-
في بيت عنيا، في بيت سمعاناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
وصل كثيرون الآن الى اورشليم من اجل الفصح. وقد أتوا في وقت مبكر ليطهِّروا انفسهم. فربما لمسوا جثة او قاموا بشيء آخر يجعلهم نجسين. لذلك يتبعون الاجراءات ليطهِّروا انفسهم لكي يحتفلوا بالفصح بشكل مقبول. واذ يجتمع هؤلاء الواصلون باكرا في الهيكل، يتفكَّر كثيرون في ما اذا كان يسوع سيأتي الى الفصح.
واورشليم هي مكان الجدل في ما يتعلق بيسوع. فقد صار معروفا ان القادة الدينيين يريدون ان يمسكوه ليقتلوه. وفي الواقع، اصدروا امرا أنه إن علم احد بمكان وجوده يجب ان يخبرهم بذلك. وثلاث مرات في الاشهر الاخيرة — في عيد المظال، وعيد التجديد، وبعد ان اقام لعازر — حاول هؤلاء القادة ان يقتلوه. لذلك يتساءل الناس، هل يَظهر يسوع علانية مرة اخرى ايضا؟ «ماذا تظنون،» يسأل احدهم الآخر.
-
-
دخول المسيح الظافر الى اورشليماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
دخول المسيح الظافر الى اورشليم
في الصباح التالي، يوم الاحد ٩ نيسان قمري، يغادر يسوع بيت عنيا مع تلاميذه ويتجه من طريق جبل الزيتون الى اورشليم. وفي وقت قصير يقتربون من بيت فاجي، الواقعة عند جبل الزيتون. فيأمر يسوع اثنين من تلاميذه:
«اذهبا الى القرية التي امامكما فللوقت تجدان اتانا مربوطة وجحشا معها فحلاّهما واتياني بهما. وان قال لكما احد شيئا فقولا الرب محتاج اليهما. فللوقت يرسلهما.»
ومع ان التلاميذ يفشلون اولا في التمييز ان هذه الارشادات لها علاقة باتمام نبوة الكتاب المقدس، يدركون في ما بعد انها كذلك. فقد انبأ النبي زكريا بأن ملك اللّٰه الموعود به سيدخل الى اورشليم راكبا على حمار، نعم، «على جحش ابن أتان.» والملك سليمان ركب بشكل مماثل الى مكان مسحه على حيوان من ذرية الحمار.
عندما يدخل التلميذان بيت فاجي ويأخذان الجحش وأمه يقول بعض الواقفين هناك: «ماذا تفعلان.» ولكن عندما يُقال لهم ان الحيوانين هما للرب يترك الرجال التلميذين يأخذانهما الى يسوع. ويضع التلميذان ثيابهما على الاتان الام وعلى ابنها، إلا ان يسوع يمتطي الجحش.
وإذ يركب يسوع متجها نحو اورشليم، يزداد الجمع. ومعظم الناس يفرشون ثيابهم في الطريق، فيما يقطع آخرون اغصانا من الشجر ويفرشونها. «مبارك الملك الآتي باسم الرب،» يصرخون. «سلام في السماء ومجد في الاعالي.»
وبعض الفريسيين في الجمع يستاؤون من هذه الاعلانات ويتشكَّون الى يسوع: «يا معلم انتهر تلاميذك.» ولكنّ يسوع يجيب: «اقول لكم انه ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ.»
واذ يقترب يسوع من اورشليم، ينظر الى المدينة ويبدأ بالبكاء عليها، قائلا: «انكِ لو علمتِ انتِ ايضا حتى في يومكِ هذا ما هو لسلامكِ. ولكن الآن قد أُخفي عن عينيكِ.» فمن اجل عصيانها العمدي لا بدّ ان تدفع اورشليم الثمن، كما ينبئ يسوع:
«يحيط بكِ اعداؤكِ [الرومان تحت قيادة الجنرال تيطس] بمترسة ويحدقون بكِ ويحاصرونكِ من كل جهة. ويهدمونكِ وبنيكِ فيكِ ولا يتركون فيكِ حجرا على حجر.» ودمار اورشليم هذا الذي انبأ به يسوع يحدث في الواقع بعد ٣٧ سنة، في السنة ٧٠ بم.
وقبل اسابيع قليلة فقط كان كثيرون في الجمع قد رأوا يسوع يقيم لعازر. والآن يستمر هؤلاء في إخبار الآخرين بهذه الاعجوبة. وهكذا عندما يدخل يسوع اورشليم ترتجّ المدينة كلها. «مَن هذا،» يريد الناس ان يعرفوا. وتستمر الجموع في القول: «هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل.» وعند رؤيتهم ما يحدث يرثي الفريسيون كونهم لا ينفعون شيئا، لأنه، كما يقولون: «العالم قد ذهب وراءه.»
وكما هي عادته في زيارات اورشليم، يذهب يسوع الى الهيكل ليعلِّم. وهناك يتقدَّم اليه العمي والعرج فيشفيهم! فعندما يرى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي يصنعها يسوع وعندما يسمعون الاولاد في الهيكل يصرخون، «أُوصنّا لابن داود،» يغضبون. «أتسمع ما يقول هؤلاء،» يحتجون.
«نعم،» يجيب يسوع. «أما قرأتم قط من افواه الاطفال والرضّع هيّأتَ تسبيحا.»
يستمر يسوع في التعليم، وينظر حوله الى كل شيء في الهيكل. وسرعان ما يصير الوقت متأخرا. فيغادر مع الـ ١٢، ويقطع مسافة ميلين (٣ كلم) او نحو ذلك عائدا الى بيت عنيا. وهناك يقضي يوم الاحد ليلا، على الأرجح في بيت صديقه لعازر. متى ٢١:١-١١، ١٤-١٧؛ مرقس ١١:١-١١؛ لوقا ١٩:٢٩-٤٤؛ يوحنا ١٢:١٢-١٩؛ زكريا ٩:٩.
-
-
زيارة الهيكل ثانيةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
واذ يتابعون، يصل يسوع وتلاميذه الى اورشليم سريعا. فيذهب الى الهيكل، الذي كان قد تفحَّصه بعد ظهر اليوم السابق. ولكنه اليوم يتخذ اجراء، تماما كما فعل قبل ثلاث سنوات عندما اتى الى الفصح في السنة ٣٠ بم. فيُخرج يسوع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل ويقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. حتى انه لا يدع احدا يجتاز الهيكل بمتاع.
واذ يدين اولئك الذين كانوا يصرِّفون المال ويبيعون الحيوانات في الهيكل، يقول: «أليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الامم. وانتم جعلتموه مغارة لصوص.» فهم لصوص لانهم يطلبون اثمانا فادحة من اولئك الذين ليس لهم بديل إلا ان يشتروا منهم الحيوانات اللازمة للذبيحة. لذلك يعتبر يسوع هذه التعاملات التجارية شكلا من الابتزاز او اللصوصية.
وعندما يسمع رؤساء الكهنة، الكتبة، مع وجوه الشعب بما فعل يسوع يطلبون مرة اخرى طريقة لقتله. وبذلك يبرهنون انهم لا يقبلون الاصلاح. ولكنهم لا يعرفون كيف يهلكون يسوع، لان الشعب كله متعلِّق به يسمع منه.
والى جانب اليهود الطبيعيين، فان امميين ايضا اتوا الى الفصح. هؤلاء هم دخلاء، اي انهم قد اهتدوا الى دين اليهود. وبعض اليونانيين، الدخلاء كما يظهر، يتقدمون الآن الى فيلبس ويطلبون ان يروا يسوع. فيذهب فيلبس الى اندراوس، ربما ليسأل عما اذا كان مثل هذا الاجتماع ملائما. ويبدو ان يسوع لا يزال في الهيكل حيث يتمكن اليونانيون من رؤيته.
يعرف يسوع ان له بضعة ايام فقط من الحياة باقية، لذلك يوضح وضعه جيدا: «قد اتت الساعة ليتمجد ابن الانسان. الحق الحق اقول لكم ان لم تقع حبة الحنطة في الارض وتمت فهي تبقى (حبة واحدة فقط). ولكن ان ماتت تأتي بثمر كثير.»
ان لحبة الحنطة الواحدة قيمة زهيدة. ولكن ماذا ان وُضعت في التربة و «ماتت،» منهية حياتها كبزرة؟ عندئذ تنبت وبعد مدة تنمو لتصير ساقا يُنتج الكثير الكثير من حبات الحنطة. وعلى نحو مشابه، فان يسوع هو انسان كامل واحد فقط. ولكن اذا مات امينا للّٰه يصير وسيلة لاعطاء حياة ابدية للامناء الذين لهم روح التضحية بالذات نفسها التي له. لذلك يقول يسوع: «من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها الى حياة ابدية.»
من الواضح ان يسوع لا يفكر فقط في نفسه، لانه بعد ذلك يشرح: «ان كان احد يخدمني فليتبعني. وحيث اكون انا هناك ايضا يكون خادمي. وان كان احد يخدمني يكرمه الآب.» فيا لها من مكافأة رائعة على اتِّباع يسوع وخدمته! انها مكافأة الاكرام من قِبل الآب للاقتران بالمسيح في الملكوت.
واذ يفكر في الالم العظيم وموت العذاب الذي ينتظره، يتابع يسوع: «الآن نفسي قد اضطربت. وماذا اقول. ايها الآب نجِّني من هذه الساعة.» ليت ما ينتظره يمكن تجنبه! ولكن كلا، كما يقول: «لاجل هذا اتيت الى هذه الساعة.» ان يسوع على وفاق مع ترتيب اللّٰه بكامله، بما في ذلك موته الفدائي.
-
-
صوت اللّٰه يُسمع للمرة الثالثةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
صوت اللّٰه يُسمع للمرة الثالثة
فيما هو في الهيكل يتعذب يسوع بسبب الموت الذي لا بد ان يواجهه قريبا. وقلقه الرئيسي هو كيف ستتأثر سمعة ابيه، لذلك يصلّي: «ايها الآب مجّد اسمك.»
عند ذلك يأتي صوت قوي من السموات، مناديا: «مجَّدتُ وأمجّد ايضا.»
الجمع الواقف مذهول. «قد كلّمه ملاك،» يبتدئ البعض بالقول. وآخرون يدَّعون انه حدث رعد. ولكنّ يهوه اللّٰه، في الواقع، هو الذي تكلَّم! إلا ان هذه ليست المرة الاولى التي يُسمع فيها صوت اللّٰه في ما يتعلق بيسوع.
فعند معمودية يسوع، قبل ثلاث سنين ونصف، سمع يوحنا المعمدان اللّٰه يقول عن يسوع: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.» ثم، في وقت ما بعد الفصح السابق، عندما تجلّى يسوع امامهم، سمع يعقوب ويوحنا وبطرس اللّٰه يعلن: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.» والآن للمرة الثالثة، في ١٠ نيسان قمري، قبل موت يسوع بأربعة ايام، يسمع الناس صوت اللّٰه من جديد. ولكنّ يهوه هذه المرة يتكلم بحيث يكون ممكنا للجماهير ان تسمع!
يشرح يسوع: «ليس من اجلي صار هذا الصوت بل من اجلكم.» وذلك يزوِّد البرهان على ان يسوع هو فعلا ابن اللّٰه، المسيّا الموعود به. «الآن دينونة هذا العالم،» يتابع يسوع، «الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجا.» وفي الواقع، ان المسلك الامين لحياة يسوع يؤكد ان الشيطان ابليس، رئيس العالم، يستحق ان ‹يُطرح خارجا،› ان ينفَّذ فيه الحكم.
واذ يشير الى نتائج موته الوشيك، يقول يسوع: «وانا إن ارتفعت عن الارض أجذب اليَّ الجميع.» فموته ليس هزيمة ابدا، لانه بذلك يجذب الآخرين اليه بحيث يكون ممكنا ان يتمتعوا بحياة ابدية.
ولكنّ الجمع يحتج: «نحن سمعنا من الناموس ان المسيح يبقى الى الابد. فكيف تقول انت انه ينبغي ان يرتفع ابن الانسان. من هو هذا ابن الانسان.»
على الرغم من الدليل كله، بما في ذلك سماع صوت اللّٰه، لا تؤمن الاغلبية بأن يسوع هو ابن الانسان الحقيقي، المسيّا الموعود به. ومع ذلك، كما فعل قبل ستة شهور في عيد المظال، يتكلم يسوع من جديد عن نفسه بصفته «النور» ويشجِّع سامعيه: «ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا ابناء النور.» وبعد قوله هذه الامور يمضي يسوع ويختفي، لان حياته كما يتضح تكون في خطر.
ان افتقار اليهود الى الايمان بيسوع يتمم كلمات اشعياء عن ‹اعماء عيون الناس واغلاظ قلوبهم لئلا يرجعوا فيُشفوا.› لقد رأى اشعياء في رؤيا ديار يهوه السماوية، بما فيها يسوع في مجده السابق لبشريته الى جانب يهوه. ولكنّ اليهود، اتماما لما كتبه اشعياء، يرفضون بعناد الدليل على ان هذا الشخص هو منقذهم الموعود به.
ومن جهة اخرى، فان كثيرين من الرؤساء ايضا (وكما يتضح اعضاء من المحكمة العليا اليهودية، السنهدريم) يؤمنون فعلا بيسوع. ونيقوديموس ويوسف الذي من الرامة هما اثنان من هؤلاء الرؤساء. ولكنّ الرؤساء، على الاقل في الوقت الحاضر، يفشلون في اعلان ايمانهم، خوفا من ان يُطردوا من مراكزهم في المجمع. وكم يخسر مثل هؤلاء الاشخاص!
يتابع يسوع ليشير: «الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي ارسلني. . . . والذي يراني يرى الذي أرسلني. وإن سمع احد كلامي ولم يؤمن فانا لا أَدينه. لاني لم آتِ لأدين العالم بل لاخلِّص العالم. . . . الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير.»
ان محبة يهوه لعالم الجنس البشري دفعته الى ارسال يسوع لكي يخلِّص اولئك الذين يؤمنون به. وما اذا كان الناس يخلصون سيقرره ما اذا كانوا يطيعون الامور التي علَّم اللّٰه يسوع ان يتكلم بها. والدينونة ستحدث «في اليوم الاخير،» خلال حكم المسيح ألف سنة.
ويختتم يسوع بالقول: «لم اتكلم من نفسي لكنّ الآب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول وبماذا اتكلم. وانا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية. فما اتكلم انا به فكما قال لي الآب هكذا اتكلم.»
-
-
بداية يوم حاسماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
عندما يغادر يسوع اورشليم يوم الاثنين مساء يعود الى بيت عنيا في المنحدر الشرقي لجبل الزيتون. لقد انتهى يومان من خدمته الختامية في اورشليم.
-
-
بداية يوم حاسماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
بعد قليل يدخل يسوع وتلاميذه اورشليم، وكعادتهم يذهبون الى الهيكل، حيث يبتدئ يسوع بالتعليم. واذ يتذكر رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب دون شك عمل يسوع في اليوم السابق ضد الصرّافين، يتحدَّونه: «بأيّ سلطان تفعل هذا ومن اعطاك هذا السلطان.»
يجيب يسوع قائلا: «وانا ايضا اسألكم كلمة واحدة فإن قلتم لي عنها اقول لكم انا ايضا بأيّ سلطان افعل هذا. معمودية يوحنا من اين كانت. من السماء أم من الناس.»
يبدأ الكهنة والشيوخ بالتشاور في ما بينهم كيف يجيبون. «ان قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به. وان قلنا من الناس نخاف من الشعب. لان يوحنا عند الجميع مثل نبي.»
لا يعرف الرؤساء بماذا يردّون. فيجيبون يسوع: «لا نعلم.»
فيقول يسوع ايضا: «ولا انا اقول لكم بأيّ سلطان افعل هذا.»
-
-
يشهَّرون بإيضاحين عن الكرماعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
يشهَّرون بإيضاحين عن الكرم
يسوع في الهيكل. وقد اربك قبل قليل القادة الدينيين الذين طلبوا ان يعرفوا بسلطان مَن يفعل الامور. وقبل ان يُفيقوا من ارتباكهم يسأل يسوع: «ماذا تظنون.» ثم بواسطة ايضاح، يُظهر لهم ايّ نوع من الاشخاص هم حقا.
«كان لإنسان ابنان،» يروي يسوع. «فجاء الى الاول وقال يا ابني اذهب اليوم اعمل في كرمي. فأجاب وقال ما اريد. ولكنه ندم اخيرا ومضى. وجاء الى الثاني وقال كذلك. فأجاب وقال ها انا يا سيد. ولم يمضِ. فأيّ الاثنين عمل ارادة الأب،» يسأل يسوع.
«الاول،» يجيب خصومه.
لذلك يشرح يسوع: «الحق اقول لكم ان العشارين والزواني يسبقونكم الى ملكوت اللّٰه.» وفي الواقع، رفض العشارون والزواني في البداية ان يخدموا اللّٰه. ولكن بعد ذلك، كالابن الاول، تابوا وخدموه فعلا. ومن جهة اخرى، ادّعى القادة الدينيون، كالابن الثاني، انهم يخدمون اللّٰه، ولكن كما يلاحظ يسوع: «يوحنا [المعمدان] جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به. وأمّا العشارون والزواني فآمنوا به. وأنتم اذ رأيتم لم تندموا اخيرا لتؤمنوا به.»
يُظهر يسوع بعد ذلك ان فشل القادة الدينيين هؤلاء ليس في مجرد اهمال خدمة اللّٰه. كلا، بل هم في الواقع رجال اشرار اردياء. «كان انسان رب بيت،» يروي يسوع، «غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلّمه الى كرامين وسافر. ولمّا قرب وقت الاثمار ارسل عبيده الى الكرامين ليأخذ اثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا. ثم ارسل ايضا عبيدا آخرين اكثر من الاولين. ففعلوا بهم كذلك.»
ان ‹العبيد› هم الانبياء الذين ارسلهم ‹رب البيت،› يهوه اللّٰه، الى ‹كرامي كرمه.› وهؤلاء الكرامون هم الممثِّلون القياديون لأمة اسرائيل، الامة التي يحدِّد الكتاب المقدس هويتها بصفتها «كرم» اللّٰه.
وبما ان «الكرامين» يسيئون معاملة ‹العبيد› ويقتلونهم، يشرح يسوع: «فأخيرا ارسل [صاحب الكرم] اليهم ابنه قائلا يهابون ابني. وأمّا الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث. هلمّوا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه.»
والآن، اذ يخاطب القادة الدينيين، يسأل يسوع: «متى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين.»
«(لأنهم) اردياء،» يجيب القادة الدينيون، «يهلكهم هلاكا رديّا ويسلِّم الكرم الى كرامين آخرين يعطونه الاثمار في اوقاتها.»
وهكذا من غير علم ينادون بالدينونة على انفسهم، اذ انهم مشمولون بين «الكرامين» الاسرائيليين لِـ «كرم» يهوه القومي لإسرائيل. والثمر الذي يتوقَّعه يهوه من كرامين كهؤلاء هو الايمان بابنه، المسيّا الحقيقي. ولسبب فشلهم في تزويد ثمر كهذا يحذِّر يسوع: «أمَا قرأتم قط في الكتب [في المزمور ١١٨:٢٢، ٢٣]. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في اعيننا. لذلك اقول لكم ان ملكوت اللّٰه يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل اثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضَّض ومن سقط هو عليه يسحقه.»
