-
كلام قاسٍ، روح منسحقةاستيقظ! ١٩٩٧ | آب (اغسطس) ٨
-
-
كلام قاسٍ، روح منسحقة
«ايتها السلحفاة الغبية!»a تتذكر امرأة في اليابان هذه الكلمات جيدا — فقد وُجِّهت اليها مرارا وتكرارا حين كانت صغيرة. ومَن كان يتفوَّه بها؟ رفقاؤها في المدرسة؟ اشقاؤها؟ كلا، والداها. تتذكر: «كنت اكتئب لأن هذه الكلمات المهينة كانت تجرح مشاعري بعمق.»
يتذكر رجل في الولايات المتحدة انه كان يشعر بالخوف والقلق في صغره كلما اتى ابوه الى البيت. يقول: «يمكنني حتى هذا اليوم سماع صوت عجلات السيارة على الطريق الخاصة امام البيت، فيقشعرُّ جلدي من ذكرى ذلك. وكانت اختي الصغيرة تختبئ. لقد كان والدي ينشد الكمال في كل عمل، وكان يصرخ في وجهنا باستمرار لأن الاعمال التي كانت تُطلب منا لم تكن تُنجز بشكل جيد الى الحد الكافي.»
وتضيف شقيقة هذا الرجل: «لا اذكر يوما عانقَنا فيه احد والدَينا او قبَّلَنا او قال شيئا مثل ‹احبّك› او ‹انا فخور بك.› وعدم سماع عبارة ‹احبّك› مطلقا بالنسبة الى الولد تعادل سماعه كلمة ‹اكرهك› — في كل يوم من حياته.»
قد يقول البعض ان الالم الذي عاناه هؤلاء الاشخاص في صغرهم لم يكن خطير الشأن. فليس مستغرَبا دون شك ان توجَّه الى الاولاد كلمات قاسية وفظة وأن يعامَلوا بطريقة مزعجة. وهذا النوع من المعاملة لا تُبرِزه العناوين الفاضحة في الصحف ولا تتناوله البرامج التلفزيونية التي تعالج المواضيع المثيرة. وليست اضراره بادية للعيان. ولكن اذا استمر الوالدون في اساءة معاملة اولادهم بطرائق كهذه يوما بعد يوم، فقد تكون لذلك تأثيرات مدمِّرة — تأثيرات تدوم مدى العمر.
في سنة ١٩٩٠ تمت متابعة دراسة أُجريت سنة ١٩٥١ تناولت اساليب تربية مجموعة من الاولاد يبلغون من العمر خمس سنوات. فقد تمكن الباحثون من الاتصال بكثيرين من هؤلاء الاولاد، الذين صاروا في منتصف العمر، لمعرفة التأثيرات الطويلة الامد لطريقة تنشئتهم. وخلصت الدراسة الجديدة الى ان الاولاد الذين عانوا اصعب المشاكل في حياتهم بعدما كبروا، الذين افتقروا الى الاستقرار العاطفي، والذين لاقوا صعوبات في زواجهم وصداقاتهم وحتى في عملهم، لم يكونوا بالضرورة اولاد ابوَين فقيرَين او ابوَين غنيَّين او حتى ابوَين يعانيان المشاكل بشكل واضح. لقد كانوا اولاد ابوَين باردَين اظهرا القليل او لا شيء من المودة.
هذه النتائج تردِّد الى حد ما صدى حقيقة كُتبت قبل ٠٠٠,٢ سنة تقريبا: «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا.» (كولوسي ٣:٢١) فالاساءة الشفهية والعاطفية من قِبل الوالدين تغيظ الاولاد فعلا ويمكن ان يصيروا فاشلين بسببها.
وفقا لكتاب الترعرع حزينا (بالانكليزية)، كان الاطباء يعتقدون قبل فترة غير طويلة انه لا يوجد شيء يدعى كآبة الطفولة. لكنَّ الوقت والاختبار برهنا العكس. واليوم، كما يؤكد المؤلفان، صارت كآبة الطفولة امرا مسلما به وشائعا جدا. ومن اسبابها نبذ الوالدين لأولادهم وإساءة معاملتهم. يوضح المؤلفان: «في بعض الحالات يمطر الوالد ولده بوابل مستمر من الانتقاد والاذلال. وفي حالات اخرى يتطور فراغ في علاقة الوالد بالولد: فلا يعبِّر الوالد ابدا عن محبته للولد. . . . وتكون النتيجة مأساوية خصوصا لأولاد والدين كهؤلاء لأنه بالنسبة الى الولد — كما هي الحال مع البالغ ايضا — المحبة مهمة كأهمية ضوء الشمس والماء للنبتة.»
من خلال المحبة الابوية، اذا أُعرب عنها بوضوح وصراحة، يتعلم الاولاد حقيقة مهمة: انهم محبوبون؛ ان لهم قيمة. يعتبر كثيرون خطأً هذه الفكرة شكلا من اشكال التعجرف، إيثارا للنفس على الآخرين. ولكن ليس هذا هو المقصود في هذه القرينة. تقول مؤلفة في كتابها حول هذا الموضوع: «ان رأي ولدكم في نفسه يتأثر بنوع الاصدقاء الذين يختارهم، بطريقة انسجامه مع الآخرين، بنوع الشخص الذي يتزوجه، وبمدى ما سيحققه في الحياة.» ويعترف الكتاب المقدس بأهمية حيازة نظرة متزنة وغير انانية الى الذات حين يقول ان الوصية العظمى الثانية هي: «تحب قريبك كنفسك.» — متى ٢٢:٣٨، ٣٩.
من الصعب تخيُّل والد طبيعي يريد ان يحطّم شيئا مهما وحسّاسا كاحترام الذات عند الولد. فلماذا يحدث ذلك كثيرا؟ وكيف يمكن تفاديه؟
-
-
الوالدون تحت ضغطاستيقظ! ١٩٩٧ | آب (اغسطس) ٨
-
-
الوالدون تحت ضغط
غالبا ما يبدو الوالدان الجديدان طائرَين فرحا. فكل شيء تقريبا عن طفلهما يثيرهما. وابتسامة الطفل الاولى، كلماته الاولى، وخطواته الاولى هي مناسبات بالغة الاهمية. وهما يسلّيان الاصدقاء والاقرباء بصوره وبالقصص عنه. فلا شك انهما يحبان ولدهما.
ولكن في بعض العائلات تتطور مأساة مع مرور السنين. فتتحوَّل مناغاة الأبوين لولدهما الى كلمات قاسية ومزعجة؛ وتتحوَّل المعانقات الرقيقة الى صفعات غضب او الى انعدام تام للاتصال اللمسي؛ ويتحوَّل اعتزاز الابوين الى مرارة. فكثيرون يقولون: «ليتني لم ارزق بأولاد.» وتكون المشكلة في عائلات اخرى اسوأ ايضا — عندما لا يعرب الوالدان عن المحبة لولدهم حتى حين يكون طفلا! وفي كلتا الحالتين، ماذا حدث؟ اين المحبة؟
ان الاولاد غير قادرين طبعا على ايجاد الاجوبة عن اسئلة كهذين. لكنَّ ذلك لن يمنعهم من الوصول الى استنتاجات خاصة. فالولد في قرارة نفسه قد يستنتج: ‹اذا كان البابا او الماما لا يحبني، فالحق عليّ في ذلك. لا بد اني شخص سيئ جدا.› وقد يصير ذلك اقتناعا راسخا فيه — اقتناعا يمكن ان يؤذيه بأشكال مختلفة مدى الحياة.
لكنَّ الحقيقة هي ان الوالدين قد يفشلون في الاعراب عن المحبة التي يحتاج اليها اولادهم لأسباب كثيرة. فلا بد من الاعتراف ان الوالدين يواجهون اليوم ضغوطا هائلة، وبعضها على نطاق لم يسبق له مثيل. وإذا كان الوالدون غير مستعدين لمواجهة هذه الضغوط بالشكل المناسب، يمكن ان تؤثر سلبا في دورهم كوالدين الى حد كبير. يذكر مثل حكيم قديم: «الظلم يحمِّق الحكيم.» — جامعة ٧:٧.
«ازمنة صعبة»
العصر المثالي. هذا ما توقَّع اناس كثيرون حدوثه في هذا القرن. تخيَّلوا — لا ضغوط اقتصادية ولا مجاعات ولا فترات جفاف ولا حروب في ما بعد! لكنَّ هذه الآمال ذهبت هباءً منثورا. وصار عالم اليوم كما تنبأ احد كتبة الكتاب المقدس في القرن الاول بعد الميلاد. فقد كتب اننا سنواجه في ايامنا «ازمنة صعبة.» (٢ تيموثاوس ٣:١-٥) ويوافق معظم الوالدين دون تردد على هذه الكلمات.
يقف والدون جدد كثيرون مشدوهين امام الارتفاع الساحق لكلفة تربية الاولاد في عالم اليوم. وكثيرا ما يضطر الوالدان كلاهما الى العمل خارج البيت لتلبية الحاجات الاساسية فقط. فالنفقات الطبية والثياب والمدارس وبيوت الحضانة النهارية وحتى المأكل والمأوى امور قد تجعل والدين كثيرين يشعرون وكأنهم سيغرقون في بحر الفواتير الشهرية. وهذا الوضع الاقتصادي يذكّر تلاميذ الكتاب المقدس بالنبوة في سفر الرؤيا التي تتحدث عن زمن يصرف فيه الناس اجر يوم كامل لمجرد شراء الضروريات التي تكفيهم ليوم واحد! — رؤيا ٦:٦.
لا يمكن التوقُّع من الاولاد ان يفهموا كل هذه الضغوط التي يواجهها والدوهم. فهم بطبيعتهم بحاجة ماسة الى المحبة والانتباه. والضغط الذي تمارسه عليهم وسائل الاعلام ورفقاؤهم في المدرسة ليملكوا احدث الالعاب والملابس والاجهزة الالكترونية غالبا ما يؤدي الى ضغط يُلقى على عاتق الوالدين لتأمين قائمة لا تنتهي من الاشياء المرغوبة.
والتمرُّد هو ضغط آخر يواجهه الوالدون، ويبدو انه يتزايد في هذه الايام. ومن المثير للاهتمام ان الكتاب المقدس تنبأ بعدم اطاعة الاولاد والديهم على نطاق واسع كعلامة تميِّز ايضا ازمنتنا المضطربة. (٢ تيموثاوس ٣:٢) صحيح ان مشاكل تأديب الاولاد ليست امرا جديدا، ولا يمكن لأيّ والد ان يقول بحقّ ان سوء تصرُّف الولد هو السبب في معاملته بطريقة مؤذية، ولكن ألا توافقون انه يجب على الوالدين اليوم المجاهدة لتربية اولادهم في محيط كله تمرُّد؟ فهنالك اغانٍ شعبية تروِّج الغضب والتمرُّد واليأس، وبرامج تلفزيونية تصوِّر الوالدين كأغبياء يتصرفون بشكل اخرق فيما اولادهم يتفوقون عليهم في ذكائهم المزعوم، وأفلام تشجع على الاستسلام لردود الفعل العنيفة، والاولاد اليوم يُمطَرون بوابل من هذه التأثيرات. والاولاد الذين يتشربون ويقلّدون سمات التمرُّد الشائعة هذه يمكن ان يعرِّضوا والديهم لضغوط هائلة.
«بلا حنوّ»
ولكن ثمة وجه آخر لهذه النبوة القديمة نفسها ينذر بمشاكل اكثر ايضا ستواجه العائلة اليوم. فهي تشير الى ان اناسا كثيرين جدا سيكونون «بلا حنوّ.» (٢ تيموثاوس ٣:٣) والحنوّ هو ما يجعل العائلة متماسكة. وحتى اكثر الشكّاكين في نبوة الكتاب المقدس يسلّمون بأن ازمنتنا شهدت انهيارا مروِّعا في الحياة العائلية. فقد ارتفعت معدلات الطلاق في كل انحاء العالم. وفي مجتمعات كثيرة تصير العائلات ذات الوالد الواحد والعائلات التي فيها زوجة اب او زوج ام شائعة اكثر من العائلات التقليدية. ويواجه احيانا الوالدون المتوحِّدون وأزواج الامهات او زوجات الآباء تحديات وضغوطا خصوصية يمكن ان تصعِّب عليهم الاعراب عن المحبة التي يحتاج اليها الاولاد.
ولكن هنالك تأثير له وقع اكبر. فكثيرون من الوالدين اليوم ترعرعوا هم انفسهم في بيوت فيها القليل او لا شيء من ‹الحنوّ› — بيوت مزَّقها الطلاق والزنا، بيوت دمَّرها التباعد والبغض، وربما حتى بيوت كثرت فيها الاساءة الشفهية او العاطفية او الجسدية او الجنسية. والترعرع في بيوت كهذه لا يؤذي الاولاد فقط بل يمكن ان يؤذيهم ايضا حين يبلغون سنّ الرشد. وتعطي الاحصائيات صورة قاتمة عن هذا الموضوع، اذ تشير الى ان الوالدين الذين أُسيء اليهم وهم اولاد يُحتمل اكثر ان يسيئوا الى اولادهم. وثمة قول جرى مثلا بين اليهود في ازمنة الكتاب المقدس يذكر: «الآباء اكلوا الحصرم وأسنان الابناء ضرست.» — حزقيال ١٨:٢.
لكنَّ اللّٰه قال لشعبه انه لا ينبغي ان تجري الامور هكذا. (حزقيال ١٨:٣) ثمة نقطة مهمة يجب الانتباه اليها هنا: هل تعني كل هذه الضغوط التي يتعرض لها الوالدون انه ليس في استطاعتهم الامتناع عن الاساءة الى اولادهم؟ بالطبع لا! فإذا كنت ابا او اما وتجد نفسك تصارع بعض الضغوط المذكورة آنفا، وتقلق بشأن قدرتك على ان تكون والدا جيدا، فتشجَّع! فأنت لست رقما في دراسة احصائية. وماضيك لا يحدِّد مستقبلك بطريقة آلية.
انسجاما مع تأكيد الاسفار المقدسة أن التحسُّن ممكن، يقدِّم كتاب التربية السليمة للاولاد (بالانكليزية) هذا التعليق: «اذا لم تتخذوا خطوات مدروسة لتتصرفوا بطريقة مختلفة عن تصرفات والديكم، فستكرِّرون اساليب التربية التي اتُّبعت معكم حين كنتم اطفالا حتى لو لم تكونوا تريدون ذلك. ولكي توقفوا هذه الدورة، يلزم ان تعوا هذه الاساليب غير السليمة التي تواصلون اعتمادها وأن تتعلموا كيف تغيِّرونها.»
نعم، اذا كان الامر ضروريا، يمكنكم ان توقفوا دورة التربية المسيئة للاولاد! ويمكنكم ان تواجهوا الضغوط التي تجعل تربية الاولاد صعبة جدا اليوم. ولكن كيف؟ اين يمكنكم العثور على افضل المقاييس وأنجعها لتربية الاولاد بطريقة سليمة؟ ستناقش مقالتنا التالية هذه المسألة.
-
-
ساعدوا اولادكم ان يكبروا في هناءاستيقظ! ١٩٩٧ | آب (اغسطس) ٨
-
-
ساعدوا اولادكم ان يكبروا في هناء
حين يتعلق الامر بتربية الاولاد، يبحث والدون كثيرون في كل مكان عن الاجوبة مع انها تكون في متناولهم بسهولة في بيتهم. فعائلات كثيرة تملك كتابا مقدسا، لكنَّ الغبار يعلوه وهو على رفّ الكتب بدلا من استعماله في تربية الاولاد.
صحيح ان كثيرين اليوم يشكّون في امكانية الاعتماد على الكتاب المقدس كدليل في الحياة العائلية. فهم ينبذونه لأنهم يعتبرونه قديم الطراز او طريقته قاسية اكثر مما ينبغي. لكنَّ فحصا صادقا سيكشف ان الكتاب المقدس كتاب عملي للعائلات. فلنرَ كيف.
البيئة الملائمة
يأمر الكتاب المقدس الاب ان يعتبر اولاده مثل ‹غروس الزيتون حول مائدته.› (مزمور ١٢٨:٣، ٤) لا تصير الغروس الصغيرة الرقيقة اشجارا مثمرة دون العناية بها جيدا، دون منحها الغذاء المناسب، التربة الملائمة، والرطوبة اللازمة. وبشكل مماثل، تتطلب تربية الاولاد بطريقة ناجحة جهدا وعناية. فالاولاد بحاجة الى بيئة سليمة ينمون فيها الى النضج.
اول مقوِّمات هذا الجوّ هو المحبة — بين رفقاء الزواج وبين الوالدين والاولاد. (افسس ٥:٣٣؛ تيطس ٢:٤) كثيرون من اعضاء العائلات يحبون واحدهم الآخر ولكنهم لا يرون اية حاجة الى الاعراب عن هذه المحبة. ولكن تأملوا في هذا: هل يمكنكم القول بحق انكم على اتصال بصديق اذا كنتم قد كتبتم اليه الرسائل دون ان تضعوا عنوانه على الظرف او تلصقوا الطوابع او ترسلوها في البريد؟ وبشكل مماثل، يُظهر الكتاب المقدس ان المحبة الحقيقية هي اكثر بكثير من شعور يُدفئ القلب؛ انها تعرب عن نفسها بالكلام والاعمال. (قارنوا يوحنا ١٤:١٥ و ١ يوحنا ٥:٣.) وقد رسم اللّٰه المثال، اذ عبَّر عن محبته لابنه شفهيا قائلا: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.» — متى ٣:١٧.
المدح
كيف يمكن للوالدين الاعراب عن محبة كهذه لأولادهم؟ كبداية، ابحثوا عن الامور الجيدة. من السهل ايجاد العيوب في الاولاد. فعدم نضجهم وعدم خبرتهم وأنانيتهم ستَظهر للعيان بوضوح بطرائق لا تُعَدّ، يوما بعد يوم. (امثال ٢٢:١٥) ولكنهم يقومون بأمور جيدة كثيرة كل يوم. فعلى اية امور ستشدِّدون؟ لا يركّز اللّٰه على عيوبنا بل يذكر الخير الذي نفعله. (مزمور ١٣٠:٣؛ عبرانيين ٦:١٠) وينبغي ان نتعامل مع اولادنا بالطريقة نفسها.
يذكر احد الشبان هذه الملاحظة: «طوال حياتي في البيت، لا استطيع ابدا ان اذكر يوما قيلت فيه اية عبارة مدح — سواء على انجازاتي في البيت او في المدرسة.» فيا ايها الوالدون، لا تصرفوا النظر عن هذه الحاجة الحيوية لدى اولادكم! فينبغي ان يُمدَح الاولاد جميعا بانتظام على الامور الجيدة التي يفعلونها. ويخفض ذلك خطر الشعور بأنهم ‹فاشلون› وهم يكبرون، مقتنعين بأن لا شيء يفعلونه سيكون جيدا. — كولوسي ٣:٢١.
الاتصال
الطريقة الفعّالة الاخرى للاعراب عن المحبة لأولادكم هي اتِّباع نصيحة يعقوب ١:١٩: «ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب.» فهل تحملون اولادكم على التكلم بحرية وتصغون فعلا الى ما لديهم ليقولوه؟ اذا كان اولادكم يعلمون انكم ستعظونهم حتى قبل ان يُنهوا كلامهم او انكم ستغضبون حين تعرفون حقيقة شعورهم، فعندئذ قد يُبقون مشاعرهم لأنفسهم. ولكن اذا كانوا يعلمون انكم ستصغون فعلا، يُحتمل اكثر ان يفتحوا لكم قلوبهم. — قارنوا امثال ٢٠:٥.
ولكن ماذا لو باحوا بمشاعر انتم تعرفون انها خاطئة؟ هل هذا هو الوقت لتجيبوا بغضب، لتعظوهم، او لتؤدبوهم بطريقة ما؟ صحيح ان الاولاد يعبِّرون احيانا عن مشاعرهم بأسلوب ثائر بحيث يصعب ‹الابطاء في التكلم والابطاء في الغضب،› ولكن تأملوا ثانيةً في مثال اللّٰه مع اولاده. هل يخلق اللّٰه جوًّا من الذعر بحيث يخاف اولاده من التحدث اليه عن حقيقة شعورهم؟ كلا! يقول المزمور ٦٢:٨: «توكلوا عليه في كل حين يا قوم اسكبوا قدامه قلوبكم. اللّٰه ملجأ لنا.»
لذلك حين كان ابراهيم قلقا بشأن قرار اللّٰه ان يهلك مدينتَي سدوم وعمورة، لم يتردد في القول لأبيه السماوي: «حاشا لك ان تفعل مثل هذا الامر . . . أديَّان كل الارض لا يصنع عدلا.» ولم ينتهر يهوه ابراهيم، بل اصغى اليه وهدَّأ مخاوفه. (تكوين ١٨:٢٠-٣٣) فاللّٰه يعرب عن صبر ولطف فائقَين، حتى حين يسكب له اولاده مشاعر غير مبرَّرة وغير منطقية البتة. — يونان ٣:١٠–٤:١١.
وبشكل مماثل، يلزم ان يخلق الوالدون بيئة يشعر فيها الاولاد بالامان اذا كشفوا عن مشاعرهم الاعمق، مهما تكن هذه المشاعر مزعجة. لذلك اذا عبَّر ولدكم عن شعوره بأسلوب حادّ، فاصغوا. وبدلا من تعنيفه، اعترفوا بحقيقة شعوره واحملوه على ذكر الاسباب. فقد تقولون مثلا: ‹يبدو انك غضبان على فلان. هل تريد ان تخبرني ماذا حدث؟›
معالجة الغضب
طبعا، لا يوجد والد صبور كيهوه. فيمكن ان يمتحن الاولاد صبر والديهم الى الحد الاقصى. لذلك اذا شعرتم بالغضب على اولادكم من حين الى آخر، فلا تخشوا ان يجعلكم ذلك ابا او اما فاشلا. وفي بعض الاحيان يكون غضبكم مبرَّرا. واللّٰه نفسه يغضب بالصواب على اولاده، حتى على بعض الذين يعتبرهم اعزاء جدا لديه. (خروج ٤:١٤؛ تثنية ٣٤:١٠) ومع ذلك تعلّمنا كلمته ان نضبط غضبنا. — افسس ٤:٢٦.
كيف؟ من المفيد احيانا ان تريحوا اعصابكم لحظات قليلة كي تتسنى لغضبكم الفرصة ليسكن. (امثال ١٧:١٤) وتذكروا انه ولد! لا تتوقعوا منه ان يتصرف كراشد او يفكر كشخص ناضج. (١ كورنثوس ١٣:١١) ويمكن ان يهدأ غضبكم اذا فهمتم سبب تصرُّف ولدكم بطريقة معينة. (امثال ١٩:١١) ولا تغفلوا ابدا عن الفرق الشاسع بين فعل ما هو شر وكون الشخص نفسه شريرا. وإذا صرختم في وجه الولد قائلين انه شرير، فقد يجعل ذلك الولد يتساءل: ‹ما دمت كذلك، ما الفائدة اذًا من محاولة تحسين سلوكي؟› لكنَّ تقويم الولد بمحبة سيساعده على تحسين سلوكه في المرة التالية.
المحافظة على النظام والاحترام
ان تعليم الاولاد حسّ النظام والاحترام هو احد اعظم التحديات التي يواجهها الوالدون. ففي العالم المتساهل اليوم، يتساءل كثيرون ما اذا كان صائبا وضع اية قيود على اولادهم. يجيب الكتاب المقدس: «العصا والتوبيخ يعطيان حكمة والصبي المطلق الى هواه يُخجل امه.» (امثال ٢٩:١٥) ينفر البعض من ذكر كلمة «عصا،» ظانين انها تتضمن نوعا من الاساءة الى الاولاد. لكنَّ الامر ليس كذلك. فالكلمة العبرانية المنقولة الى «عصا» تشير الى اداة كالتي يستعملها الراعي لإرشاد خرافه لا لإيذائها.a لذلك تمثِّل العصا التأديب.
في الكتاب المقدس، يعني التأديب من حيث الاساس التعليم. لذلك يقول سفر الامثال اربع مرات: ‹اسمع التأديب.› (امثال ١:٨؛ ٤:١؛ ٨:٣٣، عج؛ ١٩:٢٧، عج) فيلزم ان يتعلم الاولاد ان فعل ما هو صواب يجلب لهم المكافأة وأن فعل ما هو خطأ وخيم العاقبة. فقد يطبع العقاب في الذهن فداحة سلوكهم الرديء كما ان المكافآت — كالمدح — ترسِّخ السلوك الجيد فيهم. (قارنوا تثنية ١١:٢٦-٢٨.) ويحسن بالوالدين ان يتمثلوا باللّٰه حين يعاقبون اولادهم، لأنه قال لشعبه انه يؤدبهم «الى الحد الملائم.» (ارميا ٤٦:٢٨، عج) فبعض الاولاد تكفيهم بعض الكلمات الحازمة ليحسّنوا سلوكهم. وتلزم اولادا آخرين اجراءات اكثر صرامة. لكنَّ التأديب «الى الحد الملائم» لا يشمل ابدا ايّ شيء يمكن ان يسبب للولد اذى عاطفيا او جسديا حقيقيا.
ينبغي ان يشمل التأديب المتَّزن تعليم الاولاد الحدود المرسومة. والكثير من هذه الحدود مبيَّن بوضوح في كلمة اللّٰه. فالكتاب المقدس يعلّم احترام الحدود المتعلقة بالممتلكات الشخصية. (تثنية ١٩:١٤) ويرسم حدودا جسدية، اذ يخطِّئ محبة العنف او تسبيب الاذى العمدي للآخرين. (مزمور ١١:٥، عج؛ متى ٧:١٢) ويضع حدودا جنسية، اذ يدين سفاح القربى. (لاويين ١٨:٦-١٨) حتى انه يعترف بوجود حدود شخصية وعاطفية، مانعا ايانا من توجيه الكلمات البذيئة الى احد او اللجوء الى الاشكال الاخرى من الاساءة الشفهية. (متى ٥:٢٢) وتعليم الاولاد هذه الحدود المرسومة — سواء بالكلام او بالمثال — ضروري لخلق بيئة عائلية سليمة.
والوسيلة الاخرى للمحافظة على النظام والاحترام في العائلة تكمن في فهم الادوار العائلية. وهذه الادوار غير واضحة او مشوَّشة في عائلات كثيرة اليوم. ففي بعض العائلات يأتمن احد الوالدين ولده على المشاكل الثقيلة، مشاكل لا يكون الولد مهيَّأ لمعالجتها. وفي عائلات اخرى يُسمح للاولاد بأن يتصرفوا كدكتاتوريين صغار، متخذين قرارات عن كامل العائلة. وهذا خطأ ومؤذٍ. فيجب على الوالدين ان يزوِّدوا اولادهم الصغار بحاجاتهم — سواء أكانت جسدية ام عاطفية ام روحية — وليس العكس. (٢ كورنثوس ١٢:١٤؛ ١ تيموثاوس ٥:٨) تأملوا في مثال يعقوب، الذي عدَّل سرعة تقدُّم جميع افراد عائلته وكل مَن معه لكي لا يقسو على الصغار. فقد كان مدركا لحدود قدراتهم واتخذ الاجراء اللازم. — تكوين ٣٣:١٣، ١٤.
الاهتمام بالحاجات الروحية
لا شيء اهم من الروحيات لتكون هنالك بيئة عائلية سليمة. (متى ٥:٣) يتمتع الاولاد بقدرة كبيرة على استيعاب الامور الروحية. ولديهم اسئلة كثيرة مثل: لماذا نحن موجودون؟ مَن صنع الارض وحيواناتها وأشجارها ومحيطاتها؟ لماذا يموت الناس؟ ماذا يحدث بعد ذلك؟ لماذا تحصل امور سيئة للناس الصالحين؟ ولا تبدو للقائمة نهاية. وغالبا ما يكون الوالدون هم الذين يفضِّلون عدم اثارة مسائل كهذه.b
يحث الكتاب المقدس الوالدين على صرف الوقت في منح اولادهم التدريب الروحي. وهو يتحدث عن هذا التدريب بتعابير رقيقة مشبِّها اياه بحوار متواصل بين الوالدين والاولاد. فيمكن للوالدين ان يعلّموا اولادهم عن اللّٰه وكلمته حين يسيرون معا، حين يجلسون معا في البيت، حين يحين موعد النوم — كلما امكن. — تثنية ٦:٦، ٧؛ افسس ٦:٤.
لا يكتفي الكتاب المقدس بنصحكم بصنع برنامج روحي كهذا، بل يزوِّد ايضا المواد التي تلزمكم لذلك، وإلا فكيف كنتم ستجيبون عن اسئلة اولادكم المذكورة اعلاه؟ يحتوي الكتاب المقدس على الاجوبة. وهي واضحة، مدهشة، وتمنح رجاء قويا في هذا العالم اليائس. والافضل من ذلك ايضا هو انه يمكن لفهم حكمة الكتاب المقدس ان يمنح اولادكم اقوى دعم وأنجع ارشاد في هذه الازمنة المضطربة. فامنحوهم ذلك، وعندئذ سيكونون فعلا في هناء — الآن وفي المستقبل حين يكبرون.
-