-
البحث عن التنويربرج المراقبة ٢٠٠٦ | ١ تموز (يوليو)
-
-
البحث عن التنوير
«ما كان الجهل يوما افضل من المعرفة». هذا ما قالته لورا فيرمي زوجة الفيزيائي المشهور انريكو فيرمي. قد لا يوافقها البعض على رأيها هذا بحجة ان الجهل لا يؤذي احدا مطلقا. لكنّ كثيرين يعتبرون ان ما قالته صحيح، ليس فقط في مجال البحث العلمي بل ايضا في مجالات اخرى. فالجهل، بمعنى ألّا يدرك المرء الحقيقة، يجعل كثيرين يتلمسون طريقهم في ظلام عقلي وأدبي وروحي، ظلام يسود العالم منذ قرون طويلة. — افسس ٤:١٨.
لهذا السبب يندفع المفكّرون الى البحث عن التنوير. فهم يريدون ان يعرفوا لماذا نحن موجودون وماذا يخبئ لنا المستقبل. وقد سلكوا في بحثهم هذا طرقا متعددة. فلنتأمل باختصار في بعضها.
التنوير عن طريق الدين؟
يذكر التقليد البوذي ان مؤسس البوذية سِدهارتا غوتاما انزعج كثيرا من الالم والموت اللذين يعاني منهما البشر. لذلك طلب من المعلِّمين الدينيين الهندوس المساعدة ليجد «الطريق الى الحقيقة». فاقترح عليه بعضهم ممارسة اليوغا ونكران الذات الى ابعد الحدود. لكنّه في النهاية اختار الاستغراق في التأمل سبيلا الى التنوير الحقيقي.
من ناحية اخرى، استخدم آخرون في بحثهم عن التنوير المخدِّرات التي تسبب الهلوسة. على سبيل المثال، يعتبر اليوم اعضاء «كنيسة الاميركيين الاصليين» ان صبار الپيوت الذي يحتوي مواد تسبب الهلوسة هو وسيلة «للكشف عن المعرفة المخفية».
اما جان جاك روسّو، فيلسوف فرنسي عاش في القرن الثامن عشر، فقد اعتقد ان كل مَن يسعى بإخلاص وراء المعرفة ينعم عليه اللّٰه بوحي روحاني. كيف؟ عندما يستمع «لما يقوله اللّٰه للقلب». لذلك قال روسّو ان ما تشعر به، اي ما يمليه عليك ضميرك وإحساسك، هو «دليل موثوق به في هذه المتاهة الضخمة من الآراء البشرية المتضاربة». — تاريخ الفلسفة الغربية (بالانكليزية).
التنوير عن طريق القوة العقلية؟
عارض كثيرون من معاصري روسّو بشدة هذا النوع من التنوير عن طريق الدين. مثلا، شعر الفيلسوف الفرنسي فولتير ان الدين لا ينوّر الناس. بل كان في نظره العامل الرئيسي الذي اغرق اوروبا طوال قرون في الجهل، التعصب، والإيمان بالمعتقدات الخرافية. وهي فترة يدعوها بعض المؤرخين «العصور المظلمة».
كان فولتير من اصحاب الحركة الاوروبية التي تميّزت بالإيمان بالعقل وعُرفت بحركة التنوير. وقد اعتنق اتباع هذه الحركة افكار اليونانيين القدماء، وبشكل خصوصي الفكرة القائلة ان المقدرة الفكرية والبحث العلمي هما العاملان الرئيسيان اللذان يؤديان الى التنوير الحقيقي. كما شعر برنار دو فونتنيل، احد اعضاء هذه الحركة، ان قدرة العقل البشري على التحليل المنطقي هي بحد ذاتها كافية ليعيش البشر «قرنا يزداد استنارة بشكل مطّرد بحيث تُعتبر كل القرون السابقة، عند مقارنتها بهذا القرن، قابعة في احضان الجهل والتخلّف». — دائرة المعارف البريطانية.
هذه الآراء هي مجرد غيض من فيضِ الآراء المتضاربة حول كيفية بلوغ التنوير. ولكن هل هنالك «دليل موثوق به» يمكننا التطلع اليه فيما نبحث عن الحقيقة؟ للإجابة عن هذا السؤال، تأمل في ما تقوله المقالة التالية عن المصدر الموثوق به للحصول على التنوير.
-
-
ايجاد التنوير الحقيقيبرج المراقبة ٢٠٠٦ | ١ تموز (يوليو)
-
-
ايجاد التنوير الحقيقي
في ١٨ كانون الاول (ديسمبر) سنة ١٨١٠، كان الليل يُرخي سدوله، وكانت السفينة الحربية (sallaP SMH) التابعة للبحرية الملكية البريطانية قد أضاعت وجهتها في البحر الهائج قبالة ساحل اسكتلندا الجنوبي الشرقي. فبسبب الظلام الذي بدأ يحل تدريجيا والعاصفة الثلجية التي ضربت بعنف، صعبت على الطاقم رؤية اضواء المنارة التي يحتاجون اليها كي يبحروا بسفينتهم الى بر الامان. ولا شك انهم شعروا بارتياح شديد حين رأوا في الافق بعض الاضواء وأداروا دفة سفينتهم نحوها. لكنّ المؤسف ان هذه لم تكن الاضواء التي احتاجوا اليها لترشدهم، بل كانت اضواء نيران اشعلها عمال قرب الشاطئ. فارتطمت السفينة بالصخور وتحطمت بالكامل. وكانت حصيلة الحادث غرَقَ احد عشر بحارا. فيا لها من مأساة!
في حالة هذه السفينة، ادى خطأ بسيط الى كارثة كبيرة. ولكن في حالات اخرى واجه البحارة خطرا اكبر. فكما يذكر كتاب السفن المتحطمة، ناهبوها، ومنقذوها (بالانكليزية)، تعمّد البعض اضاءة انوار خالها البحارة انوار المنارة. وكانوا يهدفون بذلك الى جذب السفن نحو الشواطئ الصخرية حيث تتحطم، فيتمكنون عندئذ من نهبها.
‹الكتابات المقدسة التي تهديك الى الخلاص›
ستواجه اثناء بحثك عن التنوير اخطارا مماثلة لتلك التي واجهها هؤلاء البحارة. فقد تتّبع خطأ معلومات مضلِّلة، او حتى قد تقع ضحية خداع متعمَّد. وفي كلتا الحالتين، سيؤدي بك ذلك الى مأساة حقيقية. فماذا يمكنك ان تفعل كي تحمي نفسك؟ يجب ان تتأكد اولا ان مصدر التنوير الذي تتّبعه صادق وجدير بالثقة. ولأكثر من ١٢٥ سنة، ايّدت هذه المجلة كلمة اللّٰه الموحى بها، الكتاب المقدس، بوصفها مصدر التنوير الاجدر بالثقة لأنها تحتوي ‹الكتابات المقدسة القادرة على ان تزودك بالحكمة التي تهدي الى الخلاص›. — ٢ تيموثاوس ٣:١٥-١٧، الترجمة العربية الجديدة.
طبعا، قبل ان تثق بالكتاب المقدس كمصدر للتنوير يُعتمد عليه، من المنطقي ان تتأكد من مصداقيته. (مزمور ١١٩:١٠٥؛ امثال ١٤:١٥) لذلك لا تتردد في الكتابة الى ناشري هذه المجلة للحصول على معلومات ساعدت الملايين ليقتنعوا ان الكتاب المقدس هو حقا موحى به من اللّٰه. فلمَ لا تقرأ مثلا كراسة كتاب لكل الناس؟a فهذه الكراسة تحتوي على معلومات كثيرة تُظهر ان الكتاب المقدس دقيق، صحيح، وموحى به.
حقائق اساسية
ما هي بعض الحقائق الاساسية التي تتضمنها هذه ‹الكتابات المقدسة›؟ لنتأمل في الامثلة التالية:
يوجد اله واحد كلي القدرة هو الخالق الذي صنع كل الاشياء. (تكوين ١:١) فلو لم ‹يخلق اللّٰه كل الاشياء› ويهبنا الحياة، لما كنا موجودين. (رؤيا ٤:١١) لذلك هو وحده يستحق ان نقدّم له العبادة. وبما انه الخالق وعلّة وجودنا، فهو المصدر الاساسي لكل تنوير. (مزمور ٣٦:٩؛ اشعيا ٣٠:٢٠، ٢١؛ ٤٨:١٧، ١٨) وله اسم يريد ان نستخدمه. (خروج ٣:١٥) يَظهر هذا الاسم حوالي سبعة آلاف مرة في الكتاب المقدس، وهو مكتوب بأحرف عبرانية تُنقل نقلا صوتيا باللغة العربية الى ي ه و ه. كما ان اللغة العربية تستعمل الصيغة «يهوه». — مزمور ٨٣:١٨.
قصَدَ يهوه حين خلق البشر ان يعيشوا الى الابد في احوال فردوسية هنا على الارض. وقد اسبغ على البشر صفات روحية تعكس صفاته. ومنحهم ايضا مواهب ومقدرات تمكّنهم كبشر من التمتع بحياة ابدية تمنح الاكتفاء هنا على الارض. (تكوين ١:٢٦-٢٨) وهو لم يقصد قط ان تكون الارض مكانا لاختبار البشر، محطة يستعدّون فيها للصعود الى السماء والعيش حياة روحانية، كما لو ان السماء هي المكان الوحيد حيث يستطيع البشر التمتع بعلاقة جيدة مع اللّٰه.
عندما خلق اللّٰه البشر، لم يكن الشر موجودا فيهم اساسا. لكنّه نشأ حين اساء البعض من مخلوقات اللّٰه، الروحانية والبشرية، استعمال حرية الاختيار التي منحهم اياها وتمرّدوا عليه. (تثنية ٣٢:٥) فأبوانا الاولان اغتصبا لأنفسهما حق تقرير ما هو خير وما هو شر. (تكوين ٢:١٧؛ ٣:١-٥) وهذا ما سبّب الموت لكامل العائلة البشرية. (تكوين ٣:١٩؛ روما ٥:١٢) ولكي يبتّ يهوه القضية التي أثيرت نتيجة التمرد، قرر ان يحتمل الشر فترة محددة. غير ان قصده للارض والبشر لم يتغيّر قط. (اشعيا ٤٥:١٨) فالانسان سيعيش من جديد الى الابد في احوال فردوسية على ارض مطهَّرة. — متى ٦:١٠؛ رؤيا ٢١:١-٥.
يسوع المسيح ليس اللّٰه القادر على كل شيء، بل ابن اللّٰه. علّم يسوع اتباعه ان يصلّوا، قائلين: «ابانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك». (متى ٦:٩) وهو لم يدّعِ قط انه مساوٍ للّٰه، بل قال: «الآب اعظم مني». — يوحنا ١٤:٢٨.
يلعب يسوع دورا حيويا في اتمام قصد اللّٰه. فقد ارسله اللّٰه ‹نورا الى العالم، حتى لا يبقى في الظلام كل مَن يؤمن به›. (يوحنا ١٢:٤٦) كما ذكر الرسول بطرس ان «لا خلاص بأحد غيره». (اعمال ٤:١٢) والسبب؟ لأن خلاصنا يعتمد على دم المسيح الكريم. (١ بطرس ١:١٨، ١٩) فقد ضحى يسوع المسيح بحياته كذبيحة فدائية ليرفع عنا الخطية التي ورثناها من ابوينا الاولين، آدم وحواء. (متى ٢٠:٢٨؛ ١ تيموثاوس ٢:٦) فضلا عن ذلك، استخدم اللّٰه يسوعَ ليكشف عن مشيئته وقصده. — يوحنا ٨:١٢، ٣٢، ٤٦، ٤٧؛ ١٤:٦؛ اعمال ٢٦:٢٣.
أسَّس اللّٰه ملكوتا او حكومة سماوية مؤلفة من يسوع المسيح وآخرين اختيروا من بين البشر. يرِد محور الملكوت هذا مرارا عديدة في الكتاب المقدس. فقد عهد اللّٰه الى هذه الحكومة بمهمة التأكد ان مشيئته تتم على الأرض كما في السماء. (متى ٦:١٠) ولم يكن قصد اللّٰه الاصلي ان يأخذ افرادًا من البشر كي يعيشوا في السماء. فكانت الارض هي موطنهم. إلّا ان اللّٰه اضاف امرا جديدا الى قصده بعدما اخطأ الانسان. فقد دبّر ان يختار اناسا «من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة» لكي ‹يملكوا› مع المسيح في الحكومة السماوية. (رؤيا ٥:٩، ١٠) وحكومة الملكوت هذه ‹ستسحق وتفني› كل اشكال الحكم البشري التي جلبت الكثير من البؤس والالم للانسان. — دانيال ٢:٤٤.
النفس ليست خالدة. توضح هذه الحقيقة الاساسية في الكتاب المقدس امورا عديدة تتعلق بالانسان ومصيره. وهي تزيل سوء الفهم وتنفي المعلومات المغلوطة التي شوّشت على الناس فهْمَ حالة الموتى.
يذكر اول سفر من اسفار الكتاب المقدس: «جبَلَ يهوه اللّٰه الانسان من تراب الارض ونفخ في انفه نسمة الحياة، فصار الانسان نفسا حية». (تكوين ٢:٧) هل تدرك ما تعنيه هذه الكلمات؟ ان النفس ليست كيانا غامضا يبقى حيا بمعزل عن الجسم البشري. فالانسان لا يملك نفسا، بل هو نفس تتألف من مزيج من العناصر الموجودة في «تراب الارض» مع قوة الحياة التي تأتي من اللّٰه. إذًا، النفس ليست خالدة، بل انها تموت عندما يموت الانسان. — تكوين ٣:١٩؛ جامعة ٩:٥، ١٠.
يمكن اعادة الذين ماتوا الى الحياة بواسطة القيامة. عندما تنتهي الفترة الموقتة التي فيها سمح اللّٰه باستمرار الشر، ‹سيسمع جميع الذين في القبور التذكارية صوت يسوع فيخرجون: الذين فعلوا الصالحات الى قيامة للحياة، والذين مارسوا الرذائل الى قيامة للدينونة›. (يوحنا ٥:٢٨، ٢٩؛ اعمال ٢٤:١٥) فبواسطة القيامة، سيعود البشر ليحيوا هنا على ارض فردوسية الحياة التي قصدها اللّٰه اصلا للعائلة البشرية.
افحص باعتناء الأسفار المقدسة يوميا
هل يمكنك ان ترى كيف تساعدك هذه الحقائق الاساسية؟ ففي هذه الاوقات المحفوفة بالمشاكل، يمكن لهذه الحقائق ان تحميك مما «يدعى زورا ‹معرفة›»، تلك المعرفة التي يروّجها الشيطان ابليس الذي يتظاهر بأنه «ملاك نور» ويدّعي عملاؤه انهم «خدام للبر». (١ تيموثاوس ٦:٢٠؛ ٢ كورنثوس ١١:١٣-١٥) كما تحمينا معرفة الكتاب المقدس الدقيقة من التنوير المزعوم المؤسس على فلسفات «الحكماء والمفكرين» العالميين الذين «رفضوا كلمة يهوه». — متى ١١:٢٥؛ ارميا ٨:٩.
دفع انتشار التعاليم والفلسفات المضلِّلة الرسول يوحنا ان يحذّر مسيحيي القرن الاول: «لا تصدقوا كل وحي». وحضهم قائلا: «امتحنوا عبارات الوحي لتروا هل هي من اللّٰه». (١ يوحنا ٤:١) فكّر في ما يلي. اذا تلقيت رسالة يمكن ان تؤثر في حياتك تأثيرا عميقا، فهل تقبل ما كُتب فيها دون تفكير لأنه بدا انها اتت من مصدر موثوق به؟ بالطبع لا، بل ستتأكد من مصدرها وتمتحن محتوياتها قبل ان تعمل بموجب ما تمليه عليك.
لقد اتاح لك اللّٰه القيام بالامر نفسه، اذ زوّد البشر بسجل مكتوب موحى به يحتوي هذه الحقائق الاساسية. وهكذا يمكنك ان ‹تتيقن› ان الانوار المرشدة او اضواء المنارات التي تتّبعها هي انوار حقيقية. (١ تسالونيكي ٥:٢١) وقد مُدح الشرفاء الخُلق في القرن الاول لأنهم ‹فحصوا باعتناء الأسفار المقدسة يوميا› ليتأكدوا ان ما تعلّموه هو فعلا الحق. (اعمال ١٧:١١) ويمكنك انت ايضا فعل الامر عينه. فلمَ لا تدع الكتاب المقدس يرشدك الى بر الامان مثل «سراج يضيء في مكان مظلم»؟ (٢ بطرس ١:١٩-٢١) فإذا قمت بذلك، «تجد معرفة اللّٰه» التي تمنحك التنوير الحقيقي. — امثال ٢:٥.
[الحاشية]
a اصدار شهود يهوه.
-