مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الكرازة في بيريا
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • دجاجة تجمع فراخها تحت جناحيها

      اَلْفَصْلُ ٨٢

      اَلْكِرَازَةُ فِي بِيرْيَا

      لوقا ١٣:‏٢٢–‏١٤:‏٦

      • اَلِٱجْتِهَادُ لِلدُّخُولِ مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ

      • لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ

      بَعْدَمَا أَمْضَى يَسُوعُ وَقْتًا فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ يُعَلِّمُ ٱلنَّاسَ وَيَشْفِيهِمْ،‏ عَبَرَ نَهْرَ ٱلْأُرْدُنِّ لِيُبَشِّرَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ فِي نَوَاحِي بِيرْيَا،‏ حَيْثُ يَنْوِي أَنْ يَقْضِيَ فَتْرَةً قَصِيرَةً قَبْلَ أَنْ يَعُودَ أَدْرَاجَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.‏

      رجل يجتهد بقوة للدخول من باب ضيق

      وَفِيمَا هُوَ فِي بِيرْيَا،‏ يَسْأَلُهُ رَجُلٌ:‏ «يَا رَبُّ،‏ هَلِ ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ قَلِيلُونَ؟‏».‏ فَلَعَلَّهُ عَلَى عِلْمٍ بِٱلْمُجَادَلَاتِ ٱلدَّائِرَةِ بَيْنَ ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ هَلِ ٱلْخَلَاصُ لِكَثِيرِينَ أَمْ قَلَائِلَ.‏ فَيُجِيبُ يَسُوعُ مُرَكِّزًا عَلَى مَا يَتَطَلَّبُهُ ٱلْخَلَاصُ،‏ لَا عَدَدِ ٱلَّذِينَ سَيَخْلُصُونَ قَائِلًا:‏ «اِجْتَهِدُوا بِقُوَّةٍ أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ».‏ وَلِمَ ٱلْحَاجَةُ إِلَى ٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْكِفَاحِ؟‏ يُتَابِعُ:‏ «إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ».‏ —‏ لوقا ١٣:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏

      وَتَوْضِيحًا لِأَهَمِّيَّةِ بَذْلِ جُهُودٍ حَثِيثَةٍ،‏ يَذْكُرُ:‏ «حِينَ يَكُونُ رَبُّ ٱلْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَقْفَلَ ٱلْبَابَ،‏ وَتَبْتَدِئُونَ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ ٱلْبَابَ،‏ قَائِلِينَ:‏ ‹يَا سَيِّدُ،‏ ٱفْتَحْ لَنَا› .‏ .‏ .‏ يَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ لَكُمْ:‏ ‹لَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ.‏ اِبْتَعِدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ عَامِلِي ٱلْإِثْمِ!‏›».‏ —‏ لوقا ١٣:‏​٢٥-‏٢٧‏.‏

      تُبَيِّنُ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ مَصِيرَ مَنْ يَصِلُ مُتَأَخِّرًا،‏ رُبَّمَا فِي سَاعَةٍ تَحْلُو لَهُ،‏ فَيَجِدُ ٱلْبَابَ مُوصَدًا.‏ فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَأْتِيَ فِي وَقْتٍ أَبْكَرَ حَتَّى لَوْ لَمْ يُنَاسِبْهُ ذٰلِكَ.‏ هٰذِهِ حَالُ كَثِيرِينَ لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِنْ يَسُوعَ ٱلَّذِي أَتَى لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُخَلِّصَهُمْ.‏ فَهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا ٱلْعِبَادَةَ ٱلْحَقَّةَ ٱلْمَسْعَى ٱلْأَهَمَّ فِي حَيَاتِهِمْ،‏ وَلَمْ يَقْبَلُوا تَدْبِيرَ ٱللّٰهِ لِلْخَلَاصِ.‏ لِذَا ‹سَيَبْكُونَ وَيَصِرُّونَ بِأَسْنَانِهِمْ› عِنْدَمَا يُطْرَحُونَ خَارِجًا،‏ فِي حِينِ أَنَّ أُنَاسًا «مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ،‏ وَمِنَ ٱلشَّمَالِ وَٱلْجَنُوبِ»،‏ أَيْ مِنْ جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ،‏ سَوْفَ «يَتَّكِئُونَ إِلَى ٱلْمَائِدَةِ فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».‏ —‏ لوقا ١٣:‏​٢٨،‏ ٢٩‏.‏

      يُوضِحُ يَسُوعُ:‏ «آخِرُونَ [كَٱلْيَهُودِ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ وَغَيْرِ ٱلْيَهُودِ] يَصِيرُونَ أَوَّلِينَ،‏ وَأَوَّلُونَ [أَيِ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ ٱلَّذِينَ يَتَفَاخَرُونَ بِتَحَدُّرِهِمْ مِنْ إِبْرَاهِيمَ] يَصِيرُونَ آخِرِينَ».‏ (‏لوقا ١٣:‏٣٠‏)‏ وَهٰؤُلَاءِ ٱلْجَاحِدُونَ سَيُصْبِحُونَ «آخِرِينَ» بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ إِطْلَاقًا.‏

      إِذَّاكَ يَدْنُو مِنْهُ بَعْضُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَيَنْصَحُونَهُ:‏ «اُخْرُجْ وَٱذْهَبْ مِنْ هُنَا،‏ لِأَنَّ هِيرُودُسَ [أَنْتِيبَاسَ] يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ».‏ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلْمَلِكَ هِيرُودُسَ هُوَ مَنْ أَطْلَقَ هٰذِهِ ٱلْإِشَاعَةَ لِيَحْمِلَ يَسُوعَ عَلَى ٱلْهَرَبِ مِنَ ٱلْمِنْطَقَةِ.‏ فَلَرُبَّمَا يَخْشَى هٰذَا ٱلْمَلِكُ أَنْ يَتَوَرَّطَ فِي قَتْلِ نَبِيٍّ آخَرَ،‏ كَمَا فَعَلَ مَعَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ.‏ إِلَّا أَنَّ يَسُوعَ يُجِيبُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ:‏ ‏«اِذْهَبُوا وَقُولُوا لِهٰذَا ٱلثَّعْلَبِ:‏ ‹هَا أَنَا أُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ وَأُجْرِي ٱلشِّفَاءَ ٱلْيَوْمَ وَغَدًا،‏ وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ أَنْتَهِي›».‏ (‏لوقا ١٣:‏​٣١،‏ ٣٢‏)‏ وَنَعْتُ هِيرُودُسَ ‹بِٱلثَّعْلَبِ› قَدْ يَكُونُ تَلْمِيحًا إِلَى مَكْرِهِ وَدَهَائِهِ.‏ لٰكِنَّ يَسُوعَ لَنْ يَسْمَحَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَلَاعَبَ بِهِ أَوْ يَسْتَعْجِلَهُ فِي عَمَلِهِ.‏ فَهُوَ سَيُتَمِّمُ ٱلتَّعْيِينَ ٱلَّذِي نَالَهُ مِنْ أَبِيهِ وَفْقًا لِلْبَرْنَامَجِ ٱلَّذِي وَضَعَهُ ٱللّٰهُ،‏ وَلَيْسَ وَفْقًا لِإِرَادَةِ ٱلْبَشَرِ.‏

      بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ يَنْطَلِقُ فِي رِحْلَتِهِ صَوْبَ أُورُشَلِيمَ لِأَنَّهُ «لَا يَجُوزُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ»،‏ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ.‏ (‏لوقا ١٣:‏٣٣‏)‏ وَلٰكِنْ لِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَمُوتَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّ مَا مِنْ نُبُوَّةٍ تُشِيرُ إِلَى ذٰلِكَ؟‏ لِأَنَّ أُورُشَلِيمَ هِيَ ٱلْعَاصِمَةُ،‏ وَمَقَرُّ مَحْكَمَةِ ٱلسَّنْهَدْرِيمِ ٱلْعُلْيَا ٱلْمُؤَلَّفَةِ مِنْ ٧١ عُضْوًا.‏ وَهِيَ ٱلْمَكَانُ حَيْثُ يُحَاكَمُ ٱلْمُتَّهَمُونَ بِأَنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ دَجَّالُونَ،‏ وَفِيهَا أَيْضًا تُقَدَّمُ ٱلذَّبَائِحُ ٱلْحَيَوَانِيَّةُ.‏ لِذَا يَعِي يَسُوعُ أَنَّ مِنْ غَيْرِ ٱلْوَارِدِ أَنْ يُقْتَلَ فِي مَكَانٍ آخَرَ.‏

      دجاجة تجمع فراخها تحت جناحيها

      لٰكِنَّهُ يَرْثِي ٱلْمَدِينَةَ قَائِلًا:‏ «يَا أُورُشَلِيمُ،‏ يَا أُورُشَلِيمُ،‏ يَا قَاتِلَةَ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا،‏ كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا،‏ وَلَمْ تُرِيدُوا!‏ هَا هُوَ بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ».‏ (‏لوقا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏)‏ فَلَا بُدَّ أَنْ تَتَحَمَّلَ ٱلْأُمَّةُ عَوَاقِبَ رَفْضِهَا ٱبْنَ ٱللّٰهِ.‏

      وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،‏ يَدْعُوهُ أَحَدُ رُؤَسَاءِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ إِلَى بَيْتِهِ لِتَنَاوُلِ ٱلطَّعَامِ فِي ٱلسَّبْتِ.‏ فَيُرَاقِبُهُ ٱلْمَدْعُوُّونَ عَنْ كَثَبٍ لِيَرَوْا هَلْ يَشْفِي رَجُلًا مَوْجُودًا هُنَاكَ يُعَانِي مِنْ دَاءِ ٱلِٱسْتِسْقَاءِ (‏تَرَاكُمٌ شَدِيدٌ لِلسَّوَائِلِ،‏ عَادَةً فِي ٱلسَّاقَيْنِ وَٱلْقَدَمَيْنِ)‏.‏ فَيَسْأَلُ يَسُوعُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلْمُتَضَلِّعِينَ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ:‏ «أَيَحِلُّ ٱلْإِبْرَاءُ فِي ٱلسَّبْتِ أَمْ لَا؟‏».‏ —‏ لوقا ١٤:‏٣‏.‏

      وَإِذْ لَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ،‏ يَشْفِي ٱلرَّجُلَ ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ:‏ «مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ ٱبْنُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلَا يُخْرِجُهُ حَالًا فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟‏».‏ (‏لوقا ١٤:‏٥‏)‏ وَمِنْ جَدِيدٍ،‏ تَنْعَقِدُ أَلْسِنَتُهُمْ أَمَامَ مَنْطِقِهِ ٱلسَّدِيدِ.‏

  • مَن يدعو اللّٰه الى مائدته؟‏
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • فقراء وعرج وكسح وعمي يأتون الى عشاء عظيم

      اَلْفَصْلُ ٨٣

      مَنْ يَدْعُو ٱللّٰهُ إِلَى مَائِدَتِهِ؟‏

      لوقا ١٤:‏​٧-‏٢٤

      • دَرْسٌ فِي ٱلتَّوَاضُعِ

      • اَلْمَدْعُوُّونَ يَخْتَلِقُونَ ٱلْأَعْذَارَ

      لَا يَزَالُ يَسُوعُ فِي بَيْتِ ٱلْفَرِّيسِيِّ بَعْدَمَا شَفَى رَجُلًا مِنْ دَاءِ ٱلِٱسْتِسْقَاءِ.‏ فَيُلَاحِظُ أَنَّ بَعْضَ ٱلضُّيُوفِ يَخْتَارُونَ ٱلْأَمَاكِنَ ٱلْأَبْرَزَ عَلَى ٱلْمَائِدَةِ.‏ فَيَنْتَهِزُ ٱلْفُرْصَةَ لِيُعَلِّمَ دَرْسًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ.‏

      يَقُولُ:‏ «مَتَى دَعَاكَ أَحَدٌ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ،‏ فَلَا تَتَّكِئْ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْأَبْرَزِ.‏ فَلَعَلَّهُ كَانَ قَدْ دَعَى آنَذَاكَ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْكَ قَدْرًا،‏ فَيَأْتِي ٱلَّذِي دَعَاكَ وَدَعَاهُ وَيَقُولُ لَكَ:‏ ‹أَعْطِ ٱلْمَكَانَ لِهٰذَا ٱلرَّجُلِ›.‏ فَحِينَئِذٍ تَنْهَضُ بِخِزْيٍ لِتَشْغَلَ ٱلْمَكَانَ ٱلْأَوْضَعَ».‏ —‏ لوقا ١٤:‏​٨،‏ ٩‏.‏

      وَيُتَابِعُ:‏ «بَلْ مَتَى دُعِيتَ،‏ فَٱذْهَبْ وَٱتَّكِئْ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْأَوْضَعِ،‏ حَتَّى إِذَا جَاءَ ٱلَّذِي دَعَاكَ،‏ يَقُولُ لَكَ:‏ ‹يَا صَدِيقُ،‏ ٱرْتَفِعْ إِلَى أَعْلَى›.‏ فَحِينَئِذٍ تَنَالُ كَرَامَةً أَمَامَ كُلِّ ٱلضُّيُوفِ مَعَكَ».‏ وَلَيْسَ ذٰلِكَ مُجَرَّدَ إِعْرَابٍ عَنِ ٱللِّيَاقَةِ وَٱلتَّهْذِيبِ.‏ يُوضِحُ يَسُوعُ:‏ «كُلُّ مَنْ رَفَعَ نَفْسَهُ وُضِعَ وَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ رُفِعَ».‏ (‏لوقا ١٤:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ إِنَّهُ يَحُضُّ سَامِعِيهِ عَلَى ٱلتَّحَلِّي بِتَوَاضُعِ ٱلنَّفْسِ.‏

      بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ يُعَلِّمُ مُضِيفَهُ ٱلْفَرِّيسِيَّ دَرْسًا آخَرَ:‏ إِعْدَادَ وَلِيمَةٍ لَهَا قِيمَةٌ حَقِيقِيَّةٌ فِي نَظَرِ ٱللّٰهِ.‏ يَذْكُرُ:‏ «مَتَى صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً،‏ فَلَا تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلَا إِخْوَتَكَ وَلَا أَنْسِبَاءَكَ وَلَا ٱلْجِيرَانَ ٱلْأَغْنِيَاءَ.‏ فَلَعَلَّهُمْ يَدْعُونَكَ هُمْ أَيْضًا فِي ٱلْمُقَابِلِ،‏ فَتَكُونَ لَكَ مُجَازَاةٌ.‏ بَلْ مَتَى صَنَعْتَ وَلِيمَةً،‏ فَٱدْعُ ٱلْفُقَرَاءَ وَٱلْكُسْحَ وَٱلْعُرْجَ وَٱلْعُمْيَ،‏ فَتَكُونَ سَعِيدًا،‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَا يُجَازُونَكَ بِهِ».‏ —‏ لوقا ١٤:‏​١٢-‏١٤‏.‏

      مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَدْعُوَ ٱلْمَرْءُ أَصْدِقَاءَهُ وَأَنْسِبَاءَهُ وَجِيرَانَهُ إِلَى وَجْبَةِ طَعَامٍ،‏ وَيَسُوعُ لَا يُخَطِّئُ ذٰلِكَ.‏ لٰكِنَّهُ يُبْرِزُ أَنَّ دَعْوَةَ ٱلْمَسَاكِينِ،‏ كَٱلْفُقَرَاءِ وَٱلْكُسْحِ وَٱلْعُمْيِ،‏ تَجْلُبُ بَرَكَاتٍ جَزِيلَةً.‏ يُوضِحُ لِمُضِيفِهِ:‏ «إِنَّكَ تُجَازَى فِي قِيَامَةِ ٱلْأَبْرَارِ».‏ فَيُثَنِّي أَحَدُ ٱلْمَدْعُوِّينَ عَلَى ٱلْكَلَامِ قَائِلًا:‏ «سَعِيدٌ هُوَ ٱلَّذِي يَأْكُلُ خُبْزًا فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».‏ (‏لوقا ١٤:‏١٥‏)‏ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُدْرِكُ عَظَمَةَ هٰذَا ٱلِٱمْتِيَازِ.‏ وَلٰكِنْ لَا يُشَاطِرُهُ ٱلْجَمِيعُ هٰذَا ٱلتَّقْدِيرَ،‏ حَسْبَمَا يُوضِحُ يَسُوعُ تَالِيًا بِمَثَلٍ:‏

      ‏«إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا،‏ وَدَعَا كَثِيرِينَ.‏ وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ .‏ .‏ .‏ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ:‏ ‹تَعَالَوْا،‏ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ٱلْآنَ مُعَدٌّ›.‏ فَٱبْتَدَأُوا كُلُّهُمْ يَسْتَعْفُونَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ.‏ قَالَ لَهُ ٱلْأَوَّلُ:‏ ‹اِشْتَرَيْتُ حَقْلًا وَعَلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ،‏ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَعْذِرَنِي›.‏ وَقَالَ آخَرُ:‏ ‹اِشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ فَدَادِينِ بَقَرٍ،‏ وَأَنَا ذَاهِبٌ لِأَفْحَصَهَا،‏ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَعْذِرَنِي›.‏ وَقَالَ آخَرُ أَيْضًا:‏ ‹قَدْ تَزَوَّجْتُ ٱمْرَأَةً،‏ فَلِذٰلِكَ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ›».‏ —‏ لوقا ١٤:‏​١٦-‏٢٠‏.‏

      يَا لَهَا مِنْ أَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ!‏ فَفِي ٱلْعَادَةِ،‏ يَتَفَحَّصُ ٱلْمَرْءُ ٱلْحَقْلَ وَٱلْمَاشِيَةَ قَبْلَ شِرَائِهَا،‏ وَمُعَايَنَتُهَا بَعْدَ ذٰلِكَ لَيْسَتْ ضَرُورَةً مُلِحَّةً.‏ كَذٰلِكَ ٱلرَّجُلُ ٱلثَّالِثُ فِي ٱلْمَثَلِ لَا يَسْتَعِدُّ لِلزَّوَاجِ،‏ بَلْ مُتَزَوِّجٌ أَسَاسًا.‏ فَلَا يُفْتَرَضُ أَنْ يُعِيقَهُ هٰذَا ٱلسَّبَبُ عَنْ تَلْبِيَةِ تِلْكَ ٱلدَّعْوَةِ ٱلْهَامَّةِ.‏ لِذَا عِنْدَ سَمَاعِ هٰذِهِ ٱلْأَعْذَارِ،‏ يَسْخَطُ ٱلسَّيِّدُ وَيَأْمُرُ عَبْدَهُ:‏

      ‏«اُخْرُجْ سَرِيعًا إِلَى شَوَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ وَأَزِقَّتِهَا،‏ وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا ٱلْفُقَرَاءَ وَٱلْكُسْحَ وَٱلْعُمْيَ وَٱلْعُرْجَ».‏ فَيُنَفِّذُ ٱلْعَبْدُ أَمْرَ سَيِّدِهِ،‏ وَلٰكِنْ يَبْقَى مُتَّسَعٌ بَعْدُ.‏ فَيَقُولُ لَهُ ٱلسَّيِّدُ:‏ «اُخْرُجْ إِلَى ٱلطُّرُقِ وَٱلْأَمَاكِنِ ٱلْمُسَيَّجَةِ،‏ وَأَلْزِمْهُمْ بِٱلدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي.‏ فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ:‏ لَنْ يَذُوقَ عَشَائِي أَحَدٌ مِنْ أُولٰئِكَ ٱلرِّجَالِ ٱلْمَدْعُوِّينَ».‏ —‏ لوقا ١٤:‏​٢١-‏٢٤‏.‏

      يُوضِحُ هٰذَا ٱلْمَثَلُ بِٱلضَّبْطِ كَيْفَ فَوَّضَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ إِلَى يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنْ يَدْعُوَ أُنَاسًا لِدُخُولِ مَلَكُوتِ ٱلسَّمٰوَاتِ.‏ وَأَوَّلُ ٱلْمَدْعُوِّينَ كَانُوا ٱلْيَهُودَ،‏ وَلَا سِيَّمَا ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ.‏ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُمُومًا رَفَضُوا ٱلدَّعْوَةَ ٱلَّتِي قَدَّمَهَا يَسُوعُ طِيلَةَ فَتْرَةِ خِدْمَتِهِ.‏ لِذَا فَهِيَ لَنْ تَبْقَى حُكْرًا عَلَيْهِمْ.‏ فَيَسُوعُ يُشِيرُ بِوُضُوحٍ أَنَّ دَعْوَةً ثَانِيَةً سَتُوَجَّهُ مُسْتَقْبَلًا إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ مِنَ ٱلْأُمَّةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَإِلَى ٱلْمُتَهَوِّدِينَ.‏ وَلَاحِقًا،‏ سَتُقَدَّمُ دَعْوَةٌ ثَالِثَةٌ وَأَخِيرَةٌ لِأَشْخَاصٍ يَعْتَبِرُهُمُ ٱلْيَهُودُ غَيْرَ مَقْبُولِينَ فِي نَظَرِ ٱللّٰهِ.‏ —‏ اعمال ١٠:‏​٢٨-‏٤٨‏.‏

      فِعْلًا،‏ يُؤَكِّدُ مَثَلُ يَسُوعَ صِحَّةَ مَا قَالَهُ أَحَدُ ٱلْمَدْعُوِّينَ مَعَهُ:‏ «سَعِيدٌ هُوَ ٱلَّذِي يَأْكُلُ خُبْزًا فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ‏».‏

  • اتِّباع المسيح مسؤولية وتضحية
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • ملك يخرج على رأس جيشه المدجج بالسلاح

      اَلْفَصْلُ ٨٤

      اِتِّبَاعُ ٱلْمَسِيحِ مَسْؤُولِيَّةٌ وَتَضْحِيَةٌ

      لوقا ١٤:‏​٢٥-‏٣٥

      • مَاذَا يَتَطَلَّبُ ٱتِّبَاعُ ٱلْمَسِيحِ؟‏

      عَلَّمَ يَسُوعُ دُرُوسًا قَيِّمَةً أَثْنَاءَ حُلُولِهِ ضَيْفًا فِي بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ.‏ وَفِيمَا يَسْتَأْنِفُ رِحْلَتَهُ صَوْبَ أُورُشَلِيمَ،‏ تُسَافِرُ مَعَهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ.‏ فَهَلْ فِي نِيَّتِهِمْ أَنْ يُصْبِحُوا مِنْ أَتْبَاعِهِ ٱلْحَقِيقِيِّينَ مَهْمَا كَلَّفَ ٱلْأَمْرُ؟‏

      فِي ٱلطَّرِيقِ،‏ يَتَفَوَّهُ يَسُوعُ بِكَلِمَاتٍ رُبَّمَا تَصْدِمُ ٱلْبَعْضَ:‏ «إِنْ أَتَى أَحَدٌ إِلَيَّ وَلَمْ يُبْغِضْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَزَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ،‏ بَلْ نَفْسَهُ أَيْضًا،‏ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا».‏ (‏لوقا ١٤:‏٢٦‏)‏ فَمَا قَصْدُهُ؟‏

      لَا يَعْنِي يَسُوعُ أَنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ يُقَرِّرُونَ ٱتِّبَاعَهُ أَنْ يُبْغِضُوا أَقْرِبَاءَهُمْ حَرْفِيًّا.‏ بَلْ أَنْ يُحِبُّوهُ هُوَ أَوَّلًا وَهُمْ ثَانِيًا،‏ بِعَكْسِ ٱلرَّجُلِ فِي مَثَلِ وَلِيمَةِ ٱلْعَشَاءِ ٱلَّذِي لَمْ يُلَبِّ ٱلدَّعْوَةَ ٱلْهَامَّةَ لِأَنَّهُ عَرِيسٌ جَدِيدٌ.‏ (‏لوقا ١٤:‏٢٠‏)‏ وَتَأْكِيدًا عَلَى هٰذَا ٱلْمَعْنَى،‏ تُخْبِرُ ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ أَنَّ يَعْقُوبَ،‏ أَحَدَ أَسْلَافِ ٱلْيَهُودِ،‏ ‹أَبْغَضَ› لَيْئَةَ وَأَحَبَّ رَاحِيلَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَحَبَّهَا أَقَلَّ مِنْ أُخْتِهَا رَاحِيلَ.‏ —‏ تكوين ٢٩:‏٣١‏؛‏ الحاشية.‏

      نَوَّهَ يَسُوعُ كَذٰلِكَ أَنَّ ٱلتِّلْمِيذَ ٱلْحَقِيقِيَّ يُبْغِضُ «نَفْسَهُ [أَيْ حَيَاتَهُ] أَيْضًا».‏ وَهٰذَا يَعْنِي أَنْ يُحِبَّ يَسُوعَ أَكْثَرَ مِنْ حَيَاتِهِ،‏ وَأَلَّا يُمَانِعَ ٱلتَّضْحِيَةَ بِهَا إِذَا ٱسْتَدْعَى ٱلْأَمْرُ.‏ إِذًا ٱتِّبَاعُ ٱلْمَسِيحِ مَسْؤُولِيَّةٌ ثَقِيلَةٌ.‏ فَهُوَ لَيْسَ قَرَارًا وَلِيدَ سَاعَتِهِ يُؤْخَذُ دُونَ تَفْكِيرٍ وَرَوِيَّةٍ.‏

      وَقَدْ يُعَانِي تِلْمِيذُ ٱلْمَسِيحِ ٱلِٱضْطِهَادَ وَٱلْمَشَقَّاتِ.‏ يَقُولُ يَسُوعُ:‏ «مَنْ لَا يَحْمِلْ خَشَبَةَ آلَامِهِ وَيَأْتِ وَرَائِي فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا».‏ (‏لوقا ١٤:‏٢٧‏)‏ فَعَلَى غِرَارِهِ هُوَ،‏ عَلَى ٱلتِّلْمِيذِ ٱلْحَقِيقِيِّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِمُكَابَدَةِ ٱلْخِزْيِ وَٱلتَّعْيِيرِ،‏ حَتَّى أَنْ يَمُوتَ عَلَى يَدِ أَعْدَائِهِ.‏

      مسيحي في القرن الاول يحسب نفقة مشروع بناء

      بِنَاءً عَلَى ذٰلِكَ،‏ يَنْبَغِي لِلْجُمُوعِ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَ يَسُوعَ أَنْ يُحَلِّلُوا بِعِنَايَةٍ أَبْعَادَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْكَبِيرَةِ أَنْ يُمْسُوا مِنْ تَلَامِيذِهِ.‏ وَهُوَ يُبْرِزُ هٰذِهِ ٱلنُّقْطَةَ بِمَثَلٍ قَائِلًا:‏ «مَنْ مِنْكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا وَلَا يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسُبُ ٱلنَّفَقَةَ،‏ لِيَرَى هَلْ عِنْدَهُ مَا يَكْفِي لِإِتْمَامِهِ؟‏ وَإِلَّا فَقَدْ يَضَعُ أَسَاسَهُ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْهِيَهُ».‏ (‏لوقا ١٤:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ إِذًا،‏ يَجِبُ أَنْ يَعْقِدُوا ٱلْعَزْمَ عَلَى تَحَمُّلِ هٰذِهِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ بِٱلْكَامِلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوهَا عَلَى عَاتِقِهِمْ.‏ وَيُسَلِّطُ يَسُوعُ ٱلضَّوْءَ عَلَى ذٰلِكَ بِمَثَلٍ ثَانٍ،‏ قَائِلًا:‏

      ‏«أَيُّ مَلِكٍ سَائِرٍ لِلِقَاءِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ،‏ لَا يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَتَشَاوَرُ هَلْ يَقْدِرُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ ٱلْعَسْكَرِ أَنْ يُوَاجِهَ مَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟‏ وَإِلَّا فَمَا دَامَ ذَاكَ بَعِيدًا،‏ يُرْسِلُ وَفْدًا مِنَ ٱلسُّفَرَاءِ وَيَلْتَمِسُ ٱلسَّلَامَ».‏ ثُمَّ يَصِلُ إِلَى زُبْدَةِ ٱلْمَوْضُوعِ:‏ «وَهٰكَذَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَا يَتْرُكُ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِهِ،‏ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا».‏ —‏ لوقا ١٤:‏​٣١-‏٣٣‏.‏

      طَبْعًا،‏ لَيْسَ هٰذَا ٱلْكَلَامُ مُوَجَّهًا إِلَى ٱلْجُمُوعِ ٱلْمُرَافِقَةِ لَهُ فَحَسْبُ.‏ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَتَعَلَّمُ عَنْهُ وَيُرِيدُ أَنْ يُصْبِحَ مِنْ تَلَامِيذِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلتَّضْحِيَةِ بِمُمْتَلَكَاتِهِ وَحَيَاتِهِ أَيْضًا.‏ وَهٰذِهِ مَسْأَلَةٌ تَتَطَلَّبُ ٱلتَّفْكِيرَ وَٱلصَّلَاةَ.‏

      بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ يَتَطَرَّقُ يَسُوعُ إِلَى مَوْضُوعٍ ذَكَرَهُ فِي ٱلْمَوْعِظَةِ عَلَى ٱلْجَبَلِ:‏ أَنَّ تَلَامِيذَهُ «مِلْحُ ٱلْأَرْضِ».‏ (‏متى ٥:‏١٣‏)‏ فَبِمَا أَنَّ ٱلْمِلْحَ مَادَّةٌ حَافِظَةٌ،‏ يَقْصِدُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَنَّ رِسَالَةَ تَلَامِيذِهِ تَحْفَظُ حَيَاةَ ٱلنَّاسِ،‏ فَتُسَاعِدُهُمْ عَلَى تَجَنُّبِ ٱلْفَسَادِ ٱلرُّوحِيِّ وَٱلْأَخْلَاقِيِّ.‏ وَإِذْ تُشَارِفُ خِدْمَتُهُ نِهَايَتَهَا يَقُولُ:‏ «إِنَّ ٱلْمِلْحَ جَيِّدٌ.‏ وَلٰكِنْ إِذَا تَفِهَ ٱلْمِلْحُ،‏ فَبِمَاذَا يُطَيَّبُ؟‏».‏ (‏لوقا ١٤:‏٣٤‏)‏ فَمُسْتَمِعُوهُ يَعْلَمُونَ أَنَّ بَعْضَ ٱلْمِلْحِ ٱلْمُتَوَفِّرِ آنَذَاكَ يَتَلَوَّثُ بِٱلتُّرَابِ،‏ فَيَفْقِدُ مُلُوحَتَهُ وَيُصْبِحُ بِلَا نَفْعٍ.‏

      عَلَى هٰذَا ٱلْأَسَاسِ،‏ يَنْبَغِي حَتَّى لِلَّذِينَ هُمْ تَلَامِيذُهُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ أَنْ يَحْذَرُوا لِئَلَّا يَفْتُرَ عَزْمُهُمْ.‏ وَإِلَّا يُمْسُونَ صِفْرًا عَلَى ٱلشِّمَالِ،‏ بِلَا فَائِدَةٍ مِثْلَ ٱلْمِلْحِ ٱلَّذِي يَفْقِدُ مُلُوحَتَهُ.‏ وَعِنْدَئِذٍ قَدْ يَغْدُونَ أُضْحُوكَةً لِلْعَالَمِ،‏ وَٱلْأَسْوَأُ غَيْرَ مَقْبُولِينَ فِي نَظَرِ ٱللّٰهِ،‏ حَتَّى إِنَّهُمْ قَدْ يَجْلُبُونَ ٱلتَّعْيِيرَ عَلَى ٱسْمِهِ.‏ وَلِتَجَنُّبِ هٰذِهِ ٱلْعَاقِبَةِ يَحُثُّ يَسُوعُ:‏ «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ».‏ —‏ لوقا ١٤:‏٣٥‏.‏

  • الفرح بخاطئ يتوب
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • امرأة فرحة بعدما وجدت درهمها المفقود

      اَلْفَصْلُ ٨٥

      اَلْفَرَحُ بِخَاطِئٍ يَتُوبُ

      لوقا ١٥:‏​١-‏١٠

      • مَثَلَا ٱلْخَرُوفِ ٱلضَّائِعِ وَٱلدِّرْهَمِ ٱلْمَفْقُودِ

      • فَرَحُ ٱلْمَلَائِكَةِ فِي ٱلسَّمَاءِ

      شَدَّدَ يَسُوعُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا خِلَالَ خِدْمَتِهِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ ٱلتَّوَاضُعِ.‏ (‏لوقا ١٤:‏​٨-‏١١‏)‏ وَهُوَ يَتُوقُ إِلَى ٱلْعُثُورِ عَلَى رِجَالٍ وَنِسَاءٍ يَرْغَبُونَ فِي خِدْمَةِ ٱللّٰهِ بِتَوَاضُعٍ.‏ وَلٰكِنْ حَتَّى ٱلْآنَ،‏ لَا يَزَالُ عَدَدٌ مِنْهُمْ خُطَاةً أَرْدِيَاءَ ٱلسُّمْعَةِ.‏

      رجل يهودي ينظر بازدراء وعلى جبينه علبة تحتوي آيات

      وَأَشْخَاصٌ كَهٰؤُلَاءِ مُحْتَقَرُونَ فِي نَظَرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلْكَتَبَةِ ٱلَّذِينَ يَرَوْنَهُمْ يَنْجَذِبُونَ إِلَى يَسُوعَ وَرِسَالَتِهِ،‏ فَيَتَذَمَّرُونَ:‏ «هٰذَا يُرَحِّبُ بِٱلْخُطَاةِ وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ».‏ (‏لوقا ١٥:‏٢‏)‏ فَهُمْ يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ أَرْفَعُ شَأْنًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَعْتَبِرُونَ عَامَّةَ ٱلنَّاسِ حُثَالَةً يَدُوسُونَهَا تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ.‏ وَمِنْ شِدَّةِ ٱزْدِرَائِهِمْ بِهِمْ،‏ يُشِيرُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلتَّعْبِيرِ ٱلْعِبْرَانِيِّ عام هاآريص،‏ أَيْ «شَعْبِ ٱلْأَرْضِ».‏

      بِٱلتَّبَايُنِ،‏ يُعَامِلُ يَسُوعُ ٱلْجَمِيعَ بِكَرَامَةٍ وَلُطْفٍ وَرَأْفَةٍ.‏ لِذَا فَإِنَّ ٱلْعَدِيدَ مِنَ ٱلْمُتَّضِعِينَ،‏ وَمِنْ بَيْنِهِمْ أَشْخَاصٌ مَعْرُوفُونَ بِأَنَّهُمْ خُطَاةٌ،‏ يَتَشَوَّقُونَ إِلَى سَمَاعِهِ.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ يَرُدُّ عَلَى ٱلِٱنْتِقَادِ ٱلْمُوَجَّهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يُسَاعِدُ أَفْرَادًا كَهٰؤُلَاءِ؟‏

      يَرْوِي يَسُوعُ مَثَلًا مُؤَثِّرًا سَبَقَ وَأَعْطَى وَاحِدًا عَلَى نَسَقِهِ فِي كَفَرْنَاحُومَ.‏ (‏متى ١٨:‏​١٢-‏١٤‏)‏ وَفِي هٰذَا ٱلْمَثَلِ،‏ يَبْدُو ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَكَأَنَّهُمْ أَبْرَارٌ مُطْمَئِنُّونَ دَاخِلَ حَظِيرَةِ ٱللّٰهِ،‏ فِي حِينِ أَنَّ ٱلْمُتَّضِعِينَ شَارِدُونَ وَفِي حَالَةِ ضَيَاعٍ.‏ يُخْبِرُ:‏ 

      راعٍ مسرور بالعثور على خروفه الضائع ويحمله على كتفيه

      ‏«أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ وَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا،‏ لَا يَتْرُكُ ٱلتِّسْعَةَ وَٱلتِّسْعِينَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَيَذْهَبُ لِأَجْلِ ٱلضَّائِعِ حَتَّى يَجِدَهُ؟‏ وَعِنْدَمَا يَجِدُهُ يَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْهِ فَرِحًا.‏ وَإِذْ يَصِلُ إِلَى بَيْتِهِ يَجْمَعُ أَصْدِقَاءَهُ وَجِيرَانَهُ،‏ قَائِلًا لَهُمْ:‏ ‹اِفْرَحُوا مَعِي،‏ لِأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِي ٱلضَّائِعَ›».‏ —‏ لوقا ١٥:‏​٤-‏٦‏.‏

      وَكَيْفَ يُطَبِّقُ ٱلْمَثَلَ؟‏ «أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ هٰكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».‏ —‏ لوقا ١٥:‏٧‏.‏

      لَا بُدَّ أَنَّ إِشَارَتَهُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ تَطْعَنُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ أَبْرَارًا.‏ فَعِنْدَمَا ٱنْتَقَدَهُ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بِضْعِ سَنَوَاتٍ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ جُبَاةِ ٱلضَّرَائِبِ وَٱلْخُطَاةِ،‏ أَجَابَهُمْ:‏ «مَا جِئْتُ لِأَدْعُوَ أَبْرَارًا،‏ بَلْ خُطَاةً».‏ (‏مرقس ٢:‏​١٥-‏١٧‏)‏ فَهٰؤُلَاءِ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْبَارُّونَ بِإِفْرَاطٍ لَا يُدْرِكُونَ حَاجَتَهُمْ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ،‏ وَبِٱلتَّالِي لَا يُشِيعُونَ فَرَحًا فِي ٱلسَّمَاءِ،‏ بِخِلَافِ ٱلْخُطَاةِ ٱلَّذِينَ يَتُوبُونَ تَوْبَةً صَادِقَةً.‏

      وَتَشْدِيدًا عَلَى ٱلْفَرَحِ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي يَعُمُّ ٱلسَّمَاءَ نَتِيجَةَ رَدِّ ٱلْخُطَاةِ ٱلضَّائِعِينَ،‏ يُقَدِّمُ يَسُوعُ مَثَلًا ثَانِيًا مُسْتَمَدًّا مِنْ وَاقِعِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْمَنْزِلِيَّةِ.‏ يَقُولُ:‏ «أَيُّ ٱمْرَأَةٍ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ،‏ إِذَا أَضَاعَتْ دِرْهَمًا وَاحِدًا،‏ لَا تُوقِدُ سِرَاجًا وَتَكْنُسُ بَيْتَهَا وَتَبْحَثُ بِٱعْتِنَاءٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟‏ وَعِنْدَمَا تَجِدُهُ تَجْمَعُ صَدِيقَاتِهَا وَجَارَاتِهَا،‏ قَائِلَةً:‏ ‹اِفْرَحْنَ مَعِي،‏ لِأَنِّي وَجَدْتُ ٱلدِّرْهَمَ ٱلَّذِي أَضَعْتُهُ›».‏ —‏ لوقا ١٥:‏​٨،‏ ٩‏.‏

      وَلَا يَخْتَلِفُ هٰذَا ٱلْمَثَلُ فِي ٱنْطِبَاقِهِ عَنْ مَثَلِ ٱلْخَرُوفِ ٱلضَّائِعِ.‏ يَذْكُرُ يَسُوعُ:‏ «هٰكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ بَيْنَ مَلَائِكَةِ ٱللّٰهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ».‏ —‏ لوقا ١٥:‏١٠‏.‏

      فِعْلًا،‏ إِنَّ رَدَّ ٱلْخُطَاةِ ٱلضَّالِّينَ يَعْنِي ٱلْكَثِيرَ لِمَلَائِكَةِ ٱللّٰهِ.‏ وَهٰذَا لَافِتٌ خُصُوصًا لِأَنَّ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ يَتُوبُونَ وَيَدْخُلُونَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ ٱلسَّمَاوِيَّ سَيَحْظَوْنَ بِمَرْكَزٍ أَعْلَى مِنَ ٱلْمَلَائِكَةِ أَنْفُسِهِمْ.‏ (‏١ كورنثوس ٦:‏​٢،‏ ٣‏)‏ لٰكِنَّ ٱلْمَلَائِكَةَ لَا يَشْعُرُونَ بِٱلْغَيْرَةِ.‏ فَمَاذَا عَنَّا؟‏ كَيْفَ نَشْعُرُ حِينَ يَتُوبُ خَاطِئٌ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ وَيَرْجِعُ إِلَى ٱللّٰهِ؟‏

  • عودة الابن الضال
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • اب يحضن ابنه

      اَلْفَصْلُ ٨٦

      عَوْدَةُ ٱلِٱبْنِ ٱلضَّالِّ

      لوقا ١٥:‏​١١-‏٣٢

      • مَثَلُ ٱلِٱبْنِ ٱلضَّالِّ

      أَعْطَى يَسُوعُ مَثَلَيِ ٱلْخَرُوفِ ٱلضَّائِعِ وَٱلدِّرْهَمِ ٱلْمَفْقُودِ وَهُوَ بَعْدُ عَلَى ٱلْأَغْلَبِ فِي بِيرْيَا شَرْقَ نَهْرِ ٱلْأُرْدُنِّ.‏ وَٱلْعِبْرَةُ ٱلَّتِي نَسْتَخْلِصُهَا مِنَ ٱلْمَثَلَيْنِ عَلَى ٱلسَّوَاءِ أَنْ نَفْرَحَ بِٱلْخُطَاةِ ٱلَّذِينَ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى ٱللّٰهِ.‏ لٰكِنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلْكَتَبَةَ يَنْتَقِدُونَ يَسُوعَ لِأَنَّهُ يُرَحِّبُ بِمِثْلِ هٰؤُلَاءِ.‏ فَهَلْ يَتَّعِظُونَ بِهٰذَيْنِ ٱلْمَثَلَيْنِ؟‏ وَهَلْ يَسْتَوْعِبُونَ كَيْفَ يَشْعُرُ أَبُونَا ٱلسَّمَاوِيُّ تِجَاهَ ٱلْخُطَاةِ ٱلتَّائِبِينَ؟‏ يَرْوِي يَسُوعُ ٱلْآنَ مَثَلًا يَمَسُّ ٱلْقَلْبَ وَيَضْرِبُ عَلَى ٱلْوَتَرِ ٱلْحَسَّاسِ عَيْنِهِ.‏

      الابن الاصغر يطلب من ابيه حصته في الميراث

      تَدُورُ أَحْدَاثُ ٱلْمَثَلِ حَوْلَ أَبٍ لَهُ ٱبْنَانِ،‏ وَأَصْغَرُهُمَا هُوَ ٱلشَّخْصِيَّةُ ٱلْمِحْوَرِيَّةُ.‏ وَمَا يَحْدُثُ مَعَهُ يُفْتَرَضُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلْكَتَبَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَامِعِي يَسُوعَ.‏ وَلٰكِنْ لَا يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْأَبَ وَٱلِٱبْنَ ٱلْأَكْبَرَ يُؤَدِّيَانِ دَوْرًا هَامِشِيًّا.‏ فَٱلْمَوَاقِفُ ٱلَّتِي يَتَّخِذَانِهَا تَحْمِلُ أَيْضًا فِي طَيَّاتِهَا دُرُوسًا مُهِمَّةً.‏ فَلْنُبْقِ ٱلشَّخْصِيَّاتِ ٱلثَّلَاثَ فِي بَالِنَا فِيمَا نَتَأَمَّلُ فِي ٱلْمَثَلِ.‏

      يَرْوِي يَسُوعُ:‏ «إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ٱبْنَانِ.‏ فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لِأَبِيهِ:‏ ‹يَا أَبِي،‏ أَعْطِنِي نَصِيبِي مِنَ ٱلْأَمْلَاكِ›.‏ فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ»،‏ أَيْ مُمْتَلَكَاتِهِ.‏ (‏لوقا ١٥:‏​١١،‏ ١٢‏)‏ جَدِيرٌ بِٱلْمُلَاحَظَةِ أَنَّ ٱلِٱبْنَ ٱلْأَصْغَرَ طَالَبَ بِحِصَّتِهِ فِي ٱلْمِيرَاثِ وَأَبُوهُ لَا يَزَالُ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ.‏ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَاتِهِ وَيَصْرِفَ ٱلثَّرْوَةَ عَلَى كَيْفِهِ.‏

      الابن الضال يأكل ويشرب محاطا بالنساء

      يُخْبِرُ يَسُوعُ:‏ «بَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ كَثِيرَةً،‏ جَمَعَ ٱلِٱبْنُ ٱلْأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ،‏ وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَا يَمْلِكُ عَائِشًا حَيَاةً خَلِيعَةً».‏ (‏لوقا ١٥:‏١٣‏)‏ فَعِوَضَ أَنْ يَبْقَى فِي كَنَفِ بَيْتِهِ مَعَ أَبِيهِ ٱلَّذِي يُعْنَى بِعَائِلَتِهِ وَيُؤَمِّنُ لَهُمْ عِيشَةً كَرِيمَةً،‏ غَادَرَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ.‏ وَهُنَاكَ بَذَّرَ كُلَّ مِيرَاثِهِ مُتَمَرِّغًا فِي ٱلْمَلَذَّاتِ وَٱلْفُجُورِ.‏ ثُمَّ وَقَعَ فِي ظَرْفٍ عَصِيبٍ،‏ حَسْبَمَا يُتَابِعُ يَسُوعُ:‏

      ‏«لَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ،‏ حَدَثَتْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ فِي ذٰلِكَ ٱلْبَلَدِ،‏ فَٱبْتَدَأَ يَحْتَاجُ.‏ حَتَّى إِنَّهُ ذَهَبَ وَٱلْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ مُوَاطِنِي ذٰلِكَ ٱلْبَلَدِ،‏ فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ.‏ وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنْ قُرُونِ ٱلْخَرُّوبِ ٱلَّتِي كَانَتِ ٱلْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهَا،‏ فَلَا يُعْطِيهِ أَحَدٌ شَيْئًا».‏ —‏ لوقا ١٥:‏​١٤-‏١٦‏.‏

      الابن الضال جالسا تحت شجرة يراقب الخنازير تأكل قرون الخروب

      لَقَدْ رَضِيَ هٰذَا ٱلِٱبْنُ أَنْ يَعْمَلَ رَاعِيَ خَنَازِيرَ مَعَ أَنَّهَا حَيَوَانَاتٌ نَجِسَةٌ بِحَسَبِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ.‏ وَتَضَوَّرَ جُوعًا لِدَرَجَةِ أَنَّ لُعَابَهُ كَانَ يَسِيلُ عَلَى طَعَامِ ٱلْخَنَازِيرِ ٱلَّتِي يَرْعَاهَا.‏ وَلٰكِنْ فِي خِضَمِّ بُؤْسِهِ وَإِحْبَاطِهِ،‏ «عَادَ إِلَى رُشْدِهِ».‏ فَمَاذَا قَرَّرَ أَنْ يَفْعَلَ؟‏ اِفْتَكَرَ فِي نَفْسِهِ:‏ «كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لِأَبِي يَكْثُرُ عِنْدَهُ ٱلْخُبْزُ،‏ وَأَنَا أَهْلِكُ هُنَا مِنَ ٱلْجُوعِ!‏ أَقُومُ وَأُسَافِرُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ:‏ ‹يَا أَبِي،‏ قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَإِلَيْكَ.‏ وَلَا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى ٱبْنَكَ.‏ اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ›».‏ وَبِٱلْفِعْلِ،‏ قَامَ وَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ.‏ —‏ لوقا ١٥:‏​١٧-‏٢٠‏.‏

      فَكَيْفَ تَصَرَّفَ وَالِدُهُ يَا تُرَى؟‏ هَلْ صَبَّ عَلَيْهِ جَامَ غَضَبِهِ وَعَنَّفَهُ عَلَى حَمَاقَتِهِ حِينَ تَرَكَ ٱلْبَيْتَ؟‏ هَلِ ٱسْتَقْبَلَهُ بِفُتُورٍ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِرُجُوعِهِ؟‏ مَاذَا تَفْعَلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ مَحَلَّهُ وَٱلْوَلَدُ هُوَ ٱبْنُكَ أَوْ بِنْتُكَ؟‏

      كَانَ ضَائِعًا فَوُجِدَ

      يُخْبِرُنَا يَسُوعُ عَنْ مَشَاعِرِ ٱلْأَبِ وَرَدِّ فِعْلِهِ قَائِلًا:‏ «إِذْ كَانَ [ٱلِٱبْنُ] لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا،‏ أَبْصَرَهُ أَبُوهُ فَأَشْفَقَ عَلَيْهِ،‏ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ».‏ (‏لوقا ١٥:‏٢٠‏)‏ فَقَدْ فَتَحَ ٱلْأَبُ ذِرَاعَيْهِ لِٱبْنِهِ مَعَ أَنَّهُ رُبَّمَا سَمِعَ بِحَيَاتِهِ ٱلْخَلِيعَةِ.‏ فَهَلْ يَسْتَشِفُّ ٱلْقَادَةُ ٱلْيَهُودُ،‏ ٱلَّذِينَ يَزْعَمُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ يَهْوَهَ وَيَعْبُدُونَهُ،‏ كَيْفَ يَشْعُرُ أَبُونَا ٱلسَّمَاوِيُّ حِيَالَ ٱلْخُطَاةِ ٱلتَّائِبِينَ؟‏ وَهَلْ يُدْرِكُونَ أَنَّ يَسُوعَ يَتَحَلَّى بِٱلْمَوْقِفِ نَفْسِهِ؟‏

      يُرَجَّحُ أَنَّ ٱلْأَبَ رَأَى ٱلتَّوْبَةَ وَٱلنَّدَمَ فِي مَلَامِحِ ٱبْنِهِ ٱلْحَزِينَةِ.‏ فَبَادَرَ إِلَى ٱسْتِقْبَالِهِ بِمَحَبَّةٍ سَهَّلَتْ عَلَيْهِ ٱلْإِقْرَارَ بِخَطَايَاهُ.‏ يَرْوِي يَسُوعُ:‏ «عِنْدَئِذٍ قَالَ لَهُ ٱلِٱبْنُ:‏ ‹يَا أَبِي،‏ قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَإِلَيْكَ.‏ وَلَا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى ٱبْنَكَ›».‏ —‏ لوقا ١٥:‏٢١‏.‏

      لٰكِنَّ ٱلْأَبَ أَمَرَ عَبِيدَهُ:‏ «أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا أَفْضَلَ حُلَّةٍ وَأَلْبِسُوهُ،‏ وَٱجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ وَنَعْلَيْنِ فِي قَدَمَيْهِ.‏ وَأْتُوا بِٱلْعِجْلِ ٱلْمُسَمَّنِ وَٱذْبَحُوهُ،‏ وَلْنَأْكُلْ وَنَسْتَمْتِعْ،‏ لِأَنَّ ٱبْنِي هٰذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَادَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ،‏ كَانَ ضَائِعًا فَوُجِدَ».‏ ثُمَّ «ٱبْتَدَأُوا يَسْتَمْتِعُونَ».‏ —‏ لوقا ١٥:‏​٢٢-‏٢٤‏.‏

      الاب يناشد ابنه الاكبر

      فِي هٰذِهِ ٱلْأَثْنَاءِ،‏ كَانَ ٱلِٱبْنُ ٱلْأَكْبَرُ فِي ٱلْحَقْلِ.‏ يُخْبِرُ يَسُوعُ عَنْهُ:‏ «لَمَّا جَاءَ وَٱقْتَرَبَ مِنَ ٱلْبَيْتِ،‏ سَمِعَ عَزْفَ آلَاتٍ وَرَقْصًا.‏ فَدَعَا أَحَدَ ٱلْخَدَمِ وَٱسْتَعْلَمَهُ عَمَّا يَكُونُ هٰذَا.‏ فَقَالَ لَهُ:‏ ‹قَدْ أَتَى أَخُوكَ،‏ فَذَبَحَ أَبُوكَ ٱلْعِجْلَ ٱلْمُسَمَّنَ،‏ لِأَنَّهُ ٱسْتَعَادَهُ فِي صِحَّةٍ جَيِّدَةٍ›.‏ وَلٰكِنَّهُ سَخِطَ وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَدْخُلَ.‏ فَخَرَجَ أَبُوهُ وَأَخَذَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ.‏ فَأَجَابَ وَقَالَ لِأَبِيهِ:‏ ‹هَا أَنَا أَخْدُمُكَ كَعَبْدٍ سِنِينَ كَثِيرَةً جِدًّا وَلَمْ أَتَعَدَّ وَصِيَّتَكَ قَطُّ،‏ وَمَعَ ذٰلِكَ لَمْ تُعْطِنِي قَطُّ جَدْيًا لِأَسْتَمْتِعَ مَعَ أَصْدِقَائِي.‏ وَلٰكِنْ مَا إِنْ جَاءَ ٱبْنُكَ هٰذَا ٱلَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ [أَيْ بَدَّدَ مُمْتَلَكَاتِكَ] مَعَ ٱلْعَاهِرَاتِ،‏ حَتَّى ذَبَحْتَ لَهُ ٱلْعِجْلَ ٱلْمُسَمَّنَ›».‏ —‏ لوقا ١٥:‏​٢٥-‏٣٠‏.‏

      فَمَنْ عَلَى غِرَارِ ٱلِٱبْنِ ٱلْأَكْبَرِ يَعِيبُونَ رَحْمَةَ يَسُوعَ وَٱهْتِمَامَهُ بِعَامَّةِ ٱلنَّاسِ وَٱلْخُطَاةِ؟‏ أَلَيْسُوا ٱلْكَتَبَةَ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ؟‏!‏ فَٱنْتِقَادُهُمْ يَسُوعَ عَلَى تَرْحِيبِهِ بِٱلْخُطَاةِ هُوَ مَا دَفَعَهُ إِلَى سَرْدِ هٰذَا ٱلْمَثَلِ.‏ وَٱلدَّرْسُ ٱلْمُسْتَمَدُّ مِنْهُ مُوَجَّهٌ أَيْضًا إِلَى كُلِّ مَنْ يَنْتَقِدُ رَحْمَةَ ٱللّٰهِ.‏

      يَخْتَتِمُ يَسُوعُ مَثَلَهُ بِمُنَاشَدَةِ ٱلْأَبِ ٱبْنَهُ ٱلْأَكْبَرَ:‏ «يَا وَلَدِي،‏ أَنْتَ مَعِي كُلَّ حِينٍ،‏ وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ.‏ وَلٰكِنْ كَانَ يَجِبُ أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَفْرَحَ،‏ لِأَنَّ أَخَاكَ هٰذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَادَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ،‏ وَكَانَ ضَائِعًا فَوُجِدَ».‏ —‏ لوقا ١٥:‏​٣١،‏ ٣٢‏.‏

      يَتْرُكُ يَسُوعُ قَرَارَ ٱلِٱبْنِ ٱلْأَكْبَرِ مُعَلَّقًا.‏ وَلٰكِنْ تَجْدُرُ ٱلْإِشَارَةُ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ يَسُوعَ وَقِيَامَتِهِ،‏ «أَخَذَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ ٱلْإِيمَانَ».‏ (‏اعمال ٦:‏٧‏)‏ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَيْنَهُمْ كَهَنَةً سَمِعُوا مِنْ فَمِهِ هٰذَا ٱلْمَثَلَ ٱلْمُحَرِّكَ لِلْمَشَاعِرِ.‏ فَقَدْ كَانَ ٱلْبَابُ مَفْتُوحًا حَتَّى لِهٰؤُلَاءِ أَنْ يَعُودُوا إِلَى رُشْدِهِمْ،‏ وَيَتُوبُوا،‏ وَيَرْجِعُوا إِلَى ٱللّٰهِ.‏

      وَهٰكَذَا يَتَعَلَّمُ تَلَامِيذُ يَسُوعَ أَجْمَعُونَ دُرُوسًا جَوْهَرِيَّةً مِنْ هٰذَا ٱلْمَثَلِ ٱلرَّائِعِ.‏ أَوَّلًا،‏ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ أَنْ نَبْقَى فِي كَنَفِ شَعْبِ ٱللّٰهِ تَحْتَ جَنَاحِ أَبِينَا ٱلسَّمَاوِيِّ ٱلَّذِي يُحِبُّنَا وَيُعِيلُنَا،‏ بَدَلَ أَنْ نَنْجَرَّ وَرَاءَ ٱلْمَلَذَّاتِ ٱلْمُغْرِيَةِ فِي «بَلَدٍ بَعِيدٍ».‏

      ثَانِيًا،‏ إِنْ حَدَثَ وَحِدْنَا عَنْ طَرِيقِ ٱللّٰهِ،‏ يَنْبَغِي أَنْ نَرْجِعَ إِلَيْهِ بِتَوَاضُعٍ كَيْ نَحْظَى مُجَدَّدًا بِرِضَاهُ.‏

      وَأَخِيرًا وَلَيْسَ آخِرًا،‏ نَسْتَقِي عِبْرَةً مِنَ ٱلتَّبَايُنِ ٱلصَّارِخِ بَيْنَ غُفْرَانِ ٱلْأَبِ ٱلرَّحْبِ ٱلصَّدْرِ وَمَوْقِفِ ٱبْنِهِ ٱلْأَكْبَرِ ٱلْحَاقِدِ وَٱلْبَارِدِ ٱلْإِحْسَاسِ.‏ فَعَلَيْنَا نَحْنُ خُدَّامَ ٱللّٰهِ أَنْ نُسَامِحَ وَنَأْخُذَ بِٱلْأَحْضَانِ أَيَّ أَخٍ ضَلَّ ثُمَّ تَابَ تَوْبَةً أَصِيلَةً وَرَجَعَ إِلَى ‹بَيْتِ أَبِيهِ›.‏ وَلْنُهَلِّلْ لِأَنَّهُ «كَانَ مَيِّتًا فَعَادَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ .‏ .‏ .‏ كَانَ ضَائِعًا فَوُجِدَ».‏

  • العمل بحكمة يضمن المستقبل
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • سيد غني يسرِّح وكيله من العمل

      اَلْفَصْلُ ٨٧

      اَلْعَمَلُ بِحِكْمَةٍ يَضْمَنُ ٱلْمُسْتَقْبَلَ

      لوقا ١٦:‏​١-‏١٣

      • مَثَلُ ٱلْوَكِيلِ ٱلْأَثِيمِ

      • كَسْبُ «أَصْدِقَاءَ بِٱلْمَالِ ٱلْأَثِيمِ»‏

      اِنْتَهَى يَسُوعُ مِنْ رِوَايَةِ مَثَلِ ٱلِٱبْنِ ٱلضَّالِّ عَلَى مَسْمَعِ جُبَاةِ ٱلضَّرَائِبِ وَٱلْكَتَبَةِ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ ٱللّٰهَ مُسْتَعِدٌّ لِمُسَامَحَةِ ٱلْخُطَاةِ ٱلتَّائِبِينَ.‏ (‏لوقا ١٥:‏​١-‏٧،‏ ١١‏)‏ وَٱلْآنَ يُوَجِّهُ ٱلْحَدِيثَ إِلَى تَلَامِيذِهِ.‏ فَيُعْطِي مَثَلًا آخَرَ عَنْ رَجُلٍ غَنِيٍّ يَكْتَشِفُ أَنَّ مُدَبِّرَ بَيْتِهِ،‏ أَيْ وَكِيلَهُ،‏ لَا يُحْسِنُ ٱلتَّصَرُّفَ.‏

      ١-‏ الوكيل يخطط ماذا يفعل؛‏ ٢-‏ الوكيل يخفِّض قيمة ما استدانه رجل من سيده

      يُخْبِرُ يَسُوعُ أَنَّ ٱلْوَكِيلَ يُتَّهَمُ بِإِسَاءَةِ إِدَارَةِ ٱلْأَمْوَالِ ٱلْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا.‏ لِذَا يُقَرِّرُ ٱلسَّيِّدُ تَسْرِيحَهُ مِنَ ٱلْعَمَلِ.‏ فَيَحْتَارُ ٱلْوَكِيلُ فِي أَمْرِهِ وَيُفَكِّرُ:‏ «مَاذَا أَفْعَلُ،‏ وَسَيِّدِي يَنْزِعُ عَنِّي ٱلْوِكَالَةَ؟‏ فَأَنَا لَسْتُ قَوِيًّا كِفَايَةً لِأَنْقُبَ،‏ وَأَخْجَلُ أَنْ أَتَسَوَّلَ».‏ وَيَقُولُ مُتَحَسِّبًا لِمَا يَكْمُنُ أَمَامَهُ:‏ «عَرَفْتُ مَاذَا أَفْعَلُ،‏ حَتَّى مَتَى خُلِعْتُ عَنِ ٱلْوِكَالَةِ يَقْبَلُونَنِي فِي بُيُوتِهِمْ».‏ فَيَسْتَدْعِي فَوْرًا مَدْيُونِي رَبِّ عَمَلِهِ وَيَسْأَلُ كُلًّا مِنْهُمْ:‏ «كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟‏».‏ —‏ لوقا ١٦:‏​٣-‏٥‏.‏

      فَيُجِيبُ ٱلْمَدْيُونُ ٱلْأَوَّلُ،‏ ٱلَّذِي رُبَّمَا يَمْلِكُ بَسَاتِينَ زَيْتُونٍ شَاسِعَةً أَوْ يُتَاجِرُ بِٱلزَّيْتِ،‏ أَنَّ دَيْنَهُ يَبْلُغُ «مِئَةَ بَثٍّ مِنْ زَيْتِ ٱلزَّيْتُونِ»،‏ أَيْ مَا يُعَادِلُ ٢٠٠‏,٢ لِتْرٍ.‏ فَيَقُولُ لَهُ ٱلْوَكِيلُ:‏ «خُذْ صَكَّكَ وَٱجْلِسْ وَٱكْتُبْ سَرِيعًا خَمْسِينَ»،‏ أَيْ ١٠٠‏,١ لِتْرٍ.‏ —‏ لوقا ١٦:‏٦‏.‏

      ثُمَّ يَسْأَلُ آخَرَ:‏ «وَأَنْتَ،‏ كَمْ عَلَيْكَ؟‏».‏ فَيُجِيبُ:‏ «مِئَةُ كُرٍّ مِنَ ٱلْحِنْطَةِ»،‏ أَيْ مَا يُعَادِلُ ٠٠٠‏,٢٢ لِتْرٍ جَافٍّ.‏ فَيَقُولُ لَهُ ٱلْوَكِيلُ:‏ «خُذْ صَكَّكَ وَٱكْتُبْ ثَمَانِينَ»،‏ مُخَفِّضًا قِيمَةَ ٱلدَّيْنِ بِنِسْبَةِ ٢٠ فِي ٱلْمِئَةِ.‏ —‏ لوقا ١٦:‏٧‏.‏

      لَقَدْ تَصَرَّفَ ٱلْوَكِيلُ هٰكَذَا لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْؤُولًا عَنْ شُؤُونِ سَيِّدِهِ ٱلْمَالِيَّةِ،‏ وَلَدَيْهِ صَلَاحِيَّةٌ إِلَى حَدٍّ مَا أَنْ يَشْطُبَ جُزْءًا مِنَ ٱلْقُرُوضِ.‏ وَهُوَ بِذٰلِكَ يَكْسِبُ أَصْدِقَاءَ قَدْ يَرُدُّونَ لَهُ ٱلْمَعْرُوفَ حِينَ يَخْسَرُ وَظِيفَتَهُ.‏

      يَعْلَمُ ٱلسَّيِّدُ بِمَا حَصَلَ.‏ وَمَعَ أَنَّهُ تَكَبَّدَ ٱلْخَسَائِرَ،‏ يُعْجَبُ بِٱلْوَكِيلِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ؛‏ فَقَدْ «عَمِلَ بِحِكْمَةٍ» رَغْمَ أَنَّهُ «أَثِيمٌ».‏ وَيُضِيفُ يَسُوعُ:‏ «أَبْنَاءُ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ هٰذَا هُمْ مِنْ جِهَةِ جِيلِهِمْ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ ٱلنُّورِ».‏ —‏ لوقا ١٦:‏٨‏.‏ 

      فَمَا قَصْدُهُ؟‏ طَبْعًا،‏ إِنَّهُ لَا يَغُضُّ ٱلطَّرْفَ عَنْ أَسَالِيبِ ٱلْوَكِيلِ ٱلْمُلْتَوِيَةِ وَلَا يُشَجِّعُ عَلَى ٱلِٱحْتِيَالِ وَٱلْغِشِّ فِي ٱلتَّعَامُلَاتِ ٱلتِّجَارِيَّةِ.‏ بَلْ يَحُثُّ تَلَامِيذَهُ:‏ «اِصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِٱلْمَالِ ٱلْأَثِيمِ،‏ حَتَّى مَتَى نَفِدَ هٰذَا يَقْبَلُونَكُمْ فِي ٱلْمَسَاكِنِ ٱلْأَبَدِيَّةِ».‏ (‏لوقا ١٦:‏٩‏)‏ إِذًا،‏ يَنْبَغِي ٱلتَّحَلِّي بِبُعْدِ ٱلنَّظَرِ وَٱلْعَمَلُ بِحِكْمَةٍ.‏ فَعَلَيْنَا نَحْنُ خُدَّامَ ٱللّٰهِ،‏ «أَبْنَاءَ ٱلنُّورِ»،‏ أَنْ نَكُونَ حُكَمَاءَ فِي ٱسْتِخْدَامِ مَوَارِدِنَا ٱلْمَادِّيَّةِ وَٱلْمُسْتَقْبَلُ ٱلْأَبَدِيُّ نُصْبُ أَعْيُنِنَا.‏

      وَبِمَا أَنَّ لَا أَحَدَ سِوَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ وَٱبْنِهِ يَقْبَلُنَا فِي ٱلْمَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوِيِّ أَوِ ٱلْفِرْدَوْسِ ٱلْأَرْضِيِّ فِي ظِلِّ هٰذَا ٱلْمَلَكُوتِ،‏ يَجِبُ أَنْ نَبْذُلَ قُصَارَى جُهْدِنَا لِنُقَوِّيَ أَوَاصِرَ ٱلصَّدَاقَةِ مَعَهُمَا،‏ وَذٰلِكَ بِتَوْظِيفِ مُقْتَنَيَاتِنَا ٱلْمَادِّيَّةِ لِدَعْمِ مَصَالِحِ ٱلْمَلَكُوتِ.‏ فَعِنْدَئِذٍ،‏ نَضْمَنُ مُسْتَقْبَلَنَا ٱلْأَبَدِيَّ حِينَ يَنْفَدُ ٱلذَّهَبُ وَٱلْفِضَّةُ وَٱلثَّرَوَاتُ ٱلْأُخْرَى وَلَا يَعُودُ لَهَا أَيُّ نَفْعٍ.‏

      وَيُخْبِرُ يَسُوعُ أَنَّ ٱلْأُمَنَاءَ فِي ٱلتَّصَرُّفِ بِأَمْوَالِهِمْ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ سَيُظْهِرُونَ أَمَانَتَهُمْ أَيْضًا فِي ٱلْمَسَائِلِ ٱلْأَهَمِّ.‏ يَسْأَلُ:‏ «إِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي ٱلْمَالِ ٱلْأَثِيمِ،‏ فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى ٱلْمَالِ ٱلْحَقِّ [كَمَصَالِحِ ٱلْمَلَكُوتِ]؟‏».‏ —‏ لوقا ١٦:‏١١‏.‏

      ثُمَّ يُظْهِرُ أَنَّ عَلَى تَلَامِيذِهِ فِعْلَ ٱلْكَثِيرِ كَيْ يُقْبَلُوا «فِي ٱلْمَسَاكِنِ ٱلْأَبَدِيَّةِ».‏ فَٱلْمَرْءُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ خَادِمًا حَقِيقِيًّا لِلّٰهِ وَفِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ عَبْدًا لِلْمَالِ ٱلْأَثِيمِ.‏ يَخْتَتِمُ قَائِلًا:‏ «لَا يَسْتَطِيعُ خَادِمُ بَيْتٍ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِرَبَّيْنِ،‏ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ ٱلْوَاحِدَ وَيُحِبَّ ٱلْآخَرَ،‏ أَوْ يَلْتَصِقَ بِٱلْوَاحِدِ وَيَحْتَقِرَ ٱلْآخَرَ.‏ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَكُونُوا عَبِيدًا لِلّٰهِ وَلِلْمَالِ».‏ —‏ لوقا ١٦:‏​٩،‏ ١٣‏.‏

  • انقلاب الادوار بين الغني ولعازر
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • كلب يلحس قروح لعازر

      اَلْفَصْلُ ٨٨

      اِنْقِلَابُ ٱلْأَدْوَارِ بَيْنَ ٱلْغَنِيِّ وَلِعَازَرَ

      لوقا ١٦:‏​١٤-‏٣١

      • مَثَلُ ٱلْغَنِيِّ وَلِعَازَرَ

      إِنَّ مَشُورَةَ يَسُوعَ ٱلْقَيِّمَةَ حَوْلَ ٱسْتِخْدَامِ ٱلْمُمْتَلَكَاتِ ٱلْمَادِّيَّةِ لَا تَخُصُّ تَلَامِيذَهُ فَقَطْ.‏ فَبَيْنَ ٱلْحُضُورِ فَرِّيسِيُّونَ «مُحِبُّونَ لِلْمَالِ» أَجْدَرُ بِهِمْ أَنْ يَحْمِلُوا هٰذَا ٱلنُّصْحَ مَحْمَلَ ٱلْجِدِّ.‏ لٰكِنَّهُمْ عِوَضَ ذٰلِكَ «يَضْحَكُونَ مُسْتَهْزِئِينَ» بِيَسُوعَ.‏ —‏ لوقا ١٥:‏٢؛‏ ١٦:‏​١٣،‏ ١٤‏.‏

      غَيْرَ أَنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى رَبَاطَةِ جَأْشِهِ وَيَقُولُ:‏ «أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تُبَرِّرُونَ أَنْفُسَكُمْ أَمَامَ ٱلنَّاسِ،‏ وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ يَعْرِفُ قُلُوبَكُمْ،‏ لِأَنَّ مَا هُوَ شَامِخٌ بَيْنَ ٱلنَّاسِ هُوَ رِجْسٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ».‏ —‏ لوقا ١٦:‏١٥‏.‏

      فَلَطَالَمَا رَفَّعَ ٱلنَّاسُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَأَعْطَوْهُمْ مَجْدًا.‏ لٰكِنَّ ٱلْأَحْوَالَ سَتَنْقَلِبُ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ.‏ ‹فَٱلشَّامِخُونَ› ٱلَّذِينَ هُمْ أَغْنِيَاءُ مَادِّيًّا وَنَافِذُونَ سِيَاسِيًّا وَدِينِيًّا سَيُوضَعُونَ وَيُعَانُونَ ٱلذُّلَّ.‏ أَمَّا عَامَّةُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ يَشْعُرُونَ بِحَاجَتِهِمِ ٱلرُّوحِيَّةِ فَيُرْفَعُونَ.‏ وَيُظْهِرُ يَسُوعُ أَنَّ هٰذَا ٱلتَّغْيِيرَ ٱلْجَذْرِيَّ يَأْخُذُ مَجْرَاهُ،‏ قَائِلًا:‏

      ‏«كَانَتِ ٱلشَّرِيعَةُ وَٱلْأَنْبِيَاءُ إِلَى يُوحَنَّا.‏ وَمُنْذُ ذٰلِكَ ٱلْحِينِ يُبَشَّرُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ،‏ وَشَتَّى ٱلنَّاسِ يَسْعَوْنَ بِعَزْمٍ نَحْوَهُ.‏ وَإِنَّهُ لَأَسْهَلُ أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ مِنْ أَنْ يَمْضِيَ جُزْءٌ مِنْ حَرْفٍ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ دُونَ إِتْمَامٍ».‏ (‏لوقا ٣:‏١٨؛‏ ١٦:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ وَلٰكِنْ أَيْنَ ٱلتَّغْيِيرُ فِي هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ؟‏

      يَزْعَمُ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ ٱلْيَهُودُ بِتَعَالٍ أَنَّهُمْ يَحْفَظُونَ شَرِيعَةَ مُوسَى بِدِقَّةٍ.‏ فَعِنْدَمَا رَدَّ يَسُوعُ بَصَرَ رَجُلٍ فِي أُورُشَلِيمَ،‏ تَبَجَّحُوا قَائِلِينَ:‏ ‹نَحْنُ تَلَامِيذُ مُوسَى.‏ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ ٱللّٰهَ كَلَّمَ مُوسَى›.‏ (‏يوحنا ٩:‏​١٣،‏ ٢٨،‏ ٢٩‏)‏ إِلَّا أَنَّ أَحَدَ أَهْدَافِ شَرِيعَةِ مُوسَى أَنْ تَقُودَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ إِلَى ٱلْمَسِيَّا،‏ أَيْ يَسُوعَ.‏ وَيُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ قَدَّمَهُ إِلَى ٱلنَّاسِ عَلَى أَنَّهُ حَمَلُ ٱللّٰهِ.‏ (‏يوحنا ١:‏​٢٩-‏٣٤‏)‏ وَمُذْ بَدَأَ يُوحَنَّا خِدْمَتَهُ وَٱلْيَهُودُ ٱلْمُتَوَاضِعُونَ،‏ وَلَا سِيَّمَا ٱلْفُقَرَاءُ،‏ يَسْمَعُونَ «بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».‏ ‹فَٱلْبِشَارَةُ› عَنْهُ يُنَادَى بِهَا لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَوَدُّونَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ رَعَايَاهُ وَيَنْعَمُوا بِٱلْبَرَكَاتِ فِي ظِلِّهِ.‏

      وَهَلْ تَمَّمَتِ ٱلشَّرِيعَةُ ٱلْمُوسَوِيَّةُ ٱلْقَصْدَ مِنْهَا؟‏ طَبْعًا،‏ فَقَدْ قَادَتِ ٱلنَّاسَ إِلَى ٱلْمَسِيَّا.‏ وَعَمَّا قَرِيبٍ تَنْتَفِي ٱلْحَاجَةُ إِلَى ٱلْعَمَلِ بِهَا.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ سَمَحَتِ ٱلشَّرِيعَةُ بِٱلطَّلَاقِ لِأَسْبَابٍ شَتَّى،‏ إِلَّا أَنَّ يَسُوعَ يَذْكُرُ ٱلْآنَ:‏ «كُلُّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَتَزَوَّجَ أُخْرَى زَنَى،‏ وَمَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً مِنْ زَوْجِهَا زَنَى».‏ (‏لوقا ١٦:‏١٨‏)‏ وَلَا بُدَّ أَنَّ تَصْرِيحَاتٍ كَهٰذِهِ تُثِيرُ سُخْطَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلْمُتَشَدِّدِينَ.‏

      وَإِبْرَازًا لِضَخَامَةِ ٱلتَّغْيِيرِ ٱلْحَاصِلِ،‏ يُعْطِي يَسُوعُ مَثَلًا عَنْ رَجُلَيْنِ تَنْعَكِسُ أَحْوَالُهُمَا بِكُلِّ مَعْنَى ٱلْكَلِمَةِ.‏ وَجَدِيرٌ بِٱلْإِشَارَةِ أَنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلشَّامِخِينَ ٱلْمُحِبِّينَ لِلْمَالِ لَا يَزَالُونَ بَيْنَ ٱلْحُضُورِ.‏

      رجل غني لابس الارجوان يطل من نافذته

      يَرْوِي يَسُوعُ:‏ «كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ ٱلْأُرْجُوَانَ وَٱلْكَتَّانَ،‏ وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِبَذْخٍ كُلَّ يَوْمٍ.‏ وَكَانَ مُتَسَوِّلٌ ٱسْمُهُ لِعَازَرُ يُوضَعُ عِنْدَ بَابِهِ،‏ وَهُوَ مَلْآنٌ قُرُوحًا وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِمَّا يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ ٱلْغَنِيِّ.‏ بَلْ كَانَتِ ٱلْكِلَابُ أَيْضًا تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ».‏ —‏ لوقا ١٦:‏​١٩-‏٢١‏.‏

      بِمَا أَنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ مَهْوُوسُونَ بِٱلْمَالِ،‏ أَفَلَيْسَ وَاضِحًا وُضُوحَ ٱلشَّمْسِ مَنْ يَقْصِدُ يَسُوعُ بِهٰذَا «ٱلْغَنِيِّ»؟‏!‏ فَهُمْ يَتَبَهْرَجُونَ بِثِيَابٍ فَاخِرَةٍ بَاهِظَةِ ٱلثَّمَنِ.‏ وَزِيَادَةً عَلَى ثَرَائِهِمِ ٱلْمَادِّيِّ،‏ يَبْدُونَ أَغْنِيَاءَ بِٱلِٱمْتِيَازَاتِ ٱلرُّوحِيَّةِ.‏ لِذَا فَإِنَّ تَشْبِيهَهُمْ بِرَجُلٍ لَابِسٍ أُرْجُوَانًا مَلَكِيًّا يَدُلُّ عَلَى جَاهِهِمْ وَبُرُوزِهِمْ،‏ أَمَّا ٱلْكَتَّانُ ٱلْأَبْيَضُ فَعَلَى بِرِّهِمِ ٱلْمُفْرِطِ.‏ —‏ دانيال ٥:‏٧‏.‏

      وَكَيْفَ يَنْظُرُ هٰؤُلَاءِ ٱلْقَادَةُ ٱلْأَثْرِيَاءُ ٱلْمُتَكَبِّرُونَ إِلَى عَامَّةِ ٱلنَّاسِ ٱلْفُقَرَاءِ؟‏ نَظْرَةَ ٱزْدِرَاءٍ مُعْتَبِرِينَهُمْ عام هاآريص،‏ أَيْ شَعْبَ ٱلْأَرْضِ،‏ أُنَاسًا لَا يَعْرِفُونَ ٱلشَّرِيعَةَ وَلَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا.‏ (‏يوحنا ٧:‏٤٩‏)‏ وَهٰذَا يُجَسِّدُ حَالَةَ ‹ٱلْمُتَسَوِّلِ لِعَازَرَ› ٱلَّذِي يَتَمَنَّى أَنْ يَسُدَّ رَمَقَهُ بِٱلْفُتَاتِ ٱلسَّاقِطِ «مِنْ مَائِدَةِ ٱلْغَنِيِّ».‏ وَهُوَ مُغَطًّى بِٱلْقُرُوحِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ يَنْظُرُونَ إِلَى ٱلْعَامَّةِ بِعَيْنِ ٱلِٱحْتِقَارِ،‏ كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ مَرْضَى رُوحِيًّا.‏

      إِنَّ هٰذَا ٱلْوَضْعَ ٱلْمُزْرِيَ مُسْتَمِرٌّ مُنْذُ فَتْرَةٍ مِنَ ٱلْوَقْتِ.‏ وَلٰكِنْ آنَ ٱلْأَوَانُ لِحُدُوثِ تَبَدُّلٍ جَوْهَرِيٍّ فِي حَالَةِ ٱلْمُشَبَّهِينَ بِٱلْغَنِيِّ وَلِعَازَرَ عَلَى ٱلسَّوَاءِ.‏

      كَيْفَ تَتَغَيَّرُ ٱلْأَحْوَالُ

      لعازر الى جانب ابراهيم

      يُتَابِعُ يَسُوعُ وَاصِفًا كَيْفَ تَنْقَلِبُ ٱلْأَحْوَالُ:‏ «ثُمَّ مَاتَ ٱلْمُتَسَوِّلُ فَحَمَلَتْهُ ٱلْمَلَائِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ.‏ وَمَاتَ ٱلْغَنِيُّ أَيْضًا فَدُفِنَ.‏ وَفِي هَادِسَ [أَيِ ٱلْقَبْرِ] رَفَعَ عَيْنَيْهِ،‏ وَهُوَ فِي ٱلْعَذَابِ،‏ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ».‏ —‏ لوقا ١٦:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏

      يَعْرِفُ مُسْتَمِعُو يَسُوعَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ فِي ٱلْقَبْرِ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ.‏ وَتُظْهِرُ ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ بِوُضُوحٍ أَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ فِي ٱلْقَبْرِ،‏ أَيْ شِيُولَ أَوْ هَادِسَ،‏ بِمَقْدُورِهِ أَنْ يَرَى أَوْ يَتَكَلَّمَ،‏ وَلَا حَتَّى إِبْرَاهِيمَ.‏ (‏جامعة ٩:‏​٥،‏ ١٠‏)‏ إِذًا،‏ كَيْفَ يَفْهَمُ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ قَصْدَ يَسُوعَ مِنَ ٱلْمَثَلِ؟‏ وَمَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُوضِحَ بِشَأْنِهِمْ هُمْ وَعَامَّةِ ٱلشَّعْبِ؟‏

      أَشَارَ يَسُوعُ مُنْذُ هُنَيْهَةٍ إِلَى تَغْيِيرٍ يَحْدُثُ حِينَ قَالَ إِنَّ ‹ٱلشَّرِيعَةَ وَٱلْأَنْبِيَاءَ كَانُوا إِلَى يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ.‏ وَلٰكِنْ مُنْذُ ذٰلِكَ ٱلْحِينِ يُبَشَّرُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ›.‏ إِذًا،‏ مِنْ خِلَالِ كِرَازَةِ يُوحَنَّا وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ،‏ «يَمُوتُ» لِعَازَرُ وَٱلْغَنِيُّ بِمَعْنَى أَنَّ وَضْعَهُمَا ٱلسَّابِقَ يَنْتَهِي وَيُصْبِحَانِ فِي حَالَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ ٱللّٰهِ.‏

      فَٱلْمُتَّضِعُونَ وَٱلْفُقَرَاءُ عَانَوُا ٱلْحِرْمَانَ ٱلرُّوحِيَّ فَتْرَةً طَوِيلَةً.‏ لٰكِنَّهُمُ ٱلْآنَ يَنَالُونَ ٱلْمُسَاعَدَةَ،‏ إِذْ يَتَجَاوَبُونَ مَعَ رِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ ٱلَّتِي نَادَى بِهَا يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ أَوَّلًا وَمِنْ ثُمَّ يَسُوعُ.‏ فَفِي ٱلسَّابِقِ،‏ ٱضْطُرُّوا أَنْ يَكْتَفُوا بِٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي «يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ» ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ ٱلرُّوحِيَّةِ.‏ أَمَّا حَالِيًّا فَيَتَغَذَّوْنَ بِٱلْحَقَائِقِ ٱلْقَيِّمَةِ مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ،‏ وَخُصُوصًا ٱلَّتِي يُعَلِّمُهَا يَسُوعُ.‏ لِذَا يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّهُمْ يَنْعَمُونَ بِحُظْوَةٍ فِي نَظَرِ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ.‏

      مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى،‏ يَرْفُضُ صَفُّ ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ ٱلْأَغْنِيَاءِ ٱلنَّافِذِينَ رِسَالَةَ ٱلْمَلَكُوتِ ٱلَّتِي أَعْلَنَهَا يُوحَنَّا وَيُبَشِّرُ بِهَا يَسُوعُ فِي طُولِ ٱلْبِلَادِ وَعَرْضِهَا.‏ (‏متى ٣:‏​١،‏ ٢؛‏ ٤:‏١٧‏)‏ حَتَّى إِنَّ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةَ تُغِيظُهُمْ،‏ بَلْ تُعَذِّبُهُمْ،‏ لِأَنَّهَا تُشِيرُ أَنَّ ٱللّٰهَ سَيُنْزِلُ بِهِمْ دَيْنُونَةً قَاسِيَةً.‏ (‏متى ٣:‏​٧-‏١٢‏)‏ لِذَا يَتَمَنَّوْنَ لَوْ يُخَفِّفُ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ مِنْ حِدَّةِ رِسَالَتِهِمْ.‏ إِنَّهُمْ كَٱلْغَنِيِّ فِي ٱلْمَثَلِ ٱلَّذِي يَطْلُبُ:‏ «يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ،‏ ٱرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَغْمِسَ طَرَفَ إِصْبَعِهِ فِي ٱلْمَاءِ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي،‏ لِأَنِّي فِي كَرْبٍ فِي هٰذِهِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ‏».‏ —‏ لوقا ١٦:‏٢٤‏.‏

      الانسان الغني يتعذب بالنار

      لٰكِنَّ هٰذَا مُحَالٌ؛‏ فَمُعْظَمُهُمْ لَنْ يَتَغَيَّرُوا.‏ فَقَدْ سَبَقُوا وَأَبَوُا ‹ٱلسَّمَاعَ لِمُوسَى وَٱلْأَنْبِيَاءِ› ٱلَّذِينَ دَوَّنُوا كِتَابَاتٍ يُفْتَرَضُ أَنْ تَحْمِلَهُمْ عَلَى قُبُولِ يَسُوعَ بِوَصْفِهِ ٱلْمَسِيَّا وَٱلْمَلِكَ ٱلْمُعَيَّنَ مِنَ ٱللّٰهِ.‏ (‏لوقا ١٦:‏​٢٩،‏ ٣١؛‏ غلاطية ٣:‏٢٤‏)‏ هٰذَا وَإِنَّهُمْ لَا يَتَوَاضَعُونَ وَيَقْتَنِعُونَ بِكَلَامِ ٱلتَّلَامِيذِ ٱلْمُتَّضِعِينَ ٱلَّذِينَ يَقْبَلُونَ يَسُوعَ وَيَنْعَمُونَ بِٱلرِّضَى ٱلْإِلٰهِيِّ.‏ وَٱلتَّلَامِيذُ مِنْ جِهَتِهِمْ لَنْ يُسَايِرُوا عَلَى حِسَابِ ٱلْحَقِّ أَوْ يُخَفِّفُوهُ لِمُجَرَّدِ إِرْضَاءِ ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ أَوْ إِرَاحَتِهِمْ.‏ وَفِي ٱلْمَثَلِ،‏ يَصِفُ يَسُوعُ هٰذَا ٱلْوَاقِعَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلَّتِي يَقُولُهَا ‹ٱلْأَبُ إِبْرَاهِيمُ› لِلْغَنِيِّ:‏

      ‏«يَا وَلَدِي،‏ ٱذْكُرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ كَامِلًا فِي حَيَاتِكَ،‏ وَلِعَازَرُ نَالَ ٱلْأَذَى.‏ وَلٰكِنَّهُ ٱلْآنَ يَتَعَزَّى هُنَا،‏ أَمَّا أَنْتَ فَفِي كَرْبٍ.‏ وَفَوْقَ هٰذَا كُلِّهِ،‏ فَقَدْ أُثْبِتَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ،‏ حَتَّى إِنَّ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ هُنَا إِلَيْكُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ،‏ وَلَا ٱلَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يُمْكِنُ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنَا».‏ —‏ لوقا ١٦:‏​٢٥،‏ ٢٦‏.‏

      القادة الدينيون اليهود مغتاظون من يسوع

      فِعْلًا،‏ هٰذَا ٱلتَّغْيِيرُ عَادِلٌ وَفِي مَحَلِّهِ.‏ فَثَمَّةَ تَبَادُلٌ فِي ٱلْمَرَاكِزِ،‏ إِنْ جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ،‏ بَيْنَ ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ وَٱلْأَشْخَاصِ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ ٱلَّذِينَ يَقْبَلُونَ نِيرَ يَسُوعَ فَيَنْتَعِشُونَ وَيَشْبَعُونَ رُوحِيًّا.‏ (‏متى ١١:‏​٢٨-‏٣٠‏)‏ وَتَتَّضِحُ مَعَالِمُ هٰذَا ٱلتَّغْيِيرِ أَكْثَرَ بَعْدَ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ حِينَ يَحِلُّ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ مَحَلَّ عَهْدِ ٱلشَّرِيعَةِ.‏ (‏ارميا ٣١:‏​٣١-‏٣٣؛‏ كولوسي ٢:‏١٤؛‏ عبرانيين ٨:‏​٧-‏١٣‏)‏ وَعِنْدَمَا يَسْكُبُ ٱللّٰهُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَوْمَ ٱلْخَمْسِينَ سَنَةَ ٣٣ ب‌م،‏ سَيَتَبَيَّنُ كَٱلشَّمْسِ فِي وَضَحِ ٱلنَّهَارِ أَنَّ مَنْ يَحْظَوْنَ بِرِضَاهُ هُمْ تَلَامِيذُ يَسُوعَ،‏ لَا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَحُلَفَاؤُهُمُ ٱلدِّينِيُّونَ.‏

  • في الطريق من بيريا الى اليهودية
    يسوع:‏ الطريق والحق والحياة
    • مبعوث يخبر يسوع ان لعازر مريض

      اَلْفَصْلُ ٨٩

      فِي ٱلطَّرِيقِ مِنْ بِيرْيَا إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ

      لوقا ١٧:‏​١-‏١٠ يوحنا ١١:‏​١-‏١٦

      • إِعْثَارُ ٱلْآخَرِينَ مَسْأَلَةٌ خَطِيرَةٌ

      • اَلْمُسَامَحَةُ وَٱلْإِيمَانُ

      أَمْضَى يَسُوعُ فَتْرَةً مِنَ ٱلْوَقْتِ فِي مِنْطَقَةِ بِيرْيَا «عَبْرَ ٱلْأُرْدُنِّ».‏ (‏يوحنا ١٠:‏٤٠‏)‏ وَيَهُمُّ ٱلْآنَ بِٱلذَّهَابِ جَنُوبًا صَوْبَ أُورُشَلِيمَ.‏

      لٰكِنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِمُفْرَدِهِ،‏ بَلْ مَعَهُ تَلَامِيذُهُ وَ «جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ» بَيْنَهُمْ جُبَاةُ ضَرَائِبَ وَخُطَاةٌ.‏ (‏لوقا ١٤:‏٢٥؛‏ ١٥:‏١‏)‏ وَهُنَاكَ أَيْضًا فَرِّيسِيُّونَ وَكَتَبَةٌ يَنْتَقِدُونَهُ فِي كُلِّ شَارِدَةٍ وَوَارِدَةٍ،‏ عِوَضَ أَنْ يَتَأَمَّلُوا فِي مَغْزَى أَمْثَالِهِ عَنِ ٱلْخَرُوفِ ٱلضَّائِعِ وَٱلِٱبْنِ ٱلضَّالِّ وَٱلْغَنِيِّ وَلِعَازَرَ.‏ —‏ لوقا ١٥:‏٢؛‏ ١٦:‏١٤‏.‏

      وَفِي ٱلطَّرِيقِ،‏ يُخَاطِبُ تَلَامِيذَهُ وَهُوَ يُفَكِّرُ رُبَّمَا فِي ٱنْتِقَادَاتِ مُقَاوِمِيهِ وَٱسْتِهْزَائِهِمْ.‏ فَيَتَنَاوَلُ نِقَاطًا سَبَقَ وَعَلَّمَهَا فِي ٱلْجَلِيلِ.‏

      يَقُولُ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ:‏ «لَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ ٱلْمَعَاثِرُ.‏ وَلٰكِنْ،‏ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ!‏ .‏ .‏ .‏ اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ.‏ إِذَا ٱرْتَكَبَ أَخُوكَ خَطِيَّةً فَٱنْتَهِرْهُ،‏ وَإِذَا تَابَ فَٱغْفِرْ لَهُ.‏ وَإِذَا أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ،‏ قَائِلًا:‏ ‹أَنَا تَائِبٌ›،‏ يَجِبُ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ».‏ (‏لوقا ١٧:‏​١-‏٤‏)‏ وَلَعَلَّ ٱلْعِبَارَةَ ٱلْأَخِيرَةَ تُذَكِّرُ بُطْرُسَ بِسُؤَالِهِ سَابِقًا عَنِ ٱلْغُفْرَانِ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ.‏ —‏ متى ١٨:‏٢١‏.‏

      وَمَاذَا يُسَاعِدُ ٱلتَّلَامِيذَ عَلَى تَطْبِيقِ كَلَامِ يَسُوعَ؟‏ يَطْلُبُونَ قَائِلِينَ:‏ «زِدْنَا إِيمَانًا».‏ فَيُؤَكِّدُ لَهُمْ:‏ «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ بِمِقْدَارِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ،‏ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِشَجَرَةِ ٱلتُّوتِ هٰذِهِ:‏ ‹اِنْقَلِعِي مِنْ أَصْلِكِ وَٱنْغَرِسِي فِي ٱلْبَحْرِ!‏›،‏ فَتُطِيعُكُمْ».‏ (‏لوقا ١٧:‏​٥،‏ ٦‏)‏ فِعْلًا،‏ ذَرَّةُ إِيمَانٍ تَفْعَلُ ٱلْعَظَائِمَ.‏

      ثُمَّ يُتَابِعُ مُشَدِّدًا عَلَى أَهَمِّيَّةِ أَنْ يَنْظُرَ ٱلْمَرْءُ إِلَى نَفْسِهِ بِتَوَاضُعٍ وَٱتِّزَانٍ.‏ فَيُخْبِرُ رُسُلَهُ:‏ «مَنْ مِنْكُمْ لَهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى،‏ يَقُولُ لَهُ مَتَى دَخَلَ مِنَ ٱلْحَقْلِ:‏ ‹تَعَالَ فِي ٱلْحَالِ وَٱتَّكِئْ إِلَى ٱلْمَائِدَةِ›؟‏ أَلَا يَقُولُ لَهُ بِٱلْأَحْرَى:‏ ‹أَعِدَّ لِي مَا أَتَعَشَّى،‏ وَٱتَّزِرْ وَٱخْدُمْنِي حَتَّى إِذَا مَا فَرَغْتُ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ تَأْكُلُ أَنْتَ وَتَشْرَبُ›؟‏ أَيَشْعُرُ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فَضْلًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُوكِلَ إِلَيْهِ؟‏ هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا،‏ مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُوكِلَ إِلَيْكُمْ،‏ فَقُولُوا:‏ ‹نَحْنُ عَبِيدٌ لَا نَصْلُحُ لِشَيْءٍ.‏ قَدْ فَعَلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ›».‏ —‏ لوقا ١٧:‏​٧-‏١٠‏.‏

      فَعَلَى كُلِّ عَابِدٍ لِلّٰهِ أَنْ يُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ وَضْعِ ٱلْمَصَالِحِ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلْمَقَامِ ٱلْأَوَّلِ.‏ وَلْيُبْقِ فِي بَالِهِ أَيْضًا أَنَّ عِبَادَةَ ٱللّٰهِ كَوَاحِدٍ مِنْ خَدَمِ بَيْتِهِ لَٱمْتِيَازٌ رَفِيعٌ.‏

      بُعَيْدَ ذٰلِكَ كَمَا يَبْدُو،‏ يَصِلُ مَبْعُوثٌ مِنْ قِبَلِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا ٱللَّتَيْنِ تَعِيشَانِ مَعَ أَخِيهِمَا لِعَازَرَ فِي بَيْتَ عَنْيَا بِٱلْيَهُودِيَّةِ.‏ فَيُخْبِرُ يَسُوعَ:‏ «يَا رَبُّ،‏ هَا إِنَّ ٱلَّذِي تُكِنُّ لَهُ مَوَدَّةً مَرِيضٌ».‏ —‏ يوحنا ١١:‏​١-‏٣‏.‏

      وَمَعَ أَنَّ ٱلْخَبَرَ يَخُصُّ صَدِيقَهُ ٱلْعَزِيزَ لِعَازَرَ،‏ لَا يَدَعُ يَسُوعُ ٱلْحُزْنَ يَشُلُّهُ بَلْ يَذْكُرُ:‏ «هٰذَا ٱلْمَرَضُ لَا يَؤُولُ إِلَى ٱلْمَوْتِ،‏ بَلْ هُوَ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ،‏ لِكَيْ يَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ».‏ فَيَبْقَى حَيْثُ هُوَ يَوْمَيْنِ،‏ ثُمَّ يَقُولُ لِتَلَامِيذِهِ:‏ «لِنَذْهَبْ ثَانِيَةً إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ».‏ لٰكِنَّهُمْ يَعْتَرِضُونَ:‏ «رَابِّي،‏ قَبْلَ قَلِيلٍ كَانَ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ،‏ أَفَتَذْهَبُ ثَانِيَةً إِلَى هُنَاكَ؟‏».‏ —‏ يوحنا ١١:‏​٤،‏ ٧،‏ ٨‏.‏

      فَيُجِيبُهُمْ:‏ «أَلَيْسَ ٱلنَّهَارُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً؟‏ إِنْ مَشَى أَحَدٌ فِي ٱلنَّهَارِ لَا يَصْطَدِمُ بِشَيْءٍ،‏ لِأَنَّهُ يَرَى نُورَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ.‏ وَلٰكِنْ إِنْ مَشَى أَحَدٌ فِي ٱللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَصْطَدِمُ،‏ لِأَنَّ ٱلنُّورَ لَيْسَ فِيهِ».‏ (‏يوحنا ١١:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ وَهُوَ يَعْنِي كَمَا يَظْهَرُ أَنَّ ٱلْوَقْتَ ٱلَّذِي خَصَّصَهُ ٱللّٰهُ لِخِدْمَتِهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ لَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ.‏ وَإِلَى ذٰلِكَ ٱلْحِينِ،‏ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَثْمِرَ ٱلْوَقْتَ ٱلْقَصِيرَ ٱلْبَاقِيَ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ.‏

      ثُمَّ يُضِيفُ:‏ «لِعَازَرُ صَدِيقُنَا رَاقِدٌ،‏ لٰكِنِّي ذَاهِبٌ لِأُوقِظَهُ مِنَ ٱلنَّوْمِ».‏ فَيَظُنُّ ٱلتَّلَامِيذُ كَمَا يَتَّضِحُ أَنَّ لِعَازَرَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ ٱلرَّاحَةِ وَسَيَتَمَاثَلُ لِلشِّفَاءِ،‏ فَيَقُولُونَ:‏ «يَا رَبُّ،‏ إِنْ كَانَ رَاقِدًا فَسَيَتَعَافَى».‏ عِنْدَئِذٍ يُخْبِرُهُمْ بِصَرِيحِ ٱلْعِبَارَةِ:‏ «لِعَازَرُ مَاتَ .‏ .‏ .‏ وَلٰكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ».‏ —‏ يوحنا ١١:‏​١١-‏١٥‏.‏

      وَمَعَ أَنَّ تُومَا يُدْرِكُ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ يُقْتَلُ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ،‏ يَرْغَبُ فِي ٱلْوُقُوفِ إِلَى جَانِبِهِ،‏ فَيُحَمِّسُ رُفَقَاءَهُ ٱلتَّلَامِيذَ:‏ «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا،‏ لِنَمُوتَ مَعَهُ».‏ —‏ يوحنا ١١:‏١٦‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة