-
القوة التي تملكها الموسيقىاستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
القوة التي تملكها الموسيقى
«الموسيقى وحدها بسحرها السريع تهدِّئ المزاج المضطرب وتسكِّن الذهن القَلِق».
هكذا كتب وليَم كونڠريڤ في قصيدته ترتيلة الالحان (بالانكليزية) قبل نحو ٣٠٠ سنة. وقبله بقرون، ادَّعت الكتابات اليونانية القديمة ان «التمرُّن على الموسيقى وسيلة فعّالة اكثر من اي شيء آخر، لأن الايقاع والتوافق يتغلغلان عميقا في النفس».
يؤكد صحة هذه الكلمات بعض الوالدين الذين يرون مراهقيهم يصيرون عُنُدا وغير متعاونين بعد تغذِّيهم المتواصل بموسيقى الهڤي مِتَل. واتَّضح ذلك ايضا خلال ثلاثينات وأربعينات الـ ١٩٠٠ في المانيا، حين استخدم النازيون موسيقى المارْش المثيرة لتساهم في تهيئة الحشود الكبيرة للاصغاء الى خطابات أدولف هتلر الساحرة.
ودون شك، تؤثر الموسيقى في العقول والقلوب ويمكن ان تُستخدم لتوجيهها إما الى الخير او الى الشر. مثلا، يُعتقد ان سماع الاولاد الصغار انواعا معينة من الموسيقى يحسِّن نموّهم العقلي والعاطفي. حتى ان اللُّكْن يمكنهم احيانا ان يغنوا جملا لا يمكنهم ان ينطقوا بها.
ووفقا لما يذكره انطوني ستور في كتابه الموسيقى والعقل (بالانكليزية)، تدهشنا احيانا تأثيرات الموسيقى في المصابين في جهازهم العصبي بأمراض تسبب لهم اضطرابات في الحركة. ويذكر ستور مثال مريضة: «كانت متيبِّسة بسبب داء [پاركنسون]، وكانت تبقى عاجزة عن الحراك الى ان تتمكَّن من تذكُّر ألحان كانت تعرفها في حداثتها. فهذه الالحان كانت تمكِّنها فجأة من التحرُّك ثانية».
سبب للقلق
لذلك يبدو ان هنالك فوائد يمكن نسبها الى القوة التي تملكها الموسيقى. ولكن يكمن الخطر في احتمال ان يستخدم الاشخاص الفاسدون او الجشعون قوة الموسيقى كأداة مميتة. فقد اظهرت بعض الدراسات وجود علاقة مباشرة بين السلوك المضاد للمجتمع وأنواع معينة من الموسيقى.
ودعمًا لهذه الادِّعاءات، تخبر مجلة علم نفس النساء الفصلية (بالانكليزية): «تشير بعض الادلة الى ان مشاهدة افلام ‹ڤيديو كليپ› موسيقى الروك لها التأثير نفسه كمشاهدة الفن الاباحي لأن الرجال الذين شاهدوا افلام ‹ڤيديو كليپ› موسيقى الروك العنيفة اعربوا عن مواقف قاسية وعدائية تجاه النساء اكثر من الرجال الذين شاهدوا افلام ‹ڤيديو كليپ› موسيقى الروك غير العنيفة».
لا يقتصر هذا التأثير على الرجال فقط، فالنساء ايضا يمكن ان يتأثرن. يضيف التقرير نفسه: «قد يبدأ الرجال والنساء على السواء بقبول الرسائل السلبية التي تقدِّمها هذه الاغاني عن عدم قيمة النساء».
توافق مجلة ادوار الجنسَين (بالانكليزية) على هذا الاستنتاج، اذ تقول: «وجدت دراسة حديثة . . . ان اتِّحاد العاملَين، الكينونة من محيط عائلي غير مرضٍ ومشاهدة عدد كبير من ‹الڤيديو كليپ›، له علاقة كبيرة جدا بالسلوك والمواقف المتساهلة جنسيا بين المراهقات». والعنف الموصوف بشكل حي وكلمات الاغاني الصريحة جنسيا في بعض موسيقى الراپ جعلت قاضيا في محكمة احدى المقاطعات في الولايات المتحدة يُصدر حكما بخصوص ألبوم معيَّن للراپ بأنه «فاحش بحسب مقاييس المجتمع».
فهل كان القاضي متطرِّفا؟ كلا على الاطلاق! لاحظت مجلة المراهقة (بالانكليزية) ان «المراهقين ووالديهم على السواء اخبروا عن مزيد من الاضطراب في حياة المراهقين الذين يستمعون الى الهڤي مِتَل والراپ». وهذا الاضطراب مرتبط «بالسلوك العدائي والمخرِّب» والانجاز الاكاديمي الضعيف.
حقا، هنالك ادلة كثيرة على وجود ارتباط بين انواع معينة من الموسيقى وبين الجنس، الانتحار، والسلوك المضاد للمجتمع. ولكن هل يعني ذلك ان كل انواع الموسيقى لها تأثيرات سلبية كهذه؟ اقرأوا ما تقوله المقالتان التاليتان عن ذلك.
-
-
لماذا تؤثر فينا الموسيقىاستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
لماذا تؤثر فينا الموسيقى
ينفرد البشر بالموسيقى واللغة. ومن الصعب تخيُّل عالم دون احداهما. يقول كتاب العقل الموسيقي (بالانكليزية): «اللغة والموسيقى ميزتان للنوع البشري يتبيَّن انهما عالميتان». فهما وجهان من اوجه حاجتنا الى الاتصال. لذلك يمكن القول انه، كما في اللغة، عندما «تتكلَّم» الموسيقى «تصغي» عواطفنا.
لماذا وكيف تكلِّم الموسيقى عواطفنا؟ للاجابة عن هذا السؤال، يلزم ان نتأمل في ما يلي: (١) العناصر الموسيقية عينها وطريقة معالجة دماغنا لها؛ (٢) تركيبنا العاطفي وخلفيتنا الثقافية اللذين يؤثران في ردّ فعلنا ازاء الموسيقى؛ و (٣) اللغة، التي يمكن ايضا ان تؤثر في ردّ فعلنا.
العناصر الموسيقية
غالبا ما يُشار الى خصائص الموسيقى بـ «العناصر الموسيقية». وهذه العناصر تشمل نغمة tone الآلة، او طابع صوتها. مثلا، يوصف البوق الفرنسي بأنه «طنّان»، او ثقيل، وهو يختلف كثيرا عن الترومپيت «الصدّاحة». ومع ان الاثنين ينتميان الى العائلة، او المجموعة، نفسها، اي آلات النفخ، تصدر عن كلٍّ منهما توافقيات overtones ذات شدة مختلفة. وهذا ما يعطي كل آلة «صوتها» الفريد. والملحِّنون يستخدمون هذه الخصائص المميّزة لخلق تأثيرات صوتية معينة لإثارة عواطف المستمع.
قد يكون الايقاع rhythm احد العناصر الاولى التي نألفها — وربما حين كنا لا نزال في الرحم نستمع الى نبضات قلب امنا. ويُقال ان نبض قلبنا او حتى تنفسنا يؤثر دون ان ندرك في استجابتنا للايقاع الموسيقي. لذلك قد لا يكون صدفة ان معظم الناس يفضِّلون كما يبدو السرعة الموسيقية التي تتراوح بين ٧٠ و ١٠٠ ضربة في الدقيقة — المعدل نفسه لسرعة القلب عند راشد سليم صحيا. على الاقل، هذا ما تلمِّح اليه مجلة المهارات المتعلقة بالادراك والحركة (بالانكليزية).
يمكنكم ملاحظة التنوع الموسيقي الكبير الذي يمكن ان تنتجه هذه العناصر عندما تتأملون في عدد من الآلات المختلفة والاصوات والالحان التي تنتجها. فالصوت الحزين للزَّمْخَر bassoon في الفصل الثاني من كونشرتو concerto موزار للزَّمْخَر قد يثير العواطف والمشاعر العميقة. والصوت الشجيّ لناي شاكوهاتْشي اليابانية يمسّ القلب بنعومة. والصوت الأجشّ للساكسوفون التينور يُبقي لحن البلوز في اذهان كثيرين. والمرافقة الجهيرة الايقاعية المتكرِّرة للتوبا في فرقة المانية توقظ عادة مشاعر الانتعاش والحيوية. والانغام الايقاعية للكَمَنْجات التي تعزف موسيقى الڤالْس لشْتراوس تدفع كثيرين من المستمعين الى باحة الرقص. ان هذه التأثيرات تَنتج لأن «الموسيقى تتكلَّم مع الكائن البشري بكامله»، كما يذكر كلايڤ إ. روبنز، من مركز نوردوف-روبنز للمعالجة بالموسيقى، في نيويورك.
التوافق، التنافر، واللحن
يُنتج التوافق harmony اصواتا ممتعة، فيما يُنتج التنافر discord اصواتا مزعجة. ولكن هل تعرفون ان هذين العنصرَين يُكمل واحدهما الآخر في بعض انواع الموسيقى؟ فالقطعة الموسيقية التي تبدو متناغمة، ربما يكون فيها تنافر اكثر مما تتصوَّرون. فالتفاعل المستمر بين التوافق والتنافر يزوِّد تجاذبا متصاعدا، وإن كان في معظمه غير ملحوظ، بين اشتداد وارتخاء يجد متنفَّسَه في عواطفنا. وهذه الهزّة اللطيفة للعواطف مهدِّئة، في حين ان الموسيقى المتنافرة وحدها تثير الاعصاب وبالتالي تثير مشاعر غير سارة — الامر الشبيه كثيرا بما يفعله الصوت الذي يصدره خمش الاظافر للوح كتابة. ومن ناحية اخرى، اذا كانت الموسيقى مبنية فقط على التوافق، تكون مضجرة.
اللحن melody هو الترتيب المتآلف النغمات للنوتات المنفردة بالتتابع. وبحسب بعض المراجع، تشتق الكلمة melody من الكلمة اليونانية ميلوس، التي تعني «اغنية». واللحن، بحسب القواميس، هو موسيقى عذبة، ايّ صوت عذب.
ولكن ليس كل تتابع للاصوات يجعل اللحن عذبا. مثلا، ان الابعاد الكبيرة والتكرارية بين النوتات المتتابعة قد تجعل اللحن دراماتيكيا لا عذبا. ومن ناحية اخرى، فإن النوتات المتتابعة التي يفصلها القليل من الابعاد الكبيرة يمكن ان تُنتج لحنا ممتعا. فالترتيب المختلف للنوتات والابعاد يعطي اللحن طابعا حزينا او سعيدا. ومثل التوافق، للَّحن طابعه الخاص من التجاذب، بحيث يؤثِّر في عواطفنا من خلال ارتفاع وانخفاض طبقة النغم.
عندما تجتمع هذه العناصر كلها تخلق قوى فعّالة يمكنها ان تثير او تهدِّئ عواطفنا. وهذا بسبب الطرائق المتنوعة التي بها تدرك ادمغتنا الموسيقى وتعالجها.
الموسيقى والدماغ
يشير البعض الى ان اللغة والمنطق هما بشكل رئيسي من وظائف الجانب الايسر من الدماغ، في حين ان الموسيقى تُعالَج في الجانب الايمن من الدماغ الذي يعالج الى حد كبير المشاعر والعواطف. وسواء كان الامر كذلك او لا، من الواضح ان الموسيقى تثير ردود فعل تلقائية في المستمعين. تعبِّر مجلة المهارات المتعلقة بالادراك والحركة عن ذلك بهذه الطريقة: «تملك الموسيقى القوة لخلق المشاعر والعواطف بطريقة سريعة وفعّالة. فالمشاعر والعواطف التي يتطلَّب التعبير عنها في كتاب جملا كثيرة من الوصف . . . غالبا ما تعبِّر عنها الموسيقى بوزن واحد او ائتلاف واحد».
وفي ما يتعلق بالتفاعل بين النظر والسمع وردود الفعل ازاء كلٍّ منهما، يذكر كتاب الموسيقى والعقل (بالانكليزية) هذا التعليق الممتع: «هنالك علاقة وثيقة بين السمع وإثارة العاطفة اكثر مما بين النظر وإثارة العاطفة. . . . فرؤية حيوان مجروح او انسان يتألم بسكوت قد تثير عاطفة المشاهد قليلا. ولكن حالما يبدأ بالصراخ، يتأثر المشاهد عادة كثيرا».
الموسيقى، كلمات الاغاني، وأنتم
تدَّعي احدى المدارس الفكرية ان اية قطعة موسيقية معينة لها التأثير نفسه في كل المستمعين. ولكنَّ اخرى تقول ان ردّ الفعل ازاء لحن او اغنية ما يعكس الحالة العقلية الحالية للمرء او اختباره الماضي. مثلا، عندما يسمع شخص فقد حبيبا في الموت اغنية معينة، ربما في مكان للعبادة، قد تعيد الاغنية الذكريات وتسبب الحزن او حتى تجعل المفجوع يبكي. أما الآخرون الذين ليسوا في هذه الحالة فقد يغنون الاغنية نفسها بقلب فرحان.
تأملوا ايضا في الاوصاف التي أُعطيت آنفا للبوق الفرنسي والترومپيت. فربما لا توافقون على ان صوت البوق الفرنسي طنّان. فبالنسبة اليكم قد يكون صوته صاخبا او مثيرا للمرح، أما الترومپيت فقد يبدو صوتها فائضا بالعواطف العميقة. فداخل كلٍّ منا، هنالك ينبوع فريد من المشاعر التي يمكن ان تفجِّرها الموسيقى — وهكذا، نتجاوب معها بطريقتنا الخاصة.
تساعد الموسيقى على وصل الكلمات او الافكار بالعواطف. لذلك قليلة هي الاعلانات التلفزيونية او الراديوية التي تُقدَّم دون مرافَقَة موسيقية. ففي اغلب الاحيان لا تكون الكلمات منطقية. ولكن اذا رافقتها الموسيقى الملائمة، فسيؤثر الاعلان في عواطف المستمع. وكم هو صحيح ان هدف معظم الاعلانات هو دفع الناس عاطفيا لا منطقيا الى الشراء!
في حين ان تأثير الاعلانات ربما يكون مضرا لجيوب الناس، هنالك وجه سلبي اخطر بكثير للقوة التي تملكها الموسيقى وكلمات الاغاني. تشير مجلة الشباب والمراهقة (بالانكليزية) الى انه من خلال كلمات الاغاني التي تُكرَّر مرة بعد اخرى، يعلِّم كتّاب كلمات الاغاني المراهقين ان يتجاهلوا آراء الآخرين وأن «يتشبَّثوا برأيهم». وبحسب مصدر آخر، ان الرسائل التي تنقلها «كلمات اغاني الراپ . . .، الاكثر تصويرا من كلمات الهڤي مِتَل»، يمكن ان تتغلغل في التركيب العاطفي للمستمع وتؤدي الى سلوك مضاد للمجتمع.
هل يمكن تجنُّب ردود الفعل السلبية اذا استمع المرء فقط للموسيقى وتجاهل كلمات الاغاني؟ حسنا، يجب الاعتراف ان كلمات موسيقى الهڤي مِتَل والراپ يصعب الى حد كبير سماعها. وفي الواقع، غالبا ما تكون غامضة تقريبا بسبب صوت الموسيقى العالي بشكل غير عادي. فسواء كانت الكلمات مفهومة او لا، تبقى الرسالة جليَّة في الايقاع النابض واللحن المتكرِّر!
كيف ذلك؟ ان بعض العناوين وحدها تخلق صورا ذهنية. وفضلا عن ذلك، غالبا ما تكون الرسالة في نوع الموسيقى عينه. فأية رسالة تُنقَل؟ تقول مجلة للاحداث: «يبدو انها صور عن السلطة، النفوذ، والمغامرات الجنسية». وتقول اخرى: «المواضيع الرئيسية . . . هي العصيان التام، العنف، اساءة استعمال مواد الادمان، الاختلاط الجنسي، الانحراف، والشيطانية».
يدَّعي بعض الاحداث انه في حين قد يكون ذلك صحيحا، فهذه الموسيقى لا تؤثر فيهم سلبيا. ويحاجّون انها مفيدة لأنها تساعدهم على ‹اكتشاف انفسهم› كأفراد. ولكن هل هي فعلا كذلك؟ تذكر مجلة الشباب والمراهقة: «ان مشاعر الغضب، المقاومة، والتسلُّط في الهڤي مِتَل التي تجسِّد مشاعر بعض الصبيان قد يرحِّب بها خصوصا المقصِّرون في انجازهم المدرسي بعد تحمُّلهم يوما كاملا في المدرسة يسمعون فيه انهم دون المستوى». ثم تضيف: «المثير للسخرية او الحيرة ان المراهقين، في بحثهم عن هوية ثابتة تعكس ذاتهم بصدق، يستخدمون وسيلة عامة ومشتركة. فبدل ان يطلب المراهقون في عزلتهم اختبارات ينفردون بها حقا، يلجأون الى مفاهيم سبق ان اعدَّتها لهم صناعة الموسيقى». وبكلمات اخرى، هنالك آخرون يقولون لهؤلاء الاحداث ما يلزم ان يعتقدوه وكيف يجب ان يشعروا.
لنلقِ نظرة على حفلات الروك. ايّ تأثير تتركه في الجمهور الغفير الذي يحضرها؟ يجيب كتاب الموسيقى والعقل: «لا شك في ان الموسيقى، بزيادتها حدة عواطف الجمهور وبضمانها ان تبلغ هذه العواطف الذروة معا وليس على حدة، يمكن ان تساهم بقوة في فقدان التمييز الصائب، اي انها تدفع الى الاستسلام الاعمى للمشاعر الوقتية، الذي هو ميزة خطرة جدا لسلوك الجمهور». وتبرهن بعض مشاهد التهتُّك غير المضبوط في حفلات الروك على صحة هذه العبارة.
لذلك، من اجل تجنُّب تلويث العقل والقلب، يجب ان نكون انتقائيين للموسيقى. فكيف يمكننا ان نفعل ذلك؟ ستُجيب مقالتنا الختامية عن هذا السؤال.
-
-
حافظوا على نظرة متزنة الى الموسيقىاستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
حافظوا على نظرة متزنة الى الموسيقى
ان صناعة الموسيقى اليوم تجارة تجني البلايين. فالموسيقيون المحبوبون ومتعهِّدوهم يكسبون مبالغ طائلة من المال. لكنَّ الواقع هو ان التعاسة، الموت المبكر، والانتحار تسم حياة بعض الموسيقيين الناجحين جدا. وهنالك ادلة وافرة على ان بعض انواع الموسيقى يحطّ ادبيا، عاطفيا، وروحيا ويمكن ان يؤدي الى سلوك عنيف ومضاد للمجتمع.
ومع ذلك، يلزم ان نحرز نظرة متزنة الى الموسيقى. ففيما يوجد الكثير مما هو غير لائق ورديء في هذا الفن، يمكن لبعض انواع الموسيقى ان يغني حياة المرء ويمنح مقدارا من الفرح والاكتفاء. ويمكن ان يحسِّن حالتنا العاطفية والروحية. تأملوا فقط في بعض الامثلة.
ان المزامير الـ ١٥٠ للكتاب المقدس هي روائع ادبية — قصائد من الشعر الغنائي، ترانيم دينية، وصلوات. واليوم تُقرأ بسرور بمئات اللغات. لكنَّ العبرانيين القدماء لم يقرأوا المزامير فقط بل رنَّموها ايضا. وغالبا ما فعلوا ذلك بمرافقة موسيقى جميلة — طريقة فعّالة لربط حكمة الههم، يهوه، كما تعبِّر عنها الكلمات، بالمشاعر التي ينقلها المرنِّمون المدرَّبون الى المستمعين. ونوعية وأسلوب الموسيقى العبرانية لم يكونا بسيطَين او حتى بدائيَّين، فقد كانا كما يظهر ارقى من ذينك اللذين للامم المجاورة في ذلك الوقت.
ولاحقا، رنَّم مسيحيّو القرن الاول مزامير وترانيم دينية اخرى لتسبيح اللّٰه وإراحة المشاعر المتوترة. وهكذا عملت الموسيقى على إغناء حياتهم. وبترنيم ترانيم مؤسسة على الكتاب المقدس، ثبَّتوا في قلوبهم بشكل اعمق معرفة اللّٰه التي احتاجوا اليها لتوجيه حياتهم. — متى ٢٦:٣٠؛ اعمال ١٦:٢٥.
اعتقد اليونانيون القدماء ان الموسيقى تنمّي شخصية الانسان وتجعل الرجل او المرأة اكمل. وفي عالم القرن العشرين هذا، الذي يشدِّد على تحصيل التعليم الدراسي في العلوم، الاقتصاد، والمنطق، غالبا ما يجري تجاهل تنمية الجانب العاطفي للشخصية من خلال الفنون الجميلة.
حافظوا على الاتزان
ان الاستماع الى مقطوعة موسيقية رائعة امر مفيد ومبهج. لكنَّ الشخص يحصل على متعة اكثر عندما يعزف على آلة موسيقية او يغني مع فريق من الاصدقاء. فالإلمام بالموسيقى قد يفتح مجالا واسعا من البهجة الحقيقية.
وطبعا، كما في الامور المبهجة الاخرى في الحياة، يلزم في هذا المجال من التسلية ان نكون معتدلين، ذوي تمييز سليم، وانتقائيين. ويصحّ ذلك ليس فقط في نوع الموسيقى الذي نختاره بل ايضا في مقدار الوقت الذي نصرفه في الاستماع الى الموسيقى او العزف على آلة موسيقية.
وإذا ابتدأ نوع معين من الموسيقى يؤثر سلبيا في عواطفكم، افعالكم، وعلاقاتكم، فاختاروا عندئذ نوعا آخر. احموا آذانكم لتحموا عواطفكم ولتحموا قلبكم وعقلكم!
ويصحّ ذلك بشكل خصوصي في كلمات الاغاني. فقد تبتدئ بصوغكم حسب رغبات الذين لا يشاركونكم في آرائكم في الحياة والآداب، بل يروِّجون انماط الحياة الاثيمة والفاسدة ادبيا. وفي بعض الحالات، حتى عنوان الاغنية يمكن ان يثير مشاعر رديئة.
تنصح كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس، الذين يريدون ان يفرِّحوه ان ‹يقرِّبوا اجسادهم ذبيحة حية مقدسة مقبولة عند اللّٰه، خدمة مقدسة بقوتهم العقلية›. (روما ١٢:١) ومن الواضح ان عواطفنا هي جزء من هذه ‹الذبيحة الحية›. لذلك اذا وجدنا يوما ما ان عواطفنا، بسبب تأثير الموسيقى، تبتدئ بتشويش تمييزنا الصائب ومنطقنا وتسيء توجيه نشاطاتنا، فعندئذ يحين الوقت لتغيير عادات استماعنا الى الموسيقى. وتذكروا: ان القوة التي تملكها الموسيقى يمكن ان تؤثر في قلبكم وعقلكم — إما للخير او للشر!
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٠]
تحسين المقدرة على التعلُّم
«تشير الابحاث الى ان الاستماع المنتظم الى الموسيقى المتآلفة الالحان يمكن ان يحسِّن مقدرة الطفل على التعلُّم. ولكن في بيوت كثيرة لا يسمعون ابدا هذه الموسيقى». — أوديو (بالانكليزية)، آذار (مارس) ١٩٩٩.
-