مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏«المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الجزء ٣

      ‏«المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا»‏

      ماذا يدفعنا الى المداومة على اتّباع يسوع؟‏ يجيب الرسول بولس:‏ «المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا».‏ (‏٢ كورنثوس ٥:‏١٤‏)‏ وفي هذا الجزء سنتعلّم عن محبة يسوع ليهوه،‏ للجنس البشري،‏ ولنا كأفراد.‏ وهذه المعلومات ستمس قلوبنا وتدفعنا الى العمل وإحراز التقدم في اتّباع مثال سيّدنا.‏

  • ‏«اني احب الآب»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٣

      ‏«اني احب الآب»‏

      ١،‏ ٢ ماذا كشف الرسول يوحنا عن الليلة الاخيرة التي قضاها الرسل مع يسوع؟‏

      يسترجع رجل مسنّ يناهز المئة من عمره ذكريات الماضي فيما يغطّ ريشته في الحبر.‏ هذا الرجل هو يوحنا،‏ آخر رسول باقٍ على قيد الحياة من رسل يسوع المسيح.‏ وهو يتذكر احداثا بالغة الاهمية حصلت ذات ليلة منذ نحو ٧٠ سنة.‏ فقد كانت هذه آخر ليلة يقضيها هو والرسل الآخرون مع يسوع قبل موته.‏ وبإرشاد روح الله القدس،‏ يتمكن يوحنا من تذكُّر وتدوين تلك الاحداث بالتفصيل.‏

      ٢ ففي تلك الليلة،‏ اخبرهم يسوع انه سيُقتل عما قريب.‏ ويوحنا وحده يكشف السبب الذي دفع يسوع الى الاذعان لهذه الميتة الفظيعة.‏ فهو يورد كلمات يسوع:‏ «ليعرف العالم اني احب الآب،‏ وكما اوصاني الآب،‏ هكذا افعل.‏ قوموا،‏ لنذهب من هنا».‏ —‏ يوحنا ١٤:‏٣١‏.‏

      ٣ كيف اظهر يسوع انه يحب اباه؟‏

      ٣ تُظهر عبارة «اني احب الآب» ان محبة يسوع لأبيه كانت اهم شيء في نظره.‏ لكنَّ يسوع لم يُظهر محبته من خلال تكرار هذه الكلمات،‏ اذ ان يوحنا ١٤:‏٣١ هي الآية الوحيدة في الكتاب المقدس التي عبّر فيها عن محبته لأبيه بهذه الصراحة.‏ فقد عاش يسوع بموجب كلماته هذه.‏ فمحبته ليهوه كانت ظاهرة في حياته اليومية.‏ فشجاعة يسوع وطاعته واحتماله هي دليل على محبته لله.‏ وفي الواقع،‏ كانت هذه المحبة هي الدافع وراء خدمته.‏

      ٤،‏ ٥ ايّ نوع من المحبة يركّز عليه الكتاب المقدس،‏ وماذا يمكن القول عن محبة يسوع ليهوه؟‏

      ٤ يعتقد البعض اليوم ان المحبة علامة ضعف.‏ وقد تذكّرهم هذه الكلمة بقصائد وأغاني الحب،‏ او حتى بالطيش الذي يُربط احيانا بالحب الرومنطيقي.‏ بالمقابل،‏ يناقش الكتاب المقدس موضوع الحب بطريقة لائقة وليس كما يُناقش عامة اليوم.‏ (‏امثال ٥:‏​١٥-‏٢١‏)‏ ولكن رغم ان كلمة الله تأتي على ذكر الحب الرومنطيقي،‏ فهي تركّز اكثر على نوع آخر من المحبة.‏ وهذه المحبة ليست مجرد عواطف جياشة او مشاعر عابرة.‏ كما انها ليست مفهوما فلسفيا جافا،‏ بل تشمل القلب والعقل على السواء.‏ فهي نابعة من القلب،‏ توجهها المبادئ السامية،‏ ويُعبَّر عنها بالاعمال البنّاءة.‏ وهي بعيدة كل البعد عن الطيش.‏ تقول كلمة الله:‏ «المحبة لا تفنى ابدا».‏ —‏ ١ كورنثوس ١٣:‏٨‏.‏

      ٥ من بين كل البشر الذين عاشوا،‏ كان يسوع اكثر مَن احب يهوه.‏ فلا احد فاقه في العمل بموجب الكلمات التي قال عنها انها الوصية العظمى:‏ «تحب يهوه إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل عقلك وبكل قوتك».‏ (‏مرقس ١٢:‏٣٠‏)‏ فكيف نمّى يسوع هذه المحبة لله؟‏ كيف ابقاها قوية عندما كان على الارض؟‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏

      اقدم وأمتن رباط محبة

      ٦،‏ ٧ كيف نعرف ان الامثال ٨:‏​٢٢-‏٣١ تنطبق على ابن الله،‏ لا على صفة الحكمة فقط؟‏

      ٦ هل عملت في مشروع ما مع احد اصدقائك،‏ مما قوّى اواصر الصداقة بينكما؟‏ يمكن ان يساعدك هذا الامر على إدراك المحبة التي تربط بين يهوه وابنه الوحيد.‏ لقد اشرنا عدة مرات في هذا الكتاب الى الامثال ٨:‏٣٠‏.‏ ولكن لنتأمل الآن في هذا العدد عن كثب على ضوء قرينته.‏ ففي الاعداد ٢٢ الى ٣١‏،‏ نجد وصفا موحى به للحكمة المجسَّمة.‏ فكيف نعرف ان هذه الكلمات تنطبق على ابن الله؟‏

      ٧ تقول الحكمة في العدد ٢٢‏:‏ «يهوه خلقني بداية لطريقه،‏ اول اعماله منذ القِدَم».‏ لا بد ان هذه الكلمات تشير الى امر آخر غير الحكمة،‏ لأن هذه الصفة لم ‹تُخلَق›.‏ فالحكمة ليست لها بداية لأن يهوه ازلي ولطالما كان حكيما.‏ (‏مزمور ٩٠:‏٢‏)‏ اما ابن الله فكان «بكر كل خليقة»،‏ مما يعني انه خُلق وأنه اول ما ابدعته يَدَا يهوه.‏ (‏كولوسي ١:‏١٥‏)‏ وتقول الامثال ان هذا الابن وُجد قبل الارض والسماء.‏ وبما انه الكلمة،‏ اي الناطق بلسان الله،‏ فقد جسّد حكمة يهوه بشكل مطلق.‏ —‏ يوحنا ١:‏١‏.‏

      ٨ ماذا كان الابن يفعل خلال وجوده السابق لبشريته،‏ وفيمَ قد نفكر حين يذهلنا شيء ما في الطبيعة؟‏

      ٨ وماذا كان الابن يفعل كل هذا الوقت الطويل قبل مجيئه الى الارض؟‏ يخبرنا العدد ٣٠ انه كان بجانب الله «عاملا ماهرا».‏ فماذا يعني ذلك؟‏ توضح كولوسي ١:‏١٦‏:‏ «به خُلقَت سائر الاشياء في السموات وعلى الارض .‏ .‏ .‏ به وله خُلقَت».‏ فيهوه الخالق استخدم ابنه،‏ العامل الماهر،‏ ليُوجِد كل الخلائق الاخرى:‏ المخلوقات الروحانية في الحيز السماوي،‏ الكون المادي الفسيح،‏ الارض بما فيها من حياة نباتية وحيوانية متنوعة،‏ والجنس البشري الذي توَّج به اعماله الخلقية على الارض.‏ ويمكننا الى حدّ ما ان نشبِّه هذا التعاون بين الآب والابن بالتعاون بين المهندس المعماري والبنّاء،‏ او المقاول،‏ الذي ينفِّذ تصاميم المهندس المبدعة بحذافيرها.‏ لذلك حين يذهلنا شيء ما في الخليقة،‏ ننسب الفضل الى المهندس العظيم.‏ (‏مزمور ١٩:‏١‏)‏ لكننا قد نتذكر ايضا التعاون الرائع الطويل الامد بين الخالق و ‹العامل الماهر› الذي استخدمه.‏

      ٩،‏ ١٠ (‏أ)‏ ماذا جعل الرباط بين يهوه وابنه رباطا متينا؟‏ (‏ب)‏ ماذا يمكن ان يجعل الرباط بينك وبين ابيك السماوي رباطا متينا؟‏

      ٩ عندما يعمل شخصان ناقصان عن كثب،‏ قد يجدان صعوبة في الانسجام واحدهما مع الآخر.‏ لكنّ ذلك لم يحصل مع يهوه وابنه.‏ فالابن عمل طوال دهور مع الآب وكان «مسرورا امامه كل حين».‏ (‏امثال ٨:‏٣٠‏)‏ نعم،‏ لقد كان الابن مسرورا برفقة ابيه،‏ وكان هذا شعورا متبادلا.‏ وصار هذا الابن مثل ابيه تماما،‏ اذ تعلّم الاقتداء بصفات الله.‏ فلا عجب اذًا ان يصير الرباط بين الآب والابن متينا الى هذه الدرجة!‏ وهذا الرباط يُدعى بحقٍّ اقدم وأمتن رباط محبة في الكون بأسره.‏

      ١٠ ولكن ماذا يعني ذلك لنا؟‏ قد تشعر انك لن تستطيع ابدا امتلاك رباط كهذا مع يهوه.‏ صحيح ان لا احد منا يحظى بمركز الابن الرفيع،‏ ولكن تُتاح امامنا فرصة رائعة.‏ تذكَّر ان يسوع نال علاقة حميمة بأبيه من جراء العمل الى جانبه.‏ نحن ايضا،‏ يمنحنا يهوه بمحبة الفرصة لنكون ‹عاملين معه›.‏ (‏١ كورنثوس ٣:‏٩‏)‏ ففيما نقتدي بمثال يسوع في الخدمة،‏ ينبغي ان نبقي دائما في بالنا اننا عاملون مع الله.‏ وهكذا،‏ يصير رباط المحبة بيننا وبين يهوه امتن.‏ أوَليس هذا اسمى امتياز نحظى به؟‏!‏

      كيف ابقى يسوع محبته ليهوه قوية

      ١١-‏١٣ (‏أ)‏ لماذا يمكن تشبيه المحبة بنبتة،‏ وكيف ابقى يسوع محبته ليهوه قوية؟‏ (‏ب)‏ كيف اظهر ابن الله اهتمامه بالتعلُّم عن يهوه حين كان في السماء وعندما اتى الى الارض؟‏

      ١١ من نواحٍ عديدة،‏ يمكن تشبيه المحبة في قلبنا بالنبتة التي تحتاج الى الغذاء والعناية لتنمو وتزدهر.‏ فهي تذبل وتموت عندما تُحرَم منهما.‏ وهذا ما فعله يسوع عندما كان على الارض بالمحبة التي أكنها ليهوه.‏ فهو لم يعتبرها تحصيل حاصل،‏ بل ابقاها قوية.‏ فلنرَ في ما يلي كيف فعل ذلك.‏

      ١٢ تذكَّر الحادثة حين كان يسوع صغيرا وتكلم بشجاعة عن علاقته بيهوه في هيكل اورشليم.‏ فقد قال لوالدَيه القلقَين:‏ «لماذا تفتشان عني؟‏ ألَم تعلما انني لا بد ان اكون في بيت ابي؟‏».‏ (‏لوقا ٢:‏٤٩‏)‏ فمحبته لأبيه يهوه كانت شديدة،‏ رغم انه لم تكن لديه بعد اية ذكريات عن وجوده السابق لبشريته.‏ وكان يعرف ان التعبير الفطري عن هذه المحبة هو من خلال العبادة.‏ لذلك لم يحب اي مكان آخر على الارض مثلما احب بيت ابيه للعبادة النقية.‏ فكان يتوق ان يذهب الى هناك ولا يودّ المغادرة.‏ كما انه لم يكن مجرد متفرج،‏ بل كان متعطشا الى التعلم عن يهوه والتحدث عما يعرفه.‏ لكنّ هذه المشاعر لم تولد عنده فجأة عندما كان بعمر ١٢ سنة ولم تخبُ آنذاك ايضا.‏

      ١٣ فعندما كان الابن في السماء،‏ كان متعطشا الى التعلم من ابيه.‏ فالنبوة المسجّلة في اشعيا ٥٠:‏​٤-‏٦ تكشف ان يهوه علّم ابنه عن دوره كمسيَّا.‏ وقد كان هذا الابن تلميذا نهِما رغم معرفته انه سيواجه الضيقات.‏ ولاحقا،‏ عندما اتى يسوع الى الارض وصار راشدا،‏ كان يتوق ان يذهب الى بيت ابيه ليشارك في العبادة والتعليم الذي اراد يهوه ان يُمنح هناك.‏ فالكتاب المقدس يخبر ان يسوع كان يذهب باستمرار الى الهيكل والمجمع.‏ (‏لوقا ٤:‏١٦؛‏ ١٩:‏٤٧‏)‏ على نحو مماثل،‏ اذا اردنا ان نبقي محبتنا ليهوه قوية،‏ يلزم ان نحضر بدأب الاجتماعات المسيحية.‏ ففي هذه الاجتماعات نعبد يهوه ونعمّق معرفتنا ليهوه وتقديرنا له.‏

      يسوع يصلي على جبل

      ‏«صعد الى الجبل منفردا ليصلي»‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ لماذا سعى يسوع الى الاختلاء بنفسه؟‏ (‏ب)‏ كيف تدل صلوات يسوع على علاقته الحميمة بأبيه واحترامه له؟‏

      ١٤ والامر الآخر الذي ساعد يسوع على إبقاء محبته ليهوه قوية هو الصلاة باستمرار.‏ فمع انه كان رجلا اجتماعيا وودودا،‏ فقد عرف اهمية الاختلاء بالنفس.‏ مثلا،‏ تقول لوقا ٥:‏١٦‏:‏ «بقي معتزلا في القفار يصلي».‏ وتذكر متى ١٤:‏٢٣‏:‏ «بعدما صرف الجموع،‏ صعد الى الجبل منفردا ليصلي.‏ ورغم ان الوقت صار متأخرا،‏ كان هناك وحده».‏ لم يسعَ يسوع في هاتين المرتين وفي مناسبات اخرى الى الاختلاء بنفسه لأنه شخص انطوائي او يكره معاشرة الآخرين،‏ بل لأنه اراد ان يكون وحده مع ابيه يهوه ليتكلم معه بحرية في الصلاة.‏

      ١٥ وفي صلاته،‏ كان يستخدم احيانا عبارة ‏«أبَّا،‏ ايّها الآب».‏ (‏مرقس ١٤:‏٣٦‏)‏ في ايام يسوع،‏ كانت كلمة «أبَّا»،‏ التي تعني «اب»،‏ صيغة تحبّب تُستخدم ضمن العائلة.‏ ورغم انها كانت غالبا من اولى الكلمات التي يتعلمها الطفل،‏ فقد كانت تنمّ عن الاحترام.‏ ففي حين انها تدل على علاقة حميمة كتلك التي تربط بين الابن وأبيه الحبيب،‏ فهي تدل ايضا على الاحترام لسلطة يهوه الابوية.‏ وتظهر هذه العلاقة الحميمة المقترنة بالاحترام في كل صلوات يسوع المسجّلة.‏ على سبيل المثال،‏ سجّل الرسول يوحنا في الاصحاح ١٧ من انجيله الصلاة المطوّلة النابعة من القلب التي قدّمها يسوع في الليلة الاخيرة من حياته.‏ ومن المشجّع والمهم لنا ان نتمعّن في صلاة يسوع هذه ونقتدي به،‏ ليس بتكرار كلماته،‏ بل بالتحدث الى ابينا السماويّ كلما امكن من خلال الصلوات النابعة من القلب.‏ فهذا ما يبقي محبتنا له قوية.‏

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ كيف عبّر يسوع عن محبته لأبيه بالكلام؟‏ (‏ب)‏ كيف اخبر يسوع الناس عن سخاء ابيه؟‏

      ١٦ كما ذكرنا سابقا لم يكرر يسوع عبارة «اني احب الآب».‏ لكنه عبّر مرارا عن محبته لأبيه بالكلام.‏ كيف؟‏ قال هو نفسه ذات مرة:‏ ‏«اسبِّحك علانية،‏ ايّها الآب،‏ رب السماء والارض».‏ (‏متى ١١:‏٢٥‏)‏ في الجزء ٢ من هذا الكتاب،‏ تعلَّمنا ان يسوع كان يحب ان يسبِّح اباه بمساعدة الناس على التعرف به.‏ مثلا،‏ شبّه يهوه بأب كان توّاقا ان يغفر لابنه المتمرد،‏ حتى انه كان ينتظر عودة ابنه التائب.‏ وعندما ابصره من بعيد آتيا في الطريق،‏ ركض للقائه وعانقه.‏ (‏لوقا ١٥:‏٢٠‏)‏ فكيف يمكن للشخص ان يقرأ هذا المقطع دون ان يتأثر بالوصف الذي اعطاه يسوع لمحبة يهوه وغفرانه؟‏!‏

      ١٧ كثيرا ما سبَّح يسوع اباه بالتحدث عن سخائه.‏ فاستخدم مثَل الوالدين الناقصين ليُظهِر ان علينا الثقة تماما بأن ابانا سيمنحنا الروح القدس بسخاء.‏ (‏لوقا ١١:‏١٣‏)‏ وقد تحدث ايضا عن الرجاء الذي يمنحه الآب بسخاء.‏ فوصف بلهفة رجاءه باسترداد مكانه الى جانب ابيه في السماء.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٢٨؛‏ ١٧:‏٥‏)‏ وأخبر أتباعه عن الرجاء الذي يمنحه يهوه ‹لقطيع المسيح الصغير›،‏ رجاء العيش في السماء والاشتراك في الحكم مع الملك المسيَّاني.‏ (‏لوقا ١٢:‏٣٢؛‏ يوحنا ١٤:‏٢‏)‏ كما عزى خاطئا مشرفا على الموت برجاء الحياة في الفردوس.‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٣‏)‏ ولا شك ان تحدثه عن سخاء ابيه بهذه الطرائق ساعده على إبقاء محبته ليهوه قوية.‏ بصورة مماثلة،‏ يدرك كثيرون من أتباع المسيح ان التحدث عن يهوه والرجاء الذي يمنحه للذين يحبونه هو خير مساعد لهم على تقوية محبتهم له وإيمانهم به.‏

      هل تقتدي بمحبة يسوع ليهوه؟‏

      ١٨ ما هو اهم مجال ينبغي ان نقتدي فيه بيسوع،‏ ولماذا؟‏

      ١٨ ان اهم مجال ينبغي ان نقتدي فيه بمثال يسوع هو ان نحب يهوه بكل قلبنا ونفسنا وعقلنا وقوتنا.‏ (‏لوقا ١٠:‏٢٧‏)‏ وهذه المحبة لا تُقاس فقط بمدى قوة مشاعرنا،‏ بل ايضا بمدى إعطائنا الدليل عليها بأعمالنا.‏ فيسوع ادرك ان الشعور بالمحبة لأبيه او القول:‏ «اني احب الآب» غير كافيَين،‏ لذلك قال:‏ «ليعرف العالم اني احب الآب،‏ وكما اوصاني الآب،‏ هكذا أفعل».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٣١‏)‏ فقد ادّعى الشيطان انه ما من انسان يخدم يهوه بدافع المحبة غير الانانية.‏ (‏ايوب ٢:‏​٤،‏ ٥‏)‏ وبغية تزويد الجواب الشافي عن هذا الادعاء الشرير،‏ اتّخذ يسوع اجراء شجاعا وأظهر للملإ كم يحب اباه،‏ اذ اطاعه حتى الى درجة بذل نفسه.‏ فهل تقتدي بيسوع؟‏ هل تُظهر للملإ انك تحب يهوه الله فعلا؟‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ لماذا من المهم ان نحضر الاجتماعات المسيحية بانتظام؟‏ (‏ب)‏ كيف يجب ان ننظر الى الدرس الشخصي،‏ التأمل،‏ والصلاة؟‏

      ١٩ لدينا حاجة الى إظهار محبة كهذه.‏ فقد صنع يهوه ترتيب العبادة بحيث يمكِّننا هذا الترتيب من تقوية محبتنا له.‏ فعندما تحضر الاجتماعات المسيحية،‏ حاوِل ان تتذكر انك هناك لتعبد الهك.‏ وهذه العبادة تشمل الاشتراك في الصلاة المخلصة،‏ ترنيم ترانيم التسبيح،‏ الاصغاء بانتباه،‏ وتقديم التعليقات كلما امكن.‏ كما ان هذه الاجتماعات تتيح لك فرصة تشجيع الرفقاء المسيحيين.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏​٢٤،‏ ٢٥‏)‏ وعبادة يهوه بانتظام في الاجتماعات المسيحية ستقوّي محبتك لله اكثر فأكثر.‏

      ٢٠ يمكن قول الامر عينه عن الدرس الشخصي،‏ التأمل،‏ والصلاة.‏ فكّر ان هذه فرص لتكون وحدك مع يهوه.‏ فهو ينقل اليك افكاره من خلال درسك كلمته المكتوبة وتأملك فيها.‏ وبإمكانك ان تبوح له بمكنونات قلبك من خلال الصلاة.‏ ولكن تذكَّر ان الصلاة لا تقتصر على تقديم الطلبات لله.‏ فهي تتيح لك ايضا فرصة شكره على البركات التي يمنحك اياها وتسبيحه على اعماله الرائعة.‏ (‏مزمور ١٤٦:‏١‏)‏ اضافة الى ذلك،‏ فإن تسبيح يهوه علنا بفرح وحماسة هو افضل طريقة لشكره والاعراب عن محبتك له.‏

      ٢١ الى ايّ حد مهمة هي المحبة ليهوه،‏ وماذا سنناقش في الفصول اللاحقة؟‏

      ٢١ ان المحبة لله هي مفتاح السعادة الابدية.‏ فهذه هي الصفة التي كان آدم وحواء بحاجة اليها ليكونا طائعَين،‏ ولكنهما لم يعربا عنها.‏ انها اهم صفة تحتاج اليها لتتخطى ايّ امتحان للايمان،‏ ترفض ايّ اغراء،‏ وتحتمل اية محنة.‏ فهي جوهر ما يعنيه اتّباع يسوع.‏ ولا شك ان المحبة لله مرتبطة بالمحبة لقريبنا.‏ (‏١ يوحنا ٤:‏٢٠‏)‏ لذلك سنناقش في الفصول اللاحقة كيف اعرب يسوع عن المحبة للناس.‏ أما في الفصل التالي فسنناقش لماذا اعتبر كثيرون يسوع شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  على غرار يسوع،‏ كيف نُظهر اننا نثق بيهوه عندما نصلي؟‏ —‏ يوحنا ١١:‏​٤١،‏ ٤٢؛‏ عبرانيين ١١:‏٦‏.‏

      •  كيف نعبّر عن محبة نابعة من القلب ليهوه بالطريقة التي نستخدم بها اسمه؟‏ —‏ يوحنا ١٧:‏​٦-‏٨‏.‏

      •  لماذا تتطلب المحبة ليهوه الاقتداء بيسوع في البقاء منفصلين عن العالم؟‏ —‏ يوحنا ١٧:‏​١٤-‏١٦؛‏ يعقوب ٤:‏٨‏.‏

      •  كيف يمكننا تطبيق مشورة يسوع عن المحافظة على محبة شديدة ليهوه؟‏ —‏ رؤيا ٢:‏​١-‏٥‏.‏

  • ‏«اقتربت اليه جموع كثيرة»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٤

      ‏«اقتربت اليه جموع كثيرة»‏

      يسوع وحوله اولاد من كل الاعمار

      ‏«دعوا الاولاد الصغار يأتون اليّ»‏

      ١-‏٣ ماذا يحدث عندما يُحضِر بعض الوالدين اولادهم الى يسوع،‏ وماذا تكشف لنا هذه الحادثة عنه؟‏

      يعرف يسوع ان نهاية حياته الارضية قريبة جدا.‏ ولكن لا يزال لديه الكثير من العمل ليقوم به في الاسابيع القليلة المتبقية له.‏ فهو يكرز مع رسله في پيريا،‏ مقاطعة شرقي نهر الاردن.‏ وهم متّجهون جنوبا نحو اورشليم،‏ حيث سيحتفل يسوع بالفصح الاخير له الذي ستليه احداث بارزة.‏

      ٢ بعد مناقشة حامية مع بعض القادة الدينيين،‏ تحدث فوضى بعض الشيء،‏ اذ يُحضِر الناس اولادهم اليه ليروه.‏ ومن الواضح ان الاولاد كانوا من مختلف الاعمار.‏ فمرقس يتحدث عنهم مستخدما الكلمة نفسها التي استخدمها قبلا للاشارة الى فتاة في الثانية عشرة من عمرها،‏ في حين ان لوقا يستخدم كلمة يمكن ترجمتها الى «اطفال».‏ (‏لوقا ١٨:‏١٥؛‏ مرقس ٥:‏​٤١،‏ ٤٢؛‏ ١٠:‏١٣‏)‏ ولا شكّ انه حيث يوجد الاولاد،‏ غالبا ما يكثر الضجيج والجلبة.‏ لذلك يؤنب التلاميذ الوالدين،‏ مفترضين ربما ان سيّدهم مشغول جدا ولا يريد ان يزعجه الاولاد.‏ فماذا يفعل يسوع؟‏

      ٣ يغتاظ يسوع عندما يرى ما يحدث.‏ ولكن هل يغتاظ من الاولاد او من الوالدين؟‏ كلا،‏ بل من تلاميذه.‏ فهو يقول لهم:‏ «دعوا الاولاد الصغار يأتون اليّ.‏ لا تحاولوا منعهم،‏ لأن لأمثال هؤلاء ملكوت الله.‏ الحق اقول لكم:‏ مَن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد صغير،‏ فلن يدخله ابدا».‏ بعدئذ،‏ يضمّ يسوع الاولاد «بذراعيه» ويباركهم.‏ (‏مرقس ١٠:‏​١٣-‏١٦‏)‏ تشير الكلمات التي استخدمها مرقس هنا ان يسوع يعانق الاولاد بحنان،‏ حتى انه ربما يحمل بعض الاطفال ويحتضنهم.‏ تكشف لنا هذه الحادثة ان يسوع مولع بالاولاد.‏ ولكننا نتعلم ايضا ان يسوع شخص يسهل الاقتراب اليه.‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ ماذا يؤكد لنا ان يسوع كان شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة سنناقشها في هذا الفصل؟‏

      ٤ لو كان يسوع رجلا متكبرا وصارما وبلا مشاعر،‏ لما كان هؤلاء الاولاد سينجذبون اليه على الارجح ولما كان والدوهم سيستسهلون الاقتراب اليه.‏ هل تتخيل كم فرح هؤلاء الوالدون فيما كان هذا الرجل اللطيف يعبّر عن حنانه تجاه اولادهم ويخبرهم ان الله يعتبرهم ذوي قيمة،‏ ويباركهم؟‏ فرغم ان المسؤوليات كانت تُثقِل كاهل يسوع،‏ فقد بقي شخصا يسهل الاقتراب اليه اكثر من ايّ انسان آخر على الارض.‏

      ٥ فمَن غير هؤلاء شعروا بسهولة الاقتراب اليه؟‏ ماذا جعله شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏ وكيف يمكننا الاقتداء به في هذا المجال؟‏ لنناقش هذه الاسئلة في ما يلي.‏

      مَن شعروا بسهولة الاقتراب الى يسوع؟‏

      ٦-‏٨ مَن بشكل عام كانوا يتبعون يسوع،‏ وكيف اختلف موقفه عن موقف القادة الدينيين؟‏

      ٦ حين تقرأ روايات الاناجيل،‏ قد تندهش حين تعرف ان اعدادا كبيرة من الناس لم تتردد قط في الاقتراب الى يسوع.‏ مثلا،‏ كثيرا ما ترد في روايات الاناجيل عبارة «جموع كثيرة».‏ فالكتاب المقدس يقول انه «تبعته جموع كثيرة من الجليل»،‏ «اجتمعت اليه جموع كثيرة»،‏ «اقتربت اليه جموع كثيرة»،‏ و «كانت جموع كثيرة مسافرة معه».‏ (‏متى ٤:‏٢٥؛‏ ١٣:‏٢؛‏ ١٥:‏٣٠؛‏ لوقا ١٤:‏٢٥‏)‏ نعم،‏ غالبا ما كان يسوع محاطا بجماهير غفيرة.‏

      ٧ وكانت هذه الحشود عموما مؤلفة من عامة الشعب،‏ الذين دعاهم القادة الدينيون بازدراء «شعب الارض».‏ فقد قال الفريسيون والكهنة علنا:‏ «هذا الجمع الذي لا يعرف الشريعة ملعون».‏ (‏يوحنا ٧:‏٤٩‏)‏ وتؤكد كتابات الربّانيين اللاحقة ان القادة الدينيين امتلكوا هذا الموقف.‏ فكثيرون منهم اعتبروا اشخاصا كهؤلاء وضعاء،‏ ورفضوا الاكل معهم او شراء شيء منهم او معاشرتهم.‏ حتى ان البعض اكّدوا ان هؤلاء الذين لا يعرفون الشريعة الشفهية ليس لديهم ايّ رجاء بالقيامة.‏ لذلك لا بد ان كثيرين من المساكين تجنبوا القادة الدينيين ولم يقتربوا اليهم لطلب المساعدة او الارشاد.‏ لكنَّ يسوع كان مختلفا.‏

      ٨ فهو لم يتردد في الاختلاط بعامة الشعب.‏ بل كان يأكل معهم،‏ يشفيهم،‏ يعلّمهم،‏ ويمنحهم الرجاء.‏ طبعا،‏ كان يسوع واقعيا اذ عرف ان معظم الناس سيرفضون امتياز خدمة يهوه.‏ (‏متى ٧:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ رغم ذلك،‏ امتلك نظرة ايجابية الى كل فرد وعرف ان كثيرين لديهم القدرة على فعل الصواب.‏ فشتّان ما بينه وبين اولئك الفريسيين والكهنة المتحجري القلوب!‏ ومن المدهش ان بعض الكهنة والفريسيين اقتربوا الى يسوع،‏ حتى ان عددا منهم غيّروا مسلكهم وتبعوه.‏ (‏اعمال ٦:‏٧؛‏ ١٥:‏٥‏)‏ كما ان بعض الاغنياء وذوي النفوذ كانوا يستسهلون الاقتراب اليه.‏ —‏ مرقس ١٠:‏​١٧،‏ ٢٢‏.‏

      ٩ لماذا استسهلت النساء الاقتراب الى يسوع؟‏

      ٩ لم تتردد النساء ايضا في الاقتراب الى يسوع.‏ فلا شك انهن كثيرا ما شعرن بالازدراء المذلّ الذي اكنّه القادة الدينيون لهنّ.‏ فالربّانيون لم يوافقوا عموما على تعليم النساء.‏ ولم يُسمح للنساء بتقديم الشهادة في المحاكم،‏ اذ ان شهادتهن لم تُعتبر جديرة بالثقة.‏ حتى ان الربّانيين كانوا يتلون صلاة يشكرون فيها الله انهم ليسوا نساء.‏ بالتباين،‏ لم يعامل يسوع النساء بهذه الطريقة.‏ فكثيرات منهن اقتربن اليه،‏ متعطشات الى التعلم منه.‏ مثلا،‏ يروي الكتاب المقدس عن مريم اخت لعازر انها جلست عند قدمي الرب وأصغت بشغف الى كلماته فيما كانت اختها مرثا منشغلة ومهتمة بإفراط بإعداد الطعام.‏ لذلك مدحها يسوع على وضعها الاولويات في مكانها الملائم.‏ —‏ لوقا ١٠:‏​٣٩-‏٤٢‏.‏

      ١٠ كيف كان يسوع مختلفا عن القادة الدينيين في معاملته المرضى؟‏

      ١٠ حتى المرضى تقاطروا الى يسوع.‏ فكثيرا ما عاملهم القادة الدينيون هم ايضا كمنبوذين.‏ صحيح ان الشريعة الموسوية نصّت على وضع البُرص في الحجر الصحيّ،‏ لكنها لم تُجِز معاملتهم بقساوة.‏ (‏لاويين،‏ الاصحاح ١٣‏)‏ فالقواعد الربّانية الموضوعة لاحقا هي التي ذكرت ان البُرص مثيرون للاشمئزاز مثلهم مثل البراز.‏ وقد ذهب بعض القادة الدينيين الى حدّ رمي البُرص بالحجارة لإبعادهم.‏ فهل تتخيل مدى الشجاعة التي كانت تلزم الاشخاص الذين عوملوا بهذه الطريقة للاقتراب الى ايّ معلّم؟‏ رغم ذلك،‏ اقترب البُرص الى يسوع.‏ وقد تفوّه احدهم بهذه الكلمات الشهيرة التي تدل على ايمانه:‏ «يا رب،‏ إنْ اردت،‏ فأنت قادر ان تطهّرني».‏ (‏لوقا ٥:‏١٢‏)‏ وفي الفصل التالي،‏ سنناقش ماذا كان ردّ فعل يسوع.‏ اما الآن فيكفي القول ان هذا هو دليل قاطع ان يسوع كان شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

      ١١ ايّ مثال يُظهِر ان الذين يُثقِل الشعور بالذنب كاهلهم استسهلوا الاقتراب الى يسوع،‏ ولماذا ذلك مهم؟‏

      ١١ سهُل ايضا على الذين يُثقِل كاهلهم الشعور بالذنب ان يقتربوا الى يسوع.‏ مثلا،‏ عندما كان يسوع يتغدَّى في بيت احد الفريسيين،‏ اتت امرأة معروف انها خاطئة وركعت عند قدميه.‏ وكانت تبكي بسبب شعورها بالذنب وتغسل قدميه بدموعها وتجففهما بشعرها.‏ وفي حين ان مضيف يسوع شعر بالنفور وانتقده بقسوة لأنه سمح لهذه المرأة بالاقتراب منه،‏ مدح يسوع بلطف المرأة على توبتها الصادقة وأكّد لها ان يهوه غفر خطاياها.‏ (‏لوقا ٧:‏​٣٦-‏٥٠‏)‏ واليوم اكثر من ايّ وقت مضى،‏ يحتاج الاشخاص الذين يُثقِل الشعور بالذنب كاهلهم ان يشعروا بأنهم يستطيعون الاقتراب الى مَن بإمكانهم مساعدتهم على استعادة علاقتهم بالله.‏ لذلك من المهم ان نعرف ما هي الامور التي سهَّلت الاقتراب الى يسوع بغية الاقتداء بها.‏

      ما الذي سهَّل الاقتراب الى يسوع؟‏

      ١٢ لماذا ليس غريبا ان يكون يسوع شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏

      ١٢ كان يسوع يقتدي كاملا بأبيه السماويّ الحبيب.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ فالكتاب المقدس يقول لنا ان يهوه «ليس بعيدا عن كل واحد منا».‏ (‏اعمال ١٧:‏٢٧‏)‏ ويهوه هو «سامع الصلاة»،‏ لذلك فإن الاقتراب اليه متاح دائما لخدامه الامناء وأيّ شخص آخر يريد بإخلاص ان يجده ويخدمه.‏ (‏مزمور ٦٥:‏٢‏)‏ فأعظم وأهم شخصية في الكون هو ايضا الشخصية التي يسهل الاقتراب اليها اكثر من ايّ كائن آخر.‏ ويسوع يحب الناس على غرار ابيه.‏ وفي الفصول التالية،‏ سنتحدث عن هذه المحبة العميقة التي اكنّها يسوع في قلبه.‏ لكنَّ الناس استسهلوا الاقتراب اليه الى حد كبير لأن محبته لهم كانت ظاهرة.‏ لذلك لنستعرض الآن بعض صفات يسوع التي اظهر من خلالها محبته هذه.‏

      ١٣ كيف يمكن للوالدين الاقتداء بمثال يسوع؟‏

      ١٣ كان الناس يشعرون على الفور ان يسوع يهتم بهم اهتماما شخصيا.‏ وهذا الاهتمام الشخصي لم يختفِ عندما كان يسوع تحت الضغط.‏ فكما سبق ان رأينا،‏ عندما احضر الوالدون اولادهم الى يسوع،‏ بقي شخصا يسهل الاقتراب اليه رغم انه مشغول ولديه مسؤوليات تُثقِل كاهله.‏ وما اروع المثال الذي رسمه يسوع للوالدين!‏ فتربية الاولاد في ايامنا تشكّل تحديا كبيرا.‏ رغم ذلك،‏ من المهم ان يشعر الاولاد انه يسهل عليهم الاقتراب الى والديهم.‏ فأنت تعرف ايها الوالد انك قد تكون احيانا مشغولا جدا ولا تستطيع منح ولدك الاهتمام الذي يطلبه منك.‏ ولكن هل تطمئنه انك ستخصص له الوقت بأسرع ما يمكن؟‏ وإذا وفيت بوعدك،‏ فسيتعلّم ولدك فوائد الصبر.‏ وسيتعلّم ايضا انك مستعد دائما لتصغي له عندما يقترب اليك طلبا للاهتمام او ليخبرك عن مشكلة يواجهها.‏

      ١٤-‏١٦ (‏أ)‏ اية ظروف جعلت يسوع يصنع عجيبته الاولى،‏ ولماذا كان ذلك عملا رائعا؟‏ (‏ب)‏ ماذا تكشف عجيبة يسوع في قانا عنه،‏ وأيّ درس يعلّمه ذلك للوالدين؟‏

      ١٤ كان يسوع يُظهِر للناس انه يهتم بمشاكلهم.‏ مثلا،‏ فكِّر في اول عجيبة قام بها.‏ فيسوع كان يحضر وليمة عرس في بلدة في الجليل اسمها قانا.‏ وقد نشأت مشكلة محرجة،‏ اذ لم يعد لديهم خمر.‏ فماذا فعل يسوع عندما اخبرته امه مريم بما حدث؟‏ امر الخدم ان يملأوا ست جرار حجرية كبيرة بالماء ثم ان يقدّموا عينة منها الى المشرف على الوليمة.‏ فذاقها المشرف،‏ وإذا هي خمر جيدة.‏ فهل كانت هذه حيلة او احدى ألعاب الخفة؟‏ كلا،‏ فكان «الماء .‏ .‏ .‏ قد تحوّل خمرا».‏ (‏يوحنا ٢:‏​١-‏١١‏)‏ لطالما حلم البشر بتحويل مادة الى اخرى.‏ فطوال قرون،‏ حاول الخيميائيون تحويل الرصاص الى ذهب.‏ لكنهم لم ينجحوا في ذلك قط،‏ رغم ان الرصاص والذهب هما في الواقع معدنان متشابهان جدا.‏a وماذا عن الماء والخمر؟‏ ان التركيب الكيميائي للماء بسيط جدا،‏ اذ انه ينتج عن اتّحاد عنصرَين اساسيَّين.‏ بالتباين،‏ تحتوي الخمر على نحو الف مادة كيميائية،‏ والكثير من هذه المواد بالغ التعقيد.‏ فلماذا صنع يسوع عجيبة رائعة كهذه لحل مشكلة قليلة الاهمية كنفاد الخمر في وليمة عرس؟‏

      ١٥ لم تكن المشكلة قليلة الاهمية في نظر العروس والعريس.‏ ففي الشرق الاوسط قديما،‏ كان إظهار الضيافة للمدعوين امرا بالغ الاهمية.‏ ونفاد الخمر في وليمة العرس كان سيتسبب للعروس والعريس بإحراج كبير،‏ مما سيفسد عليهما يوم زفافهما بحيث لن تعود لديهما ذكريات جميلة عنه.‏ وبما ان المشكلة كانت تهم العروسين،‏ فقد اعتبرها يسوع مهمة في نظره وحاول ان يحلّها.‏ فهل عرفت الآن لماذا كان الناس يقتربون الى يسوع ويخبرونه بمشاكلهم؟‏

      ام تواسي ابنتها الحزينة لأن ذراع دميتها تمزقت

      أظهِر لولدك انك شخص يسهل الاقتراب اليه وأنك تهتم به فعلا

      ١٦ يمكن للوالدين ان يتعلّموا درسا من هذه الحادثة ايضا.‏ فإذا اقترب اليك ولدك ليخبرك عن مشكلة يواجهها،‏ فقد تميل الى اعتبار ما يقلقه امرا قليل الاهمية او حتى مضحكا.‏ صحيح ان مشكلة ولدك قد تبدو تافهة مقارنة بهمومك المرهقة،‏ ولكن تذكّر انها ليست كذلك في نظر ولدك.‏ فإذا كانت هذه المسألة مهمة في نظر شخص تحبه كثيرا،‏ أفلا ينبغي ان تعتبرها انت ايضا مهمة؟‏ ان إظهارك لولدك انك تهتم بمشاكله سيسهِّل عليه الاقتراب اليك.‏

      ١٧ ايّ مثال للوداعة رسمه يسوع،‏ ولماذا هذه الصفة هي دليل على القوة؟‏

      ١٧ كما ناقشنا في الفصل ٣‏،‏ كان يسوع وديعا ومتواضعا.‏ (‏متى ١١:‏٢٩‏)‏ والوداعة هي صفة جديرة بالمدح وبرهان قويّ على تواضع المرء.‏ انها ثمرة من ثمر روح الله القدس ومرتبطة بالحكمة الالهية.‏ (‏غلاطية ٥:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ يعقوب ٣:‏١٣‏)‏ فحتى عند التعرض للاستفزاز الشديد،‏ حافظ يسوع على ضبط النفس.‏ فوداعته بعيدة كل البعد عن الضعف.‏ قال احد العلماء عن هذه الصفة:‏ «خلف الرفق تكمن قوة فولاذية».‏ فنحن نحتاج الى القوة لكبح انفعالاتنا ومعاملة الآخرين بوداعة.‏ وببركة يهوه على جهودنا،‏ يمكننا الاقتداء بيسوع في إظهار الوداعة،‏ مما يجعلنا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏

      ١٨ ايّ مثال يُظهِر تعقل يسوع،‏ ولماذا تسهِّل هذه الصفة الاقتراب الى الشخص؟‏

      ١٨ تحلّى يسوع ايضا بالتعقل.‏ فعندما كان في صور،‏ اتت اليه امرأة لأن ابنتها «في سوء من شيطان بها».‏ لكنَّ يسوع اعلمها بثلاث طرائق انه لا يرغب في تلبية طلبها.‏ اولا،‏ لم يُجبها بكلمة؛‏ ثانيا،‏ اعطاها سببا يوضح لماذا لا ينبغي ان يستجيب لها؛‏ وثالثا،‏ قدّم لها مثلا ليوضح النقطة اكثر.‏ ولكن هل كان اسلوبه متصلبا ولامباليا؟‏ هل اوحى لها انها تعرّض نفسها للخطر لأنها تجرأت ان تتحدى رجلا عظيما مثله؟‏ كلا،‏ فهذه المرأة كانت تشعر بالامان.‏ فهي لم تطلب المساعدة منه فحسب،‏ بل ألحت عليه ايضا رغم انه اظهر عدم استعداده لمساعدتها.‏ وقد رأى يسوع الايمان غير العادي الذي دفعها الى الالحاح،‏ فشفى ابنتها.‏ (‏متى ١٥:‏​٢٢-‏٢٨‏)‏ فلا شك ان تعقل يسوع،‏ اي استعداده للاصغاء وتلبية الطلبات حينما يكون ذلك ملائما،‏ جعل الناس يتوقون ان يقتربوا اليه.‏

      هل من السهل الاقتراب اليك؟‏

      ١٩ كيف نعرف ما اذا كنا حقا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏

      ١٩ يحبّ الناس ان يعتبرهم الآخرون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏ فبعض المسؤولين يتباهون بأن ابوابهم مفتوحة دائما لأتباعهم.‏ لكنّ الكتاب المقدس يقدّم هذا التحذير القويّ:‏ «كثيرون من الناس ينادون كل واحد بلطفه الحبي،‏ أما الانسان الامين فمَن يجده؟‏».‏ (‏امثال ٢٠:‏٦‏)‏ فمن السهل القول اننا اشخاص يسهل الاقتراب الينا،‏ ولكن هل نقتدي فعلا بهذا الوجه من محبة يسوع؟‏ لا يعتمد الجواب على نظرتنا الى انفسنا،‏ بل على نظرة الآخرين الينا.‏ قال بولس:‏ «ليُعرَف تعقلكم عند جميع الناس».‏ (‏فيلبي ٤:‏٥‏)‏ فيحسن بكلّ واحد منا ان يسأل نفسه:‏ ‹كيف يراني الآخرون؟‏ وما هو صيتي بين الناس؟‏›.‏

      شيخ يرحب بأخ اقترب منه

      يبذل الشيوخ جهدهم ليكونوا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم

      ٢٠ (‏أ)‏ لماذا من المهم ان يكون الشيوخ المسيحيون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ (‏ب)‏ لماذا ينبغي ان نكون متعقلين ومنطقيين في ما نتوقعه من شيوخ الجماعة؟‏

      ٢٠ يسعى الشيوخ المسيحيون خصوصا ان يكونوا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏ فهم يرغبون بشدة ان ينطبق عليهم الوصف المسجّل في اشعيا ٣٢:‏​١،‏ ٢‏:‏ «يكون كلٌّ منهم كمخبإ من الريح وستر من العاصفة،‏ كجداول ماء في ارض قاحلة،‏ كظل صخرة عظيمة في ارض معيية».‏ ولا يمكن للشيخ ان يزود هذه الحماية والانتعاش والراحة إلا اذا كان شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏ وهذا ليس سهلا دائما،‏ لأن الشيوخ تُلقى على عاتقهم مسؤولية ثقيلة في هذه الازمنة الصعبة.‏ لكنهم يبذلون جهدهم لئلا يعطوا الآخرين الانطباع انهم مشغولون جدا ولا يستطيعون الاهتمام بحاجات خراف يهوه.‏ (‏١ بطرس ٥:‏٢‏)‏ كما ان افراد الجماعة يحاولون ايضا ان يكونوا متعقلين ومنطقيين في ما يتوقعونه من هؤلاء الرجال الامناء،‏ مظهرين التواضع والتعاون.‏ —‏ عبرانيين ١٣:‏١٧‏.‏

      ٢١ كيف يمكن ان يكون الوالدون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم،‏ وعمّ سنتحدث في الفصل التالي؟‏

      ٢١ يبذل الوالدون قصارى جهدهم ليسهِّلوا على اولادهم الاقتراب اليهم دائما.‏ فهذا امر في غاية الاهمية.‏ وهم يريدون ان يعرف اولادهم ان بإمكانهم الثقة بأبيهم او امهم.‏ لذلك يحرص الوالدون المسيحيون ان يكونوا ودعاء ومتعقلين وألا يبالغوا في ردّ فعلهم عندما يعترف الولد بأنه ارتكب خطأ ما او حين يعبّر عن طريقة تفكير خاطئة.‏ كما انهم يبذلون جهدهم لإبقاء الحوار مفتوحا فيما يدرّبون اولادهم.‏ حقا،‏ نحن جميعا نرغب ان نكون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم،‏ اسوة بيسوع.‏ وفي الفصل التالي،‏ سنتحدث عن رأفة يسوع،‏ احدى ابرز الصفات التي جعلته شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

      a يعرف الذين يدرسون الكيمياء ان الرصاص قريب من الذهب في الجدول الدوري للعناصر.‏ فنواة ذرة الرصاص تحتوي ٣ پروتونات اكثر مما تحتويه نواة ذرة الذهب.‏ حتى ان بعض الفيزيائيين في زمننا حوّلوا كميات صغيرة من الرصاص الى ذهب.‏ لكنَّ هذه العملية باهظة التكاليف لأنها تتطلب الكثير من الطاقة.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  لماذا يمكن لطرح الاسئلة والاصغاء جيدا الى الاجوبة ان يدفعا الناس ان يقتربوا الينا؟‏ —‏ متى ١٦:‏​١٣-‏١٧‏.‏

      •  كيف برهن يسوع انه شخص يسهل الاقتراب اليه حتى عندما قوطعت خلوته،‏ وكيف نقتدي بمثاله؟‏ —‏ مرقس ٦:‏​٣١-‏٣٤‏.‏

      •  كيف نظر يسوع الى غير المؤمنين،‏ وكيف يجعلنا تبني نظرته المتزنة اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ —‏ لوقا ٥:‏​٢٩-‏٣٢‏.‏

      •  كيف يساعدنا تبني نظرة يسوع الايجابية الى الناس ان نصير اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ —‏ يوحنا ١:‏٤٧‏.‏

  • ‏«اشفق» على الناس
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٥

      ‏«اشفق» على الناس

      يسوع يشفي اعميين

      ‏‹يا رب،‏ افتح أعيننا›‏

      ١-‏٣ (‏أ)‏ كيف يتجاوب يسوع عندما يتوسل اليه متسوِّلان اعميان ان يساعدهما؟‏ (‏ب)‏ ماذا تعني كلمة «اشفق»؟‏ (‏انظر الحاشية.‏)‏

      خارج مدينة اريحا،‏ يجلس اعميان بجانب الطريق.‏ فهما يأتيان يوميا بحثا عن مكان يكثر فيه المارة بغية الاستعطاء.‏ ولكن في هذا اليوم سيحصل شيء يغيّر حياتهما تغييرا جذريا.‏

      ٢ فجأة،‏ يسمع المتسوِّلان جلبة.‏ وبما انهما لا يستطيعان ان يريا،‏ يستعلم احدهما عمّا يحصل،‏ فيجيبه الناس:‏ «يسوع الناصري مارّ!‏».‏ فيسوع ذاهب الى اورشليم للمرة الاخيرة.‏ ولكنه ليس وحده،‏ اذ ان جموعا كبيرة تتبعه.‏ وحين يعرف المتسوِّلان ان يسوع هو الذي يمرّ،‏ يُحدثان جلبة بالصراخ:‏ «ارحمنا يا رب،‏ يا ابن داود!‏».‏ فيغتاظ منهما الجمع ويأمرونهما بأن يلزما الصمت.‏ لكنَّ هذين الرجلين يائسان ويرفضان ان يسكتا.‏

      ٣ رغم الضجيج العالي الذي يصدره الجمع،‏ يسمع يسوع صراخ المتسوِّلَين.‏ فماذا يفعل؟‏ هنالك امور كثيرة تشغل باله.‏ فالاسبوع الاخير من حياته على الارض يوشك ان يبدأ.‏ وهو يعرف انه سيتألم ويموت ميتة أليمة في اورشليم.‏ مع ذلك،‏ لا يتجاهل الصرخات اللجوجة.‏ بل يتوقف ويطلب ان يُؤتى باللذين يصرخان اليه.‏ فيتوسلان اليه:‏ ‹يا رب،‏ افتح أعيننا›.‏ اذّاك،‏ ‹يشفق يسوع عليهما› ويلمس أعينهما.‏a فيستردان بصرهما ويتبعانه في الحال.‏ —‏ لوقا ١٨:‏​٣٥-‏٤٣؛‏ متى ٢٠:‏​٢٩-‏٣٤‏.‏

      ٤ كيف تمّم يسوع النبوة انه سوف «يشفق على المسكين»؟‏

      ٤ لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي اظهر فيها يسوع الرأفة،‏ اذ انه اعرب عنها في مناسبات وظروف مختلفة كثيرة.‏ فقد انبأت نبوة الكتاب المقدس انه سوف «يشفق على المسكين».‏ (‏مزمور ٧٢:‏١٣‏)‏ إتماما لهذه الكلمات،‏ كان يسوع يراعي مشاعر الآخرين ويأخذ المبادرة لمساعدتهم.‏ وهذه الرأفة ايضا هي ما حفزه الى القيام بعمل الكرازة.‏ فلنرَ في ما يلي ماذا تقول الاناجيل عن الحنان الذي كان الدافع وراء اقواله وأعماله،‏ ولنناقش كيف يمكننا الاقتداء برأفته.‏

      اخْذ مشاعر الآخرين في الاعتبار

      ٥،‏ ٦ اية امثلة تُظهِر ان يسوع كان شخصا متعاطفا؟‏

      ٥ كان يسوع شخصا متعاطفا جدا.‏ فقد تفهّم مشاعر المتألمين وشاطرهم آلامهم.‏ ورغم انه لم يمرّ بكل الظروف التي مرّوا بها،‏ فقد شعر فعلا بألمهم في قلبه.‏ (‏عبرانيين ٤:‏١٥‏)‏ مثلا،‏ عندما شفى امرأة تعاني من سيل دم منذ ١٢ سنة،‏ وصف حالتها بأنها ‹مرض مضنٍ›.‏ فقد عرف ان مرضها سبّب لها عذابا شديدا ومعاناة فظيعة.‏ (‏مرقس ٥:‏​٢٥-‏٣٤‏)‏ على نحو مماثل،‏ عندما رأى مريم والذين معها حزانى ويبكون على موت لعازر،‏ تأثر جدا حتى انه اضطرب جدا.‏ ومع انه كان على وشك اقامة لعازر،‏ تحركت مشاعره كثيرا الى حدّ انه ذرف الدموع.‏ —‏ يوحنا ١١:‏​٣٣،‏ ٣٥‏.‏

      ٦ وفي مناسبة اخرى،‏ اقترب من يسوع ابرص وتوسل اليه قائلا:‏ «إنْ أردت،‏ فأنت قادر ان تطهّرني».‏ فكيف تجاوب يسوع،‏ هذا الانسان الكامل الذي لم يعانِ قط من المرض؟‏ رقّ له قلبه و «أشفق عليه».‏ (‏مرقس ١:‏​٤٠-‏٤٢‏)‏ وهذا ما دفعه الى القيام بشيء غير اعتيادي.‏ فقد عرف ان البُرص اعتُبروا نجسين في الشريعة ومُنعوا من الاختلاط بالآخرين.‏ (‏لاويين ١٣:‏​٤٥،‏ ٤٦‏)‏ ولا شك انه كان في مقدوره شفاء هذا الرجل دون ان يلمسه.‏ (‏متى ٨:‏​٥-‏١٣‏)‏ مع ذلك،‏ اختار ان يمدّ يده ويلمس الابرص،‏ قائلا له:‏ «أريد،‏ فاطهر».‏ وفي الحال،‏ زال البَرص عن الرجل.‏ حقا،‏ كم كان هذا اعرابا رائعا عن التعاطف!‏

      اخت تواسي اختا اخرى

      كُن ‹متعاطفا›‏

      ٧ ماذا يساعدنا على تنمية التعاطف،‏ وكيف يمكن التعبير عن هذه الصفة؟‏

      ٧ يحضّنا الكتاب المقدس نحن المسيحيين ان نكون «متعاطفين» اقتداء بيسوع.‏b (‏١ بطرس ٣:‏٨‏)‏ ولكن ربما نفكر انه من الصعب تفهّم مشاعر المصابين بمرض مزمن او بالاكتئاب،‏ وخصوصا اذا لم نعانِ نحن اوضاعا كهذه.‏ إلا ان الاعراب عن التعاطف لا يعتمد على الظروف المتشابهة.‏ فقد تعاطف يسوع مع المرضى رغم انه لم يُصَب قط بالمرض.‏ اذًا،‏ كيف يمكننا تنمية التعاطف؟‏ بالاصغاء بصبر حين يأتمنوننا ويفصحون لنا عمّا في قلوبهم.‏ وبإمكاننا ان نسأل انفسنا:‏ ‹كيف كنت سأشعر لو كنت مكانهم؟‏›.‏ (‏١ كورنثوس ١٢:‏٢٦‏)‏ فامتلاك حسّ مرهف يمكِّننا من ‹تعزية النفوس المكتئبة›.‏ (‏١ تسالونيكي ٥:‏١٤‏)‏ لكنَّ التعاطف لا يُعبَّر عنه بالكلمات فحسب،‏ بل ايضا بالدموع.‏ فروما ١٢:‏١٥ تقول:‏ «ابكوا مع الباكين».‏

      ٨،‏ ٩ كيف اخذ يسوع مشاعر الآخرين في الاعتبار؟‏

      ٨ كان يسوع يأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار.‏ تذكَّر الحادثة حين جُلب اليه رجل اصمّ وأعقد.‏ فكما يبدو،‏ شعر يسوع ان هذا الرجل مرتبك،‏ لذلك فعل شيئا لا يفعله عادة عند شفاء الآخرين.‏ فقد «انفرد به بعيدا عن الجمع».‏ وشفاه فيما كانا وحدهما بعيدَين عن انظار الناس.‏ —‏ مرقس ٧:‏​٣١-‏٣٥‏.‏

      ٩ اعرب يسوع ايضا عن هذه الصفة عندما احضر اليه الناس اعمى وطلبوا منه ان يشفيه.‏ فقد «اخذ بيد الاعمى،‏ وأخرجه الى خارج القرية».‏ وهناك شفاه على مراحل.‏ ولربما اتاح ذلك لعقل الرجل وعينيه التأقلم مع المشاهد الكثيرة التي كان سيراها في العالم حوله على ضوء الشمس الساطع.‏ (‏مرقس ٨:‏​٢٢-‏٢٦‏)‏ حقا،‏ كان يسوع يأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار!‏

      ١٠ كيف يمكننا ان نأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار؟‏

      ١٠ ان كوننا أتباعا ليسوع يتطلب منا اخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار.‏ وهذا ما يحتّم علينا الانتباه لكلامنا،‏ مبقين في بالنا ان استخدام لساننا دون تفكير يمكن ان يؤذي مشاعر الآخرين.‏ (‏امثال ١٢:‏١٨؛‏ ١٨:‏٢١‏)‏ فلا مكان للكلمات القاسية،‏ الاهانات،‏ والانتقاد اللاذع بين المسيحيين الذين يراعون مشاعر الآخرين.‏ (‏افسس ٤:‏٣١‏)‏ فيا ايّها الشيوخ،‏ كيف تأخذون مشاعر الآخرين في الاعتبار؟‏ كونوا لطفاء عند تقديم المشورة للآخرين وحافظوا على كرامتهم.‏ (‏غلاطية ٦:‏١‏)‏ ويا ايّها الوالدون،‏ كيف تأخذون مشاعر اولادكم في الاعتبار؟‏ جنِّبوا اولادكم الاحراج عند تأديبهم.‏ —‏ كولوسي ٣:‏٢١‏.‏

      اخْذ المبادرة في مساعدة الآخرين

      ١١،‏ ١٢ اية روايتَين في الكتاب المقدس تُظهِران ان يسوع اظهر الرأفة للآخرين دون ان يُطلب منه؟‏

      ١١ احيانا،‏ كان يسوع يُظهِر الرأفة للآخرين دون ان يُطلب منه.‏ فالرأفة في الواقع هي صفة ايجابية تدفع الشخص الى العمل.‏ ليس من المستغرب اذًا ان تدفع الرأفة يسوع الى اخْذ المبادرة في مساعدة الآخرين.‏ مثلا،‏ عندما مكث جمع كبير مع يسوع ثلاثة ايام دون ان يأكلوا،‏ لم يقل له احد ان الناس جياع او يقترح فعل شيء في هذا الشأن.‏ لكنَّ الرواية تقول انه «دعا تلاميذه اليه وقال:‏ ‹اني اشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة ايام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون،‏ ولا اريد ان اصرفهم صائمين.‏ فقد يخورون في الطريق›».‏ بعد ذلك،‏ اطعم الجمع عجائبيا بملء ارادته.‏ —‏ متى ١٥:‏​٣٢-‏٣٨‏.‏

      ١٢ تأمل في حادثة اخرى.‏ في سنة ٣١ ب‌م،‏ رأى يسوع مشهدا حزينا على مقربة من مدينة نايين.‏ فكان موكب جنازة يغادر المدينة ربما باتجاه القبور على الجبل المجاور ليدفنوا ‹الابن الوحيد لأرملة›.‏ هل تتخيل الاسى الذي اعتصر قلب هذه الام؟‏ فقد كانت ذاهبة لدفن ابنها الوحيد،‏ ولم يكن لديها زوج ليشاطرها حزنها.‏ ومن بين كل الناس في الجمع،‏ «رأى» يسوع هذه الارملة الثكلى.‏ فتأثر كثيرا و «أشفق عليها».‏ ولكن لم يضطر احد ان يطلب منه فعل شيء،‏ لأن الرأفة في قلبه دفعته الى اخْذ المبادرة.‏ فقد «اقترب ولمس النعش»،‏ ثم اعاد الشاب الى الحياة.‏ وماذا حدث بعد ذلك؟‏ لم يطلب يسوع من الشاب ان ينضم الى الجمع المسافر معه.‏ بل «دفعه الى امه»،‏ وبذلك جمع شملهما وحرص ان يكون لدى الارملة مَن يعتني بها.‏ —‏ لوقا ٧:‏​١١-‏١٥‏.‏

      اخت تساعد اختا اكبر سنا كي تزرع بعض الازهار

      خُذ المبادرة في مساعدة المحتاجين

      ١٣ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في اخْذ المبادرة في مساعدة المحتاجين؟‏

      ١٣ وكيف يمكننا الاقتداء بمثال يسوع؟‏ طبعا،‏ ليس في مقدورنا تزويد الطعام عجائبيا او إعادة الاموات الى الحياة.‏ ولكن يمكننا الاقتداء بيسوع في اخْذ المبادرة في مساعدة المحتاجين.‏ فقد يعاني احد الرفقاء المؤمنين ضائقة مالية او يخسر عمله.‏ (‏١ يوحنا ٣:‏١٧‏)‏ او ربما يكون بيت احدى الارامل بحاجة ملحة الى صيانة.‏ (‏يعقوب ١:‏٢٧‏)‏ او قد تحتاج عائلة خطف الموت احد افرادها الى التعزية او المساعدة العملية.‏ (‏١ تسالونيكي ٥:‏١١‏)‏ في حالات الحاجة الماسة،‏ لا يجب ان ننتظر كي يطلب منا احد مدّ يد العون.‏ (‏امثال ٣:‏٢٧‏)‏ فالرأفة ستدفعنا الى اخْذ المبادرة في المساعدة،‏ حسبما تسمح لنا ظروفنا.‏ ولا ننسَ ان بإمكاننا الاعراب عن الرأفة بمجرد عمل لطف بسيط واحد او ببعض كلمات التعزية النابعة من القلب.‏ —‏ كولوسي ٣:‏١٢‏.‏

      الرأفة دفعته الى الكرازة

      ١٤ لماذا اعطى يسوع الاولوية للكرازة بالبشارة؟‏

      ١٤ كما رأينا في الجزء ٢ من هذا الكتاب،‏ رسم يسوع مثالا رائعا في الكرازة بالبشارة.‏ قال:‏ «لا بد لي ان ابشّر المدن الاخرى ايضا بملكوت الله،‏ لأني لهذا أُرسلْت».‏ (‏لوقا ٤:‏٤٣‏)‏ فلماذا اعطى الاولوية لهذا العمل؟‏ السبب الرئيسي هو محبته لله.‏ لكنَّ يسوع كان لديه دافع آخر.‏ فقد دفعته الرأفة الشديدة الى سدّ حاجات الآخرين الروحية.‏ فإشباع جوع الناس الروحي كان اهم طريقة لإظهار الرأفة.‏ وفي ما يلي،‏ سنتأمل في حادثتين تكشفان نظرة يسوع الى الناس الذين كرز لهم.‏ فسيساعدنا ذلك على تحليل ما يدفعنا الى الاشتراك في الخدمة العلنية.‏

      ١٥،‏ ١٦ اية حادثتين تكشفان نظرة يسوع الى الناس الذين كرز لهم؟‏

      ١٥ سنة ٣١ ب‌م،‏ وبعدما قضى يسوع سنتين تقريبا في الخدمة النشيطة،‏ كثَّف جهوده وشرع «يجول في جميع المدن والقرى» في الجليل.‏ وما رآه مسّه في الصميم.‏ يروي الرسول متى:‏ «لمّا رأى الجموع اشفق عليهم،‏ لأنهم كانوا منزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها».‏ (‏متى ٩:‏​٣٥،‏ ٣٦‏)‏ فقد تعاطف يسوع مع عامة الناس،‏ لأنه ادرك حالتهم الروحية المزرية.‏ وعرف ان القادة الدينيين،‏ الذين من المفترض ان يكونوا رعاة لهم،‏ اساءوا معاملتهم وأهملوهم.‏ لذلك بدافع الرأفة الشديدة،‏ بذل قصارى جهده ليوصل رسالة الرجاء الى الناس،‏ اذ انهم كانوا بأمس الحاجة الى بشارة الملكوت.‏

      ١٦ حدث امر مماثل ايضا بعد عدة اشهر،‏ قرابة عيد الفصح سنة ٣٢ ب‌م.‏ فقد ركب يسوع ورسله على متن مركب وأبحروا عبر بحر الجليل بحثا عن مكان هادئ ليستريحوا فيه.‏ لكنَّ جمعا من الناس ركضوا على الشاطئ وسبقوهم الى المكان الذي كانوا متوجهين اليه.‏ فكيف تجاوب يسوع؟‏ تقول الرواية:‏ «لمّا خرج رأى جمعا كثيرا،‏ فأشفق عليهم،‏ لأنهم كانوا كخراف لا راعي لها.‏ فابتدأ يعلّمهم اشياء كثيرة».‏ (‏مرقس ٦:‏​٣١-‏٣٤‏)‏ مرة اخرى،‏ «اشفق» يسوع على الناس لأنه رأى حالتهم الروحية المزرية.‏ فكانوا «كخراف لا راعي لها»،‏ اذ عانوا جوعا روحيا شديدا ولم يكن لديهم مَن يهتم بهم.‏ وهكذا نرى ان الرأفة هي التي دفعت يسوع الى الكرازة،‏ وليس مجرد الاحساس بالواجب.‏

      اخت تبشر امرأة وتتعاطف معها

      تحلَّ بالرأفة عندما تكرز

      ١٧،‏ ١٨ (‏أ)‏ ماذا يدفعنا الى الاشتراك في الخدمة؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا تنمية الرأفة تجاه الآخرين؟‏

      ١٧ ماذا يدفعنا نحن أتباع يسوع الى الاشتراك في الخدمة؟‏ كما رأينا في الفصل ٩ من هذا الكتاب،‏ لدينا تفويض،‏ او مسؤولية،‏ ان نكرز ونتلمذ الناس.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ١ كورنثوس ٩:‏١٦‏)‏ لكنَّ دافعنا الى الاشتراك في هذا العمل لا يجب ان يقتصر على الشعور بالواجب.‏ فالدافع الاهم لنكرز ببشارة الملكوت هو محبتنا ليهوه.‏ والدافع الآخر هو الشعور بالرأفة تجاه الذين لا يشاركوننا معتقداتنا.‏ (‏مرقس ١٢:‏​٢٨-‏٣١‏)‏ ولكن كيف يمكننا تنمية الرأفة تجاه الآخرين؟‏

      ١٨ يجب ان نرى الناس كما رآهم يسوع:‏ «منزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها».‏ لنفرض انك وجدت حمَلا ضائعا.‏ وهذا الحمَل المسكين جائع وعطشان لأنه ليس هنالك راعٍ ليقوده الى المراعي الخضراء والمياه.‏ أفلا يرقّ له قلبك؟‏ أوَلا تبذل جهدك لتؤمن له الطعام والماء؟‏ تشبه حالة اشخاص كثيرين حالة هذا الحمَل.‏ فهم لم يسمعوا البشارة بعد.‏ ورعاتهم الدينيون الباطلون يهملونهم،‏ لذلك فهم جياع وعطاش روحيا وفاقدو الامل.‏ وفي حوزتنا نحن ما يحتاجون اليه:‏ الطعام الروحي المغذي ومياه الحق المنعشة من الكتاب المقدس.‏ (‏اشعيا ٥٥:‏​١،‏ ٢‏)‏ أفلا يرقّ قلبنا حين نرى الحاجة الروحية الماسة للذين حولنا؟‏ اذا كنا نتعاطف مع هؤلاء الاشخاص،‏ على غرار يسوع،‏ فسنبذل قصارى جهدنا لإخبارهم برجاء الملكوت.‏

      ١٩ ماذا يمكننا فعله لتشجيع تلميذ الكتاب المقدس على الاشتراك في الخدمة العلنية؟‏

      ١٩ وكيف يمكننا مساعدة الناس على الاقتداء بمثال يسوع؟‏ لنفرض اننا نريد ان نشجّع تلميذا للكتاب المقدس لديه المؤهلات اللازمة على الاشتراك في عمل الكرازة العلنية.‏ او ربما نريد ان نساعد ناشرا خاملا على الاشتراك مجددا في الخدمة.‏ فكيف يمكننا مساعدة شخص كهذا؟‏ يلزم ان نحاول بلوغ قلبه.‏ تذكَّر ان يسوع «اشفق على» الناس اولا،‏ وبعد ذلك علّمهم.‏ (‏مرقس ٦:‏٣٤‏)‏ فإذا ساعدنا الشخص على تنمية الرأفة،‏ فسيدفعه قلبه على الارجح الى الاقتداء بيسوع وإخبار الآخرين بالبشارة.‏ ويمكننا ان نسأله:‏ «كيف حسّن قبول رسالة الملكوت حياتك؟‏ هل فكّرت في الذين لا يعرفون بعد هذه الرسالة؟‏ ألا يحتاجون هم ايضا الى سماع البشارة؟‏ ماذا يمكنك فعله لمساعدتهم؟‏».‏ طبعا،‏ ان الدافع الاقوى الى الاشتراك في الخدمة هو المحبة لله والرغبة في خدمته.‏

      ٢٠ (‏أ)‏ ماذا يشمل كون المرء من أتباع يسوع؟‏ (‏ب)‏ ماذا سنستعرض في الفصل التالي؟‏

      ٢٠ لا يقتصر كون المرء من أتباع يسوع على ترديد كلماته وتقليد تصرفاته.‏ فيلزم ان نمتلك «الموقف العقلي» نفسه الذي كان لديه.‏ (‏فيلبي ٢:‏٥‏)‏ أفلسنا شاكرين اذًا لأن الكتاب المقدس يكشف لنا الافكار والمشاعر التي كانت وراء كلمات وتصرفات يسوع؟‏ فعندما نتعرف جيدا ‹بفكر المسيح›،‏ نتمكن بشكل افضل من تنمية المشاعر المرهفة والرأفة الشديدة وبالتالي معاملة الآخرين كما عاملهم يسوع.‏ (‏١ كورنثوس ٢:‏١٦‏)‏ وفي الفصل التالي،‏ سنستعرض الطرائق التي اعرب يسوع بواسطتها عن محبته لأتباعه بشكل خاص.‏

      a ان الكلمة اليونانية التي تُترجم الى «اشفق» توصف بأنها احدى اقوى الكلمات في اللغة اليونانية للتعبير عن الشعور بالرأفة.‏ ويذكر احد المراجع ان هذه الكلمة لا تشير «الى الشعور بالاسى عند رؤية الالم فحسب،‏ بل ايضا الى الرغبة القوية في تخفيف او إزالة معاناة الآخرين».‏

      b ان الصفة باللغة اليونانية المنقولة الى «تعاطف» تعني حرفيا «التألم مع».‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  كيف اظهر يسوع الرأفة في كيفية ممارسته السلطة،‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏ —‏ متى ١١:‏​٢٨-‏٣٠‏.‏

      •  لماذا من المهم الاقتداء بمثال يسوع في إظهار الرحمة،‏ او الرأفة،‏ للآخرين؟‏ —‏ متى ٩:‏​٩-‏١٣؛‏ ٢٣:‏٢٣‏.‏

      •  اية اعمال قام بها يسوع برهنت انه يتفهم مشاعر الآخرين،‏ وكيف يمكننا الاقتداء بمثاله؟‏ —‏ لوقا ٧:‏​٣٦-‏٥٠‏.‏

      •  كيف يُظهِر مثَل السامري المحب للقريب ان الرأفة صفة ايجابية،‏ وكيف يمكننا تطبيق الدرس الذي نتعلّمه من هذه القصة؟‏ —‏ لوقا ١٠:‏​٢٩-‏٣٧‏.‏

  • ‏‹بلغت محبة يسوع لهم الى المنتهى›‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٦

      ‏‹بلغت محبة يسوع لهم الى المنتهى›‏

      ١،‏ ٢ كيف يقضي يسوع ليلته الاخيرة مع تلاميذه،‏ ولماذا هذه اللحظات الاخيرة ثمينة في نظره؟‏

      يجمع يسوع رسله في علية احد البيوت في اورشليم.‏ وهو يعرف ان هذه هي ليلته الاخيرة معهم وأنه سيعود عمّا قريب الى ابيه.‏ ففي غضون ساعات قليلة،‏ سيُعتقَل ويُمتحَن ايمانه كما لم يسبق ان امتُحن من قبل.‏ لكنَّ موته الوشيك لا يعيقه عن الاهتمام بحاجات الرسل.‏

      ٢ ورغم انه سبق فأخبرهم عن رحيله،‏ لا يزال لديه الكثير من الكلمات المشجّعة لمساعدتهم على مواجهة ما يكمن امامهم.‏ لذلك يقضي هذه اللحظات الاخيرة الثمينة في تعليمهم دروسا مهمة تساعدهم على البقاء امناء.‏ وهذه المحادثة هي بين المحادثات الاحم والارق التي اجراها يسوع معهم.‏ ولكن لماذا يسوع مهتم برسله اكثر من اهتمامه بنفسه؟‏ ولماذا هذه الساعات الاخيرة معهم مهمة الى هذا الحدّ في نظره؟‏ يكمن الجواب في كلمة واحدة:‏ المحبة.‏ فهو يحبهم محبة شديدة.‏

      ٣ كيف نعرف ان يسوع لم ينتظر حتى الليلة الاخيرة ليبرهن عن محبته لأتباعه؟‏

      ٣ بعد عقود،‏ كتب الرسول يوحنا بالوحي عن احداث هذه الليلة قائلا:‏ «قبل عيد الفصح،‏ لمّا كان يسوع يعرف ان ساعته قد اتت لينتقل من هذا العالم الى الآب،‏ وكان قد احب خاصته الذين في العالم،‏ بلغت محبته لهم الى المنتهى».‏ (‏يوحنا ١٣:‏١‏)‏ غير ان يسوع لم ينتظر حتى تلك الليلة ليبرهن عن محبته ‹لخاصته›.‏ فخلال خدمته كلها،‏ برهن بطرائق متنوعة عن محبته لتلاميذه.‏ ومن المفيد ان نناقش في ما يلي بعض الطرائق التي اظهر محبته بواسطتها.‏ فإذا اقتدينا به في هذا المجال،‏ نُثبت اننا تلاميذ حقيقيون له.‏

      إظهار الصبر

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ لماذا كان يسوع بحاجة الى الصبر عند التعامل مع تلاميذه؟‏ (‏ب)‏ كيف تجاوب يسوع عندما لم يُظهِر ثلاثة من رسله التيقظ في بستان جتسيماني؟‏

      ٤ ان المحبة والصبر هما صفتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا.‏ تقول ١ كورنثوس ١٣:‏٤ ان «المحبة طويلة الاناة».‏ وطول الاناة يشمل احتمال الآخرين بصبر.‏ وهل كان يسوع بحاجة الى الصبر عند التعامل مع تلاميذه؟‏ لا شك في ذلك!‏ فكما رأينا في الفصل ٣‏،‏ كان الرسل بطيئين في تنمية التواضع.‏ فقد تحاجّوا عدة مرات في مَن هو الاعظم بينهم.‏ وماذا كان ردّ فعل يسوع؟‏ هل ثار غضبه عليهم او استاء منهم؟‏ كلا.‏ فقد ناقشهم بصبر،‏ حتى عندما حدث بينهم «جدال حامٍ» في ليلته الاخيرة معهم.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٢٤-‏٣٠؛‏ متى ٢٠:‏​٢٠-‏٢٨؛‏ مرقس ٩:‏​٣٣-‏٣٧‏.‏

      ٥ في وقت لاحق من تلك الليلة الاخيرة،‏ ذهب يسوع الى بستان جتسيماني مع الرسل الامناء الـ‍ ١١.‏ وهناك،‏ امتُحن صبره مرة اخرى.‏ فقد ترك ثمانية من الرسل،‏ وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا الى مكان ابعد في البستان وقال لهم:‏ «نفسي حزينة جدا حتى الموت.‏ امكثوا هنا وابقوا ساهرين معي».‏ ثم تقدم قليلا وابتدأ يصلي بحرارة.‏ وبعد صلاة مطوّلة،‏ عاد الى الرسل الثلاثة.‏ وماذا وجد؟‏ في ساعة محنته الشديدة هذه وجدهم نائمين.‏ فهل وبّخهم بقساوة على عدم تيقظهم؟‏ كلا،‏ بل شجّعهم وكان صبورا معهم.‏ وكلماته اللطيفة اظهرت تفهّمه لضعفاتهم والضغط الشديد الذي يعانونه.‏a قال:‏ «ان الروح مندفع،‏ اما الجسد فضعيف».‏ وقد بقي يسوع صبورا تلك الليلة،‏ حتى عندما اتى مرتين اخريين ووجدهم نائمين!‏ —‏ متى ٢٦:‏​٣٦-‏٤٦‏.‏

      ٦ كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في تعاملاتنا مع الآخرين؟‏

      ٦ كم نتشجع عندما نعرف ان يسوع لم يقطع امله من رسله!‏ وقد اثمر صبره لاحقا،‏ اذ ان هؤلاء الرجال الامناء تعلّموا اهمية كون المرء متواضعا ومتيقظا!‏ (‏١ بطرس ٣:‏٨؛‏ ٤:‏٧‏)‏ فكيف يمكننا الاقتداء بتعاملات يسوع مع الآخرين؟‏ يلزم ان يمارس الشيوخ بشكل خاص الصبر.‏ فقد يفضي الرفقاء المؤمنون الى الشيخ بمشاكلهم حين يكون هو نفسه مصابا بالاعياء او حين تشغل باله الهموم.‏ وأحيانا،‏ قد يكون الذين يحتاجون الى المساعدة بطيئين في التجاوب مع المشورة.‏ رغم ذلك،‏ على الشيوخ الصبورين ان يرشدوهم «بوداعة» و ‹يعاملوا الرعية برقة›.‏ (‏٢ تيموثاوس ٢:‏​٢٤،‏ ٢٥؛‏ اعمال ٢٠:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ ويحسن بالوالدين ايضا ان يقتدوا بيسوع في إظهار الصبر.‏ فقد يكون اولادهم بطيئين احيانا في التجاوب مع المشورة او التقويم.‏ لذلك فإن المحبة والصبر سيساعدان الوالدين لئلا يتوقفوا عن بذل جهدهم لتدريب اولادهم.‏ ولا شك انهم سيحصدون مكافآ‌ت سخية نتيجة صبرهم هذا.‏ —‏ مزمور ١٢٧:‏٣‏.‏

      الاهتمام بحاجات الآخرين

      ٧ كيف اظهر يسوع الاهتمام بحاجات تلاميذه الجسدية والمادية؟‏

      ٧ تَظهر المحبة من خلال الاعمال غير الانانية.‏ (‏١ يوحنا ٣:‏​١٧،‏ ١٨‏)‏ فالمحبة «لا تطلب مصلحتها الخاصة».‏ (‏١ كورنثوس ١٣:‏٥‏)‏ وهذه الصفة هي التي دفعت يسوع الى الاهتمام بحاجات تلاميذه الجسدية والمادية.‏ وكثيرا ما كان يهتم بهم حتى قبل ان يقولوا له ما هي حاجاتهم.‏ مثلا،‏ عندما رأى انهم متعبون،‏ اقترح ان يرافقوه ‹على انفراد الى مكان خلاء ويستريحوا قليلا›.‏ (‏مرقس ٦:‏٣١‏)‏ وعندما احس انهم جائعون،‏ اخذ المبادرة في إطعامهم هم وآلاف من الذين اتوا للاستماع الى تعليمه.‏ —‏ متى ١٤:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ١٥:‏​٣٥-‏٣٧‏.‏

      ٨،‏ ٩ (‏أ)‏ ماذا يبرهن ان يسوع لم يدرك حاجة تلاميذه الروحية فحسب،‏ بل عمل ايضا على اشباعها؟‏ (‏ب)‏ كيف اظهر يسوع وهو معلّق على الخشبة اهتمامه العميق بخير امه؟‏

      ٨ لم يدرك يسوع حاجة تلاميذه الروحية فحسب،‏ بل عمل ايضا على اشباعها.‏ (‏متى ٤:‏٤؛‏ ٥:‏٣‏)‏ فغالبا ما اولاهم اهتماما خصوصيا خلال تعليمه.‏ مثلا،‏ ألقى يسوع الموعظة على الجبل لفائدة تلاميذه بشكل خاص.‏ (‏متى ٥:‏​١،‏ ٢،‏ ١٣-‏١٦‏)‏ وعندما كان يعلِّم بأمثال،‏ كان «على انفراد .‏ .‏ .‏ يشرح لتلاميذه كل شيء».‏ (‏مرقس ٤:‏٣٤‏)‏ كما أنبأ انه سيعيّن ‹عبدا امينا فطينا› ليضمن اشباع حاجات أتباعه الروحية في الايام الاخيرة.‏ ومنذ سنة ١٩١٩،‏ يزوِّد هذا العبد الامين،‏ المؤلَّف من فريق صغير من إخوة يسوع الممسوحين بالروح على الارض،‏ ‹الطعام الروحي في حينه›.‏ —‏ متى ٢٤:‏٤٥‏.‏

      ٩ اظهر يسوع في يوم مماته اهتمامه بخير احبائه الروحي.‏ تخيّل المشهد.‏ كان يسوع معلّقا على الخشبة ويعاني ألما شديدا.‏ فلكي يتنفس،‏ كان عليه ان يدفع بقدميه ليرفع نفسه.‏ وهذا ما سبّب له دون شك ألما مبرِّحا،‏ اذ كان ثقل جسده يمزِّق جروح المسامير في قدميه وظهره الملآن جراحا بليغة يحتكّ بالخشبة.‏ فلا شك ان الكلام الذي يتطلب التحكم في عملية التنفس كان صعبا عليه.‏ رغم ذلك،‏ قال يسوع قبيل موته مباشرة كلمات اظهرت محبته العميقة لأمه مريم.‏ فعندما رآها هي والرسول يوحنا واقفَين على مقربة منه،‏ قال لها بصوت مسموع للمارة:‏ «يا امرأة،‏ هوذا ابنك!‏».‏ ثم قال ليوحنا:‏ «هوذا أمك!‏».‏ (‏يوحنا ١٩:‏​٢٦،‏ ٢٧‏)‏ فقد عرف يسوع ان الرسول الامين لن يهتم بحاجات مريم الجسدية والمادية فحسب،‏ بل ايضا بخيرها الروحي.‏b

      والدان يتناولان الطعام مع اولادهما ويتمتعان معهم بنزهة في حديقة ويدرسان الكتاب المقدس معهم

      يُظهِر الوالدون المحبون الصبر ويهتمون بحاجات اولادهم

      ١٠ كيف يقتدي الوالدون بيسوع في مجال الاهتمام بحاجات اولادهم؟‏

      ١٠ يستفيد الوالدون المحبون من التأمل في مثال يسوع.‏ فالاب الذي يحب عائلته فعلا يعولهم ماديا.‏ (‏١ تيموثاوس ٥:‏٨‏)‏ ورأس العائلة المحب والمتزن يخصص الوقت من حين الى آخر للراحة والاستجمام.‏ والاهم من ذلك هو ان الوالدين المسيحيين يشبعون حاجات اولادهم الروحية.‏ كيف ذلك؟‏ بعقد درس عائلي منتظم في الكتاب المقدس.‏ وهم يحاولون جعل فترات الدرس بنّاءة وممتعة لأولادهم.‏ (‏تثنية ٦:‏​٦،‏ ٧‏)‏ وبالكلام والمثال،‏ يعلّم الوالدون اولادهم ان الخدمة مهمة وأن الاستعداد للاجتماعات المسيحية وحضورها هما جزء لا يتجزأ من روتيننا الروحي.‏ —‏ عبرانيين ١٠:‏​٢٤،‏ ٢٥‏.‏

      الغفران

      ١١ ماذا علّم يسوع أتباعه عن الغفران؟‏

      ١١ الغفران هو وجه من اوجه المحبة.‏ (‏كولوسي ٣:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ فالمحبة «لا تحفظ حسابا بالاذية»،‏ كما تقول ١ كورنثوس ١٣:‏٥‏.‏ وفي مناسبات عدة،‏ علّم يسوع أتباعه اهمية الغفران.‏ فقد حثّهم ان يغفروا للآخرين ‹لا الى سبع مرات،‏ بل الى سبع وسبعين مرة›،‏ اي الى ما لا نهاية.‏ (‏متى ١٨:‏​٢١،‏ ٢٢‏)‏ وعلّمهم ايضا انه يجب الغفران للخاطئ اذا تاب بعدما جرى توبيخه.‏ (‏لوقا ١٧:‏​٣،‏ ٤‏)‏ لكنّ يسوع لم يكن كالفريسيين المرائين الذين علّموا بالكلام فقط،‏ اذ علّم بالمثال ايضا.‏ (‏متى ٢٣:‏​٢-‏٤‏)‏ فلنرَ في ما يلي كيف برهن يسوع انه غفور حتى عندما خذله احد اصدقائه الموثوق بهم.‏

      الجنود يأخذون يسوع وهو ينظر الى الساحة في الاسفل ويرى بطرس ينكره

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ كيف خذل بطرس يسوع ليلة القبض عليه؟‏ (‏ب)‏ كيف يوضح ما فعله يسوع بعد قيامته انه لم يعلّم الغفران بالكلام فقط،‏ بل ايضا بالمثال؟‏

      ١٢ كانت علاقة حميمة تجمع بين يسوع والرسول بطرس،‏ رجل محب ولكن متسرع في بعض الاحيان.‏ لكنّ يسوع كان يعرف صفاته الجيدة،‏ لذلك منحه امتيازات خصوصية.‏ مثلا،‏ شهد بطرس مع يعقوب ويوحنا عجائب لم يرَها باقي الاثني عشر.‏ (‏متى ١٧:‏​١،‏ ٢؛‏ لوقا ٨:‏​٤٩-‏٥٥‏)‏ وكما ذكرنا سابقا،‏ كان بطرس احد الرسل الذين رافقوا يسوع عندما ذهب الى مكان ابعد في بستان جتسيماني ليلة القبض عليه.‏ ولكن في تلك الليلة عينها حين جرت خيانة يسوع والقبض عليه،‏ تخلى عنه بطرس والرسل الآخرون وفرّوا هاربين.‏ وقد اعرب بطرس عن الشجاعة لاحقا حين وقف خارجا فيما كان يسوع يُحاكم محاكمة غير شرعية.‏ إلا انه خاف واقترف خطأ كبيرا،‏ اذ انكر ثلاث مرات انه يعرف يسوع.‏ (‏متى ٢٦:‏​٦٩-‏٧٥‏)‏ فكيف تجاوب يسوع؟‏ كيف كنت ستتجاوب انت لو خذلك صديقك الحميم؟‏

      ١٣ كان يسوع مستعدا ليغفر لبطرس.‏ فقد عرف انه لم يستطع تحمل وطأة خطيته.‏ فهذا الرسول التائب «لم يملك نفسه وانفجر بالبكاء».‏ (‏مرقس ١٤:‏٧٢‏)‏ لذلك تراءى يسوع لبطرس يوم قيامته،‏ على الارجح ليشجّعه ويطمئنه.‏ (‏لوقا ٢٤:‏٣٤؛‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٥‏)‏ وبعد اقل من شهرين،‏ اكرم يسوع بطرس بالسماح له بأخذ القيادة في الشهادة للجموع في اورشليم يوم الخمسين.‏ (‏اعمال ٢:‏​١٤-‏٤٠‏)‏ كما ان يسوع لم يضمر الضغينة للرسل كمجموعة لأنهم تخلّوا عنه.‏ فبعد قيامته،‏ كان لا يزال يدعوهم «اخوتي».‏ (‏متى ٢٨:‏١٠‏)‏ أفلا يوضح ذلك ان يسوع لم يعلّم الغفران بالكلام فقط،‏ بل ايضا بالمثال؟‏

      ١٤ لماذا يلزم ان نتعلّم الغفران للآخرين،‏ وكيف نُظهِر اننا على استعداد للغفران؟‏

      ١٤ كتلاميذ للمسيح،‏ يلزم ان نتعلّم ان نغفر للآخرين.‏ لماذا؟‏ بعكس يسوع،‏ نحن ناقصون مثلنا مثل الذين يخطئون الينا.‏ فنحن جميعا نعثر احيانا في الكلام والتصرف.‏ (‏روما ٣:‏٢٣؛‏ يعقوب ٣:‏٢‏)‏ لذلك اذا غفرنا للآخرين عندما يكون هنالك اساس للغفران،‏ يغفر الله خطايانا.‏ (‏مرقس ١١:‏٢٥‏)‏ اذًا،‏ كيف نُظهِر اننا على استعداد لنغفر للذين يخطئون الينا؟‏ في حالات كثيرة،‏ تساعدنا المحبة على التغاضي عن نقائص الآخرين وأخطائهم الثانوية.‏ (‏١ بطرس ٤:‏٨‏)‏ وحين يعرب الذين اخطأوا الينا عن توبة مخلصة،‏ كما فعل بطرس،‏ لا شك اننا نريد ان نقتدي بغفران يسوع.‏ فبدلا من اضمار الضغينة،‏ نختار بحكمة التخلص من مشاعر الاستياء.‏ (‏افسس ٤:‏٣٢‏)‏ وبذلك نساهم في ترويج السلام في الجماعة وننال سلام العقل والقلب.‏ —‏ ١ بطرس ٣:‏١١‏.‏

      الاعراب عن الثقة

      ١٥ لماذا كان يسوع يثق بتلاميذه رغم نقائصهم؟‏

      ١٥ المحبة والثقة هما صفتان متلازمتان،‏ اذ ان المحبة «تصدّق كل شيء».‏c (‏١ كورنثوس ١٣:‏٧‏)‏ فقد دفعت المحبة يسوع الى الاعراب عن ثقته بتلاميذه رغم نقائصهم.‏ فكان متيقنا انهم يحبون يهوه من صميم قلوبهم ويريدون ان يفعلوا مشيئته.‏ ولم يشكّ في دوافعهم حتى عندما ارتكبوا الاخطاء.‏ مثلا،‏ عندما طلبت ام الرسولَين يعقوب ويوحنا من يسوع،‏ على الارجح بإيعاز منهما،‏ ان يجلسا الى جانبه في الملكوت لم يشكّ في ولائهما وينحِّهما عن مركزهما كرسولين.‏ —‏ متى ٢٠:‏​٢٠-‏٢٨‏.‏

      ١٦،‏ ١٧ اية مسؤوليات فوّضها يسوع الى تلاميذه؟‏

      ١٦ اعرب يسوع ايضا عن ثقته عندما فوّض الى تلاميذه مختلف المسؤوليات.‏ ففي المناسبتين حين زاد الطعام عجائبيا لإطعام الجمع،‏ فوّض الى تلاميذه مسؤولية توزيع الطعام.‏ (‏متى ١٤:‏١٩؛‏ ١٥:‏٣٦‏)‏ وعندما كان يتهيأ للاحتفال بآ‌خر فصح له،‏ عيّن بطرس ويوحنا ليذهبا الى اورشليم ويعدّا بعض الامور.‏ فجلبا الحمَل،‏ الخمر،‏ الخبز الفطير،‏ الاعشاب المرة،‏ والاشياء الضرورية الاخرى.‏ وهذا التعيين لم يكن تعيينا وضيعا،‏ اذ ان الاحتفال بعيد الفصح بالطريقة الصحيحة كان مطلبا للشريعة الموسوية التي وجب ان يطيعها يسوع.‏ اضافة الى ذلك،‏ استخدم يسوع الخمر والخبز الفطير في وقت لاحق من تلك الليلة كرمزين مهمين عندما اسّس ذكرى موته.‏ —‏ متى ٢٦:‏​١٧-‏١٩؛‏ لوقا ٢٢:‏​٨،‏ ١٣‏.‏

      ١٧ رأى يسوع ايضا انه من الملائم ان يعهد بمسؤوليات اهمّ الى تلاميذه.‏ فكما ذكرنا سابقا،‏ فوّض الى فريق صغير من أتباعه الممسوحين على الارض المسؤولية البالغة الاهمية ان يوزّعوا الطعام الروحي.‏ (‏لوقا ١٢:‏​٤٢-‏٤٤‏)‏ كما انه اوكل الى تلاميذه التفويض المهم ان يكرزوا ويتلمذوا.‏ (‏متى ٢٨:‏​١٨-‏٢٠‏)‏ ورغم ان يسوع يحكم الآن من السماء كملك غير منظور،‏ فهو يعهد الى ‹العطايا في رجال› المؤهلين روحيا الاعتناء بجماعته على الارض.‏ —‏ افسس ٤:‏​٨،‏ ١١،‏ ١٢‏.‏

      ١٨-‏٢٠ (‏أ)‏ كيف يمكننا ان نظهر اننا نثق بالرفقاء المؤمنين؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا الاقتداء باستعداد يسوع لتفويض المسؤوليات الى الآخرين؟‏ (‏ج)‏ اي موضوع سنتحدث عنه في الفصل التالي؟‏

      ١٨ وكيف يمكننا الاقتداء بمثال يسوع في تعاملاتنا مع الآخرين؟‏ ان اظهار الثقة برفقائنا المؤمنين هو إعراب عن محبتنا لهم.‏ فالمحبة تبحث عن الصلاح في الآخرين،‏ لا عن الاخطاء.‏ لذلك عندما يخيّب الآخرون املنا،‏ الامر الذي لا بدّ ان يحدث من حين الى آخر،‏ تمنعنا المحبة من الافتراض بسرعة ان لديهم دوافع خاطئة.‏ (‏متى ٧:‏​١،‏ ٢‏)‏ وإذا حافظنا على نظرة ايجابية الى رفقائنا المؤمنين،‏ نتعامل معهم بطريقة بناءة لا هدّامة.‏ —‏ ١ تسالونيكي ٥:‏١١‏.‏

      ١٩ وهل يمكننا الاقتداء باستعداد يسوع لتفويض المسؤوليات الى الآخرين؟‏ يحسن بالذين لديهم مراكز مسؤولية في الجماعة ان يفوّضوا الى الآخرين مسؤوليات ذات اهمية تتلاءم مع قدراتهم،‏ واثقين انهم سيبذلون قصارى جهدهم للقيام بها.‏ وبذلك يمكن للشيوخ ذوي الخبرة ان يزوّدوا التدريب الضروري والقيّم للشبان المؤهلين الذين ‹يبتغون› ان يساعدوا في الجماعة.‏ (‏١ تيموثاوس ٣:‏١؛‏ ٢ تيموثاوس ٢:‏٢‏)‏ وهذا التدريب مهم.‏ ففيما يستمر يهوه في الاسراع بعمل الملكوت،‏ يلزم تدريب رجال مؤهلين للاهتمام بالزيادات.‏ —‏ اشعيا ٦٠:‏٢٢‏.‏

      ٢٠ لقد رسم لنا يسوع مثالا رائعا في اظهار المحبة للآخرين.‏ والاقتداء بمحبته هو اهم طريقة يمكننا ان نتبعه بواسطتها.‏ وفي الفصل التالي،‏ سنتحدث عن اعظم تعبير عن محبته لنا:‏ بذل حياته من اجلنا.‏

      a لم يكن نعاس الرسل ناتجا عن التعب الجسدي فقط.‏ فالرواية المناظرة في لوقا ٢٢:‏٤٥ تقول ان يسوع «وجدهم غافين من الحزن».‏

      b على ما يظهر،‏ كانت مريم ارملة في ذلك الحين.‏ ويبدو ان اولادها الآخرين لم يكونوا بعد تلاميذ ليسوع.‏ —‏ يوحنا ٧:‏٥‏.‏

      c دون شك،‏ لا يعني ذلك ان المحبة ساذجة،‏ بل يعني انها لا تنتقد او ترتاب بإفراط.‏ فالمحبة تمتنع عن التسرع في الحكم على دوافع الآخرين او الاستنتاج ان لديهم دوافع خاطئة.‏

      كيف يمكنك ان تتبع يسوع؟‏

      •  لماذا من المهم ان نصغي الى مشورة يسوع عن الغفران؟‏ —‏ متى ٦:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      •  كيف نطبِّق النقطة الاساسية في مثَل يسوع عن ضرورة الغفران؟‏ —‏ متى ١٨:‏​٢٣-‏٣٥‏.‏

      •  كيف اظهر يسوع الاعتبار لتلاميذه،‏ وكيف يمكننا الاقتداء به؟‏ —‏ متى ٢٠:‏​١٧-‏١٩؛‏ يوحنا ١٦:‏١٢‏.‏

      •  كيف اظهر يسوع لبطرس انه يثق به،‏ وكيف يمكننا الاعراب عن ثقتنا بالآخرين؟‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٣١،‏ ٣٢‏.‏

  • ‏«ليس لأحد محبة اعظم من هذه»‏
    ‏«تعالَ اتبعني»‏
    • الفصل ١٧

      ‏«ليس لأحد محبة اعظم من هذه»‏

      بنطيوس بيلاطس يقدِّم يسوع للجمع الغاضب ويظهر يسوع لابسا ثوبا ارجوانيا و على رأسه تاج من شوك

      ١-‏٤ (‏أ)‏ ماذا يحصل عندما يقدِّم بيلاطس يسوع للرعاع الغاضبين المجتمعين خارج بلاطه؟‏ (‏ب)‏ كيف يتجاوب يسوع مع الاذلال والالم،‏ وأية اسئلة مهمة تنشأ؟‏

      ‏«هوذا الرجل!‏».‏ بهذه الكلمات يقدِّم الحاكم الروماني بنطيوس بيلاطس يسوع المسيح للرعاع الغاضبين المجتمعين خارج بلاطه عند الفجر في فصح سنة ٣٣ ب‌م.‏ (‏يوحنا ١٩:‏٥‏)‏ قبل عدة ايام،‏ كانت الجموع ترحّب بيسوع وهو داخل الى اورشليم كملك ظافر معيّن من الله.‏ لكنَّ نظرة الجمع العدائي اليه هذا اليوم مختلفة جدا.‏

      ٢ صحيح انه متسربل بثوب ارجواني كالملوك ويلبس تاجا على رأسه،‏ لكنَّ ذلك ليس إلا وسيلة للسخرية من مركزه الملكي.‏ فالثوب الارجواني ملقى على ظهره الدامي المليء بالتمزقات بسبب الجَلد.‏ والتاج مضفور من شوك ومغروز في رأسه المضرّج بالدم.‏ وحين يراه الكهنة،‏ يصرخون:‏ «علّقه على خشبة!‏ علّقه على خشبة!‏».‏ وبتحريض من كبار الكهنة،‏ يرفضه الشعب ويريدون قتله،‏ فيصرخون:‏ «يجب ان يموت».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​١-‏٧‏.‏

      ٣ الا ان يسوع يحتمل بكل وقار وشجاعة الاذلال والالم دون تذمر.‏a وهو على اتمّ الاستعداد للموت.‏ وفي وقت لاحق من اليوم نفسه،‏ يذعن طوعا لموت أليم على خشبة الآلام.‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​١٧،‏ ١٨،‏ ٣٠‏.‏

      ٤ عندما بذل يسوع نفسه عن أتباعه،‏ برهن انه صديق حقيقي لهم.‏ فقد قال:‏ «ليس لأحد محبة اعظم من هذه:‏ ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه».‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏)‏ وهذا ما يُنشئ بعض الاسئلة المهمة.‏ فهل لزم فعلا ان يتألم يسوع الى هذا الحد ثم يموت؟‏ لماذا كان مستعدا ان يتحمل كل ذلك؟‏ وكيف يمكننا،‏ نحن ‹اصدقاءه› وأتباعه،‏ ان نقتدي به؟‏

      لماذا لزم ان يتألم يسوع ويموت؟‏

      ٥ كيف عرف يسوع ما هي المحن التي تنتظره؟‏

      ٥ عرف يسوع ماذا يكمن امام المسيَّا الموعود به.‏ فكان مطّلعا على النبوات الكثيرة في الاسفار العبرانية التي انبأت بالتفصيل عن آلام المسيَّا وموته.‏ (‏اشعيا ٥٣:‏​٣-‏٧،‏ ١٢؛‏ دانيال ٩:‏٢٦‏)‏ وقد اعدّ تلاميذه للمحن التي تنتظره.‏ (‏مرقس ٨:‏٣١؛‏ ٩:‏٣١‏)‏ ففي طريقه الى اورشليم للاحتفال بآ‌خر فصح له،‏ قال لرسله بكل وضوح:‏ «ابن الانسان سيُسلَّم الى كبار الكهنة وإلى الكتبة،‏ فيحكمون عليه بالموت ويسلِّمونه الى اناس من الامم،‏ فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه».‏ (‏مرقس ١٠:‏​٣٣،‏ ٣٤‏)‏ ولم يكن هذا مجرد كلام.‏ فكما رأينا،‏ جرى فعلا الاستهزاء بيسوع،‏ البصق عليه،‏ جلده،‏ وقتله.‏

      ٦ لماذا لزم ان يتألم يسوع ويموت؟‏

      ٦ ولكن لماذا لزم ان يتألم يسوع ويموت؟‏ لعدة اسباب بالغة الاهمية.‏ اولا،‏ بالبقاء وليّا كان سيبرهن عن استقامته ليهوه ويؤيد سلطانه.‏ فالشيطان ادّعى زورا ان البشر يخدمون الله بدافع اناني.‏ (‏ايوب ٢:‏​١-‏٥‏)‏ لذلك،‏ ببقاء يسوع امينا «حتى الموت .‏ .‏ .‏ على خشبة آلام» اعطى الجواب الشافي عن تهمة الشيطان العارية عن الصحة.‏ (‏فيلبي ٢:‏٨؛‏ امثال ٢٧:‏١١‏)‏ ثانيا،‏ كان تألُّم المسيَّا وموته سيكفِّر عن خطايا الآخرين.‏ (‏اشعيا ٥٣:‏​٥،‏ ١٠؛‏ دانيال ٩:‏٢٤‏)‏ فيسوع بذل «نفسه فدية عن كثيرين»،‏ فاتحا لنا الطريق كي ننال علاقة جيدة بالله.‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨‏)‏ ثالثا،‏ باحتمال المشقات والآلام «امتُحن [يسوع] في كل شيء مثلنا».‏ لذلك صار رئيس كهنة قادرا «ان يتعاطف معنا في ضعفاتنا».‏ —‏ عبرانيين ٢:‏​١٧،‏ ١٨؛‏ ٤:‏١٥‏.‏

      لماذا بذل يسوع حياته طوعا؟‏

      ٧ الى ايّ حدّ ضحى يسوع عندما اتى الى الارض؟‏

      ٧ لكي تدرك ايّ امر كان يسوع على استعداد لفعله،‏ فكّر في هذا السؤال:‏ مَن يترك عائلته وموطنه وينتقل الى بلد اجنبي اذا كان يعرف ان معظم اهل البلد سيرفضونه وأنه سيتألم ويتعرض للاذلال ثم يُقتَل؟‏ والآن تأمل في ما فعله يسوع:‏ قبل مجيئه الى الارض،‏ كان يشغل مركزا رفيعا في السماء الى جانب ابيه.‏ مع ذلك،‏ ترك موطنه السماوي وأتى الى الارض وعاش كإنسان.‏ وقد قام يسوع بهذه الخطوة رغم علمه ان معظم الناس سيرفضونه،‏ انه سيتألم كثيرا ويتعرض للاذلال الوحشي،‏ وأنه سيموت ميتة أليمة.‏ (‏فيلبي ٢:‏​٥-‏٧‏)‏ فماذا دفعه الى القيام بهذه التضحية؟‏

      ٨،‏ ٩ ماذا دفع يسوع الى بذل حياته؟‏

      ٨ ان اهم ما دفع يسوع الى القيام بهذه التضحية هو محبته العميقة لأبيه.‏ فمحبته ليهوه ساعدته على الاحتمال ودفعته ايضا ان يكون حريصا على اسم ابيه وسمعته.‏ (‏متى ٦:‏٩؛‏ يوحنا ١٧:‏​١-‏٦،‏ ٢٦‏)‏ فَجُلُّ ما اراده هو ازالة التعيير عن اسم ابيه.‏ ولذلك اعتبر يسوع التألم من اجل البر شرفا عظيما له لأنه عرف ان استقامته ستلعب دورا في تقديس اسم ابيه المجيد.‏ —‏ ١ اخبار الايام ٢٩:‏١٣‏.‏

      ٩ والدافع الآخر الذي جعل يسوع يبذل حياته هو المحبة للجنس البشري.‏ ويعود تاريخ هذه المحبة الى فجر البشرية.‏ فيسوع كان يكنّ هذه المشاعر للبشر قبل وقت طويل من مجيئه الى الارض.‏ نقرأ في الكتاب المقدس ان يسوع قال:‏ «لذّاتي مع بني البشر».‏ (‏امثال ٨:‏​٣٠،‏ ٣١‏)‏ وقد تجلّت محبته هذه عندما كان على الارض.‏ فكما رأينا في الفصول الثلاثة السابقة،‏ اظهر يسوع بطرائق عديدة محبته للبشر عموما وأتباعه خصوصا.‏ ولكن في ١٤ نيسان القمري من سنة ٣٣ ب‌م،‏ بذل نفسه طوعا من اجلنا.‏ (‏يوحنا ١٠:‏١١‏)‏ حقا،‏ كان هذا اعظم اعراب عن محبته لنا.‏ فهل ينبغي ان نقتدي به في هذا المجال؟‏ دون شك.‏ فيسوع يوصينا بهذا الامر.‏

      ‏‹أحبّوا بعضكم بعضا كما أحببتكم انا›‏

      ١٠،‏ ١١ ما هي الوصية الجديدة التي اعطاها يسوع لأتباعه،‏ ماذا تشمل،‏ ولماذا من المهم ان نطيعها؟‏

      ١٠ قال يسوع لتلاميذه الاحماء في الليلة التي سبقت موته:‏ «اني اعطيكم وصية جديدة:‏ ان تحبّوا بعضكم بعضا.‏ كما احببتكم انا،‏ تحبّون انتم ايضا بعضكم بعضا.‏ بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي،‏ إنْ كان لكم محبة بعضا لبعض».‏ (‏يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏)‏ ولكن لماذا كانت كلمات يسوع ‹أحبّوا بعضكم بعضا› «وصية جديدة»؟‏ لقد نصت الشريعة الموسوية على الوصية:‏ «تحبّ صاحبك [اي قريبك] كنفسك».‏ (‏لاويين ١٩:‏١٨‏)‏ إلا ان الوصية الجديدة تتطلب محبة اعظم،‏ محبة تدفعنا ان نبذل حياتنا عن الآخرين.‏ وهذا ما اوضحه يسوع حين قال:‏ «هذه هي وصيتي:‏ ان تحبّوا بعضكم بعضا كما انا احببتكم.‏ ليس لأحد محبة اعظم من هذه:‏ ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه».‏ (‏يوحنا ١٥:‏​١٢،‏ ١٣‏)‏ فالوصية الجديدة لا تقول لنا ان نحبّ الآخرين كنفسنا،‏ بل اكثر من نفسنا.‏ وقد جسّد يسوع هذا النوع من المحبة من خلال حياته وموته.‏

      ١١ ولماذا من المهم ان نطيع هذه الوصية الجديدة؟‏ تذكَّر ان يسوع قال:‏ «بهذا [بمحبة التضحية بالذات] يعرف الجميع انكم تلاميذي».‏ نعم،‏ ان محبة التضحية بالذات هي التي تحدِّد هويتنا كمسيحيين حقيقيين.‏ ويمكننا تشبيه هذه المحبة ببطاقة التعريف التي يضعها المندوبون الذين يحضرون محافل شهود يهوه الكورية السنوية.‏ فالبطاقة تحدِّد هوية الشخص الذي يضعها،‏ اذ يظهر عليها اسمه واسم جماعته.‏ على نحو مماثل،‏ فإن محبة التضحية بالذات بعضنا لبعض هي «بطاقة» تحدِّد هوية المسيحيين الحقيقيين.‏ بكلمات اخرى،‏ يجب ان تكون محبتنا بعضنا لبعض واضحة جدا بحيث تكون كبطاقة تخبر الآخرين اننا فعلا أتباع حقيقيون للمسيح.‏ لذلك يحسن بكلٍّ منا ان يسأل نفسه:‏ ‹هل اعرب بشكل واضح عن محبة التضحية بالذات؟‏›.‏

      ماذا تشمل محبة التضحية بالذات؟‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ الى ايّ حدّ يجب ان نكون على استعداد للبرهان عن محبتنا بعضنا لبعض؟‏ (‏ب)‏ ماذا تعني التضحية بالذات؟‏

      ١٢ كأتباع ليسوع،‏ يجب ان نحبّ بعضنا بعضا كما احبّنا هو.‏ وهذا يعني ان نكون على استعداد للقيام بالتضحيات من اجل الرفقاء المؤمنين.‏ فإلى ايّ حدّ نحن على استعداد لفعل ذلك؟‏ يقول لنا الكتاب المقدس:‏ «بهذا قد عرفنا المحبة،‏ لأن ذاك بذل نفسه لأجلنا،‏ ونحن ملزمون ان نبذل نفوسنا لأجل إخوتنا».‏ (‏١ يوحنا ٣:‏١٦‏)‏ فعلى غرار يسوع،‏ يجب ان نكون مستعدين للموت من اجل واحدنا الآخر اذا لزم الامر.‏ مثلا،‏ خلال الاضطهاد،‏ نحن نفضّل التضحية بحياتنا على خيانة إخوتنا الروحيين وبالتالي تعريض حياتهم للخطر.‏ وفي البلدان التي يمزّقها النزاع العرقي او الإثْنِي،‏ نعرِّض حياتنا للخطر بغية حماية إخوتنا مهما كانت خلفيتهم.‏ وعندما تخوض الدول الحروب،‏ نكون على استعداد لمواجهة السجن او حتى الموت بدلا من حمل السلاح ضد رفقائنا المؤمنين او اي شخص آخر.‏ —‏ يوحنا ١٧:‏​١٤،‏ ١٦؛‏ ١ يوحنا ٣:‏​١٠-‏١٢‏.‏

      ١٣ غير ان استعدادنا لبذل حياتنا عن إخوتنا ليس الطريقة الوحيدة لإظهار محبة التضحية بالذات.‏ فقليلون منا يضطرون الى القيام بتضحية كبيرة كهذه.‏ ولكن اذا كنا نحبّ إخوتنا الى درجة الموت لأجلهم،‏ أفلا ينبغي ان نكون مستعدين دائما للقيام بتضحيات اصغر لمدّ يد العون لهم؟‏!‏ ان التضحية بالذات تعني ان نتخلى عن مصلحتنا او راحتنا في سبيل منفعة الآخرين.‏ فينبغي ان نضع حاجاتهم وخيرهم قبل حاجاتنا وخيرنا،‏ حتى عندما يكون ذلك على حسابنا.‏ (‏١ كورنثوس ١٠:‏٢٤‏)‏ ولكن كيف يمكننا إظهار محبة التضحية بالذات عمليا؟‏

      في الجماعة والعائلة

      ١٤ (‏أ)‏ اية تضحيات يجب ان يقوم بها الشيوخ؟‏ (‏ب)‏ ما هو شعورك تجاه الشيوخ الذين يعملون بكدّ في جماعتك؟‏

      ١٤ يقوم شيوخ الجماعات بتضحيات كثيرة من اجل «رعية الله».‏ (‏١ بطرس ٥:‏​٢،‏ ٣‏)‏ فإضافة الى الاهتمام بعائلاتهم،‏ يصرفون الوقت خلال الامسيات ونهايات الاسابيع للاعتناء بشؤون الجماعة —‏ بما في ذلك الاستعداد لخطاباتهم في الاجتماعات،‏ القيام بالزيارات الرعائية،‏ ومعالجة القضايا القضائية.‏ ويقوم شيوخ كثيرون بتضحيات اخرى اذ يعملون بدأب في المحافل ويخدمون كأعضاء في لجان الاتصال بالمستشفيات،‏ فرق زيارة المرضى،‏ ولجان البناء الاقليمية.‏ فلا تنسوا ايها الشيوخ انه بالخدمة بروح طوعية —‏ اي ببذل وقتكم وطاقتكم ومواردكم في رعاية الرعية —‏ تظهرون محبة التضحية بالذات.‏ (‏٢ كورنثوس ١٢:‏١٥‏)‏ وتذكَّروا ان جهودكم غير الانانية ستكون موضع تقدير يهوه والجماعة التي ترعونها على السواء.‏ —‏ فيلبي ٢:‏٢٩؛‏ عبرانيين ٦:‏١٠‏.‏

      ١٥ (‏أ)‏ ما هي بعض التضحيات التي تقوم بها زوجات الشيوخ؟‏ (‏ب)‏ ما هو شعورك تجاه الزوجات الداعمات اللواتي يضحين لكي يتمكن ازواجهن من الاهتمام بالجماعة؟‏

      ١٥ ولكن ماذا عن زوجات الشيوخ؟‏ ألا تقوم ايضا هذه النساء الداعمات بالتضحيات لكي يتمكن ازواجهن من الاعتناء بالرعية؟‏ لا شك ان الزوجة تضحي عندما يضطر زوجها الى تخصيص الوقت لشؤون الجماعة بدلا من تخصيصه لعائلته.‏ ولا ننسَ ايضا زوجات النظار الجائلين اللواتي يضحين حين يرافقن ازواجهن من جماعة الى اخرى ومن دائرة الى اخرى.‏ فهؤلاء النساء يتركن بيوتهن،‏ مما يضطرهن الى النوم في سرير مختلف كل اسبوع.‏ فالزوجات اللواتي يضعن مصالح الجماعة فوق مصالحهن هن جديرات بالمدح لأنهن يعربن بسخاء عن محبة التضحية بالذات.‏ —‏ فيلبي ٢:‏​٣،‏ ٤‏.‏

      ١٦ اية تضحيات يقوم بها الوالدون المسيحيون في سبيل اولادهم؟‏

      ١٦ وكيف يمكننا الاعراب عن محبة التضحية بالذات في العائلة؟‏ يا ايها الوالدون،‏ انتم تقومون بتضحيات كثيرة بغية إعالة اولادكم وتربيتهم «في تأديب يهوه وتوجيهه الفكري».‏ (‏افسس ٦:‏٤‏)‏ فقد تضطرون الى العمل بكدّ ساعات طويلة من اجل تأمين لقمة العيش واللباس والمأوى لهم.‏ وأنتم مستعدون ان تحرموا انفسكم امورا كثيرة لتأمين ضرورات الحياة لهم.‏ كما انكم تبذلون جهدا كبيرا لتدرسوا معهم،‏ تأخذوهم الى الاجتماعات المسيحية،‏ وتصطحبوهم الى خدمة الحقل.‏ (‏تثنية ٦:‏​٦،‏ ٧‏)‏ ومحبة التضحية بالذات هذه التي تعربون عنها تُسِرّ مؤسس العائلة ويمكن ان تعني الحياة الابدية لأولادكم.‏ —‏ امثال ٢٢:‏٦؛‏ افسس ٣:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      ١٧ كيف يقتدي الازواج المسيحيون بموقف يسوع غير الاناني؟‏

      ١٧ وكيف تقتدون ايها الازواج بمحبة التضحية بالذات التي اعرب عنها يسوع؟‏ يجيب الكتاب المقدس:‏ «ايها الازواج،‏ كونوا دائما محبين لزوجاتكم،‏ كما احبّ المسيح ايضا الجماعة وأسلم نفسه لأجلها».‏ (‏افسس ٥:‏٢٥‏)‏ فكما رأينا،‏ احبّ يسوع أتباعه حتى انه مات عنهم.‏ والزوج المسيحي يقتدي بموقف يسوع غير الاناني هذا ‹بعدم ارضاء نفسه›.‏ (‏روما ١٥:‏٣‏)‏ فهو مستعد لوضع حاجات زوجته ومصالحها فوق حاجاته ومصالحه.‏ وهو لا يصرّ على فعل الامور بطريقته،‏ بل يكون على استعداد لتلبية رغبات زوجته اذا لم تكن متعارضة مع مبادئ الاسفار المقدسة.‏ والزوج الذي يعرب عن محبة التضحية بالذات ينال رضى يهوه ويحظى بمحبة وتقدير زوجته وأولاده.‏

      ماذا ستفعل؟‏

      ١٨ ماذا يدفعنا الى اطاعة الوصية الجديدة ان نحبّ بعضنا بعضا؟‏

      ١٨ ليست اطاعة الوصية الجديدة ان نحبّ بعضنا بعضا بالامر السهل.‏ ولكن لدينا دافع قوي الى فعل ذلك.‏ فقد كتب بولس:‏ «المحبة التي عند المسيح تُلزِمنا،‏ اذ قد حكمنا بهذا:‏ انه .‏ .‏ .‏ واحد قد مات عن الجميع .‏ .‏ .‏ وهو مات عن الجميع لكيلا يحيا الاحياء في ما بعد لأنفسهم،‏ بل للذي مات عنهم وأُقيم».‏ (‏٢ كورنثوس ٥:‏​١٤،‏ ١٥‏)‏ فبما ان يسوع مات عنا،‏ أفلا ينبغي ان يدفعنا ذلك ان نحيا له؟‏ ويمكننا ذلك بالاقتداء بمحبة التضحية بالذات التي اعرب عنها.‏

      ١٩،‏ ٢٠ ما هي الهبة الثمينة التي منحنا اياها يهوه،‏ وكيف نُظهِر اننا نقبلها؟‏

      ١٩ لم يبالغ يسوع حين قال:‏ «ليس لأحد محبة اعظم من هذه:‏ ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه».‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏)‏ فاستعداد يسوع لبذل نفسه عنا هو اعظم اعراب عن محبته لنا.‏ إلا ان هنالك شخصا آخر اظهر لنا محبة اعظم ايضا.‏ قال يسوع:‏ «ان الله احبّ العالم كثيرا حتى انه بذل الابن،‏ مولوده الوحيد،‏ لكيلا يهلك كل من يمارس الايمان به،‏ بل تكون له حياة ابدية».‏ (‏يوحنا ٣:‏١٦‏)‏ فالله يحبّنا كثيرا حتى انه بذل ابنه فدية عنا،‏ مما اتاح لنا الانقاذ من الخطية والموت.‏ (‏افسس ١:‏٧‏)‏ ورغم ان الفدية هي هبة ثمينة من يهوه،‏ فهو لا يجبرنا على قبولها.‏

      ٢٠ فلدينا خيار ان نقبل هبة يهوه او نرفضها.‏ وكيف نقبل هذه الهبة؟‏ ‹بممارسة الايمان› بابنه.‏ لكنَّ الكلمات وحدها لا تكفي،‏ بل يجب ان ندعم الاقوال بالاعمال،‏ اي ان نبرهن عن ايماننا من خلال طريقة حياتنا.‏ (‏يعقوب ٢:‏٢٦‏)‏ فنحن نبرهن عن ايماننا بيسوع المسيح باتّباعه يوميا.‏ وهذا ما سيجلب لنا بركات سخية في حياتنا الآن وفي المستقبل ايضا،‏ كما سيُظهر الفصل الاخير من هذا الكتاب.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة