مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • المرسَلون —‏ ماذا يجب ان يكونوا؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٤ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٨
    • المرسَلون —‏ ماذا يجب ان يكونوا؟‏

      يمكن للكلمة «مرسَل» ان تثير انفعالات قوية.‏ فهي تبعث شعورا بالإعجاب في بعض الاشخاص،‏ اذ تذكِّرهم بأفراد مثل الأم تيريزا او ألبرت شڤايتْزر الراحل.‏

      وبالتباين،‏ يتجاوب آخرون بعدم اكتراث،‏ باشمئزاز،‏ او حتى بغضب عندما يُتطرَّق الى موضوع المرسَلين.‏ فهذه الكلمة توحي اليهم بالتأثير الماكر في عقول الناس وتستحضر في ذهنهم صوَر الاستعمار.‏

      ان السؤال الذي من الملائم طرحه بخصوص المرسَلين هو:‏ هل كانوا ادوات لنشر النور ام الظلمة؟‏

      ما هو المرسَل؟‏

      يجري تعريف المرسَل بأنه «شخص يُرسَل لتولِّي مهمة،‏» وبكلمات اخرى،‏ يُرسَل لتولِّي «خدمة دينية بتكليف من هيئة دينية لنشر معتقداتها او لتأدية عمل انساني.‏»‏

      وقد زوَّد يسوع المسيح الاساس للعمل الارسالي المسيحي عندما امر أتباعه:‏ «اذهبوا وتلمذوا جميع الامم.‏» ويتطلَّب ذلك الكرازة بالرسالة المسيحية في العالم كله.‏ —‏ متى ٢٨:‏١٩‏.‏

      ويسوع نفسه كان مرسَلا،‏ اذ ارسله ابوه يهوه من السماء الى تعيين اجنبي،‏ الارض.‏ (‏فيلبي ٢:‏٥-‏٨‏)‏ ومنطقيا،‏ يجب ان يتَّبع المرسَل المسيحي بدقة المثال الذي رسمه يسوع المسيح.‏ وكان الرسول بولس احد المرسَلين في القرن الاول الذين فعلوا ذلك تماما،‏ وقد صار مثالا يُحتذى للمرسَلين المسيحيين اللاحقين.‏ —‏ ١ كورنثوس ١١:‏١‏.‏

      ومع ان يسوع تعاطف مع البشرية المبتلاة بالمشاكل الاجتماعية،‏ لم يعطِ الاولوية لحلِّها عندما كان على الارض.‏ فكان فعْل ذلك سيجلب في احسن الاحوال راحة وقتية فقط.‏ (‏يوحنا ٦:‏٢٦،‏ ٢٧؛‏ ١٢:‏٨‏)‏ لقد كان هنالك شيء آخر اهم.‏ قال يسوع لبيلاطس:‏ «لهذا قد وُلدتُ انا ولهذا قد اتيت الى العالم لأشهد للحق.‏» ولا نبالغ ابدا مهما شدَّدنا على قيمة امتلاك معرفة كهذه للحق،‏ كما قال يسوع في صلاته في وقت سابق:‏ «هذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.‏» —‏ يوحنا ١٧:‏٣؛‏ ١٨:‏٣٧‏.‏

      فهل بلغ مرسَلو العالم المسيحي مستوى المثال الذي رسمه يسوع؟‏ هل اثبتوا انهم ادوات لنشر النور كما كان هو،‏ عاكسين نور كلمة اللّٰه التي تقود معرفتها الى الحياة الابدية؟‏ ام انهم تركوا الناس في ظلمة؟‏ يجب ان يسترعي الجواب عن هذه الاسئلة اهتمامنا جميعا،‏ لأن الثمر الذي انتجه المرسَلون المدَّعون المسيحية طوال قرون يساعدنا على تحديد هوية الدين الحقيقي والدين الباطل ايضا.‏ لذلك يسرُّ استيقظ!‏ ان تعلن انها ستغطي هذا الموضوع تغطية شاملة في أعدادها الخمسة التالية.‏

      ايّ مستوى بلغه المرسَلون؟‏

      كان للمرسَلين دور قيِّم في نشر رسالة المسيح.‏ مثلا،‏ ترجم البعض الكتاب المقدس باللغات المحلية،‏ مما مكَّن الناس من قراءته شخصيا.‏

      لكن يَظهر في ايامنا هذه ان بعض المرسَلين يشعرون بأن سدَّ الحاجات الاجتماعية يأتي قبل المساعي المبذولة في الكرازة او الترجمة.‏ ذكرت مقالة بعنوان «المرسَل الجديد» في مجلة تايم:‏ «هنالك تحوُّل بين الپروتستانت نحو انهماك اكبر في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الاساسية للناس الذين يحاول المرسَلون بلوغهم.‏» وبالنسبة الى الكاثوليك،‏ قال رئيس الارساليات اليسوعية المرسَلة من الولايات المتحدة ان مشاركة الآخرين في المعتقدات المسيحية «حلَّت في المرتبة الثانية بعد خدمة الكائنات البشرية.‏» وكما حاجَّ امين سر احدى الارساليات الكاثوليكية:‏ «في الماضي كان عندنا ما يُدعى دافع تخليص الانفس.‏ .‏ .‏ .‏ أما الآن،‏ والحمد للّٰه،‏ فنعتقد ان كل الناس وكل الاديان يعيشون حاليا في نعمة اللّٰه ومحبته وأنهم سيخلصون برحمة اللّٰه.‏»‏

      فهل يعني ذلك انه لم تعد هنالك اية حاجة الى تعليم كلمة اللّٰه كما فعل يسوع؟‏

      هل لا تزال هنالك حاجة؟‏

      في السنة ١٩٨٥ اتصلت مئات عديدة من المتطوعين بنحو ٠٠٠‏,١٨ اسرة في هامبورڠ،‏ المانيا،‏ في ما دعته احدى الصحف «عمل ارسالي جَماعي عبر الهاتف.‏» ومن الواضح ان العملية لم تثمر.‏ فقد ذكرت صحيفة الاوروپية في كانون الاول الماضي:‏ «ان الكنيسة الپروتستانتية في المانيا .‏ .‏ .‏ شهدت انخفاضا في عدد الحضور بلغ اكثر من ٠٠٠‏,٥٠٠ شخص منذ السنة ١٩٩١.‏»‏

      وليس تقلُّص الرعية امرا تنفرد به الكنائس الالمانية.‏ فملايين الاشخاص حول العالم اداروا ظهورهم للدين،‏ لأنهم لم يعودوا يعتبرونه وثيق الصلة بالحياة الواقعية في تسعينيات الـ‍ ١٩٠٠.‏ لكنَّ المعرفة عن المسيحية امر ضروري اذا اردنا ان ننجح في مساعينا للتغلب على ظلمة عالم اليوم وأن يقوِّينا الرجاءُ بعالم افضل للمستقبل.‏ ووصية يسوع بتلمذة جميع الامم هي طريقة فعَّالة لسدِّ هذه الحاجة الملحَّة.‏

      قصدَ يسوع المسيح ان يكون المرسَلون المسيحيون ادوات لنشر النور،‏ لا ادوات لنشر الظلمة.‏ فأيّ مستوى بلغه المرسَلون المسيحيون؟‏ وأيّ مثال احتذوه؟‏

      ‏[مصدر الصورة في الصفحة ٣]‏

      Culver Pictures

  • المرسَلون —‏ مَن يجب ان يرسم المثال؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٤ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٨
    • المرسَلون —‏ مَن يجب ان يرسم المثال؟‏

      قبل ان يوصي يسوع المسيح أتباعه بأن يتلمذوا،‏ كانت اديان اخرى تقوم بنشاط ارسالي غير بارز.‏ وساهم بعضها اكثر من غيره،‏ لأن الاديان لا تتَّبع كلها نهجا جامعا،‏ اي انها لا تعلِّم كلها رسالة يُعتقد انها تنطبق بالتساوي على جميع الشعوب.‏

      مثلا،‏ استنادا الى دائرة معارف الدين،‏ ان هذه النظرة الجامعة هي اقل وضوحا «في معتقدات الاديان القبلية والشنتوية،‏ وأقل ظهورا في كثير من انواع الزرادشتية،‏ الكونفوشيوسية،‏ واليهودية.‏» لقد انتشرت هذه الاديان «عن طريق هجرة الشعوب او اعتناق الجيران الاقربين التدريجي لها اكثر منه عن طريق النشاطات الارسالية المنظَّمة.‏»‏

      ‏«وتمثِّل الهندوسية حالة مميَّزة ومعقَّدة للغاية،‏» كما تضيف دائرة المعارف.‏ «ففي حين انها تشبه من نواحٍ كثيرة التقاليد غير الارسالية،‏» اذ انتشرت لمّا تبنّاها الاشخاص غير الهندوس تدريجيا،‏ الّا انها عرفت من ناحية اخرى «مراحل من النشاط الارسالي الزاخر.‏»‏

      يقول ماكس ل.‏ ستاكْهاوْس من مدرسة اندوڤر نيوتن اللاهوتية ان «الاديان الحيَّة التي تدَّعي امتلاك اكثر النظرات الجامعة والتي تعطي الدليل على اوسع غيرة ارسالية تجاوزت مكان نشوئها،‏» تشمل الاسلام والبوذية.‏ ولكن من غير الممكن ان يكون مرسَلو الاسلام قد رسموا المثال للمرسَلين المسيحيين،‏ لأن العصر الاسلامي لم يبدأ الا بعد مرور نحو ٥٩٠ سنة على وصية المسيح بالتلمذة.‏ أما البوذية،‏ من جهة اخرى،‏ فقد سبقت تأسُّس المسيحية بالفترة الزمنية نفسها تقريبا التي تلا فيها الاسلام المسيحية.‏

      مثال للانفتاح

      يدَّعي التقليد ان البوذا ابدأ حركةً ارسالية بقوله لتلاميذه:‏ «اذهبوا ايها الرهبان واكرزوا بالعقيدة النبيلة،‏ .‏ .‏ .‏ لا يمضِ اثنان منكم بالاتجاه نفسه!‏» لكنَّ الحركات الارسالية الواسعة النطاق كانت قليلة،‏ رغم انه كان للمرسَلين البوذيين وجود في اوروپا في القرن الرابع ق‌م.‏ وفي معظم الحالات انتشرت هذه الديانة عن طريق الجهد الفردي بواسطة التجار المسافرين،‏ الحجاج،‏ او الطلاب.‏ وبلغت الصينَ وأجزاءً مختلفة من جنوب شرق آسيا،‏ مثلا،‏ عبر الطرق التجارية البحرية والبرية.‏

      ويعزو اريك سُورْهيِر من جامعة لايدن في هولندا انتشارَ البوذية بشكل رئيسي الى ثلاثة عوامل.‏ اولها هو «موقف [البوذية] المنفتح من كل الاديان.‏» فقد سمح ذلك بأن تُقبل بسهولة «العقائدُ غير البوذية باعتبارها اعلانات تمهيدية وجزئية للحق» وحتى بأن تُدخَل «معبودات غير بوذية في مجموعة آلهتها.‏»‏

      والعامل الثاني هو ان المرسَلين البوذيين دخلوا في ما دُعي «حالة تشرُّد،‏» الامر الذي يعني انهم انكروا كل الاختلافات الدنيوية.‏ فبتحرُّرهم من قيود نظام الطبقات الذي رفض البوذا مغزاه الديني،‏ صار بإمكانهم مخالطة الاجانب دون خوف من النجاسة الطقسية.‏

      والعامل الثالث هو ان كتابات البوذية المقدسة لم تنحصر في لغة مقدسة معيَّنة.‏ فكان من الممكن ترجمتها بسهولة بأية لغة.‏ «في الصين خصوصا،‏» كما يذكر سُورْهيِر،‏ «كان المرسَلون الاجانب الاكثر بروزا فعَّالين كلهم كمترجمين.‏» وفي الواقع،‏ اكثرَ هؤلاء من الترجمة بحيث صارت الصينية اللغة الرئيسية الثالثة في الادب البوذي،‏ الى جانب الپاليَّة والسنسكريتية.‏

      وفي منتصف القرن الثالث ق‌م،‏ كان لحاكم الامبراطورية الهندية،‏ الملك أشوكا،‏ دور كبير في ترويج البوذية بين الناس،‏ مقوِّيا ايضا الاوجه الارسالية لهذا الدين.‏ ولكن،‏ خلال هذا العصر لما قبل المسيحية،‏ بقيت البوذية متمركزة بشكل رئيسي في الهند وفي ما يُعرف اليوم بسري لانكا.‏ ويبدو ان البوذية لم تنتشر في اندونيسيا،‏ ايران،‏ الصين،‏ ڤيتنام،‏ كوريا،‏ ماليزيا،‏ ميانمار،‏ اليابان،‏ وغيرها الّا بعد بداية العصر المسيحي.‏

      من الواضح ان مرسَلي البوذية الى الصين لم يعتقدوا انه من الخطإ تعديل دينهم لجعله مقبولا اكثر.‏ وتذكر دائرة معارف الدين ان «النصوص البوذية الرئيسية فُسِّرت تفسيرا جديدا؛‏ ووُضع ادبٌ دفاعي apologetic،‏ قصائد جديدة،‏ وقوانين وأنظمة جديدة عدَّلت وغيَّرت بالفعل اوجهَ الرسالة البوذية لكي تُطعَّم بها —‏ وفي بعض المجالات لكي تتجدَّد بواسطتها —‏ اوجهٌ من الاديان الشعبية الاصلية ومن الديانتَين الكونفوشيوسية والطاوية في ذلك البلد.‏»‏

      وفي بعض الاحيان،‏ كما ستُظهر مقالات مقبلة في هذه السلسلة،‏ احتذى مرسَلو العالم المسيحي مثال اسلافهم المرسَلين البوذيين.‏ ومع انهم ترجموا كتاباتهم المقدسة بلغات اخرى،‏ غالبا ما سمحوا،‏ او حتى روَّجوا،‏ على حدّ قول المؤرخ ول ديورانت،‏ ان «تستوعب» ممارساتهم الدينية «العقائد والطقوس الوثنية.‏»‏

      اتِّباع «ابي المرسَلين»‏

      يوضح كتاب اليهودية والبدايات المسيحية ان اليهودية لم تشجِّع على النشاط الارسالي بالمعنى نفسه كالمسيحية بل كانت دينا «غير هدائي نسبيا.‏» ومع ذلك،‏ يذكر مؤلِّف الكتاب صموئيل ساندْمل انه «كان هنالك ميل الى فعل ذلك،‏ على الاقل بشكل متقطِّع.‏»‏

      ويوضح ساندْمل انه «في الادب الربيني كثيرا ما يوصَف الأب ابرهيم بأبي المرسَلين.‏» ويحاجّ قائلا ان هذه «النظرة الى ابرهيم كمرسَل ما كانت لتنشأ بالتأكيد لو لم يكن هنالك ميل،‏ لدى بعض الافرقاء اليهودية على الاقل،‏ الى النظر بعين الرضى إما الى البحث الفعَّال عن المهتدين او على الاقل الى قبول الذين طلبوا بمبادرتهم الخاصة الاهتداء الى هذا الدين.‏»‏a

      وكما يَظهر،‏ تكثَّف النشاط الارسالي اليهودي خلال القرنين اللذين سبقا العصر الميلادي مباشرة،‏ وخصوصا في البلاد التي يتكلم سكانها اللغة اليونانية،‏ عندما بدأت الديانات الوثنية تفقد جاذبيتها.‏ واستمر هذا النشاط فترة طويلة بعد بداية العصر الميلادي،‏ لكنه حُظر في القرن الرابع ب‌م،‏ عندما تبنَّت الامبراطورية الرومانية شكلا معدَّلا للمسيحية كدين رسمي.‏

      رسم المثال

      لكنَّ المثال الذي رسمه المرسَلون اليهود لم يكن المثال الذي أُوصي المرسَلون المسيحيون باحتذائه.‏ وفي الواقع،‏ قال يسوع عن الفريسيين اليهود في زمانه:‏ «تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا.‏ ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا.‏» (‏متى ٢٣:‏١٥‏)‏ فمع انهم اعتبروا ابرهيم «ابا المرسَلين،‏» من الواضح ان المرسَلين اليهود لم يكسبوا دخيلا الى نوع الايمان الذي كان لابرهيم بيهوه اللّٰه.‏

      أما بالنسبة الى المرسَلين المسيحيين،‏ فالمثال الذي يجب احتذاؤه هو المثال الكامل الذي وضعه ابو المرسَلين الابرز،‏ يسوع المسيح.‏ فقبل ان يُصدر امره بالتلمذة،‏ ابتدأ يدرِّب تلاميذه الاولين على انجاز النشاط الارسالي العالمي الذي يشمله عمل التلمذة.‏ وبما ان ذلك كان مشروعا سيدوم قرونا طويلة،‏ ينشأ سؤال ملائم:‏ هل سيلتزم أتباع المسيح بالمثال الذي وضعه؟‏

      مع اقتراب نهاية القرن الاول الميلادي،‏ لم يكن الجواب واضحا بعد.‏ لكنَّ الامر ليس كذلك اليوم،‏ مع اقتراب القرن الـ‍ ٢٠ من نهايته.‏ فنحوُ ٩٠٠‏,١ سنة من النشاط الارسالي الماضي الذي قام به أتباع المسيح المزعومون ظاهرةٌ امامنا بشكل واضح وضوح الشمس في رائعة النهار.‏

      لقد توسعت المسيحية من مهدها في فلسطين الى العالم كله.‏ وإحدى الخطوات كانت الاتجاه غربا نحو مكدونية.‏ فاقرأوا عن ذلك في عددنا التالي.‏

      وكمثال لما فعله مرسَلو العالم المسيحي،‏ لاحظوا ما حدث طوال قرون في المكسيك.‏ وفيما انتم تقرأون الرواية التالية،‏ اسألوا نفسكم:‏ ‹هل كانوا ادوات لنشر النور ام ادوات لنشر الظلمة؟‏›‏

      ‏[الحاشية]‏

      a يقول دليل الممارسة الدينية اليهودية:‏ «يُعتبر ابرهيم ابًا لجميع المهتدين .‏ .‏ .‏ وجرت العادة ان يُدعى المهتدون ابن،‏ او ابنة،‏ ابينا ابرهيم.‏»‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      استهل يسوع العمل الارسالي المسيحي،‏ مدرِّبا أتباعه وراسما المثال الذي وجب عليهم احتذاؤه

  • محكمة التفتيش في المكسيك —‏ كيف وُجدت؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٤ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٨
    • محكمة التفتيش في المكسيك —‏ كيف وُجدت؟‏

      تخيَّل انك ماثل امام محكمة دينية تريد ان تجبرك على الايمان بما يعلِّمه ذلك الدين.‏ وأنت لا تعرف مَن يتهمك او بماذا انت متَّهم.‏ وبدلا من ان يخبروك بذلك،‏ يجبرونك على ان تقدِّم سببا لاعتقالك،‏ ان توضح ما تعتقد انه التهمة الموجَّهة اليك،‏ وأن تقول مَن هو المتَّهِم.‏

      وانتبه كيف تجيب —‏ فقد تعترف بشيء لم تُتَّهَم به فتوقع نفسك في مأزق اكبر!‏ وقد تورِّط ايضا اناسا لا علاقة لهم بالتهمة الموجهة اليك.‏

      وإذا لم تعترف،‏ فقد تُعذَّب بصبِّ كمية هائلة من الماء عنوة في حلقك،‏ او قد تُشَدُّ اكثر فأكثر يداك ورجلاك المربوطة الى طاولة تعذيب الى ان يبلغ الالم حدّا لا يطاق.‏ لقد صادرت المحكمة املاكك،‏ ويُرجَّح كثيرا ألَّا تسترجعها ابدا.‏ وكل شيء يجري سرّا.‏ وإذا وُجدتَ مذنبا،‏ فقد تُنفى من بلدك او حتى تُحرَق حيا.‏

      في القرن الـ‍ ٢٠ هذا،‏ قد يصعب عليك استيعاب فكرة حدوث اجراء ديني مريع كهذا.‏ لكن منذ عدة قرون،‏ حصلت فظائع كهذه في المكسيك.‏

      ‏«هداية» السكان الاصليين

      عندما غزا الاسپان في القرن الـ‍ ١٦ ما يُعرف اليوم بالمكسيك،‏ حصل غزو ديني ايضا.‏ فالهداية الدينية للسكان الاصليين لم تتعدَّ كونها تبديلا للتقاليد والشعائر،‏ لأن قليلين من الكهنة الكاثوليك اهتموا بتعليم الكتاب المقدس.‏ ولم يزعجوا انفسهم بتعلُّم لغة السكان الاصليين او تعليمهم اللغة اللاتينية التي كانت العقيدة الدينية متوافرة بها.‏

      واعتقد البعض انه يجب ان يتلقى الهندي تعليما دينيا كاملا.‏ لكن كان لآخرين رأي مماثل لرأي الراهب دومِنْڠو دي بيتانْسوس الذي،‏ وفقا لما ذكره ريتشارد إ.‏ ڠرينْلِيف في كتابه سُومارّاڠا ومحكمة التفتيش المكسيكية،‏ «اعتقدَ انه يجب ان يُمنع الهندي من تعلُّم اللاتينية لأن ذلك سيؤدي الى معرفته مدى جهل رجال الدين.‏»‏

      محكمة التفتيش ضد السكان الاصليين

      اذا لم يعتنق المكسيكيون الاصليون الدينَ الجديد،‏ كانوا يُعتبَرون عبدة اصنام ويُضطهَدون بقسوة.‏ مثلا،‏ جُلد احدهم علنا مئة جلدة لأنه عبد اصنامه الوثنية التي طمرها تحت صنم للعالم المسيحي متظاهرا بأنه يقوم بعمل عبادة «مسيحي.‏»‏

      ومن ناحية اخرى،‏ قام دون كارلوس اومَتوتْشتْسِين،‏ الرئيس القبلي على تِيسْكوكو وحفيد نَتْساوالْكويوتْل ملك الازتكيين،‏ بمهاجمة الكنيسة شفهيا.‏ ويذكر ڠرينْلِيف ان «دون كارلوس اغضب الكنيسة خصوصا لأنه كرز للسكان الاصليين بانغماس الرهبان في الملذات.‏»‏

      عندما علم بالامر الراهب خوان دي سُومارّاڠا،‏ احد اعضاء محكمة التفتيش في ذلك الوقت،‏ امر باعتقال دون كارلوس.‏ وبتهمة انه «هرطوقي متعصِّب لرأيه،‏» أُحرق دون كارلوس على الخشبة في ٣٠ تشرين الثاني ١٥٣٩.‏ وعوقب كثيرون من السكان الاصليين اذ اتُّهموا بالشعوذة.‏

      محكمة التفتيش ضد الاجانب

      والاجانب العائشون في المكسيك والذين رفضوا قبول الدين الكاثوليكي اتُّهموا بأنهم هرطوقيون،‏ لوثريون،‏ او مهوّدون.‏ وكانت عائلة كارْڤاجال الپرتغالية مثالا لذلك.‏ فقد اتُّهمت بممارسة الدين اليهودي،‏ وعذَّبتهم جميعهم تقريبا محكمة التفتيش.‏ والحكم التالي الذي نُطق به على واحدة من افراد هذه العائلة يعكس الواقع المرعب:‏ «احكم على المدعوة دونا ماريانا دي كارْڤاجال بأن .‏ .‏ .‏ توضع لها المخنقة garrote الى ان تموت بشكل طبيعي،‏ ثم بأن تُحرَق بنار ملتهبة الى ان تتحول الى رماد ولا يبقى ايّ ذِكْر لها.‏» وهذا ما حصل تماما.‏

      وكلما هدَّد اجنبيٌّ سلطةَ رجال الدين،‏ جُلب الى المحاكمة.‏ اتُّهم رجل يدعى دون ڠِييَن لومْبارْدو دي ڠُوسْمان بأنه يريد تحرير المكسيك.‏ لكنَّ التهمة التي قدَّمتها محكمة التفتيش لاعتقاله ومحاكمته كانت انه منجِّم وهرطوقي متعصب مُوالٍ لكالڤن.‏ وخلال فترة سجنه فقد عقله.‏ وأُحرق في النهاية حيا على الخشبة في ٦ تشرين الثاني ١٦٥٩.‏

      ويجري وصف تلك الحادثة في كتاب محكمة التفتيش والجرائم،‏ لمؤلِّفه دون أرْتيمْيو دي ڤاييه أرِيسْپيه:‏ «اخذوا يربطون المتَّهَمين،‏ ويشدّونهم الى الخشبة وطوق حديدي حول حلقهم.‏ .‏ .‏ .‏ وبدأت نيران الايمان المقدسة تشتعل مشكِّلة زوبعة حمراء وسوداء.‏ أما دون ڠِييَن .‏ .‏ .‏ فقد ترك نفسه فجأة يقع،‏ وخنقه الطوق الذي كان مشدودا حول عنقه،‏ فاختفت جثته بعد ذلك في اجيج اللهب المريع.‏ لقد ترك هذه الحياة بعد سبع عشرة سنة من الالم البطيء والمتواصل في سجون محكمة التفتيش المظلمة.‏ وأخذت النيران تخمد تدريجيا،‏ وخبا تأجُّج لهبها الاحمر،‏ وعندما انطفأت،‏ لم تبقَ الا كومة ساطعة من الجمر تتوهج في الليل.‏»‏

      انشاء «محكمة التفتيش» رسميا

      كما ذُكر آنفا،‏ عوقب كثيرون من المكسيكيين الاصليين والاجانب بالولادة،‏ وقُتل البعض لأنهم انتقدوا الدين الجديد او لم يقبلوه،‏ مما اوجد نظام تفتيش ابتكره الرهبان اولا ثم الاساقفة.‏ لكنَّ اول رئيس عام في المكسيك لمحكمة التفتيش،‏ دون پيدرو مويا دي كونتْريراس،‏ جاء من اسپانيا في السنة ١٥٧١ لينشئ رسميا محكمة التفتيش هناك.‏ وقد توقفت هذه المحكمة عن العمل في السنة ١٨٢٠.‏ وهكذا،‏ من السنة ١٥٣٩،‏ كانت هنالك ثلاثمئة سنة تقريبا من المضايقة،‏ التعذيب،‏ والموت للذين لم يشتركوا في المعتقدات الكاثوليكية.‏

      عندما يُتَّهم شخص ما،‏ كان يُعذَّب الى ان يعترف.‏ وكانت المحكمة تتوقع منه ان يتخلى عن ممارساته المعادية للكاثوليكية ويقبل معتقدات الكنيسة.‏ ولم يكن المتَّهَم يُحرَّر الا اذا اثبت براءته،‏ اذا لم تثبت ادانته،‏ او اذا اعترف وتاب في آخر الامر.‏ وفي الحالة الاخيرة،‏ كان يُقرأ علنا تصريحه بأنه يمقت الاثم الذي ارتكبه وبأنه يعِد بالتعويض عما فعله.‏ وبغضِّ النظر عن ذلك،‏ كان يخسر املاكه وتُفرض عليه غرامة باهظة.‏ وإذا وُجد مذنبا،‏ كان يُسَلَّم الى السلطات الدنيوية ليعاقَب.‏ وعموما،‏ كان ينتهي به الامر الى الحرق على الخشبة،‏ إما وهو على قيد الحياة او بعد لحظات من قتله.‏

      ولتنفيذ الاحكام علنا،‏ كان يُعقد احتفال ضخم لإحراق الهرطوقيين.‏ فكان يجري القيام بإعلان عام في كل المدينة لإعلام الجميع بيوم ومكان الالتئام.‏ وفي ذلك اليوم،‏ كان المحكوم عليهم يخرجون من سجون محكمة التفتيش لابسين سامْبَنِيتو (‏نوع من الجبب لا اكمام له)‏،‏ حاملين شمعة بين يديهم،‏ وحبل يلفّ عنقهم،‏ و كوروسا (‏قبعة مخروطية الشكل)‏ موضوعة على رؤوسهم.‏ وبعد قراءة الجرائم المرتكبة ضد الدين الكاثوليكي،‏ كان يؤمر بتنفيذ العقاب المعيَّن لكل واحد من الضحايا.‏

      بهذه الطريقة حوكم وعوقب كثيرون باسم الدين.‏ لقد كانت وحشية رجال الدين وتعصبهم واضحَين للجموع التي عاينت الضحايا يموتون على الخشبة.‏

      تعارض تام مع المسيحية

      فوَّض المسيح يسوع الى تلاميذه ان يهدوا الناس الى المسيحية الحقة.‏ فقد اوصاهم:‏ «اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.‏ وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.‏» —‏ متى ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏.‏

      لكنَّ يسوع لم يُشر قط الى انه يجب هداية الناس بالقوة،‏ بل قال:‏ «مَن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجا من ذلك البيت او من تلك المدينة وانفضوا غبار ارجلكم.‏» (‏متى ١٠:‏١٤‏)‏ والدينونة الاخيرة لهؤلاء الاشخاص متروكة للاله القادر على كل شيء،‏ يهوه،‏ دون تدخُّل فعلي من قِبل المسيحيين.‏

      من الواضح اذًا انه حيثما مارست محكمة تفتيش نشاطها في العالم،‏ كان ذلك يتمُّ بشكل يتعارض تماما مع المبادئ المسيحية.‏

      ان حالة التسامح الديني التي تسود الآن في المكسيك تتيح للناس ممارسة الحرية في ما يتعلق بطريقة عبادتهم للّٰه.‏ لكنَّ القرون التي شهدت ما يدعى بمحكمة التفتيش المقدسة تبقى صفحة سوداء في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية المكسيكية.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة