مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ب٨٨ ١/‏١٠ ص ٢٠-‏٢٥
  • حياتنا المانحة المكافأة كمرسلين في افريقيا

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • حياتنا المانحة المكافأة كمرسلين في افريقيا
  • برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٨٨
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • عامل مزرعة اميركي يتعلم الحق
  • عاملان نحو هدف الخدمة الارسالية
  • من جلعاد الى افريقيا
  • حياة مانحة المكافأة في الادغال
  • انتقالنا الى سطح افريقيا
  • المرسلون يواصلون التوسع العالمي
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
  • اخوّتنا العالمية تمدّني بالقوة
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٢
  • الجزء ٤ —‏ شهود الی اقصی الارض
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
  • نقوش صخرية مثيرة في ڤال كامونيكا
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢
المزيد
برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٨٨
ب٨٨ ١/‏١٠ ص ٢٠-‏٢٥

حياتنا المانحة المكافأة كمرسلين في افريقيا

كما رواها جون مايلز

المشهد هو غابة صيد في شمال غرب زمبابوي.‏ زوجتي فال وأنا نقود باتجاه شلالات فيكتوريا الشهيرة.‏ كلا،‏ لسنا سائحين.‏ نحن مرسلان وقد أُرسلنا الى هنا لنعمل بين الشعب الافريقي المحلي.‏ واذ ندور في منعطف هوذا فيل ضخم واقف الى جانب الطريق.‏ أوقفُ المحرك وأمدّ جسمي من النافذة لالتقط صورة.‏ وأنا على وشك اخذ صورة اخرى عندما تصيح فال:‏

‏«انه آتٍ نحونا!‏»‏

وبسرعة أديرُ المحرك لكنه يتوقف.‏ يا للورطة!‏ فالفيل ينجز هجومه ويشبّ ليدوسنا.‏ وفي الوقت المناسب يدور المحرك من جديد فننحرف نحو الادغال.‏ ولسعادتنا،‏ ليست هنالك حجارة ولا اشجار لايقاف هروبنا.‏ فنقرر منح السيد جمبو حق المرور ونتابع في طريق مختلفة.‏

ثمة مشهد آخر.‏ وهذه المرة نحن في مملكة ليسوتو الجبلية،‏ افريقيا الجنوبية.‏ انه يوم الاحد بعد الظهر في العاصمة ماسيرو.‏ نحن عائدان الى بيتنا بعد التمتع بتجمع مسيحي مع الرفقاء المؤمنين المحليين.‏ وفجأة يهاجمنا لصّان شابان.‏ فيلكمني احدهما ويقفز الآخر على ظهري.‏ اتخلص منه فيهاجم فال،‏ ممسكا بمحفظتها.‏ فتصرخ فال بصوت عال:‏ «يا يهوه!‏ يا يهوه!‏ يا يهوه!‏» وعلى الفور يترك الرجل محفظتها وبنظرة اندهاش يتراجع.‏ والذي يلكمني يتراجع ايضا —‏ ضاربا الهواء بقبضتيه.‏ فنسرع،‏ مرتاحين كثيرا للقاء اخوة مؤمنين في موقف الاوتوبوس.‏ —‏ امثال ١٨:‏١٠‏.‏

كل من الحادثتين اعلاه دام مجرد لحظات قليلة،‏ ولكنهما بين الذكريات العديدة التي لا تنسى لسنواتنا الـ‍ ٣٢ الماضية كمرسلين في افريقيا.‏ فكيف وصلنا الى هنا؟‏ لماذا اصبحنا مرسلين؟‏ وهل كان ذلك حياة مانحة المكافأة؟‏

عامل مزرعة اميركي يتعلم الحق

ابتدأ ذلك كله في ١٩٣٩ حين التقيت فال جينسن في ياكيما،‏ واشنطن،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏ في ذلك الوقت كنت اعمل في مزرعة وكانت فال مستخدَمة كمدبِّرة منزل.‏ وغالبا ما كانت تحدثني عن الكتاب المقدس.‏ وأحد الامور الذي اثَّر فيَّ كان شرحها ان الهاوية ليست مكانا حارا.‏ (‏جامعة ٩:‏٥ و ١٠،‏ اعمال ٢:‏٣١،‏ رؤيا ٢٠:‏١٣ و ١٤‏)‏ ورغم انني لم اكن اذهب الى الكنيسة فقد عرفت ما كان رجال الدين يعلِّمونه عن الهاوية،‏ وما اظهرته لي فال من الكتاب المقدس بدا معقولا اكثر.‏

كان والد فال وأمها قد صارا من شهود يهوه في ١٩٣٢.‏ وابتدأت فال ايضا بدرس الكتاب المقدس،‏ واعتمدت في ايلول ١٩٣٥.‏ وبعد ان تعارفنا جيدا دعتني فال الى الذهاب الى الاجتماعات في قاعة الملكوت.‏ فقبلت وتمتعت بمعاشرة الناس الذين كنت اقابلهم هناك،‏ اي كلما سمح لي عمل المزرعة بوقت للذهاب.‏ وعمل المزرعة كان لا يزال يأتي اولا في حياتي.‏ ومع ذلك ابتدأت تدريجيا انظر الى الاجتماعات باكثر جدية،‏ وقد دعاني الشهود المحليون الى المشاركة في الكرازة من بيت الى بيت.‏ وفعل ذلك في بلدتي بدا لي امتحانا فائقا.‏ لكنني اجتزته.‏

ثمة امران لا يُنسيان حدثا في ١٩٤١.‏ ففي آذار اعتمدت كشاهد منتذر ليهوه،‏ ولاحقا فال وأنا تزوجنا.‏ ثم في تشرين الاول ١٩٤٢ آبتدأنا بعمل الكرازة كامل الوقت كفاتحين في جنوب شرق داكوتا الشمالية.‏

لن ننسى ابدا ما حدث في السنة التالية.‏ لقد كان محطة مهمة في تاريخ شهود يهوه.‏ ففي ١ شباط ١٩٤٣ آبتدأ التدريب الارسالي للصف الاول لما دُعي آنذاك «كلية جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس.‏» وبعد شهرين حضرنا محفل «الدعوة الى العمل» في ابردين،‏ داكوتا الجنوبية.‏ وبركات الخدمة الارسالية في البلاد الاجنبية جرى وصفها،‏ والرغبة في حضور جلعاد والصيرورة مرسلين أثيرت في قلبينا.‏

عاملان نحو هدف الخدمة الارسالية

تسع سنوات كانت لتمر قبل ان نبلغ هدفنا.‏ وفي اثناء ذلك الوقت كانت لدينا امتيازات خدمة حسنة اخرى بالاضافة الى بعض النكسات.‏ وبعد الخدمة كفاتحين سنة ونصف السنة في داكوتا الشمالية قدَّمنا طلبا لمقاطعة فاتحين في ميسوري.‏ وجرى قبول ذلك،‏ فاستقررنا في مدينة رولّا.‏ واشتملت مقاطعتنا على كامل اقليم فِلبس حيث كان هنالك شاهد نشيط واحد فقط.‏ فقضينا ثلاث سنوات ممتعة هناك وشاركنا في تأسيس جماعة.‏

ثم واجهتنا مشكلة اخمدت آمالنا بالصيرورة مرسلين.‏ لقد نفدت مواردنا.‏ فسوء التدبير والنقص في الايمان بأن يهوه يعيل جعلانا نتوقف عن عمل الفتح.‏ وكانت نيّتنا ان ذلك يجب ان يكون لمجرد اشهر قليلة،‏ ولكن مرت سنة ونصف السنة قبل ان نبتدئ بخدمة الفتح من جديد.‏ وهذه المرة كنا مصممين على ان لا نكرر اخطاءنا السابقة.‏ وتعييننا الجديد كان مع جماعة في بلدة ريردن في شرق ولاية واشنطن.‏ والعمل بدوام جزئي كان صعب الايجاد،‏ لذلك كان يلزم ان نتكل بقوة على يهوه لتزويد حاجاتنا اليومية.‏ —‏ متى ٦:‏١١ و ٣٣‏.‏

اشتملت مقاطعتنا على العديد من البلدات الصغيرة في الجوار.‏ وذات يوم كان علينا ان نسافر ٨٠ ميلا ذهابا وايابا لزيارة الناس برسالة الملكوت.‏ ولم يكن لدينا ما يكفي من الوقود لكننا لم ندع ذلك يوقفنا.‏ وفي طريقنا من البلدة توقفنا عند مكتب البريد،‏ وماذا تظنون اننا وجدنا؟‏ كانت تنتظرنا هناك رسالة من ابن عمي الذي كان قد ابتدأ الآن بدرس الكتاب المقدس مع الشهود.‏ وقد احتوت شيكا بمبلغ من المال يكفي لنملأ خزّاننا واكثر.‏ «كنا سنقدم هذه الهبة لـ‍ ‹بلدة الاولاد،‏›» كتبوا،‏ «ولكن قررنا انكما تحتاجان اليها اكثر من ‹الأب فلاناغان.‏›» وكم كانوا على صواب!‏

واختبارات كهذه ابرزت صحة وعد يسوع:‏ «اطلبوا ملكوت اللّٰه وهذه [الحاجات المادية] كلها تزاد لكم.‏» (‏لوقا ١٢:‏٣١‏)‏ وكان هذا تدريبا قيِّما يساعدنا على الاستمرار في وجه المشاكل الاخرى.‏

وذات شتاء كان لدينا مجرد مخزون قليل من الفحم.‏ فهل سنسمح للحالة بأن تغيِّر تصميمنا على الاستمرار في خدمة الفتح؟‏ وضعنا القضية امام يهوه في الصلاة وذهبنا الى الفراش.‏ وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي طُرق بابنا!‏ كان ذلك اخا وزوجته قرَّرا زيارتنا في اثناء عودتهما من رحلة الى اقربائهما.‏ فأشعلنا النار ووضعنا آخِر قطعة من الفحم،‏ وصنعنا ابريقا من القهوة.‏ واذ كنا نتمتع برفقتهما سأل الاخ فجأة،‏ «كيف تتدبران امر الفحم؟‏» فنظرنا فال وأنا كل واحد الى الآخر وابتدأنا نضحك.‏ فالفحم كان الشيء الوحيد الذي نحتاجه على الفور.‏ فأعطيانا عشرة دولارات كانت في تلك الايام تشتري نصف طن من الفحم على الاقل.‏

وفي مناسبة اخرى اتى موعد محفل دائري،‏ وكانت لدينا خمسة دولارات فقط.‏ وأيضا كانت اجازة سيارتنا تستحق الدفع مباشرة بعد المحفل.‏ فقررنا ان نضع الامور الاولى اولا وحضرنا المحفل.‏ وشكرا للروح السخية للاخوة،‏ فقد عدنا الى تعييننا بـ‍ ١٥ دولارا.‏ وكلَّفت الاجازة ٥٠،‏ ١٤ دولارا!‏

تمتعنا بخدمة فتحنا في شرقي واشنطن،‏ وصار عدد من العائلات التي درسنا معها الكتاب المقدس اخيرا شهودا اولياء ليهوه.‏ ولكن بعد سنتين في هذا التعيين تلقيت رسالة من جمعية برج المراقبة تذكر انه جرت التوصية بي لاخدم كخادم جائل،‏ اي شخص يزور ويشجع جماعات شهود يهوه في الدائرة.‏ «اذا جرى تعيينك،‏ هل تقبل هذا التعيين؟‏» سألت الجمعية،‏ مضيفة:‏ «يرجى اعلامنا على الفور.‏» لا لزوم للقول ان جوابي كان نعم.‏ وابتداء من كانون الثاني ١٩٥١ قضينا سنة ونصف السنة في دائرة واسعة تغطي النصف الغربي لداكوتا الشمالية والنصف الشرقي لمونتانا.‏

في اثناء هذه الفترة تلقينا مفاجأة اخرى —‏ دعوة الى حضور الصف الـ‍ ١٩ لجلعاد!‏ فهل ستتحقق رغبتنا اخيرا؟‏ وللاسف،‏ تبعت رسالة ثانية تقول ان الصف امتلأ باخوة من بلدان اخرى.‏ كان ذلك نكسة،‏ ولكننا لم نُهمَل!‏ فبعد اشهر قليلة تلقينا دعوة الى الصف الـ‍ ٢٠ الذي قُبلنا فيه في ايلول ١٩٥٢.‏

من جلعاد الى افريقيا

كم قدَّرنا صلاح يهوه في جمعنا مع اكثر من مئة تلميذ من اجزاء عديدة من الارض —‏ اوستراليا،‏ نيو زيلندا،‏ الهند،‏ تايلند،‏ الفيلبين،‏ اسكندينافيا،‏ انكلترا،‏ مصر،‏ واوروبا الوسطى!‏ وذلك ساعدنا لنرى الى ايّ مدى كان يهوه يجعل رسالة الملكوت يكرز بها.‏ —‏ متى ٢٤:‏١٤‏.‏

مر الوقت في جلعاد سريعا،‏ وتخرجنا في شباط ١٩٥٣.‏ ومع اربعة آخرين جرى تعييننا في روديسيا الشمالية (‏الآن زامبيا)‏ في افريقيا.‏ ومع ذلك،‏ سمحت لنا الجمعية بلطف بأن نبقى في الولايات المتحدة من اجل المحفل الاممي الذي كان سيعقد في يانكي ستاديوم في وقت لاحق من تلك السنة في تموز.‏ وفي اثناء الاشهر قبيل المحفل الكوري ولفترة بعدئذ خدمتُ كناظر دائرة في شرقي اوكلاهوما.‏

وفي تشرين الثاني ١٩٥٣ صعدنا فال وأنا مع ستة مرسلين آخرين الى سفينة شحن متجهة نحو افريقيا.‏ ونزلنا في دربان،‏ جنوب افريقيا،‏ وسافرنا شمالا بالقطار الى روديسيا الجنوبية (‏الآن زمبابوي)‏.‏ وهنا تركنا اثنان ليشرعا في تعيينيهما في سالزبوري (‏الآن هراري)‏،‏ في حين تابع الباقون منا الى كيتوي في روديسيا الشمالية.‏

فال وأنا جرى تعييننا في بلدة المناجم موفوليرا حيث كانت توجد عائلات قليلة مهتمة ولكن بلا جماعة.‏ وقد بارك يهوه عمل كرازتنا من بيت الى بيت.‏ فباشرنا العديد من دروس الكتاب المقدس،‏ وسرعان ما ابتدأ عدد من الاشخاص المهتمين يحضرون الاجتماعات المسيحية.‏ وبعد عدة اشهر جرت دعوتنا لنملأ اماكن شاغرة في مكتب فرع جمعية برج المراقبة في لوانشيا.‏ ولاحقا جرى منحنا تعيينا آخر لنخدم كمرسلين في لوساكا.‏ وفي اثناء وجودي هناك كنت اخدم من وقت الى آخر كناظر دائرة للعدد القليل من الجماعات الناطقة بالانكليزية.‏

حياة مانحة المكافأة في الادغال

ثم في ١٩٦٠ انتقلنا الى روديسيا الجنوبية حيث عُيِّنت لاخدم كناظر كورة بين الاخوة السود.‏ وجزئيا شمل ذلك زيارة الجماعات والاشراف على المحافل الدائرية والمحافل الكورية.‏ ومعظم هذه الجماعات كان في الارياف،‏ ولذلك كان علينا ان نتعلم العيش في الادغال.‏ وشعرنا بأنه اذا استطاع اخوتنا العيش في الادغال نستطيع نحن ايضا.‏

زوَّدنا مكتب فرع جمعية برج المراقبة شاحنة تزن طنا ونصف الطن.‏ وكانت المؤخرة مغطاة بلوح معدني ولها باب مزدوج للتحميل.‏ والنافذة المزدوجة بين حجرة القيادة والمؤخرة واسعة الى حد يكفي فقط للتسلق من خلالها،‏ وكانت مغطاة بستارة بلاستيكية.‏ وتجهيزات بيتنا كانت تتألف من سرير ثابت بفراش من المطاط الاسفنجي.‏ وكانت لدينا خزائن يمكن حملها وجهاز للطبخ يعمل بزيت الكاز.‏ وكانت لدينا ايضا خزانة ثياب نقالة وخَيمة نقالة.‏

بعد وقت قصير من مباشرة تعييننا في الجزء الغربي من البلد لدغتني حشرة مجهولة.‏ فجعلت رجلي تتورم وسبَّبت حرارة مرتفعة.‏ ولتصير الامور اردأ ساء الطقس وابتدأت تمطر بغزارة.‏ كنت اعرق كثيرا حتى لزم تغيير الشراشف تكرارا.‏ وحوالى منتصف الليل قررت فال ان ارى طبيبا.‏ فقادت نحو الطريق الرئيسية،‏ لكنّ العربة اغترزت في الوحل.‏ والتأثير الوحيد لجهود فال من اجل تحريكها الى الامام او الى الوراء كان ليمنحني هزة قوية.‏ وعندما اقتنعَت بأنه لا يوجد شيء اكثر يمكنها فعله تلفَّفت في آخر حِرام ناشف وانضمت اليَّ في العربة،‏ والمطر كان لا يزال ينهمر دون انقطاع.‏

جلب الصباح راحة.‏ فشعرت بأنني احسن حالا،‏ والمطر توقف،‏ والاخوة الذين اتوا لإعداد المحفل أخرجوا عربتنا من الوحل.‏ وفي بولاوايو اخذني اخوة لطفاء آخرون الى المستشفى،‏ وبعد المعالجة كنت قادرا على العودة وادارة ترتيبات المحفل.‏

وخلال هذه الفترة،‏ في اثناء السفر بين الجماعات،‏ كان ان حدثت معنا المواجهة مع الفيل.‏ وواجهنا ايضا العديد من المخلوقات الاصغر.‏ وبعض زائري خيمتنا،‏ عدا الذباب والبعوض،‏ كان نمل الحصاد.‏ ففي وقت قصير جدا يمكن لهذه الحشرات ان تصنع ثقوبا في ايّ ثوب او قماش يُترك ملقى على الارض.‏ والانواع المختلفة للعظايات والعناكب الصيادة التي تزورنا كانت غير مؤذية،‏ ولكنّ الصِلّ الذي يدخل كان يُطرد سريعا.‏ والعقارب لم يكن ايضا مرحَّبا بها.‏ وتصف فال لسعتها بالشعور وكأن مسمارا احمر لشدة الحرارة دُقَّ فيكم بمطرقة ثقيلة.‏ وينبغي ان تعرف.‏ فقد لُسعت اربع مرات!‏

ربما تجعل هذه الامور حياة الادغال تبدو ايّ شيء ما عدا انها مانحة المكافأة،‏ ولكننا لم ننظر اليها بهذه الطريقة.‏ فبالنسبة الينا كانت حياة الهواء الطلق النشيطة الصحية،‏ وقيمة البركات الروحية فاقت اية ازعاجات جسدية.‏

لقد كان دائما مقويا للايمان ان نرى الجهد الذي يبذله الاخوة الريفيون ليحضروا الاجتماعات.‏ واحدى الجماعات كانت تتألف من فرقتين تسكنان على بعد ١٤ ميلا احداهما من الاخرى ويصل بينهما مجرد ممر.‏ و «قاعة الملكوت» التي لهم،‏ في منتصف الطريق بين الفرقتين،‏ كانت شجرة ضخمة من اجل الظل مع حجارة للجلوس.‏ والاخوة من كل فرقة كانوا يسيرون ٧ أميال كل مسيرة ليحضروا اجتماعاتهم مرتين في الاسبوع.‏ ونذكر ايضا الزوجين المسنين اللذين سارا ٧٥ ميلا بحقائب سفرهما وحراماتهما ليحضرا محفلا دائريا.‏ هذان مجرد مثالين يُظهران كيف يقدِّر الاخوة الافريقيون النصح بأن ‹لا يتركوا اجتماعهم معا.‏› —‏ عبرانيين ١٠:‏٢٥‏.‏

وفي بعض المناطق صار السكان المحليون مرتابين من دافعنا حتى ان البعض صاروا مستائين من اقامتنا في جوارهم.‏ وفي احدى المناسبات نصبتُ خيمتنا قرب موقع المحفل في بقعة تحيط بها الاعشاب العالية.‏ وبعد ان انتهت جلسة المحفل وكانت لنا ساعتان في الفراش ايقظني صوت من الخارج.‏ وباستعمال مشعلي الكهربائي استطعت ان اميِّز شكل شخص واقف خلف شجرة صغيرة.‏

‏«ماذا تريد؟‏» صرخت.‏ «لماذا انت مختبئ خلف تلك الشجرة؟‏»‏

‏«هس-‏س-‏س يا اخ،‏» اتى الجواب،‏ «سمعنا بعض الناس يقولون انهم سيشعلون النار في هذا العشب.‏ ولذلك نظمنا حراسة لكما في اثناء الليل.‏»‏

لم يخبرونا عن الخطر لئلا يزعجوا نومنا.‏ ومع ذلك كانوا على استعداد لخسارة نومهم لكي يحمونا!‏ وعندما انتهى المحفل يوم الاحد بعد الظهر رتبوا لتسير سيارة امامنا وسيارة وراءنا حتى صرنا خارج منطقة الخطر.‏

كان ايضا مانحا المكافأة ان نرى القيمة التي يعطيها هؤلاء الناس المتواضعون للكتاب المقدس.‏ واحدى الجماعات التي خدمناها كانت في المنطقة التي يزرع فيها القرويون فستق العبيد.‏ وفي اثناء الاسبوع كنا نبادل المطبوعات والكتب المقدسة بصناديق فستق العبيد غير المقشور.‏ وعندما انتهت زيارتنا حملنا تجهيزاتنا والمطبوعات وفستق العبيد وابتدأنا نرتحل الى موقع المحفل التالي.‏ وبعد مغادرتنا المنطقة بقليل طُلب منا ان نتوقف لان شخصا كان يحاول ان يدركنا.‏ فتوقفنا وانتظرنا.‏ فتبيَّن انها امرأة مسنة تحمل صندوقا من فستق العبيد على رأسها.‏ وحين ادركتنا كانت منهوكة جدا حتى وقعت على الارض وكان عليها ان تبقى مستلقية حتى تستطيع ان تلتقط انفاسها.‏ نعم،‏ لقد ارادت كتابا مقدسا!‏ فكان علينا ان نفكّ تقريبا كل شيء،‏ ولكنه كان مصدر سرور ان نُشبع رغبتها.‏ كتاب مقدس آخر في يدين محبتين —‏ وصندوق فستق عبيد آخر في شاحنتنا!‏

كان ايضا رائعا ان نرى كيف اقام يهوه نظار دوائر ليزوروا الجماعات الكثيرة في الادغال الافريقية.‏ وفي ذلك الوقت كان صعبا على الجمعية ان تجد اخوة اكفاء ليست لديهم التزامات عائلية.‏ ولذلك لم يكن غير عادي ان يذهب ناظر جائل من جماعة الى جماعة،‏ إما بالاوتوبوس او على الدراجة،‏ مع زوجته وأولاده الاثنين او الثلاثة والحقائب والحرامات والمطبوعات.‏ وهؤلاء الاخوة وعائلاتهم عملوا حقا بجد وبدون تذمر ليخدموا الجماعات.‏ وقد كان امتيازا كبيرا ان نخدم معهم.‏

في سبعينات الـ‍ ١٩٠٠ آبتدأت الحرب الاهلية تسبب المشاكل للاخوة،‏ وقضية الحياد كانت تضع كثيرين منهم تحت امتحانات الولاء القاسية.‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٩‏)‏ وفكرت الجمعية انه من الافضل ان تغيِّر تعييني لئلا تصير الحالة اسوأ للاخوة بلا لزوم.‏ ولذلك،‏ في ١٩٧٢،‏ دُعيت لاخدم في مكتب الفرع في سالزبوري.‏ وهذا منحني الفرصة للمساعدة في بناء مكتب فرع جديد.‏ وفي وقت لاحق جرى تعييني كناظر دائرة للجماعات المتفرقة على نحو واسع الناطقة بالانكليزية.‏ وهذا تطلَّب السفر في طول زمبابوي وعرضها.‏ وفي بعض المناطق كانت الحالة خطرة حتى كان علينا ان نسافر في قوافل تنظمها الحكومة ويراقبها الجيش بتأييد الطائرات والهليكوبتر.‏

انتقالنا الى سطح افريقيا

ثم اتى تغيير آخر كبير للتعيين.‏ فكان علينا ان نخدم في ماسيرو،‏ عاصمة ليسوتو.‏ وهذه هي بلاد جبلية تُدعى احيانا سطح افريقيا،‏ ولها اماكن كثيرة ذات جمال طبيعي خلّاب.‏

ورغم اننا نقدِّر ونتمتع بالمشاهد الجميلة فهذا لم يكن قصدنا في المجيء الى هنا.‏ نحن هنا للمساعدة على ايجاد ‹المشتهى› الذي تتحدث عنه حجي ٢:‏٧‏.‏ وهذه هي بلاد صغيرة بعدد من السكان يبلغ مجرد مليون ونصف المليون.‏ وعندما وصلنا في ١٩٧٩ كان ما معدله ٥٧١ شاهدا يشاركون في الكرازة «ببشارة الملكوت هذه» كل شهر.‏ (‏متى ٢٤:‏١٤‏)‏ والجماعة في ماسيرو نمت حتى وجب ان تنقسم الى اثنتين.‏ وفي الآونة الاخيرة،‏ في نيسان ١٩٨٨،‏ ابتهجنا كثيرا بالوصول الى ذروة جديدة من ٠٧٨،‏ ١ مناديا بالملكوت.‏

في هذه الاثناء يستمر العمل في التقدم في تعييناتنا الارسالية السابقة في زامبيا وزمبابوي.‏ وعندما وصلنا اولا الى افريقيا منذ حوالى ٣٥ سنة كان هنالك ما مجموعه ٨٣٦،‏ ٣٦ مناديا بالملكوت في هذين البلدين.‏ والرقم اليوم هو ٢٢٩،‏ ٨٢.‏ وامتياز المشاركة بطريقة صغيرة في هذه الزيادات كان مكافأة رائعة لنا.‏

‏«ذوقوا وانظروا ما اطيب (‏يهوه)‏،‏» كتب المرنم الملهم داود.‏ (‏مزمور ٣٤:‏٨‏)‏ و ‹تذوُّقنا› الخدمة الارسالية اقنعنا بصحة هذه الكلمات.‏ وفي الواقع،‏ منذ ١٩٤٢ حين ابتدأنا بالخدمة كامل الوقت معا،‏ كانت حياتنا مليئة بالبركات اذ اختبرنا صلاح يهوه الوافر.‏ ومع ذلك هنالك عمل كثير لفعله.‏ فكم نحن شاكران ليهوه انه لا يزال لدينا مقدار من القوة والصحة لاستعمالهما في خدمته!‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٤]‏

جون مايلز وزوجته فال

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة