-
التحديات التي تواجهها الامهاتاستيقظ! ٢٠٠٥ | شباط (فبراير) ٢٢
-
-
التحديات التي تواجهها الامهات
«اهمّ الادوار في الحياة هي الادوار المرتبطة بالبيت. . . . فعندما لا تقوم الام بدورها، لا ينشأ جيل جديد. وفي حال نشأ يكون من الافضل لو لَم ينشأ». — ثيودور روزفلت، الرئيس الـ ٢٦ للولايات المتحدة.
لا شك ان الام تلعب دورا اساسيا في الحياة. لكنّ دورها لا يقتصر على انجاب الاولاد. فقد ذكر احد المؤلفين في معرض حديثه عن دور الام في معظم انحاء العالم اليوم: «تلعب الام الدور الاساسي في حماية صحة ولدها، تعليمه، صوغ افكاره وشخصيته وطباعه، ومنحه الاستقرار العاطفي».
وأحد الادوار العديدة التي تلعبها الام هو تعليم الاولاد. فالولد يتعلم اولى كلماته وطريقة صوغ هذه الكلمات من امه. ولذلك تُسمى اللغة الاولى التي يتعلمها المرء: اللغة الام. كما ان الام عموما تقضي مع الاولاد وقتا اطول مما يمضيه زوجها، لذلك فهي تلعب دورا رئيسيا في تعليمهم وتأديبهم. والمثل المكسيكي القائل: «يرضع الاولاد العلم مع الحليب» هو وصف بليغ لمدى اهمية الدور الذي تضطلع به الام.
أشاد خالقنا يهوه اللّٰه هو ايضا بدور الامهات. فإحدى الوصايا العشر التي نُقشت على الحجرين «بإصبع اللّٰه» تحث كلّ ولد قائلة: «أكرم اباك وأمك». (خروج ٢٠:١٢؛ ٣١:١٨؛ تثنية ٩:١٠) كما ان احد امثال الكتاب المقدس يشير الى ‹شريعة الام›. (امثال ١:٨) فضلا عن ذلك، لقد صار معروفا اليوم ان تعليم الاولاد في السنوات الثلاث الاولى من حياتهم، عندما يكون معظمهم تحت رعاية امهاتهم، امر بالغ الاهمية.
ما هي بعض التحديات؟
تواجه امهات كثيرات عائقا كبيرا يحول دون منحهن التعليم لأولادهن خلال سنواتهم الاولى البالغة الاهمية. ويتمثل هذا العائق في انهن مضطرات الى العمل للمساعدة في إعالة العائلة. ففي العديد من البلدان المتقدمة، تُظهر الاحصاءات التي اجرتها الامم المتحدة ان اكثر من نصف الامهات اللواتي لديهن اولاد لم يبلغوا بعد الثالثة من العمر يعملن خارج البيت.
بالاضافة الى ذلك، غالبا ما تتحمل الامهات مسؤولية تربية الاولاد وحدهن لأن ازواجهن يتركون البيت ليبحثوا عن عمل في منطقة اخرى. مثلا، تذكر التقارير الواردة من ارمينيا ان نحو ثلث الرجال غادروا البلد بحثا عن عمل. كما تضطر الامهات احيانا الى تربية اولادهن وحدهن لأن ازواجهن اما ماتوا او هجروهن.
وتواجه الامهات في بلدان اخرى تحدّيا مختلفا، وهو انهنّ غير متعلمات. فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة يقدّر ان النساء يشكّلن ثلثَي الاميين في العالم البالغ عددهم ٨٧٦ مليون شخص. كما تقول منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ان نسبة الاميّات بين النساء في افريقيا، شرق وجنوب آسيا، والعالم العربي، تفوق الـ ٦٠ في المئة. ناهيك عن ان عددا كبيرا من الرجال يعتقدون ان تعليم النساء غير ضروري، حتى انهم يعتقدون انه يجعلهن غير صالحات لإنجاب الاولاد.
على سبيل المثال، تذكر مجلة آوتلوك (بالانكليزية) ان الرجال في احدى مقاطعات ولاية كيرالا الهندية، حيث غالبا ما تنجب النساء ولدهن الاول بعمر ١٥ سنة، لا يرغبون في الزواج بامرأة متعلمة. وفي باكستان القريبة، يُعطى البنون الاولوية لأن ما يحصّلونه من علم يساعدهم على ايجاد وظائف براتب افضل تمكّنهم من إعالة والديهم في شيخوختهم. ومن ناحية اخرى، يوضح كتاب العلم والنساء في البلدان النامية (بالانكليزية): «لا ينفق الوالدون المال على تعليم بناتهم لأنهم لا يتوقعون منهن ان يقدّمن للعائلة اية مساهمة مادية».
علاوة على ذلك، تشكّل العادات المحلية تحديا آخر للامهات. مثلا، يُتوقع من الام في بعض البلدان ان توافق على عادة بيع البنات الصغيرات ليصرن زوجات او على عادة ختان الإناث. كما يُعتبر عيبا في بعض المجتمعات ان تعلّم الام ابنها الذكر او تؤدبه. فهل الام مجبرة على اتباع هذه العادات وترك مسألة تربية اولادها الذكور للآخرين؟
سنرى في المقالتَين التاليتين كيف تنجح بعض الامهات في مواجهة هذه التحديات. وسنحاول ان نفهم اكثر دور المرأة كأم ومربّية لنتمكن من منحها التقدير الذي تستحقه.
-
-
امهات نجحن في تخطي التحدياتاستيقظ! ٢٠٠٥ | شباط (فبراير) ٢٢
-
-
امهات نجحن في تخطي التحديات
احد التحديات الرئيسية التي تواجهها امهات عديدات اليوم هو اضطرارهن الى العمل بغية المساهمة في إعالة العائلة. حتى ان بعضهن يُرغمن احيانا لسبب او لآخر على تربية اولادهن دون مساعدة ازواجهن.
مارڠاريتا هي ام متوحدة لديها ولدان تعيش في المكسيك. تقول: «كان من الصعب ان امنحهما التدريب اللازم من الناحيتين الادبية والروحية». وتضيف: «ذات مرة، اتى ابني المراهق الى البيت من احدى الحفلات وهو سكران بعض الشيء. فحذّرته انه اذا اعاد الكرّة، فلن ادعه يدخل الى البيت. ومع ذلك سكر مرة اخرى. فأقفلت الباب ولم اسمح له بالدخول. صحيح ان ذلك سبَّب لي الكثير من الاسى، لكنني سعيدة لأنه لم يُعِد الكرّة بعد تلك الحادثة».
بعيد ذلك، بدأت مارڠاريتا تدرس الكتاب المقدس، مما ساعدها على غرس القيَم الادبية الرفيعة في ولدَيها. والآن يخدم ولداها كلاهما كخادمين كامل الوقت من شهود يهوه.
عندما يعيش الزوج بعيدا عن البيت
ينتقل ازواج كثيرون الى بلدان اكثر ازدهارا بحثا عن العمل، تاركين زوجاتهم لتربية الاولاد وحدهن. تقول لاكشمي، وهي ام تعيش في نيبال: «يقيم زوجي في المهجر منذ سبع سنوات. ولا يطيعني أولادي بقدر ما يطيعون والدهم. فلو بقي دوما الى جانبي وأخذ القيادة في تربية الاولاد لكانت الحياة اسهل بكثير».
رغم الصعاب تنجح لاكشمي في مواجهة هذا التحدي. فبما ان ثقافتها محدودة، رتبت ان يساعد اساتذة خصوصيون اولادها الاكبر سنا على القيام بواجباتهم المدرسية. اما حاجاتهم الروحية فتوليها اهتمامها الخاص. فهي تعقد معهم كل اسبوع درسا في الكتاب المقدس، وتناقش معهم يوميا آية من الكتاب المقدس. كما تأخذهم بانتظام الى الاجتماعات المسيحية.
امهات ثقافتهنّ محدودة
تشكّل النسبة العالية من النساء الامّيات تحديا آخر في بعض البلدان. توضح اوريليا، وهي ام لستة اولاد في المكسيك، صعوبة كون الام غير متعلمة بقولها: «لطالما رددت امي ان النساء لم يُخلقن ليتعلمن. لذلك لم اتعلم القراءة قط. ولم اتمكن من مساعدة اولادي في فروضهم المنزلية. كم آلمني ذلك! لكنني لم أُرِد ان يذوق اولادي العذاب الذي ذقته انا، فعملت جاهدة لكي يتمكنوا من تحصيل العلم».
حتى لو كانت ثقافة الام محدودة، يمكنها ان تلعب دورا في تعليم اولادها. وهذا يبرهن صحة المثل القائل: «الام مدرسة اذا اعددتها اعددْتَ شعبا طيب الاعراق». وخير مثال على ذلك بيشنو، ام لثلاثة ابناء تعيش في نيبال. كانت بيشنو في السابق امية. لكنّ رغبتها في تعلم حقائق الكتاب المقدس وتلقينها لأولادها دفعتها الى بذل جهد كبير لتعلّم القراءة والكتابة. وكانت بيشنو تحرص دائما ان ينجز اولادها فروضهم المدرسية وتزور المدرسة بانتظام للتكلم مع الاساتذة.
وما القول في تدريبهم من الناحية الروحية والادبية؟ يوضح ابن بيشنو، سيلاش: «اكثر ما اعجبني في الاسلوب الذي اتبعته امي في تعليمنا هو انها كانت تستخدم امثلة من الكتاب المقدس لتقويمنا عندما كنا نخطئ. وكان هذا الاسلوب فعالا جدا، فقد ساعدني على تقبّل الارشاد». نعم، لقد نجحت بيشنو في تعليم ابنائها الثلاثة وهم الآن احداث يخافون اللّٰه.
إليك مثالا آخر. تقول أنطونيا، وهي ام لولدين في المكسيك: «تركتُ المدرسة بعد ان انهيت المرحلة الابتدائية. فقد كنا نعيش في قرية منعزلة تبعد مسافة كبيرة عن ايّ مدرسة ثانوية. لكنني رغبت ان يحصِّل ولداي مقدارا اكبر من العلم. لذلك خصصت الكثير من الوقت لهما. فقد علّمتهما المبادئ الاساسية للقراءة والكتابة والحساب. وكان باستطاعة ابنتي ان تهجِّي اسمها وتكتب كل حروف الهجاء قبل ان تذهب الى المدرسة. وكان ابني يجيد القراءة حين ارسلته الى روضة الاطفال».
وعندما سُئلت انطونيا كيف منحتهما التدريب في الامور الادبية والروحية، اجابت: «علمتهما قصص الكتاب المقدس. فقبْل ان تتعلم ابنتي الكلام، كانت تخبر قصص الكتاب المقدس بالاشارات. وقدّم ابني موضوعه الاول قراءة في قاعة الملكوت وهو بعمر اربع سنوات». نعم، تنجح امهات كثيرات في تعليم اولادهن رغم ثقافتهن المحدودة.
محاربة العادات السيئة
تشيع بين شعب التسوتسيل في المكسيك عادة بيع الفتيات بهدف الزواج وهن بعد بعمر ١٢ او ١٣ سنة. وغالبا ما يكون الزوج رجلا اكبر من الفتاة بكثير ويريدها فقط لتكون زوجته الثانية او الثالثة. وإذا لم يُسَرّ الرجل بالفتاة يمكنه إرجاعها الى اهلها واستعادة ماله. واجهت پيترونا هذا الواقع عندما كانت صغيرة. فقد بيعت امها زوجةً لرجل طلقها قبل بلوغها الـ ١٣ من العمر. وأنجبت من هذا الرجل طفلا لكنه مات. وأُعيد بيع ام پيترونا مرتين بعد ذلك وأنجبت ثمانية اولاد.
لم ترِد پيترونا ان تواجه المصير نفسه مثل امها، وقد نجحت في تحقيق ذلك. توضح: «عندما انهيت دراستي الابتدائية، اخبرت امي انني لا اريد الزواج بل ارغب في متابعة دراستي. لكنّ امي قالت انه ليس في يدها حيلة وعليّ التكلم مع ابي في هذا الخصوص».
كان جواب ابي: «سأُزوِّجك لا محالة. فأنت تتكلمين الاسبانية، وتجيدين القراءة، فماذا تريدين اكثر من ذلك؟ وإذا اردتِ ان تتابعي دراستك، فعليك دفع الاقساط انت بنفسكِ!».
تمضي پيترونا قائلة: «وهذا ما فعلته. فقد بدأتُ بتطريز القماش لكي اكسب المال لأنفقه على دراستي». وبهذه الطريقة نجحَت پيترونا في تجنب بيعها كزوجة. وبعد ان كبرتْ، ابتدأتْ امها بدرس الكتاب المقدس. فأعطاها ذلك الجرأة لكي تغرس القيَم المؤسسة على الكتاب المقدس في قلوب اخوات پيترونا الاصغر. كما انها تمكنت من تعليمهن من اختبارها الخاص العواقب المؤلمة لبيع الفتيات الصغيرات.
تشيع بين شعوب كثيرة العادة ان يقتصر تأديب الصِّبية في العائلة على الاب. توضح پيترونا: «تتعلّم نساء التسوتسيل انهن ادنى مرتبة. والرجال في مجتمعنا مستبدون جدا. ويحاول الصِّبية الصغار تقليد آبائهم، فيقولون لأمهاتهم: ‹لا يحق لك ان تقولي لي ماذا عليّ ان افعل، فلن اسمع إلّا لأبي›. لذلك لا يمكن للامهات تعليم ابنائهن. ولكن بعد ان درست امي الكتاب المقدس نجحت في تعليم اخويّ. وقد حفظا عن ظهر قلب كلمات افسس ٦:١، ٢ التي تقول: ‹أيها الأولاد، أطيعوا والديكم . . . أكرِم أباك وأمك›».
تعلِّق ماري، وهي ام من نيجيريا، على الموضوع نفسه قائلة: «في المنطقة حيث تربيت، لا تسمح العادات بأن تعلّم الام اولادها الصِّبية او تؤدبهم. لكنني صممت ألّا اسمح للعادات المحلية ان تمنعني من تعليم اولادي تمثلا بأفنيكي ولوئيس، ام تيموثاوس وجدته الوارد ذكرهما في الكتاب المقدس». — ٢ تيموثاوس ١:٥.
تُتّبع في بعض البلدان عادة أخرى تُسمى «ختان الاناث»، لكنها صارت تُعرف اليوم بجدع الاعضاء التناسلية للإناث. في هذه العملية، يُزال جزء كبير من الاعضاء التناسلية عند الفتاة. وقد تنبّه العالم الى هذه العادة بفضل جهود واريس ديري، وهي عارضة ازياء مشهورة وسفيرة خاصة لصندوق الامم المتحدة للسكان. فعندما كانت واريس ديري صغيرة، ارغمتها امها على الخضوع لهذه العملية وفقا لما تمليه التقاليد الصومالية. ويذكر احد التقارير ان ما بين ثمانية ملايين وعشرة ملايين امرأة وفتاة في الشرق الاوسط وإفريقيا يُحتمل ان يخضعن لهذه العملية. حتى في الولايات المتحدة يُقدَّر ان ٠٠٠,١٠ فتاة هن في خطر.
وما الذي يدفع الناس الى اتباع هذه العادة؟ يعتقد البعض ان اعضاء الفتاة التناسلية مرتبطة بالشر وتدنّس الفتاة بحيث تصير غير صالحة للزواج. كما ان جدع هذه الاعضاء، او ازالتها، يُعتبر ضمانة لعفة الفتاة وإخلاصها بعد الزواج. وتتعرض الام لسخط زوجها والمجتمع إذا لم تتبع هذه العادة.
لكنّ امهات كثيرات صرن يعرفن ان ما من سبب منطقي، إن من الناحية الدينية او الطبية او الصحية، يبرر اتِّباع هذه العادة المؤلمة. ويكشف كتاب رفض العادات البغيضة (بالانكليزية) الصادر في نيجيريا ان امهات عديدات رفضن بشجاعة السماح بإجراء هذه العملية لبناتهن.
نعم، رغم كل التحديات التي تواجهها الامهات، تنجح اعداد كبيرة منهن حول العالم في حماية اولادهن، تربيتهم، وتعليمهم. ولكن هل تحظى جهودهن حقا بالتقدير الذي تستحقه؟
[الاطار/الصورة في الصفحة ٥]
«أظهرت دراسة تلو الاخرى ان اي استراتيجية للتنمية لا تنجح دون ان تساهم النساء فيها. فعندما تساهم النساء مساهمة فاعلة تُرى النتائج بكل وضوح: تتحسن صحة افراد العائلة ومستواهم الغذائي، وترتفع مستويات الدخل والادّخار ونسبة المال الذي يُعاد توظيفه. وما يصحّ في العائلات يصحّ ايضا في المجتمعات وفي النهاية في البلدان بأكملها». — الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٣.
[مصدر الصورة]
UN/DPI photo by Milton Grant
[الاطار/الصور في الصفحة ٨]
لقد ضحت من اجلنا
يقول شاب برازيلي اسمه جوليانو: «عندما كنت في الخامسة من العمر، كان امام امي مستقبل مهني واعد. ولكن عندما وُلدَت اختي، قررت امي ان تستقيل من عملها لكي تعتني بنا. حاول المستشارون المهنيون في مكان عملها إقناعها بالعدول عن الفكرة. فقد قالوا انه بعد زواج اولادها ومغادرتهم البيت ستجد ان كل ما فعلته ذهب هباءً وأن تضحيتها لن تعود عليها بالفائدة. لكنّني متأكد انهم كانوا على خطإ ولن انسى ابدا المحبة التي اظهرتها لنا».
[الصور]
ام جوليانو مع اولادها؛ الى اليمين: جوليانو عندما كان في الخامسة من العمر
[الصورتان في الصفحة ٦]
تعلمت بيشنو القراءة والكتابة ثم ساعدت ابناءها على تحصيل مستوى جيد من العلم
[الصورتان في الصفحة ٧]
يُلقي ابن انطونيا الصغير مواضيع قراءة من الكتاب المقدس في قاعة الملكوت
[الصورتان في الصفحة ٧]
تخدم پيترونا كمتطوعة في فرع شهود يهوه في المكسيك. وتعلّم امها، التي صارت واحدة من شهود يهوه، اخوتها الاصغر سنا
-
-
دور الام البالغ الاهميةاستيقظ! ٢٠٠٥ | شباط (فبراير) ٢٢
-
-
دور الام البالغ الاهمية
غالبا ما يُستخفّ ويُزدرى بدور الام كربة منزل. فمنذ بضعة عقود، ابتدأ اشخاص عديدون ينظرون الى مهمة تربية الاولاد وكأنها امر قليل الشأن. فقد اعتبروا هذا العمل اقل اهمية من حيازة مهنة، حتى ان البعض ذهب الى اعتباره عبئا يقيّد المرأة. ومع ان معظم الناس يعتقدون ان هذه الافكار متطرفة، غالبا ما تشعر الامهات ان بقاءهن في البيت للاعتناء بأولادهن يجعلهن ادنى مرتبة من النساء العاملات. كما يشعر بعض الاشخاص ان المرأة بحاجة الى العمل خارج البيت لكي تتمكن من تحقيق ذاتها.
لكنّ كثيرين من الازواج والاولاد يقدّرون حق التقدير دور الام في العائلة. يوضح كارلو الذي يخدم في مكتب فرع شهود يهوه في الفيليبين: «انا اخدم اليوم هنا بسبب التدريب الذي تلقيته من امي. فقد كان ابي صارما جدا ويسارع الى معاقبتنا. لكنّ امي كانت تساعدنا بمناقشة الامور معنا. انا اقدّر حقا طريقتها في تعليمنا».
نشأ پيتر في عائلة تضم ستة اولاد في جنوب افريقيا. وقد ربّتهم ام ثقافتها محدودة بعد ان هجرهم ابوهم. يتذكر پيتر: «كانت امي تعمل خادمة وتكسب القليل من المال. وكان يصعب عليها ان تدفع نفقات المدرسة لنا جميعا. وغالبا ما أوينا الى الفراش جياعا. فمجرد تأمين المسكن لنا شكّل تحديا كبيرا لها. رغم كل هذه الصعوبات لم تستسلم. وعلّمتنا ألّا نقارن نفسنا بالآخرين. ولو لم تتحلَّ بالتصميم والشجاعة لما صرنا ما نحن عليه اليوم».
ويعبّر رجل من نيجيريا اسمه احمد عن مشاعره حيال مساهمة زوجته في تربية اولادهما: «انا اقدّر الدور الذي تلعبه زوجتي. فعندما اكون غائبا عن البيت، احس بالطمأنينة لأني متأكد ان الاولاد في ايد امينة. وأنا لا اشعر ان زوجتي تنافسني، بل بالعكس انا اشكرها وأعلّم اولادي ان يحترموها كما يحترمونني».
ولا يتردد رجل فلسطيني في مدح زوجته على دورها كأم قائلا: «لقد لعبت لينا دورا مهما في تربية ابنتنا، وهي تساهم مساهمة كبيرة في خير عائلتنا الروحي. وكما لاحظتُ، يعود الفضل في نجاحها الى معتقداتها الدينية». لينا هي واحدة من شهود يهوه، وتتبع مبادئ الكتاب المقدس في تعليم ابنتها.
فما هي بعض هذه المبادئ؟ ما هي نظرة الكتاب المقدس الى الامهات؟ وكيف كانت الام في الازمنة القديمة تُعامَل بكرامة واحترام نظرا الى دورها كمربِّية ومعلّمة؟
نظرة متزنة الى الامهات
عندما خُلقت المرأة عُيِّن لها دور مكرَّم في العائلة. يوضح اول سفر في الكتاب المقدس: «قال يهوه اللّٰه: ‹ليس جيدا أن يبقى الإنسان وحده. سأصنع له معينا مكملا له›». (تكوين ٢:١٨) وهكذا خُلقت المرأة الاولى حواء لتكون مكمِّلا لآدم. فقد صنعها اللّٰه بحيث تكون معينا له. وكانت ستساهم في اتمام قصد اللّٰه ان ينجبا اولادا ويربياهم فضلا عن الاعتناء بالارض والحيوانات. بالاضافة الى ذلك، كانت ستدعم آدم وتتواصل معه فكريا بصفتها رفيقة له. وكم سُرّ آدم عندما أعطاه الخالق هذه الهبة الجميلة! — تكوين ١:٢٦-٢٨؛ ٢:٢٣.
زوّد اللّٰه في وقت لاحق ارشادات حول كيفية معاملة النساء. مثلا، وجب إظهار الاكرام للامهات في اسرائيل وعدم معاملتهن بازدراء. فالابن الذي ‹يسبّ اباه او امه› كان يُقتل. وجرى حثّ الاحداث المسيحيين لاحقا ان ‹يطيعوا والديهم›. — لاويين ١٩:٣؛ ٢٠:٩؛ افسس ٦:١؛ تثنية ٥:١٦؛ ٢٧:١٦؛ امثال ٣٠:١٧.
علاوة على ذلك، شملت واجبات الام ان تقوم تحت توجيه الاب بتعليم بناتها وأبنائها على السواء. فقد أوصي الابناء: «لا تتخلَّ عن شريعة أمك». (امثال ٦:٢٠) كما ان الاصحاح الحادي والثلاثين من الامثال يورد «الرسالة الرزينة التي قومته [الملك لموئيل] بها أمه». فقد نصحت ابنها بحكمة ان يتجنب اساءة استعمال الكحول قائلة: «ليس للملوك ان يشربوا خمرا، ولا لكبار المسؤولين ان يقولوا: ‹اين المسكر؟›، لئلا يشرب احد، فينسى المفروض ويحرّف دعوى احد من بني المشقة». — امثال ٣١:١، ٤، ٥.
بالاضافة الى ذلك، يحسن بالشاب الذي يفكر في الزواج ان يتأمل في وصف «الزوجة القديرة» الذي اعطته ام لموئيل. فقد ذكرت ان «قيمتها تفوق المرجان». وبعد ان اوضحت كيف تعمل هذه الزوجة لخير عائلتها ذكرت: «الحسن كذب والجمال باطل، اما المرأة التي تخاف يهوه فهي التي تُمدح». (امثال ٣١:١٠-٣١) فمن الواضح، اذًا، ان خالقنا قصد ان تلعب النساء دورا مشرّفا ومسؤولا في العائلة.
تنال الزوجات والامهات في الجماعة المسيحية ايضا الاكرام والتقدير. فأفسس ٥:٢٥ تقول: «أيها الازواج، كونوا دائما محبين لزوجاتكم». أما تيموثاوس، الذي ربّته امه وجدّته على احترام «الكتابات المقدسة»، فقد أُعطيت له هذه النصيحة الموحى بها: «ناشد . . . العجائز كأمهات». (٢ تيموثاوس ٣:١٥؛ ١ تيموثاوس ٥:١، ٢) فعلى الرجل ان يحترم المرأة الاكبر سنا تماما كما لو كانت امه. وهذا يُظهر ان اللّٰه يقدّر النساء ويمنحهن مكانة مكرَّمة.
عبِّر عن تقديرك
قال رجل تربّى في مجتمع تُعتبر فيه النساء ادنى منزلة من الرجل: «نشأتُ في مجتمع يركز على اهمية دور الرجل، واعتدت رؤية النساء تُساء معاملتهن ويُقلل من احترامهن. لذلك ليس سهلا عليّ ان اتبنى نظرة الخالق الى الزوجة كمكمِّلة، او معاونة في البيت، وكشريكة في تدريب وتعليم الاولاد. ومع انني لا اتمكن بسهولة من مدح زوجتي، اعرف حق المعرفة ان لها الفضل في الصفات الجيدة التي يتحلى بها اولادي».
لدى الامهات اللواتي يضطلعن بمسؤوليتهن كمربيات كل سبب ليفخرن بالدور الذي يلعبنه. فهذا الدور يستحق حقا الثناء. وهن يستأهلن المدح والتقدير من كل القلب لأنهن يعلمننا الكثير. فالام مثلا تعلّم اولادها عادات تفيدهم مدى الحياة. وتهذبهم وتعرّفهم كيف يمكنهم بناء العلاقات مع الآخرين. وفي العديد من الاحيان تلقنهم مبادئ روحية وأدبية تحفظ قلبهم الفتي من التيهان.
-