مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • موزَمبيق
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٦
    • اوامر بالاعتقال

      عندما ابتدأت التحضيرات لعيد الاستقلال في ٢٥ حزيران ١٩٧٥،‏ صار موقف شهود يهوه الحيادي اكثر وضوحا.‏ وحاول الاخوة المسؤولون ان يقابلوا الحكومة الجديدة،‏ ولكن دون جدوى.‏ فقد اعطى الرئيس المنصَّب حديثا امرا عندما صاح خلال خطاب نقله الراديو:‏ «سنقضي نهائيا على شهود يهوه هؤلاء.‏ .‏ .‏ نحن نعتقد انهم عملاء خلَّفهم الاستعمار الپرتغالي؛‏ لقد كانوا من الـ‍ PIDE سابقا.‏ .‏ .‏ لذلك نقترح ان يلقي الشعب القبض عليهم فورا.‏»‏

      فهبَّت العاصفة.‏ وحُشدت الفرق المفوَّضة في المناطق بهدف واحد مشترك،‏ اعتقال جميع شهود يهوه —‏ في العمل،‏ في المنزل،‏ في الشوارع،‏ في ايّ وقت من النهار او الليل،‏ في كل انحاء البلد.‏ وأُرغم كل فرد على حضور الاجتماعات في المناطق المعقودة في اماكن العمل والاماكن العامة،‏ وكل مَن لا ينضم الى الحشد في الصراخ «‏ڤيڤا فريليمو‏» كانت تحدَّد هويته كعدو.‏ هذه هي الروح التي تسود عندما ترتفع العواطف القومية الى درجة الجنون.‏

      ولكن من المعروف جيدا ان شهود يهوه،‏ رغم حيادهم في ما يتعلق بالمسائل السياسية،‏ يؤيدون القانون والنظام،‏ يعاملون الرسميين باحترام،‏ هم مستقيمون،‏ ولديهم ضمير حيّ بشأن دفع الضرائب.‏ وبمرور السنين كانت حكومة موزَمبيق ستؤكد هذا الواقع.‏ ولكن،‏ في تلك الاثناء،‏ كانت حالة شهود يهوه في موزَمبيق كحالة المسيحيين الاولين الذين أُعدموا في الميادين الرومانية بسبب رفضهم حرق البخور للامبراطور،‏ وكحالة اخوتهم في المانيا الذين أُلقوا في معسكرات الاعتقال بسبب رفضهم الصراخ «هايل هتلر.‏» وشهود يهوه معروفون حول العالم برفضهم المسايرة في طاعتهم ليهوه وليسوع المسيح،‏ الذي قال عن أتباعه:‏ «ليسوا (‏جزءا)‏ من العالم كما اني انا لست (‏جزءا)‏ من العالم.‏» —‏ يوحنا ١٧:‏١٦‏.‏

      الترحيل الجماعي —‏ الى اين؟‏

      صارت السجون في موزَمبيق بسرعة مكتظَّة بآ‌لاف من شهود يهوه.‏ وتفرَّق اعضاء العائلات.‏ وأثارت الدعاية المكثَّفة عداء كبيرا ضد الشهود حتى ان كثيرين فضَّلوا ان يسلِّموا انفسهم لأنهم شعروا بأمان اكثر مع اخوتهم وأقربائهم الذين كانوا قد دخلوا السجن،‏ رغم ان الشيوخ لم يشجِّعوا على ذلك.‏

      ومن تشرين الاول ١٩٧٥ فصاعدا تلقَّى فرعا زمبابوي (‏روديسيا آنذاك)‏ وجنوب افريقيا فيضا من التقارير التي تنقل صورة كئيبة من نظار الدوائر،‏ مختلف اللجان المسؤولة،‏ وإخوة افراديين.‏ وهذه بدورها أُرسلت الى الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.‏ وحالما تلقَّى معشر الاخوة العالمي الاخبار عن الحالة الاليمة للاخوة في موزَمبيق،‏ صعدت الى السماء من كل انحاء الارض صلوات لا تنقطع من اجل الاخوة المضطهَدين،‏ انسجاما مع المشورة في عبرانيين ١٣:‏٣‏.‏ فيهوه فقط كان بإمكانه ان يدعمهم،‏ وهذا ما فعله بطريقته الخاصة.‏

      من المرجح ان السلطات الحكومية لم تكن تنوي ان تنزل بشهود يهوه المعاملة الوحشية التي عوملوا بها فعلا.‏ لكنَّ بعض السلطات الادنى،‏ في محاولة جادَّة لتغيير الاقتناعات الراسخة المتعلقة بالضمير،‏ حاولت بوسائل عنيفة ان تنتزع منهم الـ‍ «‏ڤيڤا.‏‏» وأحد الامثلة الكثيرة هو مثال جولياو كوسّا من ڤيلانكولوس،‏ الذي ضُرب طوال ثلاث ساعات في محاولة لجعله يساير على ايمانه،‏ ولكن دون جدوى.‏ وعندما كان هؤلاء المعذِّبون ينتزعون احيانا الـ‍ «‏ڤيڤا‏» من احد،‏ كانوا يظلون غير مكتفين.‏ وكانوا يطلبون من الشاهد ايضا ان يصرخ «ليسقط يهوه» و«ليسقط يسوع المسيح.‏» ان الفظائع التي عاناها اخوتنا هي اكثر من ان تُعَدّ وأفظع من ان توصف.‏ (‏انظروا استيقظ!‏‏،‏ عدد ٨ كانون الثاني ١٩٧٦،‏ الصفحات ١٦-‏٢٦،‏ بالانكليزية.‏)‏ لكنهم كانوا يعرفون،‏ كما كتب الرسول بولس الى المسيحيين الفيلبيين في القرن الاول،‏ ان موقفهم الشجاع في وجه الضيقة والاضطهاد هو برهان على عمق محبتهم للّٰه وضمان بأنه سيكافئهم بالخلاص.‏ —‏ فيلبي ١:‏١٥-‏٢٩‏.‏

      والاجواء الخانقة الناتجة من الازدحام في السجون،‏ التي تفاقمت بسبب القذارة والنقص في الطعام،‏ سبَّبت موت اكثر من ٦٠ ولدا في فترة اربعة اشهر في سجون ماپوتو (‏لورَنسو ماركيس سابقا)‏.‏ والاخوة الذين كانوا لا يزالون احرارا بذلوا اقصى جهدهم في محاولة لدعم اخوتهم في السجن.‏ وخلال الاشهر الاخيرة من سنة ١٩٧٥ باع بعض الشهود ممتلكاتهم من اجل الاستمرار في تزويد الطعام لاخوتهم المسجونين.‏ لكنَّ اثبات هويتهم مع الذين في السجن عنى تعريض حريتهم للخطر،‏ وقد اعتُقل كثيرون وهم يعتنون بحاجات الاخوة.‏ هذه هي المحبة التي قال يسوع انها ستكون لدى أتباعه الحقيقيين واحدهم نحو الآخر.‏ —‏ يوحنا ١٣:‏٣٤،‏ ٣٥؛‏ ١٥:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

      وبشكل متناقض ظاهريا،‏ خلال هذه الفترة عينها،‏ عومل بعض الشهود في اقليم سوفالا بطريقة مختلفة كليا.‏ فعند القاء القبض عليهم أُخذوا الى ڠراند هوتِل الفخم في مدينة بيرا وقدِّم لهم الطعام وهم ينتظرون اخذهم الى وجهتهم الاخيرة.‏

      وماذا كنت وجهتهم؟‏ كان هذا لغزا،‏ حتى لسائقي الباصات والشاحنات العديدة التي كانت ستنقلهم.‏

      الوجهة —‏ كاريكو،‏ مقاطعة ميلاندْجي

      بين ايلول ١٩٧٥ وشباط ١٩٧٦ نُقل جميع شهود يهوه الذين احتُجزوا،‏ سواء كان ذلك في السجون او في الحقول في العراء.‏ وكانت الوجهة غير المعلَن عنها سلاحا آخر ايضا استعملته الشرطة والسلطات المحلية الاخرى في محاولة لإخافة الاخوة.‏ فقيل لهم:‏ ‏«ستأكلكم الحيوانات الضارية.‏ انه مكان مجهول في الشمال لن تعودوا منه ابدا.‏» وشكَّل اعضاء العائلات غير المؤمنين مجموعة للبكاء والنَّوح،‏ مصرّين ان يستسلم المؤمنون.‏ ومع ذلك قليلون هم الذين سايروا.‏ وحتى المهتمون حديثا ربطوا مصيرهم بمصير شهود يهوه بشجاعة.‏ وهذه كانت حال اوجينيو ماسيتِلا،‏ داعم غيور للمُثُل السياسية العليا.‏ وقد أُثير اهتمامه عندما عرف ان السجون ملآنة بشهود يهوه.‏ ولمعرفة هويتهم طلب درسا بيتيا،‏ ولكن ليُعتقل ويرحَّل بعد اسبوع.‏ وكان بين اول المعتمدين في معسكرات الاعتقال،‏ وهو يخدم اليوم كناظر دائرة.‏

      لم يظهر الشهود اية علامة للخوف او الخشية عندما أُخذوا من السجون وحُشروا في الباصات،‏ الشاحنات،‏ وحتى الطائرات.‏ وإحدى القوافل الكبيرة غادرت ماپوتو في ١٣ تشرين الثاني ١٩٧٥.‏ وكان هنالك ١٤ باصا،‏ او ماشيبومبوس كما تُدعى هنا.‏ وفرح الاخوة الذي يبدو صعب التفسير دفع الجنودَ المسؤولين ان يسألوا:‏ «كيف يمكنكم ان تكونوا سعداء وأنتم لا تعرفون حتى الى اين انتم ذاهبون؟‏ فالمكان الذي انتم ذاهبون اليه ليس جيدا على الاطلاق.‏» لكنَّ فرح الاخوة لم يخمد.‏ وفيما كان الاقرباء غير المؤمنين يبكون،‏ خائفين على مستقبل احبائهم،‏ كان الشهود يرنِّمون ترانيم الملكوت،‏ كالترنيمة بعنوان «تقدَّموا بشجاعة.‏»‏

      وفي كل مدينة على الطريق كان السائقون يتصلون هاتفيا برؤسائهم ليعرفوا وجهتهم،‏ فيؤمرون بأن يتقدموا الى المحطة التالية.‏ وضلّ بعض السائقين طريقهم.‏ ولكنهم وصلوا اخيرا الى ميلاندْجي،‏ بلدة وعاصمة مقاطعة في اقليم زامبيزيا،‏ على بعد ١٠٠‏,١ ميل (‏٨٠٠‏,١ كلم)‏ من ماپوتو.‏ وهناك استقبل المسؤول الاداري الاخوة بـ‍ «خطاب ترحيب،‏» خطبة لاذعة ملآنة بالتهديد.‏

      ثم أُخذوا ٢٠ ميلا (‏٣٠ كلم)‏ الى الشرق،‏ الى مكان على ضفاف نهر مُندوزي،‏ المنطقة المعروفة بـ‍ كاريكو،‏ في مقاطعة ميلاندْجي.‏ والآلاف من شهود يهوه من ملاوي،‏ الذين كانوا قد هربوا من موجة الاضطهاد في بلدهم،‏ كانوا يسكنون هناك كلاجئين منذ ١٩٧٢.‏ وكان الوصول غير المتوقع للاخوة الموزَمبيقيين مفاجأة للملاويين.‏ وكانت مفاجأة للموزَمبيقيين ان يستقبلهم اخوة يتكلمون لغة غريبة.‏ لكنها كانت مفاجأة سارة جدا،‏ وقد استقبل الاخوة الملاويون الشهود الموزَمبيقيين بكثير من الحرارة والضيافة حتى ان السائقين تأثروا.‏ —‏ قارنوا عبرانيين ١٣:‏١،‏ ٢‏.‏

      والمسؤول الاداري في المقاطعة هو الرجل الذي كان مع الاخوة في سجن ماشاڤا قبل سنوات.‏ وعند استقبال كل فريق كان يسأل:‏ «اين هما شيلوليه وزونڠوزا؟‏ انا اعرف انهما سيأتيان.‏» وعندما وصل الاخ شيلوليه اخيرا،‏ قال له المسؤول الاداري:‏ «شيلوليه،‏ لا اعرف حقا كيف استقبلك.‏ نحن في طرفين مختلفين الآن.‏» لقد التصق بإيديولوجياته ولم يجعل الامور اسهل بطريقة ما لرفقائه السابقين في الزنزانة.‏ وكان،‏ كما وصف نفسه،‏ «جَديا يحكم بين الخراف.‏»‏

      الدعم الحبي من معشر الاخوة الاممي

      عبَّر معشر الاخوة الاممي لشهود يهوه عن اهتمامهم الحبي بالاخوة في موزَمبيق.‏ فقد اغرقوا بريد البلد بالرسائل التي تناشد سلطات موزَمبيق.‏ كان زملاء العمل في مركز المواصلات السلكية واللاسلكية يستهزئون بأوڠوستو نوڤِلا،‏ الذي هو شاهد،‏ ويقولون ان شهود يهوه ليسوا سوى طائفة محلية.‏ لكنهم أُسكتوا عندما ابتدأت اجهزة التلكس تتلقى الرسائل من حول العالم.‏ والتجاوب الغامر اثبت واقع ان شعب يهوه متَّحدون حقا بالمحبة.‏

      وبعد نحو عشرة اشهر اعترف وزير في الدولة،‏ في زيارة له لتفقُّد المخيمات،‏ ان الاخوة سُجنوا بتهم باطلة.‏ ولكن كان سابقا لأوانه ان يتوقَّعوا الحرية.‏

      تحديات حياة جديدة

      كان فصل جديد قد انفتح في تاريخ شعب يهوه في موزَمبيق.‏ فكان الاخوة الملاويون في المنطقة قد نظّموا انفسهم في ثماني قرى.‏ وكانوا قد اكتسبوا خبرة كبيرة في التكيُّف مع نمط حياة جديد في الدغل ونمَّوا مهاراتهم في بناء البيوت،‏ قاعات الملكوت،‏ وحتى قاعات المحافل.‏ والذين لم تكن لديهم خبرة سابقة في الزراعة تعلَّموا ايضا الكثير عن هذا النوع من العمل.‏ وكثيرون من الموزَمبيقيين،‏ الذين لم يزرعوا قط ماشامبا (‏حقلا محروثا)‏،‏ كانوا على وشك اختبار العمل الشاق في الحقول للمرة الاولى.‏ وفي الاشهر القليلة الاولى نَعِم الوافدون الجدد بالضيافة الحبية لاخوتهم الملاويين،‏ الذين استقبلوهم في بيوتهم وتقاسموا معهم طعامهم.‏ ولكن حان الوقت الآن ليبني الاخوة الموزَمبيقيون قراهم الخاصة.‏

      لم يكن ذلك مهمة سهلة.‏ فكان الفصل الممطر قد ابتدأ،‏ وبوركت المنطقة بأمطار لم يسبق لها مثيل.‏ ولكن عندما فاض نهر مُندوزي،‏ الذي يمرّ في وسط المخيم،‏ في منطقة كانت مبتلاة عادة بالجفاف،‏ رأى الاخوة ذلك كعلامة لكيفية اعتناء يهوه بهم.‏ وفي الواقع،‏ خلال السنوات الـ‍ ١٢ التالية،‏ لم يجفَّ النهر مرة واحدة كما كان يحدث من قبل.‏ ومن ناحية اخرى،‏ كما يتذكر الاخ موتِمبا،‏ «كانت الارض الوحلة الزلقة،‏ التي سبَّبها طبيعيا الطقس الممطر،‏ تحديا اضافيا لسكان المدينة السابقين.‏» وعلاوة على ذلك،‏ لم يكن سهلا على النساء ان يعبرن النهر وهن يحافظن على توازنهن على جسور مؤقتة لم تكن سوى جذوع اشجار.‏ يتذكر شَڤيير دِنڠو:‏ «بالنسبة الى الرجال المعتادين المكاتب،‏ كان تحديا ان ندخل الغابات الكثيفة ونقطع الاشجار لبناء بيوتنا.‏» وصارت هذه الاحوال امتحانا لم يكن البعض مستعدين له.‏

      نتذكر انه في ايام موسى ابتدأ التذمر بين «اللفيف» الذي رافق الاسرائيليين من مصر الى البرية ثم امتدَّ ذلك الى الاسرائيليين انفسهم.‏ (‏عدد ١١:‏٤‏)‏ وبشكل مماثل،‏ ظهر من البداية بين الذين لم يكونوا شهودا معتمدين فريق من المتذمرين،‏ وانضم اليهم بعض المعتمدين.‏ فاقتربوا من المسؤول الاداري وأعلموه انهم على استعداد لدفع ايّ ثمن ليُعادوا الى موطنهم بأسرع ما يمكن.‏ لكنَّ ذلك لم يؤدِّ الى رحلة فورية الى موطنهم كما كانوا يرجون.‏ فقد جرى ابقاؤهم في ميلاندْجي،‏ وصار عديدون منهم مصدر ازعاج للامناء.‏ وصاروا معروفين بـ‍ «المتمردين.‏» وعاشوا في وسط الاخوة الامناء لكنهم كانوا مستعدين دائما لخيانتهم.‏ فمحبتهم للّٰه لم تصمد في وجه الامتحان.‏

      لماذا سقطت القاعات

      كان الاخوة الملاويون في المخيمات قد تمتعوا بحرية لا بأس بها في العبادة.‏ وعندما وصل الاخوة الموزَمبيقيون،‏ استفادوا في بادئ الامر من ذلك.‏ فكل يوم كانوا يتجمعون في واحدة من قاعات المحافل الكبيرة للتأمل في الآية اليومية.‏ وغالبا ما كان ناظر دائرة ملاويّ يشرف على ذلك.‏ يتذكر فيليپ ماتولا:‏ «كان مقوِّيا،‏ بعد اشهر من السجن والسفر،‏ ان نسمع حضًّا روحيا برفقة اخوة كثيرين.‏» لكنَّ هذه الحرية النسبية لم تدُم.‏

      ففي ٢٨ كانون الثاني ١٩٧٦ دخلت السلطات الحكومية برفقة الجنود الى القرى وأعلنت:‏ «انتم ممنوعون من العبادة او الصلاة في هذه القاعات او ايّ مكان آخر من القرى.‏ ستؤمَّم القاعات وتستعملها الحكومة كما تراه ملائما.‏» وأمروا الاخوة بأن يُخرجوا كل كتبهم وصادروها.‏ طبعا،‏ خبَّأ الاخوة ما استطاعوا.‏ وعقب ذلك،‏ رُفعت الأعلام امام كل قاعة،‏ وأُقيم الجنود كحراس لضمان تنفيذ الامر.‏

      على الرغم من ان القاعات كانت مبنية من الاوتاد وتبدو بسيطة،‏ فقد كانت قوية كفاية.‏ لكنها ابتدأت كلها تنهار في وقت قصير نسبيا.‏ يتذكر شَڤيير دِنڠو انه ذات مرة كان قد وصل هو والمسؤول الاداري الى احدى القرى عندما ابتدأت القاعة تنهار فعليا،‏ رغم انه لم يكن هنالك مطر ولا ريح.‏ فعبَّر المسؤول الاداري قائلا:‏ «ماذا يجري؟‏ انتم اردياء.‏ القاعات تسقط كلها الآن بعدما امَّمناها!‏» ولاحقا قال المسؤول الاداري لأحد الشيوخ:‏ «لا بد انكم صليتم ان تسقط القاعات،‏ .‏ .‏ .‏ وقد اسقطها الهكم.‏»‏

      التنظيم في القرى

      بسرعة بُنيت تسع قرى موزَمبيقية موازية ومواجهة للقرى الملاوية الثماني الموجودة.‏ وكان هذان الفريقان سيسكنان معا طوال السنوات الـ‍ ١٢ التالية،‏ توحِّدهما اللغة النقية.‏ (‏صفنيا ٣:‏٩‏،‏ ع‌ج‏)‏ كانت مساحة كل قرية مقسَّمة الى مجموعات من الابنية،‏ تفصلها شوارع حسنة الصيانة،‏ وتشمل كل مجموعة ثماني قطع من الارض مساحتها ٨٠ قدما في ١١٠ (‏٢٥ مترا في ٣٥)‏.‏ وجرى ترتيب الجماعات حسب مجموعات الابنية.‏ وبعد اعلان الحظر في المخيمات،‏ لم يعُد باستطاعتهم بناء قاعات ملكوت ظاهرة.‏ لذلك بنوا بيوتا خصوصية لها شكل L لتخدم القصد.‏ وكانت تسكن فيها ارملة او شخص عازب آخر لإعطاء الانطباع انه يوجد مقيمون.‏ ثم عندما تُعقد الاجتماعات،‏ كان الخطيب يقف عند زاوية الـ‍ «L» وهكذا يتمكن من رؤية الحضور في الجانبين كليهما.‏

      وحول محيط كل قرية كانت هنالك الـ‍ ماشامباس الخاصة بها.‏ وكانت كل جماعة تُعنى ايضا بـ‍ «‏ماشامبا جماعي،‏» وكان الجميع يشتركون في زرعه كمساهمة منهم في حاجات الجماعة.‏

      كان حجم كل قرية يختلف وفقا لعدد السكان.‏ وقد اظهر احصاء سنة ١٩٧٩ ان القرية الموزَمبيقية رقم ٧ كانت الاصغر،‏ بعدد من الناشرين يبلغ ١٢٢ وجماعتين فقط،‏ في حين ان القرية رقم ٩،‏ الاكبر والابعد،‏ كان فيها ٢٢٨‏,١ ناشرا و ٣٤ جماعة.‏ وكان في المخيم بكامله ١١ دائرة.‏ وصار هذا المخيم كله،‏ المؤلف من قرى ملاوية وموزَمبيقية ومناطق تابعة لها،‏ معروفا عند الاخوة بدائرة كاريكو.‏ وآخر احصاء لدينا في السجل هو احصاء سنة ١٩٨١،‏ حين كان عدد السكان في كل دائرة كاريكو ٥٢٩‏,٢٢،‏ الذين كان ٠٠٠‏,٩ منهم ناشرين نشاطى.‏ ولاحقا كان هنالك مزيد من النمو.‏ (‏اعلن سامورا ماشِل الذي كان آنذاك رئيسا ان عدد السكان كان ٠٠٠‏,٤٠،‏ بحسب كراسة كونسوليداموس اكيلو كي نوس اون [تقوية ما يوحِّدنا]،‏ الصفحتان ٣٨-‏٣٩.‏)‏

      عهد شينڠو —‏ اوقات عسيرة

      طبعا،‏ لم يؤخذ شهود يهوه الى ميلاندْجي ليصيروا مجرد مستعمرة زراعية.‏ ولم يكن عبثا ان الحكومة دعت المخيم مركز كاريكو لإعادة التعليم،‏ كما هو ظاهر من المركز الاداري في وسط المخيم الملاوي رقم ٤،‏ المزوَّد بمستخدَمين حكوميين،‏ مع مكاتب وأماكن للسكن.‏ وكان هنالك ايضا آمر المخيم،‏ جنوده،‏ وسجن احتُجز فيه عديدون من اخوتنا فترات متفاوتة،‏ بحسب قرارات الآمر.‏

      والآمر الاردأ سمعة على الاطلاق كان شينڠو.‏ وصارت فترة تولِّيه مركز آمر التي دامت سنتين تُعرف بـ‍ عهد شينڠو.‏ وإذ كان مصمِّما على زعزعة موقف شهود يهوه العديم المسايرة و«اعادة تعليمهم،‏» لجأ الى كل وسيلة نفسية يعرفها،‏ وكذلك الى العنف،‏ لتحقيق غرضه.‏ ورغم انه لم يحصِّل فعليا اية ثقافة رسمية،‏ فقد كان متكلما طَلْق اللسان ومقنعا،‏ يميل الى استعمال الامثال.‏ وقد استعمل موهبته ليحاول تلقين الاخوة فلسفته السياسية ويضعف محبتهم للّٰه.‏ وكانت احدى خططه «حلقة دراسية لخمسة ايام.‏»‏

      ‏«حلقة دراسية لخمسة ايام»‏

      اعلن الآمر انه جرى التخطيط لـ‍ «حلقة دراسية لخمسة ايام» وأن الشهود يجب ان يختاروا الرجال الاكثر اقتدارا في القرى،‏ الرجال القادرين على نقل معلومات ذات اهمية.‏ وكان هؤلاء سيُرسلون الى حلقة دراسية ستُعقد في منطقة بعيدة.‏ فرفض الاخوة،‏ لأنهم شكّوا في نواياه.‏ لكنَّ «المتمردين» الذين كانوا حاضرين دلّوا على الاخوة في مراكز المسؤولية،‏ بمن فيهم نظار الدوائر.‏ وبين هؤلاء كان فرانسيسكو زونڠوزا،‏ شَڤيير دِنڠو،‏ ولويش بيلا.‏ وغادرت شاحنة حاملة ٢١ رجلا و ٥ نساء.‏ وسافروا مئات الاميال الى الشمال،‏ الى منطقة شمالي ليشِنڠا،‏ في اقليم نياسا.‏ وهناك أُلقي الرجال في «معسكر اعادة التعليم» مع المجرمين،‏ في حين أُخذت النساء الى مخيم للعاهرات.‏

      وهنا أُخضعوا للعذاب القاسي،‏ بما فيه ما دعاه معذِّبوهم «طراز المسيح.‏» فكانت يدا الضحية تُمدَّان الى الجانبين،‏ كما لو انه على صليب،‏ ثم كانت توضع خشبة توازي الذراعين.‏ وكان حبل من النيلون يُربط بإحكام حول الذراعين والخشبة على طول الذراعين كلتيهما،‏ من رؤوس اصابع اليد الواحدة الى رؤوس اصابع الاخرى.‏ وإذ تنقطع الدورة الدموية كاملا عن اليدين،‏ الذراعين،‏ والكتفين،‏ كان يجري ابقاء المرء في هذا الوضع لوقت لا بأس به في محاولة يائسة لينتزعوا منه الـ‍ «‏ڤيڤا فريليمو.‏‏» وبسبب هذه المعاملة الوحشية غير الانسانية،‏ عانى لويش بيلا،‏ شيخ امين،‏ نوبة قلبية ومات.‏

      وأُخضعت الاخوات لمعالجة من «التمارين،‏» التي تتطلب منهن ان يركضن دون انقطاع تقريبا،‏ وأحيانا الى الماء ومنه؛‏ وأن «يتشقلبن» بلا انقطاع وهن يصعدن الجبل وينزلن منه؛‏ وأن يخضعن لإهانات اخرى لا تحصى.‏ فيا لها من حلقة دراسية!‏ ويا لها من «اعادة تعليم»!‏

      وبالرغم من هذه المعاملة القاسية،‏ حافظ معظم هؤلاء الاخوة على استقامتهم،‏ واثنان فقط سايرا.‏ وقد تمكن احد الاخوة من ارسال رسالة الى وزير الداخلية في ماپوتو،‏ فاضحا هذه المعاملة.‏ وكان لذلك اثره.‏ فأتى حاكم نياسا شخصيا بالطائرة المروحية.‏ وجرَّد فورا الآمر وأعوانه من كل سلطة وأعلن:‏ «يمكن ان يعتبر هؤلاء انفسهم معتقَلين بسبب قيامهم بأعمال لم تكن الـ‍ فريليمو تنويها قط.‏» وعندما سمع ذلك السجناء الآخرون الذين عانوا معاملة مماثلة،‏ هتفوا فرحا:‏ «شكرا لكم،‏ لقد تحررنا،‏» فردَّ الاخوة بالقول:‏ «اشكروا يهوه.‏»‏

      وبعد فترة نُقلوا الى مخيمات اخرى حيث كانت المعاملة تقتصر على العمل الاجباري فقط‍.‏ وجملة لم يكن إلا بعد سنتين تقريبا انهم عادوا الى كاريكو —‏ وكان شينڠو هناك لاستقبالهم.‏ واستمر في محاولات غير ناجحة لإضعاف ولائهم ليهوه بالقيام بـ‍ «حلقات دراسية» مماثلة.‏ وأخيرا،‏ عندما كان على وشك مغادرة كاريكو،‏ القى خطبة بأسلوبه الايضاحي المميَّز.‏ وإذ اعترف بالهزيمة قال:‏ «يسدِّد الشخص عدة ضربات الى الشجرة،‏ وعندما لا تبقى إلا ضربات قليلة لتقع،‏ يُستبدل بآ‌خر،‏ وبضربة واحدة فقط‍،‏ يكمل العمل.‏ لقد سدَّدتُ ضربات عديدة لكنني فشلت في انهاء العمل.‏ سيأتي آخرون بعدي.‏ وسيستعملون وسائل اخرى.‏ فلا تستسلموا.‏ .‏ .‏ .‏ ابقوا ثابتين في موقفكم.‏ .‏ .‏ .‏ وإلا فسينالون المجد كله.‏» ولكنَّ الاخوة،‏ بإبقاء محبتهم ليهوه قوية،‏ سعوا الى التأكد ان ينال يهوه وحده المجد.‏ —‏ رؤيا ٤:‏١١‏.‏

      الذين بقوا في المدن

      وهل كان كل الشهود الموزَمبيقيين في السجن او في مخيمات الاحتجاز في هذا الوقت؟‏ على الرغم من ان اعداءهم فتَّشوا عنهم تفتيشا دقيقا في اماكن العمل وفعليا في كل منطقة مجاورة،‏ فقد افلت البعض.‏ فلم يكن الجميع تواقين الى ارسال الشهود الى السجن او الى معاقبتهم بطريقة اخرى.‏ لكنَّ الشهود كانوا دائما في خطر القبض عليهم.‏ وكانت النشاطات اليومية كشراء الاطعمة او جلب الماء من حنفية عامة مجازفة.‏

      تتذكر ليزِت مايِندا،‏ التي بقيت في بيرا:‏ «مُنعت من اخذ بطاقة ضرورية لشراء الطعام لأنني لم اذهب الى الاجتماعات السياسية المطلوبة.‏ ومن المفرح ان صاحب مخزن وديّا كان يدعوني على انفراد ويبيعني كيلوڠرامات قليلة من الدقيق.‏» (‏قارنوا رؤيا ١٣:‏١٦،‏ ١٧‏.‏)‏ وطُرد الاخ مايِندا من وظيفته في ميناء بيرا ست مرات،‏ ولكن كل مرة كان مستخدِموه يعودون للبحث عنه لأن مؤهلاته المهنية كانت ذات قيمة كبيرة لشركته.‏

      وعلى الرغم من ان الشهادة والاجتماع معا كانا مجازفة كبيرة،‏ لم يخمد الضوء الروحي في ايّ من المدن الرئيسية في البلد.‏ وقد انضم الى عائلة مايِندا في بيرا فريق من الاحداث في جوار إستورو كانوا شجعانا ومتعطشين الى الحق.‏ ومعا أبقوا النور مُضاء في عاصمة اقليم سوفالا.‏ وكانت غيرة الفريق في بيرا كبيرة جدا حتى انهم كانوا يعبرون الحدود رغم الخطر الى روديسيا (‏الآن زمبابوي)‏ للحصول على الطعام الروحي.‏

      عمل مكتب الفرع في سولزبوري (‏الآن هَراراي)‏ بجرأة ودون كلل للاعتناء بكل الاخوة الذين كانوا مشتَّتين في المنطقة الشمالية.‏ وهكذا عندما وصلت الاخبار الى المكتب ان فريقا لا يزال يجتمع في تيتي،‏ ارسل الفرع اخَوين للاعتناء بحاجات هذا الفريق،‏ لأنهم كانوا مثل ابَفرودِتُس،‏ عامل رفيق مع الرسول بولس،‏ مشتاقين الى رؤية الاخوة.‏ (‏فيلبي ٢:‏٢٥-‏٣٠‏)‏ وكان احد هؤلاء الاخوة رِدسون زولو المحبوب كثيرا والمشهور في كل انحاء الشمال بخطاباته المحرِّكة بلغة التشيتشايوا.‏ وكان هو ورفيقه يخاطران كثيرا وهما ينتقلان بالدراجة عبر الدغل ليخدما اخوتهم الموزَمبيقيين المنعزلين.‏

      وبشكل مماثل،‏ استمر نور الحق يسطع في اقليم نامپولا.‏ فقد بقي هناك فريق من غير المعتمدين،‏ وبطريقتهم الخاصة استمروا في عقد الاجتماعات.‏ في البداية كان عدد الحضور ٨،‏ لكنه سرعان ما ازداد الى ٥٠.‏ وعندما أُرسل اخ من كاريكو ليدخل المستشفى في نامپولا،‏ اتصل بأحد اعضاء هذا الفريق من غير المعتمدين،‏ الذي كان يعمل في المستشفى.‏ وكتب الاخ الى الجمعية،‏ فأشار عليه مكتب الفرع بأن يدرس مع الفريق ليُعِدَّ للمعمودية اولئك المستعدين لها.‏ فاعتمد خمسة.‏ وتلقَّوا مساعدة اضافية عندما فتح شاهد من النَّذَرلند كان في نامپولا بسبب عمل دنيوي بيتَه للاجتماعات.‏ وبمرور الوقت صار البعض من هذا الفريق مؤهَّلين لتحمل المسؤولية كشيوخ.‏

      الراحة في السجن المركزي

      في سنة ١٩٧٥ أُرسل فريق من السجناء بعد آخر الى الشمال من سجون ماپوتو،‏ فيما استمر آخرون في الوصول ليحلوا محلهم.‏ ثم نحو نهاية شباط ١٩٧٦ قرَّرت الحكومة ان توقف نقلها المتواصل للسجناء الشهود.‏

      بعد اشهر قليلة زار الرئيس سامورا ماشِل السجن المركزي في ماپوتو.‏ فاغتنمت الاخت سِلِستي موتِمبا،‏ احدى السجينات،‏ الفرصة للشهادة للرئيس.‏ فأصغى بطريقة ودية،‏ ولكن بعد مغادرته وبَّخت سلطات السجن الاختَ بشدة.‏ ولكن بعد اسبوع اتى امر بإطلاق سراحها،‏ مع وثيقة تضمن حمايتها من المزيد من المضايقات لأسباب سياسية وحقها في العودة الى وظيفتها السابقة في المستشفى المركزي.‏ وعلاوة على ذلك،‏ أُعطي الترخيص لإطلاق سراح كل شهود يهوه من هذا السجن.‏

      جرى تنظيم الذين في ماپوتو في جماعات.‏ وقبل مضي وقت طويل تشكَّلت ٢٤ جماعة في دائرة تمتد من ماپوتو في الشمال الشرقي الى اينيامبان.‏ وجرى تعيين فيدِلينو دِنڠو لزيارتها.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ عيَّن فرع جنوب افريقيا لجنة شيوخ للاعتناء بالحاجات الروحية لهذه الفرق.‏ وطوَّروا اساليب حذرة للكرازة غير الرسمية.‏ ورتَّبوا ان يحضر الاخوة المحافل في سْوازيلند المجاورة.‏ وفي موزَمبيق،‏ عندما كان البعض يعودون من كاريكو،‏ كان الاخوة يعقدون محافل خفية في شكل حفلات «ترحيب بالعائدين الى الموطن.‏»‏

      وماذا عن كاريكو؟‏ ماذا كانت الترتيبات للنشاطات الروحية هناك؟‏

      لجنة الـ‍ «O.‎N.‎» تشرف على المخيمات

      كان الاخوة الملاويون،‏ تحت اشراف فرع زمبابوي،‏ قد شكَّلوا لجنة خاصة للاعتناء بالحاجات الروحية في المخيمات.‏ وعندما أُحضر الاخوة من جنوبي موزَمبيق الى كاريكو،‏ استفادوا هم ايضا من الترتيب الموجود هناك.‏ وأضيف الى اللجنة اخَوان من الجنوب،‏ فرناندو موتِمبا وفيليپ ماتولا.‏

      وكانت لجنة الـ‍ O.‎N.‎ (‏اوفيسي يا انتشيتو:‏ مكتب الخدمة،‏ في تشيتشايوا)‏ تراسل الجمعية وتنظِّم المحافل الدائرية والكورية.‏ وكانوا يجمعون التقارير من المخيم كله ويجتمعون دوريا مع الشيوخ في القرى.‏ وكانوا ايضا يشرفون على العمل في الدوائر الـ‍ ١١.‏ وكانت مسؤوليتهم كبيرة،‏ وخصوصا بسبب العلاقة المحفوفة بالمخاطر بين الاخوة والسلطات الحكومية.‏

      الكرازة والتلمذة في المخيمات

      في تشرين الثاني ١٩٧٦ اعتمد عدد لا بأس به من المهتمين وتلاميذ الكتاب المقدس الذين رافقوا الاخوة الى ميلاندْجي في سنة ١٩٧٥.‏

      وكثيرون ممن كانوا فاتحين قانونيين استمروا في الكرازة خلال سجنهم ونقلهم الى المخيمات.‏ ولكن لمَن كرزوا؟‏ في البداية كانوا يدرسون مع الذين لم يعتمدوا بعد،‏ بمَن فيهم اولاد الاخوة.‏ فالعائلة التي لها اولاد عديدون كانت تُعتبر «مقاطعة جيدة.‏» وكان الوالدون يدرسون مع بعض الاولاد،‏ وكان الآخرون يوزَّعون بين الناشرين العزاب.‏ وبهذه الطريقة ظل الجميع نشاطى في عمل التلمذة.‏

      لكنَّ ذلك لم يكن كافيا في نظر الذين لديهم حقا روح التبشير.‏ ابتدأ فاتح غيور في البحث عن مقاطعة خارج المخيمات.‏ طبعا،‏ كانت لذلك مخاطره بسبب القيود التي فرضتها سلطات المخيمات.‏ وكان يدرك انه يجب ان يدبِّر حجَّة لمغادرة المخيمات.‏ فأيّ حجَّة كان يمكن ان يستعمل؟‏ اذ صلّى الى يهوه من اجل التوجيه،‏ قرَّر ان يبيع الملح ومواد غذائية اخرى للناس خارج المخيمات.‏ وكان يطلب سعرا مرتفعا جدا ليتجنب اية صفقة حقيقية،‏ فيما كان يخلق فرصة ملائمة لإعطاء الشهادة.‏ فصارت هذه الطريقة شائعة.‏ وبمرور الوقت،‏ كان بالامكان رؤية هؤلاء «البائعين» يعرضون منتوجاتهم خارج المخيمات.‏ وتغطية المقاطعة المتفرقة كانت تشمل السفر مسافات طويلة،‏ مغادرين عند الفجر وعائدين في الليل.‏ لقد كان هنالك القليل من المقاطعة للكثير من الشهود.‏ ولكن بهذه الطريقة تعلَّم الحق اشخاص عديدون يسكنون في المنطقة.‏

      ‏«مركز زامبيزيا للانتاج»‏

      بسبب العمل الدؤوب لـ‍ «تلاميذ اعادة التعليم» المجتهدين هؤلاء والامطار المباركة التي تسقي المنطقة،‏ ازدهر الانتاج الزراعي.‏ وصار لدى الشهود في المخيمات محاصيل وافرة من الذرة،‏ الارزّ،‏ المنيهوت،‏ الدُّخن،‏ البطاطا الحلوة،‏ قصب السكر،‏ الفاصولياء،‏ والفاكهة المحلية مثل المافورا.‏ وكانت مخازن القمح في دائرة كاريكو تفيض.‏ وأغنت تربية الطيور والحيوانات الصغيرة مثل الدجاج،‏ البط،‏ الحمام،‏ الارانب،‏ والخنازير وجباتهم بالپروتين.‏ وصار الجوع الذي اختبروه في البداية شيئا من الماضي.‏ وبالتباين مع ذلك،‏ كان باقي القرية يعاني من اعظم نقص في الطعام في تاريخه.‏ —‏ قارنوا عاموس ٤:‏٧‏.‏

      واعترافا بنجاح العملية الزراعية هذه،‏ ابتدأت الحكومة تدعو منطقة هذه المخيمات «مركز زامبيزيا للانتاج.‏» وبالمدخول الذي جمعه الاخوة من بيع الانتاج الفائض،‏ تمكَّنوا من الحصول على الملابس وحتى بعض اجهزة الراديو والدراجات.‏ ورغم انهم سجناء،‏ كانوا مجهَّزين جيدا بسبب اجتهادهم.‏ وقد اطاعوا بدقة كبيرة قوانين الحكومة لدفع الضرائب؛‏ وكانوا فعلا بين دافعي الضرائب الرئيسيين في المنطقة.‏ وانسجاما مع مقاييس الكتاب المقدس،‏ كان دفع الضرائب بأمانة،‏ حتى في هذه الظروف،‏ احد المتطلبات ليُعتبر الشخص اهلا لأيّ امتياز في الجماعة.‏ —‏ رومية ١٣:‏٧؛‏ ١ تيموثاوس ٣:‏١،‏ ٨،‏ ٩‏.‏

      التبادل الثقافي

      كان هنالك في كاريكو تبادل للمهارات والثقافة.‏ وتعلَّم عديدون مهارات جديدة مثل البناء بالآجرّ،‏ النجارة،‏ والنحت في الخشب.‏ ومعا طوَّروا قدرات في صناعة الادوات،‏ العمل في الحديد المسبوك،‏ صنع اثاث ذي نوعية جيدة،‏ وأمور اخرى.‏ وبالاضافة الى استفادتهم شخصيا من المهارات التي تعلَّموها او صقلوها،‏ زوَّد هذا العمل مصدرا آخر للمدخول.‏

      وأكبر تحدٍّ في التبادل الثقافي كان يشمل اللغة.‏ فقد تعلَّم الموزَمبيقيون لغة تشيتشايوا التي يتكلمها الملاويون.‏ فصارت هذه اللغةَ الرئيسية التي يجري التكلم بها في المخيمات،‏ ومعظم المطبوعات المتوافرة كانت بلغة تشيتشايوا.‏ وببطء ولكن بشكل جيد،‏ تعلَّم الملاويون ايضا التسونڠا ولهجاتها،‏ التي يجري التكلم بها في جنوبي موزَمبيق.‏ وتعلَّم كثيرون ايضا الانكليزية والپرتغالية،‏ اللتين كان سيتبيَّن لاحقا انهما مفيدتان لهم في امتيازات خصوصية للخدمة.‏ يتذكر احد الشيوخ:‏ «يمكن ان تلتقوا اخا او اختا يتكلم لغتكم بطلاقة ولا تعرفوا ما اذا كان موزَمبيقيا او ملاويا.‏»‏

      كيف دخل الطعام الروحي الى المخيمات؟‏

      لقد اتى من زامبيا عن طريق ملاوي.‏ وبأية وسيلة؟‏ اجاب احد نظار الدوائر:‏ «يهوه وحده يعرف.‏» ففي المخيمات كانت لجنة الـ‍ O.‎N.‎ تعيِّن احداثا ملاويين،‏ وكثيرون منهم كانوا فاتحين،‏ ليعبروا الحدود على الدراجات،‏ وكانوا يلتقون في موقع معيَّن مسبقا اولئك الذين أُرسلوا ليسلِّموا المراسلات والمطبوعات.‏ وبهذه الطريقة كان يجري تزويد الجماعات بالطعام الروحي الجديد.‏

      وبالاضافة الى ذلك،‏ كان اعضاء لجنة الـ‍ O.‎N.‎ يعبرون الحدود ويسافرون الى زامبيا او زمبابوي ليستفيدوا من الزيارات السنوية لنظار الاقاليم الذين ترسلهم الهيئة الحاكمة.‏ وبهذه الوسائل وغيرها حافظ الاخوة في كاريكو على روابط قوية بهيئة يهوه المنظورة وبقوا بذلك متَّحدين في عبادته.‏

      كانت اجتماعات الجماعة تتطلب ترتيبات خصوصية.‏ ولأن الاخوة كانوا مراقَبين باستمرار،‏ كان العديد من الاجتماعات يُعقد عند الفجر او في وقت ابكر.‏ وكان الحضور يجتمعون خارجا،‏ وكأنهم يأكلون اطباق العصيدة في الفناء،‏ في حين كان الخطيب يقف داخل البيت.‏ وكانت بعض الاجتماعات تُعقد في مجرى الانهار او داخل فوهات براكين طبيعية.‏ لكنَّ الاستعدادات للمحافل كانت تشمل عملا اكثر بكثير.‏

      المحافل —‏ كيف كانت تنظَّم

      بعد ان تتلقى لجنة الـ‍ O.‎N.‎ كل مواد البرنامج من الجمعية،‏ كانت تنسحب الى القرية رقم ٩ عدة اسابيع.‏ وفي هذا المكان المنعزل نسبيا كانوا يعملون في الليالي على ضوء المصباح،‏ مترجمين رؤوس اقلام الخطابات،‏ مسجِّلين المسرحيات،‏ ومعيِّنين الخطباء.‏ وما كان نافعا خصوصا هو آلة النسخ اليدوية التي كانوا قد تسلَّموها من زمبابوي.‏ ولم يكن عملهم يتوقف إلا عند إكمال البرنامج بكامله لسلسلة من ستة محافل.‏

      وبالاضافة الى ذلك،‏ كان يعيَّن فريق لإيجاد وتحضير المكان الملائم الذي سيكون موقع المحفل.‏ ويمكن ان يكون هذا الموقع على جانب احد الجبال او في الغابة،‏ ولكنه لم يكن يبعد اقل من ستة اميال (‏١٠ كلم)‏ عن المخيمات.‏ وكان يجب فعل كل شيء دون معرفة السلطات او «المتمردين.‏» وكانت تجري استعارة اجهزة راديو صغيرة قابلة للحمل،‏ وكان يركَّب بها جهاز صوت لحضور يبلغ عدده اكثر من ٠٠٠‏,٣.‏ وكان هنالك دائما جدول في الجوار حيث يمكن اعداد بركة معمودية ببناء سدّ.‏ وكان يُرتَّب مسبقا المسرح،‏ قاعة الحضور،‏ التنظيف،‏ الصيانة.‏ وأخيرا كان موقع المحفل يصير جاهزا —‏ في مكان مختلف كل سنة.‏

      وجرى التوصل الى ترتيب يسمح للجميع في القرى ان يحضروا.‏ وقد نجح لأن الاخوة اظهروا روح تعاون رائعة.‏ ولم يكن باستطاعتهم ان يحضروا جميعا في الوقت نفسه؛‏ فالقرية المهجورة كانت ستلفت انتباه السلطات.‏ لذلك كان الجيران يتناوبون —‏ عائلة تحضر في احد الايام،‏ فيما تحضر العائلة الاخرى في اليوم التالي.‏ والعائلة التي تبقى كانت تتنقل في بيت الجيران؛‏ وهكذا لم يكن احد يلاحظ غياب العائلة.‏ وهل عنى ذلك ان البعض كانت تفوتهم اجزاء من المحفل؟‏ كلا،‏ لأن برنامج كل يوم كان يقدَّم مرتين.‏ وهكذا كان المحفل الكوري لثلاثة ايام يدوم ستة ايام؛‏ وكان المحفل الدائري ليومين يدوم اربعة ايام.‏

      كانت مجموعة من الحجاب المتيقظين تزوِّد سلسلة من الاتصالات.‏ وكانت تمتد على طول الطريق من مركز المخيم الاداري الى موقع المحفل،‏ وكان هنالك حاجب كل ٦٠٠‏,١ قدم (‏٥٠٠ متر)‏.‏ وأية حركة مشكوك فيها يمكن ان تشكِّل تهديدا للمحفل كانت تجعل خط الاتصال هذا يعمل،‏ ناقلا الرسالة ٢٠ او ٢٥ ميلا (‏٣٠ او ٤٠ كلم)‏ في مجرد ٣٠ دقيقة.‏ وكان ذلك يسمح بوقت كافٍ لتتخذ ادارة المحفل قرارا.‏ وقد يعني ذلك انهاء المحفل والاختباء في الغابة.‏

      يتذكر جوزيه بانا،‏ شيخ من بيرا:‏ «ذات مرة حذَّرنا شرطي قبل ليلة من المحفل انهم يعرفون عن محفلنا وأنهم سيقاطعونه.‏ فأُخذت المسألة الى الاخوة المسؤولين.‏ فهل كان يجب الغاء المحفل؟‏ صلّوا الى يهوه وقرَّروا ان ينتظروا حتى الصباح التالي.‏ وأتى الجواب —‏ فقد جعل مطر غزير عاصف خلال الليل نهرَ مُندوزي يفيض،‏ محوِّلا اياه الى بحر.‏ وبما ان الشرطة كانت في الجانب الآخر من النهر،‏ فقد حضر الجميع المحفل،‏ دون الحاجة ان يبقى احد في الخلف ودون الحاجة الى سلسلة اتصال بشرية.‏ وقد رنمنا ترانيم الملكوت قدر ما شئنا.‏»‏

      الارتداد والقرية رقم ١٠

      انشأ فريق يدعو نفسه «الممسوحون» حركة اثارت الكثير من المشاكل.‏ بدأ هذا الفريق بشكل رئيسي في القرى الملاوية،‏ وادَّعى ان «زمن الشيوخ» قد انتهى سنة ١٩٧٥ وأنهم بصفتهم «الممسوحين» يجب ان يكونوا مَن يأخذ القيادة.‏ وكانت المواد في كتاب الجمعية الحياة الابدية —‏ في حرية ابناء اللّٰه عونا كبيرا في مساعدة بعض الذين كانت لديهم شكوك على فهم ما يشمله المسح الحقيقي.‏ لكنَّ تأثير المرتدين انتشر،‏ وكثيرون ممَّن اصغوا اليهم ضلُّوا.‏ وكجزء من عقيدتهم،‏ قالوا انه ليس من الضروري ارسال التقارير الى الجمعية.‏ وكانوا يرمون هذه التقارير في الهواء بعد تقديم صلاة.‏

      ويقدَّر انه فُصل نحو ٥٠٠ نتيجة تأثير الارتداد هذا.‏ وقرَّروا حسب رغبتهم وبسماح من السلطات ان يبنوا قريتهم الخاصة.‏ فصارت هذه القريةَ رقم ١٠.‏ ولاحقا كانت تعتني بقائد الحركة حاشية من الشابات،‏ وكثيرات منهن ولدنَ له اولادا.‏

      استمر وجود القرية رقم ١٠ طوال الفترة الباقية للسكن في المخيمات.‏ وقد سبَّبوا الكثير من المصاعب للاخوة الامناء.‏ وبعض الذين تأثروا في البداية لينضموا الى الفريق تابوا لاحقا وعادوا الى هيئة يهوه.‏ وقد تشتَّت اخيرا مجتمع المرتدين عندما انتهى السكن في المخيمات.‏

      ‏«المخيم هو سجننا،‏ والبيوت هي زنزاناتنا»‏

      حتى بداية سنة ١٩٨٣ كان للحياة في المخيمات مظهر شبه طبيعي.‏ لكنَّ اخوتنا لم ينسوا انهم سجناء.‏ صحيح ان البعض تدبَّروا وحدهم امر العودة الى مدنهم.‏ وكان آخرون يأتون للزيارة ويذهبون.‏ لكنَّ المجموعة ككل بقيت.‏ وكان من الطبيعي ان يتوقوا الى البيوت التي اتوا منها.‏ وقد تبادلوا الرسائل إما بالبريد او بواسطة بعض الاخوة الذين بجرأة زاروا المخيمات لرؤية اقربائهم وأصدقائهم القدامى —‏ رغم ان بعض هؤلاء الاخوة كان يُلقى القبض عليهم ويُسجنون.‏

      كان شَڤيار دِنڠو يقول متأملا:‏ «انتم الملاويين لاجئون،‏ أما نحن فسجناء.‏ المخيم هو سجننا،‏ والبيوت هي زنزاناتنا.‏» لكنَّ حالة اخوتنا الملاويين كانت في الواقع مشابهة جدا.‏ ومهما بدت الحالة طبيعية في القرى،‏ فقد كانت على وشك ان تنتهي فجأة.‏

      الغزو المسلَّح يجلب الذعر والموت

      عند بداية سنة ١٩٨٣،‏ ابتدأ اعضاء المقاومة المسلَّحون بغزو منطقة كاريكو،‏ مجبرين آمر مركز الادارة على اللجوء الى عاصمة المقاطعة في ميلاندْجي،‏ على بعد ٢٠ ميلا (‏٣٠ كلم)‏.‏ ولفترة قصيرة نسبيا بدا وكأن الاخوة تمتعوا ببعض الراحة،‏ رغم انهم كانوا لا يزالون تحت مراقبة السلطات.‏

      لكنَّ المأساة حلَّت في ٧ تشرين الاول ١٩٨٤ فيما كان يجري انهاء التحضيرات للمحفل الكوري.‏ فاقترب فريق مسلَّح من الشرق.‏ وفيما هم يشقُّون طريقهم عبر القرية رقم ٩،‏ خلَّفوا وراءهم آثار الذعر،‏ الدم،‏ والموت.‏ وبعد قتل الاخ موتولا في القرية الملاوية رقم ٧،‏ قتلوا الاخ اوڠوستو نوڤِلا في القرية الموزَمبيقية رقم ٤.‏ وفي القرية الموزَمبيقية رقم ٥،‏ نبَّه الاخ موتِمبا صوتُ اطلاق نار.‏ وعندما رأى جثة اخ على الارض،‏ صرخ الى يهوه طلبا للمساعدة.‏ وأحرق المسلَّحون البيوت ونهبوها.‏ وركض الرجال،‏ النساء،‏ والاولاد بصورة هوجاء في كل اتجاه،‏ طالبين الحماية دون امل.‏ وكان هذا الهجوم العنيف مجرد مقدمة لمزيد مما سيأتي.‏ وبعد عبور المخيمات،‏ اختار الفريق منطقة شمالي القرية رقم ١ لإقامة قاعدة عملياتهم.‏

      وفي الايام التالية كانوا يقومون بغزوات يومية للمخيمات —‏ سالبين،‏ حارقين البيوت،‏ وقاتلين.‏ وفي احدى هذه المناسبات،‏ قتلوا ستة شهود ملاويين،‏ بمَن فيهم زوجة ناظر الدائرة فيدِلي اندالاما.‏

      وأُخذ البعض سجناء الى قاعدة الفريق.‏ وأُخضع الشبَّان خصوصا لمحاولات التجنيد الاجباري في حركتهم العسكرية.‏ وهرب كثيرون من الشبَّان من القرى للاختباء في الـ‍ ماشامباس (‏الحقول التي زرعوها)‏،‏ وكان اعضاء العائلة يأخذون لهم الطعام الى هناك.‏ وجرى تجنيد الشابات كطبَّاخات،‏ لكنَّ الغزاة حاولوا بعدئذ ان يجبروهن على العمل ك‍ «عشيقات.‏» كانت هيلدا بانز احدى اللواتي قاومن ضغطا كهذا،‏ لذلك ضُربت بشدة حتى انها حُسبت ميتة.‏ ولكن من المفرح انها تعافت.‏

      طلب الفريق المسلَّح من السكان ان يزوِّدوهم بالطعام ويحملوا معداتهم.‏ فرأى الاخوة ان هذا الطلب غير منسجم مع موقف حيادهم المسيحي ولذلك رفضوا.‏ فقوبل رفضهم بالغضب.‏ فالحياد وحقوق الانسان ليس لهما مكان في عالم منعزل حيث الضرب والاسلحة هي القانون الوحيد المعترف به.‏ وقد مات نحو ٣٠ اخا في فترة الاضطراب هذه.‏ وأحدهم كان البرتو شيسّانو،‏ الذي رفض ان يقدِّم ايّ دعم وحاول ان يشرح:‏ «انا لا اشترك في السياسة،‏ ولهذا السبب جُلبت الى هنا من ماپوتو.‏ لقد رفضت في الماضي،‏ ولن يكون الامر مختلفا الآن.‏» (‏قارنوا يوحنا ١٨:‏٣٦‏.‏)‏ كان ذلك اكثر مما يستطيع ان يتقبَّله المضطهِدون،‏ الذين جرُّوه بعنف.‏ وإذ كان الاخ شيسّانو متأكدا مما سيحدث،‏ ودَّع الاخوة بمظهر يدل على الايمان غير المتزعزع.‏ وكانت كلماته الاخيرة قبل ضربه بشدة وجرحه جرحا مميتا:‏ «الى اللقاء في العالم الجديد.‏» وحاول الاخوة في الفريق الطبي انقاذه،‏ ولكن دون جدوى.‏ حقا،‏ سيكون «اللقاء في العالم الجديد،‏» لأنه حتى التهديد بالموت لم يكن ليكسر استقامته.‏ —‏ اعمال ٢٤:‏١٥‏.‏

      الانقاذ من اتون متَّقد

      كان يجب فعل شيء لتخفيف الضغط الذي لا يُطاق.‏ فاجتمعت لجنة الـ‍ O.‎N.‎ بالشيوخ والخدام المساعدين لمناقشة كيفية محاورة حركة المقاومة.‏ لكنَّ اشخاصا من حركة المقاومة كانوا قد ارسلوا دعوة الى كل الذين في المنطقة ليأتوا الى قاعدتهم.‏ فقرَّر الشيوخ ان يذهبوا مع فريق لا بأس به من الشهود الذين تطوَّعوا ان يرافقوهم.‏ وأُعطيَت لأخَوين التعليمات ليتكلما بالنيابة عن كل القرى.‏ وإيزاك مارولي،‏ احد الناطقَين المعيَّنَين،‏ مرَّ ببيته ليُعلِم زوجته الشابة بذلك ويودِّعها.‏ وإذ تولاها الذعر مما قد يحدث،‏ حاولت ان تثنيه.‏ فعزَّاها وسأل:‏ «هل تعتقدين اننا نجونا حتى الآن بسبب مهارتنا؟‏ وهل تعتقدين اننا اهم من اخوتنا الآخرين؟‏» فأعربت عن موافقتها بصمت.‏ وصلَّيا معا ثم ودَّعها.‏

      ولم يكن الشهود فقط هم الحاضرين في الاجتماع بل ايضا غير الشهود الذين كانوا مستعدين ان يدعموا الحركة المسلَّحة.‏ لكنَّ عدد الاخوة الذي بلغ نحو ٣٠٠ فاق عدد الآخرين.‏ ودار في الاجتماع نقاش حادّ،‏ وكان الناس يهتفون بشعارات سياسية وينشدون اناشيد عسكرية.‏ وجرى الاعلان:‏ «اليوم سنهتف ‹‏ڤيڤا رِنامو‏› [‏رِسيستِنسيا ناسيونال دي موسامبيكيه (‏المقاومة الوطنية في موزَمبيق)‏،‏ الحركة التي تحارب ضد حكومة الـ‍ فريليمو] الى ان تسقط الاوراق من هذه الاشجار.‏» ولم يُطِق الآمر،‏ الجنود،‏ والسكان غير الشهود صمت الاخوة.‏ وشرح مندوب سياسي كان يشرف على الاجتماع ايديولوجية حركته.‏ فأخبر عن تصميم القيادة العليا ان تقضي على القرى وتشتِّت الجميع ليعيشوا في الـ‍ ماشامباس.‏ ثم منح الفرصة للحاضرين ليعبِّروا عن انفسهم.‏ فشرح اخوتنا موفقهم الحيادي.‏ وتمنوا ان تُفهم اسباب عدم اشتراكهم في تزويد الطعام،‏ حمل المعدات،‏ وهلم جرا.‏ أما بالنسبة الى التشتُّت من القرى،‏ فقد سبق ان جرى اجبارهم على ذلك.‏

      لم يُعجَب الآمر البتة بجواب الاخوة الجريء،‏ ولكن بفضل العناية الالهية كان المندوب اكثر تفهُّما.‏ فهدَّأ الآمر وأرسل الاخوة بسلام.‏ وهكذا خرجوا احياء مما وصفوه بأنه «اتون متَّقد.‏» (‏قارنوا دانيال ٣:‏٢٦،‏ ٢٧‏.‏)‏ ومع ذلك،‏ لم يُضمَن السلام.‏ فالحادثة الافظع كانت ستأتي بعد ايام قليلة.‏

      مذبحة القرية رقم ٧

      رغم ان الشمس كانت مشرقة،‏ فقد تحوَّل يوم الاحد في ١٤ تشرين الاول ١٩٨٤ الى يوم مظلم في كاريكو.‏ ففي وقت باكر من اليوم كان الاخوة قد عقدوا اجتماعهم الجماعي،‏ وعقب ذلك زار البعض القرى لجلب المؤن الباقية قبل العودة بسرعة الى بيوتهم الجديدة في الحقول.‏ ودون سابق انذار،‏ ترك فريق مسلَّح قاعدتهم واتَّجهوا نحو القرية الموزَمبيقية رقم ٧.‏ وألقوا القبض على اخ في ضواحي القرية رقم ٥ وسألوا:‏ «دلَّنا على طريق القرية رقم ٧؛‏ سوف ترون كيف تكون الحرب.‏» وعند الوصول الى القرية،‏ جمعوا كلَّ مَن صادف ان كان هناك.‏ وأجلسوهم في دائرة،‏ بترتيب ارقام قراهم.‏ ثم ابتدأ الاستجواب.‏

      سألوا:‏ «مَن الذي ضرب وسرق الـ‍ موجيبا التابع لنا [رقيب او مُخبِر غير مسلَّح]؟‏» فأجاب الاخوة انهم لا يعرفون،‏ لأنهم كانوا غير عارفين بما كان الرجال يتكلمون عنه.‏ «اذا لم يتكلم احد،‏ فسنجعل من هذا الرجل الجالس في المقدمة عبرة.‏» وأطلقوا النار على اخ في جبهته من مسافة قريبة جدا.‏ فارتعد الجميع.‏ وأُعيد السؤال مرة بعد اخرى،‏ وكل مرة كانت ضحية جديدة تنتظر اطلاق النار عليها.‏ وأُجبرت النساء اللواتي كن يحملن اطفالهن على مشاهدة الاعدام البربري لازواجهن،‏ كما كانت الحال مع الاخت سالومينا،‏ التي شاهدت موت زوجها بِرناردينو.‏ وقُتلت النساء ايضا.‏ وكانت بين هؤلاء لايا بيلا،‏ زوجة لويش بيلا،‏ الذي كان قد مات من نوبة قلبية في المخيم قرب ليشِنڠا،‏ فصار اولادها الصغار ايتاما.‏ ولم يوفِّر الاعدام الصغار،‏ مثل فرناندو تيمبانيه،‏ الذي صلّى الى يهوه وحاول ان يشجِّع الآخرين،‏ حتى بعد اطلاق النار عليه.‏

      بعد ان أُعدم بوحشية عشر ضحايا بهذه الطريقة،‏ نشأ خلاف بين منفِّذي الاعدام،‏ مما انهى الكابوس.‏ وبأمر منهم غادر الاخ نْڠوِنيا،‏ الذي كان سيصير الضحية الـ‍ ١١،‏ «كرسي الموت.‏» يروي:‏ «كنت قد صليت الى يهوه ليعتني بعائلتي الناجية،‏ لأن ايامي قد اتت الى نهايتها.‏ ثم وقفت وشعرت بشجاعة غريبة.‏ ولم يكن إلا في وقت لاحق انني شعرت بالصدمة العاطفية.‏»‏

      بعدئذ أُجبر الناجون على حرق البيوت الباقية في القرى.‏ وقبل ان يغادر الرجال المسلَّحون قالوا محذِّرين:‏ «اتينا بأمر لقتل ٥٠ منكم،‏ ولكن يكفي هؤلاء.‏ ولا يجب ان يُدفنوا.‏ سنظل نراقبكم،‏ وإذا اختفت اية جثة،‏ فسيموت عشرة عوضا عن كل جثة مفقودة.‏» فيا له من امر غريب وبشع!‏

      اجتاحت القرى موجة جديدة من الذعر عندما سُمع صوت طلقات نارية مدوية في المنطقة وانتشرت الاخبار بواسطة الذين تدبَّروا امر الفرار.‏ وبيأس هرب الاخوة الى الغابات والجبال.‏ ولم يُعلَم إلا لاحقا ان اسئلة الاتهام التي سبَّبت المذبحة اثارها شخص مفصول كان يريد ان ينضم الى حركة المقاومة.‏ وكان قد صار ايضا لصا.‏ وقد وجَّه هذه الاتهامات الباطلة ضد الاخوة في قريته في محاولة لكسب رضى المقاومة وثقتها.‏ ولاحقا عندما اكتشفت المقاومة انه جرى خدعها،‏ اعتقلت مخترع هذه الاكاذيب وقتلته بمنتهى الوحشية.‏

      ابتداء التشتُّت

      كانت دائرة كاريكو بكاملها مصابة بالحزن ومشوَّشة.‏ وحاول الشيوخ،‏ بعيون دامعة ايضا،‏ ان يعزُّوا العائلات النائحة على خسارة احبائها في المذبحة.‏ وكانت فكرة البقاء في المنطقة لا تُطاق.‏ لذلك ابتدأ التشتُّت الطبيعي.‏ ولجأت جماعات بكاملها الى اماكن بعيدة،‏ على مسافة تصل الى ٢٠ ميلا (‏٣٠ كلم)‏،‏ حيث كان بإمكانهم الشعور بالامان.‏ وقرَّر البعض ان يبقوا قرب الـ‍ ماشامباس.‏ وهكذا تضاعف عمل الشيوخ في لجنة الـ‍ O.‎N.‎.‏ فكان عليهم ان يمشوا اميالا عديدة ليتأكدوا من وحدة القطيع وأمنه الجسدي والروحي في كل الجماعات المتفرِّقة على نحو واسع.‏

      وصلت اخبار هذه الحالة الحزينة الى فرع زمبابوي،‏ الذي رتَّب آنذاك ان يزور اعضاء من مكتب الفرع الاخوة ويشجِّعوهم.‏ واستشاروا ايضا الهيئة الحاكمة في بروكلين بشأن الحاجة الى الطعام،‏ اللباس،‏ والدواء في المخيمات في ميلاندْجي.‏ وباهتمام شديد بخير الاخوة،‏ اعطت الهيئة الحاكمة الارشاد لاستعمال الموارد المالية المتوافرة للاعتناء بحاجاتهم،‏ ممَّا يشمل اذا بدا ذلك ملائما التدبير لمغادرتهم منطقة ميلاندْجي والعودة الى موطنهم.‏ وبالفعل جرى استحسان هذا الاختيار.‏

      نحو ابتداء سنة ١٩٨٥ غادر ميلاندْجي اعضاءُ لجنة الـ‍ O.‎N.‎،‏ كما كانوا يفعلون كل سنة،‏ ليجتمعوا بناظر الاقليم،‏ الذي ارسلته الهيئة الحاكمة.‏ وكان هناك دون ادامز من بروكلين.‏ وفي اجتماع شمل لجنتَي فرع زامبيا وزمبابوي،‏ ابدى اعضاء لجنة الـ‍ O.‎N.‎ قلقهم بشأن دائرة كاريكو.‏ فجرى نصحهم بأن يتأملوا في ما اذا كان من الحكمة البقاء في كاريكو.‏ ووُجِّه الانتباه الى المبدإ المذكور في الامثال ٢٢:‏٣‏:‏ «الذكي يبصر الشر فيتوارى.‏»‏ وعادوا الى المخيمات وهم يفكرون في ذلك.‏

      المغادرة؟‏ كيف؟‏ وإلى اين؟‏

      نُقلت المشورة فورا الى الجماعات.‏ فسارع البعض الى العمل بموجبها،‏ كما كانت الحال مع جْواو جوزيه،‏ اخ عازب شارك لاحقا في بناء تسهيلات فرعَي زامبيا وموزَمبيق.‏ فقد عبر الحدود الى ملاوي مع مجموعة من اشخاص آخرين ثم الى زامبيا دون اية مشاكل تُذكر.‏

      لكنَّ الوضع لم يكن سهلا الى هذا الحد بالنسبة الى الآخرين.‏ فكان لعائلات عديدة اولاد صغار للاعتناء بهم.‏ وكان افراد حركة المقاومة يراقبون الطرق باستمرار،‏ وكان كل مَن يعبرها معرَّضا لأن يُهاجَم.‏ وشكَّلت الحدود مع ملاوي تحدِّيا آخر،‏ وخصوصا للاخوة الملاويين،‏ لأن شهود يهوه كانوا لا يزالون مكروهين ومُطاردين هناك.‏ لذلك نشأت الاسئلة المحيِّرة:‏ كيف كانوا سيغادرون؟‏ الى اين سيذهبون؟‏ بما انهم سكنوا كل هذه السنوات في الغابة ولم تكن بحوزتهم وثائق،‏ كيف كان بإمكانهم عبور الحدود؟‏ «نحن ايضا لا نعرف،‏» كان جواب اعضاء لجنة الـ‍ O.‎N.‎ في اجتماع مع كل الشيوخ متوتر جدا.‏ فشدَّدوا:‏ «هنالك امر واحد اكيد —‏ وهو اننا يجب ان نتفرَّق.‏» واستنتجوا:‏ «ليصلِّ كل واحد،‏ يرسم خطته،‏ ويعمل.‏» —‏ قارنوا ٢ أخبار الايام ٢٠:‏١٢‏.‏

      في الاشهر التالية،‏ صار ذلك المحور الرئيسي للاجتماعات.‏ ودعم معظم الشيوخ فكرة المغادرة وشجَّعوا الاخوة على مواصلة العمل.‏ وقرَّر الآخرون البقاء.‏ وأخيرا ابتدأت هجرة متفرِّقة.‏ فالاخوة الملاويون الذين حاولوا ان يعودوا الى موطنهم أُوقفوا عند الحدود للاسباب المذكورة سابقا واضطروا الى الرجوع.‏ فأخمد ذلك حماس الذين كانوا قد قرَّروا ان يغادروا وقوَّى حجة الذين ايَّدوا البقاء.‏ و «الدعوة» الى «اجتماع مهم» آخر في القاعدة العسكرية كانت العامل المقرِّر بالنسبة الى الغالبية.‏

      الهجرة الجماعية

      في ١٣ ايلول ١٩٨٥،‏ قبل يومين فقط من الاجتماع المُعلَن،‏ اجتمع معا مرة اخرى الاعضاء الثلاثة الباقون من لجنة الـ‍ O.‎N.‎،‏ الاخ موتِمبا،‏ الاخ ماتولا،‏ والاخ شيكومو.‏ فبماذا يجب ان يوصوا الاخوة في ما يتعلق بـ‍ «الدعوة»؟‏ دام الاجتماع الليل كله.‏ وبعد الكثير من الصلاة والتأمل قرَّروا:‏ «يجب ان نهرب غدا ليلا.‏» وفورا،‏ نشروا اخبار القرار قدر الامكان وكذلك الاخبار عن وقت ومكان اللقاء.‏ ووصلت الجماعات التي وافقت ان تغادر.‏ وكان ذلك آخر عمل قامت به لجنة الـ‍ O.‎N.‎ في المخيمات.‏

      شرع الاخوة في هجرة مبرمجة ابتداء من الساعة ٣٠:‏٨ مساء بعد تقديم صلاة.‏ وهجرتهم كانت سرًّا أُخفي جيدا عن الجنود و«المتمردين.‏» فكشْفهم كان سيعني كارثة.‏ وتحت جنح الظلام،‏ كانت لكل جماعة ١٥ دقيقة للمغادرة،‏ وخُصِّصت لكل عائلة دقيقتان.‏ وتسلَّل الطابور عبر الدغل،‏ دون ان يعلم احد ما سيجلبه الفجر عند حدود ملاوي،‏ هذا اذا تمكنوا من الوصول الى هناك.‏ وكان الرعاة الروحيون من لجنة الـ‍ O.‎N.‎ آخر مَن غادر،‏ عند الساعة ٠٠:‏١ فجرا.‏ —‏ اعمال ٢٠:‏٢٨‏.‏

      بعد ان سار فيليپ ماتولا نحو ٢٥ ميلا (‏٤٠ كلم)‏،‏ انهكه التعب نتيجة بقائه دون نوم طيلة يومين.‏ فغلبه النعاس على جانب الطريق وهو ينتظر ان يمرَّ آخر المسنين.‏ ولا يمكننا إلا ان نتصور الفرح الذي شعر به عندما اتى ارنستو موشانڠا،‏ راكضا من مقدمة الصف،‏ بالاخبار السارة:‏ «جرى السماح للاخوة بدخول ملاوي!‏» فهتف ماتولا:‏ «هذا مثال يظهر كيف يفتح يهوه الطريق عندما يبدو انه ليس هنالك مخرج،‏ كما عند البحر الاحمر.‏» —‏ خروج ١٤:‏٢١،‏ ٢٢‏؛‏ انظروا مزمور ٣١:‏٢١-‏٢٤‏.‏

      خلال الاشهر القليلة التالية،‏ اختبروا ما هو السكن في مخيمات اللاجئين في ملاوي وزامبيا،‏ وذلك قبل العودة الى موزَمبيق والرجوع الى مدنهم.‏ ولكن ماذا حصل للذين بقوا في منطقة كاريكو؟‏

      الذين بقوا

      لم يصل قرار لجنة الـ‍ O.‎N.‎ الى كل الجماعات الواسعة الانتشار قبل ابتداء الهجرة.‏ وبعض الافراد الذين سمعوا الاعلان قرَّروا ان يبقوا ويذهبوا الى الاجتماع في القاعدة العسكرية.‏ ولم تسمع جماعة ماشاكينيه وكذلك آخرون الاعلان ولكنهم كانوا قد قرَّروا الهرب.‏ وقبل الذهاب الى الاجتماع هيَّأ هؤلاء الاخوة عائلاتهم للهرب.‏ وأتى نحو ٥٠٠ اخ الى الاجتماع.‏ وكان موجزا ويصيب الهدف.‏ قال الآمر:‏ «قرَّر رؤساؤنا ان يأتي جميع الحاضرين هنا الى قاعدتنا الرئيسية في المنطقة.‏ ستكون رحلة طويلة.‏ وهناك ستقضون فترة قد تصل الى ثلاثة اشهر.‏» وعلى الفور ابتدأت الرحلة.‏

      وإذ استفاد الاخوة من المراقبة غير الصارمة من جهة الجنود،‏ قرَّروا ان يهربوا خفية.‏ وانضموا الى عائلاتهم وهربوا بأية طريقة ممكنة نحو حدود ملاوي.‏ وابتدأ آخرون،‏ سواء كان تنفيذا لأوامر الحركة المسلَّحة او لعدم توفُّر الفرصة،‏ الرحلة نحو الجنوب الغربي الى القاعدة في مورومبالا،‏ ووصلوا الى هناك بعد عدة ايام.‏ وعندما وصلوا الى هناك،‏ أخضعوا للمزيد من الضغط ليدعموا الحركة.‏ وأدَّى رفضهم الى تعذيب شديد وضربات لا تُحصى مات خلالها اخ واحد على الاقل.‏ وبعد ثلاثة اشهر سُمح لهم اخيرا بالعودة الى بيوتهم.‏

      واستمر كثيرون في السكن في منطقة كاريكو،‏ تحت سلطة حركة المقاومة كاملا.‏ وقد ظلُّوا معزولين عن باقي هيئة يهوه طوال السنوات السبع التالية.‏ وكانوا فريقا ضخما مؤلَّفا من نحو ٤٠ جماعة.‏ فهل ظلُّوا اقوياء روحيا؟‏ وهل تكون محبتهم للّٰه قوية كفاية لتحفظهم من الاستسلام لليأس؟‏ سنعود للتكلم عنهم لاحقا.‏

      مخيمات اللاجئين في ملاوي وزامبيا

      لم يُسمح لكل الذين هربوا من كاريكو بأن يدخلوا ملاوي على الفور.‏ فبعد ان عبرت جماعة ماشاكينيه الحدود اكتشفتها الشرطة الملاوية وهي تستريح وأُمرت بالعودة.‏ فناشد الاخوة الشرطة وشرحوا انهم هاربون من الحرب في المنطقة حيث يسكنون.‏ ولم تكن الشرطة متعاطفة.‏ وكما يبدو دون ايّ خيار وبيأس صرخ احدهم:‏ «ايها الاخوة،‏ هلمَّ نبكي!‏» وهذا ما فعلوه بالضبط،‏ وكان ذلك بصوت عالٍ جدا بحيث لفت انتباه الذين في الجوار.‏ وإذ شعرت الشرطة بالاحراج التمست منهم ان يتوقفوا.‏ وتوسلت احدى الاخوات:‏ «دعونا على الاقل نعدّ بعض الطعام للأولاد.‏» فأذعن رجال الشرطة لطلبها،‏ قائلين انهم سيعودون.‏ ومن المفرح انهم لم يعودوا قط.‏ ولاحقا اتى شخص في مركز سلطة لمساعدة الشهود،‏ جالبا الطعام ومرشدا اياهم الى مخيم اللاجئين حيث كان باقي الاخوة.‏

      كان شهود يهوه الموزَمبيقيون يملأون مخيمات اللاجئين في ملاوي.‏ وسمحت لهم حكومة ملاوي بالدخول كلاجئي حرب.‏ وزوَّد الصليب الاحمر الدولي المساعدة،‏ جالبا المؤن لتخفيف المشقة والصعوبات التي سبَّبتها الاحوال القاسية في مخيمات اللاجئين في الهواء الطلق.‏ وذهب البعض الى زامبيا،‏ حيث جرى ارشادهم الى مخيمات اخرى للّاجئين.‏ وعمل الآن فيليپ ماتولا وفرناندو موتِمبا مع اعضاء من لجنة القرى الملاوية،‏ باحثين عن الاخوة الموزَمبيقيين في هذه المخيمات لتزويدهم بالتعزية الروحية والمساعدة المادية التي اجازتها الهيئة الحاكمة.‏

      وفي ١٢ كانون الثاني ١٩٨٦ زوَّد أ.‏ د.‏ شرودر،‏ عضو في الهيئة الحاكمة،‏ التشجيع الروحي بالاضافة الى تعابير المحبة الحارة من الهيئة الحاكمة لهؤلاء الاخوة.‏ ورغم انه لم يستطع ان يدخل الى المخيمات،‏ فقد القى محاضرة في زامبيا تُرجمت بلغة تشيتشايوا،‏ سُجِّلت،‏ ثم أُخذت الى المخيمات حيث كان الاخوة الموزَمبيقيون.‏

      وتدريجيا جرت مساعدة هؤلاء اللاجئين على الوصول الى محطتهم التالية —‏ في موزَمبيق.‏ وبالنسبة الى كثيرين كانت هذه المحطة مْواتيزيه،‏ في اقليم تيتي.‏ نعم،‏ كان هنالك تغيير في موقف الحكومة من شهود يهوه في موزَمبيق،‏ رغم انه لم يكن جميع الرسميين الحكوميين يظهرون ذلك.‏

      العودة الى موزَمبيق

      ببطء،‏ ابتدأ فريق بعد آخر يغمر المناطق الواقعة شرقي مدينة تيتي.‏ ومقطورات القطارات المهجورة،‏ التي كانت تُستعمل كمراحيض عامة،‏ استُعملت كبيوت لهم.‏ وبعد تنظيفها استُعمل الكثير منها كأماكن للاجتماع من اجل ذكرى موت المسيح التي عُقدت في ٢٤ آذار ١٩٨٦.‏

      والاخوة من كل انحاء موزَمبيق انتظروا هناك اشهرا دون ان يعرفوا كيف كانوا سيُنقَلون الى موطنهم.‏ وقد ساهم هذا الانتظار في المحنة.‏ وحاولوا ان يبتكروا ايّ نوع من الاستخدام ليساعدهم على دعم انفسهم او توفير بعض المال لشراء بطاقة سفر،‏ ولكن دون جدوى.‏ وبسبب الحرب،‏ لم يكن السفر برًّا ممكنا.‏ ولم تعاملهم دائما بلطف السلطات المحلية،‏ التي ظلت تجبرهم على تكرار الشعارات السياسية.‏ وأجاب الاخوة عن ذلك بجرأة:‏ «لقد أُخذنا الى كاريكو من اجل هذه القضية.‏ وهناك اتممنا مدَّتنا وصرنا تحت رحمة المهاجمين المسلَّحين.‏ وهربنا بطريقتنا الخاصة.‏ فماذا تريدون منا بعد؟‏» وعند هذه الاجابة كانوا يُتركون وشأنهم.‏ لكنَّ مضايقة الاحداث وسجنهم استمرَّا في محاولة لتجنيدهم في جيش الحكومة من اجل مكافحة العصيان المسلَّح المستمر في المنطقة.‏ واستخدم الاخوة الاحداث ابرع الوسائل الممكنة للفرار والاختباء.‏

      قرَّرت اللجنة في ملاوي ان يذهب فرناندو موتِمبا الى تيتي من اجل تزويد العون للاخوة هناك.‏ وعندما وصل الاخ موتِمبا الى مْواتيزيه،‏ قرَّرت السلطات ان تفتِّش حقائبه.‏ وفي الوقت المناسب،‏ تمكَّن الاخوة من انقاذ المطبوعات التي في حوزته.‏ لذلك عندما بحثت الشرطة في حقائبه،‏ ماذا وجدوا؟‏ يقول،‏ «بعض الخِرَق فقط.‏» فسألت الشرطة الخائبة:‏ «هل هذا كل شيء؟‏» نعم،‏ كان ذلك كل شيء.‏ كان ذلك كل امتعة رجل حمل مسؤولية كبيرة في المخيمات.‏ وكما كانت حال الجميع،‏ عاد مجرَّدا من كل ما يملك.‏ وفي الواقع،‏ لم يكن مظهر الاخوة الجسدي في ذلك الوقت مرتَّبا على الاطلاق —‏ كانوا وسخين،‏ لابسين خِرَقا،‏ جائعين،‏ ومن الواضح انه اسيئت معاملتهم.‏ وقد لاءمهم كثيرا الوصف الموحى به لكثيرين من خدام اللّٰه في الماضي:‏ «طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين .‏ .‏ .‏ مُذَلين.‏ وهم لم يكن العالم مستحقا لهم.‏ تائهين في براري .‏ .‏ .‏ ومغاير وشقوق الارض.‏» —‏ عبرانيين ١١:‏٣٧،‏ ٣٨‏.‏

  • موزَمبيق
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ١٩٩٦
    • ‏[الصور في الصفحتين ١٤٠ و ١٤١]‏

      في مخيم اللاجئين في كاريكو،‏ كان اخوتنا (‏١)‏ يقطعون الاخشاب و (‏٢)‏ يدوسون الطين لصنع القرميد،‏ فيما (‏٣)‏ كانت الاخوات يحملن الماء.‏ (‏٤)‏ لقد وجدوا طرائق لعقد المحافل.‏ (‏٥)‏ شَڤيير دِنڠو،‏ (‏٦)‏ فيليپ ماتولا،‏ و (‏٧)‏ فرانسيسكو زونڠوزا عملوا على تزويد الاشراف الروحي هنا كنظار دوائر.‏ (‏٨)‏ قاعة الملكوت التي بناها هنا الشهود الملاويون لا تزال قيد الاستعمال.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة