-
مولدوڤاالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
-
-
الرسميّون يصبحون وحوشا
يُظهِر اختبارَا دوميترو ڠوروبتس وكازيمير شيسلينسكي ان نار مقاومة عمل الكرازة كان يؤججها في غالبية الاوقات الكره الديني من قِبَل الرسميين الأرثوذكس الغيورين. فقد تعلّم دوميترو وكازيمير حق الكتاب المقدس لأول مرة في قرية تاباني. وبسبب صفاتهما الجيدة وغيرتهما للخدمة، اصبحا معروفَين جيدا ومحبوبَين من قبل الاخوة. ثم في سنة ١٩٣٦، اعتُقلا وأُحضرا الى مركز شرطة في بلدة خوتين (الآن في اوكرانيا).
في البداية، ضربت الشرطة دوميترو وكازيمير بوحشية. ثم حاولوا إجبارهما على رسم اشارة الصليب. لكن، بقي الرجلان ثابتَين بالرغم من الضرب المستمر. وفي آخر الامر، قطعت الشرطة الامل حتى انهم سمحوا لدوميترو وكازيمير بالرجوع الى بيتيهما. لكنّ ذلك لم يكن نهاية المحن التي عاناها هذان الاخَوان الأمينان. فقد تحمّلا مشقات كثيرة من اجل البشارة تحت نظامَي الحكم الفاشي والشيوعي. مات دوميترو في اوائل سنة ١٩٧٦ في تومْسْك، روسيا. امّا كازيمير فقد مات في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٩٠ في مولدوڤا.
-
-
مولدوڤاالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
-
-
محنة قاسية في ظل الفاشيّة
حاولت حكومة انتونيسكو الفاشيّة، بالتحالف مع هتلر ودول المحور، فرضَ ارادتها على شهود يهوه. تأمل في مثال أنتون پانتيا الذي ولد في سنة ١٩١٩. تعلّم أنتون الحق في مراهقته وكان غيورا في الخدمة من بيت الى بيت. تعرّض أنتون للضرب في عدة مناسبات، لكنّه دافع بجرأة عن حقه الشرعي كمواطن روماني في التحدث عن ايمانه وهكذا تجنّب الاساءة الجسدية لوقت قليل. غير ان الشرطة اعتقلته اخيرا. فجَرّته الشرطة الفاشية الى مركز شرطة وضربوه طيلة الليل. وما يثير الدهشة انهم اطلقوا سراحه بعد ذلك. يبلغ الاخ پانتيا من العمر الآن ٨٤ سنة، ولا يزال مصمما على البقاء امينا ليهوه.
پارفين پالامارتشوك، أخ آخر حافظ على استقامته، كان قد تعلّم حق الكتاب المقدس في مولدوڤا في عشرينات الـ ١٩٠٠. اصبح پارفين ايضا مناديا غيورا بالبشارة، وكثيرا ما كان يترك بيته لأسابيع ليكرز في المدن والقرى الممتدة من تشيرنوڤتسي الى لْڤوف في اوكرانيا. اعتقل الفاشيون پارفين سنة ١٩٤٢ لأنه رفض ان يحمل السلاح وحوكم محاكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي.
روى نيكولاي، ابن پارفين، تلك الاحداث قائلا: «اصدرت هذه المحكمة العسكرية حكما بالموت على ١٠٠ اخ. وكان يجب تنفيذ الحكم فورا. فجمع الضباط كل الاخوة واختاروا اول عشرة منهم ليطلقوا النار عليهم. لكن أُجبِر هؤلاء العشرة في البداية على حفر قبورهم هم بأنفسهم فيما كان الـ ٩٠ الآخرون يراقبونهم. وقبل اطلاق النار عليهم، منحهم الضباط فرصة اخرى لإنكار ايمانهم والالتحاق بالجيش. فساير اثنان، فيما أردتْ النار الثمانية الآخرين قتلى. بعد ذلك، اصطفّ عشرة آخرون. لكن قبل اطلاق الرصاص عليهم، كان يجب ان يدفنوا الموتى الذين سبقوهم.
«بينما كان الاخوة يملأون القبور، وصل ضابط رفيع المنصب. وسأل عن عدد الشهود الذين غيّروا رأيهم. وعندما اخبروه انهم اثنان فقط، ذكر انه اذا لزم ان يموت ٨٠ ليلتحق ٢٠ بالجيش يكون من المفيد اكثر ارسال الـ ٩٢ الباقين الى معسكرات العمل الالزامي. نتيجة لذلك، خُفِّفت احكام الموت الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي. ولكن بعد ثلاث سنوات تقريبا، تحرَّر الشهود من المعسكرات الرومانية على يد القوات السوڤياتية الزاحفة. لقد نجا ابي من هذه المحنة ومن محن اخرى كثيرة. ومات امينا ليهوه سنة ١٩٨٤».
عدم الاذعان للارثوذكسية: جريمة؟!
كان ڤاسيل ڠرمَن شابا متزوجا. وكانت زوجته قد انجبت طفلة لتوّها عندما اعتقله الفاشيّون في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٤٢. اتُّهِم ڤاسيل «بجريمتين»: رفضه اداء الخدمة العسكرية وعدم تعميده ابنته لدى الكنيسة الارثوذكسية. يتذكر ڤاسيل ما حدث: «في شباط (فبراير) ١٩٤٣، كان سيُنظر في قضيتي امام محكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي بالاضافة الى قضايا ٦٩ أخا أمينا آخر. وقبل تنفيذ الحكم، اجبرتنا السلطات على مشاهدة تنفيذ حكم الاعدام في ستة مجرمين. وهكذا، كنا على يقين اننا اللاحقون في تلقّي عقوبة الموت.
«ناقشنا الموضوع في ما بيننا وعزمنا على البقاء اقوياء في الايمان وبذل كل جهد للمحافظة على حالة نفسية فرِحة حتى نهاية المحاكمة. وقد نجحنا بمساعدة يهوه. فعندما تلقينا نحن الـ ٧٠ جميعا كما كان متوقعا الحكم بالموت، شعرنا فعلا اننا نتعذب من اجل البرّ. ولم يشعر ايٌّ منا بالتثبط مما اغاظ اعداءنا. ثم حدثت مفاجأة. فبدلا من اطلاق النار علينا، غيّرت السلطات الاحكام الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي في معسكر أيود في رومانيا. لكن حتى هذا الحكم لم يتم تنفيذه بالكامل. فقد حرّر الجيش السوڤياتي المتقدّم المعسكرَ في آب (اغسطس) ١٩٤٤، اي بعد ثمانية عشر شهرا فقط».
في سنة ١٩٤٢، جنّد الفاشيون الزاميا نحو ٨٠٠ رجل من قرية شيراوتس في مولدوڤا ليخدموا في جيش القائد انتونيسكو. كان بينهم عدد من الشهود مثل نيكولاي آنيسكيڤيتش. ذكر نيكولاي: «في البداية، امرتنا الشرطة ان نشارك في مراسم دينية. فرفضنا نحن الشهود فعل ذلك. كما رفضنا حمل الاسلحة. فكانت النتيجة ان الشرطة اتهمتنا اننا شيوعيون واعتقلتنا. ولكن قبل زجّنا في السجن، سمحوا لنا ان نوضح لجميع الحاضرين سبب موقفنا الحيادي.
«نُقِلنا في اليوم التالي الى بريشيني، المركز القضائي للمنطقة. وهناك، جُرّدنا من ثيابنا وفُتّشنا بالكامل. ثم استجوبنا كاهن يحمل رتبة عسكرية عالية. كان لطيفا وتفهّم موقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا ورتّب ان يتم إطعامنا. وعلاوة على ذلك، كتب ان سبب رفضنا حمل السلاح هو ايماننا بيسوع.
«انتقلنا من بريشيني الى مركز الشرطة في ليپكاني. وهناك، اشبعتنا الشرطة ضربا دون رحمة حتى بعد هبوط الظلام. ثم وضعونا في زنزانة مع اثنَين من الاخوة وامرأة تبيّن في ما بعد انها جاسوسة. كنا نُضرَب يوميا ولعدّة ايام. وفي آخر الامر، أُرسِلتُ الى تشيرنوڤتسي لأُحاكَم محاكمة عسكرية. وهناك، عُيِّن لي محامٍ تبيَّن انه مفيد جدا. ولكن مع هذا، تدهورت صحتي كثيرا من سوء المعاملة حتى ان السلطات العسكرية ظنّت انني سأموت. وفي النهاية، قرّروا ان يعيدوني الى بيتي دون ان يُنزلوا بي العقوبة».
الاخوات الشجاعات يحافظْن على الاستقامة
اختبرت الاخوات ايضا قساوة حنق الفاشيّة. كانت احداهن ماريّا ڠرمَن (ليست من اقارب ڤاسيل ڠرمَن لكن من نفس الجماعة). اعتُقِلت ماريّا سنة ١٩٤٣ وأُخذت الى مركز الشرطة في بالاسينشتي. تتذكر: «اعتقلتني الشرطة لأنني رفضت الذهاب الى الكنيسة الارثوذكسية. نقلوني في البداية الى ليپكاني في مولدوڤا ثم الى تشيرنوڤتسي في اوكرانيا حيث حُكم عليّ.
«سألني القاضي لماذا رفضتُ الذهاب الى الكنيسة. فأخبرته انني اعبد يهوه فقط. وبسبب هذه ‹الجريمة›، حُكم عليّ مع ٢٠ أختا اخرى بالسجن ٢٠ سنة. حُشِر البعض منا في زنزانة صغيرة مع ٣٠ نزيلة اخرى. لكن، كانوا يرسلونني خلال النهار لأقوم بالاعمال المنزلية في بيوت الاغنياء. ويمكنني القول ان هؤلاء الاغنياء عاملوني بطريقة افضل من رسميّي السجن، فعلى الاقل اعطوني ما يكفي من الطعام!
«مع الوقت، اتصلنا بالاخوة الذين كانوا في جناح آخر من السجن. كان هذا الاتصال مفيدا لأننا تمكنّا من مساعدتهم على الحصول على الطعام الروحي والجسدي».
مثل الكثير من الشهود المولدوڤيين، احتمل المحافظون على الاستقامة هؤلاء حنقَ الفاشيّة ليواجهوا هجوما آخر على ايمانهم. وقد قامت بهذا الهجوم الدولة الاقليمية التالية: روسيا الشيوعية.
التكتيك السوڤياتي: الترحيل
في سنة ١٩٤٤، عندما اوشكت الحرب على نهايتها، وانعكس التيار ضد المانيا، قامت عناصر في الحكومة الرومانية بقيادة الملك ميهاي بالاطاحة بنظام حكم انتونيسكو. وحوّلت رومانيا ولاءها من دول المحور الى روسيا. في تلك السنة عينها، وطّد الجيش السوڤياتي المتقدّم سلطة روسيا على المنطقة موحِّدا مولدوڤا ثانية مع الاتحاد السوڤياتي كجمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.
في البداية، لم يتدخل حكام مولدوڤا الشيوعيون بشؤون شهود يهوه. إلّا ان هذه الفترة من الهدوء كانت قصيرة الامد. فالحياد المسيحي، بما فيه رفض الشهود التصويت في انتخابات الاحزاب، سرعان ما اصبح ثانية مثار جدل. فالنظام السوڤياتي لم يسمح بالحياد السياسي. ولحلّ المشكلة، خططت الحكومة لترحيل شهود يهوه و «غير المرغوب فيهم» ابتداء من سنة ١٩٤٩.
أعلنت وثيقة رسمية «قرار المكتب السياسي للّجنة المركزية للحزب الشيوعي» المتعلق بمن ينبغي ترحيلهم من جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية. وقد شمل هؤلاء «مالكي أراضٍ سابقين، تجارا كبارا، شركاء نشيطين للغزاة الالمان، اشخاصا كانوا يتعاونون مع قوات الشرطة الالمانية والرومانية، اعضاء الاحزاب والهيئات التي تؤيد الفاشيّة، الاعضاء الذين لا ينتمون الى المجموعة الاشتراكية، اعضاء الفرق الدينية غير الشرعية، اضافة الى عائلات الفئات المذكورة». وكان هؤلاء سيرسَلون جميعا الى سيبيريا الغربية «الى وقت غير محدَّد».
ابتدأت موجة ترحيل ثانية سنة ١٩٥١، لكن هذه المرة استُهدف شهود يهوه وحدهم. وقد اصدر ستالين شخصيا أمْر هذا الترحيل الذي دُعي عملية الشمال. فما يزيد على ٧٢٠ عائلة من الشهود، اي ٦٠٠,٢ شخص تقريبا، رُحِّلوا من مولدوڤا الى تومْسْك التي تبعد نحو ٥٠٠,٤ كيلومتر في سيبيريا الغربية.
ذكرت التعليمات الرسمية انه سيُعطى الافراد وقتا كافيا لجمع ممتلكاتهم الشخصية قبل أخذهم الى القطارات التي كانت ستقلّهم. كما كان من المفترض ان تكون حافلات السكة الحديدية «معدّة جيدا للنقل البشري». لكنّ الحقيقة كانت مختلفة تماما.
ففي منتصف الليل، يحضر نحو ثمانية جنود ورسميين الى كل بيت من بيوت الشهود. يوقظون افراد العائلة ويطلعونهم على امر الترحيل. ويسمحون لهم ببضع ساعات لجمع ما يمكنهم من الممتلكات قبل أخذهم الى قطارات الترحيل.
كانت حافلات الركاب عبارة عن مقطورات شحن مغلقة. وكان يُحشر في كل مقطورة نحو ٤٠ شخصا من كل الاعمار وينطلقون في رحلة تستغرق اسبوعين. كما لم يكن فيها مقاعد ولا عزل حراري. وفي احدى زوايا الحافلة، كان يوجد ثقب في الارض يُستعمل كمرحاض. اضافة الى ذلك، وقبل ترحيل الاخوة، كان من المفترض ان يسجّل الرسميون المحليون ممتلكات كل شخص. وكثيرا ما كانوا يسجّلون ما قيمته قليلة، أمّا الاشياء الثمينة فكانت «تختفي» ببساطة.
ولكن بالرغم من كل هذه المظالم والمشقات، لم يفقد الاخوة فرحهم المسيحي. فكلما تقاربت القطارات التي تقلّ الشهود عند مفترق طرق السكة الحديدية، سُمعت ترانيم الملكوت تدوّي في المقطورات الاخرى. وهكذا، عرف الاخوة في كل قطار انهم ليسوا وحيدين، وأن المئات من اخوتهم الشهود رُحِّلوا معهم. ان رؤية وسماع واحدهم الآخر يعبّرون عن الفرح في هذه الظروف الشاقة شجّعهم وقوّى تصميمهم على البقاء امناء ليهوه مهما حدث. — يعقوب ١:٢.
ايمان جدير بالاقتداء
كان إيڤان ميكيتكوڤ احد المولدوڤيين المرَحّلين الى سيبيريا. فقد اعتُقل للمرة الاولى مع شهود آخرين في مولدوڤا سنة ١٩٥١ ونُفي الى تومْسْك. كانت مهمّته قطع الاشجار في احراج الصنوبر السيبيرية. وبالرغم من انه لم يُحجز في معسكر للعمل الالزامي، كانت حريته مقيّدة والبوليس السري يراقبه عن كثب. مع ذلك، اغتنم وإخوته الروحيون كل فرصة للشهادة للآخرين.
يذكر إيڤان: «نظّمنا انفسنا في جماعات في هذه الظروف الحالكة الجديدة. حتى اننا ابتدأنا بإنتاج مطبوعاتنا الخاصة. وبمرور الوقت، قَبِل الحق بعض الذين كرزنا لهم واعتمدوا. إلّا ان السلطات علمت في آخر الامر بنشاطاتنا وحكمت على البعض منا بالذهاب الى معسكرات العمل الالزامي.
«حُكِم عليّ مع رفقاء شهود آخرين مثل پاڤْيل داندارا، مينا ڠوراش، وڤاسيل شارْبان بقضاء ١٢ سنة من العمل الالزامي تحت مراقبة صارمة. كانت السلطات تأمل ان تُسكت هذه الاحكام القاسية الآخرين، إلّا ان هذا لم يحدث. فقد استمرّ اخوتنا في الكرازة أينما أُرسلوا. أُطلق سراحي سنة ١٩٦٦ بعد ان خدمت مدة الحكم بأكملها. فعدت الى تومْسْك ومكثت هناك ثلاث سنوات.
«انتقلت الى حوض الدونتز سنة ١٩٦٩ حيث التقيت بماريّا وتزوجتها. انها اخت امينة وغيورة. وفي سنة ١٩٨٣، اعتُقلت ثانية. لكنني تلقّيت هذه المرة حكما مزدوجا: السجن مدة خمس سنين والترحيل خمس سنين اخرى. وكان من الطبيعي ان اجد هذا الحكم اصعب بكثير من سابقه، لأنه عنى الانفصال عن زوجتي وطفلي اللذَين كان عليهما ايضا تحمل المشقات. ولكن من المفرح انني لم أقضِ كامل المدة. فقد أُطلق سراحي سنة ١٩٨٧ بعد ان تولّى ميخائيل ڠورباتشوف مهام الامين العام للحزب الشيوعي السوڤياتي. وسُمح لي بالعودة الى اوكرانيا ثم الى مولدوڤا.
«عندما عدت الى بلتسي، ثاني اكبر مدينة في مولدوڤا، كان فيها ٣٧٠ ناشرا وثلاث جماعات. امّا اليوم، ففيها ما يزيد عن ٧٠٠,١ ناشر و ١٦ جماعة!».
«هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل؟»
قام المسؤولون في المعسكر وعملاء الـ KGB (لجنة امن الدولة السوڤياتية) باستخدام طرائق سادية في محاولاتهم لتقويض استقامة الاخوة. يتذكر كونستانتين ايڤانوڤيتش شوبه ما حدث لجدّه، كونستانتين شوبه: «سنة ١٩٥٢، كان جدي يقضي حكمه في احد معسكرات العمل الالزامي في منطقة تشيتا، شرق بحيرة بيكال في سيبيريا. هدّده المسؤولون في المعسكر بإطلاق النار عليه وعلى الشهود الآخرين اذا لم ينكروا ايمانهم.
«ولأن الاخوة رفضوا المسايرة، جمعهم المسؤولون خارج المعسكر عند طرف غابة. كان الظلام قد بدأ يحلّ عندما اخذوا صديق جدي المفضَّل، ڤاسيل، مسافة قليلة داخل الغابة معلنين انهم سيطلقون النار عليه. فانتظر الاخوة بقلق. وسرعان ما مزّقت طلقات البنادق سكون الليل.
«عاد الحرس ليرافقوا الشاهد التالي، جدي، الى الغابة. وبعد السير مسافة قصيرة، توقفوا عند فسحة خالية من الاشجار. كان هنالك عدة قبور محفورة وقد طُمر واحد منها. فالتفت الضابط القائد الى جدي مشيرا الى القبر المطمور وقال: ‹هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل ام تريد العودة الى عائلتك رجلا حرا؟ لديك دقيقتان لتحسم امرك›. لم يكن جدي بحاجة الى دقيقتين. فقد اجاب مباشرة: ‹عرفتُ ڤاسيل الذي اطلقتم عليه النار لسنوات عدة. والآن اتطلع بشوق الى الاتحاد به عندما يقام من الموت في العالم الجديد. لديّ ملء الثقة انني سأكون في العالم الجديد مع ڤاسيل. لكن هل ستكون انت هناك؟›.
«لم يتوقع الشرطي تلك الاجابة. فعاد مع جدي والآخرين الى المعسكر. وكما تبيّن، لم يكن على جدي ان ينتظر القيامة حتى يرى ڤاسيل. فالامر برمّته كان خدعة قاسية هدفها تقويض عزيمة الاخوة».
فشل الدعاية الشيوعية
بهدف زرع البغض والارتياب في شهود يهوه، اصدر الشيوعيون الكتب، الكراريس، والافلام مفترين على شعب اللّٰه. كان اسم احدى هذه الكراسات القعر المزدوج، مصطلح يشير الى قسم سري للمطبوعات أضافه الاخوة الى اسفل الحقائب. يتذكر نيكولاي ڤولوشانوڤسْكي كيف حاول قائد المعسكر استعمال هذه الكراسة لاذلاله امام السجناء الآخرين.
يذكر نيكولاي: «جمع قائد المعسكر كل النزلاء معا في احدى الثكنات. ثم بدأ باقتباس فقرات من القعر المزدوج بما فيها الفقرات التي تضمنت عبارات افترائية عليّ شخصيا. وعندما انتهى، طلبتُ إذنا لطرح بعض الاسئلة. فظن القائد انه اذا لبّى طلبي، فسيتيح له ذلك فرصة ليسخر مني.
«سألت قائد المعسكر اذا كان يتذكر المرة الاولى التي قابلني فيها عندما جُنّدت للخدمة في معسكر العمل الالزامي. فتذكر ذلك. ثم سألته اذا كان يتذكر الاسئلة التي طرحها عليّ وهو يملأ اوراق التجنيد في ما يتعلق بمكان ولادتي، جنسيتي وما الى ذلك. فأجاب ثانية بنعم، حتى انه اخبر الحاضرين ماذا كانت اجاباتي. ثم طلبت منه ان يروي ما كتبه في الحقيقة على النماذج. فأقرّ ان ما كتبه لم ينسجم مع اجاباتي. عندها، استدرت الى الجمهور قائلا: ‹بهذه الطريقة نفسها كُتِبت هذه الكراسة›. فصفّق السجناء فيما انصرف القائد غاضبا».
خطة فرِّق تسُد
خلال ستينات الـ ١٩٠٠، استخدمت السلطات السوڤياتية المحبَطة اساليب جديدة في محاولاتها لتمزيق وحدة شهود يهوه. ان كتاب السيف والترس، الذي صدر سنة ١٩٩٩، يوضح جزءا ممّا عُرف سابقا بسجلات الـ KGB السرية الموجودة في ارشيف الحكومة. يذكر الكتاب: «في آذار (مارس) ١٩٥٩، عُقد مؤتمر للمسؤولين في الـ KGB الذين يقودون ‹الكفاح ضد أتباع يهوه [شهود يهوه]›. واستنتجوا ان الاستراتيجية المثلى هي ‹الاستمرار في استعمال اساليب القمع واثارة الفوضى›. فقد صمّم الـ KGB على تفريق الشهود، إيقاع الفوضى في صفوفهم، وتشويه سمعتهم فضلا عن اعتقال قادتهم الاكثر نفوذا بتُهم ملفّقة».
اشتملت «اساليب اثارة الفوضى» على حملة مدبّرة لزعزعة الثقة بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي. ولتحقيق ذلك، بدأ الـ KGB بنشر اشاعات خبيثة مدّعين ان عددا من الاخوة الذين يتولّون القيادة بدأوا بالتعاون مع سلك امن الدولة. لقد موّه الـ KGB اكاذيبهم ببراعة حتى ان شهودا كثيرين تساءلوا عمّن يمكنهم الوثوق به.
استعمل الـ KGB حيلة اخرى تمثّلت في تدريب عملاء خصوصيين ليتظاهروا اولا بأنهم شهود «نشيطون» ثم يحاولوا الحصول على مراكز مسؤولية في الهيئة. وبالطبع، زوّد هؤلاء الجواسيس الـ KGB بما يريدون من معلومات جعلتهم واسعي الاطلاع. كما حاول الـ KGB سرا رشوة شهود حقيقيين بمبالغ كبيرة من المال مقابل التعاون معهم.
من المؤسف ان هذه الاساليب الخدّاعة نجحت الى حد ما في تمزيق وحدة الاخوة، بمن فيهم الذين في مولدوڤا. ونتيجة لذلك، نشأ جوٌّ من الرَّيبة. فانسحب بعض الاخوة من الهيئة وشكلوا فريقا منشقّا عُرِف بالمعارضة.
قبل وقوع هذه الاحداث، كان الاخوة في الاتحاد السوڤياتي يصفون هيئة يهوه، والطعام الروحي الذي تزوّده، والاخوة المسؤولين الذين تعيّنهم بالقناة التي يستخدمها اللّٰه. ولكن ازداد التشويش والشك بشأن تلك القناة. فكيف استطاع الاخوة ازالة التشويش؟ من المدهش انهم فعلوا ذلك بمساعدة الدولة السوڤياتية. فمدبّرو المكائد انفسهم ساعدوا على حلّ المشاكل نفسها التي خلقوها. فكيف ذلك؟
لم يأخذوا روح اللّٰه في الحسبان
في اوائل ستينات الـ ١٩٠٠، جمعت السلطات السوڤياتية العديد من «قادة» الشهود من كل الاتحاد السوڤياتي ووضعتهم معا في معسكر واحد يبعد نحو ١٥٠ كيلومترا عن مدينة سارانسك في جمهورية موردڤينا بروسيا الغربية. في السابق، فصلت بين الاخوة مسافات كبيرة اعاقت الاتصال وعزّزت سوء الفهم. امّا الآن فقد اجتمع معا المنضمون الى المعارضة المزعومة والشهود الآخرون. وهكذا، تكلّموا معا وجها لوجه وميّزوا الواقع من الخيال. فلماذا جمعت السلطات كل هؤلاء الاخوة معا؟ من الواضح انهم ظنّوا ان الاخوة سيصطدمون بعضهم مع بعض، وهكذا تتوسّع فجوة الانقسام. لكن بالرغم من دهاء الخطة، فشلت في اخذ روح يهوه الموحِّد في الحسبان. — ١ كورنثوس ١٤:٣٣.
كان ڠيورڠي ڠوروبتس احد الاخوة المسجونين في موردڤينا. يتذكر: «بعيد اعتقالي وارسالي الى السجن، التحق بنا اخ منضم الى المعارضة. وعندما رأى ان الاخوة المسؤولين لا يزالون محتجزين، استولت عليه الدهشة. فقد قيل له اننا جميعا احرار طليقون ونعيش حياة رفاهية تحت رعاية الـ KGB!».
يتابع الاخ ڠوروبتس: «اثناء سنتي الاولى في السجن، احتُجز اكثر من ٧٠٠ شخص لأسباب دينية. ومعظمهم كانوا من شهود يهوه. عمِلنا جميعا في مصنع واحد وكان لدينا الوقت للتحدث مع هؤلاء المنضمين الى الفريق المنشق. نتيجة لذلك، توضحت امور كثيرة خلال السنتين ١٩٦٠ و ١٩٦١. وأخيرا، سنة ١٩٦٢، كتبت لجنة البلد التي تشرف على الاتحاد السوڤياتي رسالة من داخل معسكر العمل الالزامي. بُعِثت الرسالة الى كل الجماعات في الاتحاد السوڤياتي وبدأت بإصلاح الاضرار الكثيرة التي سبّبتها حملة اكاذيب الـ KGB».
تحديد هوية القناة الصحيحة
حُرِّر الاخ ڠوروبتس من معسكر العمل الالزامي في حزيران (يونيو) ١٩٦٤ وعاد فورا الى مولدوڤا. لدى وصوله الى تاباني، اكتشف ان الكثير من الشهود المحليين لا يزالون مشوشين بشأن مَن يستخدم يهوه لتزويد الطعام الروحي وتوجيه شعبه. فكان عدد من الاخوة يقرأون الكتاب المقدس فقط.
فشُكِّلت لجنة من ثلاثة اخوة ناضجين روحيا للمساعدة في توضيح الامور. وأحد الامور الاولى التي فعلوها، زيارة الجماعات في شمال مولدوڤا حيث يعيش معظم الشهود. ان الامانة المستمرة لهؤلاء الاخوة والنظار المسيحيين الآخرين، بالرغم من مكابدتهم الاضطهاد، اقنعت كثيرين ان يهوه ما يزال يستخدم نفس الهيئة التي علّمتهم الحق في بداية الامر.
في اواخر ستينات الـ ١٩٠٠، اصبح واضحا للـ KGB استمرار تقدم عمل الكرازة بالرغم من الاضطهاد والخطط الاخرى. علّق كتاب السيف والترس واصفا رد فعل الـ KGB: «كان يتم ازعاج مركز [الـ KGB] بتقارير تبيّن انه حتى في معسكرات العمل الالزامي، ‹لم يرفض قادة وسلطات شهود يهوه معتقداتهم المعادية للعقيدة السوڤياتية واستمروا في اتمام عملهم اليَهوَهي بالرغم من ظروف المعسكر›. كما عُقد مؤتمر في [كيشيناو] في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٦٧ ضمّ شرطة الـ KGB الذين يدبرون العمليات ضد شهود يهوه. ناقش هذا المؤتمر اساليب جديدة ‹لمنع عمل الطائفيين العدائي› و ‹التدمير الايديولوجي الذي يقومون به›».
المضايقة من اخوة سابقين
من المؤسف ان بعض الافراد وقعوا ضحية هذه «الاساليب الجديدة» واصبحوا رهن اشارة الـ KGB. فقد استسلم البعض للجشع او الخوف من الانسان، فيما نمّى آخرون كانوا اخوة سابقين كرها للشهود. فبدأت السلطات باستخدامهم محاوِلةً كسر استقامة الاخوة الامناء. ذكر شهود تحملوا السجن ومعسكرات العمل الالزامي ان اكثر المواقف ايلاما التي واجهوها، كان تعرّضهم للمضايقة من اخوة سابقين اصبح بعضهم الآن مرتدين.
كان العديد من المرتدين اعضاء في المعارضة المذكورة سابقا. فقد اشتمل فريق المعارضة هذا في البداية على من شوَّشتهم اكاذيب الـ KGB. لكن كان بين الذين بقوا منضمين الى هذا الفريق حتى اواخر ستينات الـ ١٩٠٠، اشخاص برهنوا على الروح الشرير لصف العبد السيِّئ. فبتجاهلهم تحذير يسوع، بدأوا ‹يضربون العبيد رفقاءهم›. — متى ٢٤:٤٨، ٤٩.
مع ذلك، فشلت مؤامرة تقسيم واخضاع شعب اللّٰه بالرغم من كل الضغوط التي شكّلها الـ KGB وأتباعهم مدة طويلة. فعندما بدأ الاخوة الامناء في بداية ستينات الـ ١٩٠٠ بتوحيد الهيئة ثانية في مولدوڤا، كان معظم الاخوة هناك اعضاء في المعارضة. لكن بحلول سنة ١٩٧٢، عادت الاغلبية للعمل بولاء مع هيئة يهوه.
مضطَهِد يتصف بالتقدير
ان الاشخاص الامناء الذين بقوا في مولدوڤا اثناء العهد الشيوعي استمروا في عمل الكرازة بأقصى جهودهم. فكانوا يشهدون بطريقة غير رسمية للعائلة، الاصدقاء، والزملاء في المدرسة والعمل. لكنهم كانوا حذرين لأن العديد من رسميي الاحزاب في مولدوڤا كانوا ملتزمين بشدة بالايديولوجية الشيوعية. ومع ذلك، لم يزدرِ جميع الشيوعيين بشهود يهوه.
يتذكر سْيمْيون ڤولوشانوڤسْكي: «فتّشت الشرطة بيتنا وصادرت مقدارا كبيرا من المطبوعات، أدرجها الشرطي المسؤول في لائحة. ثم عاد لاحقا وطلب مني التحقق من بنود اللائحة. واثناء مراجعتها، لاحظت حذف احدى مجلات برج المراقبة التي ناقشت موضوع العائلة وكيفية جعل الحياة العائلية اسعد. سألت الشرطي عنها. فأجابني وهو مرتبك خجلا: ‹لقد اخذتها الى البيت وقرأناها معا كعائلة›. سألته: ‹هل اعجبك ما قرأت؟›. فقال: ‹بالطبع! لقد احببناها!›».
المقاومة تخفّ والنمو يستمر
خلال سبعينات الـ ١٩٠٠، تخلّت السلطات الشيوعية عن سياستها في اعتقال ونفي شعب يهوه. مع ذلك، اعتُقل بعض الاخوة وحوكِموا بسبب الشهادة او حضور الاجتماعات المسيحية. إلّا ان الاحكام كانت اقل صرامة.
-
-
مولدوڤاالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
-
-
[الاطار في الصفحات ٨٣-٨٥]
امثلة رائعة للحياد المسيحي
جورج ڤاكارتشوك: تربّى الاخ ڤاكارتشوك كواحد من شهود يهوه. استدعاه الفاشيّون في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٤٢ لأداء الخدمة العسكرية. رفض ان يحمل السلاح، فسُجن في زنزانة مظلمة تماما مدة ١٦ يوما مع القليل جدا من الطعام. استدعته السلطات ثانية واعدة ايّاه بإلغاء الحكم الذي لم يكن قد عرفه بعد اذا نَفّذ ما أُمر به في السابق. فرفض مرة اخرى.
لذلك، حُكِم على جورج بقضاء ٢٥ سنة في السجن. لكن أُطلِق سراحه عندما وصلت القوات السوڤياتية في ٢٥ ايلول (سبتمبر) ١٩٤٤. وبعد اقل من شهرين، حاول السوڤيات ثانية ان يجنّدوه الزاميا. ولأنه صمّم على اتّباع ضميره المدرّب على الكتاب المقدس، حُكِم عليه بعشر سنين من العمل الالزامي في معسكرات مختلفة. فلم تعرف عائلته مكان وجوده لسنة كاملة. وبعد ان خدم الاخ ڤاكارتشوك خمس سنين، أُطلِق سراحه في ٥ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٤٩. فعاد الى بيته في كورجوتس وبقي امينا ليهوه حتى موته في ١٢ آذار (مارس) ١٩٨٠.
پارفين ڠورياتشوك: وُلد الاخ ڠورياتشوك سنة ١٩٠٠، وتعلّم حق الكتاب المقدس في قرية خْلينا خلال السنوات ١٩٢٥ الى ١٩٢٧. فإن داميان وألكسندرو روشو، اول تلميذَين للكتاب المقدس في القرية، درسا معه ومع اخوَيه، نيكولاي ويون.
في سنة ١٩٣٣، اعتُقل پارفين مع شهود آخرين وأُخِذوا الى بلدة خوتين. استُجوِب پارفين هناك وفُرِضت عليه غرامة بسبب قيامه بالكرازة. في سنة ١٩٣٩ وبتحريض من كاهن القرية، أُخِذ پارفين الى مركز الشرطة في قرية ڠيلاڤيتس المجاورة حيث قيّده رجال الشرطة على لوح خشبي ووجهه الى اسفل وأشبعوه ضربا على باطن قدميه.
عندما تسلّم الفاشيون السلطة، اعتُقِل پارفين ثانية وأُرسِل الى السجن. ولكن في نفس السنة، حرّره السوڤيات ليعتقلوه مرة اخرى بسبب رفضه اداء الخدمة العسكرية. فبقي في السجن في كيشيناو عدة اشهر ثم اطلقوا سراحه.
أعاد السوڤيات اعتقال پارفين سنة ١٩٤٧، لكنهم حكموا عليه هذه المرة بالنفي مدة ثماني سنين لأنه يكرز بملكوت اللّٰه. كما رُحِّل اولاده الى سيبيريا سنة ١٩٥١. إلّا انهم لم يجتمعوا بوالدهم. وفي الواقع، لم يروه ثانية. فقد اصبح پارفين مريضا جدا في المنفى ومات امينا سنة ١٩٥٣.
ڤاسيل پيدوريتس: وُلد الاخ پيدوريتس سنة ١٩٢٠ في كورجوتس وتعلّم الحق سنة ١٩٤١ خلال عهد الفاشيّة. لهذا السبب، تعذّب هو ايضا على يدي الفاشيّين والسوڤيات على السواء. فقد قال للسوڤيات بجرأة: «انا لم اطلق النار على الشيوعيين، ولن اقوم بقتل الفاشيين».
وبسبب هذا الموقف الذي أملاه عليه ضميره المؤسس على الكتاب المقدس، حُكم على ڤاسيل بعشر سنين من العمل الالزامي في معسكر للسوڤيات. ولكن خُفِّف الحكم الى خمس سنين. وعاد ڤاسيل الى بيته في ٥ آب (اغسطس) ١٩٤٩. وعندما اعتُقل للمرة الثالثة، كانت عملية الشمال قد ابتدأت. لذلك استقلّ وعائلته مقطورة مغلقة وتوجّهوا الى سيبيريا في الاول من نيسان (ابريل) ١٩٥١. وبعد ان امضوا هناك حوالي خمس سنوات، سُمح لهم بالعودة الى كورجوتس في مولدوڤا. مات ڤاسيل امينا ليهوه في ٦ تموز (يوليو) ٢٠٠٢ اثناء اعداد هذا التقرير.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٨٩، ٩٠]
‹لم اكن لأستبدل حياتي في الخدمة بأيّ شيء›
يون ساڤا أورسوي
تاريخ الولادة: ١٩٢٠
تاريخ المعمودية: ١٩٤٣
لمحة عن حياته: خدم كناظر دائرة اثناء العهد الشيوعي.
وُلدتُ في كاراكوشيني، مولدوڤا. وتعلّمت الحق قبل نشوب الحرب العالمية الثانية. ماتت زوجتي سنة ١٩٤٢. وفي مأتمها، طاردني من المقبرة حشد من الناس. ولماذا؟ لأنني غيّرت ديني. لاحقا في تلك السنة، حاولت الحكومة الفاشية إلحاقي بالجيش. ولأنني رغبت في البقاء حياديا من الناحية السياسية، رفضت الخدمة فيه. فحُكِم عليّ بالموت ثم خُفِّف الحكم لاحقا الى ٢٥ سنة في السجن. تنقّلت من معسكر الى آخر. وبينما كنت سجينا في كرايوڤا برومانيا، وصل الجيش الروسي وأطلق سراحنا.
لم اكن قد ذقت بعد طعم الحرية عندما زجّ بي الشيوعيون ثانية في السجن. فأرسلوني الى كالينين في روسيا. ثم اطلقوا سراحي سنة ١٩٤٦ اي بعد سنتين. فعدت الى قريتي حيث ساهمت في اعادة تنظيم عمل الكرازة. في سنة ١٩٥١، اعتقلني السوڤيات مرة اخرى. لكنهم عملوا هذه المرة على ترحيلي الى سيبيريا مع الكثير من الشهود الآخرين. ولم ارجع الى بيتي ثانية حتى سنة ١٩٦٩.
عندما انظر الى الوراء، اتذكر الكثير من المواقف التي منحني فيها يهوه القوة لأحافظ على استقامتي. فأنا لم اكن لأستبدل حياتي في خدمة خالقي بأيّ شيء في العالم. امّا الآن، فأنا اصارع الشيخوخة والصحة المتدهورة. ولكنّ الرجاء الاكيد بحياة في عالم جديد، حين يستعيد جسدي قوة شبابه، يقوّي تصميمي الّا ‹يفتر عزمي في فعل ما هو حسن›. — غلاطية ٦:٩.
[الاطار/الصورة في الصفحات ١٠٠-١٠٢]
لديّ الكثير لأرنّم عنه
أليكساندرا كوردن
تاريخ الولادة: ١٩٢٩
تاريخ المعمودية: ١٩٥٧
لمحة عن حياتها: تعذّبتْ تحت نظام الحكم السوڤياتي. وهي تخدم الآن كناشرة في الجماعة.
ان شغفي بالترنيم ساعدني على ايجاد الحق والبقاء قوية روحيا عندما امتُحِن ايماني لاحقا. تبدأ قصتي في اربعينات الـ ١٩٠٠ عندما تعرّفت، وأنا مراهقة، بفريق من الاحداث في كورجوتس. كان هؤلاء الاحداث يستمتعون بقضاء اوقات فراغهم في إنشاد ترانيم الملكوت ومناقشة الكتاب المقدس. ان الحقائق الروحية التي تعلّمتها من تلك المناقشات والترانيم تركت فيّ انطباعا عميقا.
سرعان ما أصبحتُ ناشرة للبشارة. فأدّى ذلك الى اعتقالي سنة ١٩٥٣ مع عشرة شهود آخرين. وبينما كنت انتظر المحاكمة، سُجِنت في كيشيناو. وحافظت على قوّتي الروحية بإنشاد ترانيم الملكوت، الامر الذي بدا انه أغضب احد الحراس. فقال لي: «انتِ في السجن. هذا ليس مكانا للترنيم!».
فأجبته قائلة: «لقد كنت ارنّم طوال حياتي. فَلِمَ اتوقف الآن؟ أنت تستطيع ان تغلق عليّ الباب لكنك لا تستطيع اغلاق شفتيّ. ان قلبي حرٌّ وأنا احب يهوه. لذلك لديّ الكثير لأرنّم عنه».
حُكِم عليّ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للعمل الالزامي في إنتِه قرب الدائرة القطبية الشمالية. كنت اعمل خلال فصول الصيف القصيرة مع الشهود الآخرين في الغابات المجاورة. ومرة اخرى ساعدتنا ترانيم الملكوت التي حفظنا معظمها عن ظهر قلب، على البقاء اقوياء روحيا والشعور بالحرية في اعماقنا. علاوة على ذلك، شجّعنا حرّاسنا على الترنيم بخلاف ذلك الحارس في كيشيناو.
مكثتُ بمعسكر إنتِه ثلاث سنوات، ثلاثة اشهر، وثلاثة ايام. ثم أُطلق سراحي عندما صدر عفوٌ عام. فذهبت الى تومْسْك بروسيا لأنه لم يكن قد سُمح لي بعد بالعودة الى مولدوڤا. اجتمعت هناك ثانية بزوجي الذي قضى هو ايضا مدّة في السجن. فقد كنا بعيدين واحدنا عن الآخر مدة أربع سنوات.
بسبب اعتقالي، لم اكن قد رمزت بعد الى انتذاري ليهوه بمعمودية الماء. فسألت الاخوة في تومْسْك عن ذلك. وبما ان كثيرين غيري ارادوا ايضا ان يعتمدوا، رتّب الاخوة فورا لإجراء معمودية. ولكن بسبب الحظر، قرروا القيام بها ليلا عند بحيرة في الغابة المجاورة.
وفي الوقت المعين، تركنا ضواحي تومْسْك وذهبنا الى الغابة اثنين اثنين كي لا نثير الشك. كان على كل اثنين ان يتبعا الزوج الذي سبقهما حتى يصل الجميع بأمان الى البحيرة. كانت هذه هي الخطة المتفق عليها في البداية. لكن من المؤسف ان الاختَين المسنّتَين السائرتَين امامنا انا ورفيقتي، تاهتا عن الطريق. فتبعناهما تلقائيا وكذلك فعل بثقة الاثنان السائران خلفنا. وسرعان ما أصبح عشرة منا يتخبّطون في الظلام مبتلّين تماما من النباتات الرطبة ومرتعشين من البرد. ان تصوّر الدببة والذئاب، المعروف انها تجول خلسة في تلك المنطقة، استحوذ على مخيّلتنا. وبسبب توترنا الشديد، كنّا نجفل من كل صوت غريب.
أدركت كم من المهم ألّا نفقد الامل او نرتعب. فاقترحت ان نقف بهدوء ونصفر لحنا للملكوت راجين ان يسمعنا الآخرون. وصلّينا بحرارة ايضا. فتخيّل فرحنا عندما سمعنا اللحن نفسه يحمله الهواء الينا عبر الظلام! نعم، لقد سمعَنا اخوتنا! فأضاؤوا المشعل الكهربائي بسرعة حتى نجد طريقنا اليهم. بعد ذلك بفترة قصيرة، غُطِّسنا في الماء الجليدي الذي كدنا لا نشعر ببرودته من فرط سعادتنا.
عمري الآن ٧٤ سنة وأسكن في كورجوتس حيث عرفت الحق اول مرة. وبالرغم من تقدمي في السن، لا يزال لديّ الكثير لأرنم عنه وخصوصا عندما أسبّح ابانا السماوي.
[الاطار/الصور في الصفحات ١٠٤-١٠٦]
حاولتُ ان أحذوَ حذو والديّ
ڤاسيل أُرسو
تاريخ الولادة: ١٩٢٧
تاريخ المعمودية: ١٩٤١
لمحة عن حياته: عُيِّن خادما للجماعة وعمل في انتاج المطبوعات سرّا تحت الارض.
اعتمد والداي، سْيمْيون وماريّا أُرسو، سنة ١٩٢٩. كنت الاكبر سنّا بين اولادهما الخمسة. وخلال عهد الفاشيّة، اعتُقِل ابي وأمي وحُكِم عليهما بقضاء ٢٥ سنة في العمل الالزامي بسبب موقفهما الحيادي. فقام اخوة وأخوات روحيّون من جماعة كورجوتس المجاورة بالاعتناء بنا والاهتمام بمزرعة العائلة. لهذا السبب، كان لدينا دائما ما يكفي من الطعام. كما ساعدتْ جدتي المسنّة التي ليست في الحق على الاعتناء بنا ايضا. وكنت في الـ ١٤ من عمري آنذاك.
بسبب مثال والديّ الجيد، حاولت بجدٍّ الاهتمام روحيا بإخوتي. ولتحقيق ذلك، كنت أوقظهم باكرا كل يوم لمناقشة جزء من المطبوعة المؤسسة على الكتاب المقدس التي ندرسها معا. لم يتحمّسوا دائما للنهوض لكنني لم أسمح لهم بغير ذلك. فقد أدركت اهمية حيازة عادات درس جيدة. والنتيجة انه عندما عاد والداي سنة ١٩٤٤ بعد ان أُطلِق سراحهما باكرا، كانا مسرورَين جدا لرؤية كم كنا اصحّاء روحيا. فكم كان ذلك اتحادا مفرحا! لكنَّ سعادتنا لم تدمْ طويلا.
فقد اعتقل السوڤيات ابي في السنة التالية وسجنوه في نوريلسك بسيبيريا فوق الدائرة القطبية الشمالية. وبعد ثلاث سنوات، تزوجتُ بإميليا، أخت ناضجة روحيا ومفعمة بالحيوية. كنا قد تربَّينا معا تقريبا، لذلك عرفتها جيدا. ولكن بعد سنة واحدة من زواجنا، اعتُقلت انا وأمي وأُرسلنا الى كيشيناو حيث حُكم علينا بقضاء ٢٥ سنة في العمل الالزامي. اعتنت إميليا بمحبة بإخوتي الذين صاروا مسلوبين الآن من والديهم وشقيقهم الاكبر.
أُرسلت في آخر الامر الى مناجم الفحم في ڤوركوتا، معسكر للعمل الالزامي سيّىء السمعة يقع شمال الدائرة القطبية الشمالية. وفي سنة ١٩٥١، اي بعد سنتين، نُفيَت إميليا مع اشقائي الثلاثة وشقيقتي الى تومْسْك في سيبيريا الغربية. طلبت إميليا نقلها الى ڤوركوتا سنة ١٩٥٥ لتكون معي. وهناك أنجبتْ اول اولادنا الثلاثة، طفلة سمّيناها تمارا.
أُطلق سراحنا في ايلول (سبتمبر) ١٩٥٧ بعد صدور عفوٍ عام. إلّا انني اعتُقلت ثانية بعد شهر واحد. وحُكم عليّ هذه المرة بسبع سنوات في معسكر للعمل الالزامي في موردڤينا بالقرب من سارانسك بروسيا. سُجِن هناك ايضا اخوة كثيرون. وكان سيتم احتجاز المزيد منهم. عندما جاءت زوجاتنا لزيارتنا، كنَّ يهرّبن لنا المطبوعات بانتظام، الامر الذي قدّرناه عميقا. انتقلت إميليا في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٥٧ الى كورڠان في سيبيريا الغربية للاعتناء بابنتنا تمارا التي كانت تقيم مع والدَي إميليا. نتيجة لذلك، افترقنا واحدنا عن الآخر سبع سنوات. فقد كانت تلك الطريقة الوحيدة للحيلولة دون ارسال تمارا الى مؤسسة حكومية.
أُطلق سراحي سنة ١٩٦٤، لكن لم يُسمَح لي بالعودة الى مولدوڤا. وبالرغم من ان تحرّكاتي كانت لا تزال محدودة بصورة رسمية، تمكنت من الالتحاق بزوجتي وابنتي في كورڠان حيث خدمتُ هناك كمدير درس الكتاب في الجماعة. انتقلنا سنة ١٩٦٩ الى كراسنودار في القوقاز. وبعد الخدمة هناك ثماني سنوات، انتقلنا الى تْشرتشيك في اوزبكستان. عملت هناك في المطبعة تحت الارض. ثم سُمح لنا اخيرا بالعودة الى مولدوڤا سنة ١٩٨٤. فاستقررنا في تيڠينا، مدينة تضم ٠٠٠,١٦٠ نسمة و ١٨ ناشرا فقط. نما هذا الفريق الصغير عبر السنين وصار تسع جماعات تضم نحو ٠٠٠,١ ناشر وفاتح.
فهل أندم على السنوات الكثيرة التي قضيتها في معسكرات العمل الالزامي والسجون من اجل الرب؟ كلا على الاطلاق! فبالنسبة إليّ، كانت الامور واضحة حتى عندما كنت معتمدا حديثا بعمر ١٤ سنة: إمّا ان تحب اللّٰه او تحب العالم! ولأنني قررت خدمة يهوه، لم افكر في المسايرة. — يعقوب ٤:٤.
[الصور]
الى اليمين: ڤاسيل أُرسو
الى اقصى اليمين: ڤاسيل وزوجته إميليا وابنتهما تمارا
-