-
مولدوڤاالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
-
-
محنة قاسية في ظل الفاشيّة
حاولت حكومة انتونيسكو الفاشيّة، بالتحالف مع هتلر ودول المحور، فرضَ ارادتها على شهود يهوه. تأمل في مثال أنتون پانتيا الذي ولد في سنة ١٩١٩. تعلّم أنتون الحق في مراهقته وكان غيورا في الخدمة من بيت الى بيت. تعرّض أنتون للضرب في عدة مناسبات، لكنّه دافع بجرأة عن حقه الشرعي كمواطن روماني في التحدث عن ايمانه وهكذا تجنّب الاساءة الجسدية لوقت قليل. غير ان الشرطة اعتقلته اخيرا. فجَرّته الشرطة الفاشية الى مركز شرطة وضربوه طيلة الليل. وما يثير الدهشة انهم اطلقوا سراحه بعد ذلك. يبلغ الاخ پانتيا من العمر الآن ٨٤ سنة، ولا يزال مصمما على البقاء امينا ليهوه.
پارفين پالامارتشوك، أخ آخر حافظ على استقامته، كان قد تعلّم حق الكتاب المقدس في مولدوڤا في عشرينات الـ ١٩٠٠. اصبح پارفين ايضا مناديا غيورا بالبشارة، وكثيرا ما كان يترك بيته لأسابيع ليكرز في المدن والقرى الممتدة من تشيرنوڤتسي الى لْڤوف في اوكرانيا. اعتقل الفاشيون پارفين سنة ١٩٤٢ لأنه رفض ان يحمل السلاح وحوكم محاكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي.
روى نيكولاي، ابن پارفين، تلك الاحداث قائلا: «اصدرت هذه المحكمة العسكرية حكما بالموت على ١٠٠ اخ. وكان يجب تنفيذ الحكم فورا. فجمع الضباط كل الاخوة واختاروا اول عشرة منهم ليطلقوا النار عليهم. لكن أُجبِر هؤلاء العشرة في البداية على حفر قبورهم هم بأنفسهم فيما كان الـ ٩٠ الآخرون يراقبونهم. وقبل اطلاق النار عليهم، منحهم الضباط فرصة اخرى لإنكار ايمانهم والالتحاق بالجيش. فساير اثنان، فيما أردتْ النار الثمانية الآخرين قتلى. بعد ذلك، اصطفّ عشرة آخرون. لكن قبل اطلاق الرصاص عليهم، كان يجب ان يدفنوا الموتى الذين سبقوهم.
«بينما كان الاخوة يملأون القبور، وصل ضابط رفيع المنصب. وسأل عن عدد الشهود الذين غيّروا رأيهم. وعندما اخبروه انهم اثنان فقط، ذكر انه اذا لزم ان يموت ٨٠ ليلتحق ٢٠ بالجيش يكون من المفيد اكثر ارسال الـ ٩٢ الباقين الى معسكرات العمل الالزامي. نتيجة لذلك، خُفِّفت احكام الموت الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي. ولكن بعد ثلاث سنوات تقريبا، تحرَّر الشهود من المعسكرات الرومانية على يد القوات السوڤياتية الزاحفة. لقد نجا ابي من هذه المحنة ومن محن اخرى كثيرة. ومات امينا ليهوه سنة ١٩٨٤».
عدم الاذعان للارثوذكسية: جريمة؟!
كان ڤاسيل ڠرمَن شابا متزوجا. وكانت زوجته قد انجبت طفلة لتوّها عندما اعتقله الفاشيّون في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٤٢. اتُّهِم ڤاسيل «بجريمتين»: رفضه اداء الخدمة العسكرية وعدم تعميده ابنته لدى الكنيسة الارثوذكسية. يتذكر ڤاسيل ما حدث: «في شباط (فبراير) ١٩٤٣، كان سيُنظر في قضيتي امام محكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي بالاضافة الى قضايا ٦٩ أخا أمينا آخر. وقبل تنفيذ الحكم، اجبرتنا السلطات على مشاهدة تنفيذ حكم الاعدام في ستة مجرمين. وهكذا، كنا على يقين اننا اللاحقون في تلقّي عقوبة الموت.
«ناقشنا الموضوع في ما بيننا وعزمنا على البقاء اقوياء في الايمان وبذل كل جهد للمحافظة على حالة نفسية فرِحة حتى نهاية المحاكمة. وقد نجحنا بمساعدة يهوه. فعندما تلقينا نحن الـ ٧٠ جميعا كما كان متوقعا الحكم بالموت، شعرنا فعلا اننا نتعذب من اجل البرّ. ولم يشعر ايٌّ منا بالتثبط مما اغاظ اعداءنا. ثم حدثت مفاجأة. فبدلا من اطلاق النار علينا، غيّرت السلطات الاحكام الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي في معسكر أيود في رومانيا. لكن حتى هذا الحكم لم يتم تنفيذه بالكامل. فقد حرّر الجيش السوڤياتي المتقدّم المعسكرَ في آب (اغسطس) ١٩٤٤، اي بعد ثمانية عشر شهرا فقط».
في سنة ١٩٤٢، جنّد الفاشيون الزاميا نحو ٨٠٠ رجل من قرية شيراوتس في مولدوڤا ليخدموا في جيش القائد انتونيسكو. كان بينهم عدد من الشهود مثل نيكولاي آنيسكيڤيتش. ذكر نيكولاي: «في البداية، امرتنا الشرطة ان نشارك في مراسم دينية. فرفضنا نحن الشهود فعل ذلك. كما رفضنا حمل الاسلحة. فكانت النتيجة ان الشرطة اتهمتنا اننا شيوعيون واعتقلتنا. ولكن قبل زجّنا في السجن، سمحوا لنا ان نوضح لجميع الحاضرين سبب موقفنا الحيادي.
«نُقِلنا في اليوم التالي الى بريشيني، المركز القضائي للمنطقة. وهناك، جُرّدنا من ثيابنا وفُتّشنا بالكامل. ثم استجوبنا كاهن يحمل رتبة عسكرية عالية. كان لطيفا وتفهّم موقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا ورتّب ان يتم إطعامنا. وعلاوة على ذلك، كتب ان سبب رفضنا حمل السلاح هو ايماننا بيسوع.
«انتقلنا من بريشيني الى مركز الشرطة في ليپكاني. وهناك، اشبعتنا الشرطة ضربا دون رحمة حتى بعد هبوط الظلام. ثم وضعونا في زنزانة مع اثنَين من الاخوة وامرأة تبيّن في ما بعد انها جاسوسة. كنا نُضرَب يوميا ولعدّة ايام. وفي آخر الامر، أُرسِلتُ الى تشيرنوڤتسي لأُحاكَم محاكمة عسكرية. وهناك، عُيِّن لي محامٍ تبيَّن انه مفيد جدا. ولكن مع هذا، تدهورت صحتي كثيرا من سوء المعاملة حتى ان السلطات العسكرية ظنّت انني سأموت. وفي النهاية، قرّروا ان يعيدوني الى بيتي دون ان يُنزلوا بي العقوبة».
الاخوات الشجاعات يحافظْن على الاستقامة
اختبرت الاخوات ايضا قساوة حنق الفاشيّة. كانت احداهن ماريّا ڠرمَن (ليست من اقارب ڤاسيل ڠرمَن لكن من نفس الجماعة). اعتُقِلت ماريّا سنة ١٩٤٣ وأُخذت الى مركز الشرطة في بالاسينشتي. تتذكر: «اعتقلتني الشرطة لأنني رفضت الذهاب الى الكنيسة الارثوذكسية. نقلوني في البداية الى ليپكاني في مولدوڤا ثم الى تشيرنوڤتسي في اوكرانيا حيث حُكم عليّ.
«سألني القاضي لماذا رفضتُ الذهاب الى الكنيسة. فأخبرته انني اعبد يهوه فقط. وبسبب هذه ‹الجريمة›، حُكم عليّ مع ٢٠ أختا اخرى بالسجن ٢٠ سنة. حُشِر البعض منا في زنزانة صغيرة مع ٣٠ نزيلة اخرى. لكن، كانوا يرسلونني خلال النهار لأقوم بالاعمال المنزلية في بيوت الاغنياء. ويمكنني القول ان هؤلاء الاغنياء عاملوني بطريقة افضل من رسميّي السجن، فعلى الاقل اعطوني ما يكفي من الطعام!
«مع الوقت، اتصلنا بالاخوة الذين كانوا في جناح آخر من السجن. كان هذا الاتصال مفيدا لأننا تمكنّا من مساعدتهم على الحصول على الطعام الروحي والجسدي».
مثل الكثير من الشهود المولدوڤيين، احتمل المحافظون على الاستقامة هؤلاء حنقَ الفاشيّة ليواجهوا هجوما آخر على ايمانهم. وقد قامت بهذا الهجوم الدولة الاقليمية التالية: روسيا الشيوعية.
التكتيك السوڤياتي: الترحيل
في سنة ١٩٤٤، عندما اوشكت الحرب على نهايتها، وانعكس التيار ضد المانيا، قامت عناصر في الحكومة الرومانية بقيادة الملك ميهاي بالاطاحة بنظام حكم انتونيسكو. وحوّلت رومانيا ولاءها من دول المحور الى روسيا. في تلك السنة عينها، وطّد الجيش السوڤياتي المتقدّم سلطة روسيا على المنطقة موحِّدا مولدوڤا ثانية مع الاتحاد السوڤياتي كجمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.
في البداية، لم يتدخل حكام مولدوڤا الشيوعيون بشؤون شهود يهوه. إلّا ان هذه الفترة من الهدوء كانت قصيرة الامد. فالحياد المسيحي، بما فيه رفض الشهود التصويت في انتخابات الاحزاب، سرعان ما اصبح ثانية مثار جدل. فالنظام السوڤياتي لم يسمح بالحياد السياسي. ولحلّ المشكلة، خططت الحكومة لترحيل شهود يهوه و «غير المرغوب فيهم» ابتداء من سنة ١٩٤٩.
أعلنت وثيقة رسمية «قرار المكتب السياسي للّجنة المركزية للحزب الشيوعي» المتعلق بمن ينبغي ترحيلهم من جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية. وقد شمل هؤلاء «مالكي أراضٍ سابقين، تجارا كبارا، شركاء نشيطين للغزاة الالمان، اشخاصا كانوا يتعاونون مع قوات الشرطة الالمانية والرومانية، اعضاء الاحزاب والهيئات التي تؤيد الفاشيّة، الاعضاء الذين لا ينتمون الى المجموعة الاشتراكية، اعضاء الفرق الدينية غير الشرعية، اضافة الى عائلات الفئات المذكورة». وكان هؤلاء سيرسَلون جميعا الى سيبيريا الغربية «الى وقت غير محدَّد».
ابتدأت موجة ترحيل ثانية سنة ١٩٥١، لكن هذه المرة استُهدف شهود يهوه وحدهم. وقد اصدر ستالين شخصيا أمْر هذا الترحيل الذي دُعي عملية الشمال. فما يزيد على ٧٢٠ عائلة من الشهود، اي ٦٠٠,٢ شخص تقريبا، رُحِّلوا من مولدوڤا الى تومْسْك التي تبعد نحو ٥٠٠,٤ كيلومتر في سيبيريا الغربية.
ذكرت التعليمات الرسمية انه سيُعطى الافراد وقتا كافيا لجمع ممتلكاتهم الشخصية قبل أخذهم الى القطارات التي كانت ستقلّهم. كما كان من المفترض ان تكون حافلات السكة الحديدية «معدّة جيدا للنقل البشري». لكنّ الحقيقة كانت مختلفة تماما.
ففي منتصف الليل، يحضر نحو ثمانية جنود ورسميين الى كل بيت من بيوت الشهود. يوقظون افراد العائلة ويطلعونهم على امر الترحيل. ويسمحون لهم ببضع ساعات لجمع ما يمكنهم من الممتلكات قبل أخذهم الى قطارات الترحيل.
كانت حافلات الركاب عبارة عن مقطورات شحن مغلقة. وكان يُحشر في كل مقطورة نحو ٤٠ شخصا من كل الاعمار وينطلقون في رحلة تستغرق اسبوعين. كما لم يكن فيها مقاعد ولا عزل حراري. وفي احدى زوايا الحافلة، كان يوجد ثقب في الارض يُستعمل كمرحاض. اضافة الى ذلك، وقبل ترحيل الاخوة، كان من المفترض ان يسجّل الرسميون المحليون ممتلكات كل شخص. وكثيرا ما كانوا يسجّلون ما قيمته قليلة، أمّا الاشياء الثمينة فكانت «تختفي» ببساطة.
ولكن بالرغم من كل هذه المظالم والمشقات، لم يفقد الاخوة فرحهم المسيحي. فكلما تقاربت القطارات التي تقلّ الشهود عند مفترق طرق السكة الحديدية، سُمعت ترانيم الملكوت تدوّي في المقطورات الاخرى. وهكذا، عرف الاخوة في كل قطار انهم ليسوا وحيدين، وأن المئات من اخوتهم الشهود رُحِّلوا معهم. ان رؤية وسماع واحدهم الآخر يعبّرون عن الفرح في هذه الظروف الشاقة شجّعهم وقوّى تصميمهم على البقاء امناء ليهوه مهما حدث. — يعقوب ١:٢.
ايمان جدير بالاقتداء
كان إيڤان ميكيتكوڤ احد المولدوڤيين المرَحّلين الى سيبيريا. فقد اعتُقل للمرة الاولى مع شهود آخرين في مولدوڤا سنة ١٩٥١ ونُفي الى تومْسْك. كانت مهمّته قطع الاشجار في احراج الصنوبر السيبيرية. وبالرغم من انه لم يُحجز في معسكر للعمل الالزامي، كانت حريته مقيّدة والبوليس السري يراقبه عن كثب. مع ذلك، اغتنم وإخوته الروحيون كل فرصة للشهادة للآخرين.
يذكر إيڤان: «نظّمنا انفسنا في جماعات في هذه الظروف الحالكة الجديدة. حتى اننا ابتدأنا بإنتاج مطبوعاتنا الخاصة. وبمرور الوقت، قَبِل الحق بعض الذين كرزنا لهم واعتمدوا. إلّا ان السلطات علمت في آخر الامر بنشاطاتنا وحكمت على البعض منا بالذهاب الى معسكرات العمل الالزامي.
«حُكِم عليّ مع رفقاء شهود آخرين مثل پاڤْيل داندارا، مينا ڠوراش، وڤاسيل شارْبان بقضاء ١٢ سنة من العمل الالزامي تحت مراقبة صارمة. كانت السلطات تأمل ان تُسكت هذه الاحكام القاسية الآخرين، إلّا ان هذا لم يحدث. فقد استمرّ اخوتنا في الكرازة أينما أُرسلوا. أُطلق سراحي سنة ١٩٦٦ بعد ان خدمت مدة الحكم بأكملها. فعدت الى تومْسْك ومكثت هناك ثلاث سنوات.
«انتقلت الى حوض الدونتز سنة ١٩٦٩ حيث التقيت بماريّا وتزوجتها. انها اخت امينة وغيورة. وفي سنة ١٩٨٣، اعتُقلت ثانية. لكنني تلقّيت هذه المرة حكما مزدوجا: السجن مدة خمس سنين والترحيل خمس سنين اخرى. وكان من الطبيعي ان اجد هذا الحكم اصعب بكثير من سابقه، لأنه عنى الانفصال عن زوجتي وطفلي اللذَين كان عليهما ايضا تحمل المشقات. ولكن من المفرح انني لم أقضِ كامل المدة. فقد أُطلق سراحي سنة ١٩٨٧ بعد ان تولّى ميخائيل ڠورباتشوف مهام الامين العام للحزب الشيوعي السوڤياتي. وسُمح لي بالعودة الى اوكرانيا ثم الى مولدوڤا.
«عندما عدت الى بلتسي، ثاني اكبر مدينة في مولدوڤا، كان فيها ٣٧٠ ناشرا وثلاث جماعات. امّا اليوم، ففيها ما يزيد عن ٧٠٠,١ ناشر و ١٦ جماعة!».
«هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل؟»
قام المسؤولون في المعسكر وعملاء الـ KGB (لجنة امن الدولة السوڤياتية) باستخدام طرائق سادية في محاولاتهم لتقويض استقامة الاخوة. يتذكر كونستانتين ايڤانوڤيتش شوبه ما حدث لجدّه، كونستانتين شوبه: «سنة ١٩٥٢، كان جدي يقضي حكمه في احد معسكرات العمل الالزامي في منطقة تشيتا، شرق بحيرة بيكال في سيبيريا. هدّده المسؤولون في المعسكر بإطلاق النار عليه وعلى الشهود الآخرين اذا لم ينكروا ايمانهم.
«ولأن الاخوة رفضوا المسايرة، جمعهم المسؤولون خارج المعسكر عند طرف غابة. كان الظلام قد بدأ يحلّ عندما اخذوا صديق جدي المفضَّل، ڤاسيل، مسافة قليلة داخل الغابة معلنين انهم سيطلقون النار عليه. فانتظر الاخوة بقلق. وسرعان ما مزّقت طلقات البنادق سكون الليل.
«عاد الحرس ليرافقوا الشاهد التالي، جدي، الى الغابة. وبعد السير مسافة قصيرة، توقفوا عند فسحة خالية من الاشجار. كان هنالك عدة قبور محفورة وقد طُمر واحد منها. فالتفت الضابط القائد الى جدي مشيرا الى القبر المطمور وقال: ‹هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل ام تريد العودة الى عائلتك رجلا حرا؟ لديك دقيقتان لتحسم امرك›. لم يكن جدي بحاجة الى دقيقتين. فقد اجاب مباشرة: ‹عرفتُ ڤاسيل الذي اطلقتم عليه النار لسنوات عدة. والآن اتطلع بشوق الى الاتحاد به عندما يقام من الموت في العالم الجديد. لديّ ملء الثقة انني سأكون في العالم الجديد مع ڤاسيل. لكن هل ستكون انت هناك؟›.
«لم يتوقع الشرطي تلك الاجابة. فعاد مع جدي والآخرين الى المعسكر. وكما تبيّن، لم يكن على جدي ان ينتظر القيامة حتى يرى ڤاسيل. فالامر برمّته كان خدعة قاسية هدفها تقويض عزيمة الاخوة».
فشل الدعاية الشيوعية
بهدف زرع البغض والارتياب في شهود يهوه، اصدر الشيوعيون الكتب، الكراريس، والافلام مفترين على شعب اللّٰه. كان اسم احدى هذه الكراسات القعر المزدوج، مصطلح يشير الى قسم سري للمطبوعات أضافه الاخوة الى اسفل الحقائب. يتذكر نيكولاي ڤولوشانوڤسْكي كيف حاول قائد المعسكر استعمال هذه الكراسة لاذلاله امام السجناء الآخرين.
يذكر نيكولاي: «جمع قائد المعسكر كل النزلاء معا في احدى الثكنات. ثم بدأ باقتباس فقرات من القعر المزدوج بما فيها الفقرات التي تضمنت عبارات افترائية عليّ شخصيا. وعندما انتهى، طلبتُ إذنا لطرح بعض الاسئلة. فظن القائد انه اذا لبّى طلبي، فسيتيح له ذلك فرصة ليسخر مني.
«سألت قائد المعسكر اذا كان يتذكر المرة الاولى التي قابلني فيها عندما جُنّدت للخدمة في معسكر العمل الالزامي. فتذكر ذلك. ثم سألته اذا كان يتذكر الاسئلة التي طرحها عليّ وهو يملأ اوراق التجنيد في ما يتعلق بمكان ولادتي، جنسيتي وما الى ذلك. فأجاب ثانية بنعم، حتى انه اخبر الحاضرين ماذا كانت اجاباتي. ثم طلبت منه ان يروي ما كتبه في الحقيقة على النماذج. فأقرّ ان ما كتبه لم ينسجم مع اجاباتي. عندها، استدرت الى الجمهور قائلا: ‹بهذه الطريقة نفسها كُتِبت هذه الكراسة›. فصفّق السجناء فيما انصرف القائد غاضبا».
خطة فرِّق تسُد
خلال ستينات الـ ١٩٠٠، استخدمت السلطات السوڤياتية المحبَطة اساليب جديدة في محاولاتها لتمزيق وحدة شهود يهوه. ان كتاب السيف والترس، الذي صدر سنة ١٩٩٩، يوضح جزءا ممّا عُرف سابقا بسجلات الـ KGB السرية الموجودة في ارشيف الحكومة. يذكر الكتاب: «في آذار (مارس) ١٩٥٩، عُقد مؤتمر للمسؤولين في الـ KGB الذين يقودون ‹الكفاح ضد أتباع يهوه [شهود يهوه]›. واستنتجوا ان الاستراتيجية المثلى هي ‹الاستمرار في استعمال اساليب القمع واثارة الفوضى›. فقد صمّم الـ KGB على تفريق الشهود، إيقاع الفوضى في صفوفهم، وتشويه سمعتهم فضلا عن اعتقال قادتهم الاكثر نفوذا بتُهم ملفّقة».
اشتملت «اساليب اثارة الفوضى» على حملة مدبّرة لزعزعة الثقة بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي. ولتحقيق ذلك، بدأ الـ KGB بنشر اشاعات خبيثة مدّعين ان عددا من الاخوة الذين يتولّون القيادة بدأوا بالتعاون مع سلك امن الدولة. لقد موّه الـ KGB اكاذيبهم ببراعة حتى ان شهودا كثيرين تساءلوا عمّن يمكنهم الوثوق به.
استعمل الـ KGB حيلة اخرى تمثّلت في تدريب عملاء خصوصيين ليتظاهروا اولا بأنهم شهود «نشيطون» ثم يحاولوا الحصول على مراكز مسؤولية في الهيئة. وبالطبع، زوّد هؤلاء الجواسيس الـ KGB بما يريدون من معلومات جعلتهم واسعي الاطلاع. كما حاول الـ KGB سرا رشوة شهود حقيقيين بمبالغ كبيرة من المال مقابل التعاون معهم.
من المؤسف ان هذه الاساليب الخدّاعة نجحت الى حد ما في تمزيق وحدة الاخوة، بمن فيهم الذين في مولدوڤا. ونتيجة لذلك، نشأ جوٌّ من الرَّيبة. فانسحب بعض الاخوة من الهيئة وشكلوا فريقا منشقّا عُرِف بالمعارضة.
قبل وقوع هذه الاحداث، كان الاخوة في الاتحاد السوڤياتي يصفون هيئة يهوه، والطعام الروحي الذي تزوّده، والاخوة المسؤولين الذين تعيّنهم بالقناة التي يستخدمها اللّٰه. ولكن ازداد التشويش والشك بشأن تلك القناة. فكيف استطاع الاخوة ازالة التشويش؟ من المدهش انهم فعلوا ذلك بمساعدة الدولة السوڤياتية. فمدبّرو المكائد انفسهم ساعدوا على حلّ المشاكل نفسها التي خلقوها. فكيف ذلك؟
لم يأخذوا روح اللّٰه في الحسبان
في اوائل ستينات الـ ١٩٠٠، جمعت السلطات السوڤياتية العديد من «قادة» الشهود من كل الاتحاد السوڤياتي ووضعتهم معا في معسكر واحد يبعد نحو ١٥٠ كيلومترا عن مدينة سارانسك في جمهورية موردڤينا بروسيا الغربية. في السابق، فصلت بين الاخوة مسافات كبيرة اعاقت الاتصال وعزّزت سوء الفهم. امّا الآن فقد اجتمع معا المنضمون الى المعارضة المزعومة والشهود الآخرون. وهكذا، تكلّموا معا وجها لوجه وميّزوا الواقع من الخيال. فلماذا جمعت السلطات كل هؤلاء الاخوة معا؟ من الواضح انهم ظنّوا ان الاخوة سيصطدمون بعضهم مع بعض، وهكذا تتوسّع فجوة الانقسام. لكن بالرغم من دهاء الخطة، فشلت في اخذ روح يهوه الموحِّد في الحسبان. — ١ كورنثوس ١٤:٣٣.
كان ڠيورڠي ڠوروبتس احد الاخوة المسجونين في موردڤينا. يتذكر: «بعيد اعتقالي وارسالي الى السجن، التحق بنا اخ منضم الى المعارضة. وعندما رأى ان الاخوة المسؤولين لا يزالون محتجزين، استولت عليه الدهشة. فقد قيل له اننا جميعا احرار طليقون ونعيش حياة رفاهية تحت رعاية الـ KGB!».
يتابع الاخ ڠوروبتس: «اثناء سنتي الاولى في السجن، احتُجز اكثر من ٧٠٠ شخص لأسباب دينية. ومعظمهم كانوا من شهود يهوه. عمِلنا جميعا في مصنع واحد وكان لدينا الوقت للتحدث مع هؤلاء المنضمين الى الفريق المنشق. نتيجة لذلك، توضحت امور كثيرة خلال السنتين ١٩٦٠ و ١٩٦١. وأخيرا، سنة ١٩٦٢، كتبت لجنة البلد التي تشرف على الاتحاد السوڤياتي رسالة من داخل معسكر العمل الالزامي. بُعِثت الرسالة الى كل الجماعات في الاتحاد السوڤياتي وبدأت بإصلاح الاضرار الكثيرة التي سبّبتها حملة اكاذيب الـ KGB».
تحديد هوية القناة الصحيحة
حُرِّر الاخ ڠوروبتس من معسكر العمل الالزامي في حزيران (يونيو) ١٩٦٤ وعاد فورا الى مولدوڤا. لدى وصوله الى تاباني، اكتشف ان الكثير من الشهود المحليين لا يزالون مشوشين بشأن مَن يستخدم يهوه لتزويد الطعام الروحي وتوجيه شعبه. فكان عدد من الاخوة يقرأون الكتاب المقدس فقط.
فشُكِّلت لجنة من ثلاثة اخوة ناضجين روحيا للمساعدة في توضيح الامور. وأحد الامور الاولى التي فعلوها، زيارة الجماعات في شمال مولدوڤا حيث يعيش معظم الشهود. ان الامانة المستمرة لهؤلاء الاخوة والنظار المسيحيين الآخرين، بالرغم من مكابدتهم الاضطهاد، اقنعت كثيرين ان يهوه ما يزال يستخدم نفس الهيئة التي علّمتهم الحق في بداية الامر.
في اواخر ستينات الـ ١٩٠٠، اصبح واضحا للـ KGB استمرار تقدم عمل الكرازة بالرغم من الاضطهاد والخطط الاخرى. علّق كتاب السيف والترس واصفا رد فعل الـ KGB: «كان يتم ازعاج مركز [الـ KGB] بتقارير تبيّن انه حتى في معسكرات العمل الالزامي، ‹لم يرفض قادة وسلطات شهود يهوه معتقداتهم المعادية للعقيدة السوڤياتية واستمروا في اتمام عملهم اليَهوَهي بالرغم من ظروف المعسكر›. كما عُقد مؤتمر في [كيشيناو] في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٦٧ ضمّ شرطة الـ KGB الذين يدبرون العمليات ضد شهود يهوه. ناقش هذا المؤتمر اساليب جديدة ‹لمنع عمل الطائفيين العدائي› و ‹التدمير الايديولوجي الذي يقومون به›».
المضايقة من اخوة سابقين
من المؤسف ان بعض الافراد وقعوا ضحية هذه «الاساليب الجديدة» واصبحوا رهن اشارة الـ KGB. فقد استسلم البعض للجشع او الخوف من الانسان، فيما نمّى آخرون كانوا اخوة سابقين كرها للشهود. فبدأت السلطات باستخدامهم محاوِلةً كسر استقامة الاخوة الامناء. ذكر شهود تحملوا السجن ومعسكرات العمل الالزامي ان اكثر المواقف ايلاما التي واجهوها، كان تعرّضهم للمضايقة من اخوة سابقين اصبح بعضهم الآن مرتدين.
كان العديد من المرتدين اعضاء في المعارضة المذكورة سابقا. فقد اشتمل فريق المعارضة هذا في البداية على من شوَّشتهم اكاذيب الـ KGB. لكن كان بين الذين بقوا منضمين الى هذا الفريق حتى اواخر ستينات الـ ١٩٠٠، اشخاص برهنوا على الروح الشرير لصف العبد السيِّئ. فبتجاهلهم تحذير يسوع، بدأوا ‹يضربون العبيد رفقاءهم›. — متى ٢٤:٤٨، ٤٩.
مع ذلك، فشلت مؤامرة تقسيم واخضاع شعب اللّٰه بالرغم من كل الضغوط التي شكّلها الـ KGB وأتباعهم مدة طويلة. فعندما بدأ الاخوة الامناء في بداية ستينات الـ ١٩٠٠ بتوحيد الهيئة ثانية في مولدوڤا، كان معظم الاخوة هناك اعضاء في المعارضة. لكن بحلول سنة ١٩٧٢، عادت الاغلبية للعمل بولاء مع هيئة يهوه.
مضطَهِد يتصف بالتقدير
ان الاشخاص الامناء الذين بقوا في مولدوڤا اثناء العهد الشيوعي استمروا في عمل الكرازة بأقصى جهودهم. فكانوا يشهدون بطريقة غير رسمية للعائلة، الاصدقاء، والزملاء في المدرسة والعمل. لكنهم كانوا حذرين لأن العديد من رسميي الاحزاب في مولدوڤا كانوا ملتزمين بشدة بالايديولوجية الشيوعية. ومع ذلك، لم يزدرِ جميع الشيوعيين بشهود يهوه.
يتذكر سْيمْيون ڤولوشانوڤسْكي: «فتّشت الشرطة بيتنا وصادرت مقدارا كبيرا من المطبوعات، أدرجها الشرطي المسؤول في لائحة. ثم عاد لاحقا وطلب مني التحقق من بنود اللائحة. واثناء مراجعتها، لاحظت حذف احدى مجلات برج المراقبة التي ناقشت موضوع العائلة وكيفية جعل الحياة العائلية اسعد. سألت الشرطي عنها. فأجابني وهو مرتبك خجلا: ‹لقد اخذتها الى البيت وقرأناها معا كعائلة›. سألته: ‹هل اعجبك ما قرأت؟›. فقال: ‹بالطبع! لقد احببناها!›».
المقاومة تخفّ والنمو يستمر
خلال سبعينات الـ ١٩٠٠، تخلّت السلطات الشيوعية عن سياستها في اعتقال ونفي شعب يهوه. مع ذلك، اعتُقل بعض الاخوة وحوكِموا بسبب الشهادة او حضور الاجتماعات المسيحية. إلّا ان الاحكام كانت اقل صرامة.
-
-
مولدوڤاالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٤
-
-
[الاطار/الصورة في الصفحات ١١٣-١١٥]
وُلدتُ في المنفى
ليديا سڤاستيان
تاريخ الولادة: ١٩٥٤
تاريخ المعمودية: ١٩٩٥
لمحة عن حياتها: بعد ان تربّت في كنف أمّها الشاهدة وأبيها غير المؤمن، فقدت الاتصال بشهود يهوه عدة سنوات.
اصبحت أمي وجدتي من شهود يهوه في بداية اربعينات الـ ١٩٠٠. أما ابي، فلم يقبل حق الكتاب المقدس آنذاك رغم انه كان رجلا فاضلا. بحلول سنة ١٩٥١، كان لأمي ولدان وفي الوقت نفسه حبلى بتوأمين. حاولت السلطات في نيسان (ابريل) تلك السنة عينها ان تفرّق عائلتنا. فبينما كان ابي في عمله، أخذوا امي، التي كانت على وشك الانجاب، مع شقيقيّ الاكبر سنا ليستقلوا قطارا متجها الى سيبيريا. ولكن قبل الرحيل، تمكنت امي من ايصال الخبر الى ابي الذي أسرع في العودة الى البيت. وبالرغم من انه لم يكن شاهدا، ركب القطار وذهب الى المنفى مع عائلته.
خلال الرحلة الى سيبيريا، سُمِح لأمي بالمكوث قليلا ببلدة اسينو لتنجب التوأمين. وذهبت بقية العائلة الى منطقة تومْسْك حيث أمّن لها ابي مكانا للسكن. أُعطيَ ابي تعيينا للعمل جنبا الى جنب مع الاخوة. وبعد بضعة اسابيع، انضمت امي والتوأمان المولودان حديثا الى العائلة. من المؤسف ان التوأمين ماتا بسبب الظروف المعيشية القاسية التي مررنا بها.
مع ذلك، انجبت امي في المنفى اربعة اولاد آخرين بمن فيهم انا وأخي التوأم. لقد اعتنى ابي بنا جميعا بإخلاص. وأخيرا في سنة ١٩٥٧، سُمِح لنا بالعودة الى قريتنا الأم. كما استمرت امي في غرس مبادئ الكتاب المقدس في قلوبنا رغم ان البوليس السري كان يتعقبها خلسة.
من ناحية ثانية، كان ابي مهتما بشكل رئيسي بحصول اولاده على تعليم دنيوي جيد. لذلك ذهبتُ الى كيشيناو بعمر ١٦ سنة لأدرس في الجامعة. ثم تزوجت وانتقلت الى قازاخستان حيث اصبحت معزولة ليس فقط عن والديّ بل عن هيئة يهوه ايضا. عدت الى كيشيناو سنة ١٩٨٢ وبدأت فورا بالبحث عن جماعة لشعب يهوه ولكن دون فائدة. وشعرت طوال ثماني سنوات انني الوحيدة في المدينة الراغبة في عبادة يهوه.
في يوم من الايام وفيما كنت انتظر في موقف للباص، سمعت امرأتَين تتحدثان عن يهوه. فاقتربت منهما اكثر لأسمع بوضوح. فغيّرَتا الموضوع ظنا منهما انني عميلة للـ KGB. وعندما ابتدأتا بالابتعاد، لحقت بهما، الامر الذي كان واضحا انه أرعبهما. فاقتربت منهما بسرعة وأقنعتهما بصدقي بعد مناقشة قصيرة. وأخيرا رأيت حلمي بالانضمام الى هيئة يهوه يتحقق! لكن من المؤسف ان زوجي عارض موقفي.
كان لنا ولدان في ذلك الوقت. وفي سنة ١٩٩٢، خضعت لجراحة في عمودي الفقري. وكان عليّ ان ابقى مستلقية دون حراك ستة اشهر في المستشفى. خلال تلك المرحلة البائسة من حياتي، حدث امر رائع. فقد اتخذ ابني، پاڤْيِل، موقفا الى جانب يهوه واعتمد سنة ١٩٩٣ في المحفل الاممي في كييڤ. بمرور الوقت، استعدت عافيتي وتمكنت من المشي ثانية. وهكذا رمزت انا ايضا الى انتذاري ليهوه سنة ١٩٩٥.
ان اعضاء كثيرين من عائلتي هم اليوم شهود. والفضل في ذلك هو ليهوه وأمي التي بقي مثالها الراسخ يلازمني دائما. امّا بالنسبة الى والدي المخلص جدا، فأنا سعيدة انه اصبح هو ايضا واحدا من خدام يهوه قبل موته.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١١٧، ١١٨]
تضحياتنا تبدو زهيدة مقارنة بتضحيات يهوه
ميهاي أورسوي
تاريخ الولادة: ١٩٢٧
تاريخ المعمودية: ١٩٤٥
لمحة عن حياته: تعرّض للاضطهاد من الفاشيين والشيوعيين.
أصبحتُ ناشرا للبشارة سنة ١٩٤١. وفي سنة ١٩٤٢، عندما كنت في الـ ١٥ من عمري، وجب عليّ ان اتلقى تدريبا عسكريا في المدرسة المحلية. كانت صور الملك الروماني مايكل، القائد انتونيسكو، والعذراء مريم معلقة في الصف. وكان علينا الانحناء امام تلك الصور ورسم اشارة الصليب في كل مرة ندخل فيها الغرفة. فرفض ثلاثة منا فعل ذلك.
لهذا السبب، ضربنا البوليس المحلي بوحشية. وقضينا الليلة في المدرسة. وفي الصباح، أُرسلنا الى كورجوتس حيث ضُربنا ثانية. نُقِلنا من كورجوتس الى عدة اماكن اخرى قبل ارسالنا مشيا على الاقدام مسافة ١٠٠ كيلومتر تقريبا لتتم محاكمتنا محاكمة عسكرية. لقد نزفت قدماي إثرَ السير كل تلك المسافة. لكن أخيرا، ونظرا الى صغر سني، أُرسِلت الى بيتي دون الحكم عليّ.
عندما كنت في الـ ١٨ من عمري، جنّدتني السلطات السوڤياتية الزاميا. فرفضت مرة ثانية المسايرة في قضية الحياد، وضُرِبنا بوحشية انا وصديقي ڠيورڠي نيمنكو. في الواقع، مات صديقي بعد ستة اسابيع متأثرا بإصاباته. أما انا فعدت الى بيتي مرة اخرى بسبب سنّي. اعتقلني السوڤيات سنة ١٩٤٧ وهدّدوني هذه المرة بإطلاق النار اذا رفضت الخدمة العسكرية. لكنهم بدلا من ذلك، وضعوني في سجن انفرادي مدة شهرين ثم أرسلوني الى العمل الالزامي في مشروع قناة الڤولڠا-دون. كان عملا محفوفا بالمخاطر وقُتل الكثيرون بسببه. لقد نجوت بشق النفس من الاصابة في حادث مات فيه كثيرون وأُرسِلت الى بيتي في مولدوڤا.
تزوجت في مولدوڤا. وفي سنة ١٩٥١، نُفينا انا وزوجتي، ڤيرا، التي كانت حبلى آنذاك. سافرنا في البداية بالقطار ثم بالقارب الى احراج الصنوبر السيبيرية، منطقة غابات ضخمة مجاورة للقطب الشمالي، حيث كان عليّ ان اقطع الاشجار. كما اضطررنا الى السكن مع ١٦ عائلة اخرى في كوخ. ومن المفرح انه في سنة ١٩٥٩، سُمِح لنا بالعودة الى مولدوڤا.
لقد شجّعتني امور كثيرة خلال تلك السنوات الصعبة وما زلت اتشجّع بها حتى الآن. أحدها المثال الذي رسمه اخي يون للايمان. (انظر الصفحة ٨٩.) فقد حُكِم عليه بالموت، وبالرغم من انه لم يعلم بتخفيض حكمه، رفض ان يساير. كما يقوِّيني التأمل في طريقة اعتناء يهوه بي ولاحقا بزوجتي خلال المحن التي تحملناها من اجل اسمه. مع ذلك، تبدو تضحياتنا زهيدة مقارنة بتضحيات يهوه. فقد أرسل ابنه ليموت فدية عنا. ويساعدني التأمل في هذا التدبير الرائع على مواجهة كل يوم بفرح.
[الاطار/الصورة في الصفحات ١٢١-١٢٣]
شعرتُ بعناية يهوه الرقيقة
ميهايلينا ڠِيورڠيتسا
تاريخ الولادة: ١٩٣٠
تاريخ المعمودية: ١٩٤٧
لمحة عن حياتها: عملتْ ساعيةً للبريد ومترجمة خلال سنوات الحظر.
تعلمت الحق سنة ١٩٤٥ وكنت فرحة بنقل البشارة الى جيراني في قريتي الأم، ڠلوديني، والقرية المجاورة، پترونيا. ولأنني كنت اشهد في المدرسة، رفضت السلطات المدرسية اعطائي الدبلوم. مع هذا، تمتعت باستعمال ثقافتي للمساعدة في ترجمة المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس من الرومانية والاوكرانية الى الروسية.
بُعيد معموديتي، أُمسك بي وأنا اترجم. وحُكِم عليّ بـ ٢٥ سنة من العمل الالزامي في ڤوركوتا، شمال الدائرة القطبية الشمالية حيث سبق ان سُجنت اخوات كثيرات. استمررنا في الكرازة بالرغم من الظروف الشاقة. كما تدبرنا أمر الحصول على مطبوعات. وفي الواقع، تمكنّا من نسخ بعض المطبوعات داخل المعسكر نفسه.
التقيت ذات يوم امرأة شابة اعتُقلت لأن السلطات ظنت خطأ انها شاهدة. فاقترحت عليها ان تفحص كلمة اللّٰه موضحةً لها ان يهوه لديه القدرة على تحرير شعبه اذا قصد ذلك. قبلتْ في النهاية درسا في الكتاب المقدس وأصبحت اختا لنا. ولم يمضِ وقت طويل حتى أُطلِق سراحها باكرا من المعسكر.
نُقلتُ بعد ذلك الى كاراڠاندا في قازاخستان. ثم أُطلِق سراحي اخيرا في ٥ تموز (يوليو) ١٩٥٦. فذهبت الى تومْسْك حيث التقيت بألكسندرو ڠِيورڠيتسا وتزوجنا. كان قد قضى ست سنوات في السجن بسبب ايمانه. استمر كلانا في الكرازة في مقاطعة سيبيريا الشاسعة رغم معرفتنا ان البوليس السري كان ما يزال يراقبنا. انتقلنا بعد ذلك الى إركوتْسْك الواقعة الى الغرب قليلا من بحيرة بيكال. واستمررنا هناك في انتاج المطبوعات سرّا. خدمنا لاحقا في بيشكَك في قيرغيزستان. وبالرغم من توخّينا الحذر اثناء الشهادة، قُبض على ألكسندرو وحُكِم عليه مدة ١٠ سنوات.
سمح لي محامي الادّعاء بزيارة ألكسندرو وهو في السجن بانتظار المحاكمة. وبما ان هذا لم يكن مسموحا في العادة، سألته عن سبب لطفه. فقال: «انتما زوجان شابان، ولديكما ولد. وقد تعيدان النظر في قراركما». فأخبرته اننا انا وألكسندرو اتخذنا قرارنا في خدمة يهوه منذ زمن بعيد وأننا مصممان على البقاء امينين. فأجابني: «لكنّ كتابكم المقدس يقول ان الكلب الحي خير من الاسد الميت». (جامعة ٩:٤) فقلت له: «هذا صحيح، لكن هذا الكلب الحي الذي تتكلم عنه لن يرث عالم اللّٰه الجديد».
قضى ألكسندرو مدة ١٠ سنوات كاملة في السجن وسنة اضافية في الاقامة الجبرية. انتقلنا بعد اطلاق سراحه الى قازاخستان ثم الى اوزبكستان للمساعدة في العمل. وفي النهاية، عدنا الى مولدوڤا سنة ١٩٨٣. كنا فرحين بامتيازنا الذي لا يُضاهى ان نساعد ذوي القلوب المستقيمة في اماكن كثيرة مختلفة على التعلم عن يهوه.
عندما اتأمل في الماضي، اعترف ان حياتي لم تكن سهلة دائما. لكن الامر نفسه ينطبق على جيراني الذين ليسوا شهودا. فعليهم هم ايضا ان يتغلبوا على مشاكل كثيرة. لكن الفرق هو اننا نتألم من اجل البشارة. لهذا السبب، شعرنا بعناية يهوه الرقيقة وحمايته. وعلاوة على ذلك، نحن نتطلع الى ما وراء تلك المحن: مستقبل ابدي رائع.
-