-
سبعون تلميذا ينطلقون الى الكرازةيسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٢
سَبْعُونَ تِلْمِيذًا يَنْطَلِقُونَ إِلَى ٱلْكِرَازَةِ
يَسُوعُ يَخْتَارُ ٧٠ تِلْمِيذًا وَيُرْسِلُهُمْ لِيَكْرِزُوا
تُشَارِفُ سَنَةُ ٣٢ بم عَلَى نِهَايَتِهَا، مُؤْذِنَةً بِٱنْقِضَاءِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ تَقْرِيبًا عَلَى مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ. لَقَدْ حَضَرَ هُوَ وَتَلَامِيذُهُ مُؤَخَّرًا عِيدَ ٱلْخِيَامِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَلَا يَزَالُونَ فِي تِلْكَ ٱلنَّوَاحِي عَلَى ٱلْأَغْلَبِ. (لوقا ١٠:٣٨؛ يوحنا ١١:١) وَفِي ٱلْوَاقِعِ، يَصْرِفُ يَسُوعُ مُعْظَمَ ٱلشُّهُورِ ٱلسِّتَّةِ ٱلْبَاقِيَةِ مِنْ خِدْمَتِهِ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ وَمِنْطَقَةِ بِيرْيَا عَبْرَ نَهْرِ ٱلْأُرْدُنِّ لِيُوفِيَ هٰذِهِ ٱلْمَنَاطِقَ حَقَّهَا مِنَ ٱلْبِشَارَةِ.
فِي وَقْتٍ سَابِقٍ، بَعْدَ فِصْحِ سَنَةِ ٣٠ بم، أَمْضَى يَسُوعُ بِضْعَةَ أَشْهُرٍ يَكْرِزُ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ وَغَادَرَهَا مُجْتَازًا بِٱلسَّامِرَةِ. وَحِينَ قَصَدَ ٱلْيَهُودِيَّةَ مُجَدَّدًا لِلِٱحْتِفَالِ بِفِصْحِ سَنَةِ ٣١ بم، حَاوَلَ يَهُودٌ فِي أُورُشَلِيمَ قَتْلَهُ. لِذَا طِيلَةَ ٱلسَّنَةِ وَٱلنِّصْفِ ٱلتَّالِيَةِ، أَمْضَى مُعْظَمَ وَقْتِهِ يَكْرِزُ فِي ٱلْجَلِيلِ شَمَالًا حَيْثُ ٱنْضَمَّ إِلَيْهِ أَتْبَاعٌ كَثِيرُونَ. كَمَا دَرَّبَ رُسُلَهُ هُنَاكَ وَأَوْصَاهُمْ: «اِكْرِزُوا قَائِلِينَ: ‹قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمٰوَاتِ›». (متى ١٠:٥-٧) أَمَّا ٱلْآنَ فَهُوَ بِصَدَدِ تَنْظِيمِ حَمْلَةٍ كِرَازِيَّةٍ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ.
وَلِلشُّرُوعِ فِي ٱلْحَمْلَةِ، يَخْتَارُ ٧٠ تِلْمِيذًا وَيُرْسِلُهُمُ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ، مُؤَلِّفًا ٣٥ فَرِيقًا مِنَ ٱلْمُبَشِّرِينَ بِٱلْمَلَكُوتِ. وَهُمْ سَيَكْرِزُونَ فِي مُقَاطَعَةٍ حَيْثُ «ٱلْحَصَادُ كَثِيرٌ، وَلٰكِنَّ ٱلْعُمَّالَ قَلِيلُونَ». (لوقا ١٠:٢) وَسَيَسْبُقُونَ يَسُوعَ إِلَى أَمَاكِنَ يُخَطِّطُ لِزِيَارَتِهَا لَاحِقًا. وَسَيَشْفُونَ ٱلْمَرْضَى وَيَنْشُرُونَ ٱلرِّسَالَةَ عَيْنَهَا ٱلَّتِي يُنَادِي بِهَا هُوَ.
وَلٰكِنْ لَنْ يُرَكِّزَ ٱلتَّلَامِيذُ خِدْمَتَهُمْ فِي ٱلْمَجَامِعِ. فَيَسُوعُ يَحُضُّهُمْ أَنْ يَزُورُوا ٱلنَّاسَ فِي بُيُوتِهِمْ، قَائِلًا: «حَيْثُمَا دَخَلْتُمْ بَيْتًا فَقُولُوا أَوَّلًا: ‹سَلَامٌ لِهٰذَا ٱلْبَيْتِ!›. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ٱبْنُ سَلَامٍ، يَحِلُّ سَلَامُكُمْ عَلَيْهِ». وَمَا رِسَالَتُهُمْ؟ «قَدِ ٱقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ». — لوقا ١٠:٥-٩.
إِنَّ ٱلتَّوْجِيهَاتِ وَٱلتَّحْذِيرَاتِ ٱلَّتِي يُعْطِيهَا يَسُوعُ لِلـ ٧٠ شَبِيهَةٌ بِٱلَّتِي أَعْطَاهَا لِلرُّسُلِ ٱلِـ ١٢ قَبْلَ نَحْوِ سَنَةٍ. وَمِنْهَا أَنَّهُمْ لَنْ يُقَابَلُوا دَوْمًا بِٱلتَّرْحَابِ. غَيْرَ أَنَّ جُهُودَهُمْ سَتُعِدُّ أَصْحَابَ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ وَتُشَوِّقُهُمْ إِلَى لِقَاءِ ٱلسَّيِّدِ، يَسُوعَ، وَٱلتَّعَلُّمِ مِنْهُ حِينَ يَأْتِي بُعَيْدَ ذٰلِكَ.
سُرْعَانَ مَا يَعُودُ ٱلْمُبَشِّرُونَ بِٱلْمَلَكُوتِ ٱلـ ٧٠ إِلَى يَسُوعَ وَفِي جَعْبَتِهِمْ أَخْبَارٌ سَارَّةٌ، قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، حَتَّى ٱلشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِٱسْمِكَ». وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَفْرَحُ بِهٰذَا ٱلتَّقْرِيرِ ٱلرَّائِعِ، إِذْ يُجِيبُ: «اِبْتَدَأْتُ أَرَى ٱلشَّيْطَانَ وَقَدْ سَقَطَ مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. هَا أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ ٱلسُّلْطَةَ لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ». — لوقا ١٠:١٧-١٩.
فَهُوَ يُؤَكِّدُ لِأَتْبَاعِهِ أَنَّهُمْ سَيَدُوسُونَ مَجَازِيًّا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ، أَيْ سَيَتَغَلَّبُونَ عَلَى مَا قَدْ يُؤْذِيهِمْ. وَيُؤَكِّدُ لَهُمْ أَيْضًا سُقُوطَ ٱلشَّيْطَانِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ. هٰذَا وَيُسَاعِدُهُمْ أَنْ يُمَيِّزُوا مَا ٱلْمُهِمُّ حَقًّا فِي نِهَايَةِ ٱلْمَطَافِ، مُوضِحًا: «لَا تَفْرَحُوا بِهٰذَا، أَنَّ ٱلْأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ ٱفْرَحُوا لِأَنَّ أَسْمَاءَكُمْ قَدْ كُتِبَتْ فِي ٱلسَّمٰوَاتِ». — لوقا ١٠:٢٠.
بَعْدَ ذٰلِكَ، يَتَهَلَّلُ يَسُوعُ وَيُسَبِّحُ أَبَاهُ عَلَانِيَةً لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُ هٰؤُلَاءِ ٱلْخُدَّامَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ فِي إِنْجَازِ أَعْمَالٍ جَبَّارَةٍ. ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ: «سَعِيدَةٌ هِيَ ٱلْعُيُونُ ٱلَّتِي تُبْصِرُ مَا تُبْصِرُونَ. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَٱلْمُلُوكِ رَغِبُوا أَنْ يَرَوْا مَا تُبْصِرُونَ وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا». — لوقا ١٠:٢٣، ٢٤.
-
-
السامري المحب لقريبهيسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٣
اَلسَّامِرِيُّ ٱلْمُحِبُّ لِقَرِيبِهِ
اَلسَّبِيلُ إِلَى نَيْلِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ
سَامِرِيٌّ يُبَرْهِنُ أَنَّهُ قَرِيبٌ مُحِبٌّ
بَيْنَمَا لَا يَزَالُ يَسُوعُ قُرْبَ أُورُشَلِيمَ، يَأْتِي إِلَيْهِ عَدَدٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ، بَعْضُهُمْ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ وَآخَرُونَ لِيَمْتَحِنُوهُ. فَيَسْأَلُهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ وَاسِعُ ٱلِٱطِّلَاعِ عَلَى ٱلشَّرِيعَةِ: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَفْعَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ؟». — لوقا ١٠:٢٥.
يَسْتَشِفُّ يَسُوعُ أَنَّ وَرَاءَ سُؤَالِهِ نِيَّةً مُبَيَّتَةً. فَلَرُبَّمَا يَقْصِدُ جَرَّهُ إِلَى إِعْطَاءِ جَوَابٍ يُغِيظُ ٱلْيَهُودَ. وَيُدْرِكُ أَيْضًا أَنَّ لَدَى ٱلرَّجُلِ رَأْيًا مُسْبَقًا فِي ٱلْمَوْضُوعِ. فَيُجِيبُهُ بِحِكْمَةٍ، مُحَاوِلًا حَفْزَهُ أَنْ يُفْصِحَ هُوَ عَنْ رَأْيِهِ.
فَيَسْأَلُهُ يَسُوعُ: «مَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي ٱلشَّرِيعَةِ؟ كَيْفَ تَقْرَأُ؟». وَبِمَا أَنَّ ٱلرَّجُلَ مُتَبَحِّرٌ فِي شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ، يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا فِي جَوَابِهِ وَيَقْتَبِسُ مِنَ ٱلتَّثْنِيَةِ ٦:٥ وَٱللَّاوِيِّينَ ١٩:١٨، قَائِلًا: «‹تُحِبُّ يَهْوَهَ إِلٰهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ وَبِكُلِّ عَقْلِكَ›، وَ ‹قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ›». (لوقا ١٠:٢٦، ٢٧) فَهَلْ إِجَابَتُهُ صَحِيحَةٌ؟
يُخْبِرُهُ يَسُوعُ: «أَجَبْتَ بِٱلصَّوَابِ. ‹اِسْتَمِرَّ فِي فِعْلِ ذٰلِكَ فَتَحْيَا›». لٰكِنَّ ٱلرَّجُلَ لَا يَكْتَفِي بِهٰذَا ٱلْقَدْرِ. فَهُوَ لَا يَبْحَثُ بِصِدْقٍ عَنْ إِجَابَةٍ. بَلْ يَسْعَى «أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ»، أَيْ أَنْ يَنَالَ تَصْدِيقًا عَلَى صِحَّةِ آرَائِهِ وَيُجِيزَ بِٱلتَّالِي طَرِيقَتَهُ فِي مُعَامَلَةِ ٱلْغَيْرِ. لِذَا يَسْأَلُ: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟». (لوقا ١٠:٢٨، ٢٩) وَهٰذَا ٱلسُّؤَالُ عَلَى بَسَاطَتِهِ يَحْمِلُ ٱلْكَثِيرَ فِي طَيَّاتِهِ. لِمَاذَا؟
يَعْتَقِدُ ٱلْيَهُودُ أَنَّ ‹ٱلْقَرِيبَ› هُوَ فَقَطْ مَنْ يَحْفَظُ ٱلتَّقَالِيدَ ٱلْيَهُودِيَّةَ، وَيَبْدُو لَهُمْ أَنَّ ٱللَّاوِيِّينَ ١٩:١٨ تُؤَيِّدُ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةَ. حَتَّى إِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مُخَالَطَةَ غَيْرِ ٱلْيَهُودِ ‹لَا تَحِلُّ لَهُمْ›. (اعمال ١٠:٢٨) وَعَلَيْهِ فَإِنَّ هٰذَا ٱلرَّجُلَ، وَرُبَّمَا بَعْضَ تَلَامِيذِ يَسُوعَ، يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ أَبْرَارًا حِينَ يُحْسِنُونَ مُعَامَلَةَ رَفِيقِهِمِ ٱلْيَهُودِيِّ. وَلَا يَجِدُونَ ضَيْرًا فِي إِسَاءَةِ مُعَامَلَةِ شَخْصٍ غَيْرِ يَهُودِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يُصَنَّفُ ‹قَرِيبًا› لَهُمْ.
فَكَيْفَ لِيَسُوعَ أَنْ يُصَحِّحَ هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةَ ٱلْخَاطِئَةَ دُونَ أَنْ يَجْرَحَ مَشَاعِرَ ٱلرَّجُلِ وَٱلْيَهُودِ ٱلْآخَرِينَ؟ مِنْ خِلَالِ قِصَّةٍ هَادِفَةٍ. يَرْوِي قَائِلًا: «كَانَ إِنْسَانٌ نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَٱنْهَالُوا عَلَيْهِ ضَرْبًا، ثُمَّ مَضَوْا وَقَدْ تَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ». وَيُتَابِعُ: «اِتَّفَقَ أَنَّ كَاهِنًا كَانَ نَازِلًا فِي تِلْكَ ٱلطَّرِيقِ، وَلٰكِنَّهُ حِينَ رَآهُ، ٱجْتَازَ فِي ٱلْجَانِبِ ٱلْمُقَابِلِ. وَكَذٰلِكَ لَاوِيٌّ أَيْضًا، حِينَ وَصَلَ إِلَى ٱلْمَكَانِ وَرَآهُ، ٱجْتَازَ فِي ٱلْجَانِبِ ٱلْمُقَابِلِ. إِلَّا أَنَّ سَامِرِيًّا مَارًّا فِي ٱلطَّرِيقِ أَتَى إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ، أَشْفَقَ عَلَيْهِ». — لوقا ١٠:٣٠-٣٣.
لَا شَكَّ أَنَّ ٱلرَّجُلَ يَعْلَمُ أَنَّ ٱلْعَدِيدَ مِنَ ٱلْكَهَنَةِ وَمُسَاعِدِيهِمِ ٱللَّاوِيِّينَ يَسْكُنُونَ فِي أَرِيحَا. وَلِلْعَوْدَةِ إِلَيْهَا مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، يَنْزِلُونَ فِي طَرِيقٍ يَمْتَدُّ مَسَافَةَ ٢٣ كِيلُومِتْرًا تَقْرِيبًا. وَهٰذَا ٱلطَّرِيقُ مَحْفُوفٌ بِٱلْمَخَاطِرِ يَكْمُنُ فِيهِ قُطَّاعُ ٱلطُّرُقِ لِلْمَارَّةِ. لِذَا يُتَوَقَّعُ مِنْ أَيِّ كَاهِنٍ أَوْ لَاوِيٍّ يَجِدُ رَفِيقًا يَهُودِيًّا فِي مَأْزِقٍ عَلَى هٰذَا ٱلطَّرِيقِ أَنْ يَهُبَّ إِلَى نَجْدَتِهِ. لٰكِنَّ أَيًّا مِنْهُمَا لَمْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فِي قِصَّةِ يَسُوعَ، فِي حِينِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ ٱلسَّامِرِيِّينَ ٱلَّذِينَ يَحْتَقِرُهُمُ ٱلْيَهُودُ تَحَنَّنَ عَلَيْهِ. — يوحنا ٨:٤٨.
وَكَيْفَ مَدَّ لَهُ ٱلسَّامِرِيُّ يَدَ ٱلْمُسَاعَدَةِ؟ يَمْضِي يَسُوعُ قَائِلًا: «اِقْتَرَبَ مِنْهُ وَضَمَدَ جُرُوحَهُ، سَاكِبًا عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا. ثُمَّ أَرْكَبَهُ عَلَى بَهِيمَتِهِ وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَٱعْتَنَى بِهِ. وَفِي ٱلْغَدِ، أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ ٱلْفُنْدُقِ وَقَالَ: ‹اِعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا تُنْفِقْ فَوْقَ هٰذَا، فَأَنَا أُوفِيكَ عِنْدَ رُجُوعِي›». — لوقا ١٠:٣٤، ٣٥.
بَعْدَ رِوَايَةِ هٰذِهِ ٱلْقِصَّةِ، يَطْرَحُ ٱلْمُعَلِّمُ ٱلْبَارِعُ يَسُوعُ عَلَى ٱلرَّجُلِ سُؤَالًا يَحُثُّهُ عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ: «أَيُّ هٰؤُلَاءِ ٱلثَّلَاثَةِ يَبْدُو لَكَ أَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ ٱللُّصُوصِ؟». وَرُبَّمَا كَيْ يَتَفَادَى ٱلرَّجُلُ أَنْ يَقُولَ: «اَلسَّامِرِيُّ»، يُجِيبُ: «اَلَّذِي عَامَلَهُ بِرَحْمَةٍ». عِنْدَئِذٍ، يُبْرِزُ يَسُوعُ ٱلْعِبْرَةَ مِنَ ٱلْقِصَّةِ قَائِلًا: «اِذْهَبْ وَٱفْعَلْ أَنْتَ هٰكَذَا». — لوقا ١٠:٣٦، ٣٧.
لَقَدِ ٱسْتَخْدَمَ يَسُوعُ أُسْلُوبًا تَعْلِيمِيًّا وَلَا أَرْوَعَ. فَلَوْ أَجَابَ مُبَاشَرَةً أَنَّ ٱلْقَرِيبَ يَشْمُلُ غَيْرَ ٱلْيَهُودِ أَيْضًا، لَمَا تَقَبَّلَ ٱلرَّجُلُ وَٱلْيَهُودُ ٱلْآخَرُونَ ٱلْفِكْرَةَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ. لٰكِنَّهُ رَوَى قِصَّةً بَسِيطَةً تَفَاصِيلُهَا مَأْلُوفَةٌ لِسَامِعِيهِ، فَٱتَّضَحَتْ إِجَابَةُ ٱلسُّؤَالِ «مَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» بِشَكْلٍ لَا يَقْبَلُ ٱلْجَدَلَ. فَٱلْقَرِيبُ ٱلْحَقِيقِيُّ هُوَ مَنْ يُظْهِرُ لِغَيْرِهِ ٱلْمَحَبَّةَ وَٱللُّطْفَ حَسْبَمَا تُوصِي ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ.
-
-
الضيافة والصلاةيسوع: الطريق والحق والحياة
-
-
اَلْفَصْلُ ٧٤
اَلضِّيَافَةُ وَٱلصَّلَاةُ
يَسُوعُ يَزُورُ مَرْثَا وَمَرْيَمَ
أَهَمِّيَّةُ ٱلْمُثَابَرَةِ عَلَى ٱلصَّلَاةِ
يَتَوَجَّهُ يَسُوعُ إِلَى قَرْيَةِ بَيْتَ عَنْيَا ٱلْوَاقِعَةِ عَلَى ٱلْمُنْحَدَرِ ٱلشَّرْقِيِّ لِجَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، عَلَى بُعْدِ نَحْوِ ٣ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ أُورُشَلِيمَ. (يوحنا ١١:١٨) فَيَقْصِدُ بَيْتَ أَصْدِقَائِهِ لِعَازَرَ وَأُخْتَيْهِ مَرْثَا وَمَرْيَمَ ٱلَّذِينَ يَسْتَقْبِلُونَهُ بِتَرْحَابٍ كَبِيرٍ.
إِنَّ ٱسْتِضَافَةَ ٱلْمَسِيَّا فِي بَيْتِهِمْ لَشَرَفٌ عَظِيمٌ. لِذَا تَنْكَبُّ مَرْثَا عَلَى إِعْدَادِ وَلِيمَةٍ فَاخِرَةٍ ٱحْتِفَاءً بِهِ. وَفِيمَا تَشْتَغِلُ هِيَ بِٱلطَّعَامِ، تَجْلِسُ أُخْتُهَا مَرْيَمُ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ تَسْمَعُ لَهُ. فَيَمُرُّ ٱلْوَقْتُ وَتَقُولُ لَهُ مَرْثَا: «يَا رَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُسَاعِدَنِي». — لوقا ١٠:٤٠.
غَيْرَ أَنَّ يَسُوعَ لَا يَنْتَقِدُ مَرْيَمَ، بَلْ يُسْدِي مَشُورَةً إِلَى مَرْثَا لِأَنَّهَا مُهْتَمَّةٌ أَكْثَرَ مِنَ ٱللَّازِمِ بِٱلطَّعَامِ وَٱلتَّحْضِيرَاتِ. يُخَاطِبُهَا قَائِلًا: «مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَحْمِلِينَ هَمًّا وَتَضْطَرِبِينَ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنَّمَا ٱلْحَاجَةُ إِلَى قَلِيلٍ، أَوْ إِلَى وَاحِدٍ. فَمَرْيَمُ ٱخْتَارَتِ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ، وَلَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا». (لوقا ١٠:٤١، ٤٢) وَقَصْدُهُ أَنْ لَا حَاجَةَ إِلَى صَرْفِ وَقْتٍ طَوِيلٍ فِي تَجْهِيزِ أَصْنَافٍ كَثِيرَةٍ. فَوَجْبَةٌ بَسِيطَةٌ تَفِي بِٱلْغَرَضِ.
وَلٰكِنْ مَا مِنْ شَكٍّ أَنَّ نَوَايَا مَرْثَا صَافِيَةٌ، فَهِيَ تَسْعَى إِلَى ٱلْإِعْرَابِ عَنْ كَرَمِ ٱلضِّيَافَةِ. إِلَّا أَنَّ ٱنْشِغَالَهَا ٱلْمُفْرِطَ بِإِعْدَادِ ٱلْمَائِدَةِ فَوَّتَ عَلَيْهَا سَمَاعَ إِرْشَادٍ قَيِّمٍ مِنِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ. أَمَّا مَرْيَمُ فَٱتَّخَذَتْ خِيَارًا سَدِيدًا، حَسْبَمَا يُوضِحُ يَسُوعُ، خِيَارًا يَعُودُ عَلَيْهَا بِفَوَائِدَ أَبَدِيَّةٍ وَيُعَلِّمُنَا دَرْسًا قَيِّمًا لِلْغَايَةِ.
فِي مُنَاسَبَةٍ أُخْرَى، يُعْطِي يَسُوعُ دَرْسًا ثَانِيًا لَا يَقِلُّ عَنِ ٱلْأَوَّلِ أَهَمِّيَّةً. يَطْلُبُ مِنْهُ أَحَدُ تَلَامِيذِهِ: «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلَامِيذَهُ». (لوقا ١١:١) لَقَدْ عَلَّمَ يَسُوعُ عَنِ ٱلصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْوِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فِي مَوْعِظَتِهِ عَلَى ٱلْجَبَلِ. (متى ٦:٩-١٣) وَلٰكِنْ لَعَلَّ هٰذَا ٱلتِّلْمِيذَ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا آنَذَاكَ. فَيُكَرِّرُ يَسُوعُ ٱلنِّقَاطَ ٱلرَّئِيسِيَّةَ، ثُمَّ يُزَوِّدُ مَثَلًا يُبْرِزُ أَهَمِّيَّةَ ٱللَّجَاجَةِ فِي ٱلصَّلَاةِ.
يُخْبِرُ: «مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ فَيَذْهَبُ إِلَيْهِ فِي مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ وَيَقُولُ لَهُ: ‹يَا صَدِيقُ، أَقْرِضْنِي ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ، لِأَنَّ صَدِيقًا لِي أَتَى إِلَيَّ مِنْ سَفَرٍ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ›، فَيُجِيبُ ذَاكَ مِنَ ٱلدَّاخِلِ قَائِلًا: ‹كُفَّ عَنْ إِزْعَاجِي! فَٱلْبَابُ مُقْفَلٌ ٱلْآنَ، وَصِغَارِي مَعِي فِي ٱلْفِرَاشِ، فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ›؟ أَقُولُ لَكُمْ: وَإِنْ كَانَ لَا يَقُومُ وَيُعْطِيهِ لِكَوْنِهِ صَدِيقَهُ، فَإِنَّهُ لِلَجَاجَتِهِ ٱلْجَرِيئَةِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ». — لوقا ١١:٥-٨.
لَا يُلَمِّحُ يَسُوعُ أَنَّ يَهْوَهَ يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنِ ٱلْتِمَاسَاتِ خُدَّامِهِ، كَٱلصَّدِيقِ فِي ٱلْمَثَلِ. وَلٰكِنْ إِنْ تَجَاوَبَ هٰذَا ٱلصَّدِيقُ وَلَوْ رَغْمًا عَنْهُ مَعَ لَجَاجَةِ صَدِيقِهِ، فَكَمْ بِٱلْأَحْرَى أَبُونَا ٱلسَّمَاوِيُّ ٱلْمُحِبُّ يَسْتَجِيبُ ٱلتَّضَرُّعَاتِ ٱلصَّادِقَةَ ٱلَّتِي يَرْفَعُهَا خُدَّامُهُ ٱلْأَوْلِيَاءُ! يُتَابِعُ يَسُوعُ: «أَقُولُ لَكُمْ: دَاوِمُوا عَلَى ٱلسُّؤَالِ تُعْطَوْا، دَاوِمُوا عَلَى ٱلطَّلَبِ تَجِدُوا، دَاوِمُوا عَلَى ٱلْقَرْعِ يُفْتَحْ لَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَنَالُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ». — لوقا ١١:٩، ١٠.
ثُمَّ يُشَدِّدُ عَلَى ٱلْفِكْرَةِ بِإِظْهَارِ ٱلتَّبَايُنِ بَيْنَ أَبِينَا ٱلسَّمَاوِيِّ وَٱلْآبَاءِ ٱلْبَشَرِ، قَائِلًا: «أَيُّ أَبٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ٱبْنُهُ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ ٱلسَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَ أَيْضًا بَيْضَةً، يُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ كَيْفَ تُعْطُونَ أَوْلَادَكُمْ عَطَايَا صَالِحَةً، فَكَمْ بِٱلْأَحْرَى ٱلْآبُ فِي ٱلسَّمَاءِ يُعْطِي رُوحًا قُدُسًا لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!». (لوقا ١١:١١-١٣) فَيَا لَهُ مِنْ تَأْكِيدٍ رَائِعٍ أَنَّ أَبَانَا ٱلسَّمَاوِيَّ يُعِيرُنَا أُذُنًا صَاغِيَةً وَيُلَبِّي حَاجَاتِنَا!
-