مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • فيض من المعرفة —‏ لكن قليل من التغيير
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢ | آب (‏اغسطس)‏ ٨
    • فيض من المعرفة —‏ لكن قليل من التغيير

      ‏«رغم الانتصارات التي احرزها العلم في الآونة الاخيرة،‏ لم يتغير البشر كثيرا طوال السنوات الالفَين الماضية؛‏ لذلك يجب ان نستمر في محاولة التعلّم من التاريخ».‏ —‏ كينيث كلارك،‏ الحضارة —‏ وجهة نظر شخصية (‏بالانكليزية)‏.‏

      لا شك ان العلم احرز على مر القرون تقدما جديرا بالملاحظة.‏ تقول مجلة تايم ان هذا التقدم «يمنح الملايين منا اعلى مستوى معيشة في التاريخ».‏ وبعض افضل التطورات العلمية حصلت في مجال الطب.‏ ففي العصور الوسطى «كان الطب بدائيا ووحشيا»،‏ كما تقول المؤرخة زُويه اولدنبور.‏ وتضيف:‏ «كان الطبيب يقتل بالسهولة التي يشفي فيها».‏

      غير راغبين في التعلّم

      لم يكن الناس راغبين دائما في التعلُّم.‏ ففي اواخر القرن الـ‍ ١٩،‏ مثلا،‏ تجاهل اطباء كثيرون الدلائل القاطعة انهم كانوا هم أنفسهم سبب انتقال المرض بين مرضاهم.‏ وتمسكوا بممارساتهم الخطرة ورفضوا غسل ايديهم قبل الانتقال من مريض الى آخر.‏

      رغم ذلك،‏ استمر العلم والتكنولوجيا في إحراز التقدم.‏ وكان من المنطق ان يتعلّم البشر من تجارب سابقة كيف يجعلون العالم مكانا اكثر سعادة وأمنا.‏ لكنّ ذلك لم يحدث.‏

      خذ على سبيل المثال اوروپا في القرن الـ‍ ١٧.‏ لقد وُصفت هذه الحقبة بعصر التنوير والعقل.‏ لكن الواقع يبقى انه «رغم فيض الانجازات العبقرية الذي اتسم به [هذا العصر] في مجالَي الفن والعلم،‏ استمرت اعمال الاضطهاد غير المبررة والحروب الضارية تُشن بوحشية لا تُضاهى».‏

      واليوم لا يزال هنالك احجام عن التعلُّم من الماضي بهدف تجنّب اخطائه.‏ نتيجة لذلك،‏ يبدو وجودنا بحدّ ذاته معرضا للخطر.‏ وقد استنتج الكاتب جوزيف نيدِم ان الحالة صارت خطرة جدا بحيث ان ‹كل ما نستطيع فعله الآن هو ان نأمل ونصلي الّا يطلق المهووسون السياسيون على الجنس البشرى القوى التدميرية التي يمكن ان تفني الحياة على الارض».‏

      رغم كل عبقرية البشر ومعرفتهم،‏ لماذا لا نزال غارقين في عالم مليء بالعنف والوحشية؟‏ هل سيتغير الوضع يوما؟‏ ستناقش المقالتان التاليتان هذين السؤالين.‏

  • لم تتعلّم الامم بعد
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢ | آب (‏اغسطس)‏ ٨
    • لم تتعلّم الامم بعد

      ‏«لو تعلّم الناس من التاريخ —‏ يا للدروس الكثيرة التي كنا سنتعلمها!‏ لكنّ التحزب والمشاعر المتأججة تعمي اعيننا،‏ والنور الذي تمنحه الخبرة هو كمصباح في مؤخرة السفينة لا يضيء إلّا الامواجَ وراءنا!‏».‏ —‏ سامويل تايلر كولريدج.‏

      هل توافق الشاعر الانكليزي سامويل كولريدج؟‏ هل يعقل ان تعمينا المشاعر التي تثيرها فينا قضية ما بحيث نكرر الاخطاء المأساوية التي اقترفتها الاجيال السابقة؟‏

      الحملات الصليبية

      لنتأمل مثلا في بعض ما فعله الناس خلال الحملات الصليبية.‏ سنة ١٠٩٥ ب‌م،‏ حثّ البابا أوربان الثاني «المسيحيين» على اخذ الارض المقدسة من المسلمين.‏ فهبّ الى تلبية النداء الملوك،‏ النبلاء،‏ الفرسان،‏ وعامة الشعب في كل البلدان التي كانت تحت سيطرة أوربان الثاني.‏ وبحسب احد المؤرخين في القرون الوسطى،‏ لم يتوانَ تقريبا ايّ «شعب يعيش وفقا لشريعة المسيح» عن دعم القضية.‏

      وتذكر المؤرخة زُويه اولدنبور ان غالبية الصليبيين كان لديهم «اقتناع راسخ انهم باشتراكهم في الحملة يتطوعون لخدمة اللّٰه نفسه».‏ وتقول انهم رأوا انفسهم في دور «الملائكة المهلِكة التي تحارب اولاد ابليس».‏ وبحسب الكاتب براين موينهان،‏ آمنوا ايضا ان «كل شخص يموت يُتوّج كشهيد في السماء».‏

      لربما كان الصليبيون غافلين ان عدوهم ايضا يؤمن بشيء مماثل.‏ يقول المؤرخ ج.‏ م.‏ روبرتس،‏ في كتابه الوجيز في تاريخ العالم (‏بالانكليزية)‏،‏ ان الجنود المسلمين ذهبوا ايضا الى الحرب وهم مقتنعون انهم يحاربون في سبيل اللّٰه،‏ وأن «الموت في ساحة المعركة ضد الكفّار يؤدي الى دخول الجنة» في السماء.‏

      لقد تعلّم كلا الجانبين ان حربهما حرب بارة —‏ يوافق عليها اللّٰه ويباركها.‏ وعزّز الزعماء السياسيون والدينيون هذه المعتقدات وأضرموا مشاعر اتباعهم.‏ فاقترف كلا الجانبين اعمالا وحشية لا توصف.‏

      اي نوع من الاشخاص؟‏

      اي نوع من الاشخاص قام بهذه الاعمال الرهيبة؟‏ لقد كانت غالبيتهم من عامة الشعب —‏ الذين لا يختلفون كثيرا عن الناس اليوم.‏ ولا شك ان كثيرين منهم ألهبتهم المبادئ المثالية والرغبة في تقويم الاعمال الخاطئة التي شهدوها في عالمهم آنذاك.‏ وبسبب مشاعرهم المتأججة،‏ لم يدركوا انهم في حربهم في سبيل تحقيق «العدل»،‏ لم يسببوا سوى الظلم،‏ الالم،‏ والمعاناة لمئات آلاف الرجال والنساء والاولاد الابرياء الذين احتُجزوا في مناطق القتال.‏

      ألم يحصل هذا الامر مرارا وتكرارا عبر التاريخ؟‏ ألم يستثر الزعماء بشخصياتهم القيادية مرة بعد اخرى ملايين لا تُحصى من الناس —‏ ممن لا تراودهم عادة فكرة القيام بمثل هذه الامور —‏ ليشتركوا في حروب وحشية وهمجية ضد اعدائهم الدينيين والسياسيين؟‏ ان الدعوة الى حمل السلاح من كلا الجانبين المتنازعَين والادعاءات ان اللّٰه هو مع كلا الطرفين شرّعت القمع العنيف للمعارضة الدينية والسياسية.‏ وكان ذلك جزءا من سيرة اتُّبعت دائما وخدمت مصالح الطغاة طوال قرون عديدة.‏ يقول موينهان ان هذا هو المقياس الذي «اتّبعه لاحقا مرتكبو المحرقة والتطهير العرقي العصري والذي لا بد انه كان وراء شنّ الحملة الصليبية الاولى».‏

      ربما تقول:‏ «لكنّ الناس العقلانيين لن يسمحوا ان يجري التلاعب بهم بهذه الطريقة.‏ أفلسنا اليوم متحضرين اكثر بكثير؟‏».‏ هكذا ينبغي ان تكون الحال.‏ ولكن هل جرى حقا تعلّم دروس من التاريخ؟‏ مَن يستطيع ان يقول بصدق اننا تعلمنا دروسا عندما يتأمل في تاريخ المئة سنة الماضية؟‏

      الحرب العالمية الاولى

      لقد تكرر ما حدث في الحملات الصليبية،‏ على سبيل المثال،‏ في الحرب العالمية الاولى.‏ يقول روبرتس:‏ «احدى المفارقات المستغربة في سنة ١٩١٤ هي ان اعدادا كبيرة من الناس في كل بلد،‏ من كل الاحزاب والمعتقدات والانساب،‏ بدا انها كانت،‏ ويا للعجب،‏ تمضي الى الحرب عن طيبة خاطر وسرور».‏

      فلماذا ذهبت اعداد كبيرة من الناس العاديين «الى الحرب عن طيبة خاطر وسرور»؟‏ لأنهم،‏ مثل الذين ذهبوا قبلهم عن طيبة خاطر الى الحرب،‏ اتبعوا قيما ومعتقدات صاغتها فلسفات زمنهم.‏ وفيما اندفع البعض باسم الحرية والعدل،‏ لا شك ان ما حثَّ كثيرين هو الاعتقاد المتعجرف ان بلادهم هي الارقى وبالتالي تستحق ان تكون المهيمنة.‏

      وقد أُقنع هؤلاء بأن الحرب جزء لا مفر منه من مجرى الحياة الطبيعية —‏ نوع من «الضرورة البيولوجية».‏ يقول الكاتب فيل وليامز ان «الدارونية الاجتماعية» عزّزت،‏ على سبيل المثال،‏ الفكرة ان الحرب هي الاداة الشرعية «لاستئصال تلك الانواع التي لا تستحق البقاء على قيد الحياة».‏

      لا شك ان كل شخص اعتقد ان قضيته محقة.‏ وبأية نتيجة؟‏ يقول الكاتب والمؤرخ مارتن ڠيلبرت انه اثناء الحرب العالمية الاولى «حرّكت الحكومات مشاعر العنصرية،‏ الوطنية،‏ والبسالة العسكرية» —‏ وتبعها الناس على نحو اعمى.‏ وقال العالم الاقتصادي جون كينيث ڠالْبرِيْث،‏ الذي نشأ في الريف الكندي خلال تلك الحرب،‏ ان الناس حوله كانوا يتحدثون عن «الحماقة الظاهرة التي وسمت النزاع في اوروپا».‏ وقالوا:‏ «الناس الاذكياء .‏ .‏ .‏ لا ينجرفون في مثل هذا الجنون‏»‏‏.‏ لكنهم،‏ عادوا وانجرفوا هم ايضا في ذلك.‏ وبأية عواقب؟‏ نحو ٠٠٠‏,٦٠ جندي كندي كانوا بين الجنود الاكثر من تسعة ملايين الذين ماتوا في كلا الطرفين اثناء الاحداث البغيضة التي دُعيت الحرب العالمية الاولى.‏

      ما من درس جرى تعلّمه

      اثناء العقدين التاليين،‏ بدأت الروح نفسها تظهر مجددا مع بروز الفاشية والنازية.‏ يكتب هيو پيرسل ان الفاشيين بدأوا يستعملون «ادوات الدعاية التقليدية من شعارات وأساطير لإثارة مشاعر الناس».‏ وبشكل خاص كان المزيج القوي للدين والسياسة من الادوات القوية التي استعملوها،‏ فصلّوا طلبا ان تحل بركة اللّٰه على جنودهم.‏

      وثمة شخص كان «خبيرا في اثارة مشاعر الناس وخطيبا بارعا» هو أدولف هتلر.‏ يقول دِك ڠيري في كتاب هتلر والنازية (‏بالانكليزية)‏ ان هتلر،‏ على غرار كثيرين من الزعماء الذين استثاروا الجماهير في الماضي،‏ آمن ان ‹الجماهير تتحكم بها مشاعرها وليس عقولها›.‏ فاستغل هذا الضعف البشري باللجوء ببراعة الى الطريقة القديمة العهد التي تقضي بتوجيه حقد الناس ضد عدو مشترك —‏ كما عندما «وجّه مخاوف وامتعاض الالمان ضد اليهود»،‏ يقول پيرسل.‏ وأراد هتلر الطعن باليهود بقوله ان ‹اليهودي هو من يفسد الامة الالمانية›.‏

      والمروِّع في هذا العصر كله هو ان ملايين الاشخاص الذين يبدون محترمين جرى حضهم بسهولة على ارتكاب القتل الجماعي.‏ يسأل ڠيري:‏ «كيف يستطيع مَن يُفترض ان يكونوا جزءا من بلد متحضر ان يجيزوا الاعمال الهمجية المروّعة التي قامت بها الدولة النازية،‏ ويصبحوا ايضا متورطين فيها؟‏».‏ ولم يكن مجرد بلد «متحضر»،‏ بل ايضا بلدا يدّعي المسيحية!‏ لقد انجرفوا في ذلك لأنهم فضّلوا فلسفات وخطط البشر على تعاليم يسوع المسيح.‏ ويا لَعدد الرجال والنساء المخلصين ذوي المثل العليا الذين انقادوا الى ارتكاب اعمال وحشية مروِّعة منذ ذلك الحين!‏

      يقول الفيلسوف الالماني ڠيورڠ هيڠل:‏ «ما تُعلّمنا اياه التجربة والتاريخ هو ان الدول والحكومات لم تتعلم شيئا قط من التاريخ او تطبق اية دروس قد تكون استخلصتها منه».‏ كثيرون قد لا يوافقون على فلسفة هيڠل بشأن الحياة،‏ لكنّ قليلين يعارضون هذه العبارة.‏ فمن المؤسف ان الناس يواجهون فعلا صعوبة في تعلّم شيء من التاريخ.‏ لكن هل ينبغي ان ينطبق ذلك عليك؟‏

      طبعا،‏ هنالك درس واضح ينبغي تعلمه:‏ اننا نحتاج الى شيء موثوق به اكثر بكثير من الفلسفات البشرية التي هي عرضة للخطإ لكي لا تتكرر مآ‌سي الاجيال السالفة.‏ ولكن اذا لم نلجأ الى الفلسفة البشرية فما الذي سيرشد تفكيرنا؟‏ قبل الحروب الصليبية بأكثر من ألف سنة،‏ اظهر تلاميذ يسوع المسيح ما ينبغي ان يكون عليه المسلك المسيحي الحقيقي —‏ المسلك الصائب الوحيد.‏ فلنفحص ماذا فعلوا لتجنب الانهماك في النزاعات الدموية التي حصلت في ايامهم.‏ لكن هل من المرجح ان تتعلم الدول اليوم كيف تفعل ذلك وتتجنب بالتالي النزاعات؟‏ وبغض النظر عما تفعله الدول،‏ ما هو الحل الذي سيجلبه اللّٰه لينهي كل الشقاء البشري؟‏

      ‏[الصور في الصفحة ٦]‏

      الهمجية والمعاناة وسمتا النزاعات البشرية

      ‏[الصور في الصفحة ٧]‏

      في الاعلى:‏ لاجئون في منطقة مزقتها الحرب

      كيف يمكن لمَن يُفترض ان يكونوا متحضرين ان يتورطوا في اعمال عنف لا توصف؟‏

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Rwandan refugees: UN PHOTO 186788/J.‎ Isaac; collapse of World Trade Center: AP Photo/Amy Sancetta

  • التعلّم من مسيحيي القرن الاول
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢ | آب (‏اغسطس)‏ ٨
    • التعلّم من مسيحيي القرن الاول

      ‏«احذروا:‏ لعل احدا يسبيكم بالفلسفة والخداع الفارغ حسب تقليد الناس،‏ حسب مبادئ العالم الأولية وليس حسب المسيح».‏ —‏ كولوسي ٢:‏٨‏.‏

      بهذه الطريقة حذّر الرسول بولس مسيحيي القرن الاول من خطر اتّباع الفلسفة البشرية على نحو اعمى.‏ فقد كان بإمكانهم اما الالتصاق بالارشاد الموثوق به الذي اعطاه يسوع ورسله،‏ التعاليم التي كانت قد جلبت لهم فوائد جمة،‏ او الوقوع ضحية النظريات البشرية الدائمة التغيّر —‏ مسلك سبق ان سبب للملايين الاسى والبؤس.‏ —‏ ١ كورنثوس ١:‏١٩-‏٢١؛‏ ٣:‏١٨-‏٢٠‏.‏

      العيش «حسب المسيح»‏

      لم يفهم الصليبيون الذين عاشوا منذ الف سنة تقريبا ان العيش «حسب المسيح» يعني اكثر بكثير من مجرد الادّعاء بالولاء ليسوع المسيح.‏ (‏متى ٧:‏٢١-‏٢٣‏)‏ انه يعني العيش بانسجام تام مع تعاليم يسوع كما هي موجودة في كلمة اللّٰه الموحى بها،‏ الكتاب المقدس.‏ (‏متى ٧:‏١٥-‏٢٠؛‏ يوحنا ١٧:‏١٧‏)‏ قال يسوع المسيح:‏ «‏إن ثبتم في كلمتي،‏ تكونون حقا تلاميذي».‏ (‏يوحنا ٨:‏٣١‏)‏ كما قال:‏ «يعرف الجميع انكم تلاميذي،‏ إن كان لكم محبة بعضا لبعض».‏ —‏ يوحنا ١٣:‏٣٥‏.‏

      في الحقيقة وقع اولئك الصليبيون ضحية «الخداع الفارغ حسب تقليد الناس».‏ ولا عجب ان خُدع الناس العاديون،‏ اذ ان قادتهم الدينيين،‏ اساقفتهم،‏ ‏«صاروا معروفين كرجال حرب».‏ تقول دائرة معارف المطبوعات الكتابية واللاهوتية والكنسية (‏بالانكليزية)‏ لواضعَيها مكلنتوك وسترونڠ:‏ «سادت الروح المولعة بالحرب بين رجال الدين بحيث كانوا مستعدين دائما لخوض الحرب اذا ما تبيّنوا فائدة منها».‏

      وما الذي ادّى الى هذه الحالة المؤسفة؟‏ بعد موت الرسل المسيحيين في القرن الاول،‏ صار قادة الكنيسة المرتدون ينحرفون تدريجيا عن تعاليم المسيح،‏ تماما كما انبأت كلمة اللّٰه.‏ (‏اعمال ٢٠:‏٢٩،‏ ٣٠‏)‏ وصارت الكنيسة الفاسدة في النهاية متورطة اكثر فأكثر في شؤون الدولة العلمانية.‏ ففي القرن الرابع،‏ زُعم ان الامبراطور الروماني قسطنطين اهتدى الى المسيحية وهو على فراش الموت.‏ وبعد ذلك «ادّت الاستعاضة عن الاعلام الصنمية برايات الصليب الى وضع كلّ مسيحي تحت التزامات الخدمة كجندي»،‏ كما تقول دائرة المعارف المذكورة آنفا.‏

      طبعا،‏ لم يكن المسيحيون في الواقع تحت التزام كهذا.‏ لكن ‹الحجج الهادفة الى الإقناع› التي قدمتها الفلسفة البشرية ادّت بهم الى انتهاكات جسيمة لكل ما مثّله المسيح.‏ (‏كولوسي ٢:‏٤‏)‏ وعلى مدى فترة طويلة استُعملت بعض الحجج الخادعة جدا لتبرير الحروب والنزاعات البشرية.‏ لكن في الواقع،‏ ان تورط شخص انساني او تقي في «اعمال الحرب الابليسية،‏ كما جرت ممارستها بطرق منظمة في الازمنة القديمة او العصرية»،‏ كما يقول مكلنتوك وسترونڠ،‏ «لا يمكن بأية طريقة ان ينسجم مع .‏ .‏ .‏ المبادئ المسيحية».‏

      والاديان التي خارج العالم المسيحي خاضت ايضا الحروب عبر القرون.‏ وتماما مثل كنائس العالم المسيحي،‏ قتلت اعضاء من دينها الخاص ومن غيره بسبب الاختلافات القومية،‏ السياسية،‏ والدينية.‏ واستخدمت العنف او التهديد بالعنف لهداية الآخرين الى معتقداتها الخاصة.‏ ولتحقيق غاياتها،‏ اشترك بعضها في حمامات الدم التي شهدها التاريخ.‏ وهي بذلك ليست مختلفة عن اديان العالم المسيحي.‏

      منفصلون عن العالم

      لمَ تمكن مسيحيو القرن الاول من الابتعاد عن الحروب الدموية والشؤون السياسية في زمنهم؟‏ لقد ساعدهم مبدآن اساسيان.‏ اولا،‏ الامر الذي اعطاه يسوع للرسول بطرس عندما استعمل بطرس السيف ليدافع عنه:‏ «رد سيفك الى مكانه،‏ لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون».‏ (‏متى ٢٦:‏٥٢‏)‏ ثانيا،‏ الكلمات التي قالها يسوع لبيلاطس عندما سأله عن طبيعة ملكه:‏ «مملكتي ليست جزءا من هذا العالم.‏ لو كانت مملكتي جزءا من هذا العالم،‏ لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم الى اليهود.‏ ولكن مملكتي ليست من هنا».‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٣٦‏.‏

      فكيف طبق مسيحيو القرن الاول هذين المبدأين؟‏ لقد بقوا منفصلين تماما عن العالم،‏ محافظين على حيادهم التام في ما يتعلق بالمسائل السياسية والعسكرية.‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٧-‏١٩؛‏ ١٧:‏١٤-‏١٦؛‏ يعقوب ٤:‏٤‏)‏ ورفضوا حمل السلاح ضد رفيقهم الانسان.‏ ويتّضح من التاريخ ان مسيحيي القرن الاول لم يلتحقوا بالحركات القومية اليهودية ولا بجيوش الامبراطورية الرومانية.‏ وفي الوقت نفسه،‏ لم يحاولوا ان يقولوا للقادة السياسيين ما ينبغي ان يفعلوه،‏ لأن ذلك كان من مسؤولية هؤلاء القادة الحكوميين.‏ —‏ غلاطية ٦:‏٥‏.‏

      كتب يوستينوس الشهيد في القرن الثاني ب‌م ان المسيحيين كانوا «يطبعون سيوفهم سككا».‏ (‏ميخا ٤:‏٣‏)‏ وكردّ على مَن عارضوا الموقف المسيحي،‏ سأل ترتليانوس:‏ «هل يحلّ امتهان حمل السيف،‏ في حين ان الرب قال ان الذي يأخذ السيف بالسيف يهلك؟‏».‏

      ‏«ينبغي ان يُطاع اللّٰه حاكما لا الناس»‏

      ان رفض الذهاب الى الحرب لم يسهّل الامور على المسيحيين الاولين.‏ فقد كان ذلك مخالفا للمعتقدات المقبولة في ايامهم.‏ وقد سخر سلسُس،‏ وهو عدو للمسيحية،‏ من موقفهم.‏ فقد كان يؤمن انه ينبغي على كل فرد الامتثال لطلب الذين في السلطة والذهاب الى الحرب.‏ لكن بالرغم من الموقف العدائي الهائل،‏ رفض المسيحيون الاولون اتّباع اية فلسفة بشرية تناقض تعاليم المسيح.‏ وقالوا:‏ «ينبغي ان يُطاع اللّٰه حاكما لا الناس».‏ —‏ اعمال ٤:‏١٩؛‏ ٥:‏٢٩‏.‏

      واليوم،‏ يتبع شهود يهوه مثالهم.‏ ففي المانيا النازية،‏ مثلا،‏ رفضوا بثبات ان يشتركوا في حروب هتلر المهلكة.‏ وكانوا مستعدين ان يحتملوا الاضطهاد الوحشي،‏ ان يموتوا اذا اقتضى الامر،‏ عوض انتهاك حيادهم المسيحي.‏ وأُخبر ان النازيين «سجنوا نصفهم وأعدموا ربعهم» بسبب التصاقهم بمبادئ الكتاب المقدس.‏ (‏عن الآلهة والرجال [بالانكليزية])‏ وهكذا،‏ من عشرات الملايين الذين قُتلوا في الحرب العالمية الثانية،‏ لم يُقتل واحد على يد شاهد ليهوه.‏ فعوض قتل الآخرين،‏ كان الشهود مستعدين ان يضحوا بحياتهم الخاصة،‏ كما فعل كثيرون منهم.‏

      درس يمكن تعلّمه

      ما هي الدروس التي يمكن ان يعلّمنا اياها التاريخ؟‏ لا شك ان احدها هو التالي:‏ الفلسفة البشرية تؤدي باستمرار الى البغض وسفك الدم بين الدول والناس.‏ تذكر جامعة ٨:‏٩ بحق:‏ «يتسلط انسان على انسان لضرر نفسه».‏ والسبب الاساسي لذلك موجود في ارميا ١٠:‏٢٣ حيث تقول كلمة اللّٰه:‏ «ليس للانسان طريقه.‏ ليس لإنسان يمشي ان يهدي خطواته».‏ كلا،‏ لم يخلق اللّٰه البشر ليديروا شؤونهم بنجاح باستقلال عنه.‏ فهم لم يُمنَحوا قدراته.‏ وكل الحوادث التاريخية خير برهان على ذلك.‏

      صحيح اننا كأفراد،‏ لا يمكننا تغيير ما يقوم به زعماء الدول فيما يكررون مآ‌سي الماضي،‏ كما اننا لسنا مخوّلين ان نحاول اقناعهم باتخاذ مسلك معيّن.‏ غير اننا لا يجب ان ننجرف في نزاعاتهم ونصبح جزءا منها.‏ قال يسوع عن اتباعه:‏ «ليسوا جزءا من العالم،‏ كما اني انا لست جزءا من العالم».‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٤‏)‏ ولتجنّب الصيرورة جزءا من نزاعات العالم،‏ ينبغي ان ندع كلمة اللّٰه،‏ الكتاب المقدس —‏ لا الفلسفات البشرية المتغيرة —‏ ترشد حياتنا.‏ —‏ متى ٧:‏٢٤-‏٢٧؛‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١٦،‏ ١٧‏.‏

      مستقبل رائع

      لا تلقي كلمة اللّٰه الموثوق بها ضوءا على الماضي والحاضر فحسب،‏ بل تمنحنا ايضا ارشادا اكيدا للمستقبل.‏ (‏مزمور ١١٩:‏١٠٥؛‏ اشعياء ٤٦:‏٩-‏١١‏)‏ كما انها تعطينا صورة واضحة عن قصد اللّٰه لهذا الكوكب.‏ فهو لن يسمح للبشر ان يدمروا الارض بلجوئهم بقلة بصيرة الى إساءة استعمال القوى الهائلة التي يستمدونها من العلم والتكنولوجيا.‏ بل سيتأكد ان تصير هذه الارض فردوسا كما قصد ان تكون منذ البدء.‏ —‏ لوقا ٢٣:‏٤٣‏.‏

      بهذا الصدد،‏ تذكر كلمة اللّٰه ان «المستقيمين يسكنون الارض والكاملين يبقون فيها.‏ اما الاشرار فينقرضون من الارض والغادرون يُستأصلون منها».‏ (‏امثال ٢:‏٢١،‏ ٢٢‏)‏ وسيحصل ذلك قريبا،‏ لأن هذه الاوقات المضطربة تدل اننا نعيش في «الايام الاخيرة» من نظام الاشياء الشرير الحاضر.‏ (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥،‏ ١٣‏)‏ ولا شك ان هذه الايام معدودة،‏ وهي تشرف على نهايتها.‏ تعلمنا نبوة الكتاب المقدس:‏ «العالم يزول وكذلك شهوته،‏ وأما الذي يصنع مشيئة اللّٰه فيبقى الى الأبد».‏ —‏ ١ يوحنا ٢:‏١٧؛‏ دانيال ٢:‏٤٤‏.‏

      قريبا ‹سيهلك اللّٰه الذين يهلكون الأرض› ويستبدل العالم العنيف الحاضر بعالم جديد فيه «يسكن البر».‏ (‏كشف ١١:‏١٨؛‏ ٢ بطرس ٣:‏١٠-‏١٣‏)‏ بعد ذلك،‏ في ما يتعلق بالباقين،‏ «سيمسح كل دمعة من عيونهم،‏ والموت لا يكون في ما بعد،‏ ولا يكون نوح ولا صراخ ولا وجع في ما بعد».‏ (‏كشف ٢١:‏١-‏٤‏)‏ وستولي الحروب والاعمال العنيفة الى الابد،‏ كما ستتم كاملا النبوة في اشعياء ٢:‏٤‏:‏ «يطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل.‏ لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد».‏ انت ايضا يمكنك ان تتمتع بهذا المستقبل الرائع اذا تعلمت دروسا من التاريخ.‏ —‏ يوحنا ١٧:‏٣‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة