-
قوة الصحافة ونفوذهااستيقظ! ٢٠٠٥ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
قوة الصحافة ونفوذها
بعدما اطاحت الحرب العالمية الاولى بالحكم الملكي في المانيا، تسلَّمت حكومة اشتراكية ديموقراطية زمام السلطة في برلين. بعد ذلك، حاول الشيوعيون اسقاط هذه الحكومة الجديدة. وشعر الشيوعيون والحكومة كلاهما ان التحكم في الصحافة لا يعني التحكم في الرأي العام فقط، بل ايضا في الناس انفسهم. وهكذا بدأ صراع حامٍ لوضع اليد على الصحافة.
على مر القرون القليلة الماضية، صاغت الصحف الثقافات وأثرت في سياسات الدول، كما لعبت دورا مهما في الحركة التجارية والحياة اليومية لملايين الاشخاص. فأي دور تلعبه في حياتك؟
عام ١٦٠٥، شهدت المانيا ولادة اول صحيفة في اوروبا. واليوم، في بعض الاماكن، تبلغ نسبة الذين يقرأون الصحف يوميا ٧٥ في المئة تقريبا ممّن يتعدى عمرهم الـ ١٤ سنة. ففي النروج مثلا، يُطبع اكثر من ٦٠٠ نسخة من الصحف اليومية لكل ١٠٠٠ نسمة، في حين لا يتعدى هذا المعدل في بعض البلدان النامية الـ ٢٠ نسخة لكل ١٠٠٠ شخص. وحول العالم، يصدر ما مجموعه ٠٠٠,٣٨ صحيفة تقريبا لإشباع نهم القراء.
حيثما نذهب في العالم نجد صحفا تعلمنا بالمستجدات الهامة على الساحة العالمية. لكنّ دورها لا يتوقف عند هذا الحد. فهي تزوّد القراء بمعلومات تساهم في صوغ آراء العديد منهم. يقول ديتر اوفِنهُويْزِر من اللجنة الالمانية التابعة لليونسكو: «ان قراءتنا اليومية للصحف، . . . تؤثر . . . في مواقفنا، سلوكنا، حتى في قيمنا الاخلاقية الاساسية».
ويقول المؤرخون ان الصحف أثارت الحروب ودعمتها وبرّرتها. ويذكرون مثالا لذلك الحرب الفرنسية البروسية (١٨٧٠-١٨٧١)، الحرب الاسبانية الاميركية (١٨٩٨)، وحرب فيتنام (١٩٥٥-١٩٧٥). وكم من رجل اعمال وعالم وفنان وسياسي حلت بهم الكارثة جراء فضيحة تداولتها الصحف على صفحاتها! ففي فضيحة ووترڠيت المشهورة التي شهدتها اواسط سبعينات القرن العشرين، اثارت الصحافة المتخصصة في تقصي الحقائق سلسلة من الاحداث اجبرت الرئيس الاميركي ريتشارد م. نكسون على الاستقالة. نعم، سواء كان للصحافة تأثير ايجابي ام سلبي، يمكن ان تشكل قوة نافذة يُحسب لها حساب.
ولكن كيف اصبح للصحف هذا التأثير؟ الى اي مدى يمكن الوثوق بما تقدمه لنا؟ وأية محاذير يلزم اخذها بعين الاعتبار لنستفيد من قراءتها؟
[الصورة في الصفحة ٣]
حرب برلين للسيطرة على الصحافة عقب الحرب العالمية الاولى
-
-
تلبية الطلب على الانباءاستيقظ! ٢٠٠٥ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
تلبية الطلب على الانباء
منذ نحو ٢٠٠٠ سنة، ذكر المؤرخ لوقا: «كان الاثينيون كلهم، والاجنبيون المقيمون وقتيا هناك، لا يقضون اوقات فراغهم إلّا في قول وسماع ما هو جديد». (اعمال ١٧:٢١) وقبل ذلك بقرن كانت الحكومة الرومانية، شعورا منها بنهم الناس لتلقُّف الاخبار، قد بدأت تعرض في اماكن بارزة نشرات يومية سُمِّيت أكتا دِيورنا.
بحلول القرن السابع، كانت الصين تُصدر اول صحيفة مطبوعة في العالم، ودُعيت ديباو (پاو). اما في اوروبا، حيث كان معظم الناس اميِّين، فقد انتشرت الروايات عن الحروب، المآسي، الجرائم، ومسائل اخرى نقلا عن لسان رواة القصص الجائلين. ولاحقا، صارت تُباع في الاسواق والمعارض نسخ يدوية ونسخ مطبوعة بقوالب خشبية مصوَّرة من الاوراق الإخبارية التي تتناول مواضيع كهذه.
مع مرور الوقت، صارت المؤسسات التجارية تغني رسائلها بنبذات إخبارية مهمة. وفي النهاية، صارت هذه النبذات تُدرج في ورقة اضافية يمكن تداولها.
ولادة الصحف
في مطلع القرن السابع عشر، بدأت صحيفتان المانيتان تصدران بانتظام. ففي عام ١٦٠٥، صدرت صحيفة سرد الاخبار (Relation) في ستراسبورغ، وفي عام ١٦٠٩، صدرت صحيفة التقرير الإخباري (Avisa Relation oder Zeitung) في ڤولفِنبوتِل. وفي عام ١٦٥٠، صدرت في لَيْپتزيڠ بألمانيا اول صحيفة يومية في اوروبا ودُعيت الاخبار الواردة (Einkommende Zeitungen).
كانت هذه الصحيفة اليومية الصادرة في لَيْپتزيڠ مؤلفة من اربع صفحات بحجم الجيب. وقد احتوت على نبذات اخبارية منشورة بشكل عشوائي. وفي حين كانت النسخ الافرادية منها تُباع بسعر مقبول نسبيا، كان الاشتراك السنوي يكلّف عاملا ذا اجر محترم معاش شهر بكامله. رغم ذلك، تزايد الطلب على الصحف بسرعة. فبحلول عام ١٧٠٠، تراوح عدد الصحف الصادرة بانتظام في المانيا وحدها بين ٥٠ و ٦٠ صحيفة، وأصبحت في متناول مئات آلاف القراء.
في البداية، شملت المصادر التي تزود الصحف بالاخبار الرسائل، الصحف الاخرى، مدراء مكاتب البريد الذين كانوا يتلقون الاخبار بالبريد وينسخونها، او الشائعات والاقاويل التي كان يسمعها الصحفيون في الاماكن العامة. ولكن مع اشتداد المنافسة، بذل الناشرون جهدهم لتحسين نوعية الاخبار وكميتها. فبدأوا يوظفون محرِّرين محترفين. لكن معظم الناشرين ما كانوا يتحملون كلفة توسيع شبكة مصادرهم وتوظيف عدد اكبر من الصحفيين. فأدّى التعطش الى الاخبار الى انشاء وكالات انباء تجمع الاخبار وتوزعها على الناشرين المشتركين.
اختراعات مهمة تخدم الصحافة
لم تكن صناعة الصحف لتزدهر لولا بعض الاختراعات المهمة، وخصوصا طريقة جوهان ڠوتنبرڠ للطباعة بالحروف المتحركة. وثمة اختراعات اخرى جعلت من انتاج الصحف امرا عمليا وغير مكلف. مثلا، في ستينات القرن التاسع عشر، اتاحت المطبعة الدوّارة الطبعَ على شريط متواصل مسحوب من لفات ورق عوض الطبع على قطع ورق مستطيلة. وبُعيد ذلك، استُعملت آلة اللينوتيپ لتنضيد الحروف المطبعية المعدنية. ثم في النصف الثاني من القرن العشرين، حلّ تنضيد الحروف المطبعية بواسطة الكمبيوتر محل العمل اليدوي المكلف.
وفي غضون ذلك الوقت، صارت الاخبار نفسها تنتشر بسرعة فيما شاع استعمال التلغراف في اربعينات القرن التاسع عشر، الآلات الكاتبة في سبعينات القرن التاسع عشر، والهاتف في الفترة نفسها تقريبا. ومؤخرا، شهد ملايين الناس العائشين اليوم الاستخدام الواسع للكمبيوتر، البريد الالكتروني، وآلات الفاكس في مضمار الصحافة. حتى ان المراسلين الصحفيين صاروا يصلون الى مسرح الاحداث اسرع من ذي قبل بفضل وسائل نقل مثل القطار، السيارة، والطائرة. واليوم، توزَّع الصحف بأعداد لم يسبق لها مثيل بفضل وسائل النقل السريعة.
ما الذي تنشره الصحف؟
في بلدان عديدة، لا يشكِّل ايجاد ما يكفي من الاخبار مهمة صعبة في عالمنا الذي يصغر شيئا فشيئا. يقول محرِّرو احدى الصحف الالمانية (Frankfurter Allgemeine Zeitung): «تكمن الصعوبة في الاختيار من سيل المعلومات الغزير الذي لا ينضب». فوكالات الانباء تمطر الصحف الالمانية بنحو ٢٠٠٠ خبر كل يوم. وينهال على المحرِّرين ايضا وابل من الانباء عن طريق المراسلين والمندوبين الصحفيين ونشرات الاخبار وغير ذلك من المصادر.
يتألف ثلثا الاخبار من الاعلانات التي تشمل بيانات صحفية وتقارير عن احداث مقرَّر عقدها، كالحفلات الموسيقية والاحداث الرياضية والمؤتمرات. ويتعيَّن على المحرِّرين ان يكونوا ملمِّين بأحوال السوق التي توزَّع فيها صحفهم لتلبية الطلب على ما يهم القراء من اخبار محلية. وقد تشمل هذه الاخبار موسم الحصاد، والاحتفالات السنوية وغيرها من الاحتفالات.
وتُعتبر الاخبار الرياضية، الكاريكاتور السياسي، القصص المصورة، والافتتاحيات من اكثر الابواب شعبية لدى القراء. كما يستطيع القارئ ان يتثقف ويتسلى في الوقت نفسه بالاطلاع على التحقيقات الصحفية، التقارير من بلدان اجنبية، والمقابلات مع وجوه بارزة وخبراء في مواضيع ومجالات معينة.
الصحف في ازمة
ذكرت صحيفة دي تسايت (بالالمانية) عام ٢٠٠٢ ان «صناعة الصحافة في المانيا تواجه ازمة مالية شديدة لم تشهد مثلها من قبل». وأخبرت جمعية الصحافة السويسرية بأنها عانت عام ٢٠٠٤ انخفاضا في توزيع الصحف لم تعانِه منذ عشر سنوات. فما سبب هذه الازمة؟
احد الاسباب هو تدهور الاقتصاد العالمي. وقد ادّى ذلك الى تخفيض الاعلانات، مصدر ثلثي الايرادات للعديد من الصحف. فبين عامي ٢٠٠٠ و ٢٠٠٤، خسرت صحيفة ذا وول ستريت جورنال الصادرة في الولايات المتحدة ٤٣ في المئة من الايرادات التي تجنيها من الاعلانات. فهل تعود الاعلانات الى سابق عهدها اذا ما شهد الوضع الاقتصادي تحسّنا ملحوظا؟ من الجدير بالذكر ان العديد من الاعلانات المبوبة مثل تلك المتعلقة بالعقارات، الوظائف، والسيارات صارت تُنشر عبر الانترنت بدل الصحف. فاليوم هنالك منافسة بين الصحف ووسائل الاعلام الالكترونية مثل الراديو، التلفزيون، والانترنت.
من جهة اخرى، لا يزال الطلب على الاخبار يتزايد. قال البروفسور في الاقتصاد الاعلامي أكسل تسيردِك لإحدى الصحف التي تصدر في فرانكفورت، المانيا: «ان الازمة ليست سيئة بالقدر الذي يعتقده معظم الصحفيين». وتثنّي رئيسة تحرير الطبعة المحلية لصحيفة المانية على هذه النظرة بقولها: «لا تزال [الصحف] المحلية تلاقي رواجا واسعا».
حتى لو سلّمنا بأنه ما من شيء يضاهي الصحف من حيث التغطية الشاملة للاخبار وقدرتها على تحريك عجلة النقاش بين الناس، يبقى السؤالان: هل يمكن ان تثق بموقفها من الاحداث الجارية؟ وكيف يمكنك ان تستفيد الى اقصى حد من الصحف التي تقرأها؟
[الاطار/الصورة في الصفحة ٦]
الصحافة — مهنة صعبة
قد يحسد المرء الصحفيين على مهنتهم. يعترف صحفي فرنسي متمرس: «ان ظهور اسم الصحفي في الصحف يمكن ان يكون مفخرة له». لكنّ الصحفي يواجه ايضا في عمله العديد من خيبات الامل. وقد يشمل ذلك خبرا صحفيا يسبقه اليه منافس له في المهنة، رفض طلب لمقابلة احدى الشخصيات، قضاء ساعات في انتظار حدث لا يتحقق.
وذكرت صحفية من بولندا تحديا آخر: «لا نعلم متى نحصل على اجازة او متى نُستدعى الى العمل. فتتأثر احيانا حياتنا الخاصة، ويؤدي نمط عملنا المحموم الى اعاقة المسار الطبيعي لحياتنا العائلية». وأشار صحفي سابق مما كان آنذاك الاتحاد السوفياتي الى ما يمكن ان يُعتبر اكبر خيبة امل: «عملت جاهدا وبكد على تغطية تحقيق صحفي لكنه لم يُنشر في النهاية».
وذكرت محرِّرة للاخبار الرياضية في اكبر صحيفة في هولندا: «غالبا ما يُقال لي انني جاهلة. فبعض القراء ينتابهم الغضب او التثبط، حتى ان بعض الناس يهددون بقتلي حين تبلغ الانفعالات اوجها احيانا اثناء الاحداث الرياضية». فما الذي يدفع الصحفيين الى الاستمرار؟
قد يندفع البعض الى العمل في الصحافة بسبب الاجر المحترم الذي يحصلون عليه. ولكن ليس هذا دافع الجميع. فقد عبّر صحفي يعمل في صحيفة فرنسية عن حبه للكتابة. وقالت صحفية مكسيكية: «يكفيك انك تقدِّم لقرائك شيئا يستحق ان يطَّلعوا عليه». وفي اليابان، علّق محرر رفيع المستوى يعمل في ثاني اكبر صحيفة في العالم بقوله: «افرح بعملي حين اشعر انني اساعد الناس وحين يأخذ العدل مجراه».
لكن العمل في الصحف ليس حكرا على المراسلين الصحفيين فقط. فوفقا لحجم وبنية دار النشر، يساهم في العمل ايضا محررون، مصححو لغة، مدققو وقائع، مسؤولون عن الارشيفات، وأشخاص عديدون يعملون بكدّ وراء الكواليس كي تحصل على صحيفتك.
[الصورتان في الصفحة ٤]
صحيفة المانية قديمة ورفوف حديثة لعرض الصحف
[مصدر الصورة]
1922 Flugblatt und Zeitung, Vol. 21, Bibliothek für Kunst - und Antiquitäten-Sammler, :Early German newspaper
-
-
كيف تقرأ الصحيفة وتستفيد منهااستيقظ! ٢٠٠٥ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
كيف تقرأ الصحيفة وتستفيد منها
«كل من لا يقرأ الصحف اطلاقا فهو احمق، وأشد منه حماقة من يصدِّق ما يقرأه لمجرد وروده في الصحيفة». — اوغست فون شلوتسه، مؤرخ وصحفي ألماني من اواخر القرن الثامن عشر.
في احد الاستطلاعات، سئل عدة آلاف في بريطانيا وفرنسا عن مدى الثقة التي يضعونها في ١٣ مؤسسة. فحلّت الصحافة في المرتبة الاخيرة، حتى بعد السياسة والمؤسسات التجارية الكبيرة. وفي الولايات المتحدة، لا يزال معظم القراء يقولون انهم يصدقون ما تقوله الصحف. لكنّ الاستطلاعات التي اجراها مركز پيو للابحاث تظهر ان نسبة هؤلاء قد انخفضت.
في اغلب الاحيان تكون الشكوك مبررة، وخصوصا حين يتعلق ما يُنشر في الصحف بمصالح البلد الذي تُطبع فيه الصحيفة. فماذا يحدث عندئذ؟ غالبا ما يُضحى بالحقيقة. وكما ذكر مرة آرثر پونسونبي، رجل سياسي انكليزي من القرن العشرين: «عند اعلان الحرب، تكون الحقيقة الضحية الاولى».
حتى لو لم تُعلَن الحرب، من الحكمة تفحص الاخبار بشيء من الشك. يقول مثل في الكتاب المقدس: «قليل الخبرة يصدق كل كلمة، والنبيه يتأمل في خطواته». (امثال ١٤:١٥) وإذا كنت حذرا، يمكن ان تروي الصحف تعطشك الى الاخبار.
اهمية الاخبار
تُعتبر وسائل الاعلام مهمة اليوم لأنها تبقينا مطلعين على آخر التطورات العالمية. وهذا امر حيوي. لماذا؟ لأن معظم الحوادث الجارية في ايامنا تنبأ بها اكبر نبي عاش على الاطلاق، يسوع المسيح. فحين سئل عن نهاية نظام الاشياء هذا، قال ان وقت النهاية سيكون موسوما بالحروب، ازدياد التعدي على الشريعة او القانون، المجاعات، الاوبئة، الزلازل، وغيرها. — متى ٢٤:٣-١٤؛ لوقا ٢١:٧-١١.
يقول الكتاب المقدس ايضا: «في الايام الاخيرة ستأتي ازمنة حرجة». وتضيف النبوة انه في هذه «الايام الاخيرة»، سيكون الناس «محبين لأنفسهم، محبين للمال . . . غير طائعين لوالديهم . . . بلا حنو . . . بلا ضبط نفس، شرسين، غير محبين للصلاح، خائنين، جامحين، منتفخين بالكبرياء، محبين للملذات دون محبة للّٰه». — ٢ تيموثاوس ٣:١-٥.
لا شك انك تلاحظ اتمام نبوة الكتاب المقدس هذه في مجتمعك. وما يجري حول العالم — كما تخبر الصحف — انما يؤكد دقة نبوات الكتاب المقدس. فهل يعني ذلك انه يمكننا تصديق كل ما نقرأه في الصحف؟ كلا. فحتى اشد المدافعين عن الصحافة يعبرون عن الحاجة الى توخي الحذر.
تفهَّم التحديات
ما من احد معصوم من الخطإ، حتى اكثر المحترفين نزاهة وخبرة. كتبت آرييل هارت في مجلة كولومبيا للصحافة (بالانكليزية): «في سنوات عملي الثلاث التي كنت اعمل فيها لحسابي الخاص كمدققة للوقائع، لم ارَ قصة خالية من الاخطاء، سواء كانت مؤلفة من خمس صفحات او من فقرتين». ومن هذه الاخطاء مثلا «تاريخ غير دقيق؛ بيانات قديمة؛ اخطاء في التهجئة؛ معلومات منتشرة جدا انما خاطئة لعدم اعتمادها على مصادر اصلية».
من جهة اخرى، يواجه الصحفيون تحدي تمييز المصادر غير الموثوق بها. ففي بعض الاحيان، تُسرَّب الى الصحافة معلومات كاذبة. فعام ١٩٩٩ ركّب رجل يهوى المزاح قصة مزيفة عن «مدينة ملاهٍ مصمَّمة على شكل مقبرة»، ودعم قصته بموقع على الانترنت لافت للنظر تابع لشركة وهمية مسؤولة عن تشييد المشروع، وبخط هاتفي لإجراء المقابلات استخدمه المحتال لتمثيل دور الناطق باسم الشركة. وقد انطلت الحيلة على وكالة انباء الأسّوشيايتد پرِس، ما ادّى الى انتشار القصة في عدة صحف يومية في الولايات المتحدة. ويُقال ان سرّ الخدع الناجحة هو «قصة مثيرة مرفقة بالمؤثرات البصرية المتقنة، تكون خارجة عن المألوف، لكنها ليست بالمستحيلة».
وقد يقع حتى الصحفيون النزهاء في شرك عدم نقل الحقائق بدقة. يوضح كاتب في بولندا: «ان نمط العمل في الصحافة هو نمط محموم. فالمنافسة شديدة بين الصحف. وكل صحيفة تريد ان تكون السباقة الى نشر الاخبار. فيحرر كثيرون منا، دون تعمُّد، مقالات دون القيام بأبحاث وافية».
الضغوط للمسايرة
وجد تقرير حرية الصحافة لسنة ٢٠٠٣ — استطلاع عالمي حول استقلالية وسائل الاعلام (بالانكليزية) ان ١١٥ بلدا من اصل ١٩٣ تفتقر الى حرية الصحافة اما كليا او جزئيا. لكن التلاعب الماهر بالاخبار قد يحدث حتى في البلدان التي تتمتع بحرية الصحافة.
ففي بعض الاحيان، قد يُمنع بعض الصحفيين من الحصول على معلومات مهمة، في حين يتمكن آخرون ممن يماشون التيار السائد من اجراء مقابلات حصرية مع شخصيات مهمة او نيل دعوة ليرافقوا السياسيين في جولاتهم. ويتأثر نقل الخبر ايضا بالاموال التي يدفعها اصحاب الاعلانات. يقول صحفي بولندي: «قد يهدد صاحب الاعلان ان يسحب اعلانا مربحا اذا ما نشر المحرر اي اخبار سلبية عن صاحب الاعلانات». وأعطى موظف في صحيفة يابانية يعمل كمصحِّح للطبعة التحذير التالي: «لا تنسَ انه من الصعب جدا تحرير تقرير اخباري بشكل موضوعي».
بناء على ذلك، قد تتساءل: ‹بما ان الصحفيين المحترفين يواجهون مثل هذه المشاكل في نشر الاخبار بدقة، فكيف يستطيع القارئ ان يعرف اي خبر يصدق؟›.
النظرة المتزنة ضرورية
من الواضح ان التمييز ضروري. سأل الاب الجليل ايوب: «أليست الأذن تمتحن الكلام كما يذوق الحنك الطعام؟». (ايوب ١٢:١١) فمن الضروري ان يتفحص القارئ بعناية ما هو مكتوب بحثا عن رنّة الحق فيه. فيزن الامور بحكمة ويختار ما هو صحيح. وقد اثنى احد تلاميذ يسوع المسيح في القرن الاول على الذين أصغوا الى الرسول بولس ثم تفحصوا المصادر التي استند اليها ليتأكدوا من حقيقة ما علّمه. — اعمال ١٧:١١؛ ١ تسالونيكي ٥:٢١.
بشكل مماثل، يمكن ان يطرح قارئ الصحيفة على نفسه اسئلة مثل: «ما هي خلفية الكاتب؟ ما هي ميوله؟ هل تروي القصة وقائع ملموسة يمكن التحقق منها؟ ومن له مصلحة في تشويه الحقيقة؟». ومن الحكمة ان يراجع القارئ مصادر اخرى ليتحقق من المعلومات. وبإمكانه ايضا ان يناقش ما يقرأه مع الآخرين. يقول مثل في الكتاب المقدس: «السائر مع الحكماء يصير حكيما، ومعاشر الاغبياء يضر». — امثال ١٣:٢٠.
وفي الوقت نفسه، لا تتوقع الكمال. فكما رأينا، هنالك عوامل كثيرة تمنع الصحف من عرض القضايا بموضوعية تامة. لكن الصحف تساهم رغم ذلك في ابقائك مطلعا على ما يجري في العالم. ومن المهم ان نواكب مجرى الاحداث، لأن يسوع قال وهو يتحدث عن الايام نفسها التي نعيش فيها: «ابقوا . . . مستيقظين». (مرقس ١٣:٣٣) والصحف يمكن ان تساعدك على تحقيق ذلك، وإن كان عليك ان تتغاضى عن نواحي النقص والتقصير فيها.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٠]
حين تكون الصحف متحاملة
غالبا ما يكون تشويه الحقائق في الاخبار مردّه الى المعلومات الخاطئة او التسرُّع في نقل الاخبار. رغم ذلك يمكن ان تكون مثل هذه القصص، ولو انها مكتوبة بنية صافية، مصدرا لانتشار الاكاذيب المؤذية. من جهة اخرى، يكون هنالك احيانا سعي متعمد الى نقل المعلومات الخاطئة، كما حدث في المانيا النازية حيث نُشرت الشائعات المغرضة عن شعوب من عرق معين او دين معين.
تأمل مثلا في ما آلت اليه حملة مفضوحة لتلطيخ سمعة شهود يهوه شُنَّت خلال دعوى قضائية تتعلق بحقوق الانسان في موسكو، روسيا. ذكرت الصحيفة الكندية ذا ڠلوب آند ميل الصادرة في تورنتو: «حين انتحرت ثلاث فتيات في موسكو، نشرت وسائل الاعلام الروسية على الفور انهن شاهدات ليهوه متعصِّبات دينيا».
وظهرت مثل هذه القصص الإخبارية في ٩ شباط (فبراير) ١٩٩٩، في اليوم الذي استأنفت فيه محكمة مدنية المحاكمة الهادفة الى حظر شهود يهوه في مدينة موسكو. اخبر جِفري يورك من مكتب صحيفة ذا ڠلوب آند ميل في موسكو: «اعترفت الشرطة لاحقا ان الفتيات لم تكن لهن اية صلة بالطائفة. ولكن بحلول ذلك الوقت، كانت قناة تلفزيونية في موسكو قد شنّت حملة جديدة ضد الطائفة، مخبرة المشاهدين ان شهود يهوه تعاونوا مع أدولف هتلر في المانيا النازية، وذلك رغم الادلة التاريخية التي تثبت ان آلاف الشهود خسروا حياتهم في المعتقلات النازية».
اثر ذلك، انطبع في ذهن كثيرين ممن وصلتهم معلومات خاطئة او ممن تملكهم الخوف ان شهود يهوه هم اما بدعة انتحارية او مناصرون للنازية.
[الصورة في الصفحة ٧]
تنبأ يسوع المسيح بالكثير مما نقرأه اليوم في الصحف
[الصور في الصفحة ٩]
تؤكد تقارير الصحف نبوات الكتاب المقدس
[مصدر الصورة]
FAO photo/B. Imevbore
[الصورة في الصفحتين ٨، ٩]
مُدح الذين تفحصوا المصادر التي استند اليها الرسول بولس في تعليمه، وهذه عادة حكيمة ايضا يحسن اتِّباعها عند قراءة تقارير إخبارية خارجة عن المألوف
-