مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • مولدوڤا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
    • محنة قاسية في ظل الفاشيّة

      حاولت حكومة انتونيسكو الفاشيّة،‏ بالتحالف مع هتلر ودول المحور،‏ فرضَ ارادتها على شهود يهوه.‏ تأمل في مثال أنتون پانتيا الذي ولد في سنة ١٩١٩.‏ تعلّم أنتون الحق في مراهقته وكان غيورا في الخدمة من بيت الى بيت.‏ تعرّض أنتون للضرب في عدة مناسبات،‏ لكنّه دافع بجرأة عن حقه الشرعي كمواطن روماني في التحدث عن ايمانه وهكذا تجنّب الاساءة الجسدية لوقت قليل.‏ غير ان الشرطة اعتقلته اخيرا.‏ فجَرّته الشرطة الفاشية الى مركز شرطة وضربوه طيلة الليل.‏ وما يثير الدهشة انهم اطلقوا سراحه بعد ذلك.‏ يبلغ الاخ پانتيا من العمر الآن ٨٤ سنة،‏ ولا يزال مصمما على البقاء امينا ليهوه.‏

      پارفين پالامارتشوك،‏ أخ آخر حافظ على استقامته،‏ كان قد تعلّم حق الكتاب المقدس في مولدوڤا في عشرينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ اصبح پارفين ايضا مناديا غيورا بالبشارة،‏ وكثيرا ما كان يترك بيته لأسابيع ليكرز في المدن والقرى الممتدة من تشيرنوڤتسي الى لْڤوف في اوكرانيا.‏ اعتقل الفاشيون پارفين سنة ١٩٤٢ لأنه رفض ان يحمل السلاح وحوكم محاكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي.‏

      روى نيكولاي،‏ ابن پارفين،‏ تلك الاحداث قائلا:‏ «اصدرت هذه المحكمة العسكرية حكما بالموت على ١٠٠ اخ.‏ وكان يجب تنفيذ الحكم فورا.‏ فجمع الضباط كل الاخوة واختاروا اول عشرة منهم ليطلقوا النار عليهم.‏ لكن أُجبِر هؤلاء العشرة في البداية على حفر قبورهم هم بأنفسهم فيما كان الـ‍ ٩٠ الآخرون يراقبونهم.‏ وقبل اطلاق النار عليهم،‏ منحهم الضباط فرصة اخرى لإنكار ايمانهم والالتحاق بالجيش.‏ فساير اثنان،‏ فيما أردتْ النار الثمانية الآخرين قتلى.‏ بعد ذلك،‏ اصطفّ عشرة آخرون.‏ لكن قبل اطلاق الرصاص عليهم،‏ كان يجب ان يدفنوا الموتى الذين سبقوهم.‏

      ‏«بينما كان الاخوة يملأون القبور،‏ وصل ضابط رفيع المنصب.‏ وسأل عن عدد الشهود الذين غيّروا رأيهم.‏ وعندما اخبروه انهم اثنان فقط،‏ ذكر انه اذا لزم ان يموت ٨٠ ليلتحق ٢٠ بالجيش يكون من المفيد اكثر ارسال الـ‍ ٩٢ الباقين الى معسكرات العمل الالزامي.‏ نتيجة لذلك،‏ خُفِّفت احكام الموت الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي.‏ ولكن بعد ثلاث سنوات تقريبا،‏ تحرَّر الشهود من المعسكرات الرومانية على يد القوات السوڤياتية الزاحفة.‏ لقد نجا ابي من هذه المحنة ومن محن اخرى كثيرة.‏ ومات امينا ليهوه سنة ١٩٨٤».‏

      عدم الاذعان للارثوذكسية:‏ جريمة؟‏!‏

      كان ڤاسيل ڠرمَن شابا متزوجا.‏ وكانت زوجته قد انجبت طفلة لتوّها عندما اعتقله الفاشيّون في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٢.‏ اتُّهِم ڤاسيل «بجريمتين»:‏ رفضه اداء الخدمة العسكرية وعدم تعميده ابنته لدى الكنيسة الارثوذكسية.‏ يتذكر ڤاسيل ما حدث:‏ «في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤٣،‏ كان سيُنظر في قضيتي امام محكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي بالاضافة الى قضايا ٦٩ أخا أمينا آخر.‏ وقبل تنفيذ الحكم،‏ اجبرتنا السلطات على مشاهدة تنفيذ حكم الاعدام في ستة مجرمين.‏ وهكذا،‏ كنا على يقين اننا اللاحقون في تلقّي عقوبة الموت.‏

      ‏«ناقشنا الموضوع في ما بيننا وعزمنا على البقاء اقوياء في الايمان وبذل كل جهد للمحافظة على حالة نفسية فرِحة حتى نهاية المحاكمة.‏ وقد نجحنا بمساعدة يهوه.‏ فعندما تلقينا نحن الـ‍ ٧٠ جميعا كما كان متوقعا الحكم بالموت،‏ شعرنا فعلا اننا نتعذب من اجل البرّ.‏ ولم يشعر ايٌّ منا بالتثبط مما اغاظ اعداءنا.‏ ثم حدثت مفاجأة.‏ فبدلا من اطلاق النار علينا،‏ غيّرت السلطات الاحكام الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي في معسكر أيود في رومانيا.‏ لكن حتى هذا الحكم لم يتم تنفيذه بالكامل.‏ فقد حرّر الجيش السوڤياتي المتقدّم المعسكرَ في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٤،‏ اي بعد ثمانية عشر شهرا فقط».‏

      في سنة ١٩٤٢،‏ جنّد الفاشيون الزاميا نحو ٨٠٠ رجل من قرية شيراوتس في مولدوڤا ليخدموا في جيش القائد انتونيسكو.‏ كان بينهم عدد من الشهود مثل نيكولاي آنيسكيڤيتش.‏ ذكر نيكولاي:‏ «في البداية،‏ امرتنا الشرطة ان نشارك في مراسم دينية.‏ فرفضنا نحن الشهود فعل ذلك.‏ كما رفضنا حمل الاسلحة.‏ فكانت النتيجة ان الشرطة اتهمتنا اننا شيوعيون واعتقلتنا.‏ ولكن قبل زجّنا في السجن،‏ سمحوا لنا ان نوضح لجميع الحاضرين سبب موقفنا الحيادي.‏

      ‏«نُقِلنا في اليوم التالي الى بريشيني،‏ المركز القضائي للمنطقة.‏ وهناك،‏ جُرّدنا من ثيابنا وفُتّشنا بالكامل.‏ ثم استجوبنا كاهن يحمل رتبة عسكرية عالية.‏ كان لطيفا وتفهّم موقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا ورتّب ان يتم إطعامنا.‏ وعلاوة على ذلك،‏ كتب ان سبب رفضنا حمل السلاح هو ايماننا بيسوع.‏

      ‏«انتقلنا من بريشيني الى مركز الشرطة في ليپكاني.‏ وهناك،‏ اشبعتنا الشرطة ضربا دون رحمة حتى بعد هبوط الظلام.‏ ثم وضعونا في زنزانة مع اثنَين من الاخوة وامرأة تبيّن في ما بعد انها جاسوسة.‏ كنا نُضرَب يوميا ولعدّة ايام.‏ وفي آخر الامر،‏ أُرسِلتُ الى تشيرنوڤتسي لأُحاكَم محاكمة عسكرية.‏ وهناك،‏ عُيِّن لي محامٍ تبيَّن انه مفيد جدا.‏ ولكن مع هذا،‏ تدهورت صحتي كثيرا من سوء المعاملة حتى ان السلطات العسكرية ظنّت انني سأموت.‏ وفي النهاية،‏ قرّروا ان يعيدوني الى بيتي دون ان يُنزلوا بي العقوبة».‏

      الاخوات الشجاعات يحافظْن على الاستقامة

      اختبرت الاخوات ايضا قساوة حنق الفاشيّة.‏ كانت احداهن ماريّا ڠرمَن (‏ليست من اقارب ڤاسيل ڠرمَن لكن من نفس الجماعة)‏.‏ اعتُقِلت ماريّا سنة ١٩٤٣ وأُخذت الى مركز الشرطة في بالاسينشتي.‏ تتذكر:‏ «اعتقلتني الشرطة لأنني رفضت الذهاب الى الكنيسة الارثوذكسية.‏ نقلوني في البداية الى ليپكاني في مولدوڤا ثم الى تشيرنوڤتسي في اوكرانيا حيث حُكم عليّ.‏

      ‏«سألني القاضي لماذا رفضتُ الذهاب الى الكنيسة.‏ فأخبرته انني اعبد يهوه فقط.‏ وبسبب هذه ‹الجريمة›،‏ حُكم عليّ مع ٢٠ أختا اخرى بالسجن ٢٠ سنة.‏ حُشِر البعض منا في زنزانة صغيرة مع ٣٠ نزيلة اخرى.‏ لكن،‏ كانوا يرسلونني خلال النهار لأقوم بالاعمال المنزلية في بيوت الاغنياء.‏ ويمكنني القول ان هؤلاء الاغنياء عاملوني بطريقة افضل من رسميّي السجن،‏ فعلى الاقل اعطوني ما يكفي من الطعام!‏

      ‏«مع الوقت،‏ اتصلنا بالاخوة الذين كانوا في جناح آخر من السجن.‏ كان هذا الاتصال مفيدا لأننا تمكنّا من مساعدتهم على الحصول على الطعام الروحي والجسدي».‏

      مثل الكثير من الشهود المولدوڤيين،‏ احتمل المحافظون على الاستقامة هؤلاء حنقَ الفاشيّة ليواجهوا هجوما آخر على ايمانهم.‏ وقد قامت بهذا الهجوم الدولة الاقليمية التالية:‏ روسيا الشيوعية.‏

      التكتيك السوڤياتي:‏ الترحيل

      في سنة ١٩٤٤،‏ عندما اوشكت الحرب على نهايتها،‏ وانعكس التيار ضد المانيا،‏ قامت عناصر في الحكومة الرومانية بقيادة الملك ميهاي بالاطاحة بنظام حكم انتونيسكو.‏ وحوّلت رومانيا ولاءها من دول المحور الى روسيا.‏ في تلك السنة عينها،‏ وطّد الجيش السوڤياتي المتقدّم سلطة روسيا على المنطقة موحِّدا مولدوڤا ثانية مع الاتحاد السوڤياتي كجمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.‏

      في البداية،‏ لم يتدخل حكام مولدوڤا الشيوعيون بشؤون شهود يهوه.‏ إلّا ان هذه الفترة من الهدوء كانت قصيرة الامد.‏ فالحياد المسيحي،‏ بما فيه رفض الشهود التصويت في انتخابات الاحزاب،‏ سرعان ما اصبح ثانية مثار جدل.‏ فالنظام السوڤياتي لم يسمح بالحياد السياسي.‏ ولحلّ المشكلة،‏ خططت الحكومة لترحيل شهود يهوه و «غير المرغوب فيهم» ابتداء من سنة ١٩٤٩.‏

      أعلنت وثيقة رسمية «قرار المكتب السياسي للّجنة المركزية للحزب الشيوعي» المتعلق بمن ينبغي ترحيلهم من جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.‏ وقد شمل هؤلاء «مالكي أراضٍ سابقين،‏ تجارا كبارا،‏ شركاء نشيطين للغزاة الالمان،‏ اشخاصا كانوا يتعاونون مع قوات الشرطة الالمانية والرومانية،‏ اعضاء الاحزاب والهيئات التي تؤيد الفاشيّة،‏ الاعضاء الذين لا ينتمون الى المجموعة الاشتراكية،‏ اعضاء الفرق الدينية غير الشرعية،‏ اضافة الى عائلات الفئات المذكورة».‏ وكان هؤلاء سيرسَلون جميعا الى سيبيريا الغربية «الى وقت غير محدَّد».‏

      ابتدأت موجة ترحيل ثانية سنة ١٩٥١،‏ لكن هذه المرة استُهدف شهود يهوه وحدهم.‏ وقد اصدر ستالين شخصيا أمْر هذا الترحيل الذي دُعي عملية الشمال.‏ فما يزيد على ٧٢٠ عائلة من الشهود،‏ اي ٦٠٠‏,٢ شخص تقريبا،‏ رُحِّلوا من مولدوڤا الى تومْسْك التي تبعد نحو ٥٠٠‏,٤ كيلومتر في سيبيريا الغربية.‏

      ذكرت التعليمات الرسمية انه سيُعطى الافراد وقتا كافيا لجمع ممتلكاتهم الشخصية قبل أخذهم الى القطارات التي كانت ستقلّهم.‏ كما كان من المفترض ان تكون حافلات السكة الحديدية «معدّة جيدا للنقل البشري».‏ لكنّ الحقيقة كانت مختلفة تماما.‏

      ففي منتصف الليل،‏ يحضر نحو ثمانية جنود ورسميين الى كل بيت من بيوت الشهود.‏ يوقظون افراد العائلة ويطلعونهم على امر الترحيل.‏ ويسمحون لهم ببضع ساعات لجمع ما يمكنهم من الممتلكات قبل أخذهم الى قطارات الترحيل.‏

      كانت حافلات الركاب عبارة عن مقطورات شحن مغلقة.‏ وكان يُحشر في كل مقطورة نحو ٤٠ شخصا من كل الاعمار وينطلقون في رحلة تستغرق اسبوعين.‏ كما لم يكن فيها مقاعد ولا عزل حراري.‏ وفي احدى زوايا الحافلة،‏ كان يوجد ثقب في الارض يُستعمل كمرحاض.‏ اضافة الى ذلك،‏ وقبل ترحيل الاخوة،‏ كان من المفترض ان يسجّل الرسميون المحليون ممتلكات كل شخص.‏ وكثيرا ما كانوا يسجّلون ما قيمته قليلة،‏ أمّا الاشياء الثمينة فكانت «تختفي» ببساطة.‏

      ولكن بالرغم من كل هذه المظالم والمشقات،‏ لم يفقد الاخوة فرحهم المسيحي.‏ فكلما تقاربت القطارات التي تقلّ الشهود عند مفترق طرق السكة الحديدية،‏ سُمعت ترانيم الملكوت تدوّي في المقطورات الاخرى.‏ وهكذا،‏ عرف الاخوة في كل قطار انهم ليسوا وحيدين،‏ وأن المئات من اخوتهم الشهود رُحِّلوا معهم.‏ ان رؤية وسماع واحدهم الآخر يعبّرون عن الفرح في هذه الظروف الشاقة شجّعهم وقوّى تصميمهم على البقاء امناء ليهوه مهما حدث.‏ —‏ يعقوب ١:‏٢‏.‏

      ايمان جدير بالاقتداء

      كان إيڤان ميكيتكوڤ احد المولدوڤيين المرَحّلين الى سيبيريا.‏ فقد اعتُقل للمرة الاولى مع شهود آخرين في مولدوڤا سنة ١٩٥١ ونُفي الى تومْسْك.‏ كانت مهمّته قطع الاشجار في احراج الصنوبر السيبيرية.‏ وبالرغم من انه لم يُحجز في معسكر للعمل الالزامي،‏ كانت حريته مقيّدة والبوليس السري يراقبه عن كثب.‏ مع ذلك،‏ اغتنم وإخوته الروحيون كل فرصة للشهادة للآخرين.‏

      يذكر إيڤان:‏ «نظّمنا انفسنا في جماعات في هذه الظروف الحالكة الجديدة.‏ حتى اننا ابتدأنا بإنتاج مطبوعاتنا الخاصة.‏ وبمرور الوقت،‏ قَبِل الحق بعض الذين كرزنا لهم واعتمدوا.‏ إلّا ان السلطات علمت في آخر الامر بنشاطاتنا وحكمت على البعض منا بالذهاب الى معسكرات العمل الالزامي.‏

      ‏«حُكِم عليّ مع رفقاء شهود آخرين مثل پاڤْيل داندارا،‏ مينا ڠوراش،‏ وڤاسيل شارْبان بقضاء ١٢ سنة من العمل الالزامي تحت مراقبة صارمة.‏ كانت السلطات تأمل ان تُسكت هذه الاحكام القاسية الآخرين،‏ إلّا ان هذا لم يحدث.‏ فقد استمرّ اخوتنا في الكرازة أينما أُرسلوا.‏ أُطلق سراحي سنة ١٩٦٦ بعد ان خدمت مدة الحكم بأكملها.‏ فعدت الى تومْسْك ومكثت هناك ثلاث سنوات.‏

      ‏«انتقلت الى حوض الدونتز سنة ١٩٦٩ حيث التقيت بماريّا وتزوجتها.‏ انها اخت امينة وغيورة.‏ وفي سنة ١٩٨٣،‏ اعتُقلت ثانية.‏ لكنني تلقّيت هذه المرة حكما مزدوجا:‏ السجن مدة خمس سنين والترحيل خمس سنين اخرى.‏ وكان من الطبيعي ان اجد هذا الحكم اصعب بكثير من سابقه،‏ لأنه عنى الانفصال عن زوجتي وطفلي اللذَين كان عليهما ايضا تحمل المشقات.‏ ولكن من المفرح انني لم أقضِ كامل المدة.‏ فقد أُطلق سراحي سنة ١٩٨٧ بعد ان تولّى ميخائيل ڠورباتشوف مهام الامين العام للحزب الشيوعي السوڤياتي.‏ وسُمح لي بالعودة الى اوكرانيا ثم الى مولدوڤا.‏

      ‏«عندما عدت الى بلتسي،‏ ثاني اكبر مدينة في مولدوڤا،‏ كان فيها ٣٧٠ ناشرا وثلاث جماعات.‏ امّا اليوم،‏ ففيها ما يزيد عن ٧٠٠‏,١ ناشر و ١٦ جماعة!‏».‏

      ‏«هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل؟‏»‏

      قام المسؤولون في المعسكر وعملاء الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة السوڤياتية)‏ باستخدام طرائق سادية في محاولاتهم لتقويض استقامة الاخوة.‏ يتذكر كونستانتين ايڤانوڤيتش شوبه ما حدث لجدّه،‏ كونستانتين شوبه:‏ «سنة ١٩٥٢،‏ كان جدي يقضي حكمه في احد معسكرات العمل الالزامي في منطقة تشيتا،‏ شرق بحيرة بيكال في سيبيريا.‏ هدّده المسؤولون في المعسكر بإطلاق النار عليه وعلى الشهود الآخرين اذا لم ينكروا ايمانهم.‏

      ‏«ولأن الاخوة رفضوا المسايرة،‏ جمعهم المسؤولون خارج المعسكر عند طرف غابة.‏ كان الظلام قد بدأ يحلّ عندما اخذوا صديق جدي المفضَّل،‏ ڤاسيل،‏ مسافة قليلة داخل الغابة معلنين انهم سيطلقون النار عليه.‏ فانتظر الاخوة بقلق.‏ وسرعان ما مزّقت طلقات البنادق سكون الليل.‏

      ‏«عاد الحرس ليرافقوا الشاهد التالي،‏ جدي،‏ الى الغابة.‏ وبعد السير مسافة قصيرة،‏ توقفوا عند فسحة خالية من الاشجار.‏ كان هنالك عدة قبور محفورة وقد طُمر واحد منها.‏ فالتفت الضابط القائد الى جدي مشيرا الى القبر المطمور وقال:‏ ‹هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل ام تريد العودة الى عائلتك رجلا حرا؟‏ لديك دقيقتان لتحسم امرك›.‏ لم يكن جدي بحاجة الى دقيقتين.‏ فقد اجاب مباشرة:‏ ‹عرفتُ ڤاسيل الذي اطلقتم عليه النار لسنوات عدة.‏ والآن اتطلع بشوق الى الاتحاد به عندما يقام من الموت في العالم الجديد.‏ لديّ ملء الثقة انني سأكون في العالم الجديد مع ڤاسيل.‏ لكن هل ستكون انت هناك؟‏›.‏

      ‏«لم يتوقع الشرطي تلك الاجابة.‏ فعاد مع جدي والآخرين الى المعسكر.‏ وكما تبيّن،‏ لم يكن على جدي ان ينتظر القيامة حتى يرى ڤاسيل.‏ فالامر برمّته كان خدعة قاسية هدفها تقويض عزيمة الاخوة».‏

      فشل الدعاية الشيوعية

      بهدف زرع البغض والارتياب في شهود يهوه،‏ اصدر الشيوعيون الكتب،‏ الكراريس،‏ والافلام مفترين على شعب اللّٰه.‏ كان اسم احدى هذه الكراسات القعر المزدوج‏،‏ مصطلح يشير الى قسم سري للمطبوعات أضافه الاخوة الى اسفل الحقائب.‏ يتذكر نيكولاي ڤولوشانوڤسْكي كيف حاول قائد المعسكر استعمال هذه الكراسة لاذلاله امام السجناء الآخرين.‏

      يذكر نيكولاي:‏ «جمع قائد المعسكر كل النزلاء معا في احدى الثكنات.‏ ثم بدأ باقتباس فقرات من القعر المزدوج بما فيها الفقرات التي تضمنت عبارات افترائية عليّ شخصيا.‏ وعندما انتهى،‏ طلبتُ إذنا لطرح بعض الاسئلة.‏ فظن القائد انه اذا لبّى طلبي،‏ فسيتيح له ذلك فرصة ليسخر مني.‏

      ‏«سألت قائد المعسكر اذا كان يتذكر المرة الاولى التي قابلني فيها عندما جُنّدت للخدمة في معسكر العمل الالزامي.‏ فتذكر ذلك.‏ ثم سألته اذا كان يتذكر الاسئلة التي طرحها عليّ وهو يملأ اوراق التجنيد في ما يتعلق بمكان ولادتي،‏ جنسيتي وما الى ذلك.‏ فأجاب ثانية بنعم،‏ حتى انه اخبر الحاضرين ماذا كانت اجاباتي.‏ ثم طلبت منه ان يروي ما كتبه في الحقيقة على النماذج.‏ فأقرّ ان ما كتبه لم ينسجم مع اجاباتي.‏ عندها،‏ استدرت الى الجمهور قائلا:‏ ‹بهذه الطريقة نفسها كُتِبت هذه الكراسة›.‏ فصفّق السجناء فيما انصرف القائد غاضبا».‏

      خطة فرِّق تسُد

      خلال ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ استخدمت السلطات السوڤياتية المحبَطة اساليب جديدة في محاولاتها لتمزيق وحدة شهود يهوه.‏ ان كتاب السيف والترس‏،‏ الذي صدر سنة ١٩٩٩،‏ يوضح جزءا ممّا عُرف سابقا بسجلات الـ‍ KGB السرية الموجودة في ارشيف الحكومة.‏ يذكر الكتاب:‏ «في آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٩،‏ عُقد مؤتمر للمسؤولين في الـ‍ KGB الذين يقودون ‹الكفاح ضد أتباع يهوه [شهود يهوه]›.‏ واستنتجوا ان الاستراتيجية المثلى هي ‹الاستمرار في استعمال اساليب القمع واثارة الفوضى›.‏ فقد صمّم الـ‍ KGB على تفريق الشهود،‏ إيقاع الفوضى في صفوفهم،‏ وتشويه سمعتهم فضلا عن اعتقال قادتهم الاكثر نفوذا بتُهم ملفّقة».‏

      اشتملت «اساليب اثارة الفوضى» على حملة مدبّرة لزعزعة الثقة بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي.‏ ولتحقيق ذلك،‏ بدأ الـ‍ KGB بنشر اشاعات خبيثة مدّعين ان عددا من الاخوة الذين يتولّون القيادة بدأوا بالتعاون مع سلك امن الدولة.‏ لقد موّه الـ‍ KGB اكاذيبهم ببراعة حتى ان شهودا كثيرين تساءلوا عمّن يمكنهم الوثوق به.‏

      استعمل الـ‍ KGB حيلة اخرى تمثّلت في تدريب عملاء خصوصيين ليتظاهروا اولا بأنهم شهود «نشيطون» ثم يحاولوا الحصول على مراكز مسؤولية في الهيئة.‏ وبالطبع،‏ زوّد هؤلاء الجواسيس الـ‍ KGB بما يريدون من معلومات جعلتهم واسعي الاطلاع.‏ كما حاول الـ‍ KGB سرا رشوة شهود حقيقيين بمبالغ كبيرة من المال مقابل التعاون معهم.‏

      من المؤسف ان هذه الاساليب الخدّاعة نجحت الى حد ما في تمزيق وحدة الاخوة،‏ بمن فيهم الذين في مولدوڤا.‏ ونتيجة لذلك،‏ نشأ جوٌّ من الرَّيبة.‏ فانسحب بعض الاخوة من الهيئة وشكلوا فريقا منشقّا عُرِف بالمعارضة.‏

      قبل وقوع هذه الاحداث،‏ كان الاخوة في الاتحاد السوڤياتي يصفون هيئة يهوه،‏ والطعام الروحي الذي تزوّده،‏ والاخوة المسؤولين الذين تعيّنهم بالقناة التي يستخدمها اللّٰه.‏ ولكن ازداد التشويش والشك بشأن تلك القناة.‏ فكيف استطاع الاخوة ازالة التشويش؟‏ من المدهش انهم فعلوا ذلك بمساعدة الدولة السوڤياتية.‏ فمدبّرو المكائد انفسهم ساعدوا على حلّ المشاكل نفسها التي خلقوها.‏ فكيف ذلك؟‏

      لم يأخذوا روح اللّٰه في الحسبان

      في اوائل ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ جمعت السلطات السوڤياتية العديد من «قادة» الشهود من كل الاتحاد السوڤياتي ووضعتهم معا في معسكر واحد يبعد نحو ١٥٠ كيلومترا عن مدينة سارانسك في جمهورية موردڤينا بروسيا الغربية.‏ في السابق،‏ فصلت بين الاخوة مسافات كبيرة اعاقت الاتصال وعزّزت سوء الفهم.‏ امّا الآن فقد اجتمع معا المنضمون الى المعارضة المزعومة والشهود الآخرون.‏ وهكذا،‏ تكلّموا معا وجها لوجه وميّزوا الواقع من الخيال.‏ فلماذا جمعت السلطات كل هؤلاء الاخوة معا؟‏ من الواضح انهم ظنّوا ان الاخوة سيصطدمون بعضهم مع بعض،‏ وهكذا تتوسّع فجوة الانقسام.‏ لكن بالرغم من دهاء الخطة،‏ فشلت في اخذ روح يهوه الموحِّد في الحسبان.‏ —‏ ١ كورنثوس ١٤:‏٣٣‏.‏

      كان ڠيورڠي ڠوروبتس احد الاخوة المسجونين في موردڤينا.‏ يتذكر:‏ «بعيد اعتقالي وارسالي الى السجن،‏ التحق بنا اخ منضم الى المعارضة.‏ وعندما رأى ان الاخوة المسؤولين لا يزالون محتجزين،‏ استولت عليه الدهشة.‏ فقد قيل له اننا جميعا احرار طليقون ونعيش حياة رفاهية تحت رعاية الـ‍ KGB!‏».‏

      يتابع الاخ ڠوروبتس:‏ «اثناء سنتي الاولى في السجن،‏ احتُجز اكثر من ٧٠٠ شخص لأسباب دينية.‏ ومعظمهم كانوا من شهود يهوه.‏ عمِلنا جميعا في مصنع واحد وكان لدينا الوقت للتحدث مع هؤلاء المنضمين الى الفريق المنشق.‏ نتيجة لذلك،‏ توضحت امور كثيرة خلال السنتين ١٩٦٠ و ١٩٦١.‏ وأخيرا،‏ سنة ١٩٦٢،‏ كتبت لجنة البلد التي تشرف على الاتحاد السوڤياتي رسالة من داخل معسكر العمل الالزامي.‏ بُعِثت الرسالة الى كل الجماعات في الاتحاد السوڤياتي وبدأت بإصلاح الاضرار الكثيرة التي سبّبتها حملة اكاذيب الـ‍ KGB».‏

      تحديد هوية القناة الصحيحة

      حُرِّر الاخ ڠوروبتس من معسكر العمل الالزامي في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٤ وعاد فورا الى مولدوڤا.‏ لدى وصوله الى تاباني،‏ اكتشف ان الكثير من الشهود المحليين لا يزالون مشوشين بشأن مَن يستخدم يهوه لتزويد الطعام الروحي وتوجيه شعبه.‏ فكان عدد من الاخوة يقرأون الكتاب المقدس فقط.‏

      فشُكِّلت لجنة من ثلاثة اخوة ناضجين روحيا للمساعدة في توضيح الامور.‏ وأحد الامور الاولى التي فعلوها،‏ زيارة الجماعات في شمال مولدوڤا حيث يعيش معظم الشهود.‏ ان الامانة المستمرة لهؤلاء الاخوة والنظار المسيحيين الآخرين،‏ بالرغم من مكابدتهم الاضطهاد،‏ اقنعت كثيرين ان يهوه ما يزال يستخدم نفس الهيئة التي علّمتهم الحق في بداية الامر.‏

      في اواخر ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اصبح واضحا للـ‍ KGB استمرار تقدم عمل الكرازة بالرغم من الاضطهاد والخطط الاخرى.‏ علّق كتاب السيف والترس واصفا رد فعل الـ‍ KGB:‏ «كان يتم ازعاج مركز [الـ‍ KGB] بتقارير تبيّن انه حتى في معسكرات العمل الالزامي،‏ ‹لم يرفض قادة وسلطات شهود يهوه معتقداتهم المعادية للعقيدة السوڤياتية واستمروا في اتمام عملهم اليَهوَهي بالرغم من ظروف المعسكر›.‏ كما عُقد مؤتمر في [كيشيناو] في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٦٧ ضمّ شرطة الـ‍ KGB الذين يدبرون العمليات ضد شهود يهوه.‏ ناقش هذا المؤتمر اساليب جديدة ‹لمنع عمل الطائفيين العدائي› و ‹التدمير الايديولوجي الذي يقومون به›».‏

      المضايقة من اخوة سابقين

      من المؤسف ان بعض الافراد وقعوا ضحية هذه «الاساليب الجديدة» واصبحوا رهن اشارة الـ‍ KGB.‏ فقد استسلم البعض للجشع او الخوف من الانسان،‏ فيما نمّى آخرون كانوا اخوة سابقين كرها للشهود.‏ فبدأت السلطات باستخدامهم محاوِلةً كسر استقامة الاخوة الامناء.‏ ذكر شهود تحملوا السجن ومعسكرات العمل الالزامي ان اكثر المواقف ايلاما التي واجهوها،‏ كان تعرّضهم للمضايقة من اخوة سابقين اصبح بعضهم الآن مرتدين.‏

      كان العديد من المرتدين اعضاء في المعارضة المذكورة سابقا.‏ فقد اشتمل فريق المعارضة هذا في البداية على من شوَّشتهم اكاذيب الـ‍ KGB.‏ لكن كان بين الذين بقوا منضمين الى هذا الفريق حتى اواخر ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اشخاص برهنوا على الروح الشرير لصف العبد السيِّئ.‏ فبتجاهلهم تحذير يسوع،‏ بدأوا ‹يضربون العبيد رفقاءهم›.‏ —‏ متى ٢٤:‏٤٨،‏ ٤٩‏.‏

      مع ذلك،‏ فشلت مؤامرة تقسيم واخضاع شعب اللّٰه بالرغم من كل الضغوط التي شكّلها الـ‍ KGB وأتباعهم مدة طويلة.‏ فعندما بدأ الاخوة الامناء في بداية ستينات الـ‍ ١٩٠٠ بتوحيد الهيئة ثانية في مولدوڤا،‏ كان معظم الاخوة هناك اعضاء في المعارضة.‏ لكن بحلول سنة ١٩٧٢،‏ عادت الاغلبية للعمل بولاء مع هيئة يهوه.‏

      مضطَهِد يتصف بالتقدير

      ان الاشخاص الامناء الذين بقوا في مولدوڤا اثناء العهد الشيوعي استمروا في عمل الكرازة بأقصى جهودهم.‏ فكانوا يشهدون بطريقة غير رسمية للعائلة،‏ الاصدقاء،‏ والزملاء في المدرسة والعمل.‏ لكنهم كانوا حذرين لأن العديد من رسميي الاحزاب في مولدوڤا كانوا ملتزمين بشدة بالايديولوجية الشيوعية.‏ ومع ذلك،‏ لم يزدرِ جميع الشيوعيين بشهود يهوه.‏

      يتذكر سْيمْيون ڤولوشانوڤسْكي:‏ «فتّشت الشرطة بيتنا وصادرت مقدارا كبيرا من المطبوعات،‏ أدرجها الشرطي المسؤول في لائحة.‏ ثم عاد لاحقا وطلب مني التحقق من بنود اللائحة.‏ واثناء مراجعتها،‏ لاحظت حذف احدى مجلات برج المراقبة التي ناقشت موضوع العائلة وكيفية جعل الحياة العائلية اسعد.‏ سألت الشرطي عنها.‏ فأجابني وهو مرتبك خجلا:‏ ‹لقد اخذتها الى البيت وقرأناها معا كعائلة›.‏ سألته:‏ ‹هل اعجبك ما قرأت؟‏›.‏ فقال:‏ ‹بالطبع!‏ لقد احببناها!‏›».‏

      المقاومة تخفّ والنمو يستمر

      خلال سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ تخلّت السلطات الشيوعية عن سياستها في اعتقال ونفي شعب يهوه.‏ مع ذلك،‏ اعتُقل بعض الاخوة وحوكِموا بسبب الشهادة او حضور الاجتماعات المسيحية.‏ إلّا ان الاحكام كانت اقل صرامة.‏

  • مولدوڤا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
    • ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١١٣-‏١١٥]‏

      وُلدتُ في المنفى

      ليديا سڤاستيان

      تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٤

      تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٥

      لمحة عن حياتها:‏ بعد ان تربّت في كنف أمّها الشاهدة وأبيها غير المؤمن،‏ فقدت الاتصال بشهود يهوه عدة سنوات.‏

      اصبحت أمي وجدتي من شهود يهوه في بداية اربعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ أما ابي،‏ فلم يقبل حق الكتاب المقدس آنذاك رغم انه كان رجلا فاضلا.‏ بحلول سنة ١٩٥١،‏ كان لأمي ولدان وفي الوقت نفسه حبلى بتوأمين.‏ حاولت السلطات في نيسان (‏ابريل)‏ تلك السنة عينها ان تفرّق عائلتنا.‏ فبينما كان ابي في عمله،‏ أخذوا امي،‏ التي كانت على وشك الانجاب،‏ مع شقيقيّ الاكبر سنا ليستقلوا قطارا متجها الى سيبيريا.‏ ولكن قبل الرحيل،‏ تمكنت امي من ايصال الخبر الى ابي الذي أسرع في العودة الى البيت.‏ وبالرغم من انه لم يكن شاهدا،‏ ركب القطار وذهب الى المنفى مع عائلته.‏

      خلال الرحلة الى سيبيريا،‏ سُمِح لأمي بالمكوث قليلا ببلدة اسينو لتنجب التوأمين.‏ وذهبت بقية العائلة الى منطقة تومْسْك حيث أمّن لها ابي مكانا للسكن.‏ أُعطيَ ابي تعيينا للعمل جنبا الى جنب مع الاخوة.‏ وبعد بضعة اسابيع،‏ انضمت امي والتوأمان المولودان حديثا الى العائلة.‏ من المؤسف ان التوأمين ماتا بسبب الظروف المعيشية القاسية التي مررنا بها.‏

      مع ذلك،‏ انجبت امي في المنفى اربعة اولاد آخرين بمن فيهم انا وأخي التوأم.‏ لقد اعتنى ابي بنا جميعا بإخلاص.‏ وأخيرا في سنة ١٩٥٧،‏ سُمِح لنا بالعودة الى قريتنا الأم.‏ كما استمرت امي في غرس مبادئ الكتاب المقدس في قلوبنا رغم ان البوليس السري كان يتعقبها خلسة.‏

      من ناحية ثانية،‏ كان ابي مهتما بشكل رئيسي بحصول اولاده على تعليم دنيوي جيد.‏ لذلك ذهبتُ الى كيشيناو بعمر ١٦ سنة لأدرس في الجامعة.‏ ثم تزوجت وانتقلت الى قازاخستان حيث اصبحت معزولة ليس فقط عن والديّ بل عن هيئة يهوه ايضا.‏ عدت الى كيشيناو سنة ١٩٨٢ وبدأت فورا بالبحث عن جماعة لشعب يهوه ولكن دون فائدة.‏ وشعرت طوال ثماني سنوات انني الوحيدة في المدينة الراغبة في عبادة يهوه.‏

      في يوم من الايام وفيما كنت انتظر في موقف للباص،‏ سمعت امرأتَين تتحدثان عن يهوه.‏ فاقتربت منهما اكثر لأسمع بوضوح.‏ فغيّرَتا الموضوع ظنا منهما انني عميلة للـ‍ KGB.‏ وعندما ابتدأتا بالابتعاد،‏ لحقت بهما،‏ الامر الذي كان واضحا انه أرعبهما.‏ فاقتربت منهما بسرعة وأقنعتهما بصدقي بعد مناقشة قصيرة.‏ وأخيرا رأيت حلمي بالانضمام الى هيئة يهوه يتحقق!‏ لكن من المؤسف ان زوجي عارض موقفي.‏

      كان لنا ولدان في ذلك الوقت.‏ وفي سنة ١٩٩٢،‏ خضعت لجراحة في عمودي الفقري.‏ وكان عليّ ان ابقى مستلقية دون حراك ستة اشهر في المستشفى.‏ خلال تلك المرحلة البائسة من حياتي،‏ حدث امر رائع.‏ فقد اتخذ ابني،‏ پاڤْيِل،‏ موقفا الى جانب يهوه واعتمد سنة ١٩٩٣ في المحفل الاممي في كييڤ.‏ بمرور الوقت،‏ استعدت عافيتي وتمكنت من المشي ثانية.‏ وهكذا رمزت انا ايضا الى انتذاري ليهوه سنة ١٩٩٥.‏

      ان اعضاء كثيرين من عائلتي هم اليوم شهود.‏ والفضل في ذلك هو ليهوه وأمي التي بقي مثالها الراسخ يلازمني دائما.‏ امّا بالنسبة الى والدي المخلص جدا،‏ فأنا سعيدة انه اصبح هو ايضا واحدا من خدام يهوه قبل موته.‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١١٧،‏ ١١٨]‏

      تضحياتنا تبدو زهيدة مقارنة بتضحيات يهوه

      ميهاي أورسوي

      تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٧

      تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٥

      لمحة عن حياته:‏ تعرّض للاضطهاد من الفاشيين والشيوعيين.‏

      أصبحتُ ناشرا للبشارة سنة ١٩٤١.‏ وفي سنة ١٩٤٢،‏ عندما كنت في الـ‍ ١٥ من عمري،‏ وجب عليّ ان اتلقى تدريبا عسكريا في المدرسة المحلية.‏ كانت صور الملك الروماني مايكل،‏ القائد انتونيسكو،‏ والعذراء مريم معلقة في الصف.‏ وكان علينا الانحناء امام تلك الصور ورسم اشارة الصليب في كل مرة ندخل فيها الغرفة.‏ فرفض ثلاثة منا فعل ذلك.‏

      لهذا السبب،‏ ضربنا البوليس المحلي بوحشية.‏ وقضينا الليلة في المدرسة.‏ وفي الصباح،‏ أُرسلنا الى كورجوتس حيث ضُربنا ثانية.‏ نُقِلنا من كورجوتس الى عدة اماكن اخرى قبل ارسالنا مشيا على الاقدام مسافة ١٠٠ كيلومتر تقريبا لتتم محاكمتنا محاكمة عسكرية.‏ لقد نزفت قدماي إثرَ السير كل تلك المسافة.‏ لكن أخيرا،‏ ونظرا الى صغر سني،‏ أُرسِلت الى بيتي دون الحكم عليّ.‏

      عندما كنت في الـ‍ ١٨ من عمري،‏ جنّدتني السلطات السوڤياتية الزاميا.‏ فرفضت مرة ثانية المسايرة في قضية الحياد،‏ وضُرِبنا بوحشية انا وصديقي ڠيورڠي نيمنكو.‏ في الواقع،‏ مات صديقي بعد ستة اسابيع متأثرا بإصاباته.‏ أما انا فعدت الى بيتي مرة اخرى بسبب سنّي.‏ اعتقلني السوڤيات سنة ١٩٤٧ وهدّدوني هذه المرة بإطلاق النار اذا رفضت الخدمة العسكرية.‏ لكنهم بدلا من ذلك،‏ وضعوني في سجن انفرادي مدة شهرين ثم أرسلوني الى العمل الالزامي في مشروع قناة الڤولڠا-‏دون.‏ كان عملا محفوفا بالمخاطر وقُتل الكثيرون بسببه.‏ لقد نجوت بشق النفس من الاصابة في حادث مات فيه كثيرون وأُرسِلت الى بيتي في مولدوڤا.‏

      تزوجت في مولدوڤا.‏ وفي سنة ١٩٥١،‏ نُفينا انا وزوجتي،‏ ڤيرا،‏ التي كانت حبلى آنذاك.‏ سافرنا في البداية بالقطار ثم بالقارب الى احراج الصنوبر السيبيرية،‏ منطقة غابات ضخمة مجاورة للقطب الشمالي،‏ حيث كان عليّ ان اقطع الاشجار.‏ كما اضطررنا الى السكن مع ١٦ عائلة اخرى في كوخ.‏ ومن المفرح انه في سنة ١٩٥٩،‏ سُمِح لنا بالعودة الى مولدوڤا.‏

      لقد شجّعتني امور كثيرة خلال تلك السنوات الصعبة وما زلت اتشجّع بها حتى الآن.‏ أحدها المثال الذي رسمه اخي يون للايمان.‏ (‏انظر الصفحة ٨٩.‏)‏ فقد حُكِم عليه بالموت،‏ وبالرغم من انه لم يعلم بتخفيض حكمه،‏ رفض ان يساير.‏ كما يقوِّيني التأمل في طريقة اعتناء يهوه بي ولاحقا بزوجتي خلال المحن التي تحملناها من اجل اسمه.‏ مع ذلك،‏ تبدو تضحياتنا زهيدة مقارنة بتضحيات يهوه.‏ فقد أرسل ابنه ليموت فدية عنا.‏ ويساعدني التأمل في هذا التدبير الرائع على مواجهة كل يوم بفرح.‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٢١-‏١٢٣]‏

      شعرتُ بعناية يهوه الرقيقة

      ميهايلينا ڠِيورڠيتسا

      تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٠

      تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٧

      لمحة عن حياتها:‏ عملتْ ساعيةً للبريد ومترجمة خلال سنوات الحظر.‏

      تعلمت الحق سنة ١٩٤٥ وكنت فرحة بنقل البشارة الى جيراني في قريتي الأم،‏ ڠلوديني،‏ والقرية المجاورة،‏ پترونيا.‏ ولأنني كنت اشهد في المدرسة،‏ رفضت السلطات المدرسية اعطائي الدبلوم.‏ مع هذا،‏ تمتعت باستعمال ثقافتي للمساعدة في ترجمة المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس من الرومانية والاوكرانية الى الروسية.‏

      بُعيد معموديتي،‏ أُمسك بي وأنا اترجم.‏ وحُكِم عليّ بـ‍ ٢٥ سنة من العمل الالزامي في ڤوركوتا،‏ شمال الدائرة القطبية الشمالية حيث سبق ان سُجنت اخوات كثيرات.‏ استمررنا في الكرازة بالرغم من الظروف الشاقة.‏ كما تدبرنا أمر الحصول على مطبوعات.‏ وفي الواقع،‏ تمكنّا من نسخ بعض المطبوعات داخل المعسكر نفسه.‏

      التقيت ذات يوم امرأة شابة اعتُقلت لأن السلطات ظنت خطأ انها شاهدة.‏ فاقترحت عليها ان تفحص كلمة اللّٰه موضحةً لها ان يهوه لديه القدرة على تحرير شعبه اذا قصد ذلك.‏ قبلتْ في النهاية درسا في الكتاب المقدس وأصبحت اختا لنا.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى أُطلِق سراحها باكرا من المعسكر.‏

      نُقلتُ بعد ذلك الى كاراڠاندا في قازاخستان.‏ ثم أُطلِق سراحي اخيرا في ٥ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٦.‏ فذهبت الى تومْسْك حيث التقيت بألكسندرو ڠِيورڠيتسا وتزوجنا.‏ كان قد قضى ست سنوات في السجن بسبب ايمانه.‏ استمر كلانا في الكرازة في مقاطعة سيبيريا الشاسعة رغم معرفتنا ان البوليس السري كان ما يزال يراقبنا.‏ انتقلنا بعد ذلك الى إركوتْسْك الواقعة الى الغرب قليلا من بحيرة بيكال.‏ واستمررنا هناك في انتاج المطبوعات سرّا.‏ خدمنا لاحقا في بيشكَك في قيرغيزستان.‏ وبالرغم من توخّينا الحذر اثناء الشهادة،‏ قُبض على ألكسندرو وحُكِم عليه مدة ١٠ سنوات.‏

      سمح لي محامي الادّعاء بزيارة ألكسندرو وهو في السجن بانتظار المحاكمة.‏ وبما ان هذا لم يكن مسموحا في العادة،‏ سألته عن سبب لطفه.‏ فقال:‏ «انتما زوجان شابان،‏ ولديكما ولد.‏ وقد تعيدان النظر في قراركما».‏ فأخبرته اننا انا وألكسندرو اتخذنا قرارنا في خدمة يهوه منذ زمن بعيد وأننا مصممان على البقاء امينين.‏ فأجابني:‏ «لكنّ كتابكم المقدس يقول ان الكلب الحي خير من الاسد الميت».‏ (‏جامعة ٩:‏٤‏)‏ فقلت له:‏ «هذا صحيح،‏ لكن هذا الكلب الحي الذي تتكلم عنه لن يرث عالم اللّٰه الجديد».‏

      قضى ألكسندرو مدة ١٠ سنوات كاملة في السجن وسنة اضافية في الاقامة الجبرية.‏ انتقلنا بعد اطلاق سراحه الى قازاخستان ثم الى اوزبكستان للمساعدة في العمل.‏ وفي النهاية،‏ عدنا الى مولدوڤا سنة ١٩٨٣.‏ كنا فرحين بامتيازنا الذي لا يُضاهى ان نساعد ذوي القلوب المستقيمة في اماكن كثيرة مختلفة على التعلم عن يهوه.‏

      عندما اتأمل في الماضي،‏ اعترف ان حياتي لم تكن سهلة دائما.‏ لكن الامر نفسه ينطبق على جيراني الذين ليسوا شهودا.‏ فعليهم هم ايضا ان يتغلبوا على مشاكل كثيرة.‏ لكن الفرق هو اننا نتألم من اجل البشارة.‏ لهذا السبب،‏ شعرنا بعناية يهوه الرقيقة وحمايته.‏ وعلاوة على ذلك،‏ نحن نتطلع الى ما وراء تلك المحن:‏ مستقبل ابدي رائع.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة