-
هل الحياة لها قصد؟استيقظ! ١٩٩٢ | نيسان (ابريل) ٢٢
-
-
هل الحياة لها قصد؟
«‹لماذا نحن هنا؟› هو السؤال الاهم الذي يجب على الكائن البشري ان يواجهه. . . . اعتقد ان الحياة لها معنى على الرغم من الموت العديم المعنى الذي رأيته. الموت ليس له معنى، الحياة لها معنى.»
كتب هذه الكلمات ايلي ويزل، كاتب مشهور وناجٍ من معسكرات الاعتقال النازية. وكان واحدا من الكثيرين الذين اجابوا عن السؤال الذي طرحته مجلة لايف: «لماذا نحن هنا؟» لقد رأى الحياة في اسوإ احوالها، ومع ذلك كان مقتنعا بأن الحياة لها معنى.
ولكن، لم يوافق كل واحد على ذلك. فثمة سائق تاكسي يُدعى هوسيه مارتينيس اجاب عن السؤال نفسه بهذه الطريقة: «نحن هنا لنموت، فقط لنعيش ونموت. فأنا اقود سيارة اجرة. اقوم بشيء من صيد السمك، اخرج في رفقة صديقتي، ادفع الضرائب، اقرأ قليلا، وأستعد بعد ذلك للموت . . . ان الحياة خدعة كبيرة.» فبالنسبة الى هوسيه، من الواضح ان الحياة ليس لها معنى، ليس لها قصد.
من المدهش ان عددا من الناس المثقفين تبيَّن انهم يوافقون سائق التاكسي عوضا عن الكاتب. وعالِما التطور ريتشارد إ. ليكي وروجر لُوِن، في كتابهما الاصول، يقترحان: «النوع البشري ربما هو مجرد خطإ بيولوجي جسيم، اذ تطور الى ما وراء المرحلة التي عندها يستطيع ان يزدهر انسجاما مع نفسه والعالم حوله.» فبالنسبة اليهما على الاقل، الحياة البشرية عديمة المعنى.
وعلى نحو مماثل، كتب عالِم التطور ستيڤن جاي ڠولد: «نحن هنا لأن فريقا شاذّا من السمك كان له تركيب بنيوي للزعانف فريد يمكن ان يتحول الى ساقين لدى المخلوقات الارضية؛ . . . لأن نوعا صغيرا وضعيفا، اذ ظهر للوجود في افريقيا قبل ربع مليون سنة، تدبر الامر، حتى الآن، ليبقى على قيد الحياة بأية وسيلة. قد نتوق الى جواب ‹اسمى› — ولكن ما من جواب موجود.» فبالنسبة الى ڠولد، الحياة البشرية صدفة عديمة المعنى.
ڠولد على صواب من ناحية واحدة على الاقل. فكثيرون يتوقون الى جواب «اسمى» من الجواب الذي اقترحه. وفي اوقات المأساة، يفكر كثيرون مثل جايسُن البالغ من العمر ١١ سنة. كتب هذا الصبي الصغير عن موت صديقة صغيرة: «عندما ماتت صديقتي كيم من السرطان الذي اصابها سألتُ امي انه اذا كان اللّٰه سيُميت كيم عندما تكون في الـ ٦ فقط، فلماذا جعلها تولد على ايّ حال؟» لقد شعر جايسُن بالفطرة ان الحياة يجب ان يكون لها قصد، وبدا ان الموت المحزن لصديقته الصغيرة يُحبط هذا القصد.
اهمية السؤال
هل هو مهم ان نعرف ما اذا كان للحياة قصد او لا؟ وهل هذا مجرد سؤال فلسفي، او انه سؤال يجب ان يهمكم؟ عاش كثيرون حياتهم دون ان يمنحوا المسألة الكثير من التفكير. واذا كان هوسيه مارتينيس على صواب، فإن مسلكهم قد يكون مسلكا حكيما لاتِّباعه.
ولكن، اذا كان ايلي ويزل على صواب والحياة لها معنى، فبالتأكيد يجب ان نحاول ان نكتشف ما هو. وإلّا فيمكن ان نخسر النقطة الاساسية بكاملها لتجربة العيش الرائعة. ويكون الامر كالسير عبر صالة عرض آثار فنية دون النظر الى الصور او كالجلوس في مطعم دون طلب وجبة.
فكيف يمكننا ان نعلم ما اذا كان للحياة قصد او لا؟ في المقالة التالية، سنناقش بعض الوقائع التي تساعد على حلّ هذه المشكلة.
-
-
البحث عن قصداستيقظ! ١٩٩٢ | نيسان (ابريل) ٢٢
-
-
البحث عن قصد
منذ زمن تشارلز داروين، هنالك ضغط هائل من علماء الاحياء لقبول النظرية ان الحياة، نتيجة للتطور، هي من حيث الاساس بلا قصد. ولكنَّ كثيرين يرفضون ذلك فطريا. ان الزوجين الشابين، اذ ينظران الى طفلهما الجميل المولود حديثا، يجدان صعوبة في التصديق ان هذه الحياة الجديدة هي بلا قصد. فبالنسبة اليهما، انها عجيبة، معجزة تُغني الحياة.
وحتى بعض العلماء لا يوافقون على ان الحياة صدفة عديمة المعنى. ولمَ لا؟ بسبب ما تدعوه دائرة المعارف الاميركية «الدرجة غير العادية من التعقيد والتنظيم في المخلوقات الحية.» وتتابع دائرة المعارف الاميركية لتقول: «ان فحصا دقيقا للزهور، الحشرات، او الثدييات يُظهر ترتيبا مُحكما للاجزاء بطريقة تكاد لا تصدَّق.»
نظرا الى مثل هذا التعقيد والتنظيم الجميل — الذي تجري رؤيته حتى في ابسط المخلوقات الحية — اقتُبس من العالِم الجنوب افريقي الدكتور لُو ألبرتس في كَيْپ تايمز قوله: «انال اكتفاء فكريا في القبول ان هنالك الها اكثر من مجرد القبول انها [الحياة] حدثت بالصدفة.» واذ تكلَّم عن التركيب الكيميائي للكائنات الحية، كتب الفلكي البريطاني السّر برنارد لوڤيل: «ان احتمال . . . حدوث صدفة تؤدي الى تكوين احد جُزَيْئات الپروتيين الاصغر ضئيل على نحو لا يمكن تصوره. . . . هو في الواقع صفر.»
وفي مجرى تفكير مماثل، كتب الفلكي فرِد هويْل: «ان بنية علم الاحياء التقليدي بكاملها لا تزال تعتبر ان الحياة ظهرت للوجود عشوائيا. ومع ذلك اذ يكتشف علماء الكيمياء الحيوية المزيد والمزيد عن التعقيد الرهيب للحياة، يكون واضحا ان فرص نشوئها بالصدفة ضئيلة جدا بحيث يمكن استبعادها تماما. فلا يمكن ان تكون الحياة قد ظهرت للوجود بالصدفة.»
ماذا يعني ذلك؟ إن لم تكن الحياة قد حدثت بالصدفة، فلا بد ان تكون قد اتت عن عمد. واذا كان الامر كذلك، فلا بد ان يكون لها مصمم. ويا له من مصمم! فبالصواب قال صاحب المزمور: «بطريقة توحي بالرهبة انا مصنوع على نحو عجيب.» (مزمور ١٣٩:١٤، عج) ولكن ماذا يخبرنا ذلك عما اذا كان للحياة قصد او لا؟
حسنا، ان البشر ايضا يصممون ويصنعون اشياء. فيصنعون طائرات نفّاثة. يصنعون مصافيَ للنفط. يصنعون محطات لتوليد الطاقة الكهربائية. ويصنعون عددا ضخما من الاشياء الاخرى الاكثر او الاقل تعقيدا. لكنَّ البشر لا يصممون ويبنون اشياء معقَّدة كهذه دون سبب. فيجري صنع كل شيء بقصد في الذهن.
وبما انه لا شيء مما صنعه البشر يكون ايضا قريبا من مطابقة التعقيد الرهيب للاشياء الحية، فلا شك ان مصمم الحياة لم يكن ليخلق الحياة دون ان يكون لديه قصد لاجلها. وهي غاية الجهالة ان يعتقد المرء اننا ‹صُنعنا على نحو عجيب› وبعد ذلك تُركنا دون توجيه ودون قصد.
البحث عن قصد
أما ان الخالق خلق البشر لاتمام قصد فيدعمه بقوة ايضا واقع اننا نحن البشر نسعى فطريا وراء قصد في حياتنا. وتكلَّم جيلبرت بْريم، احد العلماء النفسانيين، عن حاجة الانسان الفطرية الى قصد عندما قال: «يجد اناس كثيرون فرصة للنمو الشخصي وتحديا في مكان العمل. لكنَّ اولئك الذين لا يستطيعون ذلك يبحثون عن تحديات وانجاز خصوصية في مكان آخر: التخلص من بعض الوزن، اتقان ضربة للكرة بالمضرب الحديدي رقم ستة في موقع انحدار [في لعبة الڠولف]، صنع عجة البيض المثالية او السعي وراء المغامرات — سواء كان ذلك القيام بطيران شراعي او اختبار اطعمة جديدة.» والطبيب النفساني ڤيكتور فرانكل ادَّعى ايضا: «ان مجاهدة المرء لايجاد معنى في حياته هي القوة الدافعة الاساسية في الانسان.»
فلنفحص بعض الاهداف التي يضعها الناس لانفسهم في الحياة.
ماذا يعطي الحياةَ قصدا؟
ثمة فتاة في اول مراهقتها، عندما سئلت عن قصدها في الحياة، قالت: «حلمي هو ان احصل فقط على شقَّة جميلة، سيارة جميلة، وصديق جميل يرافقني في السيارة. سأرضي رغباتي الخاصة. انني شخص اناني. وأريد ما يجعلني سعيدة، وليس ما يجعل المجتمع بكامله سعيدا.» اذا كنتم تفكرون ان ذلك يبدو انانيا، فأنتم على صواب. انه كذلك. لكنَّ ما يدعو الى الاسف هو ان ذلك ليس موقفا غير مألوف.
ومع ذلك، هل يرضي مجردُ السعي وراء الامور المادية والمِتَع الحاجةَ الى حيازة المرء معنى في حياته؟ كلا. فعندما تكون المتعة غايتنا الوحيدة، لا تجلب المتعة الاكتفاء. والافراد الذين يجعلونها هدفهم الاساسي في الحياة ينتهي بهم الامر عادة الى ان يردِّدوا في قلوبهم صدى شعور ملك ثري في الازمنة القديمة استعمل سلطته وثروته ليسبر اوجهًا متنوعة من المتعة المتوافرة في ذلك الحين. أَصغوا الى الاستنتاج الذي توصَّل اليه:
«جمعت لنفسي ايضا فضة وذهبا وخصوصيات الملوك والبلدان. اتخذت لنفسي مغنّين ومغنّيات وتنعُّمات بني البشر سيدة وسيدات. . . . فإذا الكل باطل وقبض الريح.» — جامعة ٢:٨، ١١.
يجد كثيرون الاكتفاء في احدى المهن او في استعمال قوتهم العقلية او الجسدية لانجاز ما يبدو انه غايات جديرة بالاهتمام. ولكن، بعد فترة، لا ترضي المهنة كاملا الحاجة الى حيازة قصد في الحياة. وپيتر لينش، الذي يجري وصفه ك «نجم متفوق في الاستثمار،» تخلى عن مهنته المربحة عندما ادرك ان شيئا ما ناقص على نحو خطير في حياته. وما هو؟ علاقته بعائلته. لقد اعترف: «احببت ما كنت افعله، لكنني توصلت الى استنتاج، وكذلك فعل بعض الاشخاص الآخرين: لماذا . . . نفعل ذلك؟ لا اعرف احدا تمنى على فراش موته لو انه قضى المزيد من الوقت في المكتب.»
لهذا السبب، اظهرت احدى المراهقات مقدارا من الاتزان عندما تأملت في اهدافها في الحياة وقالت: «احد اهدافي التي ارغب فيها هو ان احصل على مهنة. لكنَّ هدفي الاساسي الذي ارغب فيه هو حيازة عائلة سعيدة.» نعم، يمكن ان تعطي عائلتنا معنى وقصدا للحياة. قالت شابة متزوجة: «في وقت باكر جدا من حياتي اعتبرت الكينونة والدة احد الاشياء التي وُلد الفرد لاجلها، احد مقاصد الحياة، ولم اشك قط في ذلك.»
يتطلع آخرون الى قصد في الحياة في مساعٍ اخرى. فالبعض — بمن فيهم على الارجح اولئك العلماء الذين يدَّعون ان الحياة صدفة عديمة المعنى — يجدون قصدا في السعي وراء المعرفة. كتب عالِم التطور مايكل روز: «لدينا تعطش الى المعرفة، وذلك يرفعنا فوق البهائم. . . . وبين حاجاتنا وواجباتنا العظمى تلك التي لنقل حكمة الماضي المتراكمة، بالاضافة الى حماستنا وانجازاتنا، الى اولادنا. . . . وابتغاء المعرفة، والنجاحات، تؤلِّف احدى الصفات المميِّزة العظيمة للطبيعة البشرية.»
ويجد البعض ان تأييد قضية يعطي قصدا لحياتهم. فيعملون من اجل حفظ الانواع النادرة من الحيوانات. او يحاربون التلوث وتدمير البيئة. ويدافع الاشخاص المهتمون عن حقوق الاولاد او يعملون من اجل المشرَّدين او الفقراء. او يجهدون انفسهم في منع انتشار الادمان على المخدرات. وأفراد كهؤلاء ينجزون احيانا الكثير من الخير، وما يفعلونه يغني حياتهم بالقصد.
التثبطات وخيبات الامل
ولكن يجب ان نعترف ان البشر غالبا ما يجري تثبيطهم في سعيهم وراء الاهداف حتى وإن كانت الاهداف مهمة. فالوالدون الذين يضعون الكثير من المحبة والجهد في تربية اولادهم يخسرونهم احيانا بسبب الحوادث المفاجئة، الجريمة، المرض، او ادمان المخدرات. او عندما يكبر الاولاد، قد تُفسدهم الروح الانانية لهذا العالم ويفشلون في ردِّ محبة والديهم.
واولئك الذين يعملون بغير انانية لتحسين البيئة غالبا ما تثبِّطهم المصالح التجارية او الواقع ان الآخرين لا يهتمون. واولئك الذين يعملون من اجل تحسين حال الفقراء تسحقهم ضخامة المهمة. والفرد الذي يجد مهنته مرضية يتثبط عندما يتقاعد قسريا. والباحث الذي يجد ان السعي وراء المعرفة يجلب الاكتفاء تماما يتثبط عندما تقترب حياته من نهايتها ولا يزال هنالك الكثير جدا من الاسئلة التي لم تجرِ الاجابة عنها. والرجل الذي قضى حياته يبني ثروة يجد انه، في آخر الامر، يجب ان يتركها للآخرين.
ان الملك القديم الذي جرى الاقتباس منه سابقا وصف بعض هذه التثبطات عندما كتب: «كرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس حيث اتركه للانسان الذي يكون بعدي. ومَن يعلم هل يكون حكيما او جاهلا. ويستولي على كل تعبي الذي تعبت فيه وأظهرت فيه حكمتي.» — جامعة ٢:١٨، ١٩.
اذًا، هل الحياة من حيث الاساس هي بدون قصد كما يبدو ان هذه الكلمات الصحيحة جدا تدل عليه ضمنا؟ هل الاهداف المتنوعة التي يسعى البشر وراءها هي مجرد مساعدة لتجعلهم يجتازون الـ ٧٠، الـ ٨٠، او الـ ٩٠ سنة من الحياة التي تُمنح للكثيرين؟ وبالاضافة الى ذلك، هل هذه الاهداف من حيث الاساس عديمة المعنى؟ كلا. وفي الواقع، انها تشير الى شيء عميق جدا بشأن الطريقة التي صُنعنا بها، وتزوِّد الدليل على ان الحياة لها حقا قصد رائع جدا. ولكن كيف يمكننا ان نجد هذا القصد؟
[الصورتان في الصفحة ٧]
يجد البعض ان السعي وراء المعرفة يعطي معنى وقصدا لحياتهم
لا يبني البشر اشياء معقَّدة دون ان يكون لديهم قصد في الذهن
[مصدر الصورة]
NASA photo
-
-
القصد الحقيقي من الحياةاستيقظ! ١٩٩٢ | نيسان (ابريل) ٢٢
-
-
القصد الحقيقي من الحياة
تخيَّلوا انكم تزورون معمل احد الاصدقاء. وقد انهى منذ لحظات مشروعا، وأنتم مفتونون به. فالشيء مصنوع بطريقة جميلة ومعطى شكلا اخّاذا. ولكن، مهما حاولتم، لا يمكنكم ان تحدِّدوا ما هو القصد منه. فكيف تعرفون ذلك؟ حسنا، تسألون صديقكم، وسيكون على الارجح سعيدا بأن يخبركم.
وهكذا كيف يمكننا ان نعرف القصد من الحياة؟ حسنا، لمَ لا نسأل اللّٰه، «ينبوع الحياة»؟ (مزمور ٣٦:٩) وكيف يمكنكم ان تفعلوا ذلك؟ من حسن التوفيق انه تكلَّم معنا بواسطة الكتاب المقدس. فقد جعل افرادا ذوي ايمان يكتبون افكاره بطريقة يمكننا ان نفهمها. وفي الواقع، ان القصد من الحياة يمكن التعبير عنه بمجرد كلمات قليلة: نحن هنا للتعلُّم عن اللّٰه ولفعل مشيئته. يقول الكتاب المقدس: «فلنسمع ختام الامر كله. اتَّقِ اللّٰه واحفظ وصاياه لأن هذا هو الانسان كله.» — جامعة ١٢:١٣.
فهل يبدو ذلك بسيطا جدا؟ في الواقع، انه ليس كذلك. فكوننا هنا للتعلُّم عن اللّٰه ولفعل مشيئته له مضامين رائعة وعميقة.
قصد اللّٰه الاصلي
ان تعلُّم ما اعدَّه اللّٰه في الاصل للجنس البشري سيساعدكم على فهم القصد من الحياة بشكل افضل. وسيوضح ايضا لماذا بعض الاشياء المذكورة في المقالة السابقة يجلب مقدارا من المعنى والقصد لحياة كثيرين اليوم.
تقول رواية الكتاب المقدس عن خلق الانسان: «قال اللّٰه نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.» (تكوين ١:٢٦) وهكذا صُنع البشر بامكانية الكينونة كاللّٰه، اذ يملكون الصفات البارزة التي لديه، بما في ذلك الحكمة، القدرة، البر، والمحبة. فهل من المدهش، اذًا، ان يجد البعض ان السعي وراء المعرفة الجديدة او الانهماك في النشاطات التي تتحدى قواهم العقلية او الجسدية امر مرضٍ؟ وهل هو غير متوقع ان تزوِّد مساعدة الآخرين قصدا يجلب الاكتفاء في حياة كثيرين؟ كلا على الاطلاق. فهذا هو جزئيا ما خُلقنا لفعله.
يتابع سجلّ الكتاب المقدس ليقول ان البشر أُعطوا الاشراف على كل حياة اخرى على الارض — ‹سمك البحر وطير السماء وجميع الدبابات التي تدب على الارض.› (تكوين ١:٢٦) لذلك، لا عجب انه حتى اليوم يجد كثيرون الاكتفاء في حيازة حيوانات على مقربة منهم وفي اللعب معها. ويشعر البعض بمسؤوليتهم نحو الحيوانات الى حد انهم يعملون بكدّ لحفظ الانواع المهدَّدة، او يديرون حملة ضد تعريض الحيوانات للالم غير اللازم.
