-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٨٨ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
الصفحة ٢
فقد ملايين من الوالدين حول العالم ولدا. ومهما يكن السبب — مرضا، مجاعة، حربا، قتلا، انتحارا، حادثا، موتا مفاجئا، اجهاضا، ولادة جنين ميت، يتفجَّع الوالد دائما.
وبغض النظر عن عمر الولد فإن الالم موجود دائما. فكيف يمكن احتمال الفاجعة؟ وكيف يمكن ان تستمر الحياة؟ وهل يكون تصويرنا على هذه الصفحة لعائلة ترحب بعودة ولدها من الموت مجرد خيال، ام انه سيصير حقيقة قريبا؟
ان القصص الحقيقية التالية المتعلقة بأشخاص عبروا الفاجعة المريعة التي يسبِّبها فقدان ولد ستجيب عن بعض هذه الاسئلة. ومن اجل النتيجة في كل حالة نرجو ان تقرأوا هذه المقالات عن التفجّع. ونعتقد انكم ستستمدون منها التعزية والرجاء.
-
-
«لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!»استيقظ! ١٩٨٨ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
«لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!»
«كان ٣١ ايار ١٩٨٢ يوما جميلا. كانت الشمس مشرقة والسماء زرقاء، ففكّرت انها ستكون فرصة مثالية لأنظف الفِناء. كنا قد شذبنا مؤخرا شجرة الدردار الصينية القديمة، وكان بعض العيدان والاغصان لا يزال متروكا على الارض المكتسية بالعشب. ثم تذكرت ان صديقنا جورج يملك آلة تجعل العمل اسهل، ولذلك اتصلت به هاتفيا.
«كان جورج طيارا متمرسا، وكان يحب الطيران. ولذلك لم تكن مفاجأة حين اخبرني انه سيطير مع بعض الاصدقاء وسأل عمّا اذا كنا نرغب في الذهاب برحلة. جزمنا زوجتي ديان وأنا ان ذلك سيخلق تغييرا بهيجا بعد ترتيب الفِناء. واخذنا معنا ابنتنا البالغة ثلاث سنوات. وكانت ماريا، الطفلة الجميلة الذكية التي شعرها وعيناها بلون بنِّي غامق، مثارة تماما.
«وعندما وصلنا الى المطار كان صديق آخر ينتظر دوره لرحلة، وهكذا حشرنا انفسنا جميعا في الطائرة ذات المقاعد الاربعة. وحلَّقنا فوق البحيرة وتوجّهنا الى الجبال. كان ذلك جميلا. اطللنا من النافذة ورأينا معالم الارض المألوفة. كان بعض الناس يتمتعون بالنزهة على تلة. وكانت ماريا تهتزّ طربا. وبعدئذ، فيما كنا نحلِّق فوق قمة التلة، امسك بالطائرة تيار هوائي هابط قوي مفاجئ. فتوقف المحرك فجأة وهمد، وهوت الطائرة من السماء!
«كل ما استطعت ان افكر فيه كان محاولة الوصول الى ما بين زوجتي، التي كانت تحتضن ماريا، والمقعد في المقدمة. ولم انجح على الاطلاق — فقد صدمت الطائرة جانب الجبل.
«حاولت ان انهض ولكنني لم استطع الحراك. استطعت ان اسمع ديان تصرخ طلبا للنجدة، لكنني لم استطع ان افعل شيئا. وكل ما استطعت فعله كان ان اصيح مستنجدا.
«واخيرا اتت فرق الطوارئ الطبية لتُنزلنا من على الجبل. ومع اننا هبطنا هبوطا اضطراريا وفقا للاصول كان جورج والصديق ميتين. وكان الباقون منا يعانون اضرارا بالغة. واصيبت ماريا بأضرار رأسية وداخلية. تولّى حموي المهمة المؤلمة ان يأتي الى سريري في المستشفى ليخبرني انها ماتت — وكان ذلك طعنة لقلبي. وفكرت: ‹لماذا هي؟ لِمَ لم اكن انا؟ ليس عدلا ان تموت طفلة مثلها.› ليتني لم اقبل تلك الرحلة . . .
«كانت ديان في حالة رديئة جدا بظهر مكسور. وبعد حادثة التحطُّم بثلاثة اسابيع ماتت هي ايضا. لقد فقدت طفلتي وزوجتي في انقضاض مهلك واحد. وفكرت انني خسرت كل شيء. فكيف كنت سأعيش بعد وفاتهما؟» — كما رواها جس روميرو، نيو مكسيكو، الولايات المتحدة الاميركية.
«كان ابني يوناثان خارج البيت يزور اصدقاء في لونغ آيلند. ولم ترغب زوجتي فلنتينا في ذهابه الى هناك. فقد كانت دائما مضطربة الاعصاب بشأن حركة السير. ولكنه كان يحب الالكترونيات، وكان اصدقاؤه يملكون مشغلا حيث يستطيع ان ينال خبرة عملية. كنت في البيت في مانهاتن الغربية. وكانت زوجتي غائبة تزور عائلتها في بورتو ريكو.
«كان النعاس يغلبني امام التلفزيون. وفكرت: ‹سيعود يوناثان قريبا.› وبعدئذ قرع جرس الباب. ‹سيكون هو حتما.› ولم يكن هو. فقد كانت الشرطة والمسعفون الطبيون.
«‹هل تعرف رخصة السائق هذا؟› سأل ضابط الشرطة. ‹نعم، انها لابني يوناثان.› ‹لدينا اخبار سيئة لك. لقد حصل حادث، و . . . ابنك، . . . ابنك قد مات.› وكان رد فعلي الاول، ‹لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا! لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!›
«لقد فتحت تلك المفاجأة المذهلة جرحا في قلوبنا لم يلتئم حتى الآن، بعد سنتين تقريبا.» — كما رواها أغسطين كرابلّوزو، نيويورك، الولايات المتحدة الاميركية.
«قديما في اسبانيا ستينات الالف والتسعمئة كنا عائلة سعيدة — رغم الاضطهاد الديني بسبب كوننا شهودا. كان هنالك زوجتي ماريا واولادنا الثلاثة، دافيد، باكيتو، وايزابيل، واعمارهم على التوالي ١٣؛ ١١، و ٩ سنوات.
«وذات يوم في آذار ١٩٦٣ اتى باكيتو الى البيت من المدرسة يشكو آلاما حادة في الرأس. وارتبكنا ازاء ما يمكن ان يكون السبب — ولكن ليس لامد طويل. فبعد ثلاث ساعات كان ميتا. لقد قضى نزف مُخِّي على حياته.
«حدث موت باكيتو منذ ٢٤ سنة. ومع ذلك يلازمنا الالم العميق لتلك الخسارة حتى هذا اليوم. وما من طريقة يمكن بها لوالدين ان يفقدوا ولدا دون ان يشعروا بانهم فقدوا شيئا من انفسهم — بغض النظر عن مقدار الوقت الذي يمضي او كم من الاولاد الآخرين ربما لديهم.» — كما رواها رامون سيرّانو، برشلونه، اسبانيا.
هذه مجرد القليل من ملايين المآسي التي تنزل بالعائلات حول العالم. وكما يشهد معظم الوالدين المفجوعين فعندما يأخذ الموت ولدكم يكون عدوا حقا. — ١ كورنثوس ١٥:٢٥، ٢٦.
ولكن كيف دبّر هؤلاء الاشخاص الثواكل امرهم في الحالات المقتبسة آنفا؟ تُرى هل تكون الحياة العادية ممكنة في حال من الاحوال بعد خسارة كهذه؟ وهل هنالك اي رجاء باننا قد نرى ثانية احباءنا المفقودين؟ واذا كان الامر كذلك فاين وكيف؟ سيجري التأمل في هذه الاسئلة واخرى متعلقة بها في المقالات التالية.
-
-
«كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟»استيقظ! ١٩٨٨ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
«كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟»
حلّت المأساة ببوب وديان كريش منذ ١٨ سنة. فقد عانى ابنهما دافيد، البالغ ست سنوات، مشكلة خِلقية في القلب. تروي ديان القصة:
«كان احد الاطباء قد اشار علينا ان نجري فحصا في خلال سنة او نحوها، فوافقنا عليه. كان دافيد مفعما بالحياة، ناشطا على نحو مفرط تقريبا. اذكر انه كان ٢٥ كانون الثاني، وكان دافيد يزعج اخته ويقلب غرفتها رأسا على عقب. وعندما سأل ان كان ممكنا ان يخرج ليلعب سمحت له بالذهاب.
«وبعد وقت قليل سمعت سيارة الاسعاف، ثم اتت جارة راكضة في الممر وهي تصرخ: ‹ديان، انه دافيد، ينبغي ان تأتي!› خرجت واذا به حيث مددوه فوق غطاء محرك سيارة واقفة. لم استطع الحراك. وشعرت وكأنني شُلِلت. اخذوه بسيارة الاسعاف. ولكن ذلك كله كان عبثا. فقد انهار قلبه الصغير ومات.»
«استيقظ!»: «كيف اثرت فيك هذه الخسارة المريعة؟»
ديان: «اختبرت سلسلة من ردود الفعل — فقدان الحس، عدم التصديق، الذنب، والغضب على زوجي والطبيب لعدم ادراكهما مدى خطورة حالته. لقد كنت منزعجة جدا من دافيد في ذلك النهار. كان لدي زوار مدعوون الى الطعام وطفل في الاسبوع العاشر من العمر لاعتني به. وكان ذلك اكثر مما يُحتمل. وبعدئذ فإن الشيء التالي الذي عرفته هو انهم كانوا يأخذون ولدي دافيد الى المستشفى.
«ما كنت لاصدق انه ميت. وما كنت لاقبل كلمتَيْ ‹ميت› و ‹موت.› وبقدر ما كان الامر يتعلق بي فقد مضى في رحلة. وفكرت: ‹انه حي في ذاكرة اللّٰه وسيعود.› ولذلك شرعت اكتب اليه رسائل بعد نحو سبعة اسابيع من موته. وكتبت هذه الرسائل طوال ١٣ سنة!»
كم يدوم التفجُّع؟
ان مجرى تفجّع ديان الطويل الامد يدعم ما يذكره الدكتور آرثر فريز في كتابه «عون لتفجّعكم»: «يشعر معظم الخبراء بان فقدان ولد ينتج ثكلا دائما لدى الوالدين، وخصوصا الام.»
«ويعود التفجّع بدوران السنة» كان رأي الشاعر شلي. فالمُذكِّرات السنوية بالفقيد الحبيب تجدِّد الغُصَص. ويستطيع ملايين من الناس اليوم ان يؤكدوا ذلك، وفي الحقيقة يسألون: ‹كيف استطيع ان اعايش تفجّعي؟› ولكن التفجّع عملية شفاء، مع انها ربما لا تكتمل ابدا. والتفجّع المبرّح ينقص، مع ان الاحساس بالخسارة يبقى.
ويؤكد هذا الرأي هارولد ومارجوري بيرد من بريطانيا اللذان فقدا ابنهما ستيفن البالغ ١٩ عاما عندما غرق قبل عشر سنوات. وما جعل الامور اسوأ انه كان ولدهما الوحيد، ولم يُعثر على جثته قط. يقول هارولد عن عملية التفجّع: «يُقال ان الوقت يشفي، لكنه في الواقع يجعل ذكرى العزيز تبلد. سيأتي الشفاء الوحيد عندما نلتقي به ثانية في القيامة.»
واوضحت دراسة علمية في الثُّكل عملية التفجّع كما يلي: «قد يترجّح الثاكل على نحو مثير ومفاجئ من حالة شعور الى اخرى، وتجنُّب ما يذكِّر بالراحل قد يتناوب والتنمية المتعمدة للذكريات لفترة معينة من الزمن. والناس عموما ينتقلون من حالة عدم التصديق الى قبول تدريجي لواقع الخسارة.»
ويطرح الدكتور فريز شعاعا من النور على هذا الموضوع المعتم. «ينبغي للمرء ان يحتفظ دائما بالقدرة على رؤية الاشياء من الزاوية الصحيحة — ان يُدرك ان الغالبية العظمى من اولئك الذين يعانون التفجّع ويختبرون الثُّكل . . . يخرجون من الجانب الآخر سالمين، يتعافون ويتابعون تقريبا في الحالة الجسدية ذاتها التي بدأ بها ألم التفجّع وكربه.»
وفي الواقع قد يخرج الشخص في حالات كثيرة اقوى. ولماذا الامر هكذا؟ لان اختبار التفجّع يعلّم التقمص العاطفي — فهما افضل للثواكل واندماجا متعاطفا فيهم. وبما ان التقمص العاطفي يتجاوز التعاطف بكثير، فإن الذي يتخطى التفجّع يصير مصدر قوة ومشيرا ومعزيا للآخرين الذين يتألمون بفقدان حبيب. وعلى سبيل المثال، قال بوب الذي مات ابنه دافيد بسبب ضعف القلب: «نجد ان مساعدة الآخرين على حمل عبئهم من التفجّع قد هدّأت تفجّعنا ايضا.»
لمَ الذنب، الغضب، وتبادل التهم؟
يعترف الخبراء في حقل التفجّع ان ردود فعل الذنب والغضب وتبادل التهم المقترنة غالبا بالثُّكل هي طبيعية لهذه الحالة. فالذين عبروا المحنة يحاولون ايجاد اسباب حينما يتعذر في اغلب الاحيان وجود اسباب صحيحة او منطقية. ‹لمَ وجب ان يصيبني ذلك؟ ماذا فعلت لاستحقه؟ ليتني . . .› هي بعض ردود الفعل الشائعة. وينقلب آخرون على اللّٰه بافكار مثل: ‹كيف سمح اللّٰه بحدوث هذا؟ لمَ يفعل اللّٰه ذلك بي؟›
وهنا يخطر بالبال جواب الكتاب المقدس: «الوقت والعرض يلاقيانهم كافة.» فالحوادث يمكن ان تقع في اي مكان وزمان، والموت غير متحيز. ومن المؤكد ان اله المحبة لا يضايق احدا بإعدامه ولده. — جامعة ٩:١١؛ ١ يوحنا ٤:٨.
وأغسطين وفلنتينا، المذكوران في المقالة الافتتاحية، استسلما بعدُ لذرف الدموع عندما ناقشا وفاة يوناثان مع «استيقظ!» فهل كان لديهما اي تبادل للتهم؟ اجابت فلنتينا: «لم اوافق قط على ذهابه الى لونغ آيلند في سيارة امرئ آخر. وينبغي ان اكون صادقة. فقد القيت اللوم على أغسطين. وانا ادرك الآن انه كان رد فعل يفتقر الى التفكير السليم، ولكن في ذلك الوقت ظللت افكر: ‹لو ان البابا لم يسمح له بالذهاب لبقي حيا.› وظللت ألومه. لقد كان عليَّ ان ابوح بالامر لان كبته آذاني.»
وغضَب ديان كريش لموت دافيد المبكر عبّر عن نفسه بالامتعاض من الحيوانات. فقد اخبرت «استيقظ!»: «اذا رأيت كلبا او قطة يمشي في الطريق كان ينتابني الشعور: ‹لذلك الحيوان قلب سليم يخفق في داخله. لماذا لم يستطع ابني ان يحظى بقلب سليم؟ لماذا ينبغي ان يتمشى حيوان وليس ابني دافيد؟›»
ويؤكد لنا الخبراء ان كل ردود الفعل هذه هي طبيعية مع انها تفتقر في اغلب الاحيان الى التفكير السليم. وطرح الاسئلة هو شكل من التبرير، جزء من عملية ترويض الذات لقبول الواقع. واخيرا يجري بلوغ وجهة نظر مستقرة، ويسود الادراك السليم. وكما يعبّر عن ذلك الدكتور فريز: «ان محك التفجّعِ الجيد — العملِ على نحو ملائم خلال المشاكل العاطفية للنوح والتفجّع، تقبُّلِ الموت والنظر بصدق الى كل المشاعر التي ترافقه — هو ان يتحمل النائح اخيرا هذه الاوقات العصيبة بألم عابر او بمجرد افكار طفيفة فاترة حزينة.»
ويؤدي هذا الى استواء الامر. ويتابع الدكتور فريز: «المبتغى الاسمى هو ان يحتل اخيرا الحنين الى الماضي والافكار السارة، القدرة على التحدث عن الراحل بصدق وعاطفة، مكان الالم الموجع والتفجّع والضيق.» وفي هذه المرحلة فإن الذكريات تنمي العاطفة اكثر مما تنمي التفجّع.
مواجهة فقدان طفل جهيض
رغم حيازة منى اولادا آخرين فقد كانت تتطلع باعتزاز الى ولادة ولدها التالي. وحتى قبل الولادة كانت «طفلة لعبت معها، تحدثت اليها، وحلمت بها.»
كانت عملية الترابط بين الام والطفلة غير المولودة قوية. وتتابع: «كانت راشيل آن طفلة ترفس الكتب عن بطني، وتبقيني مستيقظة في الليل. استطيع حتى الآن ان اتذكر رفساتها الضعيفة الاولى، مثل وكزات لطيفة مُحِبّة. وكلما تحركَت كنت امتلئ من محبة كهذه. عرفتها جيدا الى حد انني كنت اعرف متى تتألم ومتى تكون مريضة.»
وتتابع منى روايتها: «لم يصدقني الطبيب الا بعد فوات الاوان. وطلب مني ان اكف عن القلق. اعتقد انني احسست بها تموت. فقد انقلبت فجأة بعنف. وفي اليوم التالي كانت ميتة.»
ليس اختبار منى حدثا منفردا. واستنادا الى المؤلفين فريدمن وغرادشتين، في كتابهما «العيش بعد فقدان الحمل،» فإن نحو مليون امرأة سنويا في الولايات المتحدة وحدها يكابدن حملا غير ناجح. وغالبا ما يفشل الناس في الادراك ان الاجهاض او ولادة جنين ميت مأساة للمرأة، وهي تتفجّع — ربما كل حياتها. مثلا، تتذكر فيرونيكا من مدينة نيويورك، وهي الآن في الخمسينات من عمرها، اجهاضاتها وتتذكر خصوصا الطفل الجهيض الذي عاش حتى الشهر التاسع ووُلد بزنة ١٣ باوندا (٦ كلغ). لقد حملته ميتا في احشائها طوال الاسبوعين الاخيرين. وكما قالت: «ان ولادة طفل ميت هي شيء مريع للام.»
وردود فعل هؤلاء الامهات المتثبطات لا تُفهم دائما، حتى من قبل النساء الاخريات. كتبت طبيبة نفسانية فقدت ولدها بالاجهاض: «ما تعلمته بأوجع طريقة هو انني، قبلما اصابني هذا، لم اكن حقا املك اية فكرة عمَّا تضطر صديقاتي الى احتماله. وكنت عديمة الاحساس وجاهلة تجاههم بقدر ما اشعر الآن بان الناس هم تجاهي.»
ان مشكلة اخرى للام المتفجّعة هي الانطباع بان زوجها ربما لا يشعر بالخسارة كما تشعر هي بها. عبّرت زوجة عن ذلك بهذه الطريقة: «خاب املي كليا في زوجي آنذاك. فبقدر ما تعلق الامر به لم يكن هنالك حبل حقا. ولم يستطع اختبار التفجّع الذي كنت اكابده. كان متعاطفا جدا مع مخاوفي ولكن ليس مع تفجّعي.»
قد يكون رد الفعل هذا طبيعيا عند الزوج — فهو لا يختبر الترابط الجسدي والعاطفي ذاته الذي تختبره زوجته الحامل. ولكنه يكابد خسارة. ومن الحيوي ان يدرك الزوج والزوجة انهما يتألمان معا، وان كان ذلك بطريقتين مختلفتين. وينبغي ان يشتركا في تفجّعهما. فاذا كتم الزوج ذلك قد تظن زوجته انه عديم الاحساس. (انظروا الصفحة ١٢.) ولذلك اشتركا معا في الدموع والافكار والمعانقات. اظهرا انكما تحتاجان احدكما الى الآخر اكثر من اي وقت سابق.
سر الموت المفاجئ وفاجعته
تعيش ملايين الامهات بخوف يومي سري. وكما عبرت عن ذلك احدى الامهات: «اصلي كل ليلة طالبة ان اجد طفلي حيا في الصباح.» وما يخفنه هو الموت المفاجئ، او SIDS (الاعراض المتزامنة لموت الرضَّع المباغت). وتذكر الطبيبة ماري فالدز — دابينا، استاذة علم الامراض (الباثولوجيا) في جامعة ميامي، فلوريدا، ان هنالك ما بين الـ ٠٠٠,٦ والـ ٠٠٠,٧ حالة SIDS سنويا في الولايات المتحدة وحدها. وتضيف: «لا يمكن ان يكون هنالك ادنى شك في انها مشكلة صحية عامة حقيقية جدا.»
ويباغت الموت المفاجئ الاطفال ليلا، وفي اغلب الاحيان بين الشهر الثاني والرابع من العمر. ولم يزوِّد العلم بعدُ تفسيرا وافيا، وحتى تشريح الجثث يخفق في تزويد سبب للموت المباغت. ويبقى سرا.
وغالبا ما تكون نتيجة الموت المفاجئ شعورا مريعا بالذنب. فما الذي يساعد الوالدين في حالات الموت المفاجئ؟ اولا، يجب ان يدركوا انه ما كان بمقدورهم تجنب المأساة. فالـ SIDS لا يمكن التنبؤ عنه ولا سبيل الى تجنبه عادة. ولذلك لا مبرر لاية مشاعر بالذنب. ثانيا، ان دعم الوالدين المتبادل وثقتهما وتفهُّمهما سيساعدهما كليهما في التغلب على تفجّعهما. فتحدثا عن طفلكما مع الآخرين. واشتركا في مشاعركما.
والجدود ايضا يتفجّعون
يتألم الجدود كذلك، بطريقة خصوصية. وكما عبر أب ثاكل عن ذلك: «لا يتأثرون بموت الحفيد وحسب بل بتفجّع ولدهم ايضا.»
ومع ذلك ثمة طرائق لجعل خسارة الجدود اسهل. اولا، خذوهم بعين الاعتبار. فقد كان حفيدهم امتدادا لهم ايضا. ولذلك يجب قبول الجدود في مجرى التفجّع بطريقتهم الخاصة. وطبعا لا يعني ذلك وجوب توليهم الامر دون موافقة الوالدين. اما اذا ارادوا ان يجري شملهم، وعادة يرغبون في ذلك، فيجب الترحيب بهم.
في هذه التغطية الموجزة للتفجّع حاولنا ان نفهم مشاعر الثواكل. ولكنْ ثمة وجه آخر بعدُ يلزم التأمل فيه. فكيف يستطيع الآخرون ان يساعدوا، وخصوصا بتعليقاتهم؟ وكيف يستطيع الازواج التعبير عن تفجّعهم؟ نرجو ان تقرأوا المقالة التالية.
[الاطار في الصفحة ٧]
مجرى التفجُّع
لا يدل هذا على ان للتفجع جدولا او برنامجا محددا. فقد تتداخل ردود فعل التفجع وتستغرق فترات متفاوتة من الزمن، وفقا للفرد.
ردود الفعل المبكرة:
صدمة اولية؛ عدم تصديق، انكار؛ فقدان الحس؛ مشاعر بالذنب؛ غضب
قد يشمل التفجع الحاد:
فقدان الذاكرة وأرقا؛ اجهادا مفرطا؛ تغيرات مفاجئة في المزاج؛ اختلال الحكم والتفكير؛ نوبات من البكاء؛ تغيرات في الشهية مع نقص او زيادة ناتجة في الوزن؛ مجموعة متنوعة من اعراض الصحة المضطربة؛ نعاسا غير سوي؛ قدرة منخفضة على العمل؛ هلوسات — شعورا بالراحل، سماعه، رؤيته
فترة الاستواء:
حزن مع حنين الى الماضي؛ ذكريات عن الراحل مسرّة اكثر، ومشوبة بالفكاهة ايضا
(مؤسسة على «عون لتفجّعكم،» بقلم الدكتور آرثر فريز، الصفحات ٢٣-٢٦.)
[الاطار في الصفحة ٩]
خطوات لمساعدتكم في التغلب على تفجّعكم
ينبغي لكل امرئ ان يحل التفجّع بطريقته او طريقتها الخاصة. والخطوة الاساسية هي تجنب التبلُّد الاناني على النفس والشفقة على الذات. وبعض الاقتراحات المؤسسة على اختبار اشخاص ثواكل قابلتهم «استيقظ!» هي:
◼ ابقوا مشغولين وواصلوا روتين عملكم ونشاطكم. واولئك الذين هم شهود ليهوه شددوا خصوصا على قيمة حضور الاجتماعات المسيحية والانهماك في الخدمة. وعبّر كثيرون عن العون العظيم الذي نالوه من الصلاة.
◼ دعوا تفجّعكم يُظهر نفسه؛ لا تحاولوا كبته. وكلما كان تفجّعكم ونحيبكم اسرع، اجتزتم فترة التفجع الحاد اسرع.
◼ لا تعزلوا نفسكم؛ خالطوا الناس ودعوهم يخالطونكم. وان كان الكلام عن فقيدكم المحبوب يساعدكم تكلموا بحرية.
◼ في اسرع وقت ممكن، اهتموا بالناس الآخرين وبمشاكلهم. حاولوا مساعدة الآخرين تساعدوا نفسكم.
[الاطار في الصفحة ١٠]
ماذا يستطيع الآخرون ان يفعلوا ليساعدوا؟
اجرى مراسلو «استيقظ!» مقابلات كثيرة مع والدين ثواكل في بلدان مختلفة. وما يلي هو بعض الاقتراحات التي جرى تقديمها لمساعدة العائلات المتفجّعة. ومن الواضح انه تلزم المرونة في تطبيقها، حسب مشاعر الثواكل.
١ - قوموا بالزيارة مع العائلة من اليوم الاول نفسه، وادعوهم كذلك الى بيتكم. اعدّوا وجبات طعام لهم. استمروا في ذلك طالما هنالك حاجة، وليس لمجرد الاسابيع القليلة الاولى وحسب.
٢ - دعوا الوالدين يقررون ما اذا كانوا يريدون الاحتفاظ بثياب الولد الميت وغيرها مما يذكِّر به او خزنها في مكان آخر.
٣ - تحدثوا عن الولد الميت بالاسم اذا عبّر الشخص الثاكل عن مثل هذه الرغبة. تذكّروا الاوجه السعيدة والظريفة من شخصية الولد وحياته. لا تلزموا الصمت. فقد يريد الوالدون ان يتحدثوا عن حبيبهم.
٤ - اذا كنتم ابعد من ان تقدموا المساعدة الشخصية اكتبوا رسائل تشجع وتعزي. لا تتجنبوا موضوع الشخص الراحل.
٥ - عندما يكون ملائما، شجعوا الوالدين على البقاء نشاطى والمحافظة على روتينهم السابق. اخرجوهم من البيت واجعلوهم يعملون اشياء للآخرين.
[الاطار في الصفحة ١٠]
تكتب جدة:
«أما وقد اعدمني الموت والديّ العزيزين، اخا، اختا، ورفيق عمري المخلص زوجي وحبيبي وصديقي جيم، الذي التقيت به واحببته في الـ ١٣ من عمري، وحفيدي الصغير الغالي ستوارت جامي — فيمكنني القول انه ما من حزن، ولا ألم، ولا تفجّع معذب، مما يجتاحني حتى وانا اكتب، يشبه موت ولد.»
— ادنا غرين، انكلترا، في موت حفيدها البالغ سنتين وتسعة اشهر من العمر.
[الصورة في الصفحة ٨]
بالاشتراك في تفجعكما بصراحة تساعدان احدكما الآخر للتغلب عليه
-
-
تعابير لا تعزِّي دائمااستيقظ! ١٩٨٨ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
تعابير لا تعزِّي دائما
اذا سبق وشعرتم مرة بتفجّع عميق هل شعرتم احيانا بان تعليقات الآخرين قد آذتكم؟ فبينما يبدو ان معظم الناس يعرفون ما ينبغي قوله لمنح التعزية يستطيع الكثيرون من الاشخاص الثواكل ان يتذكروا تعليقات لم تساعد. واذ كتبت اورسولا مومسن — هنبرجر في «كيلر ناخريختن» الالمانية ذكرت ان بعض الوالدين «يتأذّون بعمق عندما يقول الغرباء: ‹ولكن لا يزال لديكم الاولاد الآخرون، أليس كذلك؟›» وتجيب: «قد يكون الآخرون تعزية ولكنهم ليسوا بديلا.»
واخبرت المشيرة في الثُّكل كاثلين كابيتولو «استيقظ!»: «عبارة اخرى ينبغي تجنبها هي: ‹اعرف ما تشعرون به.› فحقيقة الامر هي ان لا احد يعرف حقا ما يعانيه شخص آخر. ولكنكم تستطيعون تأييد ما يشعرون به. ويمكنكم ان تؤكدوا لهم ان مشاعرهم طبيعية.»
وايب ملاوسكي، كما هو مذكور في كتاب «التعافي من فقدان ولد،» «يشعر بقوة بان الامر يتطلب امرأ فقد ولدا كي يعرف ما هو فقدان الولد.» وقال: «يمكن ان يكون لديكم خمسة عشر ولدا، ولن يصنع ذلك فرقا. فلن تستطيعوا ابدا التعويض عن ولد.»
وفي حالة الاجهاض او ولادة جنين ميت فان التعابير الاخرى التي لا تبني، مع انها مخلصة، هي: «ستحبلين ثانية عما قريب وتنسين كل شيء عن ذلك.» «هكذا افضل. فعلى اي حال كان الطفل سيولد مشوَّها.» «انها نعمة في ثوب نقمة.» ففي لحظة الفقدان القاسية لا تستطيع هذه الافكار المبتذلة ان تُسكّن الالم المبرح مهما كانت حسنة النية.
والملاحظات التافهة المتصلّبة التي يبديها بعض رجال الدين هي مهيِّج آخر للثواكل. فالقول ان ‹اللّٰه اراد ملاكا آخر› يصوِّر اللّٰه بوصفه قاسيا وانانيا ويعادل التجديف. واضافة الى ذلك لا دعم له في المنطق او في الكتاب المقدس.
هل يجب ان ينوح المسيحي؟
وما القول في المسيحيين الذين يفقدون ولدا في الموت؟ احيانا يقتبس البعض كلمات بولس الى التسالونيكيين: «لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم.» (١ تسالونيكي ٤:١٣) فهل منع بولس التفجّع والنوح؟ لا، فهو انما قال ان المسيحي الذي له رجاء لا يتفجَّع بالطريقة ذاتها كالذين لا رجاء لهم. — يوحنا ٥:٢٨، ٢٩.
ولايضاح هذه النقطة كيف تجاوب يسوع عندما اخبرته مريم ان لعازر ميت؟ تخبرنا الرواية: «فلما [رأى يسوع مريم] تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطرب.» وبعدئذ، عندما أُخذ الى حيث كان الميت موضوعا، «بكى يسوع.» فهل من الخطإ التفجّع؟ وهل يُظهر عدم ايمان بوعد اللّٰه بالقيامة؟ لا، فهو يشير بالاحرى الى محبة عميقة للشخص الميت. — يوحنا ١١:٣٠-٣٥، قارنوا يوحنا ٢٠:١١-١٨.
ان اقترابا آخر يمكن ان يكون مزعجا هو الاقتراب المتفضِّل الذي يؤكد للثاكل: ‹الوقت هو الشافي العظيم.› ايضا، تجنبوا السؤال، «ألم تتعافوا من ذلك بعد؟» وكما قالت ام بريطانية: «ان الذين يسألون: ‹ألم تتعافوا من ذلك بعد؟› لا يفهمون حقا ما يعنيه فقدان امرئ قريبٍ كالولد. فلن نتعافى من ذلك الا بعد ان نستعيده في القيامة.» وقد تكون عبارة شكسبير ملائمة: «يستطيع كل امرئ ان يتغلب على التفجّع الا الذي يكابده.»
واحيانا يغدو الاب ضحية موقف عديم المراعاة. فقد كان اب ثاكل يغضب عندما يسأل الناس: «كيف حال زوجتك؟» وذكر: «لا يسألون ابدا عن حال الزوج. . . . انها الغاية في الخطإ والظلم. فالزوج يشعر بذلك تماما بقدر ما تشعر به الزوجة. وهو يتفجّع ايضا.»
‹حافظوا على الجَلَد›؟
في حضارات كثيرة يجري تعليم الفكرة بان الرجال خصوصا لا يجب ان يظهروا عواطفهم وتفجّعهم بل يجب ان ‹يحافظوا على الجَلَد.› وقد تحدث المؤلف الانكليزي للقرن الـ ١٨ اوليفر غولدسميث عن «الرجولة الصامتة للتفجّع.» ولكن هل تكون تلك الرجولة الصامتة بالضرورة الطريقة الفضلى لحل تفجّع المرء؟
في كتابها «الوالد الثاكل» تستشهد هارييت سرنوف شيف بحالة زوجها قائلة: «اليكم رجلا، ابا، شاهد ولده يُدفن، وحسب التقليد طلب منه المجتمع ان ‹يحافظ على الجَلَد.›» وتضيف: «لقد دفع كثيرا للحفاظ على الجَلَد. وبمرور الزمن، عوض الخروج من حالة تفجّعه، غاص اكثر فاكثر في الاسى.»
ووصف الزوج مشاعره ولربما يستطيع آخرون ان يندمجوا فيها. «اشعر وكأنني اقطع ماشيا قمم القطب الشمالي المكللة بالثلج. انا تعب جدا. اعرف انني اذا استلقيت لارتاح سأنام. واعرف انني اذا نمت سأجمد حتى الموت. لست أبالي. فلم اعد استطيع ان اقاوم تعبي.»
اذاً ما هي نصيحة هارييت شيف؟ «نسيان كل ما يتعلق بذلك المبدإ الاخلاقي الانكلوسكسوني العتيق للمذهب الرواقي، والبكاء. دعوا الدموع تنساب. . . . فهي تساعد على محو الاسى.» ويقدم كاتبا «العيش بعد فقدان الحمل» مشورة تنطبق على النساء والرجال كليهما: «قد يُعجب البعض كثيرا بالمذهب الرواقي، ولكن لا يستطيع المرء ان يتحرر اخيرا من التفجّع الا بمصارعته.» وفي ما عدا ذلك يكمن خطر الانحدار تدريجيا الى ما يُسمى «التفجّع غير الملائم،» الذي قد تكون له عواقب وخيمة طوال سنوات تالية.
والتفجّع غير الملائم هو تفجّع غير تام، حين يوقف الشخص مجرى النوح عوض تركه يتدفق حتى تقبُّل الفراق. ويستطيع الاعراب عن نفسه بثلاث طرائق على الاقل — كنوح مكبوت، متأخر، ومزمن. فماذا يمكن فعله للمساعدة؟
قد تلزم المشورة الاختصاصية. وقد يكون الجواب طبيب العائلة الداعم او مشيرا روحيا. واعضاء العائلة المتفهمون يمكن ايضا ان يساعدوا. فالشخص يحتاج الى العون ليواصل التقدم عبر مجرى التفجّع.
وهكذا يعترف جس روميرو بانه بكى علنا على فقدان ابنته وزوجته في تحطم الطائرة. وأخبر «استيقظ!»: «بعد بضعة اسابيع اخذتني اخواتي من المستشفى الى البيت، وعندما دخلت رأيت صورة ابنتي على الحائط. ورأى صهري انني تأثرت بها وقال: ‹امضِ قُدُما وابكِ.› وهكذا فعلت. واستطعت ان احرر نفسي من بعض تفجّعي الحبيس.»
وفيما يستطيع مجرى التفجّع ان يشفي بعض الاذى، هنالك حل دائم واحد فقط لمعظم الاشخاص الثواكل — ان يروا حبيبهم ثانية.
-
-
رجاء للموتى، تعزية للمتفجّعيناستيقظ! ١٩٨٨ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
رجاء للموتى، تعزية للمتفجّعين
جس روميو، المذكور في مقالتنا الافتتاحية، تزوج ثانية اخيرا. اما بالنسبة الى أغسطين وفلنتينا كرابلّوزو فما زال موت يوناثان يؤلمهما، ولكن هدوءا ما قد خيّم. ولا يزال رامون وماريا سيرّانو من اسبانيا ينفجران بالبكاء بعد ٢٤ سنة من موت باكيتو. ولكن، في جميع هذه الحالات، ما الذي ابقاهم مستمرين؟ يجيبون: «الرجاء بالقيامة!»
ولكن ماذا نعني بالضبط «بالقيامة»؟ من سيُقامون؟ متى؟ وكيف يمكننا ان نتأكد؟
رجاء للموتى — كما علّم يسوع
في اثناء خدمته على الارض اقام يسوع اشخاصا عديدين. (مرقس ٥:٣٥-٤٢) وخدم ذلك كنموذج للقيامة العظيمة التي ستحدث عندما تكون الارض مرة ثانية تحت حكم اللّٰه كليا، كما يطلب الملايين عندما يصلّون: «ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.» — متى ٦:٩، ١٠.
واحد الامثلة لقوة اللّٰه في هذا الخصوص كان عندما اقام يسوع صديقه لعازر. وفي الوقت ذاته توضح الرواية حالة الموتى. قال يسوع لتلاميذه: «لعازر حبيبنا قد نام. لكني اذهب لأوقظه.» واذ لم يفهم التلاميذ المعنى قالوا: «يا سيد ان كان قد نام فهو يُشفى.» لقد تصوروا انه كان يقول ان لعازر نائم وحسب بينما كان في الواقع ميتا. ولذلك لم يترك يسوع مجالا للشك: «لعازر مات.»
لاحظوا ان يسوع لم يُشر الى اية نفس خالدة تنتقل الى حالة او حيز آخر. فلم يكن متأثرا بالفلسفة اليونانية بل بتعليم الكتاب المقدس الواضح في الاسفار العبرانية. لقد كان لعازر نائما في الموت وعندما اتى يسوع كان قد صار له اربعة ايام في القبر التذكاري. وهكذا اي رجاء كان له؟
عندما تحدث يسوع مع مرثا اخت لعازر قال لها: «سيقوم اخوك.» فكيف اجابت؟ هل قالت ان نفسه قد صارت في السماء او مكان آخر؟ كان ردّها: «انا اعلم انه سيقوم في القيامة في اليوم الاخير.» لقد تمسّكت هي ايضا بتعليم الكتاب المقدس عن قيامة الى الحياة على الارض. واعطاها يسوع ايضا سببا اعظم للايمان بالقول: «انا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا.» وبعدئذ، لكي يثبت فكرته، ذهب الى قبر لعازر وصرخ بصوت عظيم: «لعازر هلمّ خارجا.» فماذا حدث؟
تذكر الرواية التاريخية: «فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع حلّوه ودعوه يذهب.» — يوحنا ١١:١-٤٤.
هنا يكمن الرجاء الذي ساعد كثيرين من الاشخاص الثواكل الذين قابلتهم «استيقظ!» وهذا الرجاء عينه يقويهم ليتطلّعوا بشوق الى المستقبل القريب حين تصير الارض فردوسا متجددا وتتم كلمات يسوع التي توحي بالرجاء: «لا تتعجبوا من هذا. فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور (التذكارية) صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت الى قيامة الدينونة.» — يوحنا ٥:٢٨، ٢٩.
«آيتي المفضلة هي . . .»
قابلت «استيقظ!» والدين وصغارا بخصوص موت ولد في العائلة. ومرة بعد اخرى، في معرض تفسيرهم كيف تغلّبوا على تفجّعهم، قالوا: «دعني اقول لك آيتي المفضلة.» فاذا كنتم تتفجّعون لربما تساعدكم ايضا هذه الآيات.
ماتت يونهي، من سيول، جمهورية كوريا، التي تبلغ الرابعة عشرة من العمر، بسبب ابيضاض الدم (اللوكيميا) في ١٩٨٥. وقد اوضح ابوها شون كوانغ-كوك لـ «استيقظ!» كيف واسى يونهي في الاسابيع الاخيرة من حياتها: «اخبرتها عن لعازر. قال يسوع ان لعازر كان نائما، وكما كانت الحال معه، فعندما ينادي يسوع ‹يونهي! استيقظي!› ستنهض من النوم ايضا.»
كانت جانيت هركوك، من انكلترا، في الثالثة عشرة عندما ماتت بسبب السرطان في ١٩٦٦. وبقي والداها واخواها دافيد وتيموثاوس احياء بعد وفاتها. واخبر دافيد «استيقظ!» أية آية كانت الاكثر عونا له: «لقد كانت الاعمال ١٧:٣١ التي تذكر: ‹لان [اللّٰه] اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه مقدّما للجميع (ضمانا) اذ أقامه من الاموات.› وفي المأتم شدد الخطيب على ان قيامة يسوع هي الضمان لنا بقيامة مقبلة. وكان ذلك مصدر قوة عظيما لي.»
وفي كانون الاول ١٩٧٥ اخذ جورج الصغير، البالغ ١٤ عاما فقط، بندقية ابيه واطلق النار على نفسه. فكيف تحمل رصل، والد جورج، خسارة ابنه هذه بالانتحار؟
«صارت آيات معينة مرساة لي. مثلا، الكلمات في الامثال ٣:٥: ‹توكَّل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.› فإلى حد ما كنت اعتمد على فهمي الخاص في محاولة حمل نفسي على قبول ما حدث.»
وكانت عائلة مورغان، من انكلترا، في السويد عندما مرض ابنهم دارَل فجأة. وأُجريت له عملية جراحية طارئة في استكهولم. واخيرا أُعيد جوّا الى انكلترا، حيث مات قبل وقت قليل من ميلاده الـ ٢٤. تقول امه نِل: «احدى الآيات التي تبرز في ذهني هي متى ٢٢:٣٢، حيث استشهد يسوع باللّٰه القائل: ‹انا اله ابرهيم واله اسحق واله يعقوب.› ثم تابع: ‹ليس اللّٰه اله اموات بل اله احياء.› وانا اعرف ان هذه الكلمات تعني ان دارَل محفوظ في ذاكرة اللّٰه وسيعود في القيامة.»
رجاء للموتى — حقيقة قريبا
تشير نبوة الكتاب المقدس الى اننا قريبون من الوقت حينما يتخذ اللّٰه الاجراء لإعادة السلام والحياة الابدية الى الجنس البشري الطائع. يعد اللّٰه: «أُحوّل نوحهم الى طرب وأُعزيهم وأُفرحهم من حزنهم.» «امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لانه يوجد جزاء لعملك يقول الرب. فيرجعون من ارض العدو [الموت].» — ارميا ٣١:١٣-١٧.
وفي ذلك الوقت فإن يهوه سيعيد تدريجيا الى الحياة بواسطة القيامة اولئك الذين ماتوا في كل تاريخ الانسان. ففي ظل الحكومة السماوية لنظام اللّٰه الجديد ستكون لديهم فرصة اختيار الحياة الابدية بإطاعة وصايا اللّٰه للحياة في ذلك الوقت. وهكذا، اذا التفتنا الى الكتاب المقدس، سنجد ان هنالك رجاء حقيقيا للموتى وتعزية للاحياء. — اعمال ٢٤:١٥، رؤيا ٢٠:١٢-١٤؛ ٢١:١-٤.
[الاطار في الصفحة ١٤]
ديان كريش، التي تروي موت ابنها دافيد في مقالتنا الثانية، كابدت تفجّعا مبرّحا وردود فعل رفضية. وتُظهر هذا الرسائل التي كتبتها الى دافيد واحتفظت بها طوال ١٣ سنة. وقد توقفت عن الكتابة عندما واجهت حقيقة موت ابيها، الذي اعتنت به في مرضه. (لا توصي «استيقظ!» بكتابة الرسائل كشكل من اشكال الفرج. ولكننا نقتبس الرسالة الاولى لنوضح كيف كان رجاء القيامة مرساتها وكيف دعمها منذ ذلك الحين.)
دافيد العزيز،
انقضى ٤٦ يوما الآن وانت نائم. وهي تبدو كسنين مُذ رأيتك وضممتك إليّ. ولكن ايام نومك محدودة. ليتني اعرف العدد فأشطب واحدا كل يوم. بالنسبة الينا انه انتظار طويل شاق وموحش، أما بالنسبة اليك فسيبدو كدقائق قليلة. انا شاكرة من اجل ذلك. نحن نتطلع بشوق الى اليوم حينما يوقظك يهوه من نومك في النظام الجديد. سنتمتع باكبر حفلة شاهدتها على الاطلاق. وستدوم ثلاثة ايام على الاقل. وسيكون كل امرئ نعرفه مدعوا. ستكون حفلتك انت. ارجو فقط ان لا نضطر الى الانتظار طويلا جدا. فلا يسعني الانتظار لاضمّك بذراعيّ يا دافيد. اننا جميعا نفتقدك بشكل مريع. فالبيت فارغ من دونك. ولن يكون شيء كما كان الى ان تعود الى البيت معنا.
ولذلك، يا ابني الغالي، سنحاول ان نكون صابرين وننتظر يهوه من اجل رجوعك، وفي هذه الاثناء سنكتب اليك رسائل قصيرة لنُعْلمك بما يحدث وانت نائم.
مع كل حبي،
الماما
[الصورتان في الصفحة ١٥]
يعد الكتاب المقدس بان الموتى، مثل ماريا ودافيد، سيُقامون
-