-
«هوذا أَمَة يهوه!»اقتد بإيمانهم
-
-
اَلْفَصْلُ ٱلسَّابِعَ عَشَرَ
«هُوَذَا أَمَةُ يَهْوَهَ!»
١، ٢ (أ) كَيْفَ حَيَّا ٱلزَّائِرُ ٱلْغَرِيبُ مَرْيَمَ؟ (ب) لِمَ وَجَدَتْ مَرْيَمُ نَفْسَهَا أَمَامَ مَرْحَلَةٍ مَصِيرِيَّةٍ مِنْ حَيَاتِهَا؟
رَفَعَتْ مَرْيَمُ بَصَرَهَا وَٱلدَّهْشَةُ مُرْتَسِمَةٌ عَلَى وَجْهِهَا لِتَرَى ٱلزَّائِرَ ٱلْغَرِيبَ ٱلَّذِي دَخَلَ بَيْتَهَا. فَهُوَ لَمْ يَطْلُبْ رُؤْيَةَ أَبِيهَا أَوْ أُمِّهَا، بَلْ أَتَى لِرُؤْيَتِهَا هِيَ! إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ. فَفِي مَدِينَةٍ صَغِيرَةٍ كَمَدِينَتِهَا يَلْفِتُ ٱلْغُرَبَاءُ ٱلْأَنْظَارَ سَرِيعًا، وَهٰذَا ٱلزَّائِرُ خُصُوصًا يَلْفِتُ ٱلنَّظَرَ أَيْنَمَا حَلَّ. هٰذَا وَإِنَّهُ أَلْقَى عَلَيْهَا سَلَامًا لَمْ تَأْلَفْهُ مِنْ قَبْلُ، قَائِلًا: «طَابَ يَوْمُكِ، أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا، يَهْوَهُ مَعَكِ». — اقرأ لوقا ١:٢٦-٢٨.
٢ هٰكَذَا يَأْتِي ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى عَلَى ذِكْرِ مَرْيَمَ ٱبْنَةِ هَالِي مِنْ مَدِينَةٍ فِي ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا ٱلنَّاصِرَةُ. فَنَجِدُهَا أَمَامَ مَرْحَلَةٍ مَصِيرِيَّةٍ مِنْ حَيَاتِهَا. لَقَدْ كَانَتْ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ ٱلنَّجَّارِ، رَجُلٍ فَقِيرِ ٱلْحَالِ وَلٰكِنْ رَاسِخُ ٱلْإِيمَانِ. لِذَا رُبَّمَا لَدَيْهَا تَصَوُّرٌ وَاضِحٌ لِمُسْتَقْبَلِهَا. فَهِيَ سَتَعِيشُ عِيشَةً بَسِيطَةً بِرِفْقَتِهِ وَتَدْعَمُهُ فِي تَرْبِيَةِ عَائِلَةٍ جَمِيلَةٍ. وَلٰكِنْ فَجْأَةً، أَتَاهَا هٰذَا ٱلزَّائِرُ بِتَعْيِينٍ مِنْ إِلٰهِهَا، مَسْؤُولِيَّةٍ كَانَتْ سَتُحْدِثُ مُنْعَطَفًا كَبِيرًا فِي مَسَارِ حَيَاتِهَا.
٣، ٤ لِكَيْ يَتَعَرَّفَ ٱلْمَرْءُ بِمَرْيَمَ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاهَلَ وَعَلَامَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَكِّزَ؟
٣ يَتَفَاجَأُ كَثِيرُونَ حِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ مُقْتَضَبٌ فِي ٱلْحَدِيثِ عَنْ مَرْيَمَ. فَهُوَ يَذْكُرُ ٱلْقَلِيلَ عَنْ نَشْأَتِهَا، وَأَقَلَّ أَيْضًا عَنْ شَخْصِيَّتِهَا، وَلَا شَيْءَ مُطْلَقًا عَنْ مَظْهَرِهَا. مَعَ ذٰلِكَ، نَسْتَشِفُّ أُمُورًا قَيِّمَةً مِمَّا يَقُولُهُ عَنْهَا.
٤ وَلِكَيْ يَتَعَرَّفَ ٱلْمَرْءُ بِمَرْيَمَ، يَلْزَمُ أَنْ يَضَعَ جَانِبًا مَفَاهِيمَ مُكَوَّنَةً عَنْهَا مُسْبَقًا تُرَوِّجُهَا مُخْتَلِفُ ٱلْفِئَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ. فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَجَاهَلَ ٱلْعَدَدَ ٱلْهَائِلَ مِنَ ٱلصُّوَرِ وَٱلتَّمَاثِيلِ ٱلرُّخَامِيَّةِ وَٱلْجِصِّيَّةِ ٱلَّتِي تُجَسِّدُهَا. وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَغُضَّ ٱلطَّرْفَ عَنِ ٱلْعَقَائِدِ ٱللَّاهُوتِيَّةِ ٱلْمُعَقَّدَةِ ٱلَّتِي تَمْنَحُ هٰذِهِ ٱلْمَرْأَةَ ٱلْمُتَوَاضِعَةَ أَلْقَابًا تَبْجِيلِيَّةً مِثْلَ: «أُمَّ ٱللّٰهِ» وَ «مَلِكَةَ ٱلسَّمٰوَاتِ». وَبَدَلًا مِنْ ذٰلِكَ، يَحْسُنُ بِهِ أَنْ يُرَكِّزَ عَلَى مَا يَقُولُهُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ عَنْهَا. فَهُوَ يَمْنَحُنَا بَصِيرَةً لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ عَنْ إِيمَانِهَا وَيُسَاعِدُنَا عَلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِهِ.
مَنْ هُوَ ٱلزَّائِرُ؟
٥ (أ) مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ مَرْيَمَ حِيَالَ تَحِيَّةِ جِبْرَائِيلَ، وَمَاذَا يُخْبِرُنَا ذٰلِكَ عَنْهَا؟ (ب) أَيُّ دَرْسٍ حَيَوِيٍّ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ مَرْيَمَ؟
٥ لَمْ يَكُنْ زَائِرُ مَرْيَمَ مِنَ ٱلْبَشَرِ، بَلْ كَانَ ٱلْمَلَاكَ جِبْرَائِيلَ. وَعِنْدَمَا دَعَاهَا «أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا»، «ٱضْطَرَبَتْ بِشِدَّةٍ» مِنْ كَلَامِهِ وَتَسَاءَلَتْ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هٰذَا ٱلسَّلَامُ غَيْرُ ٱلِٱعْتِيَادِيِّ. (لو ١:٢٩) فَمَنْ ذَا ٱلَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهَا يَا تُرَى؟ لَمْ تَتَوَقَّعْ مَرْيَمُ أَنْ تَنَالَ حُظْوَةً عِنْدَ ٱلنَّاسِ. وَتَوَقُّعُهَا كَانَ فِي مَحَلِّهِ، فَٱلْمَلَاكُ قَصَدَ ٱلْحُظْوَةَ عِنْدَ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ. وَمَعَ أَنَّهَا رَغِبَتْ حَتْمًا أَنْ تَتَمَتَّعَ بِنِعْمَةِ إِلٰهِهَا، لَمْ تَفْتَرِضْ بِكِبْرِيَاءَ أَنَّهَا تَحْصِيلُ حَاصِلٍ. نَحْنُ أَيْضًا، إِذَا سَعَيْنَا جَاهِدِينَ إِلَى نَيْلِ رِضَى ٱللّٰهِ وَلَمْ نَدَّعِ بِتَعَجْرُفٍ أَنَّهُ رَاضٍ عَنَّا أَصْلًا، نَتَعَلَّمُ دَرْسًا مُهِمًّا عَرَفَتْهُ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةُ حَقَّ ٱلْمَعْرِفَةِ: اَللّٰهُ يُقَاوِمُ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ، أَمَّا ٱلْمُتَوَاضِعُونَ وَٱلْمَسَاكِينُ فَيُحِبُّهُمْ وَيَدْعَمُهُمْ. — يع ٤:٦.
لَمْ تَفْتَرِضْ مَرْيَمُ بِكِبْرِيَاءَ أَنَّ نِعْمَةَ ٱللّٰهِ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ
٦ أَيُّ ٱمْتِيَازٍ رَفِيعٍ حَمَلَهُ ٱلْمَلَاكُ إِلَى مَرْيَمَ؟
٦ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَرْيَمُ عَلَى هٰذَا ٱلْقَدْرِ مِنَ ٱلتَّوَاضُعِ لِأَنَّ ٱلْمَلَاكَ حَمَلَ إِلَيْهَا ٱمْتِيَازًا يَفُوقُ كُلَّ ٱلتَّصَوُّرَاتِ. فَقَدْ أَوْضَحَ لَهَا أَنَّهَا سَتَلِدُ طِفْلًا يَكُونُ أَهَمَّ ٱلْبَشَرِ قَاطِبَةً. قَالَ: «يُعْطِيهِ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمَمْلَكَتِهِ نِهَايَةٌ». (لو ١:٣٢، ٣٣) مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ عَلَى عِلْمٍ بِٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي قَطَعَهُ ٱللّٰهُ لِدَاوُدَ قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ بِأَنَّ مُتَحَدِّرًا مِنْهُ سَيَحْكُمُ إِلَى ٱلْأَبَدِ. (٢ صم ٧:١٢، ١٣) إِذًا، كَانَ ٱبْنُهَا سَيَصِيرُ ٱلْمَسِيَّا ٱلَّذِي ٱنْتَظَرَهُ شَعْبُ ٱللّٰهِ طَوَالَ قُرُونٍ!
حَمَلَ ٱلْمَلَاكُ إِلَى مَرْيَمَ ٱمْتِيَازًا يَفُوقُ كُلَّ ٱلتَّصَوُّرَاتِ
٧ (أ) أَيُّ جَانِبٍ فِي شَخْصِيَّةِ مَرْيَمَ كَشَفَ عَنْهُ سُؤَالُهَا؟ (ب) مَاذَا يُمْكِنُ لِلشُّبَّانِ وَٱلشَّابَّاتِ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ مَرْيَمَ؟
٧ عِلَاوَةً عَلَى ذٰلِكَ، قَالَ ٱلْمَلَاكُ إِنَّ مَوْلُودَهَا ‹سَيُدْعَى ٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ›. فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ تُنْجِبَ ٱمْرَأَةٌ مِنَ ٱلْبَشَرِ ٱبْنَ ٱللّٰهِ؟ بَلْ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ تُنْجِبَ مَرْيَمُ وَلَدًا فِي ٱلْأَصْلِ؟! فَهِيَ مَخْطُوبَةٌ لِيُوسُفَ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ مِنْهُ بَعْدُ. لِذَا سَأَلَتِ ٱلْمَلَاكَ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ: «كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا، وَأَنَا لَيْسَ لِي عَلَاقَةٌ زَوْجِيَّةٌ بِرَجُلٍ؟». (لو ١:٣٤) لَاحِظْ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ تَخْجَلْ بِعَذْرَاوِيَّتِهَا. بِٱلْأَحْرَى، ٱفْتَخَرَتْ بِعِفَّتِهَا وَطَهَارَتِهَا. أَمَّا ٱلْيَوْمَ، فَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلشُّبَّانِ وَٱلشَّابَّاتِ يَسْتَهِينُونَ بِبَتُولِيَّتِهِمْ وَلَا يُمَانِعُونَ خَسَارَتَهَا، حَتَّى إِنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِٱلَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا. فَلَكَمْ تَغَيَّرَتِ ٱلدُّنْيَا! لٰكِنَّ يَهْوَهَ لَا يَتَغَيَّرُ أَبَدًا. (مل ٣:٦) إِنَّهُ يُعِزُّ ٱلَّذِينَ يَلْتَصِقُونَ بِمَقَايِيسِهِ ٱلْأَدَبِيَّةِ، تَمَامًا كَمَا فِي زَمَنِ مَرْيَمَ. — اقرإ العبرانيين ١٣:٤.
٨ كَيْفَ كَانَ فِي وُسْعِ مَرْيَمَ أَنْ تُنْجِبَ وَلَدًا كَامِلًا رَغْمَ نَقْصِهَا؟
٨ صَحِيحٌ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ خَادِمَةً أَمِينَةً لِلّٰهِ، إِلَّا أَنَّهَا مِنَ ٱلْبَشَرِ ٱلنَّاقِصِينَ. فَكَيْفَ لَهَا أَنْ تُنْجِبَ وَلَدًا كَامِلًا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟ أَوْضَحَ لَهَا جِبْرَائِيلُ: «رُوحٌ قُدُسٌ يَأْتِي عَلَيْكِ، وَقُدْرَةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. لِذٰلِكَ أَيْضًا يُدْعَى ٱلْمَوْلُودُ قُدُّوسًا، ٱبْنَ ٱللّٰهِ». (لو ١:٣٥) إِنَّ ٱلشَّخْصَ ٱلْقُدُّوسَ «طَاهِرٌ» وَ «نَقِيٌّ». لٰكِنَّنَا نَعْرِفُ أَنَّ ٱلْبَشَرَ يُورِثُونَ أَوْلَادَهُمُ ٱلْخَطِيَّةَ وَعَدَمَ ٱلطَّهَارَةِ، لِذَا كَانَ يَهْوَهُ سَيَصْنَعُ عَجِيبَةً فَرِيدَةً فِي حَالَةِ مَرْيَمَ. فَهُوَ سَيَنْقُلُ حَيَاةَ ٱبْنِهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى رَحِمِهَا ثُمَّ يَسْتَخْدِمُ قُوَّتَهُ ٱلْفَعَّالَةَ، أَيْ رُوحَهُ ٱلْقُدُسَ، لِكَيْ ‹تُظَلِّلَهَا› فَتَحْمِي ٱلْوَلَدَ مِنْ أَيِّ أَثَرٍ لِلْخَطِيَّةِ. وَهَلْ صَدَّقَتْ مَرْيَمُ وَعْدَ ٱلْمَلَاكِ؟ مَاذَا كَانَ رَدُّ فَعْلِهَا؟
هَلْ قَبِلَتْ مَرْيَمُ ٱلتَّعْيِينَ؟
٩ (أ) لِمَ آرَاءُ ٱلْمُشَكِّكِينَ فِي رِوَايَةِ مَرْيَمَ خَاطِئَةٌ؟ (ب) كَيْفَ دَعَمَ جِبْرَائِيلُ إِيمَانَ مَرْيَمَ؟
٩ لَا يُصَدِّقُ ٱلْمُشَكِّكُونَ، بِمَنْ فِيهِمْ لَاهُوتِيُّونَ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ، أَنَّ فَتَاةً عَذْرَاءَ يُمْكِنُ أَنْ تُنْجِبَ وَلَدًا. فَهُمْ، رَغْمَ كُلِّ عُلُومِهِمْ وَثَقَافَتِهِمْ، يَعْجَزُونَ عَنِ ٱسْتِيعَابِ حَقِيقَةٍ بَسِيطَةٍ ذَكَرَهَا جِبْرَائِيلُ: «مَا مِنْ إِعْلَانٍ يَسْتَحِيلُ عَلَى ٱللّٰهِ». (لو ١:٣٧) أَمَّا مَرْيَمُ فَصَدَّقَتْ كَلَامَ جِبْرَائِيلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَمْلِكُ إِيمَانًا قَوِيًّا. وَإِيمَانُهَا لَمْ يَكُنْ سَاذَجًا أَعْمَى. فَهِيَ أَسَّسَتْهُ مِثْلَ أَيِّ شَخْصٍ مَنْطِقِيٍّ عَلَى ٱلْأَدِلَّةِ وَٱلْبَرَاهِينِ. وَقَدْ كَانَ جِبْرَائِيلُ يُوشِكُ أَنْ يَدْعَمَ إِيمَانَهَا بِدَلِيلٍ إِضَافِيٍّ. فَأَخْبَرَهَا أَنَّ ٱللّٰهَ مَكَّنَ نَسِيبَتَهَا ٱلْمُسِنَّةَ أَلِيصَابَاتَ أَنْ تَحْبَلَ بِطَرِيقَةٍ عَجَائِبِيَّةٍ بَعْدَمَا بَقِيَتْ عَاقِرًا مُدَّةً طَوِيلَةً.
١٠ لِمَ لَا يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ ٱمْتِيَازَ مَرْيَمَ ٱلرَّفِيعَ خَلَا مِنَ ٱلْمَصَاعِبِ وَٱلْمَخَاوِفِ؟
١٠ وَٱلْآنَ مَاذَا سَتَفْعَلُ مَرْيَمُ بَعْدَمَا مُنِحَتْ هٰذَا ٱلتَّعْيِينَ وَتَوَفَّرَتْ لَدَيْهَا ٱلْأَدِلَّةُ أَنَّ ٱللّٰهَ سَيُحَقِّقُ كُلَّ مَا قَالَهُ بِفَمِ جِبْرَائِيلَ؟ طَبْعًا، لَا يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ هٰذَا ٱلِٱمْتِيَازَ كَانَ سَهْلًا لَا تُرَافِقُهُ أَيَّةُ مَصَاعِبَ أَوْ مَخَاوِفَ. فَلَعَلَّهَا تَسَاءَلَتْ مَثَلًا هَلْ يَتَزَوَّجُهَا خَطِيبُهَا يُوسُفُ بَعْدَ أَنْ يَكْتَشِفَ حَبَلَهَا. هٰذَا عَدَا عَنِ ٱلتَّعْيِينِ نَفْسِهِ ٱلَّذِي رُبَّمَا بَدَا مُهِمَّةً مُضْنِيَةً فِي نَظَرِهَا. فَهِيَ سَتَحْمِلُ فِي أَحْشَائِهَا أَغْلَى مَخْلُوقَاتِ ٱللّٰهِ عَلَى قَلْبِهِ، ٱبْنَهُ ٱلْحَبِيبَ. وَكَانَتْ سَتَعْتَنِي بِهِ وَهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ عَاجِزٌ وَتُؤَمِّنُ لَهُ ٱلْحِمَايَةَ فِي عَالَمٍ شِرِّيرٍ. فَمَا أَثْقَلَ هٰذِهِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ بِٱلْفِعْلِ!
١١، ١٢ (أ) كَيْفَ تَصَرَّفَ أَشْخَاصٌ أَقْوِيَاءُ وَأُمَنَاءُ حِينَ تَسَلَّمُوا تَعْيِينَاتٍ صَعْبَةً مِنَ ٱللّٰهِ؟ (ب) مَاذَا كَشَفَتْ مَرْيَمُ عَنْ نَفْسِهَا مِنْ خِلَالِ جَوَابِهَا لِجِبْرَائِيلَ؟
١١ يُظْهِرُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَنَّهُ حَتَّى ٱلْأَشْخَاصُ ٱلْأُمَنَاءُ وَٱلْأَقْوِيَاءُ تَرَدَّدُوا أَحْيَانًا فِي قُبُولِ تَعْيِينَاتٍ صَعْبَةٍ مِنَ ٱللّٰهِ. فَمُوسَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدُمَ نَاطِقًا بِكَلَامِ ٱللّٰهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلِقَ ٱللِّسَانِ. (خر ٤:١٠) وَإِرْمِيَا ٱعْتَرَضَ قَائِلًا إِنَّهُ «صَبِيٌّ»، أَيْ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِٱلْمُهِمَّةِ ٱلَّتِي أَوْكَلَهَا ٱللّٰهُ إِلَيْهِ. (ار ١:٦) يُونَانُ أَيْضًا هَرَبَ مِنْ تَعْيِينِهِ. (يون ١:٣) فَمَاذَا عَنْ مَرْيَمَ؟
١٢ لَا تَزَالُ كَلِمَاتُ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةِ ٱلْأَمِينَةِ تَتْرُكُ أَثَرًا عَمِيقًا فِي كُلِّ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ تَوَاضُعٍ وَطَاعَةٍ. قَالَتْ لِجِبْرَائِيلَ: «هُوَذَا أَمَةُ يَهْوَهَ! لِيَكُنْ لِي كَمَا أَعْلَنْتَ». (لو ١:٣٨) كَانَتِ ٱلْأَمَةُ أَدْنَى ٱلْخَدَمِ وَحَيَاتُهَا مُلْكًا لِسَيِّدِهَا. هٰكَذَا شَعَرَتْ مَرْيَمُ حِيَالَ سَيِّدِهَا يَهْوَهَ. فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهَا فِي أَمَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِوَلَاءٍ مَعَ ٱلْأَوْلِيَاءِ وَسَيُبَارِكُهَا إِذَا سَعَتْ جَاهِدَةً لِإِتْمَامِ مَسْؤُولِيَّتِهَا ٱلثَّقِيلَةِ. — مز ١٨:٢٥.
عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّهَا فِي أَمَانٍ بَيْنَ يَدَيْ إِلٰهِهَا ٱلْوَلِيِّ يَهْوَهَ
١٣ كَيْفَ نَسْتَفِيدُ مِنْ مِثَالِ مَرْيَمَ إِذَا طَلَبَ مِنَّا ٱللّٰهُ أُمُورًا تَبْدُو فِي نَظَرِنَا صَعْبَةً أَوْ مُسْتَحِيلَةً؟
١٣ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ، يَطْلُبُ مِنَّا ٱللّٰهُ أُمُورًا تَبْدُو فِي نَظَرِنَا صَعْبَةً بَلْ مُسْتَحِيلَةً. لٰكِنَّهُ يُزَوِّدُنَا فِي كَلِمَتِهِ بِوَفْرَةٍ مِنَ ٱلْأَسْبَابِ ٱلَّتِي تَدْفَعُنَا أَنْ نَتَّكِلَ عَلَيْهِ وَنَضَعَ أَنْفُسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى غِرَارِ مَرْيَمَ. (ام ٣:٥، ٦) فَهَلْ نَثِقُ بِيَهْوَهَ؟ إِذَا فَعَلْنَا ذٰلِكَ، يُكَافِئُنَا وَيُسَاعِدُنَا أَنْ نُقَوِّيَ إِيمَانَنَا بِهِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ.
مَرْيَمُ تَزُورُ أَلِيصَابَاتَ
١٤، ١٥ (أ) كَيْفَ كَافَأَ يَهْوَهُ مَرْيَمَ حِينَ زَارَتْ أَلِيصَابَاتَ وَزَكَرِيَّا؟ (ب) مَاذَا نَسْتَخْلِصُ عَنْ مَرْيَمَ مِنْ كَلِمَاتِهَا ٱلْمُدَوَّنَةِ فِي لُوقَا ١:٤٦-٥٥؟
١٤ تَأَثَّرَتْ مَرْيَمُ كَثِيرًا بِٱلْخَبَرِ ٱلَّذِي نَقَلَهُ جِبْرَائِيلُ بِشَأْنِ أَلِيصَابَاتَ. فَمَنْ يَقْدِرُ بَيْنَ كُلِّ نِسَاءِ ٱلْعَالَمِ أَنْ يَتَفَهَّمَ حَالَتَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَلِيصَابَاتَ؟! لِذَا، أَسْرَعَتْ بِٱلذَّهَابِ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْجَبَلِيَّةِ فِي يَهُوذَا، وَهِيَ رِحْلَةٌ قَدْ تَسْتَغْرِقُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةً. وَحِينَ دَخَلَتْ بَيْتَ أَلِيصَابَاتَ وَزَكَرِيَّا ٱلْكَاهِنِ، كَافَأَهَا يَهْوَهُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ آخَرَ وَطَّدَ إِيمَانَهَا. فَمَا إِنْ سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلَامَهَا حَتَّى ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ بِٱبْتِهَاجٍ فِي رَحِمِهَا. ثُمَّ ٱمْتَلَأَتْ رُوحًا قُدُسًا وَدَعَتْهَا «أُمَّ رَبِّي». فَٱللّٰهُ كَانَ قَدْ كَشَفَ لَهَا أَنَّ ٱبْنَ مَرْيَمَ سَيَكُونُ رَبَّهَا، ٱلْمَسِيَّا. وَأُوحِيَ إِلَيْهَا أَيْضًا أَنْ تَمْدَحَهَا عَلَى طَاعَتِهَا وَأَمَانَتِهَا، قَائِلَةً: «سَعِيدَةٌ هِيَ ٱلَّتِي آمَنَتْ». (لو ١:٣٩-٤٥) فَكُلُّ ٱلْوُعُودِ ٱلَّتِي قَطَعَهَا يَهْوَهُ لِمَرْيَمَ كَانَتْ سَتَتَحَقَّقُ بِٱلتَّأْكِيدِ!
صَدَاقَةُ مَرْيَمَ وَأَلِيصَابَاتَ كَانَتْ بَرَكَةً لِكِلْتَيْهِمَا
١٥ تَفَوَّهَتْ مَرْيَمُ بِدَوْرِهَا بِكَلِمَاتٍ حَرِصَ يَهْوَهُ عَلَى حِفْظِهَا فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ. (اقرأ لوقا ١:٤٦-٥٥.) وَهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ هِيَ أَطْوَلُ أَقْوَالِهَا فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ وَتَكْشِفُ لَنَا ٱلْكَثِيرَ عَنْهَا. فَقَدْ أَظْهَرَتْ مَرْيَمُ رُوحَ ٱلشُّكْرِ وَٱلتَّقْدِيرِ لِيَهْوَهَ حِينَ سَبَّحَتْهُ عَلَى ٱلِٱمْتِيَازِ ٱلَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ أُمًّا لِلْمَسِيَّا. وَبَرْهَنَتْ عَنْ عُمْقِ إِيمَانِهَا عِنْدَمَا قَالَتْ إِنَّ يَهْوَهَ يَحُطُّ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ وَذَوِي ٱلنُّفُوذِ وَيُسَاعِدُ ٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْفُقَرَاءَ ٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ إِلَى خِدْمَتِهِ. كَمَا دَلَّتْ كَلِمَاتُهَا عَلَى مَعْرِفَتِهَا ٱلْوَاسِعَةِ. فَبِحَسَبِ أَحَدِ ٱلتَّقْدِيرَاتِ، أَشَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ ٢٠ مَرَّةً إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ.a
١٦، ١٧ (أ) أَيُّ رُوحٍ أَظْهَرَتْهَا مَرْيَمُ وَٱبْنُهَا يَحْسُنُ بِنَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نُعْرِبَ عَنْهَا؟ (ب) أَيُّ بَرَكَةٍ تُذَكِّرُنَا بِهَا زِيَارَةُ مَرْيَمَ لِأَلِيصَابَاتَ؟
١٦ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مَرْيَمَ ٱعْتَادَتِ ٱلتَّأَمُّلَ فِي كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. مَعَ ذٰلِكَ، بَقِيَتْ مُتَوَاضِعَةً وَفَضَّلَتْ أَنْ تَدَعَ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ تَتَكَلَّمُ عَنْهَا عِوَضَ أَنْ تَأْتِيَ هِيَ بِأَفْكَارِهَا ٱلْخَاصَّةِ. وَٱلْوَلَدُ ٱلَّذِي كَانَ يَنْمُو فِي أَحْشَائِهَا آنَذَاكَ تَحَلَّى لَاحِقًا بِهٰذِهِ ٱلرُّوحِ. فَقَدْ قَالَ: «مَا أُعَلِّمُهُ لَيْسَ لِي، بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي». (يو ٧:١٦) لِذَا يَحْسُنُ بِكُلٍّ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَ نَفْسَهُ: ‹هَلْ أُظْهِرُ مِثْلَ هٰذَا ٱلِٱحْتِرَامِ وَٱلتَّقْدِيرِ لِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ أَمْ أُفَضِّلُ أَفْكَارِي وَتَعَالِيمِي ٱلْخَاصَّةَ؟›. إِنَّ مَوْقِفَ مَرْيَمَ مِنْ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ وَاضِحٌ جِدًّا.
١٧ مَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَ أَلِيصَابَاتَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمَا تَبَادَلَتَا خِلَالَهَا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلتَّشْجِيعِ. (لو ١:٥٦) وَهٰذِهِ ٱلرِّوَايَةُ ٱلْجَمِيلَةُ تُذَكِّرُنَا أَنَّ ٱلصَّدَاقَةَ بَرَكَةٌ رَائِعَةٌ. فَحِينَ نُصَادِقُ أَشْخَاصًا يُحِبُّونَ إِلٰهَنَا يَهْوَهَ مَحَبَّةً حَقِيقِيَّةً، نَنْمُو رُوحِيًّا وَنَقْتَرِبُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ. (ام ١٣:٢٠) وَٱلْآنَ حَانَ ٱلْوَقْتُ لِتَعُودَ مَرْيَمُ إِلَى بَيْتِهَا. فَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يُوسُفَ حِينَ عَلِمَ أَنَّهَا حُبْلَى؟
مَرْيَمُ تُصَارِحُ يُوسُفَ
١٨ بِمَ صَارَحَتْ مَرْيَمُ خَطِيبَهَا يُوسُفَ، وَكَيْفَ كَانَ رَدُّ فِعْلِهِ؟
١٨ مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ تَنْتَظِرْ حَتَّى يَرَى ٱلنَّاسُ حَبَلَهَا لِتُخْبِرَ يُوسُفَ بِٱلْأَمْرِ. وَمَعَ أَنَّهَا رُبَّمَا تَخَوَّفَتْ مِنْ رَدِّ فِعْلِهِ، هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلتَّقِيُّ وَٱلْمُحْتَرَمُ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، أَطْلَعَتْهُ عَلَى كُلِّ مَا حَدَثَ مَعَهَا. فَٱضْطَرَبَ ٱضْطِرَابًا شَدِيدًا كَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ. لَقَدْ أَرَادَ أَنْ يُصَدِّقَ حَبِيبَتَهُ، لٰكِنَّ كَلَامَهَا يَدُلُّ أَنَّهَا خَانَتْهُ. وَلَا يَذْكُرُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ مَا جَالَ فِي فِكْرِهِ آنَذَاكَ أَوْ كَيْفَ حَلَّلَ ٱلْمَسْأَلَةَ. لٰكِنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَرَّرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّ ٱلْمَخْطُوبِينَ فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ كَانُوا بِمَثَابَةِ مُتَزَوِّجِينَ. وَبِمَا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا أَيُّ عَارٍ أَوْ خِزْيٍ، نَوَى أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرًّا. (مت ١:١٨، ١٩) تَخَيَّلْ كَمْ تَأَلَّمَتْ مَرْيَمُ دُونَ شَكٍّ وَهِيَ تَرَى خَطِيبَهَا ٱللَّطِيفَ يَتَعَذَّبُ بِسَبَبِ هٰذَا ٱلْوَضْعِ ٱلْفَرِيدِ مِنْ نَوْعِهِ. لٰكِنَّهَا لَمْ تَلُمْهُ أَوْ تَغْتَظْ مِنْهُ.
١٩ كَيْفَ سَاعَدَ يَهْوَهُ يُوسُفَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلْأَمْرَ ٱلصَّائِبَ؟
١٩ سَاعَدَ يَهْوَهُ يُوسُفَ بِكُلِّ لُطْفٍ أَنْ يَفْعَلَ ٱلْأَمْرَ ٱلصَّائِبَ. فَتَرَاءَى لَهُ مَلَاكُ ٱللّٰهِ فِي حُلْمٍ وَأَكَّدَ لَهُ أَنَّ مَرْيَمَ حُبْلَى بِطَرِيقَةٍ عَجَائِبِيَّةٍ. وَيَا لَلرَّاحَةِ ٱلَّتِي شَعَرَ بِهَا! عِنْدَئِذٍ عَمِلَ بِٱنْسِجَامٍ مَعَ تَوْجِيهِ يَهْوَهَ، مِثْلَمَا فَعَلَتْ مَرْيَمُ مِنَ ٱلْبِدَايَةِ، فَٱتَّخَذَهَا زَوْجَةً لَهُ وَٱسْتَعَدَّ لِحَمْلِ هٰذِهِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْمُنْقَطِعَةِ ٱلنَّظِيرِ: اَلِٱعْتِنَاءِ بِٱبْنِ يَهْوَهَ. — مت ١:٢٠-٢٤.
٢٠، ٢١ مَاذَا يُمْكِنُ لِلْمُتَزَوِّجِينَ وَٱلَّذِينَ يُفَكِّرُونَ فِي ٱلزَّوَاجِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ مَرْيَمَ وَيُوسُفَ؟
٢٠ يَحْسُنُ بِٱلْمُتَزَوِّجِينَ وَٱلَّذِينَ يُفَكِّرُونَ فِي ٱلزَّوَاجِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا دُرُوسًا مِنْ هٰذَيْنِ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلشَّابَّيْنِ ٱللَّذَيْنِ عَاشَا مُنْذُ ٠٠٠,٢ سَنَةٍ. فَفِيمَا كَانَ يُوسُفُ يَرَى زَوْجَتَهُ ٱلشَّابَّةَ تُتَمِّمُ وَاجِبَاتِهَا وَتَعْتَنِي بِعَائِلَتِهَا كَأُمٍّ، شَعَرَ حَتْمًا بِٱلسَّعَادَةِ لِأَنَّ مَلَاكَ يَهْوَهَ أَرْشَدَهُ وَوَجَّهَ خُطُوَاتِهِ. فَلَا بُدَّ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَهَمِّيَّةَ ٱلِٱتِّكَالِ عَلَى يَهْوَهَ عِنْدَ ٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُهِمَّةِ. (مز ٣٧:٥؛ ام ١٨:١٣) وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ ظَلَّ رَجُلًا لَطِيفًا يُرَاعِي مَشَاعِرَ زَوْجَتِهِ عِنْدَ ٱلْقِيَامِ بِدَوْرِهِ كَرَأْسٍ لِلْعَائِلَةِ.
٢١ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، مَاذَا نَسْتَخْلِصُ مِنْ قُبُولِ مَرْيَمَ ٱلتَّزَوُّجَ بِيُوسُفَ رَغْمَ شُكُوكِهِ فِيهَا؟ صَحِيحٌ أَنَّهُ ٱسْتَصْعَبَ فِي ٱلْبِدَايَةِ تَفَهُّمَ حَالَتِهَا، لٰكِنَّهَا ٱنْتَظَرَتْ بِصَبْرٍ أَنْ يَأْخُذَ قَرَارَهُ فِي ٱلْمَسْأَلَةِ بِٱعْتِبَارِهِ رَأْسَ ٱلْعَائِلَةِ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ. وَهٰكَذَا تَعَلَّمَتْ أَهَمِّيَّةَ ٱلتَّحَلِّي بِٱلصَّبْرِ، وَهُوَ دَرْسٌ قَيِّمٌ حَرِيٌّ بِكُلِّ ٱلنِّسَاءِ ٱلْمَسِيحِيَّاتِ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَعْمَلْنَ بِهِ. وَأَخِيرًا وَلَيْسَ آخِرًا، لَا بُدَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْأَحْدَاثَ عَلَّمَتْ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ كِلَيْهِمَا قِيمَةَ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلصَّادِقِ وَٱلصَّرِيحِ. — اقرإ الامثال ١٥:٢٢.
٢٢ عَلَى أَيِّ أُسُسٍ بَنَى يُوسُفُ وَمَرْيَمُ زَوَاجَهُمَا، وَمَاذَا كَانَ يَنْتَظِرُهُمَا؟
٢٢ لَقَدْ بَنَى هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلشَّابَّانِ زَوَاجَهُمَا عَلَى أَمْتَنِ ٱلْأُسُسِ. فَهُمَا أَحَبَّا يَهْوَهَ ٱللّٰهَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ، وَتَاقَا إِلَى إِرْضَائِهِ كَوَالِدَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِٱلْمَحَبَّةِ وَيَتَحَلَّيَانِ بِحِسِّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ. طَبْعًا، كَانَتْ تَنْتَظِرُهُمَا بَرَكَاتٌ عَظِيمَةٌ وَكَذٰلِكَ صُعُوبَاتٌ كَبِيرَةٌ. فَيَكْفِي أَنَّهُمَا سَيُرَبِّيَانِ يَسُوعَ، أَعْظَمَ إِنْسَانٍ عَرَفَهُ ٱلْعَالَمُ عَلَى مَرِّ ٱلتَّارِيخِ.
a مِنْ بَيْنِ هٰذِهِ ٱلْإِشَارَاتِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ، ٱقْتَبَسَتْ مَرْيَمُ كَمَا يَتَّضِحُ مِنَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْأَمِينَةِ حَنَّةَ ٱلَّتِي بَارَكَهَا يَهْوَهُ هِيَ ٱلْأُخْرَى بِوَلَدٍ. — اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «صَلَاتَانِ لَافِتَتَانِ» فِي ٱلْفَصْلِ ٦.
-
-
‹كانت تتفكر في قلبها›اقتد بإيمانهم
-
-
اَلْفَصْلُ ٱلثَّامِنَ عَشَرَ
‹كَانَتْ تَتَفَكَّرُ فِي قَلْبِهَا›
١، ٢ كَيْفَ كَانَتْ رِحْلَةُ مَرْيَمَ، وَمَاذَا جَعَلَهَا صَعْبَةً عَلَيْهَا؟
سَاعَاتٌ مَضَتْ وَمَرْيَمُ جَالِسَةٌ عَلَى ظَهْرِ ٱلدَّابَّةِ ٱلصَّغِيرَةِ، تَارَةً تَتَّكِئُ عَلَى جَنْبِهَا ٱلْأَيْمَنِ وَتَارَةً عَلَى ٱلْأَيْسَرِ. وَهَا هُوَ يُوسُفُ أَمَامَهَا يَقُودُ ٱلدَّابَّةَ سَائِرًا بِخُطًى ثَابِتَةٍ عَلَى طُولِ ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ ٱلْمُؤَدِّيَةِ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ. وَخِلَالَ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلشَّاقَّةِ، شَعَرَتْ مَرْيَمُ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ بِٱلْجَنِينِ يَرْتَكِضُ فِي بَطْنِهَا.
٢ لَقَدْ دَنَتْ وِلَادَتُهَا، فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَصِفُ حَالَتَهَا آنَذَاكَ قَائِلًا: «قَدْ ثَقُلَ حَمْلُهَا». (لو ٢:٥) وَبَيْنَمَا ٱجْتَازَتْ هِيَ وَيُوسُفُ حَقْلًا بَعْدَ آخَرَ، لَرُبَّمَا لَفَتَا أَنْظَارَ بَعْضِ ٱلْفَلَّاحِينَ ٱلْمُنْشَغِلِينَ بِٱلزِّرَاعَةِ أَوِ ٱلْحِرَاثَةِ. وَلَعَلَّ هٰؤُلَاءِ تَسَاءَلُوا لِمَاذَا تُقْدِمُ ٱمْرَأَةٌ فِي مِثْلِ حَالِهَا عَلَى رِحْلَةٍ كَهٰذِهِ. فَيَا تُرَى، مَا ٱلَّذِي حَدَا بِمَرْيَمَ أَنْ تَتْرُكَ مَدِينَتَهَا ٱلنَّاصِرَةَ وَتُسَافِرَ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْمَسَافَةِ ٱلْبَعِيدَةِ؟
٣ أَيُّ دَوْرٍ أُوكِلَ إِلَى مَرْيَمَ، وَمَاذَا سَنَتَعَلَّمُ مِنْهَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟
٣ بَدَأَتِ ٱلْقِصَّةُ قَبْلَ عِدَّةِ شُهُورٍ حِينَ أُوكِلَ إِلَى هٰذِهِ ٱلشَّابَّةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ دَوْرٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ فِي تَارِيخِ ٱلْبَشَرِ: أَنْ تَلِدَ ٱلطِّفْلَ ٱلَّذِي سَيَصِيرُ ٱلْمَسِيَّا، ٱبْنَ ٱللّٰهِ! (لو ١:٣٥) وَفِيمَا دَنَا مَوْعِدُ وِلَادَتِهَا، نَشَأَ ظَرْفٌ أَوْجَبَ عَلَيْهَا ٱلْقِيَامَ بِهٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ. وَخِلَالَهَا، وَاجَهَتْ مَرْيَمُ عِدَّةَ صُعُوبَاتٍ ٱمْتَحَنَتْ إِيمَانَهَا. فَلْنَرَ مَا ٱلَّذِي سَاعَدَهَا أَنْ تُحَافِظَ عَلَى هٰذَا ٱلْإِيمَانِ قَوِيًّا.
اَلرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ
٤، ٥ (أ) لِمَ سَافَرَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ؟ (ب) أَيُّ نُبُوَّةٍ كَانَتْ سَتَتِمُّ بِصُدُورِ مَرْسُومِ قَيْصَرَ؟
٤ لَمْ يَكُنْ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ ٱلْوَحِيدَيْنِ ٱللَّذَيْنِ قَامَا بِمِثْلِ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ. فَٱلْقَيْصَرُ أُوغُسْطُسُ كَانَ قَدْ أَصْدَرَ مُؤَخَّرًا مَرْسُومًا يَقْضِي بِإِجْرَاءِ ٱكْتِتَابٍ فِي كُلِّ أَرْجَاءِ ٱلْبِلَادِ، مَا أَجْبَرَ ٱلْجَمِيعَ عَلَى ٱلسَّفَرِ إِلَى مَسْقَطِ رَأْسِهِمْ لِيَكْتَتِبُوا. فَمَاذَا فَعَلَ يُوسُفُ؟ تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ: «صَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ ٱلْجَلِيلِ، مِنْ مَدِينَةِ ٱلنَّاصِرَةِ، إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ ٱلَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمَ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَائِلَتِهِ». — لو ٢:١-٤.
٥ لَمْ تَكُنْ مُصَادَفَةً أَنْ يُصْدِرَ ٱلْقَيْصَرُ مَرْسُومَهُ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ. فَثَمَّةَ نُبُوَّةٌ كُتِبَتْ قَبْلَ ذٰلِكَ بِحَوَالَيْ سَبْعَةِ قُرُونٍ أَنْبَأَتْ أَنَّ ٱلْمَسِيَّا سَيُولَدُ فِي بَيْتَ لَحْمَ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ ٱسْمُهَا بَيْتَ لَحْمُ تَبْعُدُ عَنِ ٱلنَّاصِرَةِ ١١ كلم فَقَطْ، حَدَّدَتِ ٱلنُّبُوَّةُ أَنَّ ٱلْمَسِيَّا سَيَخْرُجُ مِنْ «بَيْتَ لَحْمَ أَفْرَاتَةَ». (اقرأ ميخا ٥:٢.) وَلِلذَّهَابِ مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ إِلَى هٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ، قَطَعَ ٱلْمُسَافِرُونَ عَلَى طُرُقَاتٍ جَبَلِيَّةٍ مَسَافَةَ ١٣٠ كلم تَقْرِيبًا عَبْرَ ٱلسَّامِرَةِ. هٰذِهِ هِيَ بَيْتَ لَحْمُ ٱلَّتِي لَزِمَ أَنْ يَقْصِدَهَا يُوسُفُ؛ إِنَّهَا مَسْقَطُ رَأْسِ عَائِلَةِ ٱلْمَلِكِ دَاوُدَ، ٱلْعَائِلَةِ ٱلَّتِي تَحَدَّرَ مِنْهَا يُوسُفُ وَعَرُوسُهُ كِلَاهُمَا.
٦، ٧ (أ) لِمَ كَانَتِ ٱلرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ صَعْبَةً عَلَى مَرْيَمَ؟ (ب) كَيْفَ أَثَّرَ زَوَاجُ مَرْيَمَ بِيُوسُفَ عَلَى قَرَارَاتِهَا؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
٦ وَهَلْ دَعَمَتْ مَرْيَمُ قَرَارَ يُوسُفَ بِشَأْنِ ٱلسَّفَرِ؟ إِنَّهَا مُبَرَّرَةٌ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ ذٰلِكَ. فَٱلرِّحْلَةُ شَاقَّةٌ جِدًّا عَلَيْهَا. وَقَدْ حَلَّ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ فَصْلُ ٱلْخَرِيفِ، وَمِنَ ٱلْمُحْتَمَلِ سُقُوطُ أَمْطَارٍ خَفِيفَةٍ مَعَ ٱنْتِهَاءِ فَصْلِ ٱلصَّيْفِ ٱلْجَافِّ. فَوْقَ ذٰلِكَ، تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ إِنَّ يُوسُفَ «صَعِدَ . . . مِنَ ٱلْجَلِيلِ»، وَهِيَ عِبَارَةٌ مُلَائِمَةٌ تَمَامًا لِأَنَّ بَيْتَ لَحْمَ تَقَعُ عَلَى ٱرْتِفَاعٍ يَزِيدُ عَنْ ٧٦٠ م، مَا يَعْنِي رِحْلَةً مُضْنِيَةً صُعُودًا تَسْتَغْرِقُ عِدَّةَ أَيَّامٍ. وَفِي حَالَةِ مَرْيَمَ، قَدْ تَسْتَغْرِقُ ٱلرِّحْلَةُ وَقْتًا أَطْوَلَ مِنَ ٱلْمُعْتَادِ لِحَاجَتِهَا إِلَى ٱلِٱسْتِرَاحَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً. أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْحَامِلَ، فِي ٱلْفَتْرَةِ ٱلْأَخِيرَةِ مِنْ حَمْلِهَا، تُفَضِّلُ ٱلْبَقَاءَ فِي بِيئَتِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا وَصَدِيقَاتِهَا ٱلَّذِينَ يَمُدُّونَ لَهَا يَدَ ٱلْعَوْنِ عِنْدَمَا تَحِينُ سَاعَةُ ٱلْمَخَاضِ. فَلَا شَكَّ أَنَّ ٱلسَّفَرَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ تَطَلَّبَ شَجَاعَةً مِنْ جِهَةِ مَرْيَمَ.
كَانَتِ ٱلرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ مُضْنِيَةً
٧ مَعَ هٰذَا، يَقُولُ لُوقَا إِنَّ يُوسُفَ صَعِدَ «لِيَكْتَتِبَ مَعَ مَرْيَمَ خَطِيبَتِهِ ٱلَّتِي تَزَوَّجَهَا». (لو ٢:٤، ٥) إِنَّ زَوَاجَ مَرْيَمَ بِيُوسُفَ أَثَّرَ كَثِيرًا فِي قَرَارَاتِهَا. فَقَدِ ٱعْتَبَرَتْهُ رَأْسَ ٱلْعَائِلَةِ، وَبِٱلتَّالِي قَبِلَتِ ٱلدَّوْرَ ٱلْمُعْطَى لَهَا مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ تُعِينَهُ وَتُكَمِّلَهُ مِنْ خِلَالِ دَعْمِ قَرَارَاتِهِ.a وَهٰكَذَا أَظْهَرَتِ ٱلطَّاعَةَ لِزَوْجِهَا فَتَغَلَّبَتْ عَلَى عَقَبَةٍ رُبَّمَا كَانَتْ سَتَمْتَحِنُ إِيمَانَهَا.
٨ (أ) أَيُّ عَامِلٍ آخَرَ رُبَّمَا دَفَعَ مَرْيَمَ أَنْ تُرَافِقَ يُوسُفَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ؟ (ب) لِمَ يُعْتَبَرُ مِثَالُ مَرْيَمَ مَنَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ؟
٨ وَهَلْ مِنْ عَامِلٍ آخَرَ رُبَّمَا دَفَعَ مَرْيَمَ إِلَى إِطَاعَةِ يُوسُفَ؟ تُرَى هَلْ كَانَتْ عَلَى عِلْمٍ بِٱلنُّبُوَّةِ ٱلَّتِي تَقُولُ إِنَّ بَيْتَ لَحْمَ هِيَ مَكَانُ وِلَادَةِ ٱلْمَسِيَّا؟ لَا يَأْتِي ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ عَلَى ذِكْرِ ذٰلِكَ، لٰكِنَّ هٰذَا ٱلِٱحْتِمَالَ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ. فَعَلَى مَا يَتَّضِحُ، كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَةُ مَعْرُوفَةً بَيْنَ ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ وَلَمْ تَكُنْ سِرًّا يَخْفَى حَتَّى عَلَى عَامَّةِ ٱلنَّاسِ. (مت ٢:١-٧؛ يو ٧:٤٠-٤٢) هٰذَا وَإِنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ وَاسِعَةَ ٱلِٱطِّلَاعِ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ. (لو ١:٤٦-٥٥) عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، سَوَاءٌ قَرَّرَتِ ٱلسَّفَرَ إِطَاعَةً لِزَوْجِهَا أَوْ لِمَرْسُومِ ٱلْقَيْصَرِ أَوْ إِتْمَامًا لِنُبُوَّةِ يَهْوَهَ — أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَبَبٍ — فَقَدْ رَسَمَتْ بِذٰلِكَ مِثَالًا رَائِعًا. فَيَهْوَهُ يُقَدِّرُ حَقَّ ٱلتَّقْدِيرِ ٱلرِّجَالَ وَٱلنِّسَاءَ ٱلَّذِينَ يَتَحَلَّوْنَ بِرُوحٍ طَائِعَةٍ وَمُتَوَاضِعَةٍ. وَفِي أَزْمِنَتِنَا هٰذِهِ، حَيْثُ مَا عَادَ ٱلْخُضُوعُ بِوَجْهٍ عَامٍّ مِنَ ٱلْفَضَائِلِ ٱلْمُسْتَحَبَّةِ، لَا يَزَالُ مِثَالُ مَرْيَمَ مَنَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ بِقَاعِ ٱلْمَعْمُورَةِ.
وِلَادَةُ ٱلْمَسِيحِ
٩، ١٠ (أ) مَاذَا رُبَّمَا تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ وَهُمَا يَقْتَرِبَانِ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ؟ (ب) أَيْنَ مَكَثَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ، وَلِمَاذَا؟
٩ لَا بُدَّ أَنَّ مَرْيَمَ تَنَفَّسَتِ ٱلصُّعَدَاءَ حِينَ لَاحَتْ لَهَا بَيْتَ لَحْمُ مِنْ بَعِيدٍ. وَفِيمَا صَعِدَتْ هِيَ وَيُوسُفُ ٱلتِّلَالَ وَٱجْتَازَا بَسَاتِينَ ٱلزَّيْتُونِ، آخِرَ غِلَالِ ٱلْمَوْسِمِ، تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِهِمَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ تَارِيخُ هٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ. فَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ تُعَدَّ بَيْنَ مُدُنِ يَهُوذَا، كَمَا قَالَ مِيخَا ٱلنَّبِيُّ، لٰكِنَّهَا مَسْقَطُ رَأْسِ بُوعَزَ وَنُعْمِي وَلَاحِقًا دَاوُدَ، وذٰلِكَ قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ.
١٠ كَانَتِ ٱلْقَرْيَةُ تَعِجُّ بِٱلْمُسَافِرِينَ حِينَ وَصَلَا. فَقَدْ أَتَى كَثِيرُونَ قَبْلَهُمَا لِلِٱكْتِتَابِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي ٱلنُّزُلِ.b وَمَا كَانَ أَمَامَهُمَا سِوَى ٱلْمَبِيتِ فِي إِسْطَبْلٍ. تَخَيَّلْ كَمْ قَلِقَ يُوسُفُ وَهُوَ يَرَى زَوْجَتَهُ تُعَانِي آلَامًا حَادَّةً لَمْ تَعْهَدْهَا مِنْ قَبْلُ، آلَامًا مَا لَبِثَتْ أَنْ أَصْبَحَتْ مَخَاضًا شَدِيدًا وَهِيَ فِي أَسْوَإِ مَكَانٍ يَخْطُرُ بِٱلْبَالِ!
١١ (أ) لِمَ تَتَعَاطَفُ ٱلنِّسَاءُ مَعَ مَرْيَمَ؟ (ب) كَيْفَ كَانَ يَسُوعُ «ٱلْبِكْرَ»؟
١١ كُلُّ ٱلنِّسَاءِ لَا يَسَعُهُنَّ إِلَّا أَنْ يَتَعَاطَفْنَ مَعْ مَرْيَمَ. فَقَبْلَ ذٰلِكَ ٱلزَّمَنِ بِنَحْوِ ٠٠٠,٤ سَنَةٍ، أَنْبَأَ يَهْوَهُ بِأَنَّ ٱلنِّسَاءَ سَيَلِدْنَ بِٱلْأَوْجَاعِ نَتِيجَةَ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْرُوثَةِ. (تك ٣:١٦) وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ مُسْتَثْنَاةً. لٰكِنَّ لُوقَا تَحَفَّظَ عَنْ ذِكْرِ تَفَاصِيلَ كَهٰذِهِ مُكْتَفِيًا بِٱلْقَوْلِ: «وَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ». (لو ٢:٧) نَعَمْ، لَقَدْ وَضَعَتْ مَرْيَمُ ‹بِكْرَهَا›، مَوْلُودَهَا ٱلْأَوَّلَ بَيْنَ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ عَلَى ٱلْأَقَلِّ. (مر ٦:٣) لٰكِنَّهُ مُخْتَلِفٌ عَنْهُمْ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكْرَهَا فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا «بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةِ» يَهْوَهَ، ٱبْنُهُ مَوْلُودُهُ ٱلْوَحِيدُ. — كو ١:١٥.
١٢ أَيْنَ أَضْجَعَتْ مَرْيَمُ ٱلطِّفْلَ، وَكَيْفَ تَخْتَلِفُ ٱلْحَقِيقَةُ عَنْ مَسْرَحِيَّاتِ وَرُسُومَاتِ وَمُجَسَّمَاتِ ٱلْمِيلَادِ؟
١٢ وَٱلْآنَ تُضِيفُ ٱلرِّوَايَةُ تَفْصِيلًا ذَاعَ ذِكْرُهُ بَيْنَ ٱلنَّاسِ: «قَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي مِذْوَدٍ». (لو ٢:٧) حَوْلَ ٱلْعَالَمِ، تُصَوِّرُ مَسْرَحِيَّاتُ وَرُسُومَاتُ وَمُجَسَّمَاتُ ٱلْمِيلَادِ هٰذَا ٱلْمَشْهَدَ بِعَاطِفِيَّةٍ مُفْرِطَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ ٱلْوَاقِعِ. وَلٰكِنْ تَأَمَّلْ حَقِيقَةَ ٱلْأَمْرِ. إِنَّ ٱلْمِذْوَدَ هُوَ ٱلْمَعْلَفُ ٱلَّذِي تَأْكُلُ مِنْهُ ٱلْمَاشِيَةُ وَٱلدَّوَابُّ ٱلْعَلَفَ. وَٱلْعَائِلَةُ كَانَتْ مُقِيمَةً فِي زَرِيبَةٍ أَوْ إِسْطَبْلٍ ٱلَّذِي هُوَ، بِمَقَايِيسِ ٱلْمَاضِي أَوِ ٱلْحَاضِرِ، مَكَانٌ غَيْرُ صِحِّيٍّ خَالٍ مِنَ ٱلْهَوَاءِ ٱلنَّقِيِّ. فَأَيُّ أَبَوَيْنِ يَخْتَارَانِ مَكَانًا كَهٰذَا لِوِلَادَةِ طِفْلِهِمَا لَوْ كَانَ ٱلْأَمْرُ فِي يَدِهِمَا؟! إِنَّ ٱلْوَالِدِينَ عُمُومًا يُرِيدُونَ ٱلْأَفْضَلَ لِأَوْلَادِهِمْ، فَكَمْ بِٱلْأَحْرَى يُوسُفُ وَمَرْيَمُ، وَطِفْلُهُمَا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ!
١٣ (أ) كَيْفَ فَعَلَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعَانِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمَا؟ (ب) كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْحُكَمَاءِ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَقْتَدُوا بِمِثَالِ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ؟
١٣ مَعَ هٰذَا، لَمْ يَدَعِ ٱلزَّوْجَانِ ظُرُوفَهُمَا ٱلْقَاهِرَةَ تُكَدِّرُهُمَا، بَلْ فَعَلَا كُلَّ مَا يَسْتَطِيعَانِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمَا. لَاحِظْ مَثَلًا أَنَّ مَرْيَمَ نَفْسَهَا ٱعْتَنَتْ بِٱلطِّفْلِ، فَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ بِٱعْتِنَاءٍ فِي ٱلْمِذْوَدِ وَتَأَكَّدَتْ أَنْ يَنْعَمَ بِٱلدِّفْءِ وَٱلْأَمَانِ. فَهِيَ لَمْ تَدَعِ ٱلْقَلَقَ بِشَأْنِ وَضْعِهَا ٱلرَّاهِنِ يَحُولُ دُونَ أَنْ تُزَوِّدَ ٱبْنَهَا بِأَفْضَلِ رِعَايَةٍ مُمْكِنَةٍ. وَأَدْرَكَتْ أَيْضًا هِيَ وَيُوسُفُ أَنَّ ٱلِٱهْتِمَامَ بِٱبْنِهِمَا رُوحِيًّا هُوَ ٱلْأَمْرُ ٱلْأَهَمُّ. (اقرإ التثنية ٦:٦-٨.) بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ ٱلْيَوْمَ، يُعْطِي ٱلْوَالِدُونَ ٱلْحُكَمَاءُ ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِعَلَاقَةِ أَوْلَادِهِمْ بِٱللّٰهِ فِيمَا يَسْهَرُونَ عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلْفَقِيرِ رُوحِيًّا.
زِيَارَةٌ مُشَجِّعَةٌ
١٤، ١٥ (أ) لِمَ تَشَوَّقَ ٱلرُّعَاةُ إِلَى رُؤْيَةِ ٱلطِّفْلِ؟ (ب) مَاذَا فَعَلَ ٱلرُّعَاةُ بَعْدَمَا رَأَوُا ٱلطِّفْلَ فِي ٱلْإِسْطَبْلِ؟
١٤ فَجْأَةً، تَعَكَّرَ ٱلْجَوُّ ٱلْهَادِئُ بِجَلَبَةِ رُعَاةٍ أَتَوْا إِلَى ٱلْإِسْطَبْلِ مُتَشَوِّقِينَ إِلَى رُؤْيَةِ ٱلْعَائِلَةِ وَخُصُوصًا ٱلطِّفْلَ. لَقَدْ كَانُوا مُتَّقِدِينَ حَمَاسَةً وَفَرَحًا. فَهُمْ أَسْرَعُوا فِي ٱلْمَجِيءِ مِنَ ٱلتِّلَالِ حَيْثُ يَعِيشُونَ مَعَ قُطْعَانِهِمْ.c وَأَخَذُوا يَقُصُّونَ عَلَى ٱلْأَبَوَيْنِ ٱلْمَذْهُولَيْنِ حَدَثًا رَائِعًا حَصَلَ مَعَهُمْ. فَفِيمَا كَانُوا فِي ٱلتِّلَالِ سَاهِرِينَ فِي هُزُعِ ٱللَّيْلِ، إِذَا بِمَلَاكٍ يَظْهَرُ لَهُمْ وَمَجْدِ يَهْوَهَ يُضِيءُ حَوْلَهُمْ. فَقَالَ لَهُمُ ٱلْمَلَاكُ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ، أَوِ ٱلْمَسِيَّا، قَدْ وُلِدَ فِي بَيْتَ لَحْمَ، وَهَا هُوَ مُقَمَّطٌ وَمُضْجَعٌ فِي مِذْوَدٍ. ثُمَّ حَدَثَ أَمْرٌ أَكْثَرُ رَوْعَةً: ظَهَرَ حَشْدٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْمَلَائِكَةِ يُسَبِّحُ يَهْوَهَ. — لو ٢:٨-١٤.
١٥ فَلَا عَجَبَ أَنْ هَرَعَ هٰؤُلَاءِ ٱلرُّعَاةُ ٱلْمُتَوَاضِعُونَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فَرِحُوا حِينَ رَأَوُا ٱلطِّفْلَ ٱلْمَوْلُودَ حَدِيثًا مُضْجَعًا هُنَاكَ، تَمَامًا كَمَا قَالَ لَهُمُ ٱلْمَلَاكُ. فَلَمْ يَحْتَفِظُوا بِهٰذِهِ ٱلْبِشَارَةِ لِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ رَاحُوا يُخْبِرُونَ «بِٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ . . . وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قَالَهُ لَهُمُ ٱلرُّعَاةُ». (لو ٢:١٧، ١٨) كَمَا يَتَّضِحُ، إِنَّ ٱلْقَادَةَ ٱلدِّينِيِّينَ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ ٱحْتَقَرُوا ٱلرُّعَاةَ، أَمَّا يَهْوَهُ فَقَدَّرَ هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالَ ٱلْأُمَنَاءَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ. وَلٰكِنْ كَيْفَ أَثَّرَتْ هٰذِهِ ٱلزِّيَارَةُ فِي مَرْيَمَ؟
قَدَّرَ يَهْوَهُ ٱلرُّعَاةَ ٱلْأُمَنَاءَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ
١٦ كَيْفَ أَظْهَرَتْ مَرْيَمُ أَنَّهَا عَمِيقَةُ ٱلتَّفْكِيرِ، وَمَاذَا سَاعَدَهَا أَنْ تُعْرِبَ عَنْ إِيمَانٍ قَوِيٍّ؟
١٦ رَغْمَ أَنَّ مَرْيَمَ شَعَرَتْ حَتْمًا بٱلْإِنْهَاكِ مِنَ ٱلْوِلَادَةِ وَمَشَقَّاتِهَا، أَصْغَتْ بِٱنْتِبَاهٍ إِلَى كُلِّ كَلِمَةٍ قِيلَتْ. وَفَعَلَتْ أَيْضًا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ: «كَانَتْ تَحْفَظُ كُلَّ هٰذَا ٱلْكَلَامِ، مُتَفَكِّرَةً فِيهِ فِي قَلْبِهَا». (لو ٢:١٩) لَقَدْ أَظْهَرَتْ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةُ أَنَّهَا عَمِيقَةُ ٱلتَّفْكِيرِ فِعْلًا. فَهِيَ عَلِمَتْ أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلْمَلَائِكِيَّةَ مُهِمَّةٌ لِلْغَايَةِ. فَإِلٰهُهَا يَهْوَهُ أَرَادَ أَنْ تُدْرِكَ مَنْ هُوَ ٱبْنُهَا وَٱلدَّوْرَ ٱلْهَامَّ ٱلَّذِي سَيُؤَدِّيهِ. لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ، لَمْ تُصْغِ إِلَى ٱلْكَلَامِ فَحَسْبُ، بَلْ حَفِظَتْهُ فِي قَلْبِهَا كَيْ تَتَأَمَّلَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى خِلَالَ ٱلْأَشْهُرِ وَٱلسِّنِينِ ٱلْمُقْبِلَةِ. وَهٰذَا عَامِلٌ بَارِزٌ سَاعَدَهَا أَنْ تُعْرِبَ عَنْ إِيمَانٍ قَوِيٍّ طِيلَةَ حَيَاتِهَا. — اقرإ العبرانيين ١١:١.
أَصْغَتْ مَرْيَمُ بِٱعْتِنَاءٍ إِلَى كَلَامِ ٱلرُّعَاةِ وَحَفِظَتْهُ فِي قَلْبِهَا
١٧ كَيْفَ نَسِيرُ عَلَى خُطَى مَرْيَمَ فِي ٱلِٱسْتِفَادَةِ مِنَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلرُّوحِيَّةِ؟
١٧ فَهَلْ تَسِيرُ أَنْتَ عَلَى خُطَى مَرْيَمَ؟ ضَمَّنَ يَهْوَهُ صَفَحَاتِ كَلِمَتِهِ حَقَائِقَ رُوحِيَّةً هَامَّةً. لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلْحَقَائِقَ لَا تُجْدِينَا نَفْعًا إِنْ لَمْ نُصْغِ إِلَيْهَا. فَكَيْفَ نَفْعَلُ ذٰلِكَ؟ بِقِرَاءَةِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ بِٱنْتِظَامٍ، وَلٰكِنْ لَيْسَ بِٱعْتِبَارِهِ مُجَرَّدَ عَمَلٍ أَدَبِيٍّ بَلْ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ ٱلْمُوحَى بِهَا. (٢ تي ٣:١٦) ثُمَّ عَلَيْنَا، أُسْوَةً بِمَرْيَمَ، أَنْ نَتَأَمَّلَ فِي هٰذِهِ ٱلْأَقْوَالِ ٱلرُّوحِيَّةِ وَنَتَفَكَّرَ فِيهَا دَاخِلَ قُلُوبِنَا. فَحِينَ نُعَمِّقُ فَهْمَنَا لِمَا نَقْرَأُهُ فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ، وَنُفَكِّرُ مَلِيًّا كَيْفَ نُطَبِّقُ مَشُورَةَ يَهْوَهَ بِشَكْلٍ أَكْمَلَ، نَمُدُّ إِيمَانَنَا بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ غِذَاءٍ لِيَنْمُوَ وَيَقْوَى.
أَقْوَالٌ أُخْرَى حَفِظَتْهَا فِي قَلْبِهَا
١٨ (أ) كَيْفَ أَطَاعَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلْمُوسَوِيَّةَ خِلَالَ ٱلْأَيَّامِ ٱلْبَاكِرَةِ مِنْ عُمْرِ يَسُوعَ؟ (ب) مَاذَا كَشَفَتْ تَقْدِمَةُ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ فِي ٱلْهَيْكَلِ عَنْ وَضْعِهِمَا ٱلْمَادِّيِّ؟
١٨ خَتَنَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ طِفْلَهُمَا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ مِنْ عُمْرِهِ كَمَا ٱقْتَضَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى، وَسَمَّيَاهُ يَسُوعَ حَسْبَمَا أَوْصَى ٱلْمَلَاكُ. (لو ١:٣١) ثُمَّ حِينَ بَلَغَ ٱلْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، صَعِدَا بِهِ نَحْوَ عَشَرَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ فِي أُورُشَلِيمَ، حَيْثُ قَرَّبَا تَقْدِمَةَ ٱلتَّطْهِيرِ ٱلَّتِي فَرَضَتْهَا ٱلشَّرِيعَةُ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ: زَوْجَ تِرْغَلٍّ أَوْ فَرْخَيْ يَمَامٍ. وَفِي حَالِ شَعَرَا بِٱلْخَجَلِ لِعَجْزِهِمَا عَنْ تَقْرِيبِ حَمَلٍ وَتِرْغَلَّةٍ مِثْلَ ٱلْوَالِدِينَ ٱلْمَيْسُورِينَ، فَهُمَا لَمْ يَدَعَا هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرَ تَسْتَأْثِرُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا طَبَّقَا ٱلشَّرِيعَةَ قَدْرَ ٱسْتِطَاعَتِهِمَا. عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، نَالَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ تَشْجِيعًا كَبِيرًا وَهُمَا فِي ٱلْهَيْكَلِ. — لو ٢:٢١-٢٤.
١٩ (أ) أَيَّةُ أَقْوَالٍ أُخْرَى تَكَلَّمَ بِهَا سِمْعَانُ حَفِظَتْهَا مَرْيَمُ فِي قَلْبِهَا؟ (ب) مَاذَا فَعَلَتْ حَنَّةُ حِينَ رَأَتْ يَسُوعَ؟
١٩ فَثَمَّةَ رَجُلٌ مُسِنٌّ ٱسْمُهُ سِمْعَانُ ٱقْتَرَبَ مِنْهُمَا وَكَلَّمَ مَرْيَمَ بِأَقْوَالٍ أُخْرَى حَفِظَتْهَا فِي قَلْبِهَا. فَهُوَ سَبَقَ وَنَالَ وَعْدًا أَلَّا يُفَارِقَ ٱلْحَيَاةَ قَبْلَ أَنْ يَرَى ٱلْمَسِيَّا، وَفِي ٱلْهَيْكَلِ كَشَفَ لَهُ رُوحُ يَهْوَهَ ٱلْقُدُسُ أَنَّ ٱلطِّفْلَ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمُخَلِّصُ ٱلْمُنْبَأُ بِهِ. بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى ذٰلِكَ، حَذَّرَ سِمْعَانُ مَرْيَمَ أَنَّهَا سَتُعَانِي ٱلْأَلَمَ وَٱلْحُزْنَ يَوْمًا مَا، فَهِيَ سَتَشْعُرُ وَكَأَنَّ سَيْفًا طَوِيلًا يَجُوزُ فِي نَفْسِهَا. (لو ٢:٢٥-٣٥) وَلَعَلَّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، وَإِنْ لَمْ تُبَشِّرْ بِٱلْخَيْرِ، سَاعَدَتْ مَرْيَمَ عَلَى ٱلِٱحْتِمَالِ حِينَ أَتَى هٰذَا ٱلْوَقْتُ ٱلْعَصِيبُ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً. وَبَعْدَ سِمْعَانَ، رَأَتِ ٱلطِّفْلَ ٱلصَّغِيرَ نَبِيَّةٌ ٱسْمُهَا حَنَّةُ وَأَخَذَتْ تَتَحَدَّثُ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَرْجُو إِنْقَاذَ أُورُشَلِيمَ. — اقرأ لوقا ٢:٣٦-٣٨.
نَالَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ تَشْجِيعًا كَبِيرًا فِي هَيْكَلِ يَهْوَهَ بِأُورُشَلِيمَ
٢٠ لِمَ كَانَ إِحْضَارُ يَسُوعَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ قَرَارًا صَائِبًا؟
٢٠ يَا لَهُ مِنْ قَرَارٍ سَلِيمٍ ٱتَّخَذَهُ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ بِإِحْضَارِ طِفْلِهِمَا إِلَى هَيْكَلِ يَهْوَهَ فِي أُورُشَلِيمَ! فَقَدْ كَانَ ذٰلِكَ بِمَثَابَةِ ٱنْطِلَاقَةٍ لِٱبْنِهِمَا ٱلَّذِي دَاوَمَ عَلَى ٱرْتِيَادِ ٱلْهَيْكَلِ مَدَى حَيَاتِهِ. كَمَا أَنَّهُمَا تَعَبَّدَا لِيَهْوَهَ هُنَاكَ حَسَبَ إِمْكَانِيَّاتِهِمَا وَنَالَا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْإِرْشَادِ وَٱلتَّشْجِيعِ. فَلَا شَكَّ أَنَّ مَرْيَمَ غَادَرَتِ ٱلْهَيْكَلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ بِإِيمَانٍ أَقْوَى وَقَلْبٍ مُفْعَمٍ بِأَقْوَالٍ رُوحِيَّةٍ تَتَأَمَّلُ فِيهَا وَتُخْبِرُ ٱلْآخَرِينَ بِهَا.
٢١ كَيْفَ نَعْمَلُ عَلَى تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا مِثْلَ مَرْيَمَ؟
٢١ مَا أَرْوَعَ أَنْ نَرَى ٱلْوَالِدِينَ ٱلْيَوْمَ يَتَّبِعُونَ هٰذَا ٱلْمِثَالَ! فَضِمْنَ جَمَاعَاتِ شُهُودِ يَهْوَهَ، نَجِدُهُمْ يَصْطَحِبُونَ أَوْلَادَهُمْ بِٱنْتِظَامٍ إِلَى ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. وَهُمْ يَبْذُلُونَ كُلَّ مَا فِي وِسْعِهِمْ فِي عِبَادَةِ يَهْوَهَ، وَيُشَجِّعُونَ رُفَقَاءَهُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِكَلَامِهِمْ. فَيَعُودُونَ مِنَ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ بِإِيمَانٍ أَقْوَى وَفَرَحٍ أَكْبَرَ، مَمْلُوِّينَ أُمُورًا صَالِحَةً يَنْقُلُونَهَا إِلَى ٱلْآخَرِينَ. فَكَمْ نَفْرَحُ حِينَ نَجْتَمِعُ بِهِمْ وَنَرَاهُمْ يُتَمِّمُونَ دَوْرَهُمْ بِأَمَانَةٍ! فَهٰذَا يُرَسِّخُ إِيمَانَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ مِثْلَ مَرْيَمَ.
a لَاحِظِ ٱلتَّبَايُنَ بَيْنَ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ وَمَا يُقَالُ عَنْ رِحْلَةٍ سَابِقَةٍ: «قَامَتْ مَرْيَمُ . . . وَجَاءَتْ» لِزِيَارَةِ أَلِيصَابَاتَ. (لو ١:٣٩) فَفِي ٱلرِّحْلَةِ ٱلْأُولَى، لَرُبَّمَا تَصَرَّفَتْ مَرْيَمُ دُونَ أَنْ تَسْتَشِيرَ يُوسُفَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً، بَلْ مَخْطُوبَةً. أَمَّا بَعْدَ زَوَاجِهِمَا، فَقَرَارُ ٱلْقِيَامِ بِٱلرِّحْلَةِ يُنْسَبُ إِلَى يُوسُفَ، وَلَيْسَ إِلَيْهَا.
b فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، كَانَتِ ٱلْقُرَى عَادَةً تُؤَمِّنُ أَمَاكِنَ يَبِيتُ فِيهَا ٱلْمُسَافِرُونَ وَٱلْقَوَافِلُ ٱلْعَابِرَةُ.
c إِنَّ وُجُودَ ٱلرُّعَاةِ آنَذَاكَ فِي ٱلْعَرَاءِ مَعَ قُطْعَانِهِمْ يُؤَكِّدُ صِحَّةَ ٱلتَّأْرِيخِ ٱلْمُؤَسَّسِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ: إِنَّ وِلَادَةَ ٱلْمَسِيحِ لَمْ تَحْدُثْ فِي كَانُونِ ٱلْأَوَّلِ (دِيسَمْبِر)، حِينَ يُفْتَرَضُ أَنْ يَأْوِيَ ٱلرُّعَاةُ قُطْعَانَهُمْ فِي ٱلْحَظَائِرِ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ، بَلْ بِٱلْأَحْرَى فِي أَوَائِلِ تِشْرِينَ ٱلْأَوَّلِ (أُكْتوبِر).
-