وجرت توصية البشر ايضا ان ‹يُخضعوا الارض.› (تكوين ١:٢٨) فعلى ماذا دلَّ ذلك ضمنا؟ ليس بالتأكيد ان الناس يجب ان يستثمروا بأنانية وعدم مسؤولية الارضَ الى ان تُستنفد ثرواتها، يتلوث غلافها الجوي، وتتغطى بحارها ومناطقها البرية بالنفايات. وبالاحرى، وضع اللّٰه النموذج لإخضاع الارض عندما «غرس . . . جنة في عدن شرقا. ووضع هناك آدم الذي جبله.» (تكوين ٢:٨) وجنة عدن هذه كانت النموذج الذي يُظهر ما ستكون عليه الارض. وعكست قصد اللّٰه من اجل كوكبنا.
توضح رواية الكتاب المقدس: «وبارك [الرجلَ والمرأةَ الاولين] اللّٰهُ وقال لهم أَثمروا واكثروا واملأوا الارض وأَخضعوها.» (تكوين ١:٢٨) لقد اراد اللّٰه ان ينجب البشر اولادا ويجعلوا الارض آهلة بالسكان. وجمع الرجلَ والمرأة الاولين وأجرى، في الواقع، الزفاف الاول. (تكوين ٢:٢٢-٢٤) فلا عجب ان الزواج والعائلة يضيفان معنى وقصدا الى حياة كثيرين!
ما كان يمكن ان تكون عليه الحياة
اذ ندرس الكتاب المقدس، يكون واضحا ان اللّٰه نوى ان تنمو عائلة آدم وأن يوسِّع هو وأولاده حدود جنة عدن الى ان يملأ البشر الارض بكاملها. وكانت الارض المخضَعة ستصير فردوسا. صحيح ان الانسان كان سيستعمل ثروات الارض لفائدته الخاصة. لكنَّ ذلك كان سيجري بطريقة مسؤولة. فكان الانسان سيصير وكيل الارض، وليس ناهبها. وتدمير الارض الذي نشهده اليوم هو ضد مشيئة اللّٰه، واولئك الذين يشتركون فيه يسيرون على نحو مخالف للقصد من الحياة. — رؤيا ١١:١٨.
نتعلَّم شيئا آخر من سجلّ الكتاب المقدس الباكر، وهو ان قصد اللّٰه لم يكن ان يموت الناس. فأبوانا الاولان ماتا فقط لانهما تمردا على اللّٰه. (تكوين ٢:١٦، ١٧) وعندما تمردا، لم يعودا يتمِّمان القصد من الحياة — لم يعودا يفعلان مشيئة اللّٰه. فلم يموتا فقط وانما أُخضعت ايضا ذريتهما كلها للموت بسبب وراثة النقص منهما. (رومية ٥:١٢) ولكن كان يُقصد في الاصل ان يعيش البشر الى الابد، لا ان يموتوا. ولهذا السبب على الارجح يجده كثيرون مثبِّطا ان يفكروا في مقاطعة الموت عملَ حياتهم.
اتمام قصد اللّٰه
ان قصد اللّٰه الاصلي من اجل الجنس البشري ومن اجل هذه الارض لم يتغير. فلا يزال ينوي حيازة ارض فردوسية آهلة بعرق بشري كامل. لكنه اضطر الى صنع ترتيبات للتغلب على التأثيرات المحزنة لفشل ابوينا الاولين. وفعل مشيئة اللّٰه اليوم يشمل العمل بانسجام مع كل ترتيبات اللّٰه هذه. ولسعادتنا يزوِّد الكتاب المقدس وصفا للاتمام التقدمي لقصده.
نقرأ في السفر الاول للكتاب المقدس ان اللّٰه تكلَّم عن «نسل» سيأتي لإبطال كل الاذى الذي احدثه فشل آدم وحواء في فعل مشيئته. (تكوين ٣:١٥) وفي الاسفار اليونانية المسيحية («العهد الجديد»)، نقرأ عن ظهور يسوع المسيح بصفته ذلك ‹النسل،› عن حياته الخالية من الخطية، وعن موته على ايدي اعدائه. وكان موت يسوع، في الواقع، تضحية من اجلنا، اذ فتح لنا الطريق لاستعادة الحياة الابدية التي خسرها آدم وحواء. (عبرانيين ٧:٢٦؛ ٩:٢٨) نعم، يقول الكتاب المقدس: «[لن] يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.» — يوحنا ٣:١٦.
وهنالك المزيد. فبعد موته، أُقيم يسوع كمخلوق روحاني خالد وهو الآن يحكم كملك لملكوت اللّٰه السماوي. وقريبا سيعمل هذا الملكوت على استبدال الحكومات الارضية الحاضرة بمجتمع عالمي جديد يتولى ادارة الشؤون البشرية. تعد نبوة للكتاب المقدس: «ملكها لا يُترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت الى الابد.» — دانيال ٢:٤٤.
وبعد ذلك سيشرف هذا الملكوت على النشاط المبهج لردّ الفردوس الى الارض ورفع الجنس البشري الى الكمال. ويتكلَّم الكتاب المقدس ايضا عن قيامة الموتى، بحيث يمكن ان تكون لديهم هم ايضا الفرصة للاشتراك في اتمام قصد اللّٰه العظيم للجنس البشري. (اعمال ٢٤:١٥) وحينئذ سيتم الوعد الجميل: «الودعاء . . . يرثون الارض ويتلذذون في كثرة السلامة. الصديقون يرثون الارض ويسكنونها الى الابد.» — مزمور ٣٧:١١، ٢٩.
الاستفادة شخصيا
للاستفادة شخصيا من اتمام قصد اللّٰه العظيم من اجل الارض، لا بد ان نأتي اولا الى معرفة اللّٰه. قال يسوع المسيح: «وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.» (يوحنا ١٧:٣) فكيف يمكننا ذلك؟ نتعلَّم بعض الامور عن اللّٰه بمراقبة العالم حولنا، الخليقة، بما في ذلك السموات المرصَّعة بالنجوم. (مزمور ١٩:١) لكننا نتعلَّم خصوصا عن اللّٰه — وأيضا عن ابنه، يسوع المسيح — بواسطة الكتاب المقدس. فنتعلَّم اسمه وصفاته، ونعرف بالتفصيل ما فعله اللّٰه للجنس البشري. ومعرفة كهذه تجعلنا نحبه وتقرِّبنا كثيرا اليه والى ابنه.
ان الشروع في معرفة اللّٰه يجعلنا نريد ان نفعل مشيئته. وربما صلَّينا كما اوصى يسوع: «ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.» (متى ٦:١٠) فالقصد الحقيقي من الحياة — القصد الذي يجلب اكتفاء حقيقيا — هو ان نعيش حياتنا انسجاما مع مشيئة اللّٰه هذه.
ولكن، ما هو المشمول في فعل مشيئة اللّٰه؟ بالنسبة الى آدم وحواء، شمل ذلك الاشراف على عالم الحيوانات وإخضاع الارض وملأها بذرية كاملة. واذا كنا سنفعل مشيئة اللّٰه اليوم، فلا بد ان نتعلَّم عن ذبيحة يسوع الفدائية ونمارس الايمان بها. ولا بد ان نتبع مثال يسوع باخبار الآخرين عن ‹بشارة ملكوت اللّٰه.› — متى ٢٤:١٤.
وفعل مشيئة اللّٰه يشمل ايضا تطوير شخصية تقوية. وهكذا نحدد هوية الامور التي يكرهها اللّٰه — كالكذب، السرقة، الثرثرة المؤذية، الغضب غير المضبوط — ونرفضها. وندرس ايضا الصفات التي يحبها اللّٰه — كالمحبة، الفرح، السلام، اللطف، والصلاح — وننميها بمساعدة روح اللّٰه القدوس. (غلاطية ٥:١٩-٢٤) واذا كنا سننال الحياة الابدية، يلزم ان نكون نوع الناس الذي يريد اللّٰه ان يكون موجودا طوال الابدية. فعلا، ان التعلم عن اللّٰه وفعل مشيئته يعطي قصدا ومعنى لحياتنا بشكل لا يستطيعه ايّ شيء آخر!
التأثير الذي يُحدثه ذلك
ان حياة الملايين من الناس حول العالم تشهد ان ايجاد القصد الحقيقي من الحياة يُحدث حقا تأثيرا. تأملوا في مثال واين الذي سحقه موت زوجته الاولى. وكان رجل دينه المحلي غير قادر على تعزيته، لذلك انشغل واين بالعمل التطوعي. وخدم كقائد في الرابطة الاميركية للمحاربين القدماء وكان فعالا في الفرق السياسية. ثم تزوج ثانية، لكنَّ الزواج كان عاصفا. فلم يكن لديه ولدى زوجته هدف موجّه في حياتهما.
ولكن، في احد الايام، حصل واين على كتاب مقدس وابتدأ بالقراءة. وأنهاه في ثلاثة اشهر، وهو يقول: «عرفت الآن ان هنالك قصدا لكوننا هنا ورجاء بحياة بعد الموت.» وقال لزوجته: «يجب ان نجد اناسا نعاشرهم يلتصقون بالكتاب المقدس.» وبسرعة التقيا شهود يهوه، ومناقشاتهما معهم زادت رغبتهما في فعل مشيئة اللّٰه. ونذر واين وزوجته كلاهما حياتهما للّٰه، واستفادت حياتهما العائلية كثيرا.
سوزان، ابنة مرسلَين مشيخيين، ارادت ان تفعل شيئا في حياتها يساعد العالم حقا. وأقنعتها محاضرة عن اخطار القدرة النووية بأن ذلك في غاية الاهمية. فتركت الكلِّية لكي تقضي كل وقتها في تعليم الناس عن المشكلة. وعندما بلغت الـ ٢١ من العمر، خدمت كمنسِّقة لاجتماع كبير مُعارض لانتاج القدرة النووية. زارها لاحقا شهود يهوه وأظهروا لها ما يقوله الكتاب المقدس ووجدت، في الوقت المناسب، القصد الحقيقي من الحياة. وفيما لا تزال دون شك مهتمة بشأن اهلاك الجنس البشري الارض، فهي تدرك ان اللّٰه سيحلّ هذه المشاكل بواسطة ملكوته. ولذلك فانها تساعد الناس على الايمان بذلك.
مَرِيَل جعلت قصدها في الحياة ان تتمتع بالاشياء التي يقدِّمها العالم. فسعت وراء مهنة. وتمتعت بكل ‹الاشياء الداخلية› لـ لوس انجلوس، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الاميركية، بما في ذلك الحفلات والمخدرات. ولكن عندما ابتدأت بدرس الكتاب المقدس، اذ شرعت في معرفة اللّٰه وخدمته، رأت كم كانت كل تلك الاشياء فارغة. وهي تقول ان حياتها اغنى بكثير الآن بحيث تنسجم مع مقاصد اللّٰه.
ان عدد اولئك الذين جُعلت حياتهم غنية بتعلُّم القصد الحقيقي من الحياة يتزايد بالمئات كل يوم. والعيش انسجاما مع هذا القصد الحقيقي من الحياة بفعل مشيئة ابينا السماوي المحب يُحدث تأثيرا حقا. انه شيء يمكن ان يغير حياتكم بكاملها نحو الافضل. ونحن ندعوكم ان تنعموا النظر في المسألة لانفسكم. وستكون حياتكم مرضية اكثر اذا فعلتم ذلك.
[الصورة في الصفحة ٩]
لدى معطي الحياة قصد في خلق الجنس البشري
[الصورة في الصفحة ١٠]
لم يتخلَّ اللّٰه عن قصده حيازةَ ارض فردوسية ملآنة بعرق بشري كامل
-