مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • هل يحتاج الجنس البشري حقا الى مسيَّا؟‏
    برج المراقبة ١٩٩٢ | ١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏
    • هل يحتاج الجنس البشري حقا الى مسيَّا؟‏

      ‏«العالم في حاجة الى مسيَّا،‏ يقول رسمي»‏

      ظهر هذا العنوان الرئيسي في ذا فايننشَل پوست في تورُنتو،‏ كندا،‏ سنة ١٩٨٠.‏ والرسمي المقتبس منه كان اورِلْيو پيْتشاي،‏ رئيس ومؤسس مؤسسة فكرية معروفة جيدا تُ‍دعى نادي روما.‏ وبحسب الـ‍ پوست،‏ اعتقد پيْتشاي ان «القائد الملهَم —‏ علميّا،‏ سياسيّا،‏ او دينيّا —‏ هو خلاص العالم الوحيد من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد بتدمير المدنية.‏» فماذا تعتقدون انتم؟‏ هل هذا العالم هو في شدة أليمة حقا بحيث يحتاج الجنس البشري الى مسيَّا؟‏ تأملوا في مجرد واحدة من المشاكل التي يواجهها هذا العالم —‏ الجوع.‏

      عينان بُنّيتان كبيرتان تحدّقان اليكم من صورة في جريدة او مجلة.‏ انهما عينا طفلة،‏ فتاة صغيرة ليست حتى في الخامسة من العمر.‏ لكنَّ هاتين العينين لا تجعلانكم تبتسمون.‏ فليس فيهما بريق الطفولة،‏ ولا معنى التساؤل السعيد،‏ ولا الثقة البريئة.‏ انهما بدلا من ذلك مملوءتان ألم الحيرة،‏ وجعا كليلا،‏ جوعا يبعث على اليأس.‏ فالطفلة تموت جوعا.‏ والالم والجوع هما كل ما تعرفه على الاطلاق.‏

      ربما،‏ ككثيرين،‏ لا تريدون ان تُمعنوا النظر في صور كهذه،‏ فتقلبون الصفحة سريعا.‏ ليس انكم لا تهتمون،‏ ولكنكم تشعرون بالإحباط لأنكم تعتقدون انه قد فات الاوان بالنسبة الى هذه الفتاة.‏ فالاطراف الهزيلة والبطن المنتفخ هي علامات ان جسدها قد بدأ بالتهام نفسه.‏ وبحلول الوقت الذي ترون فيه الصورة،‏ تكون على الارجح قد ماتت.‏ والاسوأ من ذلك،‏ تعرفون ان حالتها ليست حالة فريدة على الاطلاق.‏

      ولكن الى ايّ حد واسعة هي المشكلة؟‏ حسنا،‏ هل تقدرون ان تتصوَّروا ١٤ مليون طفل؟‏ معظمنا لا يقدر؛‏ فالعدد اكبر من ان يجري تخيّله.‏ اذًا تصوَّروا ملعبا مدرَّجا يتسع لـ‍ ٠٠٠‏,٤٠ شخص.‏ وتصوَّروا الآن انه ممتلئ تماما بالاولاد —‏ صف فوق صف،‏ طبقة فوق طبقة،‏ عدد كبير جدا من الوجوه.‏ حتى ذلك يصعب تصوّره.‏ ومع ذلك،‏ يتطلب تشكيلُ ما مجموعه ١٤ مليونا ٣٥٠ ملعبا مدرَّجا كهذا ممتلئا بالاولاد.‏ وبحسب اليونيسيف (‏صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة)‏،‏ هذا هو العدد المروّع للاولاد تحت الخامسة الذين يموتون من سوء التغذية والامراض التي يمكن تجنبها بسهولة كل سنة في البلدان النامية.‏ وذلك يعادل تقريبا ملعبا مدرَّجا ممتلئا بالاولاد الذين يموتون كل يوم!‏ أَضيفوا الى ذلك عدد الراشدين الجياع تحصلوا على مجموع عالمي من نحو بليون شخص تُساء تغذيتهم بصورة مزمنة.‏

      لماذا كل هذا الجوع؟‏

      ينتج هذا الكوكب حاليا طعاما اكثر مما يستهلك البشر الآن،‏ ولديه القدرة على انتاج المزيد.‏ ومع ذلك،‏ يموت ٢٦ طفلا كل دقيقة من سوء التغذية والمرض.‏ وفي خلال هذه الدقيقة نفسها،‏ ينفق العالم ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٢ دولار اميركي تقريبا على الاستعداد للحرب.‏ فهل يمكنكم ان تتصوَّروا ما يمكن ان يفعله كل هذا المال —‏ او جزء منه —‏ للاطفال الـ‍ ٢٦ هؤلاء؟‏

      من الواضح انه لا يمكن لوم النقص في الطعام او المال على الجوع العالمي.‏ فالمشكلة تذهب الى حد اعمق بكثير.‏ وكما عبَّر عن ذلك خورخي إ.‏ هَرْدوي،‏ پروفسور ارجنتيني،‏ «في العالم اجمع عجزٌ مزمن عن الاشتراك في الرفاهية،‏ السلطة،‏ الوقت،‏ الموارد والمعرفة مع اولئك الذين يحتاجون الى هذه الامور اكثر.‏» نعم،‏ تكمن المشكلة،‏ لا في موارد الانسان،‏ بل في الانسان نفسه.‏ فالجشع والانانية يبدوان قوتين مهيمنتين في المجتمع البشري.‏ والخُمس الاغنى من سكان الارض يتمتع بنحو ٦٠ ضعفا من البضائع والخدمات اكثر مما يتمتع به الخُمس الافقر.‏

      صحيح ان البعض يحاولون باخلاص ان يجلبوا الطعام الى الجياع،‏ لكنَّ معظم جهودهم تعرقلها عوامل تتجاوز سيطرتهم.‏ فالمجاعة غالبا ما تصيب البلدان التي تمزّقها الحرب الاهلية او العصيان المدني،‏ وليس غير شائع ان تمنع القوى المتعارضة وصول مؤن الاغاثة الى المحتاجين.‏ فكِلا الجانبين يخاف ان يكون يُطعم اعداءه بالسماح بوصول الطعام الى المدنيين الذين يتضوّرون جوعا في مقاطعة العدو.‏ والحكومات نفسها تستعمل الجوع كسلاح سياسي.‏

      لا حلّ؟‏

      من المؤسف انّ مشكلة تجويع الملايين ليست الازمة الوحيدة التي تصيب الانسان العصري.‏ فتدمير وتسميم البيئة المنتشران،‏ وبأ الحرب المستمر الذي يبتلع حياة الملايين،‏ وباء الجرائم العنيفة التي تولّد الخوف وعدم الثقة في كل مكان،‏ والمناخ الادبي الدائم الانحطاط الذي يبدو انه يكمن في اصل الكثير من هذه البلايا —‏ كل هذه الازمات العالمية تنضم معا وتؤكّد الحقيقة نفسها التي لا يمكن انكارها —‏ الانسان لا يمكنه ان يحكم نفسه بنجاح.‏

      لا شك ان ذلك هو سبب يأس اناس كثيرين من رؤية حلّ لمشاكل العالم.‏ ويشعر آخرون كما شعر اورِلْيو پيْتشاي،‏ العالِم الايطالي المذكور في المقدمة.‏ فهم يستنتجون انه اذا كان سيوجد حلّ،‏ فلا بد ان يأتي من مصدر فوق العادة،‏ وربما فوق الطبيعة البشرية ايضا.‏ وهكذا تكون لفكرة مسيَّا جاذبية قوية.‏ ولكن هل هو واقعي ان نرجو مسيَّا؟‏ ام ان رجاء كهذا هو مجرد تعليل للنفس بالآمال؟‏

      ‏[مصدر الصورة في الصفحة ٢]‏

      Cover photos: Top: U.‎S.‎ Naval Observatory photo; Bottom: NASA photo

      ‏[مصدر الصورة في الصفحة ٣]‏

      WHO photo by P.‎ Almasy

      ‏[مصدر الصورة في الصفحة ٤]‏

      WHO photo by P.‎ Almasy

      U.‎S.‎ Navy photo

  • المسيَّا —‏ رجاء حقيقي؟‏
    برج المراقبة ١٩٩٢ | ١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏
    • المسيَّا —‏ رجاء حقيقي؟‏

      دعا نفسه موسى.‏ لكنَّ اسمه الحقيقي منسي في التاريخ.‏ وفي القرن الخامس ب‌م،‏ جال في كل انحاء جزيرة كريت،‏ مقنعا اليهود هناك بأنه المسيَّا الذي انتظروه.‏ وأخبرهم بأنه سينتهي قريبا ظلمهم،‏ سبيهم وأسرهم.‏ فصدَّقوا.‏ وعندما اتى يوم تحريرهم،‏ تبع اليهود «موسى» الى نتوء بحري مشرف على البحر الابيض المتوسط.‏ وقال لهم انه يجب عليهم فقط ان يلقوا انفسهم في البحر فينشقّ امامهم.‏ كثيرون اطاعوا،‏ غاطسين في بحر لم ينشقّ.‏ فغرق كثيرون جدا؛‏ والبعض انقذهم البحارة والصيادون.‏ لكنَّ موسى لم يوجد في ايّ مكان.‏ لقد ذهب هذا المسيَّا.‏

      ما هو المسيَّا؟‏ ان الكلمات «مخلِّص،‏» «فادٍ،‏» و «قائد» قد تتبادر الى الذهن.‏ وأناس كثيرون يعتقدون ان المسيَّا هو شخصية تبثّ في نفوس أتباعها الرجاء والتقوى،‏ واعدة بقيادتهم من الظلم الى الحرية.‏ وبما ان التاريخ البشري هو تاريخ ظلم الى حد بعيد،‏ فليس مدهشا ان يبرز عدد ليس بقليل من مثل هؤلاء المدَّعين انهم مسيَّا على مر القرون.‏ (‏قارنوا جامعة ٨:‏٩‏.‏)‏ ولكنَّ هؤلاء المدَّعين انهم مسيَّا،‏ مثل مَن يُسمى موسى الكريتي،‏ غالبا ما كانوا يقودون أتباعهم الى الخيبة والكارثة اكثر منه الى التحرير.‏

      ‏«هذا هو الملك المسيَّا!‏» بهذه الطريقة رحَّب الرابّي المحترم عكيڤا بن يوسف بشمعون بار كوخبا في السنة ١٣٢ ب‌م.‏ وكان بار كوخبا رجلا جبارا قاد جيشا قويا.‏ فاعتقد يهود كثيرون انه هوذا اخيرا الرجل الذي سيُنهي ظلمهم الطويل على ايدي الدولة العالمية الرومانية.‏ وفشل بار كوخبا؛‏ فدفع مئات الآلاف من اهل بلده حياتهم ثمنا لهذا الفشل.‏

      وفي القرن الـ‍ ١٢،‏ برز مسيَّا يهودي آخر،‏ وهذه المرة في اليمن.‏ وعندما طلب منه الخليفة،‏ او الحاكم،‏ علامة لصفته المسيَّانية،‏ اقترح هذا المسيَّا ان يقطع الخليفة رأسه ويدع قيامته السريعة تخدم كعلامة.‏ فوافق الخليفة على الطريقة —‏ وهذه كانت نهاية مسيَّا اليمن.‏ وفي ذلك القرن نفسه،‏ قال رجل يُدعى داود ألْروي لليهود في الشرق الاوسط ان يستعدوا ليعودوا وراءه الى الارض المقدسة على اجنحة الملائكة.‏ فاعتقد كثيرون انه المسيَّا.‏ وانتظر يهود بغداد بصبر على سطوحهم،‏ متجاهلين بسعادة اللصوص الذين سلبوا ممتلكاتهم.‏

      ظهر سبَّتاي صابي في القرن الـ‍ ١٧ في سميرنا.‏ ونادى بصفته المسيَّانية لليهود في كل انحاء اوروپا.‏ فأصغى اليه المسيحيون ايضا.‏ وقدَّم صابي التحرير لأتباعه —‏ بجعلهم يمارسون الخطية دون قيد كما يظهر.‏ فكان أتباعه الالصق يمارسون العربدة،‏ العري،‏ الزنا،‏ وسفاح القربى،‏ ثم يعاقبون انفسهم بالجلد،‏ بالتدحرج عراة في الثلج،‏ وبطمر انفسهم حتى العنق في الارض الباردة.‏ وعندما سافر الى تركيا،‏ قُبض على صابي وقيل له انه يجب عليه إما ان يهتدي الى الاسلام او يموت.‏ فاهتدى.‏ وتشتت كثيرون من انصاره.‏ ومع ذلك،‏ بقي بعض الناس يدعون صابي مسيَّا طوال القرنين التاليين.‏

      لقد انتج العالم المسيحي حصته من المدَّعين انهم مسيَّا ايضا.‏ ففي القرن الـ‍ ١٢،‏ انشأ رجل يُدعى تنخِلْم جيشا من المؤيدين وسيطر على مدينة أنتوَرْپ.‏ ودعا هذا المسيَّا نفسه الها؛‏ وباع ايضا ماء استحمامه لأتباعه ليشربوه كشيء مقدَّس!‏ والمسيَّا «المسيحي» الآخر كان توماس مُنتْزِر في المانيا في القرن الـ‍ ١٦.‏ وقد قاد انقلابا على السلطات المدنية المحلية،‏ قائلا لأتباعه انها معركة هرمجدون.‏ ووعد بأنه سيمسك قذائف مدافع العدو في كُمّيه.‏ لكنَّ شعبه قُتل،‏ ومُنتْزِر قُطع رأسه.‏ وقد برز في العالم المسيحي كثيرون آخرون من امثال هؤلاء المدَّعين انهم مسيَّا على مر القرون.‏

      وللاديان الاخرى شخصياتها المسيَّانية.‏ فالمسلمون يشيرون الى المهدي الذي سيُدخل عصرا من العدل.‏ وفي الهندوسية،‏ ادَّعى البعض انهم أڤاتار،‏ او تجسدات،‏ آلهة مختلفة.‏ وكما تذكر دائرة المعارف البريطانية‏،‏ «حتى دين غير مسيَّاني كالبوذية قد انتج،‏ بين فرق المهايانا،‏ الايمان بالبوذا مايترِيا المقبل الذي سينزل من مقرّه السماوي ويجلب الامناء الى الفردوس.‏»‏

      المدَّعون انهم مسيَّا في القرن الـ‍ ٢٠

      في قرننا،‏ صارت الحاجة الى مسيَّا حقيقي اكثر إلحاحا من ايّ وقت مضى؛‏ اذًا ليس مدهشا ان يدَّعي كثيرون اللقب.‏ وفي الكونڠو الافريقية لعشرينات،‏ ثلاثينات،‏ وأربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ فإن سيمون كيمبانڠو وخلفه أَندريه «يسوع» مَتْسوَا نودي بهما مسيَّا.‏ وقد ماتا،‏ لكنَّ أتباعهما لا يزالون يتوقعون ان يعودا ويُدخلا عصرا ألفيا افريقيا.‏

      ورأى هذا القرن ايضا نشوء «ديانات الشَّحن» في غينيا الجديدة وميلانيزيا.‏ والاعضاء يتوقعون وصول سفينة او طائرة مزوَّدة برجال بيض مشبَّهين بالمسيَّا سيجعلونهم اغنياء ويُدخلون عصرا من السعادة الذي سيقوم فيه الموتى ايضا.‏

      والامم الصناعية كانت لها شخصياتها المسيَّانية ايضا.‏ والبعض هم قادة دينيون،‏ مثل صَن مْيونڠ مُون،‏ المنادي بنفسه خلفا ليسوع المسيح الذي يهدف الى تنقية العالم بواسطة عائلة متحدة من انصاره.‏ والقادة السياسيون حاولوا ايضا التظاهر بمراتب مسيَّانية،‏ اذ ان أدولف هتلر هو المثال المريع اكثر للقرن بحديثه المتسم بالمبالغة عن «رايخ الالف سنة.‏»‏

      والفلسفات والهيئات السياسية حققت ايضا مراتب مسيَّانية.‏ مثلا،‏ تذكر دائرة المعارف الاميركية ان للنظرية السياسية الماركسية اللينينية مسحة مسيَّانية.‏ وهيئة الامم المتحدة،‏ المنادى بها على نحو واسع بصفتها الرجاء الوحيد من اجل سلام العالم،‏ يبدو انها صارت نوعا من المسيَّا البديل في اذهان كثيرين.‏

      رجاء حقيقي؟‏

      ان هذه النظرة العامة تجعله واضحا جدا ان تاريخ الحركات المسيَّانية هو الى حد بعيد تاريخ من الخداع،‏ الآمال المحطَّمة والاحلام الموضوعة في غير محلها.‏ اذًا ليس مدهشا ان يصير اناس كثيرون اليوم ساخرين من الرجاء بمسيَّا.‏

      ولكن قبل رفض الرجاء المسيَّاني تماما يجب ان نعلم اولا من اين اتى.‏ في الواقع،‏ ان كلمة «مسيَّا» هي كلمة من الكتاب المقدس.‏ والكلمة العبرانية هي مَشِيح،‏ او «ممسوح.‏» وفي ازمنة الكتاب المقدس،‏ كان الملوك والكهنة يُعيَّنون احيانا في مراكزهم بواسطة طقس مسح،‏ كان يُسكب فيه زيت عَطِر على رؤوسهم.‏ ولذلك فإن التعبير مَشِيح انطبق بحق عليهم.‏ وكان هنالك ايضا رجال جرى مسحهم،‏ او تعيينهم في مركز خصوصي،‏ بدون ايّ طقس مسح.‏ فموسى يُدعى «المسيح،‏» او «الممسوح،‏» في عبرانيين ١١:‏٢٤-‏٢٦‏،‏ لأنه كان مختارا بصفته نبيا وممثلا للّٰه.‏

      وهذا التعريف للمسيَّا بصفته «ممسوحا» يميّز الشخصيات المسيَّانية في الكتاب المقدس من الشخصيات المسيَّانية المزيَّفة التي تحدثنا عنها.‏ فالشخصيات المسيَّانية في الكتاب المقدس لم تعيِّن نفسها؛‏ ولم تخترها مجموعة من الأتباع الموقِّرين.‏ كلا،‏ لقد نشأ تعيينها من فوق،‏ من يهوه اللّٰه نفسه.‏

      وفيما يتكلم الكتاب المقدس عن شخصيات مسيَّانية كثيرة،‏ فإنه يرفِّع مسيَّا واحدا فوق الباقين.‏ (‏مزمور ٤٥:‏٧‏)‏ وهذا المسيَّا هو الشخصية المركزية في نبوة الكتاب المقدس،‏ المفتاح لاتمام مواعد الكتاب المقدس المثيرة الى حد بعيد.‏ وهذا المسيَّا يعالج فعلا المشاكل التي نواجهها اليوم.‏

      مخلِّص الجنس البشري

      ان مسيَّا الكتاب المقدس يعالج مشاكل الجنس البشري بالذهاب الى جذورها.‏ فعندما تمرَّد ابوانا الاولان،‏ آدم وحواء،‏ على الخالق بتحريض من المخلوق الروحاني المتمرد الشيطان،‏ كانا في الواقع ينسبان الى انفسهما الحق المطلق في الحكم.‏ فقد ارادا ان يكونا مَن يقرِّر ما هو صواب وما هو خطأ.‏ فخرجا بذلك من تحت حكم يهوه الواقي الحبي وغرَّقا العائلة البشرية في فوضى وتعاسة الحكم الذاتي،‏ النقص،‏ والموت.‏ —‏ رومية ٥:‏١٢‏.‏

      اذًا كم كان حبيا ان يختار يهوه اللّٰه تلك اللحظة المظلمة في التاريخ البشري ليزوّد كل الجنس البشري بوميض رجاء.‏ ففي التلفظ بالحكم على المتمردَين البشريَّين،‏ انبأ اللّٰه مسبقا بأنه سيكون لذريتهما منقذ.‏ واذ أُشير اليه بصفته «النسل،‏» كان هذا المخلِّص سيأتي ليُبطل العمل البغيض الذي فعله الشيطان هناك في عدن؛‏ فالنسل كان سيسحق رأس تلك «الحية،‏» الشيطان،‏ ماحيا اياه من الوجود.‏ —‏ تكوين ٣:‏١٤،‏ ١٥‏.‏

      ومن الازمنة القديمة،‏ اعتبر اليهود هذه النبوة مسيَّانية.‏ فثمة ترجومات متعددة،‏ عمليات اعادة صياغة يهودية للاسفار المقدسة استُعملت بشكل شائع في القرن الاول،‏ اوضحت ان هذه النبوة ستتمّ «في ايام الملك المسيَّا.‏»‏

      اذًا،‏ لا عجب انه من البداية جرت اثارة رجال الايمان بهذا الوعد بالنسل،‏ او المخلِّص،‏ القادم.‏ تصوَّروا مشاعر ابرهيم عندما اخبره يهوه ان النسل سيأتي من سلالته،‏ وأن «جميع امم الارض» —‏ لا المتحدرين منه فقط —‏ ‹سيتباركون› في هذا النسل.‏ —‏ تكوين ٢٢:‏١٧،‏ ١٨‏.‏

      المسيَّا والحكم

      ربطت النبوات اللاحقة هذا الرجاء بتوقع حكم صالح.‏ ففي تكوين ٤٩:‏١٠‏،‏ قيل لابن حفيد ابرهيم يهوذا:‏ «لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب.‏» فمن الواضح ان «شيلون» هذا كان سيحكم —‏ وسيحكم ليس فقط على اليهود بل على «شعوب.‏» (‏قارنوا دانيال ٧:‏١٣،‏ ١٤‏.‏)‏ وقَرَن اليهود القدماء شيلون بالمسيَّا؛‏ وفي الواقع،‏ تستبدل بعض الترجومات اليهودية الكلمة «شيلون» بـ‍ «المسيَّا» او «الملك المسيَّا.‏»‏

      وفيما استمر نور النبوة الملهمة في الاشراق،‏ كُشف المزيد عن حكم المسيَّا.‏ (‏امثال ٤:‏١٨‏)‏ ففي ٢ صموئيل ٧:‏١٢-‏١٦ قيل للملك داود،‏ متحدر من يهوذا،‏ ان النسل سيأتي من سلالته.‏ وعلاوة على ذلك،‏ سيكون هذا النسل ملكا غير عادي.‏ فعرشه،‏ او حكمه،‏ سيدوم الى الابد!‏ وتدعم اشعياء ٩:‏٦،‏ ٧ هذه النقطة:‏ «يولَد لنا ولد ونُعطى ابنا وتكون الرياسة [«الحكم،‏» ترجمة الملك جيمس‏] على كتفه .‏ .‏ .‏ لنموّ رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبّتها ويعضدها بالحق والبر من الآن الى الابد.‏ غيرة رب الجنود تصنع هذا.‏»‏

      فهل يمكنكم ان تتصوَّروا حكما كهذا؟‏ حاكم بار عادل يثبّت السلام ويحكم الى الابد.‏ يا للاختلاف الكبير عن الاستعراض المحزن في التاريخ للمدَّعين المزيَّفين انهم مسيَّا!‏ فبعيدا عن كونه قائدا بتعيين ذاتي ومخدوعا،‏ فإن مسيَّا الكتاب المقدس هو حاكم للعالم لديه كل ما يلزم من القوة والسلطة لتغيير احوال العالم.‏

      وهذا التوقع هو ذو معنى على نحو عميق في ازمنتنا المضطربة.‏ فالجنس البشري لم يكن قط من قبل اشدّ حاجةً الى رجاء كهذا.‏ ولكن بما انه من السهل جدا ان يتشبث الجميع بآ‌مال باطلة،‏ من الحيوي ان يدرس كل واحد منا بدقة هذا السؤال:‏ هل كان يسوع الناصري المسيَّا المنبأ به مسبقا كما يؤمن كثيرون جدا؟‏ ستعالج المقالة التالية هذه المسألة.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٦]‏

      مسيَّا في بروكلين؟‏

      اعلنت مؤخرا المُلصَقات الاعلانية،‏ اللوحات الاعلانية،‏ ولافتات النيون في اسرائيل «استعدوا لإتيان المسيَّا.‏» وقد اعدّ ونفَّذ اللوباڤيتشيّون،‏ فرقة اورثوذكسية متطرفة من اليهود الحاسيديين،‏ هذه الحملة الدعائية التي كلَّفت ٠٠٠‏,٤٠٠ دولار اميركي.‏ وهنالك اعتقاد سائد بين الفريق المؤلَّف من ٠٠٠‏,٢٥٠ عضو بأن الرابّي الكبير الذي لهم،‏ مناحيم مَنْدَل شْنِيرسون من بروكلين،‏ نيويورك،‏ هو المسيَّا.‏ ولماذا؟‏ يعلّم شْنِيرسون ان المسيَّا سيأتي في هذا الجيل.‏ ووفقا لمجلة نيوزويك،‏ يصرّ رسميو اللوباڤيتشيّين على ان الرابّي البالغ من العمر ٩٠ سنة لن يموت قبل ان يصل المسيَّا.‏ وطوال قرون علَّمت البدعة ان كل جيل ينتج على الاقل رجلا واحدا مؤهَّلا ليكون المسيَّا.‏ ويبدو شْنِيرسون رجلا كهذا لأتباعه،‏ وهو لم يعيِّن ايّ خلف.‏ ولكنَّ معظم اليهود لا يقبلونه بصفته المسيَّا،‏ تقول نيوزويك‏.‏ ووفقا لجريدة نيوزداي،‏ دعاه الرابّي المنافس البالغ من العمر ٩٦ سنة أليعازر شاخ «مسيَّا مزيَّفا.‏»‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      الاعتقاد بأن موسى الكريتي هو المسيَّا كلّف اناسا كثيرين حياتهم

  • ‏«قد وجدنا مسيَّا»!‏
    برج المراقبة ١٩٩٢ | ١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏
    • ‏«قد وجدنا مسيَّا»!‏

      ‏« [اندراوس] وجد اولا اخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيَّا.‏ الذي تفسيره المسيح.‏» —‏ يوحنا ١:‏٤١‏.‏

      ١ بماذا شهد يوحنا المعمدان عن يسوع الناصري،‏ وماذا استنتج اندراوس بشأنه؟‏

      حدَّق اندراوس طويلا الى الرجل اليهودي المدعو يسوع الناصري.‏ فلم يكن لديه مظهر الملك،‏ او الرجل الحكيم،‏ او الرابّي.‏ ولم يكن لديه لباس ملكي،‏ ولا شعر اشيب،‏ ولا يدان ناعمتان وبشرة شقراء.‏ فيسوع كان شابا —‏ يبلغ من العمر ٣٠ سنة تقريبا —‏ ذا يدين ثَفِنَتين وبشرة بُرُنْزية لعامل يدوي.‏ لذلك ربما لم يندهش اندراوس ان يعلم انه نجار.‏ لكنَّ يوحنا المعمدان قال عن هذا الرجل:‏ «هوذا حمل اللّٰه.‏» وقبل يوم،‏ كان يوحنا قد قال شيئا مذهلا اكثر ايضا:‏ «هذا هو ابن اللّٰه.‏» فهل امكن ان يكون ذلك صحيحا؟‏ لقد قضى اندراوس بعض الوقت يصغي الى يسوع في ذلك اليوم.‏ لا نعرف ما قاله يسوع؛‏ اننا نعرف ان كلماته غيَّرت حياة اندراوس.‏ فأسرع لكي يجد اخاه،‏ سمعان،‏ وهتف،‏ «قد وجدنا مسيَّا»!‏ —‏ يوحنا ١:‏٣٤-‏٤١‏.‏

      ٢ لماذا من المهم التأمل في الدليل المتعلق بما اذا كان يسوع هو المسيَّا الموعود به؟‏

      ٢ صار اندراوس وسمعان (‏الذي اعاد يسوع تسميته بطرس)‏ لاحقا رسولين ليسوع.‏ وبعد اكثر من سنتين كتلميذ له،‏ قال بطرس ليسوع:‏ «انت هو المسيح [المسيَّا] ابن اللّٰه الحي.‏» (‏متى ١٦:‏١٦‏)‏ وتَبرهن في النهاية ان الرسل والتلاميذ الامناء كانوا مستعدين للموت من اجل هذا الايمان.‏ وملايين من الناس المخلصين اليوم هم اولياء على نحو مساوٍ.‏ ولكن على اساس ايّ دليل؟‏ على اية حال،‏ الدليل يصنع الفرق بين الايمان والسذاجة المحض.‏ (‏انظروا عبرانيين ١١‏:‏١‏،‏ ع‌ج.‏‏)‏ فدعونا نتأمل في ثلاثة خطوط عامة من الدليل تبرهن ان يسوع كان المسيَّا فعلا.‏

      نسب يسوع

      ٣ ماذا يفصّل انجيلا متى ولوقا عن نسب يسوع؟‏

      ٣ ان نسب يسوع هو الدليل الاول الذي تقدِّمه الاسفار اليونانية المسيحية دعما لصفته المسيَّانية.‏ وقد انبأ الكتاب المقدس مسبقا بأن المسيَّا كان سيأتي من سلسلة نسب عائلة الملك داود.‏ (‏مزمور ١٣٢:‏١١،‏ ١٢؛‏ اشعياء ١١:‏١،‏ ١٠‏)‏ يبدأ انجيل متى:‏ «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابرهيم.‏» ويدعم متى هذا الادّعاء الجريء بتتبُّع تحدُّر يسوع من سلسلة نسب ابيه بالتبني،‏ يوسف.‏ (‏متى ١:‏١-‏١٦‏)‏ وانجيل لوقا يتتبَّع نسب يسوع بواسطة امه الطبيعية،‏ مريم،‏ رجوعا بواسطة داود وابرهيم الى آدم.‏ (‏لوقا ٣:‏٢٣-‏٣٨‏)‏a وهكذا يدعم كاتبا الانجيلين بالوثائق كاملا ادّعاءهما ان يسوع كان وريثا لداود،‏ من الناحية الشرعية والطبيعية على السواء.‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ هل تحدّى معاصرو يسوع تحدُّره من داود،‏ ولماذا ذلك مهم؟‏ (‏ب)‏ كيف تدعم المراجع غير المؤسسة على الكتاب المقدس نسب يسوع؟‏

      ٤ وحتى المُعارض المُشكِّك جدا لصفة يسوع المسيَّانية لا يمكنه ان ينكر ادّعاء يسوع انه ابن داود.‏ ولماذا؟‏ هنالك سببان.‏ الاول،‏ لقد تَكرر هذا الادّعاء على نحو واسع في اورشليم طوال عقود قبل تدمير المدينة في السنة ٧٠ ب‌م.‏ (‏قارنوا متى ٢١:‏٩؛‏ اعمال ٤:‏٢٧؛‏ ٥:‏٢٧،‏ ٢٨‏.‏)‏ فإذا كان الادّعاء باطلا،‏ فإن ايًّا من خصوم يسوع —‏ وكان لديه كثيرون —‏ كان بامكانه ان يبرهن ان يسوع دجّال بمجرد التحقق من نسبه في سلاسل النسب في دار المحفوظات العامة.‏b ولكنَّ التاريخ ليس لديه ايّ سجل لأيّ شخص تحدَّى تحدُّر يسوع من الملك داود.‏ فمن الواضح ان الادّعاء لم يكن قابلا للمهاجمة.‏ ولا شك ان متى ولوقا نسخا الاسماء البارزة من اجل روايتيهما مباشرة من السجلات العامة.‏

      ٥ والثاني هو ان المصادر خارج الكتاب المقدس تؤكد القبول العام لنسب يسوع.‏ مثلا،‏ يشير التلمود الى رابّي للقرن الرابع شنّ هجوما سفيها على مريم،‏ ام يسوع،‏ بسبب ‹لعب دور الزانية مع النجارين›؛‏ لكنَّ المقطع نفسه يقرّ بأنها «كانت متحدرة من امراء وحكام.‏» والمثال الابكر هو مؤرخ القرن الثاني هيڠيسيپوس.‏ فقد روى انه عندما اراد القيصر الروماني دوميتيان ان يبيد كل المتحدرين من داود،‏ اتهم بعض اعداء المسيحيين الاولين حفدة يهوذا،‏ اخي يسوع من امه،‏ «بصفتهم من عائلة داود.‏» فإذا كان يهوذا متحدّرا معروفا من داود،‏ أفلم يكن يسوع كذلك؟‏ بلى دون شك!‏ —‏ غلاطية ١:‏١٩؛‏ يهوذا ١‏.‏

      نبوات مسيَّانية

      ٦ الى اي حد وافرة هي النبوات المسيَّانية في الاسفار العبرانية؟‏

      ٦ وخط الدليل الآخر على ان يسوع كان المسيَّا هو النبوة المتمَّمة.‏ والنبوات التي تنطبق على المسيَّا هي وافرة في الاسفار العبرانية.‏ وفي مؤلَّفه حياة وأوقات يسوع المسيَّا،‏ عدّ ألْفرد إدِرْشايْم ٤٥٦ مقطعا في الاسفار العبرانية اعتبرها الرَّابينيون القدماء مسيَّانية.‏ لكنَّ الرَّابينيين كانت لديهم افكار خاطئة عن المسيَّا؛‏ فالكثير من المقاطع التي اشاروا اليها ليست مسيَّانية على الاطلاق.‏ ومع ذلك،‏ هنالك على الاقل عشرات النبوات التي تحدِّد هوية يسوع بصفته المسيَّا.‏ —‏ قارنوا رؤيا ١٩:‏١٠‏.‏

      ٧ ما هي بعض النبوات التي تمَّمها يسوع في خلال اقامته المؤقتة في الارض؟‏

      ٧ بينها:‏ بلدة ولادته (‏ميخا ٥:‏٢؛‏ لوقا ٢:‏٤-‏١١‏)‏؛‏ مأساة قتل الاطفال الجماعي التي حدثت بعد ولادته (‏ارميا ٣١:‏١٥؛‏ متى ٢:‏١٦-‏١٨‏)‏؛‏ يُدعى من مصر (‏هوشع ١١:‏١؛‏ متى ٢:‏١٥‏)‏؛‏ حكام الامم يتَّحدون لإهلاكه (‏مزمور ٢:‏١،‏ ٢؛‏ اعمال ٤:‏٢٥-‏٢٨‏)‏؛‏ خيانته مقابل ٣٠ قطعة من الفضة (‏زكريا ١١:‏١٢؛‏ متى ٢٦:‏١٥‏)‏؛‏ وأيضا طريقة موته.‏ —‏ مزمور ٢٢:‏١٦‏،‏ الحاشية ع‌ج‏؛‏ يوحنا ١٩:‏١٨،‏ ٢٣؛‏ ٢٠:‏٢٥،‏ ٢٧‏.‏c

      وصوله متنبأ عنه

      ٨ (‏أ)‏ اية نبوة تحدِّد بدقة وقت وصول المسيَّا؟‏ (‏ب)‏ اي عاملين يجب معرفتهما لكي نفهم النبوة؟‏

      ٨ دعونا نركّز على نبوة واحدة.‏ في دانيال ٩:‏٢٥‏،‏ أُخبر اليهود بوقت مجيء المسيَّا.‏ وهي تقول:‏ «اعلم وافهم انه من خروج الامر لتجديد اورشليم وبنائها الى المسيح الرئيس سبعة اسابيع واثنان وستون اسبوعا.‏» من النظرة الاولى قد تبدو هذه النبوة غامضة.‏ ولكنها بالمعنى العام،‏ تتطلب منا ان نجد معلومتين فقط:‏ نقطة بداية،‏ ومدة من الزمن.‏ للايضاح،‏ اذا كانت لديكم خريطة تشير الى كنز مدفون «على بعد ٥٠ قامة شرقي البئر في منتزه البلدة،‏» فقد تجدون الارشادات محيِّرة —‏ وخصوصا اذا لم تعرفوا اين هي هذه البئر،‏ او كم طول ‹القامة.‏› ألا تحاولون العثور على هاتين الحقيقتين لكي تتمكنوا من تحديد مكان الكنز؟‏ حسنا،‏ نبوة دانيال هي كذلك الى حد بعيد،‏ غير اننا نحدِّد وقت البداية ونقيس الفترة التي تلي.‏

      ٩،‏ ١٠ (‏أ)‏ ما هي نقطة البداية التي تقاس منها الاسابيع الـ‍ ٦٩؟‏ (‏ب)‏ كم كان طول الاسابيع الـ‍ ٦٩،‏ وكيف نعرف ذلك؟‏

      ٩ اولا،‏ يلزمنا ان نحدِّد نقطتنا للبداية،‏ التاريخ الذي فيه ‹خرج الامر لتجديد اورشليم وبنائها.‏› ثم يلزمنا ان نعرف المسافة من تلك النقطة،‏ كم كان طول الاسابيع الـ‍ ٦٩ (‏٧ زائد ٦٢)‏ هذه.‏ ولا اية من المعلومتين يصعب الحصول عليها.‏ فنحميا يخبرنا بوضوح تام بأن الامر خرج لبناء السور حول اورشليم،‏ جاعلا اياها اخيرا مدينة مسترَدة،‏ «في السنة العشرين لأرتحشستا الملك.‏» (‏نحميا ٢:‏١،‏ ٥،‏ ٧،‏ ٨‏)‏ وذلك يضع نقطتنا للبداية في السنة ٤٥٥ ق‌م.‏d

      ١٠ والآن في ما يتعلق بالاسابيع الـ‍ ٦٩ هذه،‏ هل يمكن ان تكون اسابيع حرفية من سبعة ايام؟‏ كلا،‏ لأن المسيَّا لم يظهر بعد السنة ٤٥٥ ق‌م بأكثر من سنة بقليل.‏ وهكذا فإن معظم علماء الكتاب المقدس وترجمات عديدة (‏بما فيها الـ‍ تَناخ اليهودية في حاشية هذا العدد)‏ يوافقون على ان هذه هي اسابيع «من السنين.‏» وهذا المفهوم لـ‍ ‹اسبوع من السنين،‏› او دورة من سبع سنين،‏ كان مألوفا عند اليهود القدماء.‏ فكما كانوا يحفظون يوم سبت في كل يوم سابع،‏ كانوا يحفظون سنة سبت في كل سنة سابعة.‏ (‏خروج ٢٠:‏٨-‏١١؛‏ ٢٣:‏١٠،‏ ١١‏)‏ ولذلك فإن الاسابيع الـ‍ ٦٩ من السنين تعادل ٦٩ مضروبة في ٧ سنين،‏ او ٤٨٣ سنة.‏ وكل ما بقي لنفعله هو ان نعدّ.‏ وتعداد ٤٨٣ سنة من ٤٥٥ ق‌م يأخذنا الى السنة ٢٩ ب‌م —‏ السنة نفسها التي اعتمد فيها يسوع وصار مَشِيح،‏ المسيَّا!‏ —‏ انظروا «السبعون اسبوعا،‏» بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ المجلد ٢،‏ الصفحة ٨٩٩.‏

      ١١ كيف يمكن ان نجيب اولئك الذين يقولون ان ذلك هو مجرد طريقة حديثة لتفسير نبوة دانيال؟‏

      ١١ قد يعترض البعض ان هذه هي مجرد طريقة حديثة لتفسير النبوة لتلائم التاريخ.‏ اذا كان الامر كذلك،‏ فلماذا كان الناس في ايام يسوع يتوقعون ان يظهر المسيَّا في ذلك الحين؟‏ فالمؤرخ المسيحي لوقا،‏ المؤرخان الرومانيان تاسيتوس وسويتونيوس،‏ المؤرخ اليهودي يوسيفوس،‏ والفيلسوف اليهودي فيلون،‏ جميعهم عاشوا قرب ذلك الوقت وشهدوا لحالة التوقع هذه.‏ (‏لوقا ٣:‏١٥‏)‏ وبعض العلماء اليوم يصرّون على ان الظلم الروماني هو الذي جعل اليهود يتوقون الى المسيَّا ويتوقعونه في تلك الايام.‏ ولكن لماذا توقع اليهود المسيَّا في ذلك الحين بدلا من توقعه في خلال الاضطهاد اليوناني الوحشي في القرون الابكر؟‏ ولماذا قال تاسيتوس ان «النبوات الغامضة» هي التي قادت اليهود الى توقع مجيء حكام اقوياء من اليهودية و«نيل امبراطورية عالمية»؟‏ ابّا هيلِل سيلڤِر،‏ في كتابه،‏ تاريخ التخمين المسيَّاني في اسرائيل،‏ يعترف بأن «المسيَّا كان منتظَرا حوالي الربع الثاني من القرن الاول للميلاد،‏» لا بسبب الاضطهاد الروماني،‏ وانما بسبب ‏«جدول التواريخ الشائع لذلك العهد،‏»‏ المستمد جزئيا من سفر دانيال.‏

      محدَّد الهوية من فوق

      ١٢ كيف حدَّد يهوه هوية يسوع بصفته المسيَّا؟‏

      ١٢ ان النوع الثالث من الدليل على صفة يسوع المسيَّانية هو شهادة اللّٰه نفسه.‏ فوفقا للوقا ٣:‏٢١،‏ ٢٢‏،‏ بعد معمودية يسوع،‏ مُسح بالقوة الاقدس والاقوى في الكون،‏ روح يهوه اللّٰه القدوس.‏ وبصوته اعترف يهوه بأنه راضٍ عن ابنه،‏ يسوع.‏ وفي مناسبتين اخريين،‏ تكلم يهوه مباشرة الى يسوع من السماء،‏ دالا بذلك على رضاه:‏ مرة،‏ امام ثلاثة من رسل يسوع،‏ ومرة اخرى،‏ امام جمع من المشاهدين.‏ (‏متى ١٧:‏١-‏٥؛‏ يوحنا ١٢:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ وعلاوة على ذلك،‏ أُرسل ملائكة من فوق ليؤكدوا مكانة يسوع بصفته المسيح،‏ او المسيَّا.‏ —‏ لوقا ٢:‏١٠،‏ ١١‏.‏

      ١٣،‏ ١٤ كيف اظهر يهوه رضاه على يسوع بصفته المسيَّا؟‏

      ١٣ لقد اظهر يهوه رضاه على مسيحه بمنحه السلطة لانجاز اعمال عظيمة.‏ مثلا،‏ تفوه يسوع بنبوات فصَّلت التاريخ مقدَّما —‏ البعض يمتد الى ايامنا.‏e وأنجز ايضا عجائب،‏ كإطعام الجموع الجياع وشفاء المرضى.‏ حتى انه اقام الموتى.‏ فهل اختلق أتباعه قصص هذه الاعمال الجبارة بعد الحادثة؟‏ حسنا،‏ لقد انجز يسوع الكثير من عجائبه امام شهود عيان،‏ وأحيانا آلاف من الناس دفعة واحدة.‏ وحتى اعداء يسوع لم يستطيعوا ان ينكروا انه قام فعلا بهذه الامور.‏ (‏مرقس ٦:‏٢؛‏ يوحنا ١١:‏٤٧‏)‏ والى جانب ذلك،‏ اذا كان أتباع يسوع ميّالين الى اختلاق روايات كهذه،‏ فحينئذ لماذا يكونون صرحاء جدا عندما يتعلق الامر بنقائصهم؟‏ وفي الواقع،‏ هل كانوا مستعدين ليموتوا من اجل ايمان مؤسس على مجرد اساطير اختلقوها شخصيا؟‏ كلا.‏ ان عجائب يسوع وقائع تاريخية.‏

      ١٤ وشهادة اللّٰه عن يسوع بصفته المسيَّا ذهبت الى ابعد من ذلك.‏ فبواسطة الروح القدس تأكد ان الدليل على صفة يسوع المسيَّانية قد دُوِّن وصار جزءا من اكثر الكتب ترجمة وتوزيعا بشكل واسع في كل التاريخ.‏

      لماذا لم يقبل اليهود يسوع؟‏

      ١٥ (‏أ)‏ الى اي حد كثيرة هي اوراق اعتماد يسوع التي تحدِّد هويته بصفته المسيَّا؟‏ (‏ب)‏ اية توقعات لليهود قادت كثيرين منهم الى رفض يسوع بصفته المسيَّا؟‏

      ١٥ اذًا،‏ ككل،‏ تتضمن هذه الفئات الثلاث للدليل حرفيا مئات الوقائع التي تحدِّد هوية يسوع بصفته المسيَّا.‏ أليس ذلك كافيا؟‏ تصوَّروا انكم قدَّمتم طلبا لرخصة سائق او بطاقة اعتماد وقيل لكم ان ثلاث بطائق هوية ليست كافية —‏ يجب ان تجلبوا المئات.‏ كم يكون ذلك غير معقول!‏ اذًا،‏ هوية يسوع محدَّدة بالتأكيد على نحو وافٍ في الكتاب المقدس.‏ ولكن لماذا انكر كثيرون من شعب يسوع كل هذا الدليل على انه المسيَّا؟‏ لأن الدليل،‏ مع انه مهم للايمان الاصيل،‏ لا يضمن الايمان.‏ ومن المحزن ان اناسا كثيرين يؤمنون بما يريدون هم ان يؤمنوا به،‏ حتى في وجه الدليل الغامر.‏ وفي ما يتعلق بالمسيَّا،‏ كانت لدى معظم اليهود افكار محدَّدة جدا عما ارادوه.‏ فقد ارادوا مسيَّا سياسيا،‏ مسيَّا يُنهي الظلم الروماني ويعيد اسرائيل الى مجد يشبه بطريقة مادية ذاك الذي لايام سليمان.‏ اذًا،‏ كيف يمكن ان يقبلوا ابن النجار المتواضع هذا،‏ الناصري هذا الذي لم يظهر ايّ اهتمام بالسياسات او الغنى؟‏ وبشكل خصوصي،‏ كيف يمكن ان يكون مسيَّا بعدما تألم ومات على نحو مخزٍ على خشبة الآلام؟‏

      ١٦ لماذا كان على أتباع يسوع ان يعدّلوا توقعاتهم الخاصة في ما يتعلق بالمسيَّا؟‏

      ١٦ ان موت يسوع صدم تلاميذه.‏ وبعد قيامته المجيدة،‏ رجوا بوضوح ان ‹يرد الملْك الى اسرائيل› فورا.‏ (‏اعمال ١:‏٦‏)‏ ولكنهم لم يرفضوا يسوع بصفته المسيَّا لمجرد ان ذلك الرجاء الشخصي لم يتحقق.‏ فقد مارسوا الايمان به على اساس الدليل الوافي المتوافر،‏ فنما فهمهم تدريجيا؛‏ ووضحت الغوامض.‏ ورأوا انه لا يمكن ان يتمّم المسيَّا كل النبوات المتعلقة به في خلال وقته القصير كانسان على هذه الارض.‏ فإحدى النبوات تحدثت عن وصوله بتواضع،‏ راكبا على جحش ابن اتان،‏ فيما تحدثت اخرى عن مجيئه في مجد على السحب!‏ وكيف يمكن ان تكون كلتاهما صحيحتين؟‏ من الواضح انه كان يجب ان يأتي مرة ثانية.‏ —‏ دانيال ٧:‏١٣؛‏ زكريا ٩:‏٩‏.‏

      لماذا كان يجب ان يموت المسيَّا؟‏

      ١٧ كيف اوضحت نبوة دانيال ان المسيَّا كان يجب ان يموت،‏ ولأي سبب كان سيموت؟‏

      ١٧ وعلاوة على ذلك،‏ اوضحت النبوات المسيَّانية ان المسيَّا كان يجب ان يموت.‏ مثلا،‏ ان النبوة نفسها التي انبأت مسبقا بوقت وصول المسيَّا انبأت في العدد التالي:‏ «بعد اثنين وستين اسبوعا [التي تلت السبعة الاسابيع] يُقطَع المسيح.‏» (‏دانيال ٩:‏٢٦‏)‏ والكلمة العبرانية كارَث المستعملة هنا مقابل «يُقطَع،‏» هي الكلمة نفسها المستعملة مقابل حكم الموت تحت الناموس الموسوي.‏ فلا شك ان المسيَّا كان يجب ان يموت.‏ ولماذا؟‏ يعطينا العدد ٢٤ الجواب:‏ ‹لتتميم الخطايا ولكفارة الاثم وليؤتى بالبر الابدي.‏› واليهود عرفوا جيدا ان الذبيحة،‏ الموت،‏ وحدها كان بامكانها ان تكفّر عن الاثم.‏ —‏ لاويين ١٧:‏١١‏؛‏ قارنوا عبرانيين ٩:‏٢٢‏.‏

      ١٨ (‏أ)‏ كيف تظهر اشعياء الاصحاح ٥٣ ان المسيَّا يجب ان يتألم ويموت؟‏ (‏ب)‏ اي تناقض ظاهري تثيره هذه النبوة؟‏

      ١٨ تتحدث اشعياء الاصحاح ٥٣ عن المسيَّا بصفته خادما خصوصيا ليهوه،‏ كان يجب ان يتألم ويموت ليستر خطايا الآخرين.‏ يقول العدد ٥‏:‏ «هو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا.‏» وبعد إخبارنا بأن هذا المسيَّا يجب ان يموت ك‍ «ذبيحة اثم» تكشف النبوة نفسها ان الشخص نفسه «تطول ايامه ومسرة الرب بيده تنجح.‏» (‏العدد ١٠‏)‏ أليس ذلك تناقضا؟‏ كيف يمكن ان يموت المسيَّا،‏ ثم «تطول ايامه»؟‏ وكيف يمكن ان يُقدَّم ذبيحة وبعد ذلك ان يجعل «مسرة الرب بيده تنجح»؟‏ وفي الواقع،‏ كيف يمكن ان يموت ويبقى ميتا دون ان يتمّم النبوات المهمة اكثر المتعلقة به،‏ اي انه سيحكم ملكا الى الابد ويجلب السلام والسعادة للعالم بكامله؟‏ —‏ اشعياء ٩:‏٦،‏ ٧‏.‏

      ١٩ كيف توفِّق قيامة يسوع بين النبوات المتناقضة ظاهريا المتعلقة بالمسيَّا؟‏

      ١٩ هذا التناقض الظاهري حلَّته عجيبة مثيرة فريدة.‏ فقد اقيم يسوع.‏ وصار مئات من اليهود المستقيمي القلوب شهود عيان لهذه الحقيقة المجيدة.‏ (‏١ كورنثوس ١٥:‏٦‏)‏ كتب الرسول بولس لاحقا:‏ «هذا [يسوع المسيح] .‏ .‏ .‏ بعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس الى الابد عن يمين اللّٰه منتظرا بعد ذلك حتى توضع اعداؤه موطئا لقدميه.‏» (‏عبرانيين ١٠:‏١٠،‏ ١٢،‏ ١٣‏)‏ نعم،‏ لقد حدث انه بعد ان اقيم يسوع الى الحياة السماوية،‏ وبعد فترة من ‹الانتظار،‏› تُوِّج اخيرا ملكا وعمل ضد اعداء ابيه،‏ يهوه.‏ وفي دوره كملك سماوي،‏ يؤثر يسوع المسيَّا في حياة كل شخص حي الآن.‏ بأية طريقة؟‏ ان مقالتنا التالية ستعالج ذلك.‏

      ‏[الحواشي]‏

      a عندما تقول لوقا ٣:‏٢٣‏:‏ «يوسف بن هالي،‏» من الواضح انها تعني «صهر،‏» اذ ان هالي كان ابا مريم الطبيعي.‏ —‏ بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ المجلد ١،‏ الصفحات ٩١٣-‏٩١٧.‏

      b يوضح المؤرخ اليهودي يوسيفوس،‏ في عرضه نسبه الخاص،‏ ان سجلات كهذه كانت متوافرة قبل السنة ٧٠ ب‌م.‏ وقد دُمّرت هذه السجلات كما يظهر مع مدينة اورشليم،‏ مما جعل كل ادّعاءات الصفة المسيَّانية اللاحقة غير مبرهَنة.‏

      c انظروا بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ المجلد ٢،‏ الصفحة ٣٨٧.‏

      d هنالك دليل متين من المصادر اليونانية،‏ البابلية،‏ والفارسية القديمة يدل على ان السنة الاولى لملْك أرتحشستا كانت السنة ٤٧٤ ق‌م.‏ انظروا بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ المجلد ٢،‏ الصفحات ٦١٤-‏٦١٦،‏ ٩٠٠.‏

      e في نبوة واحدة كهذه،‏ انبأ مسبقا بأن المدّعين الزائفين انهم مسيَّا كانوا سيقومون من ايامه فصاعدا.‏ (‏متى ٢٤:‏٢٣-‏٢٦‏)‏ انظروا المقالة السابقة.‏

  • حضور المسيَّا وحكمه
    برج المراقبة ١٩٩٢ | ١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏
    • حضور المسيَّا وحكمه

      ‏«ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء.‏» —‏ اعمال ١:‏١١‏.‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ كيف عزّى ملاكان رسل يسوع عندما صعد الى السماء؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة يثيرها توقُّع رجوع المسيح؟‏

      وقف احد عشر رجلا في المنحدر الشرقي لجبل الزيتون،‏ محدّقين عاليا الى السماء.‏ فقبل لحظات كان يسوع المسيح قد ارتفع من بينهم،‏ وكان شكله يتلاشى الى ان حجبته سحابة.‏ وفي سنواتهم معه،‏ كان هؤلاء الرجال قد رأوا يسوع يعطي برهانا وافرا على انه المسيَّا؛‏ حتى انهم اختبروا الحزن على موته والابتهاج بقيامته.‏ وها هو الآن قد ذهب.‏

      ٢ وظهر فجأة ملاكان ونطقا بهذه الكلمات المعزّية:‏ «ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء.‏ ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء.‏» (‏اعمال ١:‏١١‏)‏ كم يكون ذلك مطمئنا —‏ فصعود يسوع الى السماء لم يعنِ انه تخلّى عن الارض والجنس البشري!‏ على العكس،‏ كان يسوع سيعود.‏ ولا شك ان هذه الكلمات ملأت الرسل رجاء.‏ وملايين من الناس اليوم ايضا يعلّقون اهمية كبيرة على الوعد برجوع المسيح.‏ والبعض يتحدثون عنه بصفته «المجيء الثاني.‏» ولكنَّ الغالبية تبدو مشوَّشة الذهن بشأن ما يعنيه رجوع المسيح حقا.‏ فبأية طريقة يرجع المسيح؟‏ متى؟‏ وكيف يؤثر ذلك في حياتنا اليوم؟‏

      طريقة رجوع المسيح

      ٣ بماذا يؤمن اناس كثيرون في ما يتعلق برجوع المسيح؟‏

      ٣ وفقا للكتاب عِلم انجيلي للاهوت المسيح،‏ «يؤسِّس المجيء الثاني او رجوع المسيح (‏پارُوسيا‏)‏ ملكوت اللّٰه،‏ بشكل نهائي،‏ بشكل علني،‏ والى الابد.‏» وهو ايمان متمسَّك به بشكل واسع انّ رجوع المسيح سيكون منظورا بشكل علني،‏ مرئيا حرفيا من قِبل كل امرئ على الكوكب.‏ ولدعم هذه الفكرة،‏ يشير كثيرون الى رؤيا ١:‏٧‏،‏ التي تقول:‏ «هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه.‏» ولكن هل المقصود ان يُفهم هذا العدد حرفيا؟‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ كيف نعرف ان الرؤيا ١:‏٧ ليس المقصود بها معنى حرفيا؟‏ (‏ب)‏ كيف تؤكد كلمات يسوع هذا الفهم؟‏

      ٤ تذكَّروا ان سفر الرؤيا مقدَّم «بعلامات.‏» (‏رؤيا ١:‏١‏،‏ ع‌ج‏)‏ اذًا،‏ لا بد ان يكون هذا المقطع رمزيا؛‏ وعلى اية حال،‏ كيف يمكن ان يرى «الذين طعنوه» رجوع المسيح؟‏ فهم اموات منذ ما يقارب ٢٠ قرنا!‏ وأكثر من ذلك،‏ قال الملاكان ان المسيح سيرجع «هكذا» كما رحل.‏ حسنا،‏ كيف غادر؟‏ والملايين يراقبون؟‏ كلا،‏ فإن مجرد امناء قليلين شاهدوا الحادثة.‏ وعندما كلَّمهم الملاكان،‏ هل كان الرسل يراقبون حرفيا رحلة المسيح في كل طريقه الى السماء؟‏ كلا،‏ فكان هنالك غطاء من السحاب حجب يسوع عن النظر.‏ وفي وقت ما لاحقا،‏ لا بد انه دخل السموات الروحية ككائن روحاني،‏ غير منظور للاعين البشرية.‏ (‏١ كورنثوس ١٥:‏٥٠‏)‏ ولذلك فإن جُلّ ما رآه الرسل هو بداية رحلة يسوع؛‏ ولم يستطيعوا ان يراقبوا نهايتها،‏ رجوعه الى حضرة ابيه،‏ يهوه،‏ السماوية.‏ فذلك لم يتمكنوا من تمييزه إلا بأعين الايمان.‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏١٧‏.‏

      ٥ يعلّم الكتاب المقدس ان يسوع يرجع بالطريقة عينها تماما.‏ ويسوع نفسه قال قبيل موته:‏ «بعد قليل لا يراني العالم.‏»‏ (‏يوحنا ١٤:‏١٩‏)‏ وقال ايضا ان ‹ملكوت اللّٰه لا يأتي بمراقبة.‏› (‏لوقا ١٧:‏٢٠‏)‏ اذًا بأيّ معنى «ستنظره كل عين»؟‏ لكي نجيب،‏ نحتاج اولا الى فهم واضح للكلمة التي استعملها يسوع وأتباعه في ما يتعلق برجوعه.‏

      ٦ (‏أ)‏ لماذا كلمات مثل «الرجوع،‏» «الوصول،‏» «المجيء،‏» و «الاتيان» ليست ترجمات ملائمة للكلمة اليونانية پارُوسيا؟‏ (‏ب)‏ ماذا يُظهر ان الـ‍ پارُوسيا،‏ او «الحضور،‏» يدوم وقتا اطول بكثير من مجرد حادثة آنيَّة؟‏

      ٦ ان الواقع هو ان المسيح يفعل اكثر بكثير من مجرد «الرجوع.‏» فهذه الكلمة،‏ مثل «الاتيان،‏» «الوصول،‏» او «المجيء،‏» تتضمن حادثة واحدة في مرحلة قصيرة من الزمن.‏ لكنَّ الكلمة اليونانية التي استعملها يسوع وأتباعه تعني اكثر بكثير.‏ فالكلمة هي پارُوسيا،‏ وتعني حرفيا «الكون بجانب،‏» او «الحضور.‏» ومعظم العلماء يوافقون على ان هذه الكلمة تشمل لا مجرد الوصول وانما الحضور اللاحق —‏ كما في حالة زيارة رسمية من شخصية ملكية.‏ وهذا الحضور ليس حادثة آنيَّة؛‏ انه حقبة خصوصية،‏ فترة موسومة من الزمن.‏ وفي متى ٢٤:‏٣٧-‏٣٩‏،‏ قال يسوع ان «حضور [‏پارُوسيا‏] ابن الانسان» سيكون مثل «ايام نوح» التي بلغت الذروة في الطوفان.‏ ونوح كان يبني الفلك ويحذّر الاشرار طوال عقود قبلما اتى الطوفان ومحا ذلك النظام العالمي الفاسد.‏ اذًا،‏ على نحو مماثل،‏ يدوم حضور المسيح غير المنظور طوال فترة من العقود قبل ان يبلغ ايضا الذروة في الدمار العظيم.‏

      ٧ (‏أ)‏ ماذا يبرهن ان الـ‍ پارُوسيا ليس منظورا للاعين البشرية؟‏ (‏ب)‏ كيف ومتى تتمّ الآيات التي تصف رجوع المسيح بصفته منظورا لـ‍ «كل عين»؟‏

      ٧ لا شك ان الـ‍ پارُوسيا ليس منظورا حرفيا للاعين البشرية.‏ فلو كان كذلك،‏ لماذا صرف يسوع وقتا كثيرا الى هذا الحد،‏ كما سنرى،‏ يعطي أتباعه علامة تساعدهم على تمييز هذا الحضور؟‏a غير انه عندما يأتي المسيح ليدمّر نظام الشيطان العالمي،‏ ستكون حقيقة حضوره ظاهرة بشكل ساحق للجميع.‏ وعندئذ «ستنظره كل عين.‏» وحتى خصوم يسوع سيتمكنون من التمييز،‏ لرعبهم،‏ ان حكم المسيح حقيقي.‏ —‏ انظروا متى ٢٤:‏٣٠؛‏ ٢ تسالونيكي ٢:‏٨؛‏ رؤيا ١:‏٥،‏ ٦‏.‏

      متى يبدأ؟‏

      ٨ اية حادثة تسم بداية حضور المسيح،‏ وأين حدث ذلك؟‏

      ٨ يبدأ حضور المسيَّا بحادثة تتمّم محورا متكررا للنبوات المسيَّانية.‏ فهو متوَّج ملكا في السماء.‏ (‏٢ صموئيل ٧:‏١٢-‏١٦؛‏ اشعياء ٩:‏٦،‏ ٧؛‏ حزقيال ٢١:‏٢٦،‏ ٢٧‏)‏ ويسوع نفسه اظهر ان حضوره سيكون مرتبطا بملْكه.‏ ففي ايضاحات متعددة،‏ شبَّه نفسه بسيد يترك بيته وعبيده وراءه،‏ مسافرا لمدة طويلة الى «كورة بعيدة» حيث يتسلم «ملْكا.‏» وقد اعطى واحدا من مثل هذه الايضاحات كجزء من ردّه على سؤال رسله عن وقت بداية الـ‍ پارُوسيا الذي له؛‏ وأعطى آخر لأنهم «كانوا يظنون ان ملكوت اللّٰه عتيد ان يظهر في الحال.‏» (‏لوقا ١٩:‏١١،‏ ١٢،‏ ١٥؛‏ متى ٢٤:‏٣؛‏ ٢٥:‏١٤،‏ ١٩‏)‏ ولذلك،‏ في خلال زمنه على الارض كانسان،‏ كان تتويجه لا يزال بعيدا،‏ ليحدث في ‹الكورة البعيدة› للسماء.‏ فمتى كان سيحدث؟‏

      ٩،‏ ١٠ اي دليل هنالك على ان المسيح يحكم حاليا في السماء،‏ ومتى بدأ حكمه؟‏

      ٩ عندما سأل يسوعَ تلاميذُه:‏ «ما هي علامة (‏حضورك واختتام نظام الاشياء)‏،‏» اجاب يسوع بإعطائهم وصفا مفصَّلا لذلك الوقت المقبل.‏ (‏متى،‏ الاصحاح ٢٤؛‏ مرقس،‏ الاصحاح ١٣؛‏ لوقا،‏ الاصحاح ٢١‏؛‏ انظروا ايضا ٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥؛‏ رؤيا،‏ الاصحاح ٦‏.‏)‏ وهذه العلامة تُعتبر بمثابة صورة مفصَّلة لعصر مضطرب.‏ انه وقت تسمه الحروب الاممية،‏ الجريمة المتزايدة،‏ تدهور الحياة العائلية،‏ الاوبئة المَرَضية،‏ المجاعات،‏ والزلازل —‏ لا كمشاكل محلية وانما كأزمات تطوّق الكرة الارضية.‏ فهل يبدو ذلك مألوفا؟‏ كل يوم يمرّ يؤكد ان القرن الـ‍ ٢٠ يلائم تماما وصف يسوع.‏

      ١٠ ويوافق المؤرخون على ان السنة ١٩١٤ كانت نقطة تحوّل في التاريخ البشري،‏ سنة محورية بعدها بدأ كثير من هذه المشاكل يخرج عن السيطرة،‏ متصاعدا على نطاق عالمي.‏ نعم،‏ ان حوادث العالم المادية اتماما لنبوة الكتاب المقدس تشير جميعها الى السنة ١٩١٤ بصفتها السنة التي بدأ فيها يسوع يحكم ملكا في السماء.‏ وأكثر من ذلك،‏ تزوّد النبوة في دانيال الاصحاح ٤ دليلا زمنيا يقودنا الى السنة عينها تماما —‏ ١٩١٤ —‏ بصفتها الوقت الذي يبدأ فيه مَلك يهوه المعيَّن حكمه.‏b

      لماذا وقت الاضطراب؟‏

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ لماذا يصعب على البعض ان يؤمنوا بأن المسيح يحكم الآن في السماء؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكن ان نوضح ما حدث بعدما تُوِّج يسوع ملكا؟‏

      ١١ ولكنَّ البعض يتساءلون،‏ ‹لماذا العالم مضطرب الى هذا الحد اذا كان المسيَّا يحكم في السماء؟‏ هل حكمه غير فعّال؟‏› ان الايضاح قد يساعد.‏ بلد يحكمه رئيس شرير.‏ وقد اقام نظاما فاسدا ذا مجسّات تمتد الى كل زاوية من البلد.‏ ولكن يُجرى انتخاب؛‏ فيفوز الرجل الصالح.‏ فماذا يحدث الآن؟‏ كما هي الحال في بعض البلدان الديمقراطية،‏ تتبع ذلك فترة انتقالية لبضعة شهور قبل ان يتولى الرئيس الجديد السلطة.‏ وكيف يعمل هذان الرجلان خلال فترة كهذه؟‏ هل يهاجم ويزيل الرجل الصالح فورا كل الشرور التي صنعها سلفه في كل انحاء البلد؟‏ ألا يركّز،‏ بدلا من ذلك،‏ على المدينة العاصمة اولا،‏ مقيما هيئة مستشارين جديدة وقاطعا العلاقات مع الاصدقاء الاحمّاء والأتباع المعْوَجّين للرئيس السابق؟‏ بهذه الطريقة،‏ عندما يأتي الى السلطة الكاملة،‏ يمكنه ان يعمل انطلاقا من مركز قوة فعّال نظيف.‏ أما الرئيس الفاسد،‏ أفلا يستغل الوقت القصير الذي بقي لديه لينتزع من البلد كل الارباح غير الشرعية التي يستطيع انتزاعها قبل ان يفقد كل السلطة؟‏

      ١٢ في الواقع،‏ ان الامر مماثل في ما يتعلق بـ‍ پارُوسيا المسيح.‏ فالرؤيا ١٢:‏٧-‏١٢ تُظهر انه عندما جُعل المسيح ملكا في السماء،‏ طرح اولا الشيطان والابالسة من السماء،‏ منظّفا بالتالي موقع حكومته.‏ واذ عانى هذه الهزيمة المنتظَرة طويلا،‏ كيف يتصرف الشيطان في خلال ‹الزمان القليل› قبل ان يمارس المسيح سلطته الكاملة هنا على الارض؟‏ مثل ذلك الرئيس الفاسد،‏ يحاول ان يحصل على كل شيء يستطيع الحصول عليه من هذا النظام القديم.‏ وهو لا يريد مالا بل أتباعا.‏ ويريد ان يُبعد قدر ما يستطيع من الناس عن يهوه ومَلكه الحاكم.‏

      ١٣ كيف تُظهر الاسفار المقدسة ان بداية حكم المسيح ستكون وقتا مضطربا هنا على الارض؟‏

      ١٣ اذًا،‏ لا عجب انّ بداية حكم المسيَّا تعني وقت «ويل لساكني الارض.‏» (‏رؤيا ١٢:‏١٢‏)‏ وبشكل مماثل،‏ يُظهر المزمور ١١٠:‏١،‏ ٢،‏ ٦ ان المسيَّا يبدأ حكمه ‹في وسط اعدائه.‏› إلا انه في وقت لاحق يسحق «الامم،‏» مع كل وجه لنظام الشيطان الفاسد،‏ جاعلا اياهم في طيّ النسيان.‏

      عندما يحكم المسيح الارض

      ١٤ ماذا سيكون المسيَّا قادرا على فعله بعدما يدمّر نظام اشياء الشيطان الشرير؟‏

      ١٤ بعدما يدمّر نظام الشيطان وكل الذين يدعمونه،‏ سيكون الملك المسيَّاني،‏ يسوع المسيح،‏ اخيرا قادرا على اتمام نبوات الكتاب المقدس الرائعة التي تصف حكمه الالفي.‏ وتساعدنا اشعياء ١١:‏١-‏١٠ ان نرى ايّ نوع من الحكام سيكون عليه المسيَّا.‏ فيخبرنا العدد ٢ انه سيكون لديه «روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة.‏»‏

      ١٥ ماذا سيعني ‹روح القوة› في الحكم المسيَّاني؟‏

      ١٥ تأملوا في ما سيعنيه ‹روح القوة› في حكم يسوع.‏ فعندما كان على الارض،‏ كانت لديه درجة من القوة من يهوه،‏ ممكّنة اياه من انجاز العجائب.‏ وقد اظهر رغبة قلبية في مساعدة الناس،‏ اذ قال:‏ «اريد.‏» (‏متى ٨:‏٣‏)‏ لكنَّ عجائبه في تلك الايام كانت مجرد لمحة مسبقة لما سيفعله عندما يحكم من السماء.‏ فيسوع سيعمل العجائب على نطاق عالمي!‏ والناس المرضى،‏ العمي،‏ الصمّ،‏ الجُدْع،‏ والعرج سيُشفون الى الابد.‏ (‏اشعياء ٣٥:‏٥،‏ ٦‏)‏ ووفرة الطعام،‏ اذ توزَّع بعدل،‏ ستُنهي الجوع الى الابد.‏ (‏مزمور ٧٢:‏١٦‏)‏ وماذا عن الملايين التي لا تُحصى الموجودة في القبور التي يسرّ اللّٰه بتذكّرها؟‏ ستتضمن «قوة» يسوع السلطة لاقامتهم،‏ معطية اياهم الفرصة للعيش الى الابد في الفردوس.‏ (‏يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ ومع ذلك،‏ حتى بكل هذه القوة،‏ سيبقى الملك المسيَّاني دائما متواضعا الى حد بعيد.‏ فهو يجد «لذة .‏ .‏ .‏ في مخافة الرب.‏» —‏ اشعياء ١١:‏٣‏.‏

      ١٦ اي نوع من القضاة سيكون الملك المسيَّاني،‏ وكيف يتباين ذلك مع سجل القضاة البشر؟‏

      ١٦ وهذا الملك سيكون قاضيا كاملا.‏ فهو «لا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه.‏» فأيّ قاضٍ بشري،‏ في الماضي او الحاضر،‏ يمكن وصفه على هذا النحو؟‏ وحتى الانسان السديد الرأي يمكن ان يقضي فقط بحسب ما يراه ويسمعه،‏ مستخدما اية حكمة او فطنة يملكها.‏ وهكذا،‏ يمكن ان يتأثر او يتشوش ذهن القضاة وهيئات المحلَّفين لهذا العالم القديم بالسَّفْسطة الحاذقة،‏ تهريج قاعات المحاكم،‏ او الادلة المتضاربة.‏ ولا يستطيع غالبا إلا الغني والقوي ان يتحمل تكاليف دفاع فعّال،‏ مشتريا العدل في الواقع.‏ لكنَّ الامر ليس كذلك في ظل القاضي المسيَّاني.‏ فهو يقرأ القلوب.‏ ولا شيء يفلت من ملاحظته.‏ والعدل،‏ الملطَّف بالمحبة والرحمة،‏ لن يكون للبيع.‏ وهو سيسود دائما.‏ —‏ اشعياء ١١:‏٣-‏٥‏.‏

      كيف يؤثر حكمه فيكم

      ١٧،‏ ١٨ (‏أ)‏ اية صورة زاهية لمستقبل الجنس البشري مرسومة في اشعياء ١١:‏٦-‏٩‏؟‏ (‏ب)‏ على مَن تنطبق هذه النبوة بشكل رئيسي،‏ ولماذا ذلك؟‏ (‏ج)‏ كيف سيكون لهذه النبوة اتمام حرفي؟‏

      ١٧ من المفهوم ان حكم المسيَّا له تأثير عميق في رعاياه.‏ فهو يغيّر الناس.‏ واشعياء ١١:‏٦-‏٩ تُظهر الى ايّ حد شاملة هي هذه التغييرات.‏ فهذه النبوة ترسم صورة مؤثرة لحيوانات مفترسة خطرة —‏ دببة،‏ ذئاب،‏ نمور،‏ اسود،‏ أصلال —‏ ترافق حيوانات أليفة غير مؤذية وحتى اطفالا.‏ لكنَّ هذه الحيوانات المفترسة لا تشكّل ايّ خطر.‏ ولماذا؟‏ يجيب العدد ٩‏:‏ «لا يسوؤون ولا يُفسدون في كل جبل قدسي لأن الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر.‏»‏

      ١٨ طبعا،‏ ان «معرفة الرب» لا يمكن ان تؤثر في الحيوانات الحرفية؛‏ ولذلك فإن هذه الاعداد لا بد ان تنطبق بشكل رئيسي على الناس.‏ فحكم المسيَّا يرعى برنامجا تعليميا عالميا،‏ معلّما الناس عن يهوه وطرقه،‏ معلّما الجميع ان يتعاملوا مع رفيقهم الانسان بمحبة،‏ احترام،‏ وكرامة.‏ وفي الفردوس القادم،‏ سيرفع المسيَّا الجنس البشري عجائبيا الى الكمال الجسدي والادبي.‏ والسمات الحيوانية العنيفة التي تشوّه الطبيعة البشرية ستمضي.‏ وبمعنى حرفي ايضا سيكون الجنس البشري في سلام مع الحيوانات —‏ اخيرا!‏ —‏ قارنوا تكوين ١:‏٢٨‏.‏

      ١٩ كيف يؤثر حكم المسيَّا في حياة الناس في الايام الاخيرة هذه؟‏

      ١٩ ولكن تذكَّروا ان المسيَّا يحكم الآن.‏ وحتى الآن يتعلم رعايا ملكوته العيش معا بسلام،‏ متمّمين اشعياء ١١:‏٦-‏٩ بمعنى واحد.‏ وأكثر من ذلك،‏ يتمّم يسوع،‏ طوال ٨٠ سنة تقريبا،‏ اشعياء ١١:‏١٠‏:‏ «يكون في ذلك اليوم ان اصل يسَّى القائم راية للشعوب اياه تطلب الامم ويكون محله مجدا.‏» فالناس من كل امة يطلبون المسيَّا.‏ ولماذا؟‏ لأنه منذ بدأ يحكم،‏ «قائم راية للشعوب.‏» وهو يجعل حضوره معروفا في كل العالم بواسطة البرنامج التعليمي الواسع الموصوف آنفا.‏ وفي الواقع،‏ انبأ يسوع مسبقا بأن عملا كرازيا عالميا سيكون علامة بارزة لحضوره قبل نهاية النظام القديم هذا.‏ —‏ متى ٢٤:‏١٤‏.‏

      ٢٠ اي موقف يجب ان يتجنبه كل رعايا حكم المسيَّا،‏ ولماذا؟‏

      ٢٠ ولذلك فإن حضور المسيح في السلطة الملكية ليس امرا نظريا مستبعَدا،‏ مجرد موضوع مناظرة فكرية بين اللاهوتيين.‏ فحكمه يؤثر في الحياة ويغيّرها هنا على الارض،‏ كما انبأ اشعياء مسبقا بأنه سيفعل.‏ ويسوع اخرج الملايين من رعايا ملكوته من النظام العالمي الفاسد هذا.‏ فهل انتم واحد من امثال هؤلاء الرعايا؟‏ اذًا اخدموا بكل حماسة وفرح يستحقهما حاكمنا!‏ ومن المسلَّم به انه من السهل جدا ان نكلّ،‏ ان ننضم الى صرخة العالم الساخرة:‏ «اين هو موعد (‏حضوره)‏.‏» (‏٢ بطرس ٣:‏٤‏)‏ ولكن كما قال يسوع نفسه،‏ «الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص.‏» —‏ متى ٢٤:‏١٣‏.‏

      ٢١ كيف يمكن ان نعزّز جميعنا تقديرنا للرجاء المسيَّاني؟‏

      ٢١ ان كل يوم يمرّ يقرّبنا اكثر الى اليوم العظيم الذي سيوجّه فيه يهوه ابنه ليجعل حضوره ظاهرا للعالم اجمع.‏ فلا تدعوا رجاءكم بذلك اليوم يبهت.‏ تأملوا في مسيَّانية يسوع وصفاته كملك حاكم.‏ وفكّروا ايضا بعمق في يهوه اللّٰه،‏ المصدر والعقل الموجّه للرجاء المسيَّاني المذكور في الكتاب المقدس.‏ واذ تفعلون ذلك،‏ لا شك انكم ستشعرون اكثر فأكثر كما شعر الرسول بولس عندما كتب:‏ «يا لعمق غنى اللّٰه وحكمته وعلمه.‏» —‏ رومية ١١:‏٣٣‏.‏

      ‏[الحاشيتان]‏

      a قديما في السنة ١٨٦٤ عبّر اللاهوتي ر.‏ ڠوڤِت عن ذلك على هذا النحو:‏ «يبدو ذلك لي حاسما جدا.‏ فإعطاء علامة للحضور يُظهر انه خفي.‏ فنحن لا نحتاج الى اشارة تعلن لنا حضور ما نراه.‏»‏

      b من اجل التفاصيل،‏ انظروا الكتاب ‏«ليأت ملكوتك،‏»‏ الصفحات ١٣٢-‏١٣٨.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة