-
الانحطاط الادبي واسع الانتشاراستيقظ! ١٩٩٢ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
الانحطاط الادبي واسع الانتشار
انه يُفسد كل وجه من المجتمع
المجتمع اليوم خالٍ من القيم. وتجزِّئه انماط حياة كثيرة. وتفكير الكثيرين يجري على هذا النحو: ‹كل نمط حياة هو اختيار مقبول. احتملْ نمطي، فأحتمل الذي لك. افعل انت ما يسرُّك، وأنا افعل ما يسرُّني. كل واحد يفعل ما يسرُّه. هنالك طرائق كثيرة للسلوك، وكل طريقة هي صائبة؛ لا شيء خطأ. فلم تعد توجد خطية. دافعوا عن حقوقكم. والاحتجاج السلمي هو همس؛ فاصرخوا بعنف. العنف شكل من حرية الكلام. والجنس يُتاح التعبير عنه مع مَن تختارون وبأية طريقة تريدون. الفحش فن. فعيشوا حياتكم ودعوا الآخرين يعيشون حياتهم.›
او انه ‹موتوا ودعوا الآخرين يموتون›؟ بتقدُّم القرن الـ ٢٠، كانت للناس افكار محدَّدة جدا عما هو صائب وما هو خطأ، ما هو ادبي وما هو فاسد ادبيا، ما هو جدير بالاكرام وما هو مخزٍ — ولا تزال لكثيرين هذه الافكار. ولكن بالنسبة الى الآخرين بدأ تغيير خلال خمسينات الـ ١٩٠٠ وازداد من ذلك الحين فصاعدا. فكامل قائمة الافكار عن الفضيلة، المبادئ الادبية، الكرامة، والاخلاق جُعلت تبدو غير منطقية، غير انسانية، وغير مقبولة. والافكار التي صارت سائدة رفَّعت الشخصية الفردية. واكَّدت النظرةَ بأن يعيش كل شخص بحسب الاهداف التي يحدِّدها هو بنفسه. وكانت القواعد الاخلاقية المقبولة في ذلك الحين ستصير التسامح، الاختلاف، وعدم الادانة. وفي هذه الفلسفة الجديدة، يُمنع المنع.
ان العواقب المصحوبة بكارثة لهذه الفلسفة استمرت في التكاثر حتى صارت فائضة في ثمانينات الـ ١٩٠٠، وهي لا تزال تزيد في تسعينات الـ ١٩٠٠. هذه مجرد تقارير قليلة عن العواقب المصحوبة بكارثة، ابتداء من خطاب عن القيم قدَّمه في مدينة نيويورك نائب رئيس مجلس احدى الشركات في مؤتمر عن الاخلاق في العمل:
«السياسيون يخونون منتخبيهم. السماسرة يسلبون زبائنهم. مديرو S&L [الادِّخار والقرض] يقودون مؤسساتهم الى الحضيض ويتركون دافعي الضرائب يتحملون التكاليف. الكارزون والراغبون في ان يكونوا رؤساء يخونون زوجاتهم. الاولاد يغشّون في الامتحانات، والملايين يهلكون انفسهم والآخرين بواسطة ويلات المخدرات والجريمة. . . . خمسون في المئة من كل الزيجات تنتهي الى الطلاق. واثنان وعشرون في المئة من كل الاولاد المولودين اليوم يولدون خارج رباط الزواج، وثلث كل الاولاد سيعيشون مع ازواج او زوجات والديهم قبل ان يبلغوا الـ ١٨ من العمر. فمن الواضح ان تحطُّم العائلة ضخم. واذا افترضتم ان صياغة القيم تبدأ في البيت — باكرا في الحياة — فحينئذ تكون اسباب الانحطاط في الاخلاق واضحة.» — خطابات اليوم الحيوية، ١ ايلول ١٩٩٠.
ان الصحف، المجلات، نشرات الاخبار، الافلام، وبرامج التلفزيون اليومية تعكس تدهور القيم التقليدية. وفي خطاب في جامعة شيكاڠو، قال رئيس مجلس شركة تشايس مانهاتن:
«سواء قلبتم اولا الى صفحات الالعاب الرياضية، تقرير واشنطن، او قسم الاعمال، فالدليل هو نفسه. فصفحات الالعاب الرياضية تعجّ بالفضائح الاخيرة للاعبي الكرة الذين يرتشون من اجل احراز نقاط اقل، فرق الجامعات الموضوعة تحت المراقبة بسبب زيادة الانتهاكات، الرياضيين المحترفين بسبب تعاطي المخدرات. والاخبار من واشنطن هي عن محاكمات للحِنْث في اليمين، قضاة فدراليين متَّهمين، بيع النفوذ، وآخر مشترع قيد التحقيق من قبل لجنة المبادئ الاخلاقية التابعة لمجلس النواب. اقلبوا الى قسم الاعمال وستجدون تشهيرا للمتاجرين الذين يستغلون معرفتهم لمعلومات سرية وما شابه ذلك.» — خطابات اليوم الحيوية، ١ آب ١٩٩٠.
ان فيض الكلام مستمر وصارم الى حد بعيد حتى ان الناس يصيرون لامبالين تجاهه. فلم تعد تصدمهم هذه الفضائح. والمحاضر الذي اقتُبس منه آنفا علَّق على ذلك: «ثمة اميركيون كثيرون لم تعد تغضبهم الاخبار عن زلّة اخلاقية اخرى ايضا. والمجرمون المدانون لم يعودوا منبوذين. انهم مشاهير. وتجري دعوتهم الى الحفلات الخاصة بالنخبة. ويكتبون الكتب الاكثر رواجا.»
وإيڤان بوسكي في وول ستريت انهى خطابا للتلاميذ في مدرسة تجارية برفع يديه فوق رأسه في وضع V علامة النصر وقال، «فليربح الجشع!» ولاحقا قاده جشعه الى التجارة باستغلال المعرفة لمعلومات سرية، وحوكم، أُدين، فُرضت عليه غرامة، وسُجن. وبلغت غرامته ١٠٠ مليون دولار اميركي، ولكنه توصَّل الى ابقاء اكثر من نصف بليون دولار اميركي. ومايكل مِلْكن، مضارب آخر في وول ستريت، فُرضت عليه غرامة من ٦٠٠ مليون دولار اميركي بسبب تعاملاته في السندات الشديدة الخطر — كسب ذلك المقدار تقريبا في سنة واحدة! وتمكَّن من الاحتفاظ ببليون ونصف بليون دولار اميركي.
نشرت مجلة اسبوع الصناعة مقالة اثار عنوانها السؤال، «ننسى المبادئ الاخلاقية — وننجح؟» وثمة مستشار من يوتا فكر ان المبادئ الاخلاقية المشترَكة قد ساءت وقال: «تقترح ملاحظاتي انه كلما كان رجل الاعمال أنجح، كان التصرف غير الاخلاقي اكثر.» وقال مدير من ميشيڠان: «لدينا سياسة في ما يتعلق بالاخلاق، لكنَّ الادارة الوسطى تتجاهل القواعد بالتبرير، ‹ان ذلك ليس غير اخلاقي، انه فقط عمل ذكي.›» وينوح مشرف من مَيامي: «المبادئ الاخلاقية تخسر المعركة بسرعة؛ والربح هو الرقم ١ بأي ثمن.» وكان رجال اعمال آخرون اكثر فظاظة: «كل شيء مقبول،» قال احدهم. وأضاف آخر هذا: «سياستنا هي انه اذا كان يمكنكم ان تفعلوا ذلك دون عقاب، فافعلوا ذلك.»
ليس مجرد رجال الاعمال هم الذين يساهمون في المقاييس الادبية المنهارة. ان مهلك القيم الادبية قد انتشر في كل وجه من المجتمع. فالكثير جدا من المحامين يتصرفون كمخادعين اكثر من محترمين للقانون. والكثير جدا من العلماء ينحطون الى سوء السلوك والخداع للحصول على مِنَح من الحكومة. والكثير جدا من الاطباء يكتسبون سمعات بأنهم مهتمون بالاجور المربحة اكثر من المرضى — والكثير جدا من مرضاهم يخططون لطرائق للبدء بدعاوٍ لسوء التصرف.
وتترنَّح المناطق المجاورة تحت تأثير المخدرات، الجريمة، وحروب العصابات. والخيانة الزوجية تدمِّر العائلات. الاولاد الصغار يصيرون ضحايا الاساءة الجنسية، بما في ذلك الفن الاباحي المتعلق بالاولاد. وجنس المراهقين يسبب الحبل، الاجهاضات، والاطفال المهمَلين. ومروِّجو المخدرات يغزون ساحات المدارس. ويحمل اولاد المدارس سكاكين وأسلحة، والمقدرة على القراءة تستمر في الانهيار. والتدريب الشافي الافضل لذلك هو الوالدون الذين يقرأون على اولادهم، ولكن غالبا ما يكون الوالدون مشغولين جدا بكسب الرزق او متورطين جدا في اهدافهم الخاصة للاكتفاء الذاتي.
وتساهم صناعة الموسيقى في الانحطاط الادبي، وتفعل ذلك على نحو بارز بواسطة بعض فرق الروك غير العادية ذات الموسيقى الصاخبة على نحو شديد. علَّق المستشار القانوني لاحدى الشركات: «اثبتت موسيقى الروك في النهاية انها الوسيلة المثالية لاعلان ونشر فكرة الاعمال الجنسية العَرَضية وغير المحدودة واذاعة استعمال المخدرات غير الشرعية. وكانت موسيقى الروك ايضا قوة فعالة في إحداث الاحتقار للوالدين، للاجيال الاكبر والمعاهد الاجتماعية الذين يعارضون نمط الحياة الفاسد جنسيا الذي يستعمل المخدرات.»
وأحد اهدافها هو ان تسيء وتصدم وتستحوذ على الانتباه بقصائد غنائية هي تدفق للقذارة الوسخة، الرديئة، الفاسدة، والكريهة للبواليع، مملوء باكتظاظ بالاساءة الوحشية الى النساء. فالجنس الفمي والشرجي موصوف بطرائق كثيرة، والاساءة الجنسية يجري الحث عليها، والتمتع بالاغتصاب عنيف جدا بحيث يجري تمزيق الاعضاء الجنسية الانثوية — واللاحدود للفحش القبيح ممجَّد. وعندما حوكمت احدى الفرق في المحكمة من اجل الفحش، مدحهم پروفسور في جامعة ديوك بصفتهم عباقرة في الادب ودافع عن فحشهم الفاسد بصفته ذا قيمة فنية. ووافقت هيئة المحلفين، مستنتجة ان القصائد الغنائية ليست فحشا وانما هي فن.
ثمة دليل مماثل على انحلال القيم في المجتمع وهو الواقع انه في السنة الماضية كان احد ألبومات تسجيلات الراپ الفاحشة على نحو مغاير جدا لما هو طبيعي قد ‹روَّج الكثير جدا من النسخ (اكثر من مليون) في الاسابيع الثلاثة لاصداره حتى انه انتقل الى المركز رقم ١. ويعني ذلك انه العمل الاكثر شيوعا في تجارة الموسيقى في الوقت الحاضر.› والاسماء المختارة لفرق الروك هذه تنسجم مع القصائد الغنائية: «هنالك على الاقل ١٣ فرقة مسمّاة باسم الاعضاء التناسلية الذكرية، ٦ باسم الاعضاء التناسلية الانثوية، ٤ باسم المني، ٨ باسم الاجهاض وواحدة باسم الخمج المهبِلي.» — اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم.
وعلَّق پروفسور في جامعة بوسطن على معرض ماپِلثورپ: «رأيت ذلك في معهد الفن المعاصر في بوسطن. هناك، كما في الامكنة الاخرى، رُتِّبت الاعمال اجزاءً، اذا جاز التعبير. والصور ‹التي تصف الاعمال الجنسية› كانت . . . اباحية على نحو مزعج بقدر ما يمكن ان يتخيل المرء. لا اعرف ما اذا كانت متعلقة بـ ‹مضاجعة النظير،› لكنها كانت صورا فوتوغرافية تصف اعمالا لا اعتقد انا نفسي انها ممكنة، إن لم اقُل مسرّة.» ومسألة فحش المعرض حوكمت في المحكمة، واعتبرت هيئة المحلفين ان فحشها فن. قلما يكون فنا، وبالتأكيد ليس مسؤولا ادبيا، وهو دليل على التأكُّل الاضافي للقيم الحقيقية من جهة الفنانين والمشاهدين.
اننا نحتاج الى حدود. نحتاج الى خطوط ارشادية مرسخة. نحتاج الى غايات نعمل من اجلها. نحتاج الى العودة الى المصدر الاصلي للقيم الحقيقية.
[النبذة في الصفحة ٤]
لم تعد الفضائح تصدم الناس
[النبذة في الصفحة ٥]
تعلن هيئات المحلفين ان الفحش القبيح فن
-
-
مصدر القيم الحقيقيةاستيقظ! ١٩٩٢ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
مصدر القيم الحقيقية
تطبيقها سينهي الانحطاط الادبي
يرفع الانسان بصره الى سماء الليل المملوءة بالنجوم، فتغشاه الرهبة والعجب. واذ يحدِّق الى هذه القبة المنجِمة بعيدا جدا فوق الرأس، يشعر بأنه صغير وعديم القيمة. وكلمات صاحب المزمور التي جرى التكلم بها منذ زمن طويل قد تعود ايضا الى ذاكرته: «اذا ارى سمواتك عمل اصابعك القمر والنجوم التي كونتها فمن هو الانسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده.» (مزمور ٨:٣، ٤) لقد رأى صاحب المزمور آلافا قليلة من النجوم وشعر بأنه صغير؛ ويعرف الانسان الآن ان هنالك بلايين المجرّات ببلايين النجوم في كل منها، ويشعر بأنه اصغر بكثير. وقد تحتشد الاسئلة في ذهنه: ‹كيف يمكن ان اكون مهما؟ لماذا انا هنا؟ مَن انا بأية حال؟›
ولكن ما من حيوان لديه افكار كهذه.
ينظر الانسان الى تنوُّع الحياة حوله ويلاحظ التصميم المذهل لانجاز مقاصد عملية. يرى الطيور التي تهاجر آلاف الاميال، الثدييات التي تسبت خلال برد الشتاء، واشكالا اخرى كثيرة للحياة تستعمل السونار، تكييف الهواء، الدفع النافوري، ازالة الملوحة، المضاد للتجمد، البنى التي تشبه اجهزة التنفُّس المستقلة، المحضنات، موازين الحرارة، الورق، الزجاج، الساعات، البوصلات، الكهرباء، المحرِّكات الدوارة، وعجائب اخرى كثيرة قبل زمن طويل من ان يحلم الانسان بها في وقت من الاوقات. ويتساءل الناس المفكِّرون: ‹كيف حدثت كل هذه التصاميم المذهلة المعقَّدة، ذات القصد؟ ايّ ذكاء عظيم هو وراءها؟›
مرة ثانية، ما من حيوان يفكر في ايّ من هذين السؤالين. لكنَّ الانسان يفكر في ذلك. ولماذا الانسان، من بين كل الاعداد الضخمة من المخلوقات على الارض، هو الوحيد الذي يندهش برهبة وعجب من السموات فوقه وألغاز الحياة هنا على الارض؟ لماذا؟ لأن الانسان مختلف.
لماذا الانسان مختلف الى هذا الحد؟
لانه وحده خُلق على صورة اللّٰه وشبهه: «وقال اللّٰه نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.» (تكوين ١:٢٦) يوضح ذلك الثغرة التي لا تُسدّ بين الانسان والحيوان. ويوضح سبب عدم كون ايّ مخلوق آخر على الارض قريبا بقدر قليل من الانسان. ويوضح سبب كون الانسان مخلوقا مفكِّرا، يطرح اسئلة عن العالم حوله، ويهتم بالقيم الادبية.
وبأية طريقة يكون الانسان على صورة اللّٰه وشبهه؟ يكون ذلك بامتلاك بعض ميزات وصفات اللّٰه، مثل المحبة، الرحمة، العدل، الحكمة، القدرة، اللطف، الصلاح، الصبر، الاستقامة، الصدق، الولاء، الاجتهاد، والابداع. وكانت هذه صفات جيدة مبرمجة في الاصل في الانسان، ولكن باساءة استعمال الزوجين البشريين الاولين حرية الاختيار، الامر الذي ادّى الى تمردهما، صارت هذه الميزات محرَّفة وبالتالي لم تنتقل كاملة الى المتحدرين منهما. ولم تعد متَّزنة، وبسبب التوقف عن استعمالها اضمحل بعضها من الوعي. ولكن، تظهر كولوسي ٣:٩، ١٠، عج، انه بنيل المعرفة الدقيقة عن اللّٰه وتطبيقها، يمكننا ان نلبس الشخصية الجديدة ونقترب ثانية الى ‹صورة اللّٰه وشبهه.›
عندما اعطى يهوه اللّٰه الاسرائيليين الناموس الموسوي، كان يحتوي على القيم الحقيقية، ومن بينها الوصايا العشر والنصح ان ‹يحبوا قريبهم كأنفسهم.› (لاويين ١٩:١٨؛ خروج ٢٠:٣-١٧) وكان يلزم ان تُعطى هذه القيم كميراث للاجيال المقبلة. فقال موسى للاسرائيليين ان يطيعوا هذا الناموس، وقال ايضا: ‹اوصوا بها اولادكم ليحرصوا ان يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة. لانها ليست امرا باطلا عليكم بل هي حياتكم.› (تثنية ٣٢:٤٦، ٤٧) وبعد قرون، اشارت الامثال ٨:١٨، عج، اليها بأنها ‹قيم موروثة.›
قيم لعكس الانحطاط الادبي
ولكن، يعترض الكثيرون ان المجتمع متعدد الاشكال الآن كثيرا بحيث انه ما من مجموعة واحدة من القيم تسدّ حاجات الجميع. فالخلفيات والثقافات المختلفة تستلزم مجموعة واسعة من القيم يجاهدون من اجلها. ولكن اية مشكلة عصرية لا تخضع لممارسة وصية يسوع ان تحبوا قريبكم كنفسكم؟ او لا تخضع للفعل بالآخرين كما تودّون ان يفعلوا بكم؟ او للعمل وفق المبادئ التي تشتمل عليها الوصايا العشر؟ او للسعي وراء انتاج ثمر الروح الوارد في غلاطية ٥:٢٢، ٢٣: «ثمر الروح . . . هو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان وداعة تعفف. ضد امثال هذه ليس ناموس»؟ ولا واحدة من هذه تتطلب ايّ شيء مستحيل؛ وأية واحدة منها تزيل نسبة كبيرة من ويلات المجتمع الحاضرة.
‹لكنَّ الناس لن يعيشوا بهذه الطريقة!› تهتفون. ومع ذلك، اذا كنتم تعتقدون ان حلولا كهذه صعبة جدا، فلا تتوقعوا ان يجري حلّ المشاكل ببدائل سهلة. انه في استطاعة المجتمع ان يطبق هذه العلاجات، ومع ذلك ليست مشيئته ان يفعل ذلك كما يظهر. فهذا الجيل لا يتحمل اية قيود على حرياته، بما في ذلك حريته ان يفعل الخطأ ويعاني العواقب.
تسأل المطبوعة Bottom Line/Personal: «ماذا حدث لضبط النفس؟» وبعد التعليق ان «معظم الناس تروِّعهم نتائج عصرنا المتساهل جنسيا،» تتابع: «ومع ذلك يستمر الناس في اعتبار اهمية اشباع الشهوات الجنسية الى اقصى حد مقدسة. . . . يُتوقع من الناس ان يلتزموا بنظام حمية ما، ان يتدربوا، ان يتوقفوا عن التدخين، ان يكونوا منضبطين ذاتيا بشأن الطريقة التي يعيشون بها من اجل صحتهم. ولكن يبدو ان الارضاء الجنسي مُنح منزلة مقدسة الى ابعد حد من اجل الاشباع المستمر الذي لا حدود له.» فليس انهم لا يستطيعون ان يطبقوا القيم؛ انهم لن يطبقوها. ونتيجة لذلك يزرع المجتمع ويحصد.
واليوم تخسر هذه القيم سمعتها. فيدعو الكثيرون الشر خيرا والخير شرا، كما جرى الإنباء بأنهم سيفعلون: «ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما الجاعلين المُرّ حلوا والحلو مُرا.» (اشعياء ٥:٢٠) ولكن، يملك الآخرون قلقا ناميا. فيرون الحصاد الرديء الذي يأتي من فلسفة افعل ما يسرُّك ويريدون ان يروا عكسا للانحطاط الادبي الحالي.
هل يقدر الدين والعائلة ان يساعدا؟
يجري تقديم برامج كثيرة لاعادة القيم الى وضعها السابق. وأحدها هو الدين. ومن المفترض ان يقدم القوة الروحية. لكنَّ هذه القوة ليست موجودة في الاديان الارثوذكسية للعالم المسيحي. فبعضها ارتد الى الوثنية لاحياء تجاديف مثل الثالوث، العذاب الابدي، والنفس الخالدة. وطرحت الاخرى الفدية والخلق للاذعان للدين العلمي للتطور. وهي تعتنق النقد الاعلى الذي يضعف الثقة بأمانة كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس. وتقدِّم «مسيحية» خفيفة الفعّالية وملوَّثة الى حد بعيد بحيث ان لا شيء من القيم يبقى، والجيل الاصغر يرى مجرد الرياء والتقليد الخادع. لا، ليس الى اديان مريضة كهذه يجب ان ننظر من اجل القوة الروحية وانما فقط الى العبادة الحقيقية الوحيدة المؤسسة على الكتاب المقدس التي تعلن ملكوت يهوه بصفته الرجاء الوحيد للعالم.
ولكن، يبقى هنالك مصدر آخر للمساعدة للناس المهتمين، وهو العائلة، المحيط الذي يقدر فيه الوالدون ان يغرسوا القيم في اولادهم. فالرباط الذي بدأ عند الولادة لا بد ان يستمر. والاولاد الذين يحبون والديهم ويثقون بهم يريدون ان يكونوا مثلهم، ان يقلِّدوا الطريقة التي يتكلمون بها ويعملون بها، ان يقتدوا بتصرفهم، وأن يستوعبوا آدابهم، وبمرور الوقت تصير قيم الوالدين مدمَجة في نظام قيم الاولاد. والايضاحات البسيطة، لا المحاضرات الطنانة؛ الاتصال المتبادل، لا التعبير الجازم، هما الاقترابان الفعّالان.
والوالدون الذين لا يكرزون وحسب وانما يمارسون ايضا القيم الحقيقية سيكون لديهم اولاد قد ادمجوا تلك القيم في انفسهم. وأولاد كهؤلاء لن تعرِّضهم للخطر الامثلة السلبية للنظراء في المدرسة او في الامكنة الاخرى. وكما تقول الامثال ٢٢:٦: «ربِّ الولد في طريقه فمتى شاخ ايضا لا يحيد عنه.» فربّوا بالمشورة القيِّمة. وعلى نحو مهم اكثر، ربّوا بالمثال القيِّم.
امكانية كون القيم موضوعة في شفرات في مورثاتنا
قال يسوع: «سعداء هم الشاعرون بحاجتهم الروحية.» (متى ٥:٣، عج) انها حاجة فطرية مبرمجة في داخلنا، كما قال بعض الاطباء النفسانيين. وصحيح ايضا انه فقط بسبب القوة الروحية سنكون قادرين على مقاومة القيم الخاطئة التي يجري تأييدها اليوم.
انسجاما مع الواقع اننا خُلقنا على صورة اللّٰه وشبهه، بامكانية كون القيم متأصِّلة فينا، يقول توماس لِكونا، پروفسور في التربية: «اعتقد ان المقدرة على الصلاح هي هناك من البداية.» ولكنه يضيف ان «الوالدين يجب ان يغذُّوا هذه الفطرة تماما كما يساعدون اولادهم على الصيرورة قراء او لاعبين رياضيين او موسيقيين جيادا.»
وكان المنتج التلفزيوني نورمان لير خطيبا زائرا في المؤتمر القومي لجمعية التعليم القومية. وبعد الاعتراف بـ «مشكلة اولئك الناس ذوي الخبرة الارفع والمتعلمين على نحو افضل بيننا — اولئك الذين نبذوا البحث عن قصد فوق الوجود المادي بصفته شاذّا او في غير موضعه،» قال: «ليست لديّ مشكلة في استخلاص الاستنتاج، من التاريخ البشري، ان ردّ الفعل تجاه الحياة، تجاه حيازة وجود واعٍ، الدافع الى الايمان بشيء اهم من الذات، انما هو قوي ولا يقاوَم الى حد بعيد بحيث انه جزء لا يتجزأ من الطريقة التي بها وُضعنا في شفرات وراثيا.»
ويتَّهم لير الاعمال التجارية الكبيرة وأربعة عقود من التلفزيون بنقل «نظام قيم جديد» يؤثر كثيرا في المبادئ الاخلاقية والقيم الشخصية للشعب حتى ان امراضا اجتماعية كثيرة قد نتجت: المدارس والجامعات التي تخرِّج اناسا غير قادرين على القراءة والكتابة؛ الاستعمال المتزايد للمخدرات؛ المراهقات غير المتزوجات اللواتي يلدن اطفالا؛ والعائلات التي لا تملك ايّ ادِّخار والتي تغرق على نحو اعمق في الدَّين. ثم يضيف لير: «عندما نتكلم عن مئة مرض اجتماعي — اعتقد اننا ربما نتكلم عن نظام قيم تناقلته الاجيال صار، بمساعدة التلفزيون، يدمِّر كامل الثقافة.» وقال ايضا انه «يعتقد انه، راسخ في مورثاتنا هو الاعتقاد ان هنالك قوة ولغزا عظيمين ينظِّمان حياتنا، يجب الانتباه لهما.»
والطبيب النفساني الشهير ك. ڠ. يونڠ قال ان الدين «هو موقف فطري مميِّز للانسان، وظهوره يمكن اتِّباعه عبر كل التاريخ البشري.» ومتأصل ايضا هو الضمير الذي يدرك الصواب والخطأ: «لانه الامم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس فهؤلاء اذ ليس لهم الناموس هم ناموس لانفسهم الذين يُظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم شاهدا ايضا ضميرهم وافكارهم فيما بينها مشتكية او محتجة.» (رومية ٢:١٤، ١٥) و‹الضمير› هو «معرفة في داخل الذات» مثل محكمة عدل داخلية تنعقد في داخلنا لاصدار القرارات حول سلوكنا، متهمة او مبرِّرة ايانا. أما اذا اظهرنا «انتهاكا لحرمة محكمة» ضميرنا فتصير حساسيته عديمة التأثر وغير فعّالة.
يرى العلماء ألغازا لا يقدر إلّا اللّٰه ان يفسرها
مثير جدا للاهتمام هو الواقع انه اذ يعرف العلم المزيد عن الارض والكون، ينجذب بعض العلماء الى الاعتقاد ان ذكاء فائقا يجب ان يكون وراء ذلك كله. لكنهم يتردَّدون في قبول اله الكتاب المقدس.
ان العالِم بالفيزياء الفلكية جورج ڠرينستاين، في كتابه الكون المتعايش، شرع في «تفصيل ما لا يمكن ان يبدو سوى تعاقب مدهش للصدف المذهلة والبعيدة الاحتمال التي مهَّدت الطريق لبزوغ الحياة. هنالك قائمة من المصادفات، وكلها جوهرية بالنسبة الى وجودنا.» وقال ڠرينستاين ان القائمة تطول، المصادفات لا يعقل ان تكون بالصدفة، ونمت الفكرة ان عاملا ما فوق الطبيعة يعمل. «أيعقل،» فكر، «ان نكون قد عَثَرنا فجأة، من غير ان نقصد، على برهان علمي على وجود كائن اسمى؟ أيكون اللّٰه هو الذي تدخَّل وأعدّ الكون بمثل هذه العناية الالهية لفائدتنا؟» وشعر بـ «اشمئزاز شديد» حيال فكرة كهذه وقال على نحو اعتباطي: «اللّٰه ليس بتفسير.» ومع ذلك فإن القائمة النامية من «المصادفات» قد سبَّبت طرحه الاسئلة.
وناقش عالم آخر بالفيزياء الفلكية، فرِد هُويْل الحائز جائزة نوبل، في كتابه الكون الذكي، تلك المصادفات الغامضة نفسها التي ازعجت ڠرينستاين: «ان مثل هذه الخصائص يبدو انها تسري في نسيج العالَم الطبيعي كخيط من الصدف السعيدة. ولكن هنالك الكثير جدا من هذه المصادفات الغريبة الجوهرية بالنسبة الى الحياة بحيث يبدو ان تفسيرا ما مطلوب لتعليلها.» ويوافق هُويْل ايضا مع ڠرينستاين انها لا يمكن ان تحدث بالصدفة. وهكذا، يقول هُويْل، ‹يتطلَّب اصل الكون ذكاء،› ‹ذكاء على مستوى اسمى،› ‹ذكاء سبقَنا وجرت قيادته الى عمل خلق عمدي للبنى الملائمة للحياة.›
وتكلم آينشتاين عن اللّٰه ولكن ليس بمفهوم الدين الارثوذكسي. ومفهومه عن اللّٰه تعلق بـ «الروح المتفوِّقة على نحو غير محدود» التي رآها ظاهرة في الطبيعة. وتِموثي فرِس، في مقالته «الآينشتاين الآخر،» اقتبس من آينشتاين ما يلي: «ان ما اراه في الطبيعة هو بنية رائعة يمكننا ان نفهمها فقط على نحو ناقص جدا، ولا بد ان تملأ الشخص المفكِّر بشعور بـ ‹الاتضاع.› هذا شعور ديني حقا لا يتعلق بمذهب التصوُّف. . . . وتديُّني يكمن في اعجاب متواضع بالروح المتفوِّقة على نحو غير محدود التي تكشف عن نفسها في القليل الذي نقدر نحن، بفهمنا الضعيف والموقت، ان نفهمه عن الحقيقة. . . . اريد ان اعرف كيف خلق اللّٰه هذا العالم. اريد ان اعرف افكاره، والباقي تفاصيل.»
ويعلِّق ڠي مرْتشي، بعد مناقشة بعض ألغاز الكون المبهمة، في كتابه ألغاز الحياة السبعة: «من السهل رؤية سبب كون الفيزيائيين العصريين، الذين كانوا يدفعون حدود المعرفة الى المجهول على نحو اعمق على الارجح من ايّ عالِم آخر في القرون الاخيرة، متقدمين معظم رفقائهم في قبول ذلك اللغز الكلي الشمول للكون الذي يشار اليه عموما بصفته اللّٰه.»
اطلبوا اللّٰه، انتفعوا، عيشوا الى الابد
الانسان يتلمَّس. وما يتلمَّسه هو اللّٰه. وكان البعض يفعلون ذلك في ايام بولس. قال: «لكي يطلبوا اللّٰه لعلهم يتلمَّسونه فيجدوه مع انه عن كل واحد منا ليس بعيدا.» (اعمال ١٧:٢٧) ما من حيوان يتلمَّس اللّٰه. ولا حتى واحد لديه ايّ مفهوم عن اللّٰه. والانسان لديه مفهوم عن اللّٰه، مصنوع على شبه اللّٰه، بثغرة لا تُسدّ تفصله حتى عن الحيوان الاكثر تقدما. وكما تقول لنا الآية، فإن اللّٰه «عن كل واحد منا ليس بعيدا.»
نرى الدليل عليه في كل مكان حولنا معكوسا في مخلوقاته، كما تقول رومية ١:٢٠: «اموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.» واذ يرى العلماء المزيد والمزيد من المصادفات والتعقيدات التي لا يمكن توضيحها ويتفكَّرون في العجائب الرائعة في الكون، ربما سيدرك المزيد والمزيد منهم الذكاء الفائق وهو يعمل وراء هذه الاوجه ويعترفون بخالقهم، يهوه اللّٰه.
ان الارض وملأها ملك ليهوه. وهو يضع المقاييس لأولئك الذين يعيشون عليها. وقد اعطى القيم الحقيقية كخطوط ارشادية للسعادة والحياة. وأعطى الناس ايضا حرية الاختيار. فليسوا مضطرين ان يطيعوه. ويمكنهم ان يزرعوا ما يرغبون، لكنهم سيحصدون ايضا عاجلا او آجلا ما زرعوه. اللّٰه لا يُشمخ عليه. لقد اعطى القيم الحقيقية، لا لمصلحته الخاصة، وانما لمنفعة رعاياه على الارض. هكذا تقول اشعياء ٤٨:١٧، ١٨: «انا الرب الهك معلمك لتنتفع وأمشِّيك في طريق تسلك فيه. ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرّك كلجج البحر.»
حينئذ، إذ يصغون الى طلب يهوه الجدّي، ستمشي كل الشعوب في الطريق الذي يجب ان يسلكوا فيه وسينتبهون لوصايا خالقهم. وسينتفع الجميع بالسلام كالنهر وبالبرّ كلجج البحر. وسيطبِّق الجميع القيم الوراثية ولن يعانوا ثانية ابدا انحطاطا ادبيا. ومتى سيكون كل ذلك؟ عندما تُستجاب الصلاة، قريبا: «ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.» — متى ٦:١٠.
[الصور في الصفحة ٧]
الدفع النافوري
ازالة الملوحة
صنع الورق
السونار
-