مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الجدل القائم حول موسى
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • الجدل القائم حول موسى

      غالبا ما يختلف اليهود والمسيحيون والمسلمون على امور كثيرة.‏ لكنَّ هذه الاديان تتفق،‏ رغم كل اختلافاتها،‏ في شيء واحد على الاقل:‏ الاحترام العميق للشخص الذي يدعى موسى.‏ فاليهود يعتبرونه «أعظم المعلمين اليهود اجمعين»،‏ مؤسس الامة اليهودية.‏ ويعتبره المسيحيون مثالا سابقا ليسوع المسيح.‏ ويُعَدّ موسى عند المسلمين احد ابرز وأعظم انبيائهم.‏

      موسی

      اذًا موسى هو احد اكثر الاشخاص تأثيرا في التاريخ البشري.‏ ومع ذلك،‏ بقي موسى مثار جدل لدى العلماء ورجال الدين على السواء طوال اكثر من قرن.‏ فكثيرون لا يشكون فقط في ان موسى صنع عجائب وأخرج الاسرائيليين من مصر،‏ بل يصل بهم الامر الى الشك في وجوده.‏ لذا يستنتج كتاب في حياة موسى (‏بالانكليزية)‏ بقلم جوناثان كيرش:‏ «كل ما يمكننا قوله عن الرجل المعروف في التاريخ باسم موسى هو ان شخصا كالذي يصفه الكتاب المقدس ربما كان يعيش في زمان ومكان مجهولَين في الماضي البعيد،‏ وربما كانت انجازاته مجرد حبة رمل نُسجت حولها الاساطير والتقاليد وتحولت على مر القرون الى لؤلؤة.‏ فصار تلك الشخصية الفذة والمثيرة للجدل التي نجدها في صفحات الكتاب المقدس».‏

      قد يبدو لأول وهلة ان هذا الشك مبرَّر.‏ فالنقاد يقولون مثلا انه في حين عثر علم الآثار على ادلة تؤكد وجود شخصيات مذكورة في الكتاب المقدس مثل الملك الاسرائيلي ياهو،‏ لم يُعثر على ايّ دليل يؤكد وجود موسى.‏ ولكن لا يمكن اتخاذ ذلك دليلا على ان موسى شخص اسطوري.‏ فقد كان المشككون يقولون في الماضي ان شخصيات اخرى مذكورة في الكتاب المقدس،‏ مثل بيلشاصر ملك بابل وسرجون ملك اشور،‏ هي شخصيات اسطورية،‏ الى ان اثبت علم الآثار وجودهم فعلا.‏

      وينبّهنا المؤلف جوناثان كيرش الى هذا الامر:‏ «ان مخلَّفات وآثار اسرائيل في زمن الكتاب المقدس نادرة جدا بحيث ان ذكر موسى في الكتاب المقدس وغيابه الكلي في ايّ مرجع آخر ليس مفاجئا ولا يمكن اعتباره دليلا قاطعا».‏ ويؤكد البعض،‏ كما ذكر كيرش،‏ انه من غير المرجح ان يكون موسى من نسج خيال احد لأن «هذه السيرة الغنية بالتفاصيل والحوارات المسجلة والاحداث المتداخلة .‏ .‏ .‏ يستحيل ان تكون مختلَقة».‏

      سواء كنت مؤمنا او لا،‏ لديك على الارجح فكرة ولو بسيطة عن الاحداث البارزة في حياة موسى،‏ مثل تكلُّمه مع اللّٰه عند العليقة المشتعلة،‏ خروج الاسرائيليين من مصر وتحررهم من نير العبودية،‏ وشقّ البحر الاحمر.‏ ولكن هل يوجد ما يؤكد صحة هذه الاحداث؟‏ ام ان موسى مجرد شخص اسطوري؟‏ ستعالج المقالة التالية هذين السؤالين المثيرين.‏

  • موسى —‏ شخص حقيقي ام اسطوري؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • موسى:‏ شخص حقيقي ام اسطوري؟‏

      عندما وُلد موسى،‏ كان سيف الموت له بالمرصاد.‏ فقبل سنين من ولادته،‏ قرر شعبه الهارب من المجاعة والمؤلف من عشائر رُحَّل ان يستقروا في مصر مع ابيهم يعقوب،‏ او اسرائيل.‏ وطوال عقود تعايشوا بسلام مع جيرانهم المصريين.‏ ولكن وقع ذات يوم تغيير خطير.‏ يذكر احد المصادر التاريخية المحترمة:‏ «ثم قام ملك جديد على مصر .‏ .‏ .‏ فقال لشعبه هوذا بنو اسرائيل شعب اكثر وأعظم منا.‏ هلم نحتال لهم لئلا ينموا».‏ وماذا كانت خطتهم؟‏ الحد من ازدياد عدد السكان الاسرائيليين عن طريق ‹استعبادهم بعنف›،‏ وأمْر القابلتَين العبرانيتَين بقتل الاطفال الذكور عندما يولدون.‏ (‏خروج ١:‏٨-‏١٠،‏ ١٣،‏ ١٤‏)‏ لكنّ الاسرائيليين استمروا في النمو بفضل شجاعة القابلتَين اللتين رفضتا إطاعة الامر.‏ لذلك اصدر ملك مصر هذا القرار:‏ «كل ابن يولد تطرحونه في النهر».‏ —‏ خروج ١:‏٢٢‏.‏

      لكنّ زوجَين اسرائيليين،‏ عمرام ويوكابد،‏ «لم يخافا امر الملك».‏ (‏عبرانيين ١١:‏٢٣‏)‏ فقد وَلدت يوكابد ابنا قيل عنه لاحقا انه «فائق الجمال حتى في نظر اللّٰه».‏a (‏اعمال ٧:‏٢٠‏)‏ فربما عرفا بطريقة ما ان لهذا الطفل حظوة عند اللّٰه.‏ على اية حال،‏ رفض هذان الزوجان تسليم ابنهما للقتل.‏ وقررا إخفاءه رغم ان ذلك يعرض حياتهما للخطر.‏

