-
نمط حياة هذا العالم المحموماستيقظ! ٢٠٠١ | شباط (فبراير) ٨
-
-
نمط حياة هذا العالم المحموم
هل يسحقكم احيانا نمط الحياة المحموم؟ هل يترككم مثبطين، متعبين، ومستنزفي القوى في كفاحكم للتغلب على الصعاب؟ اذا كان الامر كذلك، فأنتم لستم وحدكم.
ملايين الاشخاص، وخصوصا سكان المدن، يجدون ان الحياة دوامة من السرعة المربكة والمرهقة. وتنطبق هذه الحالة بشكل خاص في البلدان الغربية. ففي اجتماع ديني جرى مؤخرا في الولايات المتحدة، طلب احد الخطباء من الحضور ان يرفعوا ايديهم اذا كانوا يشعرون بالتعب معظم الوقت. فارتفع على الفور بحر من الايادي.
يقول كتاب لمَ انا متعب الى هذا الحد؟ (بالانكليزية): «ان الحياة العصرية مليئة بالتوترات التي لم نكن نسمع بها قبلا — اللحاق بالطائرة في الوقت المناسب، تسليم عمل قبل انتهاء المهلة المحددة، اخذ الاولاد الى مدرسة الحضانة واصطحابهم منها في الوقت المحدد — والقائمة لا تنتهي». فلا عجب ان يوصف التعب بلعنة ايامنا.a
كانت الحياة في الماضي ابسط ونمطها ابطأ. وكان الناس يعيشون بانسجام اكبر مع دورات الطبيعة — فكان النهار للعمل، والليل للعائلة والنوم. اما اليوم، فهنالك اسباب عديدة تجعل الناس يشعرون بالتعب والارهاق اكثر فأكثر.
فجأة، صار النهار أطول
احد العوامل هو ان الناس ينامون اقل. ومن اهم التطورات التي اثرت في وقت النوم النور الكهربائي. فبكبسة زر، صار الناس قادرين ان يتحكموا في طول «النهار»، وسرعان ما بدأوا يخلدون الى النوم متأخرين. وفي الواقع لم يكن لدى الكثيرين الخيار لأن المصانع بدأت تعمل بشكل متواصل والمؤسسات التي تؤمن الخدمات تمدد دوام عملها. قال احد الكتّاب: «لقد وُلد مجتمع الـ ٢٤ ساعة».
وهنالك تطورات اخرى في التكنولوجيا لعبت ايضا دورا في حرمان الناس من النوم اللازم، مثل الراديو، التلفزيون، والكمپيوتر الشخصي. ففي بلدان عديدة، تُبث البرامج التلفزيونية ٢٤ ساعة في اليوم. وصار مألوفا ان يذهب محبو الافلام او هواة الرياضة الى عملهم نُعَّسا ومجهَدين بعد ليلة طويلة من مشاهدة البرامج. اما حيازة اجهزة كمپيوتر في المنازل فتقدّم قائمة لا تنتهي من اشكال التسلية، وهي ايضا تغري الملايين بالسهر حتى وقت متأخر. طبعا، ان حيازة هذه المنتجات ليست خطأ بحد ذاتها، لكنها تزود بعض الاشخاص حافزا اضافيا لتجاهل الحاجة الى الراحة.
الحياة تتسارع
لم تصبح ايامنا اطول فحسب بل يبدو ان الحياة بحد ذاتها تجري بشكل اسرع — وتلعب التكنولوجيا مرة اخرى دورا في ذلك. فقد ولّت ايام عربات الخيل التي جابت الطرقات منذ اقل من قرن لتحل محلها اليوم السيارات السريعة، القطارات الفائقة السرعة، والطائرات النفّاثة. ورجل الاعمال العصري يمكنه ان يطير عبر المحيط الاطلسي بين وجبتَي طعام، في حين كان جده على الارجح يذهب الى عمله سيرا على الاقدام او ممتطيا صهوة جواد او راكبا على دراجة!
شهد العمل المكتبي ايضا ثورة هادئة تدعم السرعة والانتاجية. فقد استُبدلت الآلات الكاتبة والبريد التقليدي بأجهزة الكمپيوتر، آلات الفاكس، والبريد الالكتروني. وبوجود الكمپيوتر القابل للحمل، الهاتف الخلوي، وأجهزة النداء الالكترونية صار المرء يخال نفسه في المكتب وهو جالس في بيته.
طبعا، لا احد منا يمكنه ان يبطِّئ نمط الحياة المتسارع. لكن يمكننا ان نصنع افراديا تعديلات تسمح لنا ان نعيش حياة اكثر هدوءا واتزانا. لكن قبل ان نتطرق الى هذه المسألة، لنفحص بعض تأثيرات نمط الحياة المحموم اليوم علينا شخصيا وعلى المجتمع عموما.
[الحاشية]
a ليست الضغوط اليومية بالضرورة المسبب الوحيد للتعب المزمن. فهنالك ايضا المشاكل الصحية، النظام الغذائي غير الملائم، تناول العقاقير، التلوث الكيميائي، المشاكل العقلية والعاطفية، الشيخوخة، او اي اتحاد لهذه العوامل.
-
-
ثمن محاولة انجاز الكثيراستيقظ! ٢٠٠١ | شباط (فبراير) ٨
-
-
ثمن محاولة انجاز الكثير
ان عالم الغرب اليوم مفتون بالسرعة ووسائل الراحة.
توفر آلات غسل الاواني الوقت في المطبخ. وكذلك تفعل آلات غسل الملابس في المغسل. وملايين الناس ليس عليهم بعد الآن حتى ان يتكلفوا عناء ترك بيوتهم للتسوق وإجراء معاملاتهم المصرفية، اذ يكفي ان يديروا الكمپيوتر الخاص بهم ويستعملوا الإنترنت.
نعم، يفيض العالم، جزئيا على الاقل، بكل انواع الاجهزة التي توفر الوقت والجهد. لذلك قد يخيل اليكم ان الناس سيقضون المزيد من الوقت مع عائلاتهم وفي الاسترخاء. لكن في اغلب الاحيان يقول كثيرون انهم يعانون التعب والاجهاد اكثر من اي وقت مضى. والاسباب كثيرة ومعقدة.
الضغوط الاقتصادية هي من اهم العوامل. لقد حلل المركز الاوسترالي للابحاث والتدريب في العلاقات الصناعية عدد الساعات التي يقضيها الناس في العمل في ذلك البلد ووجد ان «نسبة كبيرة تعمل قانونيا اكثر من ٤٩ ساعة في الاسبوع» وأن «هذه الزيادات في ساعات العمل تؤثر على الارجح سلبا في الحياة العائلية والاجتماعية». وكثيرون من العمال يختارون العيش في ضواحي المدن الهادئة والخضراء. وقد يعني ذلك قضاء ساعات كل اسبوع — او حتى كل يوم — في التنقل في القطارات والباصات المكتظة او على الطرقات المزدحمة. نتيجة لذلك، يزداد طول يوم العمل وتزداد توتراته.
هل تدينون لنفسكم بالنوم؟
صارت مشاكل النوم شائعة كثيرا في السنوات الاخيرة حتى ان عيادات النوم ظهرت في اجزاء كثيرة من العالم. وقد وجد الباحثون ان دين النوم يتراكم على الناس عندما لا يأخذون القسط الوافي من النوم قانونيا. ومن الطبيعي ان يرغب جسمهم في دفع هذا الدين ويحثهم على ذلك بجعلهم يشعرون بالتعب. لكن بسبب نمط الحياة اليوم الذي يُحرم فيه الناس من النوم، كثيرون يطغى عليهم التعب المزمن.
في احد البلدان الغربية، انخفض وقت النوم ٢٠ في المئة على مر القرن الماضي، من معدل تسع ساعات في الليلة الى سبع ساعات. وقد جمع الباحثون ادلة تشير الى ان دين النوم يسبب مشاكل في التعلم ويضعف الذاكرة، يعطل المهارات المتعلقة بالحركة، ويضعف الجهاز المناعي. وقد اكتشف معظمنا ان العقل المتعب يقترف الاخطاء ايضا. ومن المؤسف ان هذه الاخطاء قد تكون خطيرة ومكلفة على حد سواء.
الخسارة الفادحة الناجمة عن الارهاق
يُقال ان التعب الناجم عن ساعات العمل الطويلة وتخفيض عدد الموظفين ساهم في وقوع اسوإ الكوارث في القرن الـ ٢٠. ومنها الكارثة النووية في تشرنوبيل، اوكرانيا، انفجار المكوك الفضائي تشالنجر، وتسرب النفط من الناقلة إكسون ڤالديز بعد ان اصطدمت بحيد بحري في مضيق پرنس وليَم، ألاسكا.
حدث الانفجار في تشرنوبيل خلال اختبار خاص في المفاعل النووي. يقول مارتن مور-ايد في كتابه مجتمع الـ ٢٤ ساعة (بالانكليزية) ان الاختبار «كان يجري تحت اشراف فريق مرهق من المهندسين الكهربائيين الذين كانوا في المفاعل على الاقل مدة ثلاث عشرة ساعة، وربما اكثر بسبب تأخير دام عشر ساعات بانتظار الاذن بمباشرة الاختبار». ومهما كان السبب، تذكر دراسة حديثة ان احد التأثيرات الطويلة الامد للتسرب الإشعاعي هو ارتفاع نسبة الاصابة بسرطانات الغدّة الدرقية عشرة اضعاف عند الاولاد الاوكرانيين منذ سنة ١٩٨٦.
بعد تحقيق شامل في انفجار المكوك الفضائي تشالنجر، ذكر تقرير وضعته اللجنة الرئاسية ان فريقا من العمال المتعاقدين تخطى حدود الـ ٢٠ ساعة المخصصة لساعات العمل الاضافية ٤٨٠ مرة وتخطى هذا الحد ايضا فريق آخر من العمال ٥١٢,٢ مرة. وأضاف التقرير ان الارهاق على الصعيد الاداري، الناجم عن «العمل ساعات اضافية اياما عديدة والنوم غير الكافي»، كان ايضا عاملا مهما في ان ينال المكوك الفضائي موافقة على الاقلاع انما في غير محلها. وذكر التقرير انه «عندما يفرط العامل في العمل ساعات اضافية، تنخفض فعاليته وترتفع امكانية ارتكاب الخطإ البشري».
وفقا لرسميين في نقابة البحارة، عنى خفض طاقم العمل، بحجة خفض التكاليف، ان يعمل البحارة على متن إكسون ڤالديز ساعات اضافية وينجزوا واجبات اضافية. يوضح تقرير عن الكارثة ان المعاون الثالث للربان الذي كان مسؤولا عن المركب ساعة ارتطامه بالقاع بعد منتصف الليل، كان مستيقظا منذ الصباح الباكر في ذلك اليوم. وقد سبب حوالي ٠٠٠,٠٠٠,٤٢ لتر من النفط — اكبر كمية نفط تسربت في تاريخ الولايات المتحدة — أضرارا بليغة في الشواطئ والحياة البرية. وكلف تنظيف المنطقة اكثر من بليوني دولار اميركي.
التكاليف الخفية للارهاق
وفقا لاحد التقديرات، يكلف التعب والارهاق العالم على الاقل ٣٧٧ بليون دولار اميركي كل سنة! ولكن ما من مال يكفي لتغطية تكاليف حياة الانسان وصحته، اللتين تتأثران في اغلب الاحيان ايضا. خذوا مثلا حوادث السير. بحسب احدى عيادات اضطرابات النوم في سيدني، أوستراليا، يعود سبب ٢٠ الى ٣٠ في المئة من حوادث السير في ذلك البلد الى نوم السائقين اثناء القيادة. ويقدَّر ان النعاس يسبب ٠٠٠,١٠٠ حادث سير على الاقل سنويا في الولايات المتحدة الاميركية.
وقد لا تتوقف نتائج الارهاق هنا. فإن ضحية حادث السير التي تُنقل على وجه السرعة الى مستشفى لإجراء عملية جراحية تأمل ان يكون الطبيب يقظا. لكن بسبب برنامج العمل المليء وساعات العمل الطويلة، قد لا يكون الطبيب متيقظا وحذرا! اظهر تقرير من المعهد الاوسترالي للصحة والخدمات الاجتماعية ان نحو ١٠ في المئة من الاطباء يعملون اكثر من ٦٥ ساعة في الاسبوع، ١٧ في المئة من كل الاختصاصيين تخطوا هذا العدد من الساعات، و ٥ في المئة من «الاطباء الاصغر سنا» عملوا اكثر من ٨٠ ساعة في الاسبوع!
يقول مارتن مور-ايد: «تجري حماية الآلات بواسطة كتيِّبات التعليمات، ملصقات الانذار، ومقررات التدريب». ويضيف: «لكن الناس يولدون في هذا العالم دون اية حماية مماثلة . . . والحقيقة التي تصدم هي ان ما نعرفه عن مواصفات تصميم الانسان اقل بكثير مما نعرفه عن الآلات التي يستخدمها».
لا يملك جسدنا اضواء حمراء تنذرنا بالتوقف او الإبطاء عند الحاجة. لكنه يعطينا علامات انذار. وتشمل هذه العلامات الاجهاد المزمن، تقلب المزاج، الكآبة، والاستعداد لالتقاط اي ڤيروس يحوم حولنا. اذا كانت لديكم هذه الاعراض — طبعا دون ان تكون ناجمة عن اية مشاكل جسدية او مشاكل صحية اخرى — فربما حان الوقت لإعادة فحص نمط حياتكم من جديد.
التكاليف الاجتماعية للكينونة منشغلين كثيرا
ان نمط الحياة المتسم بالاجهاد والحرمان من النوم يؤثر ايضا في العلاقات البشرية. تأملوا في قضية شخصين متزوجين حديثا، جون وماريا.a فقد ارادا الحصول على ما يرغب فيه معظم المتزوجين حديثا — بيت مريح وأمن مادي. لذلك عمل الاثنان بدوام كامل. لكن بسبب المناوبات غير المنتظمة لم يقضيا سوى اوقات قليلة معا. وسرعان ما بدأا يعانيان المشاكل في علاقتهما. لكنهما تجاهلا الاعراض، وأصرا على متابعة برنامج عملهما المرهق الى ان تداعى زواجهما الذي لم يكن قد مضى عليه وقت طويل.
يقول كتاب مجتمع الـ ٢٤ ساعة: «تظهر الدراسات ان معدل الطلاق في العائلات التي تعمل بالمناوبة هو اعلى بـ ٦٠ في المئة منه في الذين يعملون نهارا في اعمال منتظمة». رغم ذلك، سواء عمل رفقاء الزواج بالمناوبة ام لا، يحاول كثيرون منهم ملء حياتهم بفيض من الامور الثانوية فيقضون بذلك على زواجهم. وقد يساهم الارهاق والاجهاد في وقوع البعض الآخر في دوامة اساءة استعمال الكحول والمخدِّرات وعادات الاكل غير الصحية — عوامل لا تزيد الارهاق سوءا فحسب بل قد تؤدي الى مشاكل كثيرة اخرى، حتى الاساءة الى الاولاد.
لمساعدة الوالدين على مواجهة جدول الاعمال الملآن بنجاح، يزداد عدد مراكز العناية بالاولاد، ويقدم بعض منها خدماته ٢٤ ساعة. لكن بالنسبة الى اولاد كثيرين يصير التلفزيون حاضنتهم. طبعا، اذا كان الاولاد سيكبرون ليصيروا راشدين مسؤولين متزنين عاطفيا، فهم يحتاجون الى قضاء وقت كبير ومفيد مع والديهم. لذلك على الوالدين الذين لا يمنحون اولادهم الوقت الكافي، بسبب الارهاق الناجم عن محاولتهم المحافظة على مستوى معيشة رفيع، ان يتحلوا بالحكمة ويدركوا ما سيكلفهم ذلك هم وأولادهم.
في مجتمع اليوم التكنولوجي المتقدم بسرعة، غالبا ما يكون المسنون ايضا ضحايا. فسرعة التغيير والتدفق المستمر للادوات الجديدة على السوق قد يجعلان الكثيرين منهم يشعرون بالارتباك، عدم الامان، الخوف، وبأنهم قديمو العهد ايضا. فماذا يخبئ لهم المستقبل؟
هل نرزح جميعا — كبارا وصغارا — كليا تحت رحمة عالم يبدو مصمِّما على المضي في سرعته؟ ام ان هنالك امورا يمكننا القيام بها تساعدنا على التكيف وتحسين نوعية حياتنا؟ لحسن التوفيق ان الطرائق متوفرة كما سنرى في المقالة التالية.
[الحاشية]
a جرى تغيير الاسمين.
[الصور في الصفحة ٦]
ربما ساهم الارهاق في كارثة تشرنوبيل النووية، انفجار المكوك الفضائي «تشالنجر»، وتسرب النفط من «إكسون ڤالديز»
[مصدر الصورة]
Courtesy U.S. Department of Energy’s International Nuclear Safety Program
NASA photo
[الصور في الصفحة ٧]
نمط الحياة المحموم يمكن ان يؤدي الى زيجات متوترة
[الصورة في الصفحة ٨]
يسيء البعض استعمال الكحول في محاولتهم مواجهة التحديات بنجاح
-
-
التكيُّف بفرح في عالم محموماستيقظ! ٢٠٠١ | شباط (فبراير) ٨
-
-
التكيُّف بفرح في عالم محموم
معظم الناس يحتملون ضغوط الحياة، لكنَّ نسبة ضئيلة تحتملها بفرح. ويتطلب ذلك نوعا خاصا من الحكمة.
يعترف كتاب مجتمع الـ ٢٤ ساعة بذلك بقوله: «نحتاج الى تطوير الحكمة لحماية الطبيعة والحاجات البشرية في العالم التكنولوجي الذي اوجدناه».
ولحسن التوفيق ان الحكمة العملية متوفرة بسهولة في الكتاب الاكثر توزيعا حول العالم — كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس يحتوي على مبادئ ثبتت صحتها من خلال التجارب لأنه موحى به من الذي يفهم كاملا الطبيعة والحاجات البشرية. وتطبيق هذه المبادئ يمكن ان يساعدكم على التحكم اكثر في حياتكم، مانحا اياكم مقدارا من الفرح على الاقل فيما تناضلون في عالم اليوم المحموم. — اشعياء ٤٨:١٨؛ ٢ تيموثاوس ٣:١٦.
وتغطي هذه المبادئ ثلاثة مجالات رئيسية. اولا، تشير الى كيفية تبسيط حياتكم بحكمة. ثانيا، يمكن ان تساعدكم على وضع الاولويات السليمة. ثالثا، تزود نظرة روحية الى الحياة اسمى بكثير من النظرة الدنيوية المحض. فلنتأمل في هذه المجالات الثلاثة.
حافظوا على حياة بسيطة وغير معقدة
تخيلوا انكم ذاهبون لتخيموا بضعة ايام. لتأمين راحتكم تأخذون معكم خيمة كبيرة مع كل ما يخطر على بالكم من كماليات. فتأخذون معكم مقطورة محمَّلة بالاثاث، ادوات المطبخ، ثلاجة، مولدا كهربائيا قابلا للنقل، اضواء، تلفزيونا، ومواد كثيرة اخرى من ضمنها الطعام. لكنَّ ترتيب هذه الاشياء يتطلب منكم ساعات كثيرة! ثم في نهاية عطلتكم القصيرة، تقضون ايضا ساعات في توضيب الاشياء ثانية — هذا اذا لم نذكر توضيب الاشياء مجددا في المنزل. اذا فكرتم في الامر تجدون ان الوقت لم يكن كافيا لتتمتعوا بالتخييم! وتتساءلون هل يستأهل ذلك كل العناء الذي تكبدتموه.
تشبه حياة الملايين اليوم نوعا ما رحلة التخييم هذه. فهم يقضون مقدارا غير متزن من الوقت في الحصول والمحافظة على قائمة لا تنتهي من الامور المادية التي يحاول العالم ان يجعلنا نعتقد انها ضرورية لسعادتنا. في المقابل، قال يسوع المسيح: «متى كان لأحد كثير فليست حياته من ممتلكاته». (لوقا ١٢:١٥) نعم، ان السعادة في الحياة لا تقاس بالغنى المادي. وفي الواقع، غالبا ما يزيد الغنى ضغوط وقلق الحياة. تقول جامعة ٥:١٢، الترجمة التفسيرية: «اما الغني فوفرة غناه تجعله قلقا ارقا!».
لذلك تأملوا جديا في كلٍّ من ممتلكاتكم، واسألوا نفسكم: «هل هذا الامر ضروري حقا او انه ثانوي؟ هل يحسّن نوعية حياتي او يسرق مني وقتا ثمينا؟». تذكر مقدمة كتاب لمَ انا متعب الى هذا الحد؟ للكاتبة ليوني ماكماهون: «ان اختراع مختلف الادوات، بقصد تسهيل العمل المنزلي، دفع ربة المنزل الى دخول معترك العمل خارج منزلها لتستطيع ان تبتاع هذه الادوات وتدفع ثمن صيانتها».
عندما تبسِّطون حياتكم، تجدون وقتا اكثر للعائلة، الاصدقاء، ونفسكم. وهذا الوقت هو مهم من اجل سعادتكم. لا تكونوا مثل الذين يكتشفون متأخرين جدا ان اصدقاءهم وعائلتهم هم اهم — وممتعون اكثر — من المال والاشياء. فالناس فقط يمكن ان يحبوكم. اما الحسابات المصرفية، الاسهم، اجهزة الكمپيوتر، التلفزيون، وسائر الأدوات، رغم ان لها مكانها، فإنما هي قشور الحياة وليست جوهرها. والذين يعطون هذه الامور الاولوية يقضون على الفرح في حياتهم وينتهي بهم المطاف الى عدم الاكتفاء والمرارة ايضا. — ١ تيموثاوس ٦:٦-١٠.
التحكم في الوقت ووضع الاولويات
يشبه التحكم في الوقت من بعض النواحي وضع ميزانية مالية. فلا يمكنكم حشر اشياء كثيرة في الساعات المحدودة المتوفرة لكم. فنمط الحياة هذا يؤدي الى التثبط، الاجهاد، والقلق. لذلك تعلموا ان تحددوا اولوياتكم.
اولا، حددوا ما هي الامور الاهم وامنحوها الوقت الكافي. بالنسبة الى المسيحيين، تأتي المساعي الروحية دائما في طليعة الاولويات. (متى ٦:٣١-٣٤) وإذا عولجت المسائل المهمة بسرعة وسطحية يؤول ذلك غالبا الى مشاكل خطيرة. لذلك، قد تحتاجون الى التخلي عن اي شيء قد يستنفد الوقت دون فائدة.
عند تحديد الاولويات، خذوا بعين الاعتبار حاجتكم الى قليل من العزلة — الوقت اللازم للتأمل البناء واستعادة نشاطكم من جديد. تقول مجلة علم النفس اليوم (بالانكليزية): «ان العزلة التي لها هدف . . . هي منشط ضروري في عالم اليوم المليء بالحركة. . . . ان الانفراد بالذات هو وقود الحياة». والذين يكونون مشغولين اكثر من ان يجدوا وقتا للتأمل قد يصبحون سطحيين في موقفهم تجاه الحياة.
ادراك حدودكم وحيازة الروحيات
إدراك الحدود وحيازة الروحيات من اهم الامور للعيش حياة متزنة، سعيدة. فإدراك الحدود مهم لأنه يساعدكم على تجنب الانخراط في عمل يثقلكم بأعباء ومسؤوليات غير واقعية. وإذا كنتم مدركين لحدودكم، فستعرفون متى تقولون ‹لا› للساعات الاضافية او نشاطات اخرى تؤثر في امور اكثر اهمية. والاشخاص المدركون لحدودهم لا يحسدون الآخرين على ما لديهم او ما يقومون به، لذلك يشعرون باكتفاء اكبر. وإدراك الحدود بصدق هو بدوره احد اوجه الروحيات، مفتاح حيوي آخر للتحكم اكثر في حياتنا. — ميخا ٦:٨؛ ١ يوحنا ٢:١٥-١٧.
والروحيات المؤسسة على المعرفة الدقيقة للكتاب المقدس تجعلكم اكثر بصيرة وتمييزا — شخصا لا يخدعه المفهوم الدنيوي الفارغ للنجاح. فتنتبهون للمشورة الحكيمة المدونة في ١ كورنثوس ٧:٣١: «[ليكن] الذين يستعملون العالم كمن لا يستعملونه كاملا؛ لأن مشهد هذا العالم في تغير». والمسيحيون «يستعملون العالم» عندما يزودون الحاجات المادية لنفسهم ولعائلاتهم، لكنهم لا يدعون هذا العالم يبتلعهم. فهم يعلمون انه لا يقدم اي امن حقيقي، أنه قريبا سيدمر كاملا، وأن النجاح الحقيقي — الامن والحياة الابدية على ارض فردوسية — يعتمد على موقف الشخص من اللّٰه. (مزمور ١:١-٣؛ ٣٧:١١، ٢٩) لذلك انتبهوا لتحذير يسوع واعملوا بحكمة مدَّخرين «كنوزا في السماء، حيث لا يُفسِد عث ولا صدأ، وحيث لا يقتحم سارقون ويسرقون». — متى ٦:٢٠.
تجنبوا القلق وجدوا السلام الحقيقي
فيما يشرف هذا النظام على نهايته، لا شك ان الضغوط والمتطلبات التي تستلزم الوقت ستتزايد. لذلك كم هو مهم ان تجاهدوا لتطبيق مشورة الكتاب المقدس ان «لا تحملوا هما من جهة أي شيء، بل في كل شيء لتُعرف طلباتكم لدى اللّٰه بالصلاة والتضرع مع الشكر؛ وسلام اللّٰه الذي يفوق كل فكر يحرس قلوبكم وقواكم العقلية بالمسيح يسوع». وهذا السلام بعيد كل البعد عن اي شخص لديه مجرد ميل دنيوي ولا يقدِّر الصلاة. — فيلبي ٤:٦، ٧.
لكنَّ يهوه سيمنحكم اكثر من سلام العقل. فهو سيساعدكم على حمل عبء مسؤولياتكم كل يوم اذا ‹القيتم كل همكم عليه›. (١ بطرس ٥:٧؛ مزمور ٦٨:١٩) ولذلك من الحكمة ان تصغوا الى اللّٰه كل يوم بقراءة جزء من كلمته. فمن يستطيع ان يسدي اليكم مشورة افضل من خالقكم؟ (مزمور ١١٩:٩٩، ١٠٠، ١٠٥) نعم، لقد اظهر الاختبار ان الذين جعلوا اللّٰه محور حياتهم جرت مساعدتهم كثيرا على التكيُّف بفرح في عالم اليوم المحموم. — امثال ١:٣٣؛ ٣:٥، ٦.
[النبذة في الصفحة ١١]
حدِّدوا الاولويات، بما فيها اشباع حاجتكم الى الانفراد بالذات وإلى الروحيات
[الصورة في الصفحة ٩]
هل يمكن ان تبسِّطوا حياتكم وتجعلوها غير معقَّدة؟
[الصورة في الصفحة ١٠]
هل تمنحون الاولوية للاشياء ام للناس؟
-