يدرك الكتبة ورؤساء الكهنة الآن ان يسوع يتكلَّم عليهم، ويريدون ان يقتلوه، «الوارث» الشرعي. وهكذا فإن امتياز الكينونة حكاما في ملكوت اللّٰه يُنزع منهم كأمة، وتُخلق امة جديدة من ‹كرامي الكرم،› امة تنتج اثمارا ملائمة.
ولأن القادة الدينيين يخافون من الجموع، الذين يعتبرون يسوع نبيا، لا يحاولون قتله في هذه المناسبة. متى ٢١:٢٨-٤٦؛ مرقس ١٢:١-١٢؛ لوقا ٢٠:٩-١٩؛ اشعياء ٥:١-٧.
-
-
إيضاح وليمة العرساعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
إيضاح وليمة العرس
بواسطة إيضاحين شهَّر يسوع الكتبة ورؤساء الكهنة، وهم يريدون ان يقتلوه. ولكنّ يسوع لم ينتهِ منهم. فيمضي ليذكر لهم إيضاحا آخر ايضا، قائلا:
«يشبه ملكوت السموات انسانا ملكا صنع (وليمة عرس) لابنه. وأرسل عبيده ليدعوا المدعوّين الى (وليمة) العرس فلم يريدوا ان يأتوا.»
ان يهوه اللّٰه هو الملك الذي يُعدّ وليمة عرس لابنه، يسوع المسيح. وأخيرا، ستتَّحد العروس من الأتباع الممسوحين الـ ٠٠٠,١٤٤ بيسوع في السماء. ورعايا الملك هم شعب اسرائيل الذين، عند إدخالهم في عهد الناموس سنة ١٥١٣ قم، نالوا فرصة الصيرورة «مملكة كهنة.» وهكذا، في تلك المناسبة، قُدِّمت لهم في الاصل الدعوة الى وليمة العرس.
ولكنّ الدعوة الاولى لأولئك المدعوّين لم تخرج حتى خريف سنة ٢٩ بم حين بدأ يسوع وتلاميذه (عبيد الملك) بعمل كرازتهم بالملكوت. ولكنّ الاسرائيليين الطبيعيين الذين نالوا هذه الدعوة الصادرة عن العبيد من سنة ٢٩ بم الى سنة ٣٣ بم لم يريدوا ان يأتوا. فأعطى اللّٰه امة المدعوّين فرصة اخرى، كما يسرد يسوع:
«فأرسل ايضا عبيدا آخرين قائلا قولوا للمدعوّين هوذا غدائي أعددته. ثيراني ومسمَّناتي قد ذُبحت وكل شيء معدّ. تعالوا الى (وليمة) العرس.» ان هذه الدعوة الثانية والاخيرة لأولئك المدعوّين ابتدأت يوم الخمسين سنة ٣٣ بم حين سُكب الروح القدس على أتباع يسوع. واستمرت هذه الدعوة حتى سنة ٣٦ بم.
ولكنّ الاغلبية العظمى من الاسرائيليين رفضت ايضا هذه الدعوة بازدراء. «تهاونوا ومضوا،» يقول يسوع، «واحد الى حقله وآخر الى تجارته. والباقون امسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.» «فلمّا سمع الملك،» يتابع يسوع، «غضب وأرسل جنوده وأهلك اولئك القاتلين وأحرق مدينتهم.» وحدث ذلك سنة ٧٠ بم حين دكّ الرومان اورشليم الى الحضيض وقُتل اولئك القاتلون.
ثم يشرح يسوع ما حدث في تلك الاثناء: «ثم قال [الملك] لعبيده أمّا (وليمة العرس فجاهزة) وأمّا المدعوون فلم يكونوا مستحقين. فاذهبوا الى (الطرق المؤدية الى خارج المدينة) وكل من وجدتموه فادعوه الى (وليمة) العرس.» وفعل العبيد ذلك، «فامتلأ العرس من المتكئين.»
ان عمل جمع الضيوف هذا من الطرق خارج مدينة المدعوّين ابتدأ سنة ٣٦ بم. وقائد المئة الروماني كرنيليوس وعائلته كانوا اول المجموعين غير اليهود غير المختونين. وتجميع غير اليهود هؤلاء، الذين هم جميعا بدلاء لأولئك الذين رفضوا الدعوة في الاصل، قد استمر الى القرن الـ ٢٠.
ويكون خلال القرن الـ ٢٠ ان العرس يصير ممتلئا. ويروي يسوع ما يحدث بعدئذ، قائلا: «فلمّا دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك انسانا لم يكن لابسا لباس العرس. فقال له يا صاحب كيف دخلت الى هنا وليس عليك لباس العرس. فسكت. حينئذ قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.»
ان الرجل الذي بدون لباس العرس يمثِّل المسيحيين الزائفين للعالم المسيحي. فاللّٰه لم يعترف بهؤلاء قط كأشخاص يملكون إثبات الهوية اللائق كإسرائيليين روحيين. واللّٰه لم يمسحهم قط بالروح القدس كورثة للملكوت. لذلك يُطرحون خارجا الى الظلمة حيث سيعانون الهلاك.
ويختتم يسوع إيضاحه بالقول: «لأن كثيرين يُدعَون وقليلين يُنتخبون.» اجل، كان هنالك كثيرون مدعوّون من امة اسرائيل ليصيروا اعضاء عروس المسيح، ولكنّ قليلين فقط من الاسرائيليين الطبيعيين جرى اختيارهم. ومعظم الضيوف الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين ينالون المكافأة السماوية يتبرهن انهم غير اسرائيليين. متى ٢٢:١-١٤؛ خروج ١٩:١-٦؛ رؤيا ١٤:١-٣.
-
-
يفشلون في إيقاع يسوع في شركاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
يفشلون في إيقاع يسوع في شرك
يسوع يعلِّم في الهيكل، وقد قال لأعدائه الدينيين منذ قليل ثلاثة إيضاحات تشهِّر شرَّهم، فيغضب الفريسيون ويتشاورون ليوقعوه في شركِ قولِ شيءٍ يمكنهم من اجله اعتقاله. فيدبِّرون مكيدة ويرسلون تلاميذهم مع الهيرودسيين ليحاولوا ان يوقعوه.
«يا معلِّم،» يقول هؤلاء الرجال، «نعلم انك صادق وتعلِّم طريق اللّٰه بالحق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس. فقل لنا ماذا تظن. أيجوز ان تُعطى جزية لقيصر أم لا.»
لا ينخدع يسوع بالاطراء. فهو يدرك انه اذا قال، ‹كلا، لا يجوز او يحق دفع هذه الجزية،› يصير مذنبا بالتحريض على العصيان على رومية. ولكن اذا قال، ‹نعم، يجب ان تدفعوا هذه الجزية،› يبغضه اليهود الذين يكرهون عبوديتهم لرومية. لذلك يجيب: «لماذا تجرِّبونني يا مراؤون. أروني معاملة الجزية.»
وعندما يقدِّمون له واحدة يسأل: «لمَن هذه الصورة والكتابة.»
«لقيصر،» يجيبون.
«أعطوا اذًا ما لقيصر لقيصر وما للّٰه للّٰه.» وعندما يسمع هؤلاء الرجال جواب يسوع البارع يتعجَّبون. فيمضون ويتركونه وشأنه.
وإذ يرون فشل الفريسيين في ان يجدوا علَّة على يسوع، يقترب اليه الصدوقيون، الذين يقولون ليس قيامة، ويسألونه: «يا معلِّم قال موسى إن مات احد وليس له اولاد يتزوَّجْ اخوه بامرأته ويُقِمْ نسلا لأخيه. فكان عندنا سبعة إخوة وتزوَّج الاول ومات. وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه. وكذلك الثاني والثالث الى السبعة. وآخر الكل ماتت المرأة ايضا. ففي القيامة لمَن من السبعة تكون زوجة. فإنها كانت للجميع.»
فيجيب يسوع ويقول: «أليس لهذا تضلون اذ لا تعرفون الكتب ولا قوة اللّٰه. لأنهم متى قاموا من الاموات لا يزوِّجون ولا يزوَّجون بل يكونون كملائكة في السموات. وأمّا من جهة الاموات انهم يقومون أفما قرأتم في كتاب موسى في امر العلَّيقة كيف كلَّمه اللّٰه قائلا انا إله ابرهيم وإله اسحق وإله يعقوب. ليس هو إله اموات بل إله احياء. فأنتم اذًا تضلون كثيرا.»
ومجدَّدا يندهش الجموع من جواب يسوع. حتى ان قوما من الكتبة يُقِرّون: «يا معلِّم حسنا قلتَ.»
وعندما يرى الفريسيون ان يسوع أبكمَ الصدوقيين يجتمعون اليه معا. وبغية امتحانه اكثر، يسأل واحد من الكتبة بينهم: «يا معلِّم اية وصية هي العظمى في الناموس.»
فيجيب يسوع: «ان اول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الاولى. وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك. ليس وصية اخرى اعظم من هاتين.» وفي الواقع، يضيف يسوع: «بهاتين الوصيتين يتعلَّق الناموس كله والانبياء.»
«جيدا يا معلِّم. بالحق قلتَ،» يوافق الكاتب. «لأنه اللّٰه واحد وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي افضل من جميع المحرقات والذبائح.»
وإذ يرى ان الكاتب اجاب بعقل، يقول له يسوع: «لست بعيدا عن ملكوت اللّٰه.»
لثلاثة ايام الآن — الاحد، الاثنين، والثلاثاء — يعلِّم يسوع في الهيكل. والناس سمعوه بسرور، ومع ذلك يريد القادة الدينيون ان يقتلوه، لكنّ محاولاتهم حتى الآن قد خابت. متى ٢٢:١٥-٤٠؛ مرقس ١٢:١٣-٣٤؛ لوقا ٢٠:٢٠-٤٠.
-
-
يسوع يشهِّر مقاوميهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
يسوع يشهِّر مقاوميه
لقد اربك يسوع تماما مقاوميه الدينيين حتى انهم يخافون ان يسألوه عن ايّ شيء اضافي. فيأخذ المبادرة ليفضح جهلهم. «ماذا تظنون في المسيح،» يستفسر. «ابن مَن هو.»
«ابن داود،» يجيب الفريسيون.
وعلى الرغم من ان يسوع لا ينكر ان داود هو سلف المسيح او المسيّا في الجسد، يسأل: «فكيف يدعوه داود بالروح [في المزمور ١١٠] ربًّا قائلا قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع اعداءك موطئا لقدميك. فإنْ كان داود يدعوه ربًّا فكيف يكون ابنه.»
يصمت الفريسيون لأنهم لا يعرفون الهوية الحقيقية للمسيح، او الممسوح. فالمسيّا ليس مجرد متحدِّر بشري من داود، كما يؤمن الفريسيون بوضوح، بل كان موجودا في السماء وكان ارفع مقاما من داود، او ربَّه.
وإذ يلتفت الآن الى الجموع وتلاميذه، يحذِّر يسوع من الكتبة والفريسيين. وبما ان هؤلاء يعلِّمون شريعة اللّٰه، وقد ‹جلسوا على كرسي موسى،› يحثّ يسوع: «كل ما قالوا لكم ان تحفظوه فاحفظوه وافعلوه.» ولكنه يضيف: «حسب اعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون.»
انهم مراؤون، ويسوع يشهِّرهم تماما باللغة عينها التي شهَّرهم بها فيما كان يتعشّى في بيت فريسي قبل اشهر. «وكل اعمالهم يعملونها،» يقول، «لكي تنظرهم الناس.» وهو يزوِّد امثلة، ملاحظا:
«يعرِّضون (العُلَب المحتوية على آيات التي يلبسونها كواقيات).» وهذه العُلَب الصغيرة نسبيا، التي تُلبس على الجبهة او على الذراع، تحتوي على اربعة اجزاء من الشريعة: خروج ١٣:١-١٠، ١١-١٦؛ وتثنية ٦:٤-٩؛ ١١:١٣-٢١. إلاّ ان الفريسيين يزيدون حجم هذه العُلَب ليعطوا الانطباع انهم غيورون للناموس.
ويتابع يسوع انهم «يعظِّمون اهداب ثيابهم.» ففي العدد ١٥:٣٨-٤٠ يؤمر الاسرائيليون بأن يصنعوا اهدابا في ثيابهم، إلاّ ان الفريسيين يصنعون اهدابهم اكبر مما يصنعها ايّ شخص آخر. فكل شيء يُصنع للتباهي! «ويحبون المتَّكأ الاول،» يعلن يسوع.
ومن المحزن ان تلاميذه تأثَّروا بهذه الرغبة في البروز. لذلك ينصح: «وأمّا انتم فلا تُدعوا سيدي لأن معلِّمكم واحد المسيح وأنتم جميعا اخوة. ولا تَدعوا لكم ابا على الارض لأن اباكم واحد الذي في السموات. ولا تُدعوا معلِّمين لأن معلِّمكم واحد المسيح.» فيجب ان يتحرَّر التلاميذ من الرغبة في ان يكونوا الاول! «اكبركم يكون خادما لكم،» ينصح يسوع.
ثم يتلفَّظ بسلسلة من الويلات على الكتبة والفريسيين، داعيا اياهم تكرارا مرائين. انهم ‹يغلقون ملكوت السموات قدام الناس،› يقول، وهم ‹الذين يأكلون بيوت الارامل ولعلَّة يطيلون الصلاة.›
«ويل لكم ايها القادة العميان،» يقول يسوع. فهو يدين النقص في القيم الروحية لدى الفريسيين، كما هو ظاهر من التمييزات التعسُّفية التي يصنعونها. على سبيل المثال، يقولون، ‹ليس بشيء اذا حلف احد بالهيكل، ولكنّ المرء يلتزم اذا حلف بذهب الهيكل.› فبوضعهم التشديد على ذهب الهيكل اكثر ممّا على القيمة الروحية لمكان العبادة هذا، يكشفون عن عماهم الادبي.
ثم، كما فعل في وقت ابكر، يدين يسوع الفريسيين لانهم يهملون «اثقل الناموس الحق والرحمة والايمان،» فيما يمنحون انتباها عظيما لتعشير، او دفع عُشر، الحشائش التافهة.
ويدعو يسوع الفريسيين «القادة العميان الذين يُصَفُّون عن البعوضة ويبلعون الجمل.» فهم يُصَفُّون خمرهم من البعوضة لا لمجرد انها حشرة بل لأنها نجسة طقسيا. ومع ذلك، فإن تركهم اثقل الناموس يقارَن بابتلاع جمل، حيوان نجس طقسيا ايضا. متى ٢٢:٤١–٢٣:٢٤؛ مرقس ١٢:٣٥-٤٠؛ لوقا ٢٠:٤١-٤٧؛ لاويين ١١:٤، ٢١-٢٤.
-
-
إكمال الخدمة في الهيكلاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
إكمال الخدمة في الهيكل
يسوع يقوم بظهوره الاخير في الهيكل. وفي الواقع، انه يختتم خدمته العلنية على الارض ما عدا حوادث محاكمته وتنفيذ الحكم فيه بعد ثلاثة ايام. والآن يتابع تعنيفه للكتبة والفريسيين.
وثلاث مرات اضافية يصرخ: «ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون.» اولا، ينادي بالويل عليهم لأنهم ينقّون «خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة.» ولذلك ينصح: «نقِّ اولا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا.»
ثم يتلفَّظ بالويل على الكتبة والفريسيين لأجل الفساد والنتن الداخليين اللذين يحاولون اخفاءهما بالورع الخارجي. «تشبهون قبورا مبيَّضة،» يقول، «تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة.»
وأخيرا، يَظهر رياؤهم في رغبتهم في بناء المدافن للانبياء وتزيينها ليلفتوا الانتباه الى اعمالهم الخيرية. ومع ذلك، كما يكشف يسوع، فانهم «ابناء قتلة الانبياء.» حقا، ان مَن يجرؤ على فضح ريائهم هو في خطر!
وإذ يتابع، ينطق يسوع بكلمات تشهيره الاقوى. «ايها الحيات اولاد الافاعي،» يقول، «كيف تهربون من دينونة (جهنّا).» فجهنّا هي الوادي المستعمل مرمًى لنفايات اورشليم. وهكذا يقول يسوع انه بسبب مواصلة مسلكهم الشرير سيعاني الكتبة والفريسيون الهلاك الابدي.
وفي ما يتعلَّق بأولئك الذين يرسلهم كممثِّلين له يقول يسوع: «منهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة الى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم زكي سُفك على الارض من دم هابيل الصديق الى دم زكريا بن برخيا [المدعو يهوياداع في أخبار الايام الثانية] الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق اقول لكم ان هذا كله يأتي على هذا الجيل.»
فلأن زكريا عنَّف قادة اسرائيل «فتنوا عليه ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب.» ولكن، كما ينبئ يسوع، سيدفع اسرائيل لقاء كل دم زكي سُفك كهذا. وهم يدفعون بعد ٣٧ سنة، في السنة ٧٠ بم، عندما تدمِّر الجيوش الرومانية اورشليم ويهلك اكثر من مليون يهودي.
واذ يتأمَّل يسوع في هذه الحالة المرعبة، يكتئب. «يا اورشليم يا اورشليم،» ينادي مرة اخرى، «كم مرةٍ أردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خرابا.»
ثم يضيف يسوع: «انكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب.» وذلك اليوم يكون عند حضور المسيح حين يأتي في ملكوته السماوي ويراه الناس بأعين الايمان.
ينتقل يسوع الآن الى مكان حيث يمكنه ان يراقب الخزانة في الهيكل والجموع تلقي المال فيها. فالأغنياء يلقون كثيرا. ولكنْ بعد ذلك تتقدَّم ارملة فقيرة وتلقي فلسين قيمتهما زهيدة جدا.
وإذ يدعو تلاميذه، يقول يسوع: «الحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة قد ألقت اكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة.» ولا بدّ انهم يتساءلون كيف يمكن ان يكون هذا. لذلك يشرح يسوع: «الجميع من فضلتهم ألقوا. وأمّا هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها كل معيشتها.» وبعد قول هذه الامور يغادر يسوع الهيكل للمرة الاخيرة.
وإذ يتعجَّبون من حجم وجمال الهيكل، يهتف واحد من تلاميذه: «يا معلِّم انظر ما هذه الحجارة وهذه الابنية.» وفعلا، يُقال ان الحجارة طولها اكثر من ٣٥ قدما (١١ م)، عرضها اكثر من ١٥ قدما (٥ م)، وارتفاعها اكثر من ١٠ اقدام (٣ م)!
«أتنظر هذه الابنية العظيمة،» يجيب يسوع. «لا يُترك حجر على حجر لا يُنقض.»
وبعد قول هذه الامور يعبر يسوع ورسله وادي قدرون ويصعدون الى جبل الزيتون. ومن هنا يمكنهم ان يتطلَّعوا الى اسفل الى الهيكل البهي. متى ٢٣:٢٥–٢٤:٣؛ مرقس ١٢:٤١–١٣:٣؛ لوقا ٢١:١-٦؛ ٢ أخبار الايام ٢٤:٢٠-٢٢.
-