-
‹الكرازة بالانجيل› من خلال العمل الاجتماعيبرج المراقبة ١٩٨٧ | ١ آب (اغسطس)
-
-
‹الكرازة بالانجيل› من خلال العمل الاجتماعي
كيو تونغ، شاب بوذي من هونغ كونغ، تلقى تعليما جامعيا. هسيو يينغ، أُم في تايوان، وجدت معالجة لازمة جدا لمرض ابنها الخطِر. فما هو الشيء المشترك بين هاتين الحادثتين اللتين تبدوان غير مرتبطتين معا؟
كان التعليم الجامعي على نحو طبيعي مستحيلا على كيو تونغ. ولكن، من خلال الكنيسة التي ينتمي اليها، فُتحت له الابواب. وعلى نحو مماثل، كانت الاجراءات الطبية المعقَّدة التي احتاج اليها ابن هسيو يينغ متوافرة فقط في المستشفى الذي تملكه الكنيسة في منطقتها. ومرة ثانية، من خلال العلاقات بالكنيسة حُلَّت المشكلة.
ان روايتي كيو تونغ وهسيو يينغ ليستا غير عاديتين على الاطلاق. فآلاف الناس في البلدان النامية أُتي بهم الى المدارس والمستشفيات ودور الايتام والمؤسسات الاجتماعية الاخرى التي تديرها الكنائس. وبهذه الطريقة نالوا فائدة مادية كبيرة لانفسهم. وفي المُضِيّ قُدُما، بالانضمام الى الكنيسة، ساعد كثيرون منهم على زيادة لوائح العضوية لدى الكنيسة.
ممارسة ذات تاريخ طويل
طبعا، ان مدارس ومستشفيات الكنيسة ليست حديثة. وفي الواقع، منذ الايام الباكرة عندما أُوفد المرسَلون الى ما سمّاه البعض البلدان الوثنية العدائية، يُنظر الى المدارس والمستشفيات بصفتها الوسيلة الاكثر فعالية للتمكن من الذهاب الى مقاطعات جديدة وربح ثقة وصداقة الجمهور المحلي.
مثلا، في وصف الحالة في الهند في وقت مبكر من القرن الـ ١٩، يقول كتاب «تسعة عشر قرنا من الارساليات» (١٨٩٩): «ان المرسَلين ليسوا فقط منهمكين جديا في العمل التبشيري لكنهم يعملون ايضا بنجاح ملحوظ في العمل التعليمي والطبي وعمل الحريم.» والنتيجة؟ «لكل ارسالية مدارسها النهارية، مدارس صناعية وداخلية، مدرسة ثانوية او كليّة، وفي كل حالة تقريبا معهد لاهوتي.»
واذ يعلّق على دور العمل الطبي في «المؤسسة الارسالية» يتابع الكتاب: «الطبيب دائما مرحَّب به، والراحة من الالم الجسدي التي تُعطى لا توحي بالثقة بالطبيب فحسب، بل غالبا ما يتبعها الايمان بالدين الذي يعلِّم به. وغالبا ما تجري قيادة قرى بكاملها نتيجة المعالجة الطبية الى التخلي عن الصنمية ونيل الارشاد المسيحي.»
انّ ما صحّ في الهند صحّ ايضا في بلدان اخرى من الشرق الاقصى واميركا الجنوبية وافريقيا. وفكرة الكرازة بالانجيل من خلال الوسائل الاجتماعية كانت قد انتشرت. والجمعيات الارسالية الاوروبية والاميركية، الكاثوليكية والبروتستانتية على حد سواء، أَوفدت فعلة الى تلك المناطق وأسست ارسالياتها مع مدارسها ومستشفياتها ومؤسساتها الاخرى. والكثير من ذلك برهن انه ناجح جدا في اجتذاب الشعب المحلي حتى ان مثل هذا العمل الاجتماعي سرعان ما اصبح جزءا مكمِّلا للعمل الارسالي الخارجي الذي ترعاه الكنائس.
وعلى مر السنين نمت هذه المؤسسات التي تديرها الكنائس لتشغل مكانا هاما جدا في المجتمعات المحلية. فمدارسها وجامعاتها غالبا ما تكون المعاهد الاكثر اعتبارا ورواجا للتعليم العالي. وبصورة عامة، تكون مستشفياتها الافضل تجهيزا والاحدث. وفي مناطق كثيرة، حيث تضغط المشاكل الاجتماعية الشاملة على الحكومات بشدة، يجري الترحيب بها ان لم يجرِ اكرامها ايضا.
ولا شك ان الخدمات التي يزوّدها برنامج كهذا قد انتجت الخير الكثير للمجتمعات التي خُدمت على هذا النحو. فالمدارس والجامعات التي تديرها الكنائس زوَّدت آلاف التلاميذ حرفيا بتعليم كان يمكن ان يُحرموا اياه بطريقة اخرى. ومثل هذه المستشفيات والخدمات الصحية جلبت الراحة لأعداد لا تحصى من الناس في مناطق بعيدة ومتخلِّفة. والعمل الخيِّر لألبرت شفايتزر و «الام» تيريزا، مثلا، جعلهما معروفين عالميا وكلاهما ربحا جائزة نوبل للسلام.
ومن ناحية اخرى، لا بد ان يسأل المرء: هل انجز الانجيل الاجتماعي هدفه حقا؟ وهل صنع مسيحيين حقيقيين من اولئك الذين استفادوا من الاعمال الخيرية؟ هل اعطى الناس ايمانا ورجاء حقيقيين؟ والاهم من ذلك، لا بد ان نسأل: هل هذا ما كان يسوع يفكر فيه عندما اعطى أتباعه المهمة ان ‹يكرزوا بالانجيل في كل العالم›؟ — متى ٢٤:١٤، ترجمة الملك جيمس.
-
-
الخدمة الاجتماعية — كيف تؤثر في الناسبرج المراقبة ١٩٨٧ | ١ آب (اغسطس)
-
-
الخدمة الاجتماعية — كيف تؤثر في الناس
ابتداء من مجرد خمسة ارغفة من الشعير وسمكتين صغيرتين اطعم يسوع المسيح بصورة عجائبية ٠٠٠،٥ رجل وامرأة وولد نحو وقت الفصح (آذار-نيسان) سنة ٣٢ بم. (متى ١٤:١٤-٢١، يوحنا ٦:١-١٣) واذ ادركوا القوة الهائلة التي يملكها يسوع اراد الشعب ان يجعلوه ملكا لهم. وربما شعروا بأنه كان سينقذهم من النير الروماني ويحسِّن نصيبهم في الحياة. فماذا كان تجاوب يسوع؟
عوضا عن الاذعان لطلب الشعب فان يسوع «انصرف ايضا الى الجبل وحده.» (يوحنا ٦:١٥) ولكنّ الجمع لم يستسلموا بسهولة. فجاءوا اليه من جديد في اليوم التالي. واذ اكتشف دافعهم الخفي قال لهم يسوع: «انتم تطلبونني ليس لانكم رأيتم آيات بل لانكم اكلتم من الخبز فشبعتم.» ثم اضاف: «اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الابدية.» — يوحنا ٦:٢٥-٢٧.
ماذا يمكن ان نتعلم من هذه الرواية؟ تُظهر بوضوح، بين امور اخرى، انه بالفوائد المادية من السهل نسبيا اجتذاب الناس. ولكنّ بناء التقدير الحقيقي للامور الروحية — الامور ذات القيمة الدائمة — هو قضية مختلفة كليا. والميل اليوم الى النظر الى الامور من وجهة نظر مادية بحتة هو اكبر ايضا.
الجاذبية القوية للخدمة الاجتماعية
في اعين شعوب البلدان النامية تمثل دول الغرب المتقدمة جميع الفرص والفوائد المادية التي يمكن ان يرغب فيها المرء — الفرص غير المتوافرة في بلدهم. فالازدهار موضع حسد، ونمط الحياة موضع تنافس. وفرصة التعليم العالي توضع عمليا امام كل تلميذ كجواز سفر الى التقدم والنجاح. وتجاه خلفية كهذه ليس من الصعب ان نفهم لماذا يكون للبرامج الاجتماعية للكنائس الاجنبية مثل هذه الجاذبية في هذه البلدان. ولكن ما هي النتائج؟
في الشرق، مثلا، ان رغبة الناس في فعل ايّ شيء تطلبه الكنائس لكي يستأهلوا الهبات او الحسنات انشأت العبارة الازدرائية «مسيحيو الأرُزّ.» والجزء المحزن اكثر، طبعا، هو انه عندما تتوقف مثل هذه الاعانة او الدعم يتوقف كذلك اهتمام الناس. وكثيرون من مسيحيي الأرُزّ يغيبون تماما عن الانظار. وهكذا، بين سكان كانتون، هنالك قول شائع يُترجم الى شيء كهذا: «اللّٰه يحب العالم، ولكنّ العالم يحب الحليب المجفَّف.»
ورغم ان اكثر الفرق الكنسية لم تعد تقوم ببرامج اغاثة، ربما باستثناء اوقات الكوارث، لكنّ ما حدث في الماضي ترك اثره. وبالنسبة الى كثيرين من الشرقيين فان الكنائس مرادفة للجمعيات الخيرية، والسبب الوحيد للذهاب الى الكنيسة هو الاخذ لا العطاء. فهم لا يرون اية حاجة الى القيام بأية تضحية شخصية من اجل الكنيسة. ويَظهر هذا الموقف، مثلا، في امتناعهم عن التبرع لمطبوعات الكتاب المقدس لانه، في رأيهم، يجب ان يكون ما تنتجه الكنيسة مجانيا.
واستخدام الكنيسة كوسيلةٍ لغايةٍ يُرى باكثر سهولة في حقل التعليم. ففي كثير من البلدان النامية يجري النظر الى نيل تعليم ذي نمط غربي كطريق اكيد الى الشهرة والنجاح. ووفق احد المصادر، في الوقت الذي نالت فيه الهند الاستقلال عن بريطانيا، كان ٨٥ في المئة من اعضاء برلمان تلك الامة قد حضروا «المدارس المسيحية.» وبحسب المثُل الكونفوشيانية، في الشرق الاقصى، فان كون المرء متعلما جيدا هو احد الاهداف الاسمى في الحياة. وبصورة طبيعية ينظر كثيرون الى مدارس الكنيسة، التي تَستخدم بصورة عامة المناهج والمقاييس الغربية، كوسيلة للتقدم الذاتي. واذ يأملون ارسال اولادهم الى احدى المدارس التي تديرها الكنيسة، وربما الى الخارج لاحقا، فان كثيرين من الآباء الشرقيين الذين يتبعون عادة الاديان التقليدية يذهبون هم انفسهم بسرور الى الكنيسة ويحثون اولادهم على الامر عينه.
ما هو الثمر
بالمقارنة مع الكنائس في الموطن يجري حضور الكنائس الارسالية عادة جيدا. وهكذا يطَّلع اناس كثيرون على التعاليم الكنسية وعلى شيء من مفهوم المسيحية. ولكن هل ساعدهم هذا الكشف على فهم الكتاب المقدس ورسالته؟ وهل جعلهم حقا مسيحيين، اي أتباعا ليسوع المسيح؟
خذوا، مثلا، كيو تونغ، الشاب الذي ذُكر آنفا. فعندما سُئل عما اذا كان الآن يؤمن باللّٰه بعد ان حضر الكنيسة لبعض الوقت اجاب: «كلا. فالبرهان على ان اللّٰه موجود لم تجر مناقشته قط.» وفي الواقع، اعترف انه ليس متيقنا بما اذا كان احد من اصدقائه يؤمن باله شخصي، رغم انهم كانوا يحضرون الكنيسة معه. وقال انهم ذهبوا معا فقط من اجل فرصة تعلم الانكليزية.
وثمة شاب آخر جاء من الكليّة في الولايات المتحدة الى موطنه لقضاء العطلة. وعندما زاره احد شهود يهوه سأل عما اذا كان الشهود يعقدون اجتماعاتهم بالانكليزية. ولماذا؟ «لكي اتمكن من المحافظة على لغتي الانكليزية،» قال. وعندما أُخبر بأن الاجتماعات كانت تعقد باللغة المحلية ليتمكن الجميع من الاستفادة روحيا قال الشاب انه سيذهب الى حيث تُعقد الاجتماعات الانكليزية مرتين في الاسبوع.
وحتى اولئك الذين صاروا اعضاء كنسيين واعتمدوا يُظهرون تغييرا بسيطا في وجهة نظرهم. وكثيرون منهم لا يزالون يتمسكون بمعتقداتهم او ممارساتهم السابقة، وغالبا برضى، ان لم يكن ايضا ببركة، من كنيستهم. ففي الصين، مثلا، يُسمح للكاثوليك بالاستمرار في عبادة اسلافهم، رغم ان ذلك محظور في اماكن اخرى. والصفائح التي تلتمس بركة اله الابواب غالبا ما تُشاهد في مداخل البيوت «المسيحية.» وفي اوكيناوا توضع الرسوم الحيوانية لآلهة البلد في زوايا السطوح لحماية العائلة.
وماذا عن اولئك الذين استفادوا من البرامج الكنسية؟ ففي امنهم المالي والمادي الحديث ليس من غير المألوف سماعهم يقولون ان الحل لمشاكل اليوم هو الاتكال على الذات. والنتيجة هي ان كثيرين منهم إما عزلوا انفسهم كليا عن ايّ تورط كنسي او، في احسن الاحوال، ابقوا انفسهم على مسافة كبيرة.
ان مرسلي الكنائس قد حصلوا على فرص جيدة كثيرة لارشاد الناس الى ما يعلِّمه الكتاب المقدس. ولكن عوضا عن تعليمهم ان يتبعوا نصح يسوع: «لكن اطلبوا اولا ملكوت اللّٰه وبرّه وهذه (الامور الاخرى) كلها تزاد لكم،» شددوا على «(الامور الاخرى).» (متى ٦:٣٣) ومن خلال برامجهم الاجتماعية فعلوا الكثير لمساعدة الناس جسديا وطبيا وتعليميا، ولكنّ الفوائد هي بصورة رئيسية من النوع الوقتي. فدون تزويد وجهة نظر روحية كثيرا ما تصبح هذه البرامج مجرد حافز الى الكفاح من اجل مزيد من الفوائد الوقتية او العالمية.
تبدأ الكنائس بالكرازة بالانجيل. ولكنّ ما نتج في حالات كثيرة هو ترويج طريقة الحياة الغربية المادية. نعم، لقد ربحوا اهتداءات كثيرة. ولكن، كما رأينا، صار كثيرون من هؤلاء ذوي ميل عالمي ومادي اكثر مما مضى. وفي ايام يسوع قال عن القادة الدينيين: «تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا. ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا.» (متى ٢٣:١٥) وبهذا المعنى فان جهد العالم المسيحي في الكرازة بالانجيل من خلال الوسائل الاجتماعية قد اعطى نتائج معاكسة. لقد قصَّر كثيرا عن بلوغ المهمة العظيمة المعطاة من يسوع المسيح: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم. . . وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.» — متى ٢٨:١٩، ٢٠.
-