-
هل تقلقون على اولادكم؟برج المراقبة ١٩٨٧ | ١ ايلول (سبتمبر)
-
-
وحتى يوسف ومريم كانا مهتمين بابنهما الكامل يسوع! وفي الواقع، في احدى المناسبات عندما كان يسوع بعمر ١٢ سنة صارا قلقين بصورة خاصة عليه لأنهما وجدا انه مفقود. ورغم ذلك كان ابنهما يسوع مفخرة لهما، ولم يكن لديهما ايّ سبب للوم انفسهما. دعونا نرى تماما ما حدث في تلك المناسبة التذكارية ونتأمل في الدروس التي يمكن ان يتلقَّنها الوالدون العصريون منها.
ابن ضائع
اذا كنتم والدا ربما يمكنكم التعاطف مع مشاعر مريم حين قالت ليسوع بلوم: «يا بنيَّ، لماذا فعلت بنا هذا؟ ابوك وانا كنا قلقين بشدة محاولين ايجادك.» لقد افترق يوسف ومريم عن يسوع مدة ثلاثة ايام. ويمكنكم ان تدركوا لماذا كانا قلقين في ما يتعلق بمكان وجود صبي عمره ١٢ سنة. — لوقا ٢:٤٨، الترجمة الانكليزية الحديثة.
ولماذا اضاع يوسف ومريم يسوع؟ انتقدهما على ذلك معلق مشهور فكتب: «اذ ادركا ايّ كنز امتلكا، كيف استطاعا ان يبقيا مدة طويلة دون التفتيش عنه؟ اين كانت احشاء الام وعنايتها الرقيقة؟» ولكن في الواقع، كما سنرى، ان التحليل الدقيق للرواية يبرّئ يوسف ومريم من ملامة خطيرة.
الحقيقة هي ان الكتاب المقدس يُظهر ان مريم كانت امرأة جيدة وأُما صالحة. والملاك جبرائيل، حين جاء لينبئ بولادة يسوع، قال انها قد ‹وجدت نعمة عند اللّٰه.› (لوقا ١:٢٨، ٣٠) لقد قبلت طوعا مهمة انجاب هذا الطفل البشري غير العادي مع المسؤولية الثقيلة لتربيته وتدريبه. فكانت امرأة ذات تواضع وايمان قوي باللّٰه. وبعد ولادة يسوع فعلت كل ما تطلَّبته شريعة يهوه «كما هو مكتوب.» — لوقا ١:٣٨؛ ٤٥-٤٨؛ ٢:٢١-٢٣، ٣٩.
ويوسف، الرجل الذي تزوج مريم وصار ابا ليسوع بالتبني، كان ايضا رجلا جيدا وبارا اتصل به ملاك يهوه في اربع مناسبات. (متى ١:١٩، ٢٠؛ ٢:١٣، ١٩، ٢٢) واذكروا ان يهوه انتقى يوسف ومريم ليربيا ابنه الوحيد العزيز. فهل كان اللّٰه سيفعل شيئا اقل من اختيار زوجين يحسنان مساعدة هذا الابن على النمو في الحكمة الالهية؟
طبعا، ان الوالدين اليوم على الارجح يقلقون على اولادهم بسبب البيئة الخطرة والجانحة التي لديهم. وهم يعرفون ان اولادهم ليسوا كاملين كما كان يسوع. ومع ذلك، يمكننا الاستفادة من مثال يوسف ومريم ويسوع.
-
-
مساعدة ولد على النمو في الحكمة الالهيةبرج المراقبة ١٩٨٧ | ١ ايلول (سبتمبر)
-
-
مساعدة ولد على النمو في الحكمة الالهية
الناس المفكرون من امم وخلفيات كثيرة يعترفون بأن يسوع كان معلما رائعا وعالما في الاخلاق. ولكن هل ساهمت في ذلك امور معيَّنة في تدريب صباه؟ اية دروس يمكن ان يتعلمها الوالدون اليوم من حياته العائلية وتربيته؟
يخبرنا الكتاب المقدس القليل جدا عن طفولة يسوع. ومن حيث الاساس تجري تغطية سنواته الـ ١٢ الاولى في عددين: «ولما اكملوا [يوسف ومريم] كل شيء حسب ناموس الرب رجعوا الى الجليل الى مدينتهم الناصرة. (واستمر) الصبي ينمو ويتقوّى بالروح ممتلئا حكمة (واستمرت) نعمة اللّٰه عليه.» (لوقا ٢:٣٩، ٤٠) ولكن توجد هنا دروس ليتعلمها الوالدون.
فالولد استمر «ينمو ويتقوّى.» ولذلك كان والداه يعتنيان به جسديا. وايضا كان على نحو مستمر «ممتلئا حكمة.»a فمسؤولية مَن كان تعليمه المعرفة والفهم اللذين كانا سيصيران الاساس لحكمة كهذه؟
تحت الشريعة الموسوية كان ذلك واجب والديه. قالت الشريعة للوالدين الاسرائيليين: «لتكن هذه الكلمات التي انا اوصيك بها اليوم على قلبك وقصّها على اولادك وتكلّم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم.» (تثنية ٦:٦، ٧) وحقيقة ان يسوع استمر «ممتلئا حكمة،» وأنه «(استمرت) نعمة اللّٰه عليه،» تدل ان يوسف ومريم كانا يطيعان هذه الوصية.
قد يشعر البعض بأنه، نظرا الى ان يسوع كان ولدا كاملا، لا تزوِّد تنشئته حقا نموذجا واقعيا لتربية الاولاد الآخرين. ولكن لم يكن يوسف ومريم كاملين. ورغم ذلك استمرّا بشكل واضح في تزويد حاجاته الجسدية والروحية، وفعلا ذلك رغم ضغوط العائلة الكبيرة. (متى ١٣:٥٥، ٥٦) وايضا، رغم كون يسوع كاملا، كان يجب ان ينمو بعدُ من الطفولة عبر الحداثة والمراهقة الى البلوغ. فكان هنالك الكثير من عمل التنشئة ليقوم به والداه، ومن الواضح انهما قاما به جيدا.
يسوع بعمر ١٢ سنة
«(اعتاد والداه الذهاب) كل سنة الى اورشليم في عيد الفصح.» (لوقا ٢:٤١) وبحسب شريعة اللّٰه، كان يجب على كل ذكر ان يحضر في اورشليم من اجل الاعياد. (تثنية ١٦:١٦) ولكنّ السجل يقول ان ‹(والديه اعتادا الذهاب).› لقد اخذ يوسف مريم، وعلى الارجح باقي العائلة، في تلك الرحلة مسافة اكثر من ٦٠ ميلا (١٠٠ كلم) الى اورشليم من اجل المناسبة المبهجة. (تثنية ١٦:٦، ١١) كانت تلك عادتهما — جزءا قانونيا من حياتهما. وايضا، لم يحضرا مجرد حضور رمزي؛ فقد بقيا كل ايام العيد. — لوقا ٢:٤٢، ٤٣.
يزوِّد ذلك درسا مفيدا للوالدين اليوم. فتلك الاعياد السنوية في اورشليم كانت اوقاتا لمحفل مقدَّس وايضا للابتهاج. (لاويين ٢٣:٤، ٣٦) لقد زوَّدت اختبارا مقويا روحيا ليوسف ومريم ويسوع الحدث. واليوم يفعل الوالدون حسنا بالذهاب الى مناسبات مماثلة ليختبر اولادهم الاحداث تغييرا مثيرا وليتمتعوا ايضا بالبنيان الروحي. والوالدون الذين هم شهود ليهوه يفعلون ذلك بأخذ اولادهم الى المحافل الدائرية والمحافل الكورية التي تُعقد في اوقات قانونية خلال السنة. وهكذا يمكن ان يحصل الاولاد على الاختبار المثير للسفر والتمكن من مخالطة المئات او الآلاف من الرفقاء المؤمنين لبضعة ايام. وينسب اب ربّى بنجاح عشرة اولاد كثيرا من نجاحه الى حقيقة انه منذ معموديته كمسيحي قبل ٤٥ سنة لم يهمل حضور جلسة واحدة لأي محفل. وقد شجع عائلته ان لا تهمل حضور اية منها.
سَهْوَة
عندما كان يسوع اصغر سنا بقي دون شك قريبا من والديه في اثناء تلك الرحلات السنوية الى مدينة اورشليم الكبيرة. ولكن اذ كبر ربما أُعطي حرية اكبر. وعندما كان عمره ١٢ سنة كان تقريبا في السن التي يعتبرها اليهود مرحلة مهمة في الطريق نحو الرجولة. وربما بسبب هذا التغيير العادي والطبيعي حصلت سَهْوَة عندما اتى الوقت لتغادر عائلة يوسف اورشليم وتعود الى البيت. تقول الرواية: «بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم ويوسف وأمه لم يعلما. واذ ظنّاه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الاقرباء والمعارف.» — لوقا ٢:٤٣، ٤٤.
هنالك اوجه لهذه الحادثة سيدركها الوالدون والاحداث على حد سواء. ولكن هنالك اختلاف واحد: كان يسوع كاملا. وبما انه كان خاضعا باذعان ليوسف ومريم لا يمكننا التصور انه فشل في اطاعة ترتيب معيَّن اعدّاه له. (لوقا ٢:٥٢) وليس مرجحا ابدا انه كان هنالك انقطاع في الاتصال. لقد افترض الوالدان ان يسوع كان بصحبة الاقرباء والمعارف. (لوقا ٢:٤٤) ومن السهل التصور انهما، في عجلة مغادرة اورشليم، كانا سيمنحان انتباههما الاول لاولادهما الاصغر وسيفترضان ان ابنهما الاكبر، يسوع، كان آتيا معهم ايضا.
ولكن من الواضح ان يسوع ظن ان والديه كانا سيعرفان مكانه. وهذا يقترحه جوابه اللاحق: «لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي ان اكون في ما لأبي.» انه لم يكن عديم الاحترام للآخرين. فكلماته اظهرت فقط دهشته من ان والديه لم يعرفا اين يجدانه. تلك كانت حالة نموذجية لسوء التفاهم يمكن ان يدركها والدون كثيرون لهم اولاد في طور النمو. — لوقا ٢:٤٩.
فكروا في قلق يوسف ومريم في نهاية ذلك اليوم الاول عندما وجدا ان يسوع كان مفقودا. وتصوروا قلقهما المتزايد خلال اليومين اللذين بحثا فيهما عنه في اورشليم. ولكن ثبت ان تدريبهما ليسوع اعطى نتيجة في هذه الازمة. فلم يكن يسوع قد دخل في رفقة سيئة. ولم يكن يجلب العار على والديه. فعندما وجدا يسوع كان «في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته.» — لوقا ٢:٤٦، ٤٧.
وواقع انه كان يصرف وقته بمثل هذه الطريقة، وفهمه الجيد الواضح لمبادئ الاسفار المقدسة، يمدح ايضا تدريب يوسف ومريم له الى هذه المرحلة. ورغم ذلك، يبدو تجاوب مريم نموذجيا لأم قلقة: اولا، الارتياح عندما وجدت ان ابنها كان آمنا؛ ثم تعبيرها عن مشاعر القلق والخيبة لديها: «يا بنيَّ لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا ابوك وانا كنا نطلبك معذَّبين.» (لوقا ٢:٤٨) وليس غير متوقع ان تتكلم مريم قبل يوسف معبِّرة عن قلق الوالدين كليهما. وكثيرون من المراهقين اذ يقرأون الرواية سيقولون على الارجح: «إنها كأمي تماما!»
دروس يجري تعلمها
اية دروس يمكننا تعلمها من هذا الاختبار؟ ان المراهقين ميالون الى الافتراض ان والديهم يعرفون ما يفكرون فيه. وغالبا ما يجري سماعهم يقولون: «ولكنني ظننت انك ستعرف.» فيا ايها الوالدون، اذا قال ولدكم المراهق ذلك يوما ما حين يكون هنالك سوء تفاهم فأنتم لستم اول مَن تكون لديه المشكلة.
واذ يقترب الاولاد من سن المراهقة يصيرون اقل اعتمادا على والديهم. ان هذا التغيير طبيعي، والوالدون يلزمهم ان يصنعوا التعديلات للسماح بذلك. ولكن حتى مع التدريب الافضل سينشأ سوء التفاهم وسينال الوالدون حصتهم من القلق. ولكن اذا اتَّبعوا المثال الصالح ليوسف ومريم، عندما تنشأ الازمات، فان التدريب المعطى سيفيد اولادهم.
من الواضح ان والدي يسوع استمرا في العمل معه في اثناء سنوات مراهقته. وبعد الحادثة التي جرى التأمل فيها «نزل معهما» باذعان الى بلدته و «كان خاضعا لهما.» وبأية نتيجة؟ «أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند اللّٰه والناس.» وهكذا كانت لهذه الحادثة نهاية سعيدة. (لوقا ٢:٥١، ٥٢) والوالدون الذين يتبعون مثال يوسف ومريم، الذين يساعدون اولادهم على النمو في الحكمة الالهية، الذين يمنحونهم جوا بيتيا جيدا ويعرِّضونهم للتأثيرات الحسنة للمعاشرة التقوية، يزيدون احتمال حدوث شيء مماثل لذريتهم. وأولاد كهؤلاء يتمتعون على الارجح بحياة سعيدة فيما ينمون نحو البلوغ المسيحي المقترن بالمسؤولية.
[الحاشية]
a اليونانية الاصلية هنا تحمل الفكرة ان ‹امتلاء يسوع حكمة› كان عملية استمرارية تقدمية.
-