      بعد ثلاثة اشهر،‏ لم يعد بإمكان والدَي موسى الاستمرار في إخفائه.‏ ولم يبقَ امامهما سوى امر واحد.‏ فقد وضعت يوكابد الطفل في سلّ من البَرْديّ وتركته يطفو فوق صفحات مياه النيل.‏ ولم تكن تعرف ان ذلك كان البداية لدخول ابنها صفحات التاريخ.‏ —‏ خروج ٢:‏٣،‏ ٤‏.‏

      هل هذه الاحداث معقولة؟‏

      كثيرون من العلماء اليوم يعتبرون هذه الاحداث خيالية.‏ مثلا،‏ تذكر مجلة المسيحية اليوم (‏بالانكليزية)‏:‏ «الحقيقة هي انه لم يُعثر على ايّ دليل اثري مباشر،‏ ولو صغير،‏ على [السنوات التي قضاها] بنو اسرائيل في مصر».‏ صحيح انه لا يوجد دليل ملموس مباشر،‏ ولكن توجد براهين عديدة غير مباشرة تؤكد صحة رواية الكتاب المقدس.‏ ففي كتاب اسرائيل في مصر (‏بالانكليزية)‏،‏ ذكر عالِم الآثار المصرية جَيمس ك.‏ هوفماير:‏ «تُظهر المعلومات الاثرية بوضوح ان شعوبا من المشرق [البلاد الواقعة شرقيّ البحر المتوسط] كانت تتردد الى مصر،‏ وخصوصا نتيجة المشاكل المناخية التي ادّت الى الجفاف .‏ .‏ .‏ وهكذا كانت مصر،‏ خلال الفترة بين ١٨٠٠ و ١٥٤٠ ق‌م تقريبا،‏ محط انظار ومقصد المهاجرين الناطقين باللغات السامية في غرب آسيا».‏

      ولطالما اعتُرف بدقة وصف الكتاب المقدس للعبودية المصرية.‏ ورد في كتاب في حياة موسى:‏ «يبدو ان رواية الكتاب المقدس عن استعباد الاسرائيليين لها ما يدعمها في رسم شائع يُرى في قبور مصر القديمة.‏ فهذا الرسم يصوِّر بالتفصيل مجموعة من العبيد يصنعون اللِّبن».‏

      كما ان وصف الكتاب المقدس للسفط (‏او السلّ)‏ الصغير الذي استخدمته يوكابد يتفق مع الوقائع.‏ فالكتاب المقدس يقول ان السفط مصنوع من البَرْديّ،‏ الذي «كان المصريون يستخدمونه كثيرا لصناعة المراكب الخفيفة والسريعة»،‏ حسبما ورد في التعليق (‏بالانكليزية)‏ بقلم كوك.‏

      ولكن ألا يصعب التصديق ان يصدر من قائد امة قرارا وحشيا بقتل الاطفال؟‏ يذكّرنا العالم جورج رولنسون بهذا الامر:‏ «كان قتل الاطفال .‏ .‏ .‏ شائعا جدا في مختلف الازمنة والاماكن،‏ حتى انه اعتُبر شيئا عاديا».‏ وليس من الصعب في ايامنا ايجاد امثلة مرعبة لعمليات القتل الجماعي.‏ صحيح ان رواية الكتاب المقدس قد تكون مزعجة،‏ لكنها مع الاسف معقولة جدا.‏

      إنقاذ موسى:‏ اسطورة وثنية؟‏

      رسم لموسی وهو طفل

      يزعم النقاد ان رواية انقاذ موسى من نهر النيل مشكوك فيها بسبب تشابهها مع اسطورة قديمة عن سرجون ملك اكّاد،‏ والتي يقول البعض انها سبقت قصة موسى.‏ فهذه الاسطورة تحكي هي ايضا قصة انقاذ طفل موضوع في سلّ عائم على مياه نهر.‏

      ولكن من المعروف ان التاريخ حافل بالمصادفات.‏ وحتى لو بدا وضع طفل في نهر بالامر الغريب،‏ فهو ليس كذلك.‏ تذكر مجلة علم آثار الكتاب المقدس (‏بالانكليزية)‏:‏ «لا ننسَ ان الحضارتَين البابلية والمصرية امتدتا على طول انهر،‏ وأن الناس كانوا يفضّلون التخلص من طفل بوضعه في سلّ لا ينفذ فيه الماء على اتّباع الطريقة المألوفة آنذاك،‏ وهي طرحه في كومة النفايات.‏ .‏ .‏ .‏ صحيح ان قصة اللقيط الذي يتبوأ في النهاية مركزا مرموقا تظهر في قصص شعوب عديدة،‏ لكنَّ السبب يعود طبعا الى تكرر وقوع هذا الامر في الحياة الحقيقية».‏

      وفي كتاب تفحُّص قصة الخروج (‏بالانكليزية)‏،‏ يذكر ناحوم م.‏ سارنا انه رغم بعض التشابهات،‏ تختلف قصة ولادة موسى عن «اسطورة سرجون» من «نواحٍ هامة كثيرة».‏ وهكذا يمكن القول ان المزاعم التي تربط رواية الكتاب المقدس بأسطورة وثنية انما هي غير مقنعة.‏

      تبنّيه وضمّه الى بيت فرعون

      لم تترك يوكابد مصير طفلها للصدفة،‏ بل «وضعت [السفط] بين الحلفاء على حافة النهر [اي النيل]».‏ فعلى الارجح رأت ان هنالك احتمالا كبيرا ان يكتشفه احد في هذا الموضع.‏ فابنة فرعون كانت تأتي الى هذا المكان لتغتسل،‏ وربما كان من عادتها ان تقصد هذا الموقع.‏b —‏ خروج ٢:‏٢-‏٤‏.‏

      سرعان ما لوحظ وجود السفط الصغير.‏ «ولما فتحته [ابنة فرعون] رأت الولد وإذا هو صبي يبكي.‏ فرقَّت له وقالت هذا من اولاد العبرانيين».‏ وقررت الاميرة المصرية ان تتبناه.‏ ومهما كان الاسم الذي اطلقه عليه والداه في الاصل فقد نُسي منذ وقت طويل.‏ فهو اليوم معروف في العالم اجمع بالاسم الذي اطلقته عليه امه بالتبني:‏ موسى.‏c —‏ خروج ٢:‏٥-‏١٠‏.‏

      ولكن أليس غريبا ان تؤوي اميرة مصرية طفلا كهذا؟‏ كلا،‏ فقد علّمت الديانة المصرية ان فعل الخير لازم لدخول السماء.‏ وبالنسبة الى عملية التبني،‏ ذكرت عالمة الآثار جويس تيلْدزْلي:‏ «كانت النساء المصريات مساويات للرجال المصريين.‏ وكانت لهن نفس الحقوق القانونية والاقتصادية،‏ على الاقل نظريا،‏ .‏ .‏ .‏ وكان بإمكان النساء تبنّي الاطفال».‏ وقد اوردت بَرْديّة قديمة حول التبني ان امرأة مصرية تبنت عبيدها.‏ أما بالنسبة الى استئجار والدة موسى لتكون مرضعة فيذكر قاموس انكور للكتاب المقدس (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان اعطاء والدة موسى الطبيعية اجرة لإرضاعه .‏ .‏ .‏ له ما يماثله في عقود التبني في بلاد ما بين النهرين».‏

      وهل أُخفي عن موسى اصله العبراني بعد تبنّيه؟‏ هذا ما توحي به بعض الافلام السينمائية.‏ لكنَّ الاسفار المقدسة تقول العكس.‏ فبتدبير ذكي من اخته مريم،‏ استُخدمت امه يوكابد لتكون مرضعته.‏ ولا شك ان هذه الامّ التقية لم تُخفِ الحقيقة عن ابنها!‏ وبما ان الامهات في الماضي كنّ يرضعن اطفالهن عدة سنوات في اغلب الاحيان،‏ فقد كان ليوكابد الوقت الكافي لتُعَلِّم موسى عن ‹إله ابراهيم وإسحاق ويعقوب›.‏ (‏خروج ٣:‏٦‏)‏ ولا بد ان موسى استفاد كثيرا من هذا الاساس الروحي،‏ وخصوصا انه عاد و ‹تلقى الارشاد في حكمة المصريين كلها› بعدما سلّمته امه الى ابنة فرعون.‏ أما قول المؤرخ يوسيفوس ان موسى صار قائدا في الحرب مع الحبشة فلا يمكن التحقق من صحته.‏ لكنَّ الكتاب المقدس يقول ان موسى «كان مقتدرا في كلامه وأعماله».‏d —‏ اعمال ٧:‏٢٢‏.‏

      وكان موسى،‏ في سن الاربعين،‏ جاهزا على الارجح ليصير قائدا مصريا بارزا.‏ وكان سيتمتع بالسلطة والثروة اذا بقي في بيت فرعون.‏ لكنَّ حادثة واحدة غيَّرت مجرى حياته.‏

      النفي الى مديان

      في احد الايام رأى موسى «رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيا من اخوته».‏ صحيح ان موسى استفاد طوال سنوات مما قدَّمه له عالمه العبراني وعالمه المصري،‏ لكنَّ رؤية اسرائيلي مثله يُضرب —‏ وربما بطريقة كادت تودي بحياته —‏ دفعته الى اتخاذ قرار مفاجئ.‏ (‏خروج ٢:‏١١‏)‏ فقد «أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون،‏ واختار ان تساء معاملته مع شعب اللّٰه».‏ —‏ عبرانيين ١١:‏٢٤،‏ ٢٥‏.‏

      اتخذ موسى اجراء سريعا لا يمكن ابطاله،‏ اذ «قتل المصري وطمره في الرمل».‏ (‏خروج ٢:‏١٢‏)‏ لم يبدر هذا التصرف من شخص «يستسلم لنوبات الغضب المفاجئة»،‏ كما زعم احد النقاد.‏ فعلى الارجح فعل موسى ذلك،‏ وإن كانت فعلته في غير محلها،‏ بدافع الايمان بوعد اللّٰه بإنقاذ اسرائيل من مصر.‏ (‏تكوين ١٥:‏١٣،‏ ١٤‏)‏ وربما ظن موسى خطأً ان اعماله ستدفع شعبه الى الثورة.‏ (‏اعمال ٧:‏٢٥‏)‏ لكنَّ خيبته كانت كبيرة عندما رفض اخوته الاسرائيليون الاعتراف بقيادته.‏ وعندما بلغ فرعونَ خبرُ جريمة القتل،‏ اضطر موسى الى الهرب الى حيث بقي منفيا.‏ فاستقر في مديان وتزوج امرأة تدعى صفورة،‏ هي ابنة زعيم قبيلة مترحّلة يدعى يثرون.‏

      طوال فترة ٤٠ سنة عاش موسى عيشة راعٍ بسيط،‏ واندثر كل امل لديه بإنقاذ شعبه.‏ ولكن في احد الايام،‏ ساق قطيع يثرون الى موقع قريب من جبل حوريب.‏ وهناك،‏ ظهر له ملاك يهوه في عليقة مشتعلة.‏ تخيَّل هذا المشهد.‏ امره اللّٰه قائلا:‏ ‹أخرِج شعبي بني اسرائيل من مصر›.‏ لكنَّ جواب موسى نمَّ عن تردُّد وعدم ثقة بالنفس.‏ فقد قال:‏ «مَن انا حتى اذهب الى فرعون وحتى أُخرج بني اسرائيل من مصر».‏ حتى انه افصح عن مشكلة لديه يغفل عنها معظم صانعي الافلام،‏ فقد كان يعاني كما يَظهر إعاقة في نطقه.‏ ما اوسع الفرق بين موسى وأبطال الاساطير والخرافات القديمة!‏ فالسنوات الاربعون التي قضاها هذا الرجل في رعي الغنم ليَّنت طبعه وجعلته متواضعا.‏ ورغم ان موسى ما وثق بنفسه،‏ كان اللّٰه متأكدا انه الشخص الملائم لأخذ القيادة!‏ —‏ خروج ٣:‏١–‏٤:‏٢٠‏.‏

      الانقاذ من مصر

      رحل موسى عن مديان ومَثَلَ امام فرعون وطلب منه تحرير شعب اللّٰه.‏ وعندما رفض هذا الحاكم العنيد اطلاقهم،‏ اجتاحت مصر عشر ضربات مدمرة.‏ وحين ادت الضربة العاشرة الى موت ابكار مصر،‏ قام اخيرا الفرعون المهزوم بتحرير الاسرائيليين.‏ —‏ خروج الاصحاحات ٥-‏١٣‏.‏

      معظم القراء يعرفون هذه الاحداث جيدا.‏ ولكن هل وقع ايٌّ منها فعلا؟‏ يدّعي البعض ان عدم ذكر اسم الفرعون يثبت بطلان صحة الرواية.‏e لكنَّ هوفماير،‏ المقتبس منه آنفا،‏ يذكر ان الكتبة المصريين غالبا ما تعمّدوا حذف اسم اعداء الفرعون.‏ ويورد هذه الحجة:‏ «بالطبع لن يشك المؤرخون في تاريخية الحملة التي شنها تحوتمس الثالث في مجدّو لمجرد ان اسم ملكَي قادش ومجدّو لم يُسجَّل».‏ ويرجّح هوفماير ان «اسبابا لاهوتية مقنعة» دفعت الى عدم ذكر اسم الفرعون.‏ مثلا،‏ بإبقاء اسم الفرعون مجهولا،‏ تلفت الرواية الانتباه الى اللّٰه لا الى الفرعون.‏

      ويتوقف النقاد عند الخروج الكبير لليهود من مصر.‏ فقد زعم العالِم هومر و.‏ سميث انه لو كانت هذه الهجرة الجماعية صحيحة،‏ «لتردَّدت اصداؤها بقوة في التاريخ المصري او الارامي .‏ .‏ .‏ لذا من المحتمل اكثر ان تكون اسطورة الخروج مجرد تحريف وتضخيم لهروب افراد قليلين نسبيا من مصر الى فلسطين».‏

      صحيح انه لم يُعثر على ايّ سجل مصري عن هذه الحادثة،‏ لكنَّ ذلك مردّه الى ان المصريين لم يمتنعوا عن تغيير السجلات التاريخية عندما كانت الحقيقة تحرجهم او تخالف مصالحهم السياسية.‏ فعندما تولى تحوتمس الثالث السلطة،‏ حاول ان يطمس ذكرى الملكة حَتْشبْسوت التي حكمت قبله.‏ ذكر عالِم الآثار المصرية جون راي:‏ «امَّحت نقوشها وأحاط سور بمسلّاتها وطوى انصابها النسيان.‏ ولا يَظهر اسمها في الحوليات اللاحقة».‏ وقد شهد التاريخ الحديث محاولات مماثلة لتغيير او طمس وقائع محرجة.‏

      أما بالنسبة الى عدم وجود ادلة اثرية على الاقامة في البرية فلا ننسَ ان اليهود كانوا رُحَّلا.‏ فهم لم يبنوا مدينة ولم يزرعوا شيئا.‏ وعلى الارجح لم يتركوا وراءهم سوى آثار اقدامهم.‏ ومع ذلك،‏ يمكن ايجاد ادلة مقنعة على اقامتهم في البرية ضمن الكتاب المقدس نفسه.‏ فذكر هذه الحادثة يتردد في هذا الكتاب.‏ (‏١ صموئيل ٤:‏٨؛‏ مزمور ٧٨؛‏ مزمور ٩٥؛‏ مزمور ١٠٦؛‏ ١ كورنثوس ١٠:‏١-‏٥‏)‏ حتى يسوع المسيح شهد على صحة احداث وقعت في البرية.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٤‏.‏

      لا شك اذًا في ان رواية الكتاب المقدس عن موسى صادقة وموثوق بها.‏ لكنَّ موسى عاش منذ زمان طويل.‏ فكيف يمكن ان يؤثر هذا الشخص في حياتك اليوم؟‏

      a بحسب تعليق المفسِّر على الكتاب المقدس (‏بالانكليزية)‏،‏ لا تشير هذه العبارة فقط الى جمال الطفل الخارجي الفائق بل ايضا الى «صفاته القلبية».‏

      b كان الاغتسال في النيل «عادة شائعة في مصر القديمة»،‏ كما يذكر التعليق بقلم كوك.‏ فقد كان النيل يُعبد بوصفه انبثاقا .‏ .‏ .‏ من الاله أوزيريس ونُسبت الى مياهه قدرة فريدة على منح الحياة والخصب».‏

      c لا يزال اشتقاق هذا الاسم موضع خلاف بين العلماء.‏ فباللغة العبرانية،‏ يعني الاسم موسى «منتشَل،‏ مخلَّص من الماء».‏ وذكر المؤرخ فلاڤيوس يوسيفوس ان الاسم مركّب من كلمتين مصريتين تعنيان «ماء» و «مخلَّص».‏ واليوم يظن بعض العلماء ايضا ان الاسم موسى مصري الاصل،‏ وإنما يظنون ان معناه الارجح هو «ابن».‏ لكن هذه الحجة مؤسسة على تشابه في اللفظ بين كلمة «موسى» وبعض الاسماء المصرية.‏ وبما انه لا احد يعرف كيف كانت تُلفظ الكلمات بالعبرانية القديمة او المصرية القديمة،‏ تبقى هذه النظريات مجرد تخمينات.‏

      d ذكر كتاب اسرائيل في مصر:‏ «قد تبدو فكرة تربية موسى في البلاط المصري ضربا من ضروب الخيال.‏ ولكن يتبيّن لنا العكس اذا ألقينا نظرة عن كثب الى ما كان يجري في البلاط الملكي في عهد المملكة الحديثة.‏ فقد كان تحوتمس الثالث .‏ .‏ .‏ اول مَن ابتدأ بجلب ابناء الملوك الآسيويين الغربيين الخاضعين له الى مصر لتعليمهم العوائد المصرية .‏ .‏ .‏ ولذلك لم يكن مستغربا ان يوجد امراء وأميرات أجانب في البلاط المصري».‏

      e يقول بعض المؤرخين ان الفرعون المذكور في سفر الخروج هو تحوتمس الثالث.‏ ويرجّح آخرون أمنحوتب الثاني او رمسيس الثاني او غيرهما.‏ ونظرا الى عدم وضوح التسلسل الزمني للاحداث في التاريخ المصري،‏ من غير الممكن تحديد هوية ذلك الفرعون بدقة.‏

      مَن كتب «اسفار موسى»؟‏

      جرت العادة ان تُنسب الى موسى كتابة الاسفار الخمسة الاولى في الكتاب المقدس،‏ والتي يُطلق عليها اسم التوراة.‏ وربما كانت هنالك مصادر تاريخية اقدم اقتبس منها موسى بعض معلوماته.‏ لكنَّ بعض النقاد يظنون ان موسى لم يكتب التوراة على الاطلاق.‏ فقد اكد الفيلسوف سپينوزا الذي عاش في القرن السابع عشر:‏ «موسى لم يكتب التوراة،‏ وهي حقيقة اوضح من شمس الظهيرة».‏ وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر،‏ عمَّم العالِم الالماني يوليوس ولهاوزن نظرية «الوثائق»،‏ التي تقول ان اسفار موسى هي مزيج من اعمال عدة مؤلفين او عدة مجموعات من المؤلفين.‏

      سجّل موسى بتواضع عدم اعطائه المجد للّٰه

      فقد زعم ولهاوزن ان احد المؤلفين استعمل دائما اسم اللّٰه يهوه،‏ فدُعي «ي».‏ ودُعي آخر «ا» لأنه اشار الى اللّٰه بكلمة «إلوهيم».‏ كما زعم ان «ك» كتب الشرائع الكهنوتية في سفر اللاويين،‏ فيما كتب «ت» سفر التثنية.‏ ورغم ان بعض النقاد تبنّوا هذه النظرية طوال عقود،‏ يدعو جوزف بلانْكنْسوپ في كتاب الپانتاتيُك (‏بالانكليزية)‏ فرضية ولهاوزن نظرية «في ازمة».‏

      ويوضح كتاب مدخل الى الكتاب المقدس (‏بالانكليزية)‏ بقلم جون لوكس:‏ «نظرية الوثائق مبنية على مزاعم إما اعتباطية او باطلة كليا.‏ .‏ .‏ .‏ ولو كانت نظرية الوثائق المتشددة صحيحة،‏ لَكان الاسرائيليون ضحية خدعة بشعة لأنهم سمحوا للشريعة الموسوية ان تلقي بثقلها الكبير عليهم،‏ ولَكانت تلك اكبر خدعة في تاريخ العالم».‏

      والحجة الاخرى التي يتذرع بها البعض هي ان الاختلافات في الاسلوب دليل على تعدُّد المؤلفين.‏ ولكن يقول ك.‏ أ.‏ كيتشن في كتابه الشرق القديم والعهد القديم (‏بالانكليزية)‏:‏ «الاختلافات في الاسلوب ليست بذات اهمية،‏ وهي ناجمة عن الاختلاف في المواضيع».‏ كما ان التنوع في الاسلوب يلاحَظ في «نصوص قديمة لا يُشك ابدا في ان مؤلفها شخص واحد».‏

      ويلاحَظ ايضا ضعف الحجة القائلة ان استعمال اسماء وألقاب مختلفة للاشارة الى اللّٰه هو دليل على تعدُّد المؤلفين.‏ ففي جزء صغير واحد من سفر التكوين،‏ يدعى اللّٰه «اللّٰه العلي»،‏ «مالك السموات والارض»،‏ «السيد الرب»،‏ «ايل رُئي [«اله يرى»،‏ ع‌ج‏]»،‏ «اللّٰه القدير»،‏ «اللّٰه»،‏ و «ديان كل الارض».‏ (‏تكوين ١٤:‏١٨،‏ ١٩؛‏ ١٥:‏٢؛‏ ١٦:‏١٣؛‏ ١٧:‏١،‏ ٣،‏ ١٨؛‏ ١٨:‏٢٥‏)‏ فهل كُتبت كل آية من هذه الآيات على يد مؤلف مختلف؟‏ وماذا عن تكوين ٢٨:‏١٣‏،‏ حيث تُستعمل في اللغة الاصلية كلمة «إلوهيم» (‏اللّٰه)‏ مع «يهوه»؟‏ فهل اشترك مؤلفان في كتابة هذه الآية الواحدة؟‏

      ويبرز ضعف هذه الطريقة في التفكير عندما تُطبَّق على كتاب معاصر.‏ ففي احد الكتب الحديثة عن الحرب العالمية الثانية،‏ دُعي المستشار الالماني «الفوهرر»،‏ «أدولف هتلر»،‏ و «هتلر» ضمن صفحات قليلة فقط.‏ فهل يجرؤ احد على القول ان هذا دليل على وجود ثلاثة مؤلفين للكتاب؟‏

      برغم ذلك،‏ لا تزال تَظهر نظريات معدلة قليلا لنظرية ولهاوزن.‏ وإحداها هي النظرية التي عرضها عالمان بشأن المؤلف «ي» الذي استعمل دائما الاسم يهوه.‏ فهما لا ينكران فقط ان موسى هو المؤلف،‏ بل يزعمان ايضا ان «ي» هو امرأة.‏

  • موسى —‏ كيف تؤثر حياته فيك؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • موسى:‏ كيف تؤثر حياته فيك؟‏

      ليس موسى في نظر علماء ونقّاد كثيرين اكثر من مجرد شخص اسطوري.‏ وهم يرفضون رواية الكتاب المقدس عنه،‏ ويطبِّقون عليه معايير لو طُبِّقت على افراد مثل افلاطون وسقراط،‏ لَاعتُبروا هم ايضا شخصيات اسطورية.‏

      ولكن،‏ كما رأينا،‏ لا يوجد سبب مقنع لرفض ما يقوله الكتاب المقدس عن موسى.‏ على العكس،‏ يرى ذوو الايمان انه توجد ادلة وافرة تؤكد ان الكتاب المقدس بكامله هو «كلمة اللّٰه».‏a (‏١ تسالونيكي ٢:‏١٣؛‏ عبرانيين ١١:‏١‏)‏ وبالنسبة الى هؤلاء،‏ ليست دراسة حياة موسى مجرد بحث لا قيمة عملية له،‏ بل هي وسيلة لتقوية الايمان.‏

      موسى الحقيقي

      غالبا ما يركّز صانعو الافلام كثيرا على بطولة موسى وشجاعته لأنهما صفتان تروقان روّاد السينما.‏ لا شك ان موسى كان شجاعا.‏ (‏خروج ٢:‏١٦-‏١٩‏)‏ لكنه كان قبل كل شيء رجل ايمان.‏ فقد كان اللّٰه حقيقيا في نظره حتى ان الرسول بولس قال لاحقا ان موسى «بقي راسخا كأنه يرى مَن لا يُرى».‏ —‏ عبرانيين ١١:‏٢٤-‏٢٨‏.‏

      وهكذا يعلّمنا موسى اهمية تنمية علاقة مع اللّٰه.‏ ففي حياتنا اليومية،‏ يمكننا نحن ايضا ان نتصرف كما لو اننا نرى اللّٰه.‏ وبهذه الطريقة لن نفعل ابدا ايّ شيء لا يرضى عنه.‏ لاحظ ايضا ان ايمان موسى غُرس في قلبه عندما كان طفلا.‏ وكان ايمانه عميقا جدا حتى ان «حكمة المصريين كلها» لم تؤثر فيه.‏ (‏اعمال ٧:‏٢٢‏)‏ فيا له من مثال مشجِّع للوالدين لكي يبدأوا بتعليم اولادهم عن اللّٰه منذ الطفولية!‏ —‏ امثال ٢٢:‏٦؛‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١٥‏.‏

      ولا ننسَ تواضع موسى.‏ فقد كان «حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الارض».‏ (‏عدد ١٢:‏٣‏)‏ لذا لم يتردد في الاعتراف بأخطائه.‏ فقد كتب عن اهماله حين لم يختن ابنه.‏ (‏خروج ٤:‏٢٤-‏٢٦‏)‏ وروى بصراحة انه لم يعطِ المجد للّٰه في احدى المناسبات وأن اللّٰه انزل به عقابا محزنا.‏ (‏عدد ٢٠:‏٢-‏١٢؛‏ تثنية ١:‏٣٧‏)‏ كما كان مستعدا لتقبُّل الاقتراحات من الآخرين.‏ (‏خروج ١٨:‏١٣-‏٢٤‏)‏ أوليس موسى مثالا رائعا للازواج والآباء والرجال الآخرين ذوي السلطة؟‏

      لكنَّ بعض النقاد يشكّون في كون موسى حليما فعلا،‏ ويستشهدون بإجراءات عنيفة اتخذها.‏ (‏خروج ٣٢:‏٢٦-‏٢٨‏)‏ مثلا،‏ يقول الكاتب جوناثان كيرش:‏ «نادرا ما تصرف موسى الموصوف في الكتاب المقدس بتواضع،‏ ولم يكن حليما قط،‏ ولا يمكن ان نقول دائما عن سلوكه انه بار.‏ ففي لحظات مخيفة،‏ .‏ .‏ .‏ اظهر موسى انه شخص متعجرف ووحشي ومتعطش الى الدم».‏ ان انتقادات كهذه هي دليل على قصر نظر.‏ فهي تتجاهل الدافع الحقيقي وراء اعمال موسى:‏ الحرص الشديد على إحلال العدل وعدم التغاضي عن الشر.‏ وفي هذه الايام التي يشيع فيها تقبُّل الناس لأنماط الحياة الفاسدة ادبيا،‏ يذكّرنا موسى بأهمية عدم المسايرة ابدا على حساب المقاييس الادبية.‏ —‏ مزمور ٩٧:‏١٠‏.‏

      يسوع:‏ نبي مثل موسى

      هذه بعض الامور التي جعلت يسوع مثل موسى:‏

      • موسى ويسوع كلاهما نجَوَا من مذبحة جماعية للاطفال الذكور امر بها حاكم ذلك الزمان.‏ —‏ خروج ١:‏٢٢؛‏ ٢:‏١-‏١٠؛‏ متى ٢:‏١٣-‏١٨‏.‏

      • دُعي موسى من مصر مع «بكر» يهوه،‏ اي امة اسرائيل.‏ دُعي يسوع من مصر بوصفه ابن اللّٰه البكر.‏ —‏ خروج ٤:‏٢٢،‏ ٢٣؛‏ هوشع ١١:‏١؛‏ متى ٢:‏١٥،‏ ١٩-‏٢١‏.‏

      • موسى ويسوع كلاهما صاما ٤٠ يوما في برية.‏ —‏ خروج ٣٤:‏٢٨؛‏ متى ٤:‏١،‏ ٢‏.‏

      • موسى ويسوع كلاهما تميَّزا بوداعتهما وتواضعهما.‏ —‏ عدد ١٢:‏٣؛‏ متى ١١:‏٢٨-‏٣٠‏.‏

      • موسى ويسوع كلاهما صنعا عجائب.‏ —‏ خروج ١٤:‏٢١-‏٣١؛‏ مزمور ٧٨:‏١٢-‏٥٤؛‏ متى ١١:‏٥؛‏ مرقس ٥:‏٣٨-‏٤٣؛‏ لوقا ٧:‏١١-‏١٥،‏ ١٨-‏٢٣‏.‏

      • كلٌّ من موسى ويسوع كان وسيط عهد بين اللّٰه وشعبه.‏ —‏ خروج ٢٤:‏٣-‏٨؛‏ ١ تيموثاوس ٢:‏٥،‏ ٦؛‏ عبرانيين ٨:‏١٠-‏١٣؛‏ ١٢:‏٢٤‏.‏

      الكتابات التي تركها موسى

      ترك موسى وراءه مجموعة مذهلة من الكتابات.‏ وهذه الكتابات تشمل الشعر (‏ايوب والمزمور ٩٠‏)‏،‏ النثر التاريخي (‏التكوين والخروج والعدد)‏،‏ سلاسل النسب (‏التكوين الاصحاحات ٥،‏ ١١،‏ ١٩،‏ ٢٢،‏ ٢٥‏)‏،‏ ومجموعة لافتة من القوانين التي تُطلق عليها عبارة «شريعة موسى» (‏الخروج الاصحاحات ٢٠-‏٤٠ واللاويين والعدد والتثنية)‏.‏ وقد تضمنت هذه الشريعة الموحى بها من اللّٰه عددا من المفاهيم والقوانين بالاضافة الى مبادئ حول اصول الحكم،‏ وهذه كلها سبقت عصرها بزمن طويل.‏

      في البلدان التي يكون فيها رئيس الدولة رأس الكنيسة ايضا،‏ غالبا ما ينجم عن ذلك تعصُّب وقمع دينيان وإساءة لاستعمال السلطة.‏ لكنَّ شريعة موسى تضمنت مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة.‏ فلم يُسمح للملك بأن يتولى مهامّ كهنوتية.‏ —‏ ٢ أخبار الايام ٢٦:‏١٦-‏١٨‏.‏

      كما تضمَّنت شريعة موسى مبادئ لتعزيز الصحة ومكافحة الامراض،‏ مثل فرض الحجر الصحي على المرضى والتخلص من الفضلات البشرية،‏ الامر الذي ينسجم مع العلم الحديث.‏ (‏لاويين ١٣:‏١-‏٥٩؛‏ ١٤:‏٣٨،‏ ٤٦؛‏ تثنية ٢٣:‏١٣‏)‏ وهذا امر لافت للنظر،‏ وخصوصا عندما نعرف ان الكثير من العلاجات الطبية المصرية في ايام موسى اشتمل على خرافات وممارسات طبية خاطئة وخطيرة.‏ وفي البلدان النامية اليوم،‏ يمكن ان يحمي الملايين انفسهم من المرض والموت اذا طبقوا الارشادات الصحية التي علّمها موسى.‏

      ليس المسيحيون ملزَمين باتِّباع الشريعة الموسوية.‏ (‏كولوسي ٢:‏١٣،‏ ١٤‏)‏ لكنَّ درسها ينطوي على فائدة كبيرة.‏ فقد حثَّت تلك الشريعة الاسرائيليين على الاعراب عن التعبد المطلق للّٰه والامتناع عن الصنمية.‏ (‏خروج ٢٠:‏٤؛‏ تثنية ٥:‏٩‏،‏ ع‌ج‏)‏ وأمرت الاولاد بإكرام والديهم.‏ (‏خروج ٢٠:‏١٢‏)‏ كما ادانت الشريعة القتل والزنا والسرقة والكذب والطمع.‏ (‏خروج ٢٠:‏١٣-‏١٧‏)‏ ولهذه المبادئ اهمية كبيرة عند المسيحيين اليوم.‏

      يمكن للارشادات الصحية التي علّمتها الشريعة الموسوية ان تساهم في مكافحة الامراض

      نبي مثل موسى

      يسوع مع تلاميذه

      كان يسوع وحده نبيا مثل موسى

      نحن نعيش اليوم في ازمنة صعبة.‏ ويحتاج البشر دون شك الى قائد مثل موسى:‏ شخص لا يملك القدرة والسلطة فحسب،‏ بل يتحلى ايضا بالاستقامة والشجاعة والرأفة وحب العدل من كل القلب.‏ وعندما مات موسى،‏ لا بد ان الاسرائيليين تساءلوا:‏ ‹هل سيشهد العالم شخصا مثله؟‏›.‏ لكنَّ موسى نفسه كان قد اجاب عن هذا السؤال.‏

      تشرح كتابات موسى كيف ابتدأ المرض والموت ولماذا سمح اللّٰه باستمرار الشر.‏ (‏تكوين ٣:‏١-‏١٩؛‏ ايوب الاصحاحان ١،‏ ٢‏)‏ وفي التكوين ٣:‏١٥ ترد اول نبوة إلهية مسجلة،‏ وهذه النبوة تعد بسحق الشر في النهاية.‏ كيف؟‏ اشارت النبوة الى ولادة شخص منه سيأتي الخلاص.‏ وكان هذا الوعد اساس الرجاء في ان مسيّا سيقوم وينقذ الجنس البشري.‏ ولكن مَن سيكون المسيَّا؟‏ يساعدنا موسى على تحديد هويته بشكل لا يرقى اليه الشك.‏

      فنحو نهاية حياته،‏ تفوَّه موسى بهذه الكلمات النبوية:‏ «يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي.‏ له تسمعون».‏ (‏تثنية ١٨:‏١٥‏)‏ وطبَّق الرسول بطرس لاحقا هذه الكلمات على يسوع.‏ —‏ اعمال ٣:‏٢٠-‏٢٦‏.‏

      يرفض معظم المعلِّقين اليهود بشدة ايّ تشابه بين موسى ويسوع.‏ وهم يزعمون ان كلمات هذه الآية تنطبق على ايّ نبي حقيقي اتى بعد موسى.‏ لكنَّ التثنية ٣٤:‏١٠ (‏الترجمة اليسوعية الجديدة‏)‏ تقول:‏ «لم يقم من بعد في اسرائيل نبي كموسى الذي عرفه الرب وجها لوجه».‏

      صحيح انه اتى بعد موسى انبياء امناء كثيرون،‏ مثل اشعيا وإرميا،‏ ولكن لم يتمتع احدهم بالعلاقة الفريدة مع اللّٰه التي تمتَّع بها موسى،‏ اذ كان يكلّمه «وجها لوجه».‏ لذلك لا بد ان ينطبق وعد موسى بنبي ‹مثله› على شخص واحد:‏ المسيَّا.‏ ومن الملاحظ ان هذا كان رأي العلماء اليهود قبل حلول المسيحية،‏ وقبل الاضطهاد الديني على يد المسيحيين الزائفين.‏ ويمكن ان يُرى ذلك في كتابات يهودية مثل المدراش العظيم الذي يصف موسى بأنه السابق «للفادي اللاحق»،‏ او المسيَّا.‏

      لا يمكن ان ننكر التشابهات العديدة بين موسى ويسوع.‏ (‏انظر الاطار «يسوع:‏ نبي مثل موسى».‏)‏ فقد تمتع يسوع بالقدرة والسلطة.‏ (‏متى ٢٨:‏١٩‏)‏ وكان «وديعا ومتضع القلب».‏ (‏متى ١١:‏٢٩‏)‏ وأبغض الظلم والتعدي على الشريعة.‏ (‏عبرانيين ١:‏٩‏)‏ لذا يمكنه ان يكون القائد الذي نحن بحاجة ماسة اليه.‏ وهو الذي سيسحق الشر قريبا ويحوّل الارض الى الفردوس الذي يتحدَّث عنه الكتاب المقدس.‏b

      a انظر كتاب الكتاب المقدس —‏ كلمة اللّٰه أم الانسان؟‏،‏ اصدار شهود يهوه.‏

      b اذا كنت ترغب في معرفة المزيد عن وعد الكتاب المقدس بفردوس ارضي في ظل ملكوت المسيح،‏ فاتصل من فضلك بشهود يهوه.‏ وسوف يسرّهم ان يدرسوا معك الكتاب المقدس مجانا.‏

      موسى:‏ حقائق وأوهام

      ادت الافلام التي تناولت قصة موسى الى اعتقادات خاطئة وغير دقيقة عند الناس.‏ وإليك بعضا منها:‏

      الاعتقاد الخاطئ:‏ لم يكن موسى يدري بأصله اليهودي.‏

      الواقع:‏ كانت امّ موسى اليهودية هي التي ارضعته،‏ وقد استمرت ترضعه كما يَظهر بضع سنوات.‏ وتذكر الاعمال ٧:‏٢٣-‏٢٥ ان موسى اعتبر العبيد اليهود «اخوته».‏

      الاعتقاد الخاطئ:‏ كان موسى من المنافسين على عرش مصر.‏

      الواقع:‏ لا ترد هذه الفكرة في الكتاب المقدس.‏ وبحسب امثلة يومية من الكتاب المقدس (‏بالانكليزية)‏،‏ بقلم جون كيتو،‏ لا يوجد سبب للاعتقاد ان موسى «صار نتيجة تبنّيه وارثا للعرش.‏ .‏ .‏ .‏ فلا يبدو انه كانت هنالك حاجة الى ورثة ذكور للعرش».‏

      الاعتقاد الخاطئ:‏ رجع موسى الى مصر ليواجه عدوه.‏

      الواقع:‏ يقول الكتاب المقدس ان كل اعدائه كانوا قد ماتوا حين رجع.‏ —‏ خروج ٤:‏١٩‏.‏

      الاعتقاد الخاطئ:‏ بعدما صعد موسى الى جبل سيناء،‏ اعطاه اللّٰه الوصايا العشر.‏

      الواقع:‏ تفوَّه اللّٰه،‏ بواسطة ملاكه،‏ بالوصايا العشر امام كامل امة اسرائيل.‏ وبعد ذلك،‏ طلب الاسرائيليون المرتعبون الى موسى ان يصعد ويتكلم عنهم.‏ —‏ خروج ١٩:‏٢٠–‏٢٠:‏١٩؛‏ ٢٤:‏١٢-‏١٤؛‏ اعمال ٧:‏٥٣؛‏ عبرانيين ١٢:‏١٨،‏ ١٩‏.‏

      الاعتقاد الخاطئ:‏ نجا فرعون ولم يهلك مع جيشه في البحر الاحمر.‏

      الواقع:‏ «فرعون وقوته» هلكوا في البحر الاحمر.‏ —‏ خروج ١٤:‏٢٨؛‏ مزمور ١٣٦:‏١٥‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة