هنالك رابط آخر بين جعل شجرة التين تيبس وصفة الايمان.
لأمة اسرائيل، كشجرة التين هذه، مظهر خادع. فمع ان الامة هي في علاقة عهد مع اللّٰه وقد تبدو ظاهريا متقيِّدة بفرائضه، فقد اثبتت انها بدون ايمان، فارغة من الثمر الجيد. وبسبب عدم الايمان فانها في طور رفض ابن اللّٰه الخاص! وهكذا، بجعل شجرة التين غير المثمرة تيبس، يُظهر يسوع على نحو تصويري ماذا ستكون النتيجة النهائية لهذه الامة العديمة الايمان والعديمة الثمر.
بعد قليل يدخل يسوع وتلاميذه اورشليم، وكعادتهم يذهبون الى الهيكل، حيث يبتدئ يسوع بالتعليم. واذ يتذكر رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب دون شك عمل يسوع في اليوم السابق ضد الصرّافين، يتحدَّونه: «بأيّ سلطان تفعل هذا ومن اعطاك هذا السلطان.»
يجيب يسوع قائلا: «وانا ايضا اسألكم كلمة واحدة فإن قلتم لي عنها اقول لكم انا ايضا بأيّ سلطان افعل هذا. معمودية يوحنا من اين كانت. من السماء أم من الناس.»
يبدأ الكهنة والشيوخ بالتشاور في ما بينهم كيف يجيبون. «ان قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به. وان قلنا من الناس نخاف من الشعب. لان يوحنا عند الجميع مثل نبي.»
لا يعرف الرؤساء بماذا يردّون. فيجيبون يسوع: «لا نعلم.»
فيقول يسوع ايضا: «ولا انا اقول لكم بأيّ سلطان افعل هذا.» متى ٢١:١٩-٢٧؛ مرقس ١١:١٩-٣٣؛ لوقا ٢٠:١-٨.
▪ ما هو المهم في ما يتعلق بيوم الثلاثاء، ١١ نيسان قمري؟
▪ اي درسين يزوِّدهما يسوع عندما يجعل شجرة التين تيبس؟
▪ كيف يجيب يسوع اولئك الذين يسألون بأيّ سلطان يفعل الامور؟
-
-
يشهَّرون بإيضاحين عن الكرماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٦
يشهَّرون بإيضاحين عن الكرم
يسوع في الهيكل. وقد اربك قبل قليل القادة الدينيين الذين طلبوا ان يعرفوا بسلطان مَن يفعل الامور. وقبل ان يُفيقوا من ارتباكهم يسأل يسوع: «ماذا تظنون.» ثم بواسطة ايضاح، يُظهر لهم ايّ نوع من الاشخاص هم حقا.
«كان لإنسان ابنان،» يروي يسوع. «فجاء الى الاول وقال يا ابني اذهب اليوم اعمل في كرمي. فأجاب وقال ما اريد. ولكنه ندم اخيرا ومضى. وجاء الى الثاني وقال كذلك. فأجاب وقال ها انا يا سيد. ولم يمضِ. فأيّ الاثنين عمل ارادة الأب،» يسأل يسوع.
«الاول،» يجيب خصومه.
لذلك يشرح يسوع: «الحق اقول لكم ان العشارين والزواني يسبقونكم الى ملكوت اللّٰه.» وفي الواقع، رفض العشارون والزواني في البداية ان يخدموا اللّٰه. ولكن بعد ذلك، كالابن الاول، تابوا وخدموه فعلا. ومن جهة اخرى، ادّعى القادة الدينيون، كالابن الثاني، انهم يخدمون اللّٰه، ولكن كما يلاحظ يسوع: «يوحنا [المعمدان] جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به. وأمّا العشارون والزواني فآمنوا به. وأنتم اذ رأيتم لم تندموا اخيرا لتؤمنوا به.»
يُظهر يسوع بعد ذلك ان فشل القادة الدينيين هؤلاء ليس في مجرد اهمال خدمة اللّٰه. كلا، بل هم في الواقع رجال اشرار اردياء. «كان انسان رب بيت،» يروي يسوع، «غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلّمه الى كرامين وسافر. ولمّا قرب وقت الاثمار ارسل عبيده الى الكرامين ليأخذ اثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا. ثم ارسل ايضا عبيدا آخرين اكثر من الاولين. ففعلوا بهم كذلك.»
ان ‹العبيد› هم الانبياء الذين ارسلهم ‹رب البيت،› يهوه اللّٰه، الى ‹كرامي كرمه.› وهؤلاء الكرامون هم الممثِّلون القياديون لأمة اسرائيل، الامة التي يحدِّد الكتاب المقدس هويتها بصفتها «كرم» اللّٰه.
وبما ان «الكرامين» يسيئون معاملة ‹العبيد› ويقتلونهم، يشرح يسوع: «فأخيرا ارسل [صاحب الكرم] اليهم ابنه قائلا يهابون ابني. وأمّا الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث. هلمّوا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه.»
والآن، اذ يخاطب القادة الدينيين، يسأل يسوع: «متى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين.»
«(لأنهم) اردياء،» يجيب القادة الدينيون، «يهلكهم هلاكا رديّا ويسلِّم الكرم الى كرامين آخرين يعطونه الاثمار في اوقاتها.»
وهكذا من غير علم ينادون بالدينونة على انفسهم، اذ انهم مشمولون بين «الكرامين» الاسرائيليين لِـ «كرم» يهوه القومي لإسرائيل. والثمر الذي يتوقَّعه يهوه من كرامين كهؤلاء هو الايمان بابنه، المسيّا الحقيقي. ولسبب فشلهم في تزويد ثمر كهذا يحذِّر يسوع: «أمَا قرأتم قط في الكتب [في المزمور ١١٨:٢٢، ٢٣]. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في اعيننا. لذلك اقول لكم ان ملكوت اللّٰه يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل اثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضَّض ومن سقط هو عليه يسحقه.»
يدرك الكتبة ورؤساء الكهنة الآن ان يسوع يتكلَّم عليهم، ويريدون ان يقتلوه، «الوارث» الشرعي. وهكذا فإن امتياز الكينونة حكاما في ملكوت اللّٰه يُنزع منهم كأمة، وتُخلق امة جديدة من ‹كرامي الكرم،› امة تنتج اثمارا ملائمة.
ولأن القادة الدينيين يخافون من الجموع، الذين يعتبرون يسوع نبيا، لا يحاولون قتله في هذه المناسبة. متى ٢١:٢٨-٤٦؛ مرقس ١٢:١-١٢؛ لوقا ٢٠:٩-١٩؛ اشعياء ٥:١-٧.
▪ مَن يمثِّل الابنان في ايضاح يسوع الاول؟
▪ في الايضاح الثاني مَن يجري تمثيلهم بِـ ‹رب البيت،› «الكرم،» «الكرامين،» ‹العبيد،› و «الوارث»؟
▪ ماذا سيحدث لـ ‹كرامي الكرم،› ومَن سيحل محلّهم؟
-
-
إيضاح وليمة العرساعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٧
إيضاح وليمة العرس
بواسطة إيضاحين شهَّر يسوع الكتبة ورؤساء الكهنة، وهم يريدون ان يقتلوه. ولكنّ يسوع لم ينتهِ منهم. فيمضي ليذكر لهم إيضاحا آخر ايضا، قائلا:
«يشبه ملكوت السموات انسانا ملكا صنع (وليمة عرس) لابنه. وأرسل عبيده ليدعوا المدعوّين الى (وليمة) العرس فلم يريدوا ان يأتوا.»
ان يهوه اللّٰه هو الملك الذي يُعدّ وليمة عرس لابنه، يسوع المسيح. وأخيرا، ستتَّحد العروس من الأتباع الممسوحين الـ ٠٠٠,١٤٤ بيسوع في السماء. ورعايا الملك هم شعب اسرائيل الذين، عند إدخالهم في عهد الناموس سنة ١٥١٣ قم، نالوا فرصة الصيرورة «مملكة كهنة.» وهكذا، في تلك المناسبة، قُدِّمت لهم في الاصل الدعوة الى وليمة العرس.
ولكنّ الدعوة الاولى لأولئك المدعوّين لم تخرج حتى خريف سنة ٢٩ بم حين بدأ يسوع وتلاميذه (عبيد الملك) بعمل كرازتهم بالملكوت. ولكنّ الاسرائيليين الطبيعيين الذين نالوا هذه الدعوة الصادرة عن العبيد من سنة ٢٩ بم الى سنة ٣٣ بم لم يريدوا ان يأتوا. فأعطى اللّٰه امة المدعوّين فرصة اخرى، كما يسرد يسوع:
«فأرسل ايضا عبيدا آخرين قائلا قولوا للمدعوّين هوذا غدائي أعددته. ثيراني ومسمَّناتي قد ذُبحت وكل شيء معدّ. تعالوا الى (وليمة) العرس.» ان هذه الدعوة الثانية والاخيرة لأولئك المدعوّين ابتدأت يوم الخمسين سنة ٣٣ بم حين سُكب الروح القدس على أتباع يسوع. واستمرت هذه الدعوة حتى سنة ٣٦ بم.
ولكنّ الاغلبية العظمى من الاسرائيليين رفضت ايضا هذه الدعوة بازدراء. «تهاونوا ومضوا،» يقول يسوع، «واحد الى حقله وآخر الى تجارته. والباقون امسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.» «فلمّا سمع الملك،» يتابع يسوع، «غضب وأرسل جنوده وأهلك اولئك القاتلين وأحرق مدينتهم.» وحدث ذلك سنة ٧٠ بم حين دكّ الرومان اورشليم الى الحضيض وقُتل اولئك القاتلون.
ثم يشرح يسوع ما حدث في تلك الاثناء: «ثم قال [الملك] لعبيده أمّا (وليمة العرس فجاهزة) وأمّا المدعوون فلم يكونوا مستحقين. فاذهبوا الى (الطرق المؤدية الى خارج المدينة) وكل من وجدتموه فادعوه الى (وليمة) العرس.» وفعل العبيد ذلك، «فامتلأ العرس من المتكئين.»
ان عمل جمع الضيوف هذا من الطرق خارج مدينة المدعوّين ابتدأ سنة ٣٦ بم. وقائد المئة الروماني كرنيليوس وعائلته كانوا اول المجموعين غير اليهود غير المختونين. وتجميع غير اليهود هؤلاء، الذين هم جميعا بدلاء لأولئك الذين رفضوا الدعوة في الاصل، قد استمر الى القرن الـ ٢٠.
ويكون خلال القرن الـ ٢٠ ان العرس يصير ممتلئا. ويروي يسوع ما يحدث بعدئذ، قائلا: «فلمّا دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك انسانا لم يكن لابسا لباس العرس. فقال له يا صاحب كيف دخلت الى هنا وليس عليك لباس العرس. فسكت. حينئذ قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.»
ان الرجل الذي بدون لباس العرس يمثِّل المسيحيين الزائفين للعالم المسيحي. فاللّٰه لم يعترف بهؤلاء قط كأشخاص يملكون إثبات الهوية اللائق كإسرائيليين روحيين. واللّٰه لم يمسحهم قط بالروح القدس كورثة للملكوت. لذلك يُطرحون خارجا الى الظلمة حيث سيعانون الهلاك.
ويختتم يسوع إيضاحه بالقول: «لأن كثيرين يُدعَون وقليلين يُنتخبون.» اجل، كان هنالك كثيرون مدعوّون من امة اسرائيل ليصيروا اعضاء عروس المسيح، ولكنّ قليلين فقط من الاسرائيليين الطبيعيين جرى اختيارهم. ومعظم الضيوف الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين ينالون المكافأة السماوية يتبرهن انهم غير اسرائيليين. متى ٢٢:١-١٤؛ خروج ١٩:١-٦؛ رؤيا ١٤:١-٣.
▪ مَن هم اولئك المدعوّون في الاصل الى وليمة العرس، ومتى قُدِّمت الدعوة لهم؟
▪ متى تخرج الدعوة اولا لأولئك المدعوّين، ومَن هم العبيد المستخدَمون لإصدارها؟
▪ متى تُقدَّم الدعوة الثانية، ومَن يُدعَون بعدئذ؟
▪ مَن يجري تمثيلهم بالرجل الذي بدون لباس العرس؟
▪ مَن هم الكثيرون المدعوّون، والقليلون المنتخَبون؟
-
-
يفشلون في إيقاع يسوع في شركاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٨
يفشلون في إيقاع يسوع في شرك
يسوع يعلِّم في الهيكل، وقد قال لأعدائه الدينيين منذ قليل ثلاثة إيضاحات تشهِّر شرَّهم، فيغضب الفريسيون ويتشاورون ليوقعوه في شركِ قولِ شيءٍ يمكنهم من اجله اعتقاله. فيدبِّرون مكيدة ويرسلون تلاميذهم مع الهيرودسيين ليحاولوا ان يوقعوه.
«يا معلِّم،» يقول هؤلاء الرجال، «نعلم انك صادق وتعلِّم طريق اللّٰه بالحق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس. فقل لنا ماذا تظن. أيجوز ان تُعطى جزية لقيصر أم لا.»
لا ينخدع يسوع بالاطراء. فهو يدرك انه اذا قال، ‹كلا، لا يجوز او يحق دفع هذه الجزية،› يصير مذنبا بالتحريض على العصيان على رومية. ولكن اذا قال، ‹نعم، يجب ان تدفعوا هذه الجزية،› يبغضه اليهود الذين يكرهون عبوديتهم لرومية. لذلك يجيب: «لماذا تجرِّبونني يا مراؤون. أروني معاملة الجزية.»
وعندما يقدِّمون له واحدة يسأل: «لمَن هذه الصورة والكتابة.»
«لقيصر،» يجيبون.
«أعطوا اذًا ما لقيصر لقيصر وما للّٰه للّٰه.» وعندما يسمع هؤلاء الرجال جواب يسوع البارع يتعجَّبون. فيمضون ويتركونه وشأنه.
وإذ يرون فشل الفريسيين في ان يجدوا علَّة على يسوع، يقترب اليه الصدوقيون، الذين يقولون ليس قيامة، ويسألونه: «يا معلِّم قال موسى إن مات احد وليس له اولاد يتزوَّجْ اخوه بامرأته ويُقِمْ نسلا لأخيه. فكان عندنا سبعة إخوة وتزوَّج الاول ومات. وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه. وكذلك الثاني والثالث الى السبعة. وآخر الكل ماتت المرأة ايضا. ففي القيامة لمَن من السبعة تكون زوجة. فإنها كانت للجميع.»
فيجيب يسوع ويقول: «أليس لهذا تضلون اذ لا تعرفون الكتب ولا قوة اللّٰه. لأنهم متى قاموا من الاموات لا يزوِّجون ولا يزوَّجون بل يكونون كملائكة في السموات. وأمّا من جهة الاموات انهم يقومون أفما قرأتم في كتاب موسى في امر العلَّيقة كيف كلَّمه اللّٰه قائلا انا إله ابرهيم وإله اسحق وإله يعقوب. ليس هو إله اموات بل إله احياء. فأنتم اذًا تضلون كثيرا.»
ومجدَّدا يندهش الجموع من جواب يسوع. حتى ان قوما من الكتبة يُقِرّون: «يا معلِّم حسنا قلتَ.»
وعندما يرى الفريسيون ان يسوع أبكمَ الصدوقيين يجتمعون اليه معا. وبغية امتحانه اكثر، يسأل واحد من الكتبة بينهم: «يا معلِّم اية وصية هي العظمى في الناموس.»
فيجيب يسوع: «ان اول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الاولى. وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك. ليس وصية اخرى اعظم من هاتين.» وفي الواقع، يضيف يسوع: «بهاتين الوصيتين يتعلَّق الناموس كله والانبياء.»
«جيدا يا معلِّم. بالحق قلتَ،» يوافق الكاتب. «لأنه اللّٰه واحد وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي افضل من جميع المحرقات والذبائح.»
وإذ يرى ان الكاتب اجاب بعقل، يقول له يسوع: «لست بعيدا عن ملكوت اللّٰه.»
لثلاثة ايام الآن — الاحد، الاثنين، والثلاثاء — يعلِّم يسوع في الهيكل. والناس سمعوه بسرور، ومع ذلك يريد القادة الدينيون ان يقتلوه، لكنّ محاولاتهم حتى الآن قد خابت. متى ٢٢:١٥-٤٠؛ مرقس ١٢:١٣-٣٤؛ لوقا ٢٠:٢٠-٤٠.
▪ اية مكيدة يدبِّرها الفريسيون لإيقاع يسوع في شرك، وماذا كان سينتج لو اعطى جوابا بنعم او لا؟
▪ كيف يحبط يسوع ايضا محاولات الصدوقيين لإيقاعه في شرك؟
▪ اية محاولة اضافية يقوم بها الفريسيون لامتحان يسوع، وماذا تكون النتيجة؟
▪ خلال خدمته الاخيرة في اورشليم، كم يوما يعلِّم يسوع في الهيكل، وبأي تأثير؟
-
-
يسوع يشهِّر مقاوميهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٠٩
يسوع يشهِّر مقاوميه
لقد اربك يسوع تماما مقاوميه الدينيين حتى انهم يخافون ان يسألوه عن ايّ شيء اضافي. فيأخذ المبادرة ليفضح جهلهم. «ماذا تظنون في المسيح،» يستفسر. «ابن مَن هو.»
«ابن داود،» يجيب الفريسيون.
وعلى الرغم من ان يسوع لا ينكر ان داود هو سلف المسيح او المسيّا في الجسد، يسأل: «فكيف يدعوه داود بالروح [في المزمور ١١٠] ربًّا قائلا قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع اعداءك موطئا لقدميك. فإنْ كان داود يدعوه ربًّا فكيف يكون ابنه.»
يصمت الفريسيون لأنهم لا يعرفون الهوية الحقيقية للمسيح، او الممسوح. فالمسيّا ليس مجرد متحدِّر بشري من داود، كما يؤمن الفريسيون بوضوح، بل كان موجودا في السماء وكان ارفع مقاما من داود، او ربَّه.
وإذ يلتفت الآن الى الجموع وتلاميذه، يحذِّر يسوع من الكتبة والفريسيين. وبما ان هؤلاء يعلِّمون شريعة اللّٰه، وقد ‹جلسوا على كرسي موسى،› يحثّ يسوع: «كل ما قالوا لكم ان تحفظوه فاحفظوه وافعلوه.» ولكنه يضيف: «حسب اعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون.»
انهم مراؤون، ويسوع يشهِّرهم تماما باللغة عينها التي شهَّرهم بها فيما كان يتعشّى في بيت فريسي قبل اشهر. «وكل اعمالهم يعملونها،» يقول، «لكي تنظرهم الناس.» وهو يزوِّد امثلة، ملاحظا:
«يعرِّضون (العُلَب المحتوية على آيات التي يلبسونها كواقيات).» وهذه العُلَب الصغيرة نسبيا، التي تُلبس على الجبهة او على الذراع، تحتوي على اربعة اجزاء من الشريعة: خروج ١٣:١-١٠، ١١-١٦؛ وتثنية ٦:٤-٩؛ ١١:١٣-٢١. إلاّ ان الفريسيين يزيدون حجم هذه العُلَب ليعطوا الانطباع انهم غيورون للناموس.
ويتابع يسوع انهم «يعظِّمون اهداب ثيابهم.» ففي العدد ١٥:٣٨-٤٠ يؤمر الاسرائيليون بأن يصنعوا اهدابا في ثيابهم، إلاّ ان الفريسيين يصنعون اهدابهم اكبر مما يصنعها ايّ شخص آخر. فكل شيء يُصنع للتباهي! «ويحبون المتَّكأ الاول،» يعلن يسوع.
ومن المحزن ان تلاميذه تأثَّروا بهذه الرغبة في البروز. لذلك ينصح: «وأمّا انتم فلا تُدعوا سيدي لأن معلِّمكم واحد المسيح وأنتم جميعا اخوة. ولا تَدعوا لكم ابا على الارض لأن اباكم واحد الذي في السموات. ولا تُدعوا معلِّمين لأن معلِّمكم واحد المسيح.» فيجب ان يتحرَّر التلاميذ من الرغبة في ان يكونوا الاول! «اكبركم يكون خادما لكم،» ينصح يسوع.
ثم يتلفَّظ بسلسلة من الويلات على الكتبة والفريسيين، داعيا اياهم تكرارا مرائين. انهم ‹يغلقون ملكوت السموات قدام الناس،› يقول، وهم ‹الذين يأكلون بيوت الارامل ولعلَّة يطيلون الصلاة.›
«ويل لكم ايها القادة العميان،» يقول يسوع. فهو يدين النقص في القيم الروحية لدى الفريسيين، كما هو ظاهر من التمييزات التعسُّفية التي يصنعونها. على سبيل المثال، يقولون، ‹ليس بشيء اذا حلف احد بالهيكل، ولكنّ المرء يلتزم اذا حلف بذهب الهيكل.› فبوضعهم التشديد على ذهب الهيكل اكثر ممّا على القيمة الروحية لمكان العبادة هذا، يكشفون عن عماهم الادبي.
ثم، كما فعل في وقت ابكر، يدين يسوع الفريسيين لانهم يهملون «اثقل الناموس الحق والرحمة والايمان،» فيما يمنحون انتباها عظيما لتعشير، او دفع عُشر، الحشائش التافهة.
ويدعو يسوع الفريسيين «القادة العميان الذين يُصَفُّون عن البعوضة ويبلعون الجمل.» فهم يُصَفُّون خمرهم من البعوضة لا لمجرد انها حشرة بل لأنها نجسة طقسيا. ومع ذلك، فإن تركهم اثقل الناموس يقارَن بابتلاع جمل، حيوان نجس طقسيا ايضا. متى ٢٢:٤١–٢٣:٢٤؛ مرقس ١٢:٣٥-٤٠؛ لوقا ٢٠:٤١-٤٧؛ لاويين ١١:٤، ٢١-٢٤.
▪ لماذا يصمت الفريسيون عندما يسألهم يسوع عمّا قاله داود في المزمور ١١٠؟
▪ لماذا يعظِّم الفريسيون عُلَبهم المحتوية على آيات والاهداب في ثيابهم؟
▪ اية مشورة يعطيها يسوع لتلاميذه؟
▪ اية تمييزات تعسُّفية يصنعها الفريسيون، وكيف يدينهم يسوع لانهم يهملون القضايا الاثقل؟
-
-
إكمال الخدمة في الهيكلاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٠
إكمال الخدمة في الهيكل
يسوع يقوم بظهوره الاخير في الهيكل. وفي الواقع، انه يختتم خدمته العلنية على الارض ما عدا حوادث محاكمته وتنفيذ الحكم فيه بعد ثلاثة ايام. والآن يتابع تعنيفه للكتبة والفريسيين.
وثلاث مرات اضافية يصرخ: «ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون.» اولا، ينادي بالويل عليهم لأنهم ينقّون «خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة.» ولذلك ينصح: «نقِّ اولا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا.»
ثم يتلفَّظ بالويل على الكتبة والفريسيين لأجل الفساد والنتن الداخليين اللذين يحاولون اخفاءهما بالورع الخارجي. «تشبهون قبورا مبيَّضة،» يقول، «تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة.»
وأخيرا، يَظهر رياؤهم في رغبتهم في بناء المدافن للانبياء وتزيينها ليلفتوا الانتباه الى اعمالهم الخيرية. ومع ذلك، كما يكشف يسوع، فانهم «ابناء قتلة الانبياء.» حقا، ان مَن يجرؤ على فضح ريائهم هو في خطر!
وإذ يتابع، ينطق يسوع بكلمات تشهيره الاقوى. «ايها الحيات اولاد الافاعي،» يقول، «كيف تهربون من دينونة (جهنّا).» فجهنّا هي الوادي المستعمل مرمًى لنفايات اورشليم. وهكذا يقول يسوع انه بسبب مواصلة مسلكهم الشرير سيعاني الكتبة والفريسيون الهلاك الابدي.
وفي ما يتعلَّق بأولئك الذين يرسلهم كممثِّلين له يقول يسوع: «منهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة الى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم زكي سُفك على الارض من دم هابيل الصديق الى دم زكريا بن برخيا [المدعو يهوياداع في أخبار الايام الثانية] الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق اقول لكم ان هذا كله يأتي على هذا الجيل.»
فلأن زكريا عنَّف قادة اسرائيل «فتنوا عليه ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب.» ولكن، كما ينبئ يسوع، سيدفع اسرائيل لقاء كل دم زكي سُفك كهذا. وهم يدفعون بعد ٣٧ سنة، في السنة ٧٠ بم، عندما تدمِّر الجيوش الرومانية اورشليم ويهلك اكثر من مليون يهودي.
واذ يتأمَّل يسوع في هذه الحالة المرعبة، يكتئب. «يا اورشليم يا اورشليم،» ينادي مرة اخرى، «كم مرةٍ أردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خرابا.»
ثم يضيف يسوع: «انكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب.» وذلك اليوم يكون عند حضور المسيح حين يأتي في ملكوته السماوي ويراه الناس بأعين الايمان.
ينتقل يسوع الآن الى مكان حيث يمكنه ان يراقب الخزانة في الهيكل والجموع تلقي المال فيها. فالأغنياء يلقون كثيرا. ولكنْ بعد ذلك تتقدَّم ارملة فقيرة وتلقي فلسين قيمتهما زهيدة جدا.
وإذ يدعو تلاميذه، يقول يسوع: «الحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة قد ألقت اكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة.» ولا بدّ انهم يتساءلون كيف يمكن ان يكون هذا. لذلك يشرح يسوع: «الجميع من فضلتهم ألقوا. وأمّا هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها كل معيشتها.» وبعد قول هذه الامور يغادر يسوع الهيكل للمرة الاخيرة.
وإذ يتعجَّبون من حجم وجمال الهيكل، يهتف واحد من تلاميذه: «يا معلِّم انظر ما هذه الحجارة وهذه الابنية.» وفعلا، يُقال ان الحجارة طولها اكثر من ٣٥ قدما (١١ م)، عرضها اكثر من ١٥ قدما (٥ م)، وارتفاعها اكثر من ١٠ اقدام (٣ م)!
«أتنظر هذه الابنية العظيمة،» يجيب يسوع. «لا يُترك حجر على حجر لا يُنقض.»
وبعد قول هذه الامور يعبر يسوع ورسله وادي قدرون ويصعدون الى جبل الزيتون. ومن هنا يمكنهم ان يتطلَّعوا الى اسفل الى الهيكل البهي. متى ٢٣:٢٥–٢٤:٣؛ مرقس ١٢:٤١–١٣:٣؛ لوقا ٢١:١-٦؛ ٢ أخبار الايام ٢٤:٢٠-٢٢.
▪ ماذا يفعل يسوع خلال زيارته الاخيرة للهيكل؟
▪ كيف يَظهر رياء الكتبة والفريسيين؟
▪ ما المقصود بـ «دينونة (جهنّا)»؟
▪ لماذا يقول يسوع ان الارملة تبرَّعت اكثر من الاغنياء؟
-
-
علامة الايام الاخيرةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١١
علامة الايام الاخيرة
الآن هو الثلاثاء بعد الظهر. وفيما يسوع جالس على جبل الزيتون ينظر الى الهيكل في الاسفل، يأتي اليه على انفراد بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا. وهم قلقون بشأن الهيكل، لان يسوع قد أنبأ منذ قليل بأنه لا يُترك فيه حجر على حجر.
ولكنْ يبدو ان المزيد ايضا يجول في اذهانهم فيما يتقدَّمون الى يسوع. فقبل اسابيع قليلة كان قد تكلَّم عن ‹(حضوره)،› الوقت «الذي فيه يُظهَر ابن الانسان.» وفي مناسبة أبكر كان قد اخبرهم عن «(اختتام نظام الاشياء).» وهكذا فإن الرسل يحبون كثيرا ان يعرفوا.
«قل لنا،» يقولون، «متى يكون هذا [الذي يؤدِّي الى دمار اورشليم وهيكلها] وما هي علامة (حضورك واختتام نظام الاشياء).» وفي الواقع، ان سؤالهم هو سؤال من ثلاثة اجزاء. اولا، يريدون ان يعرفوا عن نهاية اورشليم وهيكلها، ثم عن حضور يسوع في سلطة الملكوت، وأخيرا عن نهاية كامل نظام الاشياء.
وفي اجابته المطوَّلة يجيب يسوع عن اجزاء السؤال الثلاثة كلها. ويزوِّد علامة تعيِّن متى ينتهي نظام الاشياء اليهودي؛ ولكنه يزوِّد المزيد. فهو يعطي ايضا علامة تنبِّه تلاميذه المقبلين لكي يعرفوا انهم يعيشون في اثناء حضوره وقرب نهاية كامل نظام الاشياء.
وإذ تمرّ السنون، يلاحظ الرسل اتمام نبوة يسوع. نعم، ان الامور عينها التي أنبأ بها تبدأ بالحدوث في ايامهم. وهكذا فإن المسيحيين الذين يكونون احياء بعدَ ٣٧ سنة، في السنة ٧٠ بم، لا يدركهم بغتة دمار النظام اليهودي مع هيكله.
ولكنّ حضور المسيح واختتام نظام الاشياء لا يحصلان في السنة ٧٠ بم. فحضوره في سلطة الملكوت يحدث بعد ذلك بكثير. ولكنْ متى؟ ان التأمُّل في نبوة يسوع يكشف ذلك.
ينبئ يسوع بأنه ستكون هنالك «حروب وأخبار حروب.» و «تقوم امة على امة،» يقول، وتكون مجاعات وزلازل وأوبئة. وتلاميذه يكونون مبغَضين ويُقتلون. ويقوم انبياء كذبة ويضلّون كثيرين. والاثم يكثر ومحبة الكثيرين تبرد. وفي الوقت عينه، يُكرز ببشارة ملكوت اللّٰه شهادة لجميع الامم.
وعلى الرغم من ان نبوة يسوع يكون لها اتمام محدود قبل دمار اورشليم في السنة ٧٠ بم، فإن اتمامها الرئيسي يحصل في اثناء حضوره واختتام نظام الاشياء. والمراجعة الدقيقة لحوادث العالم منذ السنة ١٩١٤ تكشف ان نبوة يسوع البالغة الاهمية تختبر اتمامها الرئيسي منذ تلك السنة.
والجزء الآخر من العلامة التي يعطيها يسوع هو ظهور «رجسة الخراب.» ففي السنة ٦٦ بم تظهر هذه الرجسة في شكل «جيوش» رومية التي تحيط بأورشليم وتقوِّض جدار الهيكل. ان ‹الرجسة› تقوم حيث لا ينبغي.
وفي اتمام العلامة الرئيسي، الرجسة هي عصبة الامم وخليفتها، الامم المتحدة. وهذه المنظمة للسلام العالمي يَنظر اليها العالم المسيحي كبديل لملكوت اللّٰه. فما أرجس هذا! لذلك، في الوقت المحدَّد، سترتدّ القوى السياسية المقترنة بهيئة الامم على العالم المسيحي (المرموز اليه بأورشليم) وتخرِّبه.
وهكذا ينبئ يسوع: «يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم الى الآن ولن يكون.» وفي حين ان دمار اورشليم في السنة ٧٠ بم يكون ضيقا عظيما فعلا، بمقتل اكثر من مليون وفق التقارير، فهو ليس ضيقا اعظم من الطوفان العالمي في ايام نوح. لذلك فإن الاتمام الرئيسي لهذا القسم من نبوة يسوع سيتحقق بعدُ.
الثقة خلال الايام الاخيرة
اذ يقترب يوم الثلاثاء، ١١ نيسان قمري، من نهايته، يتابع يسوع المناقشة مع رسله في ما يتعلق بعلامة حضوره في سلطة الملكوت ونهاية نظام الاشياء. ويحذرهم من اتِّباع المسحاء الكذبة. فستجري محاولات، يقول، «حتى يُضلوا لو امكن المختارين ايضا.» ولكن، كالعقبان البعيدة النظر، سيجتمع هؤلاء المختارون حيث يوجد الطعام الروحي الحقيقي، اي مع المسيح الحقيقي في حضوره غير المنظور. فهم لن يضلوا ويجتمعوا الى مسيح كاذب.
ان المسحاء الكذبة يمكنهم فقط ان يثبتوا وجودهم المنظور. وعلى سبيل التباين، سيكون حضور يسوع غير منظور. وسيحدث ذلك في اثناء فترة مخيفة من التاريخ البشري، كما يقول يسوع: «تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه.» نعم، ان هذه ستكون الفترة الاكثر اسودادا في وجود الجنس البشري. وسيكون ذلك كما لو ان الشمس تظلم خلال النهار، كما لو ان القمر لا يعطي ضوءه في الليل.
«قوات السموات تتزعزع،» يتابع يسوع. وهكذا يشير الى ان السموات الطبيعية ستتخذ مظهرا منذرا بالشر. فالسموات لن تكون مجرد منطقة للطيور، ولكنها ستمتلئ من الطائرات الحربية، الصواريخ، والمسابر الفضائية. ان الخوف والعنف سيفوقان ايّ شيء جرى اختباره في تاريخ الجنس البشري السابق.
ونتيجة لذلك، يقول يسوع، سيكون هنالك «كرب امم بحيرة. البحر والامواج تضج. والناس يُغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة.» فعلا، ان هذه الفترة الاكثر اسودادا في الوجود البشري ستؤدي الى الوقت الذي فيه، كما يقول يسوع، «تظهر علامة ابن الانسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الارض.»
ولكن لن ينوح الجميع عندما ‹يأتي ابن الانسان بقوة› ليدمر نظام الاشياء الشرير هذا. ‹فالمختارون،› الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين سيشتركون مع المسيح في ملكوته السماوي، لن ينوحوا، ولا رفقاؤهم ايضا، اولئك الذين دعاهم يسوع سابقا ‹خرافه الاخر.› وعلى الرغم من عيشهم خلال الفترة الاكثر اسودادا في التاريخ البشري، يتجاوب هؤلاء مع تشجيع يسوع: «متى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب.»
ولكي يتمكن تلاميذه الذين يحيون خلال الايام الاخيرة من تحديد اقتراب النهاية يعطي يسوع هذا المثل: «انظروا الى شجرة التين وكل الاشجار. متى افرخت تنظرون وتعلمون من انفسكم ان الصيف قد قرب. هكذا انتم ايضا متى رأيتم هذه الاشياء صائرة فاعلموا ان ملكوت اللّٰه قريب. الحق اقول لكم انه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل.»
لذلك، عندما يرى تلاميذه الاوجه العديدة المختلفة للعلامة تتم، يجب ان يدركوا ان نهاية نظام الاشياء قريبة وأن ملكوت اللّٰه سيزيل قريبا كل شر. وفي الواقع، ان النهاية ستحدث في غضون مدى حياة الناس الذين يرون اتمام جميع الامور التي ينبئ بها يسوع! واذ ينصح اولئك التلاميذ الذين يكونون احياء خلال الايام الاخيرة الخطيرة، يقول يسوع:
«فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة. لانه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الارض. اسهروا اذًا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا اهلا للنجاة من جميع هذا المزمع ان يكون وتقفوا قدام ابن الانسان.»
العذارى الحكيمات والجاهلات
كان يسوع يجيب عن طلب رسله علامة لحضوره في سلطة الملكوت. وهو الآن يزوِّد اوجها اضافية للعلامة في ثلاثة امثال او ايضاحات.
واتمام كل ايضاح سيتمكَّن من ملاحظته اولئك الذين يعيشون خلال حضوره. وهو يقدِّم الاول بالكلمات: «حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس. وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات.»
بعبارة «يشبه ملكوت السموات عشر عذارى،» لا يعني يسوع ان نصف الذين يرثون الملكوت السماوي هم اشخاص جهال والنصف حكماء! كلا، ولكنّه يعني انه في ما يتعلق بملكوت السموات هنالك وجه كهذا او ذاك، او ان الامور المتعلقة بالملكوت ستكون امرا كهذا وذاك.
ترمز العذارى العشر الى كل المسيحيين الذين سينالون او الذين يصرِّحون انهم سينالون الملكوت السماوي. وكان في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم ان الجماعة المسيحية خُطبت للعريس المقام، الممجَّد، يسوع المسيح. ولكنّ العرس كان سيحدث في السماء في وقت غير محدَّد في المستقبل.
في الايضاح، تخرج العذارى العشر بهدف استقبال العريس والانضمام الى موكب العرس. وعندما يصل يُضِئْن طريق الموكب بمصابيحهن، مكرِّمات بذلك اياه فيما يجلب عروسه الى البيت المعدّ لها. ولكنّ يسوع يوضح: «الجاهلات . . . اخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتا. وأما الحكيمات فأخذن زيتا في آنيتهن مع مصابيحهن. وفيما أبطأ العريس نَعَسْن جميعهن ونِمْن.»
ان ابطاء العريس المطوَّل يشير الى ان حضور المسيح كملك حاكم سيكون في المستقبل البعيد. وأخيرا يأتي الى عرشه في السنة ١٩١٤. وخلال الليل الطويل قبل ذلك تنام كل العذارى. ولكن لا تجري ادانتهن بسبب ذلك. فادانة العذارى الجاهلات تكون بسبب عدم امتلاكهن زيتا لآنيتهن. ويوضح يسوع كيف استيقظت العذارى قبل وصول العريس: «في نصف الليل صار صراخ هوذا العريس مقبل فاخرُجن للقائه. فقامت جميع اولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن. فقالت الجاهلات للحكيمات أَعطيننا من زيتكن فان مصابيحنا تنطفئ. فأجابت الحكيمات قائلات لعلَّه لا يكفي لنا ولكُنَّ بل اذهبن الى الباعة وابتعن لكُنَّ.»
يرمز الزيت الى ذاك الذي يبقي المسيحيين الحقيقيين مضيئين كأنوار. هذا هو كلمة اللّٰه الموحى بها التي يتمسك بها المسيحيون جيدا، بالاضافة الى الروح القدس الذي يساعدهم على فهم هذه الكلمة. فالزيت الروحي يمكِّن العذارى الحكيمات من ان ينوِّرن في استقبال العريس خلال الموكب الى وليمة العرس. ولكنّ صف العذارى الجاهلات لا يملكون في انفسهم، في آنيتهم، الزيت الروحي اللازم. لذلك يصف يسوع ما يحدث:
«وفيما [العذارى الجاهلات] ذاهبات ليبتعن [زيتا] جاء العريس والمستعدّات دخلن معه الى العرس وأُغلق الباب. اخيرا جاءت بقية العذارى ايضا قائلات يا سيّد يا سيّد افتح لنا. فأجاب وقال الحق اقول لكُنَّ اني ما اعرفكنّ.»
بعد أن يصل المسيح في ملكوته السماوي يستيقظ صف العذارى الحكيمات للمسيحيين الممسوحين الحقيقيين الى امتيازهم لينوِّروا في هذا العالم المظلم كليا في الثَّناء على العريس العائد. ولكنّ اولئك الممثَّلين بالعذارى الجاهلات يكونون غير مستعدين ليزوِّدوا ثناء الاستقبال هذا. لذلك عندما يحين الوقت لا يفتح لهم المسيح الباب الى وليمة العرس في السماء. فهو يتركهم خارجا في سواد ليل العالم الاكثر ظلاما، ليبيدوا مع كل فاعلي الاثم الآخرين. «فاسهروا اذًا،» يختتم يسوع، «لانكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة.»
مثل الوزنات
يتابع يسوع المناقشة مع رسله على جبل الزيتون بإخبارهم مثلا آخر، الثاني في سلسلة من ثلاثة. وقبل بضعة ايام، فيما كان في أريحا، اعطى مثل الأمْناء ليظهر ان الملكوت كان لا يزال في المستقبل البعيد. والمثل الذي يرويه الآن، اذ له عدد من الاوجه المشابهة، يصف في اتمامه النشاطات في اثناء حضور المسيح في سلطة الملكوت. فهو يوضح ان تلاميذه يجب ان يعملوا وهم بعدُ على الارض لكي يزيدوا «امواله.»
يبدأ يسوع: «فذلك [اي، الظروف المرتبطة بالملكوت] اشبه بانسان مسافر، استدعى عبيده وسلَّمهم امواله.» (الترجمة التفسيرية) فيسوع هو الانسان الذي، قبل سفره الى السماء، يسلِّم عبيده — التلاميذ الذين هم في طريقهم الى الملكوت السماوي — امواله. وهذه الاموال ليست ممتلكات مادية، ولكنها تمثِّل حقلا مزروعا عزَّز فيه امكانية الاتيان بمزيد من التلاميذ.
ويسوع يأتمن عبيده على امواله قبل وقت قليل من صعوده الى السماء. وكيف يفعل ذلك؟ بارشادهم بأن يواظبوا على العمل في الحقل المزروع بالكرازة برسالة الملكوت الى اقصى الارض. وكما يقول يسوع: «فأعطى واحدا خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة. كل واحد على قدر طاقته. وسافر للوقت.»
وهكذا وزِّعت الوزنات الثماني — اموال المسيح — على قدر طاقات العبيد، او امكانياتهم الروحية. ورمز العبيد الى صفوف من التلاميذ. وفي القرن الاول، من الواضح ان الصف الذي اخذ الخمس وزنات شمل الرسل. ويتابع يسوع ليروي ان كِلا العبدين اللذين اخذا الوزنات الخمس والوزنتين ضاعفاها بكرازتهما بالملكوت والتلمذة. ولكنّ العبد الذي اخذ الوزنة الواحدة اخفاها في الارض.
«وبعد زمان طويل،» يتابع يسوع، «اتى سيد اولئك العبيد وحاسبهم.» ولم يكن حتى القرن الـ ٢٠، بعد نحو ٩٠٠,١ سنة، ان المسيح عاد للمحاسبة، فكان ذلك حقا «بعد زمان طويل.» ثم يوضح يسوع:
«فجاء الذي اخذ الخمس وزنات وقدَّم خمس وزنات أُخر قائلا يا سيد خمس وزنات سلَّمتني. هوذا خمس وزنات أُخر ربحتها فوقها. فقال له سيده نعمّا ايها العبد الصالح والأمين. كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل الى فرح سيدك.» والعبد الذي اخذ وزنتين ضاعف وزنتيه ايضا، ونال المديح والمكافأة نفسها.
ولكن كيف يدخل هذان العبدان الامينان الى فرح سيدهما؟ حسنا، ان فرح سيدهما، يسوع المسيح، هو ذاك الذي لاخذ ملكية الملكوت عندما سافر الى ابيه في السماء. أما بالنسبة الى العبيد الامناء في الازمنة العصرية فلديهم فرح عظيم لانهم مؤتمنون على مسؤوليات اضافية للملكوت، واذ ينهون مسلكهم الارضي سيحصلون على ذروة الفرح بإقامتهم الى الملكوت السماوي. ولكن ماذا عن العبد الثالث؟
«يا سيد عرفت انك انسان قاس،» يتذمَّر هذا العبد. «فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الارض. هوذا الذي لك.» لقد رفض العبد عمدا العمل في الحقل المزروع بالكرازة والتلمذة. ولذلك يدعوه السيد «الشرير والكسلان» وينطق بالدينونة: «خذوا منه الوزنة . . . والعبد البطال اطرحوه الى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.» ان اولئك الذين من صف هذا العبد الشرير، اذ يُطرحون خارجا، يُحرمون من كل فرح روحي.
يقدِّم هذا درسا جدّيا لجميع الذين يدَّعون انهم أتباع للمسيح. فاذا كانوا يريدون ان يتمتعوا بمديحه ومكافأته، ويتجنبوا طرحهم الى الظلمة الخارجية والهلاك النهائي، يجب ان يعملوا من اجل زيادة اموال سيدهم السماوي بالاشتراك كاملا في عمل الكرازة. فهل انتم مجتهدون في هذا المجال؟
عندما يجيء المسيح في سلطة الملكوت
لا يزال يسوع مع رسله على جبل الزيتون. واستجابة لطلبهم علامة لحضوره واختتام نظام الاشياء، يخبرهم الآن المثل الاخير في سلسلة من ثلاثة امثال. «ومتى جاء ابن الانسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه،» يبدأ يسوع، «فحينئذ يجلس على كرسي مجده.»
لا يستطيع البشر رؤية الملائكة في مجدهم السماوي. ولذلك فان مجيء ابن الانسان، يسوع المسيح، مع الملائكة لا بد ان يكون غير منظور للأعين البشرية. يحدث المجيء في السنة ١٩١٤. ولكن لأي قصد؟ يوضح يسوع: «ويجتمع امامه جميع الشعوب فيميِّز بعضهم من بعض كما يميِّز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار.»
اذ يصف ما سيحدث لأولئك المفروزين الى جانب الرضى، يقول يسوع: «ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.» وخراف هذا المثل لن يحكموا مع المسيح في السماء بل سيرثون الملكوت بمعنى انهم يصيرون رعاياه الارضيين. و «تأسيس العالم» جرى عندما انجب آدم وحواء اولا اولادا يمكنهم الاستفادة من تدبير اللّٰه لفداء الجنس البشري.
ولكن لماذا يُفرز الخراف الى يمين رضى الملك؟ «لاني جعت،» يجيب الملك، «فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني. عريانا فكسوتموني. مريضا فزرتموني. محبوسا فأتيتم اليَّ.»
بما ان الخراف هم على الارض، فانهم يريدون ان يعرفوا كيف يمكن ان يكونوا قد فعلوا مثل هذه الاعمال الصالحة لملكهم السماوي. «يا رب متى رأيناك جائعا فأطعمناك،» يسألون، «او عطشانا فسقيناك. ومتى رأيناك غريبا فآويناك. او عريانا فكسوناك. ومتى رأيناك مريضا او محبوسا فأتينا اليك.»
«الحق اقول لكم،» يجيب الملك، «بما انكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم.» ان اخوة المسيح هم الباقون على الارض من الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين سيحكمون معه في السماء. وفعل الخير لهم، يقول يسوع، هو كفعل الخير له.
بعد ذلك، يخاطب الملك الجداء. «اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته. لاني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريبا فلم تأووني. عريانا فلم تكسوني. مريضا ومحبوسا فلم تزوروني.»
لكنّ الجداء يتشكون: «يا رب متى رأيناك جائعا او عطشانا او غريبا او عريانا او مريضا او محبوسا ولم نخدمك.» فيُدان الجداء بشكل غير مؤات على الاساس نفسه الذي عليه يُدان الخراف بشكل مؤات. «بما انكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الاصاغر [اخوتي]،» يجيب يسوع، «فبي لم تفعلوا.»
لذلك فان حضور المسيح في سلطة الملكوت، مباشرة قبل نهاية نظام الاشياء الشرير هذا في الضيق العظيم، يكون وقت دينونة. فالجداء ‹يمضون الى قطع ابدي والابرار [الخراف] الى حياة ابدية.› متى ٢٤:٢-٢٥:٤٦؛ ١٣:٤٠، ٤٩؛ مرقس ١٣:٣-٣٧؛ لوقا ٢١:٧-٣٦؛ ١٩:٤٣، ٤٤؛ ١٧:٢٠-٣٠؛ ٢ تيموثاوس ٣:١-٥؛ يوحنا ١٠:١٦؛ رؤيا ١٤:١-٣.
▪ ما الذي يثير سؤال الرسل، ولكن اي امر آخر يبدو انه يجول في اذهانهم؟
▪ اي جزء من نبوة يسوع يتم في السنة ٧٠ بم، ولكن ماذا لا يحدث آنذاك؟
▪ متى يكون لنبوة يسوع اتمام اول، ولكن متى يكون لها اتمام رئيسي؟
▪ ما هي الرجسة في اتمامَيْها الاول والأخير؟
▪ لماذا لا يكون للضيق العظيم اتمامه الاخير بدمار اورشليم؟
▪ اية احوال عالمية تسم حضور المسيح؟
▪ متى «تنوح جميع قبائل الارض،» ولكن ماذا سيفعل أتباع المسيح؟
▪ ايّ مثل يزوِّده يسوع ليساعد تلاميذه المقبلين على تمييز وقت اقتراب النهاية؟
▪ ايّ نصح يزوِّده يسوع لتلاميذه الذين يكونون احياء خلال الايام الاخيرة؟
▪ من هم المرموز اليهم بالعذارى العشر؟
▪ متى خُطبت الجماعة المسيحية للعريس، ولكن متى يصل العريس ليأخذ عروسه الى وليمة العرس؟
▪ ماذا يمثِّل الزيت، وامتلاكه يمكِّن العذارى الحكيمات من فعل ماذا؟
▪ اين تحدث وليمة العرس؟
▪ اية مكافأة عظيمة تخسرها العذارى الجاهلات، وما هو مصيرهن؟
▪ اي درس يعلّمه مثل الوزنات؟
▪ من هم العبيد، وما هي الاموال التي اؤتُمنوا عليها؟
▪ متى يأتي السيد للمحاسبة، وماذا يجد؟
▪ ما هو الفرح الذي يدخل اليه العبدان الامينان، وماذا يحدث للعبد الثالث، العبد الشرير؟
▪ لماذا لا بد ان يكون حضور المسيح غير منظور، وأي عمل يقوم به في ذلك الوقت؟
▪ بأي معنى يرث الخراف الملكوت؟
▪ متى جرى «تأسيس العالم»؟
▪ على اي اساس يُدان الناس إما كخراف او كجداء؟
-
-
فصح يسوع الاخير قريباعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٢
فصح يسوع الاخير قريب
اذ يقترب يوم الثلاثاء، ١١ نيسان قمري، من نهايته، ينتهي يسوع من تعليم الرسل على جبل الزيتون. كم كان يوما حافلا بالعمل وشاقا! والآن، ربما فيما هو عائد الى بيت عنيا لقضاء الليل، يخبر رسله: «تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح وابن الانسان يُسلَّم ليُصلب.»
يقضي يسوع على ما يظهر اليوم التالي، الاربعاء ١٢ نيسان قمري، في عزلة هادئة مع رسله. ففي اليوم السابق كان قد وبَّخ القادة الدينيين علانية، وهو مدرك انهم يطلبون ان يقتلوه. لذلك في يوم الاربعاء لا يُظهر نفسه جهرا، اذ لا يريد ان يتعارض اي امر مع احتفاله بالفصح مع رسله في الامسية التالية.
في هذه الاثناء يجتمع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب الى دار رئيس الكهنة قيافا. واذ تؤلمهم جدا مهاجمة يسوع في اليوم السابق، يدبِّرون خططا لكي يمسكوه بمكر ويميتوه. لكنهم يقولون: «ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب.» فهم خائفون من الشعب الذي يتمتع يسوع بتأييده.
وفيما القادة الدينيون يتآمرون بخبث ليقتلوا يسوع، يستقبلون زائرا. ولدهشتهم يكون واحدا من رسل يسوع، يهوذا الاسخريوطي، الذي غرس فيه الشيطان فكرة تسليم سيده الدنيئة! وكم يكون فرحهم عظيما عندما يسأل يهوذا: «ماذا تريدون ان تعطوني وانا اسلّمه اليكم.» فيعاهدونه بسرور ان يدفعوا له ٣٠ من الفضة، ثمن عبد بحسب عهد الناموس الموسوي. ومن ذلك الوقت يطلب يهوذا فرصة ليسلِّم يسوع اليهم خِلْوًا من جمع.
ويبدأ ١٣ نيسان قمري عند الغروب يوم الاربعاء. لقد وصل يسوع من اريحا يوم الجمعة، ولذلك هذه هي الليلة السادسة والاخيرة التي يقضيها في بيت عنيا. وفي اليوم التالي، الخميس، سيلزم صنع الإعدادات الاخيرة للفصح، الذي يبدأ عند الغروب. ذلك هو الوقت الذي فيه يجب ذبح خروف الفصح وبعد ذلك شَيُّه كله. فأين سيحتفلون بالوليمة، ومَن سيُعِدُّها؟
لا يزوِّد يسوع تفاصيل كهذه، ربما ليمنع يهوذا من إخبار رؤساء الكهنة بحيث يتمكنون من إلقاء القبض على يسوع في اثناء الاحتفال بالفصح. ولكن الآن، ربما في وقت باكر من بعد ظهر يوم الخميس، يرسل يسوع بطرس ويوحنا من بيت عنيا، قائلا: «اذهبا وأعدّا لنا الفصح لنأكل.»
«اين تريد ان نعدَّ،» يسألان.
«اذا دخلتما المدينة،» يوضح يسوع، «يستقبلكما انسان حامل جرّة ماء. اتبعاه الى البيت حيث يدخل وقولا لرب البيت يقول لك المعلم اين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي. فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة. هناك أَعِدَّا.»
لا شك ان رب البيت هو تلميذ ليسوع ربما يتوقَّع ان يطلب يسوع استعمال بيته لهذه المناسبة الخصوصية. وعلى اية حال، عندما يصل بطرس ويوحنا الى اورشليم يجدان كل شيء تماما كما انبأ يسوع. فيهتمان كلاهما بأن يُعَدَّ الخروف وتُصنع كل الترتيبات الاخرى للاعتناء بحاجات الـ ١٣ محتفلا بالفصح، يسوع ورسله الـ ١٢. متى ٢٦:١-٥، ١٤-١٩؛ مرقس ١٤:١، ٢، ١٠-١٦؛ لوقا ٢٢:١-١٣؛ خروج ٢١:٣٢.
▪ ماذا يفعل يسوع على ما يظهر يوم الاربعاء، ولماذا؟
▪ اي اجتماع يُعقد في بيت رئيس الكهنة، ولأي قصد يزور يهوذا القادة الدينيين؟
▪ مَن يرسل يسوعُ الى اورشليم يوم الخميس، ولأي قصد؟
▪ ماذا يجد هذان المرسَلان مما يكشف مرة اخرى قوى يسوع العجائبية؟
-
-
الاتضاع في الفصح الاخيراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٣
الاتضاع في الفصح الاخير
بطرس ويوحنا، بحسب التعليمات المعطاة من يسوع، وصلا الآن الى اورشليم ليعدّا الفصح. وكما يظهر، يصل يسوع مع الرسل العشرة الآخرين لاحقا بعد الظهر. الشمس تغوص في الافق فيما ينزل يسوع وفريقه من جبل الزيتون. هذا هو المشهد النهاري الاخير للمدينة الذي يراه يسوع من الجبل الى ما بعد قيامته.
سرعان ما يصل يسوع وفريقه الى المدينة ويتقدمون الى البيت الذي سيحتفلون فيه بالفصح. يصعدون في السلَّم الى العلّية الواسعة حيث يجدون كل شيء معدّا لاحتفالهم الخصوصي بالفصح. وكان يسوع يتطلَّع بشوق الى هذه المناسبة اذ يقول: «شهوة اشتهيت ان آكل هذا الفصح معكم قبل ان اتألم.»
تقليديا، اربع كؤوس من الخمر يشربها المساهمون في الفصح. وبعد ان يتناول الكأس الثالثة كما يظهر يشكر يسوع ويقول: «خذوا هذه واقتسموها بينكم. لاني اقول لكم اني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت اللّٰه.»
في وقت ما خلال وجبة الطعام يقوم يسوع، يضع جانبا ثيابه الخارجية، يأخذ منشفة، ويملأ وعاء بالماء. وعادة، يهتم المضيف بأن تُغسل رِجلا الضيف. ولكن، نظرا الى عدم وجود مضيف في هذه المناسبة، يعتني يسوع بهذه الخدمة الشخصية. وكان باستطاعة ايّ من الرسل ان ينتهز الفرصة لفعل ذلك؛ ولكن، كما يظهر، لان شيئا من المنافسة لا يزال موجودا بينهم، لا احد يفعل ذلك. والآن هم مرتبكون اذ يبتدئ يسوع بغسل ارجلهم.
عندما يصل يسوع الى بطرس يعترض قائلا: «لن تغسل رجليَّ ابدا.»
«ان كنتُ لا اغسلك فليس لك معي نصيب،» يقول يسوع.
«يا سيد،» يجاوب بطرس، «ليس رجليَّ فقط بل ايضا يديَّ ورأسي.»
«الذي قد اغتسل،» يجيب يسوع، «ليس له حاجة إلا الى غسل رجليه بل هو طاهر كله. وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم.» يقول ذلك لانه يعرف ان يهوذا الاسخريوطي يخطط ليسلِّمه.
عند انتهاء يسوع من غسل ارجل الـ ١٢ جميعا، بما فيها رِجلا مسلِّمه، يهوذا، يلبس ثيابه الخارجية ويتكئ على المائدة مجدَّدا. ثم يسأل: «أتفهمون ما قد صنعت بكم. انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فأنتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض. لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا. الحق الحق اقول لكم إنه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله. ان علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه.»
يا للدرس الجميل في الخدمة المتواضعة! فالرسل يجب ان لا يطلبوا المكان الاول، معتقدين انهم ذوو اهمية كبيرة بحيث يجب على الآخرين ان يخدموهم دائما. ويلزمهم ان يتبعوا المثال الذي رسمه يسوع. وليس ذلك مثالا لغسل الارجل الشعائري. كلا، ولكنه مثال للاستعداد للخدمة دون محاباة، مهما كانت المهمة حقيرة او كريهة. متى ٢٦:٢٠، ٢١؛ مرقس ١٤:١٧، ١٨؛ لوقا ٢٢:١٤-١٨؛ ٧:٤٤؛ يوحنا ١٣:١-١٧.
▪ ما هو الشيء الفريد في مشهد اورشليم الذي يراه يسوع اذ يدخل الى المدينة ليحتفل بالفصح؟
▪ خلال الفصح، اية كأس كما يظهر يمرِّرها يسوع على الرسل الـ ١٢ بعد قوله بركة؟
▪ اية خدمة شخصية كانت عادة تزوَّد للضيوف عندما كان يسوع على الارض، ولماذا لم تزوَّد خلال الفصح الذي احتفل به يسوع والرسل؟
▪ ماذا كان قصد يسوع في انجاز الخدمة الحقيرة لغسل ارجل رسله؟
-
-
العشاء التذكارياعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٤
العشاء التذكاري
بعد ان يغسل يسوع ارجل رسله يقتبس الآية في المزمور ٤١:٩، قائلا: «الذي يأكل معي الخبز رفع عليَّ عقبه.» حينئذ، اذ يضطرب بالروح، يوضح: «ان واحدا منكم سيسلّمني.»
فيحزن الرسل ويقولون ليسوع واحدا فواحدا: «هل انا.» وحتى يهوذا الاسخريوطي يشترك في السؤال. ويوحنا، المتمدِّد قرب يسوع عند الطاولة، يتكئ على صدر يسوع ويسأل: «يا سيد من هو.»
«هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة،» يجيب يسوع. «ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الانسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد.» وبعد ذلك يدخل الشيطانُ يهوذا ثانية، مستفيدا من الثغرة في قلبه الذي صار شريرا. وفي وقت لاحق من تلك الليلة يدعو يسوع يهوذا على نحو ملائم «ابن الهلاك.»
ويقول يسوع الآن ليهوذا: «ما انت تعمله فاعمله باكثر سرعة.» فلا يفهم احد من الرسل الآخرين ما يعنيه يسوع. ويظن البعض انه بسبب احتفاظ يهوذا بصندوق المال يقول يسوع له: «اشترِ ما نحتاج اليه للعيد،» او انه يجب ان يذهب ويعطي شيئا للفقراء.
وبعد مُضِيّ يهوذا يقدِّم يسوع احتفالا جديدا كليا، او إحياء ذكرى، مع رسله الامناء. فيأخذ خبزا ويقول صلاة شكر ويكسّر ويعطيهم قائلا: «خذوا كلوا.» ويوضح: «هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري.»
عندما يأكل كل واحد من الخبز يأخذ يسوع كأس خمر، ومن الواضح انها الكأس الرابعة المستعملة في خدمة الفصح. ويقول ايضا صلاة شكر عليها، يمرِّرها اليهم، يطلب منهم ان يشربوا منها، ويقول: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم.»
لذلك فان هذه، في الواقع، هي ذكرى موت يسوع. وكل سنة في ١٤ نيسان قمري يجب ان تتكرر، كما يقول يسوع، لذكره. فهي ستذكِّر المحتفلين بما فعله يسوع وأبوه السماوي ليزوِّدا نجاة للجنس البشري من حكم الموت. وبالنسبة الى اليهود الذين يصيرون أتباع المسيح، سيحلّ الاحتفال محلَّ الفصح.
والعهد الجديد، الذي يصير نافذ المفعول بدم يسوع المسفوك، يحلّ محل عهد الناموس القديم. ويتوسَّطه يسوع المسيح بين طرفين — من الجهة الاولى، يهوه اللّٰه، ومن الاخرى، ٠٠٠,١٤٤ من المسيحيين المولودين من الروح. وفضلا عن تزويده الغفران للخطايا، يسمح العهد بتشكيل امة سماوية من ملوك كهنة. متى ٢٦:٢١-٢٩؛ مرقس ١٤:١٨-٢٥؛ لوقا ٢٢:١٩-٢٣؛ يوحنا ١٣:١٨-٣٠؛ ١٧:١٢؛ ١ كورنثوس ٥:٧.
▪ اية نبوة للكتاب المقدس يقتبسها يسوع في ما يتعلق بأحد مرافقيه، وأي تطبيق يصنعه لها؟
▪ لماذا يحزن الرسل بعمق، وماذا يسأل كل منهم؟
▪ ماذا يقول يسوع ليهوذا ان يفعل، ولكن كيف يفسِّر الرسل الآخرون هذه التعليمات؟
▪ اي احتفال يقدِّمه يسوع بعد مُضِيّ يهوذا، وأي قصد يخدم؟
▪ من هم طرفا العهد الجديد، وماذا ينجز العهد؟
-
-
مجادلة تنشأاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٥
مجادلة تنشأ
في وقت ابكر في المساء علَّم يسوع درسا ممتعا في الخدمة المتواضعة بغسل ارجل رسله. وبعد ذلك أَسَّس ذكرى موته القريب. والآن، وخصوصا نظرا الى ما حدث منذ قليل، يحصل حادث مدهش. فيتورَّط رسله في مجادلة حادَّة في مَن منهم يُظَنُّ انه يكون اكبر! وعلى ما يظهر، هذا جزء من خلاف مستمر.
تذكَّروا انه بعد ان تجلَّى يسوع على الجبل تحاجَّ الرسل في مَن منهم هو الاعظم. وفضلا عن ذلك، طلب يعقوب ويوحنا مركزين بارزين في الملكوت، ممّا أَدّى الى خصام اضافي بين الرسل. والآن، في ليلته الاخيرة معهم، كم احزن يسوع حتما ان يَراهم يتشاجرون مرة اخرى! فماذا يفعل؟
بدلا من ان يعنِّف الرسل على تصرُّفهم، يباحثهم يسوع ثانية بصبر: «ملوك الامم يسودونهم والمتسلِّطون عليهم يُدعَون محسنين. وأمّا انتم فليس هكذا. . . . لأنْ مَن هو أكبر. أَلَّذي يتَّكئ ام الذي يخدم. أليس الذي يتَّكئ.» ثم، اذ يذكِّرهم بمثاله، يقول: «ولكنّي انا بينكم كالذي يخدم.»
وعلى الرغم من نقائصهم، ثبت الرسل مع يسوع في تجاربه. ولذلك يقول: «انا اجعل لكم كما جعل لي ابي (عهدا لملكوت).» وهذا العهد الشخصي بين يسوع وأتباعه الاولياء يضمُّهم اليه ليشتركوا في حكمه الملكي. وعدد محدود فقط من ٠٠٠,١٤٤ يُدخلون اخيرا في هذا العهد لملكوت.
وعلى الرغم من ان الرسل أُعطوا هذا الرجاء البديع للاشتراك مع المسيح في حكم الملكوت، فهم الآن ضعفاء روحيا. «كلكم تشكُّون فيَّ في هذه الليلة،» يقول يسوع. ولكن، اذ يخبر بطرسَ انه يصلّي لأجله، يحث يسوع: «متى رجعت ثبِّت اخوتك.»
«يا اولادي،» يوضح يسوع، «انا معكم زمانا قليلا بعد. ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث اذهب انا لا تقدرون انتم ان تأتوا اقول لكم انتم الآن. وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا. كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إنْ كان لكم حب بعضا لبعض.»
«يا سيد الى اين تذهب،» يسأل بطرس.
«حيث اذهب لا تقدر الآن ان تتبعني،» يجيب يسوع، «ولكنك ستتبعني اخيرا.»
«يا سيد لماذا لا اقدر ان اتبعك الآن،» يريد بطرس ان يعرف. «اني اضع نفسي عنك.»
«أَتَضَع نفسك عني،» يسأل يسوع. «الحق اقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات.»
«ولو اضطررت ان اموت معك،» يؤكِّد بطرس، «لا انكرك.» وبينما يشترك الرسل الآخرون في قول الامر نفسه يفتخر بطرس: «وإنْ شكَّ فيك الجميع فأنا لا اشكُّ ابدا.»
وإذ يشير الى الوقت حين ارسل الرسل في جولة كرازية في الجليل بلا كيس ولا مزود، يسأل يسوع: «هل اعوزكم شيء»؟
«لا،» يجيبون.
«لكن الآن مَن له كيس فليأخذه ومزود كذلك،» يقول، «ومَن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفا. لأني اقول لكم انه ينبغي ان يتمّ فيَّ ايضا هذا المكتوب وأُحصيَ مع اثمة. لأن ما هو من جهتي له انقضاء.»
يشير يسوع الى الوقت الذي فيه سيعلَّق مع فاعلي الشر، او الاثمة. ويدلّ ايضا ان أتباعه سيواجهون بعد ذلك اضطهادا قاسيا. «يا رب هوذا هنا سيفان،» يقولون.
«يكفي،» يجيب. وكما سنرى، فإن حيازتهم السيفين ستتيح ليسوع قريبا ان يعلِّم درسا حيويا آخر. متى ٢٦:٣١-٣٥؛ مرقس ١٤:٢٧-٣١؛ لوقا ٢٢:٢٤-٣٨؛ يوحنا ١٣:٣١-٣٨؛ رؤيا ١٤:١-٣.
▪ لماذا مجادلة الرسل مدهشة الى هذا الحدّ؟
▪ كيف يعالج يسوع المجادلة؟
▪ ماذا ينجز العهدُ الذي يصنعه يسوع مع تلاميذه؟
▪ اية وصية جديدة يعطيها يسوع، وإلى اي حدّ هي مهمة؟
▪ اي افراط في الثقة يعرب عنه بطرس، وماذا يقول يسوع؟
▪ لماذا تكون ارشادات يسوع عن حمل كيس ومزود مختلفة عن تلك التي اعطاها في وقت ابكر؟
-
-
إعداد الرسل لرحيلهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٦
إعداد الرسل لرحيله
ينتهي العشاء التذكاري، لكنّ يسوع ورسله لا يزالون في العلية. وعلى الرغم من ان يسوع سيمضي قريبا، لديه امور كثيرة ليقولها بعد. «لا تضطرب قلوبكم،» يعزِّيهم. «انتم تؤمنون باللّٰه.» ولكنه يضيف: «فآمنوا بي.»
«في بيت ابي منازل كثيرة،» يتابع يسوع. «انا امضي لاعد لكم مكانا . . . حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا. وتعلمون حيث انا اذهب وتعلمون الطريق.» لا يفهم الرسل ان يسوع يتكلم عن الذهاب الى السماء، لذلك يسأل توما: «يا سيد لسنا نعلم اين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق.»
«انا هو الطريق والحق والحياة،» يجيب يسوع. نعم، فقط بقبوله والتمثل بمسلك حياته يتمكَّن الشخص من دخول البيت السماوي للآب لانه، كما يقول يسوع: «ليس احد يأتي الى الآب إلا بي.»
«يا سيد ارِنا الآب،» يطلب فيلبس، «وكفانا.» يريد فيلبس، كما يبدو، ان يزوِّد يسوع تجلِّيا منظورا للّٰه، كالذي مُنح في الازمنة القديمة في الرؤى لموسى، ايليا، واشعياء. ولكن، في الواقع، لدى الرسل شيء افضل بكثير من رؤى من هذا النوع، كما يعلِّق يسوع: «انا معكم زمانا هذه مدّته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب.»
يعكس يسوع شخصية ابيه كاملا بحيث ان العيش معه ومشاهدته يكونان، في الواقع، كرؤية الآب فعليا. ومع ذلك، فان الآب اعظم من الابن، كما يعترف يسوع: «الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي.» فيسوع يعطي على نحو لائق كل الفضل في تعاليمه لابيه السماوي.
وكم يكون مشجعا دون شك ان يسمع الرسل يسوع يقول لهم الآن: «من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضا ويعمل اعظم منها»! لا يعني يسوع ان أتباعه سيمارسون قوى عجائبية اعظم مما عمل هو. كلا، لكنه يعني انهم سيواصلون الخدمة لوقت اطول بكثير، على نطاق اعظم بكثير، ولاناس اكثر بكثير.
لن يتخلى يسوع عن تلاميذه بعد رحيله. «مهما سألتم باسمي،» يَعد، «فذلك افعله.» ويقول ايضا: «انا اطلب من الآب فيعطيكم (معينا) آخر ليمكث معكم الى الابد. روح الحق.» ولاحقا، بعد صعوده الى السماء، يسكب يسوع على تلاميذه الروح القدس، هذا المعين الآخر.
ان رحيل يسوع قريب، كما يقول: «بعد قليل لا يراني العالم ايضا.» فسيكون يسوع مخلوقا روحانيا لا يمكن ان يراه انسان. ولكنّ يسوع يَعد من جديد رسله الامناء: «انتم . . . ترونني. اني انا حيّ فأنتم ستحيون.» نعم، لن يظهر يسوع لهم بشكل بشري بعد قيامته وحسب بل سيقيمهم في الوقت المناسب الى الحياة معه في السماء كمخلوقات روحانية.
ويذكر يسوع الآن القاعدة البسيطة: «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه ابي وأنا احبه وأُظهِر له ذاتي.»
عند ذلك يقاطعه الرسول يهوذا، الذي يدعى ايضا تداوس: «يا سيد ماذا حدث حتى انك مزمع ان تظهر ذاتك لنا وليس للعالم.»
«ان احبني احد،» يجيب يسوع، «يحفظ كلامي ويحبه ابي . . . الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي.» فبخلاف أتباعه المذعنين، يتجاهل العالم تعاليم المسيح. ولذلك لا يكشف نفسه لهم.
وخلال خدمته الارضية علَّم يسوع رسله امورا كثيرة. فكيف يتذكرونها كلها، وخصوصا لانهم، حتى هذه اللحظة، يفشلون في فهم الكثير منها؟ من المفرح ان يسوع يَعد: «(المعين) الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي . . . هو يعلِّمكم كل شيء ويذكِّركم بكل ما قلته لكم.»
واذ يعزِّيهم ثانية، يقول يسوع: «سلاما اترك لكم. سلامي اعطيكم. . . . لا تضطرب قلوبكم.» صحيح ان يسوع راحل، ولكنه يوضح: «لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لاني قلت امضي الى الآب. لان ابي اعظم مني.»
ان وقت بقاء يسوع معهم قصير. «لا اتكلم ايضا معكم كثيرا،» يقول، «لان رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء.» فالشيطان ابليس، الذي تمكَّن من الدخول في يهوذا والسيطرة عليه، هو رئيس هذا العالم. ولكن ليس هنالك ضعف خطية في يسوع يمكن للشيطان ان يستغله لابعاده عن خدمة اللّٰه.
التمتع بعلاقة حميمة
بعد العشاء التذكاري، كان يسوع يشجع رسله بكلام مبسَّط من القلب الى القلب. ويمكن ان يكون الوقت قد تجاوز منتصف الليل. ولذلك يحثّ يسوع: «قوموا ننطلق من ههنا.» ولكن، قبل ان يرحلوا، اذ تدفعه محبته لهم، يتابع يسوع التكلم مزوِّدا مثلا محرِّكا.
«انا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام،» يبدأ. فالكرام العظيم، يهوه اللّٰه، زرع هذه الكرمة الرمزية عندما مسح يسوع بالروح القدس عند معموديته في خريف السنة ٢٩ بم. ولكنّ يسوع يتابع ليظهر ان الكرمة ترمز الى اكثر من مجرد نفسه، اذ يعلِّق قائلا: «كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه. وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر اكثر. . . . كما ان الغصن لا يقدر ان يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا إن لم تثبتوا فيَّ. انا الكرمة وأنتم الاغصان.»
في يوم الخمسين، بعد ٥١ يوما، يصير الرسل وآخرون اغصان الكرمة عندما يجري سكب الروح القدس عليهم. وأخيرا، يصير ٠٠٠,١٤٤ شخص اغصان الكرمة المجازية. ومع ساق الكرمة، يسوع المسيح، يؤلف هؤلاء كرمة رمزية تنتج ثمار ملكوت اللّٰه.
يوضح يسوع المفتاح لانتاج الثمر: «الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير. لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.» ولكن اذا فشل الشخص في انتاج الثمر، يقول يسوع، «يُطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق.» ومن جهة اخرى، يعِد يسوع: «إن ثبتّم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم.»
واضافة الى ذلك، يقول يسوع لرسله: «بهذا يتمجد ابي ان تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.» ان الثمر الذي يرغب فيه اللّٰه من الاغصان هو اعرابهم عن الصفات الشبيهة بصفات المسيح، وخصوصا المحبة. وفضلا عن ذلك، بما ان المسيح كان مناديا بملكوت اللّٰه، فان الثمر المرغوب فيه يشمل ايضا نشاط تلمذتهم كما فعل هو.
«اثبتوا في محبتي،» يحث يسوع الآن. ولكن، كيف يمكن لرسله ان يفعلوا ذلك؟ «إن حفظتم وصاياي،» يقول، «تثبتون في محبتي.» واذ يتابع، يوضح يسوع: «هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم. ليس لأحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه.»
في ساعات قليلة يعرب يسوع عن محبته الفائقة بتقديم حياته لاجل رسله، بالاضافة الى جميع الآخرين الذين يمارسون الايمان به. ومثاله يجب ان يدفع أتباعه لتكون لديهم محبة التضحية بالذات عينها بعضهم لبعض. وهذه المحبة ستحدِّد هويتهم، كما ذكر يسوع في وقت ابكر: «بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض.»
واذ يحدِّد هوية اصدقائه، يقول يسوع: «انتم (اصدقائي) إن فعلتم ما اوصيكم به. لا اعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكني قد سميتكم (اصدقاء) لاني اعلمتكم بكل ما سمعته من ابي.»
فيا للعلاقة الثمينة التي يجري الحصول عليها — ان يكونوا اصدقاء احماء ليسوع! ولكن للاستمرار في التمتع بهذه العلاقة يجب على أتباعه ان ‹يأتوا بثمر.› واذا فعلوا ذلك، يقول يسوع، «يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي.» بالتأكيد، هذه هي مكافأة عظيمة مقابل الاتيان بثمر الملكوت! وبعد حث رسله من جديد على ‹محبة بعضهم بعضا،› يوضح يسوع ان العالم سيبغضهم. لكنه يعزِّيهم: «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا انه قد أبغضني قبلكم.» ثم يكشف يسوع عن سبب بغض العالم لأتباعه، قائلا: «لانكم لستم (جزءا) من العالم بل انا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم.»
واذ يوضح على نحو اضافي سبب بغض العالم، يتابع يسوع: «لكنهم انما يفعلون بكم هذا كله من اجل اسمي لانهم لا يعرفون [يهوه اللّٰه] الذي ارسلني.» وأعمال يسوع العجائبية، في الواقع، تدين اولئك الذين يبغضونه، كما يذكر: «لو لم اكن قد عملت بينهم اعمالا لم يعملها احد غيري لم تكن لهم خطية. وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني انا وأبي.» وهكذا، كما يقول يسوع، تتم الآية: «أبغضوني بلا سبب.»
وكما فعل في وقت ابكر، يعزِّيهم يسوع ثانية بوعده اياهم ان يرسل المعين، الروح القدس، الذي هو قوة اللّٰه الفعالة القديرة. «هو يشهد لي. وتشهدون انتم ايضا.»
نصح اضافي قبل الرحيل
يسوع ورسله مستعدون لمغادرة العلية. «قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا،» يتابع. ثم يعطي التحذير الخطير: «سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة للّٰه.»
من الواضح ان الرسل ينزعجون بعمق من هذا التحذير. ومع ان يسوع كان قد قال في وقت ابكر ان العالم سيبغضهم، فانه لم يكشف مباشرة الى هذا الحد انهم سيُقتلون. «لم أقل لكم [هذا] من البداية،» يوضح يسوع، «لاني كنت معكم.» ولكن، ما أحسن ان يُعِدّهم بهذه المعلومات قبل ان يرحل!
«وأما الآن،» يتابع يسوع، «فأنا ماضٍ الى الذي ارسلني وليس احد منكم يسألني اين تمضي.» وفي وقت ابكر في المساء، كانوا قد استعلَموا عن مكان ذهابه، لكنهم الآن مرتعدون مما اخبرهم به حتى انهم يفشلون ان يسألوا المزيد عن ذلك. وكما يقول يسوع: «لاني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.» يحزن الرسل ليس فقط لانهم علموا انهم سيعانون اضطهادا رهيبا ويُقتلون بل لان سيدهم يتركهم.
لذلك يوضح يسوع: «انه خير لكم ان انطلق. لانه إن لم انطلق لا يأتيكم (المعين). ولكن إن ذهبت ارسله اليكم.» كانسان، يمكن ليسوع ان يكون فقط في مكان واحد كل مرة، ولكن عندما يصير في السماء يمكنه ان يرسل المعين، روح اللّٰه القدوس، الى أتباعه حيثما كانوا على الارض. وهكذا فان مغادرة يسوع ستكون نافعة.
والروح القدس، يقول يسوع، «(يقدم للعالم دليلا مقنعا) على خطية وعلى بر وعلى دينونة.» ان خطية العالم، فشله في ممارسة الايمان بابن اللّٰه، سيجري تشهيرها. وبالاضافة الى ذلك، سيُظهر صعود يسوع الى الآب دليلا مقنعا على برّه. وفشلُ الشيطان وعالمه الشرير في كسر استقامة يسوع هو دليل مقنع على ان رئيس العالم قد دين على نحو مضاد.
«ان لي امورا كثيرة ايضا لاقول لكم،» يتابع يسوع، «ولكن لا تستطيعون ان تحتملوا الآن.» لذلك يعد يسوع انه عندما يَسكب الروح القدس، الذي هو قوة اللّٰه الفعالة، سيرشدهم هذا الى فهم هذه الامور وفقا لمقدرتهم على ادراكها.
يفشل الرسل خصوصا في الفهم ان يسوع سيموت ثم سيظهر لهم بعد ان يُقام. وهكذا يسألون بعضهم بعضا: «ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل ايضا ترونني ولاني ذاهب الى الآب.»
يدرك يسوع انهم يريدون ان يسألوه، ولذلك يوضح: «الحق الحق اقول لكم انكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. انتم ستحزنون ولكنّ حزنكم يتحول الى فرح.» ولاحقا في ذلك اليوم، بعد الظهر، عندما يُقتل يسوع، يفرح القادة الدينيون العالميون، ولكنّ التلاميذ يحزنون. إلا ان حزنهم يتحول الى فرح عندما يُقام يسوع! ويستمر فرحهم عندما يمنحهم السلطة في يوم الخمسين ان يكونوا شهوده بسكب روح اللّٰه القدوس عليهم!
واذ يقارن حالة الرسل بتلك التي لامرأة خلال مخاضها، يقول يسوع: «المرأة وهي تلد تحزن لان ساعتها قد جاءت.» ولكن يعلِّق يسوع انها لا تعود تذكر شدتها عندما يولد طفلها، ويشجع رسله، قائلا: «فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم ايضا [عندما أُقام] فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم.»
حتى هذا الوقت لم يقدِّم الرسل قط طلبات باسم يسوع. ولكنه يقول الآن: «إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. . . . لان الآب نفسه يحبكم لانكم قد احببتموني وآمنتم اني من عند اللّٰه خرجت. خرجت من عند الآب وقد اتيت الى العالم وأيضا اترك العالم وأذهب الى الآب.»
ان كلمات يسوع هي تشجيع عظيم للرسل. «لهذا نؤمن انك من اللّٰه خرجت،» يقولون. «أَلآن تؤمنون،» يسأل يسوع. «هوذا تأتي ساعة وقد اتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركونني وحدي.» وعلى نحو لا يُصدَّق كما يبدو، يحدث ذلك قبل ان ينتهي الليل!
«قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام.» ويختتم يسوع: «في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. انا قد غلبت العالم.» غلب يسوع العالم بانجاز مشيئة اللّٰه بأمانة على الرغم من كل ما حاول ابليس وعالمه ان يفعلوه لكسر استقامة يسوع.
الصلاة الختامية في العلية
اذ تدفعه المحبة العميقة لرسله، يعدّهم يسوع لرحيله الوشيك. والآن، بعد نصحهم وتعزيتهم لوقت طويل، يرفع عينيه نحو السماء ويلتمس من ابيه: «مجّد ابنك ليمجدك ابنك ايضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته.»
يا له من محور مثير يقدمه يسوع — الحياة الابدية! واذ أُعطي «سلطانا على كل جسد،» يمكن ليسوع ان يمنح فوائد ذبيحته الفدائية لكل الجنس البشري المائت. ولكنه يعطي «حياة ابدية» فقط لاولئك الذين يرضى الآب عنهم. واذ يؤسس على محور الحياة الابدية هذا، يتابع يسوع صلاته:
«وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.» نعم، يتوقف الخلاص على اخذنا المعرفة عن اللّٰه وابنه كليهما. ولكن يلزم اكثر من مجرد معرفة في الرأس.
فلا بد ان يأتي الشخص الى معرفتهما على نحو حميم، مطورا صداقة تتسم بالفهم معهما. ولا بد ان يشعر المرء كما يشعران بشأن القضايا ويرى الامور من خلال اعينهما. وقبل كل شيء، لا بد ان يجاهد الشخص ليتمثل بصفاتهما التي لا تُضاهى في التعامل مع الآخرين.
ثم يصلّي يسوع: «انا مجدتك على الارض. العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته.» وهكذا، باتمامه تعيينه الى هذا الحد وبكونه واثقا بنجاحه المستقبلي، يلتمس: «مجدني انت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم.» نعم، يطلب الآن ان يُعاد الى مجده السماوي السابق بواسطة القيامة.
واذ يوجز عمله الرئيسي على الارض، يقول يسوع: «انا اظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم. كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك.» استعمل يسوع اسم اللّٰه، يهوه، في خدمته وبيَّن لفظه الصحيح، لكنه فعل اكثر من ذلك لجعل اسم اللّٰه ظاهرا لرسله. لقد وسَّع ايضا معرفتهم وتقديرهم ليهوه، لشخصيته، ولمقاصده.
واذ يكرم يهوه بصفته اسمى منه، ذاك الذي يخدم تحت اشرافه، يعترف يسوع بتواضع: «الكلام الذي اعطيتني قد اعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقينا اني خرجت من عندك وآمنوا انك انت ارسلتني.»
واذ يميِّز بين أتباعه وباقي الجنس البشري، يصلّي يسوع بعد ذلك: «من اجلهم انا اسأل. لست اسأل من اجل العالم بل من اجل الذين اعطيتني . . . حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم . . . حفظتهم ولم يهلك منهم احد إلا ابن الهلاك،» اي يهوذا الاسخريوطي. وفي هذه اللحظة عينها يكون يهوذا في مهمته الحقيرة لخيانة يسوع. وهكذا، يتمم يهوذا الاسفار المقدسة دون ان يعلم.
«العالم ابغضهم،» يستمر يسوع في الصلاة. «لست اسأل ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير. ليسوا (جزءا) من العالم كما اني انا لست (جزءا) من العالم.» ان أتباع يسوع هم في العالم، هذا المجتمع البشري المنظم الذي يحكمه الشيطان، ولكنهم منفصلون عنه وعن شره ولا بد ان يبقوا كذلك دائما.
«قدسهم في حقك،» يتابع يسوع، «كلامك هو حق.» هنا يدعو يسوع الاسفار المقدسة العبرانية الموحى بها، التي اقتبس منها دائما، ‹الحق.› ولكنّ ما علَّمه لتلاميذه وما كتبوه لاحقا بالوحي بصفته الاسفار المقدسة اليونانية المسيحية هو كذلك ‹الحق.› وهذا الحق يمكن ان يقدس الشخص، يغيِّر حياته كاملا، ويجعله شخصا منفصلا عن العالم.
لا يصلّي يسوع الآن «من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون [به] بكلامهم.» وهكذا يصلّي يسوع من اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين والتلاميذ المقبلين الآخرين الذين سيجري تجميعهم بعدُ في «رعية واحدة.» وماذا يسأل من اجل جميع هؤلاء؟
ان «يكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الآب فيَّ وانا فيك . . . يكونوا واحدا كما اننا نحن واحد.» ان يسوع وأباه ليسا حرفيا شخصا واحدا، ولكنهما على اتفاق في كل الامور. ويصلّي يسوع ان يتمتع أتباعه بهذه الوحدة نفسها لكي «يعلم العالم انك ارسلتني وأحببتهم كما احببتني.»
ومن اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين يسأل يسوع اباه السماوي. ماذا؟ «أنّ هؤلاء . . . يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم،» اي قبل ان انتج آدم وحواء ذرية. فقبل ذلك بزمن طويل احبّ اللّٰه ابنه الوحيد، الذي صار يسوع المسيح.
واذ يختتم صلاته، يشدِّد يسوع من جديد: «عرَّفتهم اسمك وسأعرّفهم ليكون فيهم الحبّ الذي احببتني به وأكون انا فيهم.» وبالنسبة الى الرسل، شمل تعلُّم اسم اللّٰه الاتيان شخصيا الى معرفة محبة اللّٰه. يوحنا ١٤:١-١٧:٢٦؛ ١٣:٢٧، ٣٥، ٣٦؛ ١٠:١٦؛ لوقا ٢٢:٣، ٤؛ خروج ٢٤:١٠؛ ١ ملوك ١٩:٩-١٣؛ اشعياء ٦:١-٥؛ غلاطية ٦:١٦؛ مزمور ٣٥:١٩؛ ٦٩:٤؛ امثال ٨:٢٢، ٣٠.
▪ الى اين يكون يسوع ذاهبا، وأي جواب يحصل عليه توما في ما يتعلق بالطريق الى هناك؟
▪ بطلبه، ماذا يريد فيلبس، كما يبدو، من يسوع ان يزوِّد؟
▪ لماذا الذي رأى يسوع قد رأى الآب ايضا؟
▪ كيف سيعمل أتباع يسوع اعمالا اعظم مما عمل هو؟
▪ بأي معنى ليس للشيطان شيء في يسوع؟
▪ متى زرع يهوه الكرمة الرمزية، ومتى وكيف يصير آخرون جزءا من الكرمة؟
▪ اخيرا، كم غصنا يكون للكرمة الرمزية؟
▪ اي ثمر يرغب فيه اللّٰه من الاغصان؟
▪ كيف يمكننا ان نكون اصدقاء ليسوع؟
▪ لماذا يبغض العالم أتباع يسوع؟
▪ اي تحذير من قِبَل يسوع يزعج رسله؟
▪ لماذا يفشل الرسل ان يسألوا يسوع عن مكان ذهابه؟
▪ ماذا يفشل الرسل خصوصا في فهمه؟
▪ كيف يوضح يسوع ان حالة الرسل ستتحول من حزن الى فرح؟
▪ ماذا يقول يسوع ان الرسل سيفعلون قريبا؟
▪ كيف يغلب يسوع العالم؟
▪ بأي معنى يُعطى يسوع «سلطانا على كل جسد»؟
▪ ماذا يعني اخذ المعرفة عن اللّٰه وابنه؟
▪ بأية طرائق يجعل يسوع اسم اللّٰه ظاهرا؟
▪ ما هو ‹الحق،› وكيف ‹يقدس› المسيحي؟
▪ كيف يكون اللّٰه، ابنه، وجميع العبّاد الحقيقيين واحدا؟
▪ متى كان «انشاء العالم»؟
-
-
كَرْب في البستاناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٧
كَرْب في البستان
عندما ينتهي يسوع من الصلاة يرنِّم هو ورسله الـ ١١ الامناء ترانيم تسبيح ليهوه. وبعد ذلك ينزلون من العلية، يخرجون في ظلمة الليل الباردة، ويتجهون عائدين عبر وادي قدرون نحو بيت عنيا. ولكن، في الطريق، يتوقفون في بقعة مفضَّلة، بستان جثسيماني. وهذه تقع في جبل الزيتون او قربه. وكثيرا ما اجتمع يسوع مع رسله هنا بين اشجار الزيتون.
واذ يترك ثمانية من الرسل — ربما قرب مدخل البستان — يوصيهم: «اجلسوا ههنا حتى امضي واصلّي هناك.» وبعد ذلك يأخذ الثلاثة الآخرين — بطرس، يعقوب، ويوحنا — ويتقدَّم الى مكان ابعد في البستان. ويشعر يسوع بالحزن والكآبة. «نفسي حزينة جدا حتى الموت،» يقول لهم. «امكثوا ههنا واسهروا معي.»
اذ يتقدَّم يسوع قليلا يقع على الارض واذ يخرّ على وجهه يبتدئ يصلّي بلجاجة: «يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت.» فماذا يعني؟ ولماذا هو ‹حزين جدا حتى الموت›؟ هل يتراجع عن قراره ان يموت ويزوِّد الفدية؟
كلا على الاطلاق! فيسوع لا يلتمس ان يُعفى من الموت. حتى ان فكرة تجنُّب الموت الفدائي، التي اقترحها بطرس ذات مرة، بغيضة لديه. وبالاحرى، انه في كَرْب لانه يخاف ان تجلب الطريقة التي سيموت بها قريبا — كمجرم حقير — العار على اسم ابيه. وهو يشعر الآن بأنه في ساعات قليلة سيجري تعليقه على خشبة كأسوإ انواع الاشخاص — مجدِّف على اللّٰه! هذا ما يجعله يكتئب.
بعد الصلاة باسهاب، يرجع يسوع ويجد الرسل الثلاثة نياما. واذ يخاطب بطرس، يقول: «أهكذا ما قدرتم ان تسهروا معي ساعة واحدة. اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة.» ولكن، اذ يعترف بالضغط الذي كانوا تحته وتأخر الساعة، يقول: «أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف.»
بعد ذلك يمضي يسوع ثانية ويطلب ان يجيز اللّٰه عنه «هذه الكأس،» اي حصة او مشيئة يهوه المعيَّنة له. وعندما يرجع يجد ايضا الثلاثة نياما في حين كان يجب ان يصلّوا لئلا يدخلوا في تجربة. وعندما يكلِّمهم يسوع لا يعرفون بماذا يجيبونه.
وأخيرا، مرة ثالثة، يبتعد يسوع نحو رمية حجر، وعلى ركبتين جاثيتين، وبصراخ شديد ودموع، يصلّي: «يا ابتاه ان شئت ان تجيز عني هذه الكأس.» يشعر يسوع بقوة بآلام شديدة بسبب العار الذي سيجلبه موته كمجرم على اسم ابيه. وأن يُتَّهم كمجدِّف — كشخص يلعن اللّٰه — هو تقريبا اكثر من ان يحتمله!
ومع ذلك، يواصل يسوع الصلاة: «ليكن لا ما اريد انا بل ما تريد انت.» يُخضِع يسوع طوعا مشيئته لتلك التي للّٰه. وعندئذ يظهر ملاك من السماء ويقوّيه ببعض الكلمات المشجِّعة. وعلى الارجح، يخبر الملاك يسوع بأنه يحظى بابتسامة رضى ابيه.
ولكن، يا له من ثقل على كتفي يسوع! فحياته الابدية الخاصة وتلك التي لكامل الجنس البشري تبقى معلَّقة. والضغط العاطفي هائل. لذلك يواصل يسوع الصلاة بأشد لجاجة، ويصير عرقه كقطرات دم اذ تنزل على الارض. «مع ان ذلك ظاهرة نادرة جدا،» تلاحظ مجلة الجمعية الطبية الاميركية، «فان العرق الدامي . . . قد يحدث في حالات عاطفية شديدة.»
بعدئذ يرجع يسوع للمرة الثالثة الى رسله، ومرة اخرى يجدهم نياما. انهم منهوكون من الحزن الشديد. «ناموا الآن واستريحوا،» يهتف. «يكفي. قد اتت الساعة. هوذا ابن الانسان يُسلَّم الى ايدي الخطاة. قوموا لنذهب. هوذا الذي يسلِّمني قد اقترب.»
وفيما هو يتكلم يقترب يهوذا الاسخريوطي يرافقه جمع غفير، حاملين مشاعل ومصابيح وأسلحة. متى ٢٦:٣٠، ٣٦-٤٧؛ ١٦:٢١-٢٣؛ مرقس ١٤:٢٦، ٣٢-٤٣؛ لوقا ٢٢:٣٩-٤٧؛ يوحنا ١٨:١-٣؛ عبرانيين ٥:٧.
▪ بعد مغادرة العلية، الى اين يقود يسوع الرسل، وماذا يفعل هناك؟
▪ فيما يسوع يصلّي، ماذا يفعل الرسل؟
▪ لماذا يسوع في كَرْب، وأي شيء يطلبه من اللّٰه؟
▪ الى ماذا تشير صيرورة عرق يسوع كقطرات دم؟
-
-
التسليم والايقافاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٨
التسليم والايقاف
انها بعد منتصف الليل بكثير حين يقود يهوذا جمعا غفيرا من الجند، رؤساء الكهنة، الفريسيين، وآخرين الى بستان جثسيماني. فقد وافق الكهنة ان يدفعوا ليهوذا ٣٠ قطعة من الفضة ليسلِّم يسوع.
في وقت ابكر، عندما صُرف يهوذا من وجبة الفصح، من الواضح انه ذهب مباشرة الى رؤساء الكهنة. وللوقت جمع هؤلاء خدامهم، بالاضافة الى مجموعة من الجند. وربما قادهم يهوذا اولا الى حيث كان يسوع ورسله قد احتفلوا بالفصح. واذ اكتشفوا انهم غادروا، تبع الجمع الغفير يهوذا حاملين اسلحة ومصابيح ومشاعل الى خارج اورشليم والى عبر وادي قدرون.
واذ يقود يهوذا الموكب صعودا الى جبل الزيتون، يشعر يقينا بأنه يعرف اين يجد يسوع. فخلال الاسبوع الماضي، فيما كان يسوع والرسل يسافرون ذهابا وايابا بين بيت عنيا واورشليم، كثيرا ما توقفوا في بستان جثسيماني ليستريحوا ويتحادثوا. أما الآن، اذ يكون يسوع مخفيا على الارجح في الظلام تحت اشجار الزيتون، فكيف سيحدِّد الجند هويته؟ وربما لم يروه من قبل قط. لذلك يزوِّد يهوذا علامة، قائلا: «الذي اقبِّله هو هو. أمسكوه وامضوا به بحرص.»
يقود يهوذا الجمع الغفير الى البستان، فيرى يسوع مع رسله، ويذهب مباشرة اليه. «السلام يا سيدي،» يقول ويقبِّله برقَّة كبيرة.
«يا صاحب لماذا جئت،» يردّ يسوع بسرعة. ثم، اذ يجيب عن سؤاله الخاص، يقول: «يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الانسان.» ولكن يكفي ذلك مسلّمه! فيتقدَّم يسوع الى ضوء المشاعل والمصابيح المشتعلة ويسأل: «مَن تطلبون.»
«يسوع الناصري،» يأتي الجواب.
«انا هو،» يجيب يسوع، فيما يقف بشجاعة امامهم جميعا. واذ يندهشون من جرأته ولا يعرفون ماذا يتوقعون، يرجع الرجال الى الوراء ويسقطون على الارض.
«قد قلت لكم اني انا هو،» يتابع يسوع بهدوء. «فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون.» وقبل وقت قصير في العلية، كان يسوع قد قال لابيه في الصلاة انه حفظ رسله الامناء ولم يُفقد منهم احد «إلا ابن الهلاك.» ولذلك، لكي تتم كلمته، يطلب أن يدَعوا أتباعه يذهبون.
واذ يستعيد الجند رباطة جأشهم، ويقفون، ويبتدئون يوثقون يسوع، يدرك الرسل ما هو على وشك الحدوث. «يا رب أنضرب بالسيف،» يسألون. وقبل ان يجيب يسوع، يستعمل بطرس واحدا من السيفين اللذين جلبهما الرسل، ويهاجم مَلْخُس، عبد رئيس الكهنة. فتخطئ ضربة بطرس رأس العبد ولكنها تقطع اذنه اليمنى.
«دعوا الى هذا،» يقول يسوع متدخلا. واذ يلمس اذن مَلْخُس، يُبرئ الجرح. ثم يعلِّم درسا مهما، آمرا بطرس: «ردَّ سيفك الى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن اني لا استطيع الآن ان اطلب الى ابي فيقدّم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة.»
ان يسوع مستعد لان يجري ايقافه، لانه يوضح: «كيف تكمَّل الكتب أنه هكذا ينبغي ان يكون.» ويضيف: «الكأس التي اعطاني الآب ألا اشربها.» فهو على اتفاق تام مع مشيئة اللّٰه لاجله!
ثم يخاطب يسوع الجمع. «كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني،» يسأل. «كل يوم كنت اجلس معكم أعلِّم في الهيكل ولم تمسكوني. وأما هذا كله فقد كان لكي تكمَّل كتب الانبياء.»
عند ذلك يقبض الجند والقائد وخدام اليهود على يسوع ويوثقونه. واذ يرون ذلك، يترك الرسل يسوع ويهربون. ولكنّ شابا — وربما التلميذ مرقس — يبقى بين الجمع. وربما كان في البيت حيث احتفل يسوع بالفصح وبعد ذلك تبع الجمع من هناك. ولكنه الآن يُعرف، فتُصنع محاولة للقبض عليه. أما هو فيترك وراءه إزاره ويهرب بثياب خفيفة. متى ٢٦:٤٧-٥٦؛ مرقس ١٤:٤٣-٥٢؛ لوقا ٢٢:٤٧-٥٣؛ يوحنا ١٧:١٢؛ ١٨:٣-٢١.
▪ لماذا يشعر يهوذا يقينا بأنه سيجد يسوع في بستان جثسيماني؟
▪ كيف يُظهر يسوع الاهتمام برسله؟
▪ اي اجراء يتخذه بطرس دفاعا عن يسوع، ولكن ماذا يقول يسوع لبطرس عن ذلك؟
▪ كيف يكشف يسوع انه على اتفاق تام مع مشيئة اللّٰه لاجله؟
▪ عندما يترك الرسل يسوع مَن يبقى، وماذا يحدث له؟
-
-
اخذُه الى حنّان، ثم الى قيافااعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٩
اخذُه الى حنّان، ثم الى قيافا
يسوع، الموثَق كمجرم رديء، يُساق الى حنّان، رئيس الكهنة السابق ذي السلطة. كان حنّان رئيس الكهنة عندما اذهل يسوع وهو غلام في الـ ١٢ من العمر المعلمين الربانيين في الهيكل. وفي ما بعد خدم بعض ابناء حنّان كرؤساء كهنة، وحاليا يشغل صهره قيافا هذا المركز.
يُساق يسوع اولا على الارجح الى بيت حنّان بسبب بروز رئيس الكهنة هذا لفترة طويلة في الحياة الدينية اليهودية. وهذا التوقّف لرؤية حنّان يتيح الوقت لرئيس الكهنة قيافا لعقد المجمع، المحكمة العليا اليهودية ذات الـ ٧١ عضوا، فضلا عن تجميع شهود زور.
والآن يسأل رئيس الكهنة حنّان يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه. لكنّ يسوع يجيب: «انا كلَّمت العالم علانية. انا علَّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما. وفي الخفاء لم اتكلَّم بشيء. لماذا تسألني انا. اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلَّمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت انا.»
عندئذ يلطم يسوعَ واحد من الخدام واقف قربه، قائلا: «أهكذا تجاوب رئيس الكهنة.»
«ان كنت قد تكلمت رديّا،» يجيب يسوع، «فاشهد على الرديّ وان حسنا فلماذا تضربني.» بعد هذا التبادل، يرسل حنّان يسوعَ موثقا الى قيافا.
والآن يبدأ جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة، نعم، كامل المجمع، بالتجمّع. وكما يتضح فان مكان اجتماعهم هو بيت قيافا. ان اجراء محاكمة كهذه في ليلة الفصح هو بوضوح ضد الشريعة اليهودية. ولكنّ هذا لا يثني القادة الدينيين عن قصدهم الشرير.
قبل اسابيع، عندما اقام يسوع لعازر، كان اعضاء المجمع قد قرروا في ما بينهم انه يجب ان يموت. وقبل يومين فقط، يوم الاربعاء، تشاورت السلطات الدينية لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه. تصوَّروا، لقد حُكم عليه في الواقع قبل محاكمته!
والجهود الآن جارية لايجاد شهود يزوِّدون دليل زور لكي تُقام قضية ضد يسوع. ولكن لا يمكن ايجاد شهود تتفق شهادتهم. وأخيرا، يتقدَّم اثنان ويؤكدان: «نحن سمعناه يقول اني انقض هذا الهيكل المصنوع بالايادي وفي ثلاثة ايام أبني آخر غير مصنوع بأيادٍ.»
«أما تجيب بشيء،» يسأل قيافا. «ماذا يشهد به هؤلاء عليك.» أما يسوع فيبقى ساكتا. وحتى في هذه التهمة الباطلة، ولخزي المجمع، لا يستطيع الشهود ان يجعلوا رواياتهم تتفق. ولذلك يجرِّب رئيس الكهنة وسيلة مختلفة.
يعرف قيافا مقدار حساسية اليهود تجاه ايّ واحد يدّعي انه ابن اللّٰه. ففي مناسبتين سابقتين دعوا يسوع بغير رويَّة مجدِّفا يستحق الموت، اذ تخيَّلوا قبلا على نحو خاطئ انه يدّعي كونه مساويا للّٰه. فيطلب قيافا الآن بمكر: «أستحلفك باللّٰه الحي ان تقول لنا هل انت المسيح ابن اللّٰه.»
بصرف النظر عما يفكِّر فيه اليهود، فان يسوع هو ابن اللّٰه حقا. والبقاء ساكتا يمكن ان يُفسَّر انكارا لكونه المسيح. لذلك يجيب يسوع بشجاعة: «انا هو. وسوف تبصرون ابن الانسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء.»
عند ذلك يمزِّق قيافا ثيابه في عرض مثير ويهتف: «قد جدَّف. ما حاجتنا بعد الى شهود. ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون.»
«انه مستوجب الموت،» يعلن المجمع. ثم يبدأون بالاستهزاء به، ويقولون اشياء كثيرة عليه مجدِّفين. ويلطمون وجهه ويبصقون فيه. وآخرون يغطّون كامل وجهه ويلكمونه ويقولون بتهكّم: «تنبّأ لنا ايها المسيح من ضربك.» ان هذا التصرف المؤذي وغير القانوني يحدث في اثناء ليلة المحاكمة. متى ٢٦:٥٧-٦٨؛ ٢٦:٣، ٤؛ مرقس ١٤:٥٣-٦٥؛ لوقا ٢٢:٥٤، ٦٣-٦٥؛ يوحنا ١٨:١٣-٢٤؛ ١١:٤٥-٥٣؛ ١٠:٣١-٣٩؛ ٥:١٦-١٨.
▪ الى اين يُساق يسوع اولا، وماذا يحصل له هناك؟
▪ الى اين يؤخذ يسوع ثانيا، ولأي قصد؟
▪ كيف يتمكَّن قيافا من جعل المجمع يعلن ان يسوع يستحق الموت؟
▪ اي تصرف مؤذ وغير قانوني يحدث في اثناء المحاكمة؟
-
-
انكار في الداراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٠
انكار في الدار
بعد تركهما يسوع في بستان جثسيماني وهربهما خوفا مع باقي الرسل، يتوقف بطرس ويوحنا عن هربهما. وربما يلحقان يسوع حين يؤخذ الى بيت حنّان. وعندما يرسله حنّان الى رئيس الكهنة قيافا يتبعه بطرس ويوحنا من بعيد، ممزَّقَين كما يبدو بين الخوف على حياتهما واهتمامهما العميق بما سيحدث لمعلِّمهما.
واذ يصلان الى مسكن قيافا الفسيح، يتمكن يوحنا من الدخول الى الدار، لانه معروف عند رئيس الكهنة. وأما بطرس فيبقى واقفا عند الباب خارجا. ولكنّ يوحنا يعود بسرعة ويكلِّم البوابة، احدى الجواري، فيُسمح لبطرس بالدخول.
والآن هنالك برد، وكان عبيد وخدام رئيس الكهنة قد اضرموا جمرا. فينضم بطرس اليهم ليستدفئ فيما ينتظر نهاية محاكمة يسوع. وهناك، في ضوء النار، تتفرس فيه البوابة التي ادخلته. «وأنت كنت مع يسوع الجليلي،» تهتف.
واذ يضطرب عند تحديد هويته، ينكر بطرس قدامهم جميعا معرفته يسوع. «لست ادري ولا افهم ما تقولين،» يقول.
عند ذلك يخرج بطرس الى قرب الدهليز. وهناك تراه فتاة اخرى وتقول ايضا لاولئك الواقفين: «وهذا كان مع يسوع الناصري.» فينكره بطرس مرة ثانية بقسم: «اني لست اعرف الرجل.»
يبقى بطرس في الدار، محاولا ألا يلفت النظر قدر المستطاع. وربما في تلك اللحظة يفزعه صياح الديك في ظلمة الصباح الباكر. في هذه الاثناء تكون محاكمة يسوع جارية، ومن الواضح انها تُدار في قسم من البيت اعلى من الدار. ولا شك ان بطرس والآخرين الذين ينتظرون في الاسفل يرون مجيء وذهاب مختلف الشهود الذين يجري ادخالهم للشهادة.
مضى نحو ساعة منذ حُدِّدت مؤخرا هوية بطرس بصفته رفيقا ليسوع. والآن يجيء اليه عدد من القيام ويقولون: «حقا انت ايضا منهم فان لغتك تظهرك.» وواحد من الفريق هو نسيب مَلْخُس، الذي قطع بطرس اذنه. «أما رأيتك انا معه في البستان،» يقول.
«اني لا اعرف الرجل،» يؤكِّد بطرس باحتداد. وبالحقيقة، يحاول ان يقنعهم بأنهم جميعا مخطئون اذ يلعن ويحلف على القضية، مستنزلا في الواقع الشر على نفسه ان لم يكن يقول الحقيقة.
وفيما يقوم بطرس بهذا الانكار الثالث يصيح الديك. وفي هذه اللحظة يلتفت يسوع، الذي خرج كما يبدو الى الشرفة التي تطلّ على الدار، وينظر اليه. وفي الحال يتذكَّر بطرس ما قاله يسوع منذ ساعات قليلة فقط في العلية: «قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات.» واذ يسحقه ثقل خطيته، يخرج بطرس الى خارج ويبكي بكاء مرا.
فكيف يمكن ان يحدث ذلك؟ وكيف يمكن لبطرس، بعد ان كان متأكِّدا جدا من قوته الروحية، ان ينكر معلِّمه ثلاث مرات في تعاقب سريع؟ لا شك ان الظروف فاجأت بطرس دون ان يدري. فالحقيقة تُحرَّف، ويسوع يوصف كمجرم حقير. وما هو صواب يبدو خاطئا، والبريء مذنبا. لذلك، بسبب ضغوط المناسبة، يخسر بطرس اتزانه. وفجأة يتشوَّش شعوره اللائق بالولاء؛ ولتعاسته يُشِلّه خوف الانسان. فنرجو ان لا يحدث ذلك لنا ابدا! متى ٢٦:٥٧، ٥٨، ٦٩-٧٥؛ مرقس ١٤:٣٠، ٥٣، ٥٤، ٦٦-٧٢؛ لوقا ٢٢:٥٤-٦٢؛ يوحنا ١٨:١٥-١٨، ٢٥-٢٧.
▪ كيف يدخل بطرس ويوحنا الى دار رئيس الكهنة؟
▪ فيما يكون بطرس ويوحنا في الدار، ماذا يجري في البيت؟
▪ كم مرة يصيح الديك، وكم مرة ينكر بطرس معرفته المسيح؟
▪ ماذا يعني ان يلعن بطرس ويحلف؟
▪ ماذا يجعل بطرس ينكر انه يعرف يسوع؟
-
-
امام المجمع، ثم الى بيلاطساعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢١
امام المجمع، ثم الى بيلاطس
يقترب الليل من نهايته. وبطرس قد انكر يسوع للمرة الثالثة، وأعضاء المجمع قد انهوا محاكمتهم الصوريّة وتفرقوا. إلا انهم، حالما يطلع الفجر يوم الجمعة صباحا، يجتمعون ثانية، وهذه المرة في مجمعهم. وقصدهم على الارجح هو اعطاء مظهر من الشرعية للمحاكمة الليلية. وعندما يؤتى بيسوع ليمثل امامهم يقولون، كما قالوا خلال الليل: «إنْ كنت انت المسيح فقل لنا.»
«ان قلت لكم لا تصدقون،» يجيب يسوع. «وان سألت لا تجيبونني.» ولكنّ يسوع يشير بشجاعة الى هويته، قائلا: «منذ الآن يكون ابن الانسان جالسا عن يمين قوة اللّٰه.»
«أفأنت ابن اللّٰه،» يريدون جميعهم ان يعرفوا.
«انتم تقولون اني انا هو،» يجيب يسوع.
وبالنسبة الى هؤلاء الرجال المصممين على القتل، يكون هذا الجواب كافيا. فهم يعتبرونه تجديفا. «ما حاجتنا بعد الى شهادة،» يقولون. «لأننا نحن سمعنا من فمه.» لذلك يوثقون يسوع، ويمضون به، ويدفعونه الى الوالي الروماني بيلاطس البنطي.
كان يهوذا، مسلِّم يسوع، يراقب وقائع الجلسة. وعندما يرى ان يسوع قد دين يندم. ولذلك يذهب الى رؤساء الكهنة والشيوخ ليردّ الـ ٣٠ قطعة من الفضة، موضحا: «قد اخطأت اذ سلَّمت دما بريئا.»
«ماذا علينا. انت أَبصِرْ،» يجيبون بعدم شفقة. فيطرح يهوذا الفضة في الهيكل ويمضي ويحاول ان يخنق نفسه. ولكنّ الغصن الذي يربط به يهوذا الحبلَ ينكسر كما يبدو، فيندفع جسده الى الصخور في الاسفل حيث ينشقّ.
ليس رؤساء الكهنة متأكدين ماذا يفعلون بالفضة. «لا يحل ان نلقيها في الخزانة،» يستنتجون، «لأنها ثمن دم.» ولذلك، بعد ان يتشاوروا، يشترون بالمال حقل الفخاري مقبرةً للغرباء. وهكذا يسمَّى الحقل «حقل الدم.»
لا يزال الوقت باكرا في الصباح عندما يؤخذ يسوع الى دار الولاية. ولكنَّ اليهود الذين رافقوه يرفضون ان يدخلوا لأنهم يعتقدون ان مخالطة كهذه للامم تنجسهم. ولذلك، ليتكيَّف معهم، يخرج بيلاطس. «اية شكاية تقدمون على هذا الانسان،» يسأل.
«لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلَّمناه اليك،» يجيبون.
وإذ يرغب في تجنب التورط، يجاوب بيلاطس: «خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم.»
واذ يكشفون عن نيتهم المهلكة، يدَّعي اليهود: «لا يجوز لنا ان نقتل احدا.» وفي الواقع، اذا قتلوا يسوع خلال عيد الفصح فسيسبِّب ذلك على الارجح شغبا عاما، لأن كثيرين يُكِنُّون ليسوع اعتبارا ساميا. أمّا اذا تمكنوا من جعل الرومان يعدمونه بتهمة سياسية فسيتخلصون بذلك من المسؤولية امام الشعب.
وهكذا فان القادة الدينيين، غير ذاكرين محاكمتهم الابكر التي دانوا خلالها يسوع بالتجديف، يلفِّقون الآن تهما مختلفة. فيوجِّهون الاتهام المثلَّث الاجزاء: «اننا وجدنا هذا [١] يفسد الامة و [٢] يمنع ان تعطى جزية لقيصر [٣] قائلا انه هو مسيح ملك.»
ان التهمة بادِّعاء يسوع انه ملك هي ما يهم بيلاطس. ولذلك يدخل الى الدار ثانية، يدعو يسوع اليه، ويسأله: «انت ملك اليهود.» وبكلمات اخرى، هل خالفت القانون باعلان نفسك ملكا ضد قيصر؟
يريد يسوع ان يعرف كم كان بيلاطس قد سمع عنه، ولذلك يسأل: «أمِنْ ذاتك تقول هذا ام آخرون قالوا لك عني.»
يعترف بيلاطس بالجهل عنه وبرغبة في معرفة الحقائق. «ألعلّي انا يهودي،» يجاوب. «امتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليَّ. ماذا فعلتَ.»
لا يحاول يسوع بأية طريقة ان يراوغ على القضية، تلك التي للملكية. والجواب الذي يعطيه يسوع الآن يفاجئ بيلاطس دون شك. لوقا ٢٢:٦٦-٢٣:٣؛ متى ٢٧:١-١١؛ مرقس ١٥:١؛ يوحنا ١٨:٢٨-٣٥؛ اعمال ١:١٦-٢٠.
▪ لأي قصد يجتمع المجمع ثانية في الصباح؟
▪ كيف يموت يهوذا، وماذا يجري فعله بالـ ٣٠ قطعة من الفضة؟
▪ عوضا عن ان يقتلوه هم انفسهم، لماذا يريد اليهود ان يقتل الرومان يسوع؟
▪ اية تهم يوجِّهها اليهود ضد يسوع؟
-
-
من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانيةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٢
من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانية
مع ان يسوع لا يحاول ان يخفي عن بيلاطس كونه ملكا، فهو يوضح ان مملكته ليست تهديدا لرومية. «مملكتي ليست من هذا العالم،» يقول يسوع. «لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلَّم الى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا.» وهكذا يعترف يسوع ثلاث مرات بأن له مملكة، مع انها ليست من مصدر ارضي.
ومع ذلك، يلحّ بيلاطس عليه اكثر: «أفأنت اذًا ملك.» اي، هل انت ملك ولو لم تكن مملكتك جزءا من هذا العالم؟
يدَع يسوع بيلاطس يعرف انه وصل الى الاستنتاج الصائب، اذ يجيب: «انت تقول اني ملك. لهذا قد ولدتُ انا ولهذا قد أتيت الى العالم لاشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي.»
نعم، ان القصد عينه لوجود يسوع على الارض هو ان يشهد «للحق،» وخصوصا الحق عن ملكوته. ويسوع مستعد ان يكون امينا لهذا الحق حتى اذا كلَّفه ذلك حياته. ومع ان بيلاطس يسأل: «ما هو الحق،» فهو لا ينتظر من اجل ايضاح اضافي. فقد سمع ما فيه الكفاية ليصدر حكما.
ويرجع بيلاطس الى الجمع المنتظِر خارج الدار. ومن الواضح انه اذ يكون يسوع الى جانبه يقول لرؤساء الكهنة والذين معهم: «اني لا اجد علّة في هذا الانسان.»
واذ يغضبهم القرار، يشدد الجموع: «انه يهيِّج الشعب وهو يعلّم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الى هنا.»
ان تعصب اليهود غير المعقول لا بد انه يدهش بيلاطس. وهكذا، فيما يستمر رؤساء الكهنة والشيوخ في الصياح، يلتفت بيلاطس الى يسوع ويسأل: «أما تسمع كم يشهدون عليك.» ومع ذلك، لا يحاول يسوع ان يجيب. ان هدوءه في وجه الشكاوى الشديدة الغضب يجعل بيلاطس يتعجب.
واذ يعلم ان يسوع جليلي، يرى بيلاطس مخرجا له من المسؤولية. فحاكم الجليل، هيرودس انتيباس (ابن هيرودس الكبير)، هو في اورشليم من اجل الفصح، ولذلك يرسل بيلاطس يسوعَ اليه. وفي وقت ابكر كان هيرودس انتيباس قد قطع رأس يوحنا المعمدان، ثم صار هيرودس مرتعبا عندما سمع عن الاعمال العجائبية التي كان يسوع يصنعها، خائفا ان يكون يسوع فعلا يوحنا الذي اقيم من الاموات.
والآن، يمتلئ هيرودس ابتهاجا لتوقع رؤية يسوع. وذلك ليس لانه مهتم بخير يسوع او يريد ان يقوم بأية محاولة حقيقية ليعلم ان كانت التهم ضده صحيحة ام لا. وبالاحرى، انه فضولي فقط ويرجو ان يرى يسوع يصنع عجيبة ما.
ولكنّ يسوع يرفض اشباع فضول هيرودس. وفي الواقع، اذ يسأله هيرودس، لا يقول كلمة. واذ يخيب املهم، يستهزئ هيرودس وعسكره بيسوع. فيلبسونه لباسا لامعا ويسخرون منه. ثم يردّونه الى بيلاطس. ونتيجة لذلك، فإن هيرودس وبيلاطس، اللذين كانا سابقا عدوَّين، يصيران صديقين جيدين.
وعندما يرجع يسوع يدعو بيلاطس رؤساء الكهنة، عظماء اليهود، والشعب ويقول: «قد قدّمتم اليَّ هذا الانسان كمن يُفسد الشعب. وها انا قد فحصت قدامكم ولم اجد في هذا الانسان علّة مما تشتكون به عليه. ولا هيرودس ايضا. لاني ارسلتكم اليه. وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه. فأنا اؤدّبه وأُطلقه.»
وهكذا اعلن بيلاطس مرتين ان يسوع بريء. وهو يتوق الى تحريره، لانه يدرك ان الكهنة اسلموه بسبب الحسد فقط. واذ يستمر بيلاطس في محاولة اطلاق يسوع، ينال دافعا اقوى ايضا الى ذلك. فبينما هو على كرسي ولايته ترسل زوجته رسالة، محرِّضة اياه: «اياك وذلك البار. لاني تألمت اليوم كثيرا في حلم [من اصل الهي كما يتضح] من اجله.»
ولكن، كيف يمكن لبيلاطس ان يطلق هذا الرجل البريء، اذ يعرف انه يجب اطلاقه؟ يوحنا ١٨:٣٦-٣٨؛ لوقا ٢٣:٤-١٦؛ متى ٢٧:١٢-١٤، ١٨، ١٩؛ ١٤:١، ٢؛ مرقس ١٥:٢-٥.
▪ كيف يجيب يسوع عن السؤال المتعلق بملكيته؟
▪ ما هو «الحق» الذي قضى يسوع حياته الارضية يشهد له؟
▪ ما هو حكم بيلاطس، كيف يتجاوب الشعب، وماذا يفعل بيلاطس بيسوع؟
▪ من هو هيرودس انتيباس، ولماذا يمتلئ ابتهاجا لرؤية يسوع، وماذا يفعل به؟
▪ لماذا يتوق بيلاطس الى تحرير يسوع؟
-
-
«هوذا الانسان»اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٣
«هوذا الانسان»
اذ يتأثر بسلوك يسوع ويدرك براءته، يتبع بيلاطس طريقة اخرى لكي يطلقه. «لكم عادة،» يقول للجموع، «ان اطلق لكم واحدا في الفصح.»
وباراباس، القاتل المشهور، محتجز ايضا اسيرا، ولذلك يسأل بيلاطس: «مَن تريدون ان اطلق لكم. باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح.»
بتحريض رؤساء الكهنة الذين هيَّجوهم، يطلب الشعب ان يُطلَق باراباس وأما يسوع فليُقتل. ودون استسلام يجيب بيلاطس، سائلا ثانية: «مَن من الاثنين تريدون ان اطلق لكم.»
«باراباس،» يصرخون.
«فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيح،» يسأل بيلاطس بقلق.
وبصرخة واحدة تُصِمّ الآذان، يجيبون: «ليُصلب.» «اصلبه اصلبه.»
واذ يعرف انهم يطالبون بموت رجل بريء، يدافع بيلاطس: «فأي شر عمل هذا. اني لم اجد فيه علة للموت. فأنا اؤدبه وأطلقه.»
على الرغم من محاولاته، فان الجمع الغضبان، اذ يحثهم قادتهم الدينيون، يواصلون الصياح: «ليُصلب.» واذ يجعلهم الكهنة في هياج، يريد الجمع دما. ولنتذكر انه، قبل خمسة ايام فقط، ربما كان البعض منهم بين اولئك الذين رحَّبوا بيسوع في اورشليم كملك! وكل هذا الوقت، اذا كان تلاميذ يسوع حاضرين، يبقون صامتين وغير لافتين الانتباه.
اذ يرى بيلاطس ان مناشداته لا تنفع شيئا بل بالحري يحدث شغب، يأخذ ماء ويغسل يديه قدام الجمع ويقول: «اني بريء من دم هذا البار. أَبصروا انتم.» وعندئذ يجيب الشعب: «دمه علينا وعلى اولادنا.»
ولذلك، وفقا لمطالبهم — ورغبة في ارضاء الجمع اكثر من فعل ما يعرف انه صواب — يطلق بيلاطس لهم باراباس. ويأخذ يسوع ويعرّيه ثم يجلده. ولم يكن ذلك جلدا عاديا. تصف مجلة الجمعية الطبية الاميركية ممارسة الجلد الرومانية قائلة:
«كانت الاداة المألوفة سوطا قصيرا (كرباجا) ذا سيور جلدية متعددة مفردة او مجدَّلة بأطوال مختلفة، تُربط بها على مسافات كرات حديدية صغيرة او قطع حادة الرأس من عظام الخروف. . . . واذ يضرب الجنود الرومان تكرارا ظهر الضحية بكل قوة، تسبب الكرات الحديدية رضوضا عميقة، وتقطع السيور الجلدية وعظام الخروف الجلد والانسجة التي تحت الجلد. ثم، فيما يستمر الجَلْد، تنفلق التمزقات حتى العضلات الهيكلية التحتية وتُنتِج شُرُطا مرتجفة من اللحم النازف.»
بعد هذا الضرب المبرِّح، يؤخذ يسوع الى دار الولاية وتُجمع كل الكتيبة. وهناك يكوِّم عليه الجنود مزيدا من المعاملة السيئة بضفر اكليل من شوك وكبسه على رأسه. ويضعون قصبة في يمينه، ويلبسونه ثوب ارجوان، الطراز الذي يلبسه الملوك. ثم يقولون له بسخرية: «السلام يا ملك اليهود.» وأيضا، يبصقون عليه ويلطمونه. واذ يأخذون القصبة الصلبة من يده، يستعملونها لضربه على رأسه، غارزين اكثر ايضا الشوك الحاد ‹لإكليله› المذلّ في فروته.
ان وقار وقوة يسوع الرائعين في وجه سوء المعاملة هذا يؤثران جدا في بيلاطس حتى انه يندفع الى صنع محاولة اخرى لتخليصه. «ها انا اخرجه اليكم لتعلموا اني لست اجد فيه علة واحدة،» يقول للجموع. وعلى الارجح يتصور ان رؤية حالة عذاب يسوع ستليِّن قلوبهم. واذ يقف يسوع امام الحشد العديم الشفقة، لابسا الاكليل الشوكي والثوب الارجواني ووجهه الدامي منقوش بالألم، يعلن بيلاطس: «هوذا الانسان.»
ومع انه مرضوض ومضروب بقسوة، يقف هنا ابرز شخص في كل التاريخ، حقا، اعظم انسان عاش على الاطلاق! نعم، يُظهر يسوع وقارا وهدوءا صامتين ينمّان عن عظمة يجب حتى على بيلاطس ان يعترف بها، لأن كلماته هي كما يظهر مزيج من الاحترام والشفقة على السواء. يوحنا ١٨:٣٩-١٩:٥؛ متى ٢٧:١٥-١٧، ٢٠-٣٠؛ مرقس ١٥:٦-١٩؛ لوقا ٢٣:١٨-٢٥.
▪ بأية طريقة يحاول بيلاطس اطلاق يسوع؟
▪ كيف يحاول بيلاطس ان يبرِّئ نفسه من المسؤولية؟
▪ ماذا يشمله الجَلْد؟
▪ كيف استُهزئ بيسوع بعد جلده؟
▪ اية محاولة اضافية يقوم بها بيلاطس لاطلاق يسوع؟
-
-
تسليمه والمضي بهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٤
تسليمه والمضي به
عندما يحاول بيلاطس من جديد، متأثرا بالوقار الهادئ ليسوع المعذَّب، ان يطلقه يصير رؤساء الكهنة اكثر غضبا ايضا. فهم مصممون ان لا يدعوا شيئا يعيق قصدهم الشرير. ولذلك يجدِّدون صراخهم: «اصلبه اصلبه.»
«خذوه انتم واصلبوه،» يجاوب بيلاطس. (بخلاف ادعاءاتهم في وقت ابكر، ربما كانت لدى اليهود سلطة تنفيذ الحكم في المجرمين بسبب الاساءات الدينية التي هي ذات خطورة كافية.) ثم، للمرة الخامسة على الاقل، يعلن بيلاطس براءة يسوع، قائلا: «لست اجد فيه علة.»
فيلجأ اليهود، اذ يرون ان تهمهم السياسية قد فشلت في اعطاء النتائج، الى تهمة التجديف الدينية التي استُعملت في ساعات ابكر عند محاكمة يسوع امام السنهدريم. «لنا ناموس،» يقولون، «وحسب ناموسنا يجب ان يموت لانه جعل نفسه ابن اللّٰه.»
هذه التهمة جديدة بالنسبة الى بيلاطس، وتجعله يزداد خوفا. والآن يدرك ان يسوع ليس رجلا عاديا، تماما كما يشير اليه حلم زوجته وقوة شخصية يسوع الجديرة بالملاحظة. ولكن «ابن اللّٰه»؟ يعرف بيلاطس ان يسوع هو من الجليل. ولكن، هل من الممكن ان يكون قد عاش من قبل؟ واذ يعيده الى الدار من جديد، يسأل بيلاطس: «من اين انت.»
يبقى يسوع صامتا. ففي وقت ابكر كان قد اخبر بيلاطس انه ملك، وأن مملكته ليست جزءا من هذا العالم. وما من شرح اضافي سيفي الآن بغرض مفيد. ولكن، يجري جرح كبرياء بيلاطس برفض الاجابة، ويحمى غضبه على يسوع بالكلمات: «أما تكلِّمني. ألست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك.»
«لم يكن لك عليَّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق،» يجاوب يسوع باحترام. وهو يشير الى منح اللّٰه السلطان للحكام البشر ليديروا الشؤون الارضية. ويضيف يسوع: «لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم.» وفي الواقع، ان رئيس الكهنة قيافا وشركاءه ويهوذا الاسخريوطي جميعا يتحمَّلون مسؤولية اثقل من بيلاطس عن المعاملة غير العادلة ليسوع.
واذ يتأثر اكثر ايضا بيسوع ويخاف من انه ربما يكون من اصل الهي، يجدِّد بيلاطس جهوده لاطلاقه. ولكنّ اليهود يصدّون بيلاطس. ويكررون تهمتهم السياسية، مهدِّدين بمكر: «إن اطلقت هذا فلست محبا لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر.»
وعلى الرغم من التلاميح المريعة، يُخرج بيلاطس يسوع مرة اخرى. «هوذا ملككم،» يناشد مرة اخرى بعدُ.
«خذه خذه اصلبه.»
«أأصلب ملككم،» يسأل بيلاطس بيأس.
يتململ اليهود من حكم الرومان. وفي الواقع، يحتقرون سيطرة رومية! ومع ذلك، برياء، يقول رؤساء الكهنة: «ليس لنا ملك إلا قيصر.»
واذ يخاف على مركزه السياسي وسمعته، يستسلم بيلاطس اخيرا لطلبات اليهود القاسية المهدِّدة. ويُسلِم يسوع. فينزع العسكر عن يسوع الرداء الارجواني ويلبسونه ثيابه. واذ يمضون بيسوع ليُصلب، يجعلونه يحمل خشبة آلامه.
والآن انه منتصف فترة قبل الظهر ليوم الجمعة في ١٤ نيسان قمري؛ وربما يقترب الوقت من الظهر. ويسوع مستيقظ منذ وقت مبكر من صباح يوم الخميس، وقد عانى اختبارا مؤلما تلو الآخر. وعلى نحو مفهوم، تنهار قوته بسرعة تحت ثقل الخشبة. ولذلك يُسخَّر رجل مجتاز، وهو سمعان القيرواني من افريقيا، ليحملها عنه. واذ يسيرون قُدُما، يتبعهم اناس كثيرون، بمن فيهم نساء يَلطمن وينُحن على يسوع.
واذ يلتفت الى النساء، يقول يسوع: «يا بنات اورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكين على انفسكن وعلى اولادكن. لانه هوذا ايام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم تُرضع. . . . لانه ان كانوا (يفعلون هذه الامور عندما تكون الشجرة رطبة، فماذا سيحدث عندما تكون ذابلة؟)»
يشير يسوع الى شجرة الامة اليهودية، التي لا يزال فيها بعض رطوبة الحياة بسبب حضور يسوع ووجود بقية تؤمن به. أما عند اخراج هؤلاء من الامة، فسيبقى مجرد شجرة ميتة روحيا، اجل، هيئة قومية يابسة. وكم يكون هناك سبب للبكاء عندما تخرِّب الجيوش الرومانية، اذ تخدم كمنفِّذة لاحكام اللّٰه، الامة اليهودية! يوحنا ١٩:٦-١٧؛ ١٨:٣١؛ لوقا ٢٣:٢٤-٣١؛ متى ٢٧:٣١، ٣٢؛ مرقس ١٥:٢٠، ٢١.
▪ اية تهمة يوجِّهها القادة الدينيون ضد يسوع عندما تفشل تهمهم السياسية في اعطاء النتائج؟
▪ لماذا يزداد بيلاطس خوفا؟
▪ من يتحمَّلون الخطية الاعظم لما يحدث ليسوع؟
▪ اخيرا، كيف يجعل الكهنة بيلاطس يُسلِم يسوع من اجل تنفيذ الحكم؟
▪ ماذا يقول يسوع للنساء اللواتي يبكين عليه، وماذا يعني بالاشارة الى الشجرة بصفتها «(رطبة)» ثم «(ذابلة)»؟
-
-
كَرْب على الخشبةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٥
كَرْب على الخشبة
مع يسوع يؤتى بلصَّين لينفَّذ فيهما الحكم. وليس بعيدا عن المدينة، يتوقف الموكب عن السير في موضع يقال له جلجثة او موضع الجمجمة.
يُجرَّد الأسرى من ثيابهم. ثم تزوَّد خمر ممزوجة بمُرّ. وكما يبدو، فان نساء اورشليم يُعددنها، والرومان لا يحرمون الذين يُعلَّقون من هذا الشراب الذي يسكِّن الالم. ومع ذلك، عندما يذوقها يسوع لا يريد ان يشرب. ولماذا؟ من الواضح انه يريد ان يسيطر كاملا على قواه العقلية خلال هذا الامتحان الاعظم لايمانه.
يسوع متمدِّد الآن على الخشبة ويداه موضوعتان فوق رأسه. ثم يدقّ العسكر مسامير كبيرة في يديه وفي رجليه. فيتلوَّى من الألم فيما تثقب المسامير اللحم والاربطة. وعندما تُرفَع الخشبة منتصبة يكون الالم مبرِّحا، لأن ثقل الجسد يمزِّق مكان جروح المسامير. ومع ذلك، عوضا عن ان يهدد، يصلّي يسوع لأجل العسكر الرومان: «يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون.»
يضع بيلاطس على الخشبة لافتة تتألف من الكلمات التالية: «يسوع الناصري ملك اليهود.» وكما يبدو، يكتب ذلك ليس فقط لأنه يحترم يسوع بل لأنه يكره الكهنة اليهود لانتزاعهم حكم موت يسوع منه. ولكي يقرأ الجميع اللافتة، جعلها بيلاطس تُكتب بثلاث لغات — بالعبرانية، باللاتينية الرسمية، وباليونانية العامة.
ان رؤساء الكهنة، بمن فيهم قيافا وحنَّان، مرتاعون. فهذا الإعلان القاطع يفسد ساعة انتصارهم. ولذلك يعترضون: «لا تكتب ملك اليهود بل ان ذاك قال انا ملك اليهود.» واذ يغتاظ من ان يخدم كأداة للكهنة، يجيب بيلاطس باحتقار واضح: «ما كتبت قد كتبت.»
يجتمع الكهنة الآن، بالاضافة الى جمع كبير، في موضع تنفيذ الحكم، ويحاول الكهنة ان يدحضوا شهادة اللافتة. فيكرِّرون الشهادة الزائفة التي أُعطيت في وقت ابكر في محاكمات السنهدريم. ولذلك ليس مدهشا ان يجدِّف المجتازون وهم يهزّون رؤوسهم بسخرية، قائلين: «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام خلِّص نفسك. إن كنت ابن اللّٰه فانزل عن الصليب.»
«خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يخلِّصها،» يتدخَّل رؤساء الكهنة وأصدقاؤهم الدينيون. «إن كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على اللّٰه فلينقذه الآن إن اراده. لأنه قال انا ابن اللّٰه.»
إذ يتأثرون بالموقف العقلي هذا، يستهزئ العسكر ايضا بيسوع. وبسخرية يقدِّمون له خلاًّ، ممسكين بذلك كما يبدو على مسافة من شفتيه الظَمِئتين. «إن كنت انت ملك اليهود،» يُعيِّرون، «فخلِّص نفسك.» وحتى اللصَّان — واحد معلَّق عن يمين يسوع، وآخر عن يساره — يهزأان به. فكِّروا في ذلك! ان اعظم انسان عاش على الإطلاق، نعم، ذاك الذي اشترك مع يهوه اللّٰه في خلق كل الاشياء، يعاني بعزم ثابت كل هذه الاساءة!
يأخذ العسكر ثياب يسوع ويقسمونها الى اربعة اقسام. ويُلقون قرعة ليروا لمن ستكون هذه. أما القميص فهو بغير خياطة، لكونه ذا نوعية ممتازة. ولذلك يقول العسكر بعضهم لبعض: «لا نشقُّه بل نقترع عليه لمن يكون.» وهكذا، دون ان يعلموا، يتمِّمون الكتاب القائل: «اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة.»
وفي حينه يقدِّر احد اللصَّين انه لا بد ان يكون يسوع ملكا حقا. ولذلك، اذ ينتهر رفيقه، يقول: «أَوَلا انت تخاف اللّٰه اذ انت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا. وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محلِّه.» ثم يخاطب يسوع، «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.»
«الحق اقول لك اليوم،» يجيب يسوع، «ستكون معي في الفردوس.» وهذا الوعد سيتمّ عندما يحكم يسوع ملكا في السماء ويقيم فاعل الشر التائب هذا الى الحياة على الارض في الفردوس الذي يكون للناجين من هرمجدون ورفقائهم امتياز الاعتناء به. متى ٢٧:٣٣-٤٤؛ مرقس ١٥:٢٢-٣٢؛ لوقا ٢٣:٢٧، ٣٢-٤٣، عج؛ يوحنا ١٩:١٧-٢٤.
▪ لماذا لا يريد يسوع ان يشرب الخمر الممزوجة بمُرّ؟
▪ كما يبدو، لماذا توضع لافتة على خشبة يسوع، وأية منازعة تُبدئها بين بيلاطس ورؤساء الكهنة؟
▪ اية اساءة اضافية ينالها يسوع على الخشبة، وماذا يثيرها كما يتضح؟
▪ كيف تتمّ النبوة في ما يجري فعله بثياب يسوع؟
▪ اي تغيير يصنعه احد اللصَّين، وكيف سيتمِّم يسوع طلبه؟
-
-
«حقا كان هذا ابن اللّٰه»اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٦
«حقا كان هذا ابن اللّٰه»
لم يكن قد مضى على يسوع وقت طويل على الخشبة حين تقع، عند الظهر، ظلمة غامضة طوال ثلاث ساعات. ان كسوف الشمس ليس السبب، لأنه يحدث وقت الهلال فقط، والقمر هو بدر وقت الفصح. وعلاوة على ذلك، ان كسوف الشمس يدوم بضع دقائق فقط. ولذلك فان الظلمة هي من مصدر الهي! وهي على الارجح تجعل الذين يهزأون بيسوع يتوقفون ويفكرون، حتى انها تسبِّب انقطاع تعييراتهم.
اذا وقعت هذه الظاهرة الغريبة قبل ان يعنِّف احدُ فاعلَي الشر رفيقه ويطلب من يسوع ان يذكره، فقد تكون عاملا في توبته. وربما في اثناء الظلمة تشق اربع نساء طريقهن الى قرب خشبة الآلام، وهن امّ يسوع وأختها سالومة، مريم المجدلية، ومريم امّ الرسول يعقوب الصغير. ويوحنا، رسول يسوع الحبيب، معهن هناك.
كم يُطعَن قلب امّ يسوع فيما تشاهد الابن، الذي ارضعته وربَّته، معلَّقا هناك يقاسي ألما شديدا! وعلى الرغم من ذلك، يفكِّر يسوع، لا في ألمه، بل في خيرها. وبجهد كبير، يومئ برأسه الى يوحنا ويقول لأمه: «يا امرأة هوذا ابنك.» ثم، اذ يومئ برأسه الى مريم، يقول ليوحنا: «هوذا امك.»
بذلك يعهد يسوع في عناية امه، التي كما يتضح هي الآن ارملة، الى رسوله الحبيب على نحو خصوصي. ويفعل ذلك لأن اولاد مريم الآخرين لم يُظهروا حتى الآن ايمانا به. وهكذا يرسم مثالا جيدا في تزويد لا حاجات امه الجسدية فقط بل الروحية ايضا.
ونحو الساعة الثالثة بعد الظهر، يقول يسوع: «انا عطشان.» ويشعر يسوع كما لو ان اباه نزع الحماية عنه لكي تُمتحن استقامته الى اقصى حد. ولذلك يصرخ بصوت عظيم: «الهي الهي لماذا تركتني.» وعندما يسمعون ذلك يقول قوم واقفون بالقرب منه: «هوذا ينادي ايليا.» وللوقت يركض واحد منهم ويسقيه، واضعا إسفنجة ملآنة خلاًّ على طرف زوفا. ولكن يقول آخرون: «اتركوا. لنرَ هل يأتي ايليا ليُنزله.»
وعندما يأخذ يسوع الخلَّ يصرخ: «قد أُكمل.» نعم، لقد انهى كل ما ارسله ابوه الى الارض ليفعله. وأخيرا، يقول: «يا ابتاه في يديك استودع روحي.» وبذلك يسلِّم يسوع قوة حياته الى اللّٰه واثقا بأن اللّٰه سيعيدها اليه من جديد. ثم ينكِّس رأسه ويموت.
حالما يلفظ يسوع نفسَه الاخير تقع زلزلة عنيفة، فتنشق الصخور. والهزة قوية حتى ان القبور التذكارية خارج اورشليم تنفتح عنوة وتُطرح منها الجثث. والمجتازون، الذين يرون الاجساد الميتة التي انكشفت، يدخلون المدينة ويخبرون بذلك.
وعلاوة على ذلك، في اللحظة التي يموت فيها يسوع، ينشق الحجاب الكبير، الذي يفصل القدس عن قدس الاقداس في هيكل اللّٰه، الى اثنين، من فوق الى اسفل. وكما يظهر، فإن هذا الحجاب المزخرف على نحو جميل يبلغ ارتفاعه نحو ٦٠ قدما (١٨ م) وهو ثقيل جدا! والعجيبة المذهلة لا تُظهر فقط غضب اللّٰه على قاتلي ابنه بل تدل ان الطريق الى قدس الاقداس، السماء عينها، يصير الآن ممكنا بموت يسوع.
عندما يشعر الناس بالزلزلة ويرون ما يحدث يخافون جدا. وقائد المئة المشرف على الاعدام يمجِّد اللّٰه. «حقا كان هذا ابن اللّٰه،» يعلن. وعلى الارجح كان حاضرا عندما جرت مناقشة الادِّعاء بالبنوَّة الالهية وقت محاكمة يسوع امام بيلاطس. والآن هو مقتنع بأن يسوع هو ابن اللّٰه، نعم، انه حقا اعظم انسان عاش على الاطلاق.
وثمة آخرون ايضا تبهرهم هذه الحوادث العجائبية، فيبدأون بالرجوع الى بيوتهم قارعين صدورهم، اشارة الى حزنهم وخزيهم الشديدين. وتراقب المنظر من بعيد تلميذات كثيرات ليسوع فتثير مشاعرهن بعمق هذه الحوادث المهمة. والرسول يوحنا ايضا حاضر. متى ٢٧:٤٥-٥٦؛ مرقس ١٥:٣٣-٤١؛ لوقا ٢٣:٤٤-٤٩؛ ٢:٣٤، ٣٥؛ يوحنا ١٩:٢٥-٣٠.
▪ لماذا لا يمكن ان يكون كسوف الشمس السبب لثلاث ساعات من الظلمة؟
▪ قبل موته بمدة وجيزة، اي مثال جيد يزوِّده يسوع لذوي الوالدين المسنين؟
▪ ما هي العبارات الاربع الاخيرة ليسوع قبل ان يموت؟
▪ ماذا تنجز الزلزلة، وما هو مغزى انشقاق حجاب الهيكل الى اثنين؟
▪ كيف يتأثر قائد المئة المشرف على الاعدام بالعجائب؟
-
-
يُدفَن الجمعة — قبر فارغ الاحداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٧
يُدفَن الجمعة — قبر فارغ الاحد
الآن هو وقت متأخر من يوم الجمعة بعد الظهر، والسبت في ١٥ نيسان قمري سيبتدئ عند الغروب. وجسد يسوع الميت يتدلى مرتخيا على الخشبة، إلا ان اللصَّين الى جانبه لا يزالان على قيد الحياة. وبعد ظهر يوم الجمعة يدعى الاستعداد لأن الناس يعدُّون وجبات الطعام ويتمّمون اي عمل ملحّ آخر لا يمكن تأجيله الى ما بعد السبت.
والسبت الذي يوشك ان يبدأ ليس مجرد سبت عادي (اليوم السابع من الاسبوع) بل ايضا سبت مزدوج او «عظيم.» وهو يدعى هكذا لأن ١٥ نيسان قمري، الذي هو اول يوم من الايام السبعة لعيد الفطير (وهو دائما سبت مهما كان اليوم من الاسبوع الذي يصادفه)، يقع في يوم السبت العادي نفسه.
ووفقا لشريعة اللّٰه، لا يجب ان تُترك الاجساد معلَّقة على خشبة طوال الليل. ولذلك يطلب اليهود من بيلاطس تعجيل موت اللذين حُكم عليهما بكسر سيقانهما. وهكذا يكسر العسكر سيقان اللصَّين. ولكن، اذ يتضح ان يسوع قد مات، لا تُكسر ساقاه. وهذا يتمم الكتاب القائل: «عظم لا يُكسَر منه.»
ولكن، لازالة ايّ شك في ان يسوع قد مات حقا، يطعن واحد من العسكر جنبه بحربة. فتخترق الحربة ناحية قلبه، وللوقت يخرج دم وماء. والرسول يوحنا، الذي هو شاهد عيان، يخبر ان ذلك يتمم كتابا آخر: «سينظرون الى الذي طعنوه.»
ويوسف الذي من الرامة، عضو حسن السمعة في السنهدريم، يكون ايضا حاضرا عند تنفيذ الحكم. وقد رفض الموافقة على اجراء المحكمة العليا غير العادل ضد يسوع. ويوسف هو في الواقع تلميذ ليسوع، مع انه كان يخاف من تحديد هويته بهذه الصفة. ولكنه، الآن، يتجاسر ويذهب الى بيلاطس ليطلب جسد يسوع. فيدعو بيلاطس قائد المئة المسؤول، وبعد ان يؤكِّد قائد المئة ان يسوع ميت، يقوم بيلاطس بتسليم الجثة.
يأخذ يوسف الجسد ويكفّنه بكتان نقي استعدادا للدفن. ويساعده نيقوديموس، عضو آخر في السنهدريم. ونيقوديموس ايضا فشل في الاقرار بايمانه بيسوع بسبب الخوف من ان يخسر منصبه. لكنه الآن يجلب مزيجا يحتوي على نحو مئة مَنًا من المر والعود الباهظ الثمن. فيُلفّ جسد يسوع بأكفان تحتوي على هذين الطيبين، كما لليهود عادة ان يكفّنوا.
ثم يوضع الجسد في القبر التذكاري الجديد ليوسف المنحوت في صخرة في البستان القريب. وأخيرا، يُدحرج حجر كبير امام القبر. ولانجاز الدفن قبل السبت، يجري الاسراع في إعداد الجسد. ولذلك تهرع مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب الصغير، اللتان ربما كانتا تساعدان في الإعداد، الى البيت لإعداد مزيد من الحنوط والاطياب. وبعد السبت، تخططان لمعالجة جسد يسوع اكثر لكي تحفظاه لفترة اطول من الوقت.
وفي الغد، الذي هو السبت، يذهب رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس ويقولون: «يا سيد قد تذكَّرنا ان ذلك المضلّ قال وهو حي اني بعد ثلاثة ايام اقوم. فمُرْ بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الاموات. فتكون الضلالة الاخيرة اشرَّ من الاولى.»
«عندكم حراس،» يجيب بيلاطس. «اذهبوا واضبطوه كما تعلمون.» فيمضون ويضبطون القبر بختم الحجر وبوضع عساكر رومانيين حراسا.
وفي وقت باكر من صباح الاحد تحمل مريم المجدلية، مريم أُم يعقوب، مع سالومة، يوَنَّا، ونساء أخريات، الحنوط الى القبر لمعالجة جسد يسوع. وفي طريقهن يقلن في ما بينهن: «مَن يدحرج لنا الحجر عن باب القبر.» ولكن عندما يصلن يجدن ان زلزلة قد حدثت وملاك يهوه قد دحرج الحجر بعيدا. والحراس قد ذهبوا، والقبر فارغ! متى ٢٧:٥٧-٢٨:٢؛ مرقس ١٥:٤٢-١٦:٤؛ لوقا ٢٣:٥٠-٢٤:٣، ١٠؛ يوحنا ١٩:١٤، ٣١-٢٠:١؛ ١٢:٤٢؛ لاويين ٢٣:٥-٧؛ تثنية ٢١:٢٢، ٢٣؛ مزمور ٣٤:٢٠؛ زكريا ١٢:١٠.
▪ لماذا يدعى يوم الجمعة الاستعداد، وما هو السبت ‹العظيم›؟
▪ اية آيات يجري اتمامها في ما يتعلق بجسد يسوع؟
▪ ما هي علاقة يوسف ونيقوديموس بدفن يسوع، وما هي علاقتهما بيسوع؟
▪ ماذا يطلب الكهنة من بيلاطس، وكيف يتجاوب؟
▪ ماذا يحدث في وقت باكر من صباح الاحد؟
-
-
يسوع حي!اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٨
يسوع حي!
عندما تجد النساء قبر يسوع فارغا، تركض مريم المجدلية لتخبر بطرس ويوحنا. ولكن، كما يتضح، تبقى النساء الاخريات عند القبر. وسرعان ما يظهر ملاك ويدعوهن الى الداخل.
وهنا ترى النساء ملاكا آخر ايضا، فيقول لهن احد الملاكين: ‹لا تخفن انتن. فإني اعلم انكن تطلبن يسوع الذي كان معلَّقا. ليس هو هٰهنا لأنه قام كما قال. هلُمَّ انظرن الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه. واذهبن سريعا قلن لتلاميذه انه قد أُقيم من الاموات.› وهكذا، بخوف وفرح عظيم، فان هؤلاء النساء ايضا يركضن.
في هذه الاثناء تجد مريم بطرس ويوحنا وتخبرهما: «اخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم اين وضعوه.» فيبدأ الرسولان فورا بالركض. ويوحنا اسرع — وكما يتضح لأنه الاصغر — فيصل الى القبر اولا. وفي هذه الاثناء كانت النساء قد غادرن، ولذلك ما من احد موجود. واذ ينحني، يحدِّق يوحنا في داخل القبر فيرى الاكفان، لكنه يبقى خارجا.
وعندما يصل بطرس لا يتردد بل يدخل مباشرة. فيرى الاكفان موضوعة هناك وأيضا المنديل الذي كان رأس يسوع ملفوفا به. انه موضوع في مكان وحده. ويدخل يوحنا الآن ايضا الى القبر، فيصدِّق خبر مريم. ولكن لا بطرس ولا يوحنا يفهمان ان يسوع قد قام، مع انه كثيرا ما اخبرهما انه سيقوم. واذ يتحيران، يرجع الاثنان الى البيت، ولكنّ مريم التي ترجع الى القبر تبقى.
في غضون ذلك تسرع النساء الاخريات ليخبرن التلاميذ ان يسوع قد أُقيم، كما امرهن الملاكان ان يفعلن. وفيما هن راكضات بأسرع ما يمكنهن، يلاقيهن يسوع ويقول: ‹سلام لكن.› واذ يقعن عند قدميه، ينحنين له احتراما. فيقول يسوع: ‹لا تخفن. اذهبن قلن لاخوتي ان يذهبوا الى الجليل وهناك يرونني.›
وفي وقت ابكر، عندما حدثت الزلزلة وظهر الملائكة، اندهش الجنود الذين كانوا يحرسون وصاروا كأموات. واذ استعادوا رشدهم، جاءوا الى المدينة حالا وأخبروا رؤساء الكهنة بما حدث. وبعد التشاور مع «شيوخ» اليهود، اتُّخذ القرار ان يحاولوا طمس المسألة برشو الجنود. فجرى تعليمهم: «قولوا ان تلاميذه اتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام.»
بما ان الجنود الرومان يمكن ان يُعاقبوا بالموت لسبب نومهم وهم في مهماتهم، فقد وعد الكهنة: «اذا سُمع ذلك [خبر نومكم] عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين.» ولأن مقدار الرشوة كبير كفاية، فعل الجنود كما جرى تعليمهم. ونتيجة لذلك، فان الخبر الكاذب عن سرقة جسد يسوع صار منتشرا على نحو واسع بين اليهود.
ومريم المجدلية، التي تبقى عند القبر، يُنهكها الحزن. اين يمكن ان يكون يسوع؟ واذ تنحني لتنظر داخل القبر، ترى الملاكين بثياب بيض، اللذين ظهرا من جديد! الواحد يجلس عند الرأس والآخر عند الرِّجلين حيث كان جسد يسوع موضوعا. «يا امرأة لماذا تبكين،» يسألان.
«انهم اخذوا سيدي،» تجيب مريم، «ولست اعلم اين وضعوه.» ثم تلتفت حولها فترى شخصا يكرّر السؤال: «يا امرأة لماذا تبكين.» ويسأل هذا الشخص ايضا: «مَن تطلبين.»
واذ تظن ان هذا الشخص هو البستاني حيث كان موقع القبر، تقول له: «يا سيد ان كنت انت قد حملته فقل لي اين وضعته وانا آخذه.»
«يا مريم،» يقول الشخص. فتعرف فورا من الطريقة المألوفة التي يتكلم بها معها انه يسوع. «ربّوني»! (وتفسيره «يا معلّم»!) تهتف. وبفرح غير محدود، تمسك به. أما يسوع فيقول: «لا (تتمسَّكي بي) لأني لم اصعد بعد الى ابي. ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم.»
فتركض مريم الآن الى حيث يجتمع الرسل والتلاميذ الرفقاء. وتضيف روايتها الى الخبر الذي اعطته سابقا النساء الاخريات عن رؤية يسوع المقام. ولكنّ هؤلاء الرجال، الذين لم يصدِّقوا النساء الأُوَل، لا يصدّقون كما يظهر مريم ايضا. متى ٢٨:٣-١٥؛ مرقس ١٦:٥-٨؛ لوقا ٢٤:٤-١٢؛ يوحنا ٢٠:٢-١٨.
▪ بعد وجود القبر فارغا ماذا تفعل مريم المجدلية، واي اختبار تحصل عليه النساء الاخريات؟
▪ كيف يتجاوب بطرس ويوحنا عند وجود القبر فارغا؟
▪ ماذا تلاقي النساء الاخريات في طريقهن لإخبار التلاميذ بقيامة يسوع؟
▪ ماذا حصل للحراس، وماذا كان التجاوب مع خبرهم للكهنة؟
▪ ماذا يحصل عندما تكون مريم المجدلية وحدها عند القبر، وما هو تجاوب التلاميذ مع اخبار النساء؟
-
-
ظهورات اضافيةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٩
ظهورات اضافية
لا يزال التلاميذ مكتئبين. فهم لا يفهمون مغزى القبر الفارغ، ولا يصدِّقون اخبار النساء. ولذلك في وقت لاحق يوم الاحد، يغادر كليوباس وتلميذ آخر اورشليم الى عِمْواس، مسافة سبعة اميال (١١ كلم) تقريبا.
وفي الطريق، فيما هما يناقشان حوادث اليوم، ينضم غريب اليهما. «ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وانتما ماشيان،» يسأل.
فيقف التلميذان، ووجهاهما مكتئبان، ويجيب كليوباس: «هل انت متغرّب وحدك في اورشليم ولم تعلم الامور التي حدثت فيها في هذه الايام.» فيسأل: «وما هي.»
«المختصّة بيسوع الناصري،» يجيبان. «أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه. ونحن كنا نرجو انه هو المزمع ان يفدي اسرائيل.»
ويوضح كليوباس ورفيقه حوادث اليوم المدهشة — الخبر عن الرؤية الخارقة الطبيعة للملاكين والقبر الفارغ — ولكنهما يعترفان بعد ذلك بحيرتهما في ما يتعلق بمغزى هذه الامور. فيؤنِّبهما الغريب: «ايها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء. أمَا كان ينبغي ان المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده.» ثم يفسِّر لهما مقاطع من الاسفار المقدسة المختصة بالمسيح.
وأخيرا، يصلان الى قرب عِمْواس، فيتظاهر الغريب كأنه يتابع انطلاقه. واذ يريدان ان يسمعا المزيد، يحث التلميذان: «امكث معنا لأنه نحو المساء.» لذلك يمكث من اجل وجبة طعام. واذ يقدِّم صلاة ويكسر خبزا ويناولهما، يعرفان انه حقا يسوع في جسم بشري مادي. ولكنه يختفي بعد ذلك.
والآن يفهمان كيف عرف الغريب الكثير جدا! «ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا،» يسألان، «اذ كان يكلّمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب.» وبدون تأخُّر، يقومان ويعودان بسرعة الى اورشليم، حيث يجدان الرسل واولئك المجتمعين معهم. وقبل ان يتمكن كليوباس ورفيقه من قول ايّ شيء، يخبر الآخرون بحماسة: «ان الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان.» ثم يخبر الاثنان كيف ظهر يسوع لهما ايضا. وهذا يشكّل اربع مرات خلال اليوم ظهر فيها لاشخاص مختلفين من تلاميذه.
يقوم يسوع فجأة بظهور خامس. وعلى الرغم من ان الابواب موصدة لأن التلاميذ خائفون من اليهود، يدخل واقفا في وسطهم ويقول: «سلام لكم.» فيخافون ويظنون انهم يرون روحا. لذلك، اذ يشرح انه ليس خيالا، يقول يسوع: «ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر افكار في قلوبكم. انظروا يديَّ ورجليَّ اني انا هو. جُسّوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.» ومع ذلك، فإنهم يأبون ان يصدقوا.
وليساعدهم ان يدركوا انه حقا يسوع، يسأل: «أعندكم هٰهنا طعام.» وبعد ان يقبل جزءا من سمك مشوي ويأكله، يقول: «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم [قبل موتي] انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير.»
وفي الواقع، اذ يتابع ما هو بمثابة درس في الكتاب المقدس معهم، يعلِّم يسوع: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتألم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتَدَأً من اورشليم. وانتم شهود لذلك.»
لسببٍ ما، لا يكون توما موجودا في هذا الاجتماع الحيوي ليوم الاحد مساء. ولذلك خلال الايام التي تلي يخبره الآخرون بفرح: «قد رأينا الرب.»
«إنْ لم أُبصر في يديه اثر المسامير،» يحتجّ توما، «واضع اصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا أومن.»
وبعد ثمانية أيام يجتمع التلاميذ ثانية في الداخل. وفي هذه المرة يكون توما موجودا معهم. ومع ان الابواب موصدة، يقف يسوع مرة ثانية في وسطهم ويقول: «سلام لكم.» ثم، اذ يلتفت الى توما، يدعو: «هاتِ اصبعك الى هنا وابصر يديَّ وهاتِ يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن.»
«ربي والهي،» يهتف توما.
«لأنك رأيتني يا توما آمنتَ،» يسأل يسوع. «طوبى للذين آمنوا ولم يروا.» لوقا ٢٤:١١، ١٣-٤٨؛ يوحنا ٢٠:١٩-٢٩.
▪ اية استفسارات يقدمها غريب لتلميذين في الطريق الى عِمْواس؟
▪ ماذا يقول الغريب مما يجعل قلبَي التلميذين ملتهبين فيهما؟
▪ كيف يميِّز التلميذان من هو الغريب؟
▪ عندما يعود كليوباس ورفيقه الى اورشليم، اي خبر مثير يسمعانه؟
▪ اي ظهور خامس يقوم به يسوع لتلاميذه، وماذا يحدث خلاله؟
▪ ماذا يحصل بعد ثمانية ايام من ظهور يسوع الخامس، وكيف يقتنع توما اخيرا بأن يسوع حي؟
-
-
عند بحر الجليلاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٣٠
عند بحر الجليل
يعود الرسل الآن الى الجليل، كما ارشدهم يسوع ان يفعلوا في وقت سابق. ولكنهم غير متأكدين مما يجب ان يفعلوه هناك. وبعد مدة قصيرة، يقول بطرس لتوما، نثنائيل، يعقوب وأخيه يوحنا، ورسولين آخرين: «انا ذاهب لأتصيَّد.»
«نذهب نحن ايضا معك،» يجيب الستة.
طوال الليل كله، يفشلون في اصطياد ايّ شيء. ولكن، اذ يبدأ النور بالبزوغ، يظهر يسوع على الشاطئ، وأما الرسل فلا يميّزون انه يسوع. فيصيح: «يا غلمان ألعل عندكم إداما.»
«لا،» يصيحون مجيبين عبر الماء.
«ألقوا الشبكة الى جانب السفينة الايمن فتجدوا،» يقول. وعندما يفعلون ذلك لا يتمكنون من جذب شبكتهم بسبب كثرة السمك.
«هو الرب،» يصرخ يوحنا.
وعند سماع ذلك يتَّزر بطرس بثوبه، لانه كان قد خلع ثيابه، ويغوص في البحر. ثم يسبح حوالي مئة ياردة (٩٠ م) الى الشاطئ. ويتبعه الرسل الآخرون في القارب الصغير، جاذبين الشبكة الممتلئة بالسمك.
عندما يصلون الى الشاطئ يكون هنالك جمر، مع سمك موضوع عليه، ويكون هنالك خبز. «قدِّموا من السمك الذي امسكتم الآن،» يقول يسوع. فيصعد بطرس الى متن القارب ويجر الشبكة الى الشاطئ. انها تحتوي على ١٥٣ سمكة كبيرة!
«هلموا تغدَّوا،» يدعو يسوع.
لا يملك ايٌّ منهم الشجاعة ان يسأل، «من انت،» لانهم جميعا يعرفون انه يسوع. هذا هو ظهوره السابع بعد القيامة، والثالث لرسله كفريق. وهو الآن يقدّم طعام الفطور، معطيا كل واحد منهم شيئا من الخبز والسمك.
عندما ينتهون من الاكل ينظر يسوع على الارجح الى صيد السمك الكثير ويسأل بطرس: «يا سمعان بن يونا أتحبني اكثر من هؤلاء.» ودون شك يقصد، هل انت متعلق بمهنة صيد السمك اكثر من العمل الذي اعددته لك؟
«انت تعلم اني احبك،» يجيب بطرس.
«ارع خرافي،» يرد يسوع.
وأيضا، مرة ثانية، يسأل: «يا سمعان بن يونا أتحبني.»
«نعم يا رب انت تعلم اني احبك،» يجيب بطرس بجد.
«ارع غنمي،» يأمر يسوع ثانية.
ثم، للمرة الثالثة ايضا، يسأل: «يا سمعان بن يونا أتحبني.»
الآن يحزن بطرس. فربما يتساءل عما اذا كان يسوع يشك في ولائه. غير انه، عندما كان يسوع يحاكَم مؤخرا، انكر بطرس معرفته اياه ثلاث مرات. ولذلك يقول بطرس: «يا رب انت تعلم كل شيء. انت تعرف اني احبك.»
«ارع غنمي،» يأمر يسوع للمرة الثالثة.
وهكذا يستعمل يسوع بطرس كلوحة عاكسة للصوت ليطبع في ذهن الآخرين العمل الذي يريد منهم ان يعملوه. فهو سيترك الارض قريبا، ويريد منهم ان يأخذوا القيادة في خدمة اولئك الذين سيُجذبون الى حظيرة اللّٰه.
وكما ان يسوع قُيِّد وقُتل لأنه عمل العمل الذي فوّضه اليه اللّٰه ليعمله، كذلك يكشف الآن ان بطرس سيعاني اختبارا مماثلا: «لما كنتَ اكثر حداثة،» يقول له يسوع، «كنتَ تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شختَ فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء.» وعلى الرغم من ميتة الشهيد التي تنتظر بطرس، يحثه يسوع: «اتبعني.»
واذ يلتفت، يرى بطرسُ يوحنا ويسأل: «يا رب وهذا ما له.»
«إن كنت اشاء انه يبقى حتى اجيء،» يجيب يسوع، «فماذا لك. اتبعني انت.» لقد فهم كثيرون من التلاميذ كلمات يسوع هذه بأنها تعني ان الرسول يوحنا لا يموت ابدا. ولكن، كما شرح الرسول يوحنا في ما بعد، لم يقل يسوع انه لا يموت، لكنّ يسوع قال: «إن كنت اشاء انه يبقى حتى اجيء فماذا لك.»
وقدَّم يوحنا ايضا في ما بعد هذه الملاحظة ذات المغزى: «واشياء أُخَر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة فواحدة فلست اظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة.» يوحنا ٢١:١-٢٥؛ متى ٢٦:٣٢؛ ٢٨:٧، ١٠.
▪ ماذا يُظهر ان الرسل غير متأكدين مما يجب ان يفعلوه في الجليل؟
▪ كيف يعرف الرسل يسوع عند بحر الجليل؟
▪ كم مرة ظهر يسوع حتى الآن منذ قيامته؟
▪ كيف يشدد يسوع على ما يريد من رسله ان يفعلوه؟
▪ كيف يشير يسوع الى الطريقة التي بها سيموت بطرس؟
▪ اية تعليقات ليسوع عن يوحنا اساء فهمها كثيرون من التلاميذ؟
-
-
الظهورات الاخيرة، ويوم الخمسين سنة ٣٣ بماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٣١
الظهورات الاخيرة، ويوم الخمسين سنة ٣٣ بم
في مرحلة ما يقوم يسوع بترتيبات ليلتقيه رسله الـ ١١ جميعا على جبل في الجليل. ومن الواضح ان تلاميذ آخرين يجري إخبارهم بالاجتماع، فيجتمع ما مجموعه اكثر من ٥٠٠ شخص. وكم يكون هذا المحفل سعيدا عندما يظهر يسوع ويبدأ بتعليمهم!
بين امور اخرى، يوضح يسوع للحشد الكبير ان اللّٰه قد دفع اليه كل سلطان في السماء وعلى الارض. «فاذهبوا،» يحث، «وتلمذوا جميع الامم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلِّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.»
فكّروا في ذلك! رجال، نساء، واولاد جميعهم يتسلّمون هذه المهمة عينها ليشاركوا في عمل التلمذة. وسيحاول المقاومون ان يوقفوا كرازتهم وتعليمهم، لكنّ يسوع يعزّيهم: «ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.» ويبقى يسوع مع أتباعه بواسطة الروح القدس، ليساعدهم على اتمام خدمتهم.
يُظهر يسوع نفسَه حيا لتلاميذه طوال فترة من ٤٠ يوما بعد قيامته. وخلال هذه الظهورات يعلّمهم عن ملكوت اللّٰه، ويُبرز لهم ما هي مسؤولياتهم كتلاميذ له. وفي احدى المناسبات يَظهر ايضا لأخيه من امه يعقوب ويُقنع غير المؤمن السابق هذا بأنه هو حقا المسيح.
وفيما الرسل في الجليل بعدُ، يوعز اليهم يسوع كما يتضح ان يعودوا الى اورشليم. وعندما يلتقيهم هناك يقول لهم «ان لا يبرحوا من اورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمّد بالماء وأما انتم فستتعمَّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الايام بكثير.»
وفي ما بعد يلتقي يسوع ثانية رسله ويقودهم الى خارج المدينة حتى بيت عنيا، الواقعة في المنحدر الشرقي لجبل الزيتون. وعلى نحو مدهش، على الرغم من كل ما قاله عن ذهابه قريبا الى السماء، لا يزالون يعتقدون ان ملكوته سيتأسس على الارض. ولذلك يسألون: «يا رب هل في هذا الوقت تردّ المُلك الى اسرائيل.»
بدلا من ان يحاول ثانية ان يصحِّح افكارهم الخاطئة، يجيب يسوع ببساطة: «ليس لكم ان تعرفوا الازمنة والاوقات التي جعلها الآب في سلطانه.» ثم، اذ يشدّد مرة ثانية على العمل الذي يجب ان يقوموا به، يقول: «ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض.»
وفيما هم ينظرون بعدُ، يبدأ يسوع بالارتفاع نحو السماء، ثم تحجبه سحابة عن نظرهم. وبعد خلع جسده اللحمي، يصعد الى السماء كشخص روحاني. واذ يستمر الـ ١١ شاخصين الى السماء، يظهر رجلان بلباس ابيض الى جانبهم. فيسأل هذان الملاكان المتجسدان: «ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء.»
ان الطريقة التي ترك بها يسوع الارض الآن هي بدون عرض عام وبملاحظة أتباعه الامناء فقط. ولذلك سيرجع بطريقة مشابهة — بدون عرض عام وبتمييز أتباعه الامناء فقط لرجوعه وبدء حضوره بسلطة الملكوت.
ينزل الرسل الآن من جبل الزيتون، يعبرون وادي قدرون، ويدخلون اورشليم مرة ثانية. ويبقون هناك اطاعة لوصية يسوع. وبعد عشرة ايام، في يوم الخمسين اليهودي سنة ٣٣ بم، فيما كان نحو ١٢٠ من التلاميذ مجتمعين في علية في اورشليم، يملأ بغتة كل البيت صوت كما من هبوب ريح عاصفة. وتظهر ألسنة كأنها من نار، وتستقر على كل واحد من الحاضرين، ويبدأ التلاميذ جميعا بالتكلم بلغات مختلفة. هذا هو سكب الروح القدس الذي وعد به يسوع! متى ٢٨:١٦-٢٠؛ لوقا ٢٤:٤٩-٥٢؛ ١ كورنثوس ١٥:٥-٧؛ اعمال ١:٣-١٥؛ ٢:١-٤.
▪ لمن يعطي يسوع ارشادات وداعية على جبل في الجليل، وما هي هذه الارشادات؟
▪ اية تعزية يزودها يسوع لتلاميذه، وكيف سيبقى معهم؟
▪ لكم من الوقت بعد قيامته يظهر يسوع لتلاميذه، وماذا يعلّمهم؟
▪ لأي شخص لم يكن كما يتضح تلميذا قبل موت يسوع يظهر يسوع؟
▪ اي لقاءين اخيرين يكون ليسوع مع رسله، وماذا يحدث في هاتين المناسبتين؟
▪ كيف سيرجع يسوع بالطريقة عينها التي يذهب بها؟
▪ ماذا يحدث في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم؟
-
-
عن يمين اللّٰهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٣٢
عن يمين اللّٰه
ان سكب الروح القدس في يوم الخمسين هو دليل على ان يسوع عاد الى السماء. والرؤيا الممنوحة بعد ذلك بقليل للتلميذ استفانوس تبرهن ايضا انه وصل الى هناك. فقبل رجمه مباشرة بسبب شهادته الامينة، يصرخ استفانوس: «ها انا انظر السموات مفتوحة وابن الانسان قائما عن يمين اللّٰه.»
بينما هو عن يمين اللّٰه، ينتظر يسوع الامر من ابيه: «تسلَّط في وسط اعدائك.» ولكن في غضون ذلك، الى ان يتخذ اجراء ضد اعدائه، ماذا يفعل يسوع؟ انه يحكم، او يملك، على تلاميذه الممسوحين، موجِّها اياهم في نشاطهم الكرازي ومهيئا اياهم ليصبحوا، بالقيامة، ملوكا معاونين معه في ملكوت ابيه.
مثلا، يختار يسوع شاول (المعروف اكثر لاحقا باسمه الروماني، بولس) لكي يقود عمل التلمذة في بلدان اخرى. وشاول غيور لناموس اللّٰه، لكنّ القادة الدينيين اليهود يضلّونه. ونتيجة لذلك، لا يرضى شاول بقتل استفانوس فحسب بل يذهب الى دمشق بتفويض من رئيس الكهنة قيافا ليقبض على ايّ رجل او امرأة تابع ليسوع يجده هناك وليعيده الى اورشليم. ولكن، بينما يكون شاول في الطريق، يبرق حوله بغتة نور ساطع فيسقط على الارض.
«شاول شاول لماذا تضطهدني،» يسأل صوت من مصدر غير منظور. «من انت يا سيد،» يسأل شاول.
«انا يسوع الذي انت تضطهده،» يأتي الجواب. ويأمر يسوع شاول، الذي اعماه النور العجائبي، بأن يدخل دمشق وينتظر التعليمات. ثم يظهر يسوع في رؤيا لحنانيا، احد تلاميذه. وعن شاول، يخبر يسوع حنانيا: «هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي امام امم وملوك وبني اسرائيل.»
وفعلا، بدعم يسوع، يحقق شاول (المعروف الآن ببولس) ومبشِّرون آخرون النجاح الهائل في عمل كرازتهم وتعليمهم. وفي الواقع، بعد حوالي ٢٥ سنة من ظهور يسوع له في الطريق الى دمشق، يكتب بولس ان ‹الانجيل كُرز به في كل الخليقة التي تحت السماء.›
وبعد مرور سنوات اخرى عديدة، يزوِّد يسوع سلسلة من الرؤى لرسوله الحبيب، يوحنا. وفي الواقع، بواسطة هذه الرؤى التي يصفها يوحنا في سفر الرؤيا للكتاب المقدس، يعيش ليرى رجوع يسوع في سلطة الملكوت. ويقول يوحنا انه نُقل «في الروح» الى الامام في الزمن الى «يوم الرب.» فما هو هذا ‹اليوم›؟
ان درسا دقيقا لنبوات الكتاب المقدس، بما فيها نبوة يسوع المتعلقة بالايام الاخيرة، يظهر ان «يوم الرب» بدأ في سنة ١٩١٤ التي حوّلت مجرى التاريخ، نعم، في هذا الجيل! وهكذا، كان في السنة ١٩١٤ ان يسوع رجع بشكل غير منظور، دون عرض عام، وخدامه الامناء فقط يدركون رجوعه. في تلك السنة اعطى يهوه يسوعَ الامر بأن يتسلَّط في وسط اعدائه!
واذ اطاع امر ابيه، طهَّر يسوع السماء من الشيطان وأبالسته، طارحا اياهم الى الارض. وبعد رؤية حدوث ذلك في رؤيا، يسمع يوحنا صوتا سماويا ينادي: «الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه.» نعم، في سنة ١٩١٤ بدأ يسوع يحكم كملك!
ما أحسن هذه البشارة لعبّاد يهوه في السماء! يجري حثّهم: «افرحي ايتها السموات والساكنون فيها.» ولكن ما هي الحالة لأولئك الذين على الارض؟ «ويل لساكني الارض والبحر لأن ابليس نزل اليكم وبه غضب عظيم عالما ان له زمانا قليلا.»
نحن الآن في هذا الزمان القليل من الوقت. ويجري فرز الناس في الوقت الحاضر إما ليدخلوا الى نظام اللّٰه الجديد او ليعانوا الهلاك. والحقيقة هي ان مصيركم يجري تحديده الآن بكيفية تجاوبكم مع بشارة ملكوت اللّٰه التي يُكرَز بها في كل الارض تحت توجيه المسيح.
وعند الانتهاء من فرز الناس سيعمل يسوع المسيح كوكيل اللّٰه على تخليص الارض من كامل نظام اشياء الشيطان وكل الذين يؤيدونه. وسينجز يسوع هذه الازالة لكل الشر في الحرب التي يدعوها الكتاب المقدس هرمجدون. وبعدئذ سيقبض يسوع، وهو اعظم شخص في الكون بعد يهوه اللّٰه نفسه، على الشيطان وأبالسته ويقيدهم الف سنة في «(المهواة)،» التي هي حالة خمول شبيهة بالموت. اعمال ٧:٥٥-٦٠؛ ٨:١-٣؛ ٩:١-١٩؛ ١٦:٦-١٠؛ مزمور ١١٠:١، ٢؛ عبرانيين ١٠:١٢، ١٣؛ ١ بطرس ٣:٢٢؛ لوقا ٢٢:٢٨-٣٠؛ كولوسي ١:١٣، ٢٣؛ رؤيا ١:١، ١٠؛ ١٢:٧-١٢؛ ١٦:١٤-١٦؛ ٢٠:١-٣؛ متى ٢٤:١٤؛ ٢٥:٣١-٣٣.
▪ بعد ان يصعد يسوع الى السماء، اين يجري تعيين مكان يسوع، وماذا ينتظر؟
▪ على مَن يحكم يسوع بعد صعوده الى السماء، وكيف يكون حكمه ظاهرا؟
▪ متى بدأ «يوم الرب،» وماذا حدث في بدايته؟
▪ اي عمل فرز جارٍ اليوم يؤثر في كل واحد منا شخصيا، وعلى اي اساس يجري القيام بهذا الفرز؟
▪ عند الانتهاء من عمل الفرز، اية حوادث ستتبع؟
-
-
يسوع يتمِّم كل ما يطلبه اللّٰهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٣٣
يسوع يتمِّم كل ما يطلبه اللّٰه
عندما يزيل الملك المحارب يسوع المسيح الشيطان وعالمه الاثيم، كم يكون هنالك سبب للفرح! فمُلك يسوع الالفي السلمي يبتدئ اخيرا!
وتحت توجيه يسوع وملوكه المعاونين، سيرفع الناجون من هرمجدون الانقاض التي تتركها هذه الحرب البارة. وعلى الارجح، سينجب ايضا الناجون الارضيون اولادا لمدة من الوقت، وهؤلاء سيشاركون في العمل المبهج لتحويل الارض الى حديقة رائعة شبيهة بروضة.
وفي حينه سيُخرج يسوع ملايين لا تحصى من مدافنهم ليتمتعوا بهذا الفردوس الجميل. وسيفعل ذلك اتماما لضمانه: ‹تأتي ساعة فيها يخرج جميع الذين في القبور (التذكارية).›
وبين الذين يقيمهم يسوع سيكون فاعل الشر السابق الذي مات بجانبه على خشبة الآلام. تذكّروا ان يسوع وعده: «الحق اقول لك اليوم، ستكون معي في الفردوس.» كلا، لن يؤخذ هذا الرجل الى السماء ليحكم كملك مع يسوع، ولن يصبح يسوع ثانية انسانا ويعيش على الارض الفردوسية معه. وبالاحرى، سيكون يسوع مع فاعل الشر السابق بمعنى انه سيقيمه الى الحياة في الفردوس ويتأكد من ان حاجاته، الجسدية والروحية على السواء، يجري الاعتناء بها، كما هو مصوَّر في الصفحة التالية.
فكّروا في ذلك! تحت عناية يسوع الحبّية، ستتقدم العائلة البشرية بكاملها — الناجون من هرمجدون، ذريتهم، وآلاف الملايين من الاموات المقامين الذين يطيعونه — نحو الكمال البشري. ويهوه، بواسطة ابنه الملكي، يسوع المسيح، سيسكن روحيا مع الجنس البشري. وكما يقول الصوت الذي سمعه يوحنا من السماء: «وسيمسح اللّٰه كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد.» فلن يتألم ايّ شخص على الارض او يمرض.
وعند نهاية مُلك يسوع الالفي، ستكون الحالة تماما كما قصد اللّٰه في الاصل حين امر الزوجين البشريين الاولين، آدم وحواء، ان يكثرا ويملأا الارض. نعم، ستمتلئ الارض من سلالة بارة من البشر الكاملين. ذلك لأن فوائد ذبيحة يسوع الفدائية ستكون قد انطبقت على كل شخص. والموت بسبب خطية آدم لن يكون في ما بعد!
وهكذا، سيكون يسوع قد انجز كل ما طلبه يهوه منه. ولذلك، في نهاية الالف سنة، سيسلِّم المُلك والعائلة البشرية المكمَّلة لأبيه. ثم سيطلق اللّٰه الشيطان وأبالسته من مهواة عدم النشاط الشبيه بالموت. ولأي قصد؟
حسنا، عند نهاية الالف سنة، سيكون معظم العائشين في الفردوس اشخاصا مقامين لم يجرِ قط امتحان ايمانهم. فقبل ان يموتوا، لم يعرفوا قط وعود اللّٰه ولذلك لم يتمكنوا من اظهار الايمان بها. ثم، بعد ان أُقيموا وتعلَّموا حقائق الكتاب المقدس، كان سهلا لهم في الفردوس، دون اية مقاومة، ان يخدموا اللّٰه. ولكن اذا أُعطي الشيطان فرصة ليحاول ايقافهم عن متابعة خدمة اللّٰه، فهل يبرهنون انهم اولياء تحت الامتحان؟ للاجابة عن هذا السؤال، سيجري اطلاق الشيطان.
والرؤيا التي أُعطيت ليوحنا تظهر انه بعد مُلك يسوع الالفي سيبرهن الشيطان انه ناجح في تحويل عدد غير محدَّد من الناس عن خدمة اللّٰه. ولكن بعدئذ، عندما ينتهي الامتحان الاخير، سيهلك الى الابد الشيطان، ابالسته، وجميع الذين ينجح في تضليلهم. ومن ناحية اخرى، فان الناجين الاولياء الذين امتُحنوا كاملا سيبقون احياء ليتمتعوا ببركات ابيهم السماوي طوال الابدية.
على نحو واضح، قام يسوع وسيستمر في القيام بدور حيوي في انجاز مقاصد اللّٰه المجيدة. ويا للمستقبل الرائع الذي يمكننا ان نتمتع به نتيجة لكل ما ينجزه بصفته الملك السماوي العظيم للّٰه! ومع ذلك، لا يمكننا ان ننسى كل ما فعله حين كان انسانا.
فيسوع اتى طوعا الى الارض وعلَّمنا عن ابيه. وفوق ذلك، مثَّل صفات اللّٰه السامية. وتُثار قلوبنا عندما نتأمل في شجاعته وجسارته المهيبتين، حكمته المنقطعة النظير، قدرته الفائقة كمعلِّم، قيادته الجريئة، وحنانه وتعاطفه الرقيقين. وعندما نتذكر كم تألم على نحو لا يوصف اذ زوَّد الفدية، التي بها وحدها يمكن ان ننال الحياة، تندفع قلوبنا بالتأكيد الى تقديره!
حقا، يا للانسان الذي رأيناه في هذا الدرس لحياة يسوع! فعظمته واضحة وغامرة. ونحن نندفع الى تكرار كلمات الوالي الروماني بيلاطس البنطي: «هوذا الانسان.» نعم، حقا، «الانسان،» اعظم انسان عاش على الاطلاق!
وبقبولنا تدبير ذبيحته الفدائية، يمكن ان يُزال عبء الخطية والموت الموروث من آدم عنا، ويسوع يمكن ان يصبح ‹ابانا الابدي.› وجميع الذين سينالون الحياة الابدية يجب ان يأخذوا المعرفة ليس فقط عن اللّٰه بل ايضا عن ابنه، يسوع المسيح. وأملنا ان تكون قراءتكم ودراستكم لهذا الكتاب قد ساعدتاكم على اخذ مثل هذه المعرفة المانحة الحياة! ١ يوحنا ٢:١٧؛ ١:٧؛ يوحنا ٥:٢٨، ٢٩؛ ٣:١٦؛ ١٧:٣؛ ١٩:٥؛ لوقا ٢٣:٤٣، عج؛ تكوين ١:٢٨؛ ١ كورنثوس ١٥:٢٤-٢٨؛ رؤيا ٢٠:١-٣، ٦-١٠؛ ٢١:٣، ٤؛ اشعياء ٩:٦.
▪ ماذا سيكون الامتياز السعيد للناجين من هرمجدون وأولادهم؟
▪ مَن سيتمتعون بالفردوس بالاضافة الى الناجين من هرمجدون وأولادهم، وبأي معنى سيكون يسوع معهم؟
▪ ماذا ستكون الحالة عند نهاية الالف سنة، وماذا سيفعل يسوع آنذاك؟
▪ لماذا سيجري اطلاق الشيطان من المهواة، وماذا سيحدث اخيرا له ولجميع الذين يتبعونه؟
▪ كيف يمكن ان يصبح يسوع ‹ابانا الابدي›؟
-