-
«اُعبُر الى مقدونية»اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٦
«اُعْبُرْ إِلَى مَقْدُونِيَةَ»
اَلْبَرَكَاتُ ٱلنَّاجِمَةُ عَنْ قُبُولِ ٱلتَّعْيِينَاتِ وَٱحْتِمَالِ ٱلِٱضْطِهَادِ بِفَرَحٍ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٦:٦-٤٠
١-٣ (أ) كَيْفَ لَمَسَ بُولُسُ وَرَفِيقَاهُ تَوْجِيهَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ؟ (ب) مَاذَا نُرَاجِعُ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟
تُغَادِرُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ ٱلنِّسْوَةِ مَدِينَةَ فِيلِبِّي فِي مَقْدُونِيَةَ. وَسُرْعَانَ مَا يَصِلْنَ إِلَى نَهْرٍ صَغِيرٍ هُوَ نَهْرُ جَانْجِيتِيس. وَكَعَادَتِهِنَّ يَجْلِسْنَ عَلَى ضَفَّةِ ٱلنَّهْرِ يُصَلِّينَ إِلَى إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ؛ يُصَلِّينَ عَلَى مَرْأًى مِنَ يَهْوَهَ . . . — ٢ اخ ١٦:٩؛ مز ٦٥:٢.
٢ فِي هٰذِهِ ٱلْأَثْنَاءِ، وَعَلَى بُعْدِ أَكْثَرَ مِنْ ٨٠٠ كلم شَرْقِيَّ فِيلِبِّي، يُغَادِرُ بُولُسُ وَسِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ مَدِينَةَ لِسْتَرَةَ جَنُوبَ غَلَاطِيَةَ. وَإِذَا بِهِمْ بَعْدَ أَيَّامٍ أَمَامَ طَرِيقٍ رُومَانِيَّةٍ رَئِيسِيَّةٍ تَتَّجِهُ غَرْبًا نَحْوَ أَكْثَرِ ٱلْمَنَاطِقِ ٱكْتِظَاظًا فِي إِقْلِيمِ آسِيَا. يَعُدُّ هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ ٱلدَّقَائِقَ حَتَّى يَجْتَازُوا هٰذِهِ ٱلطَّرِيقَ ٱلْمُعَبَّدَةَ وَيُوصِلُوا ٱلْبِشَارَةَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ إِلَى آلَافِ ٱلْأَشْخَاصِ ٱلْقَاطِنِينَ فِي أَفَسُسَ وَمُدُنٍ أُخْرَى. وَلٰكِنْ قَبْلَ ٱلْبَدْءِ بِرِحْلَتِهِمْ، يُوقِفُهُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ بِطَرِيقَةٍ مَا وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْكِرَازَةِ فِي آسِيَا. وَمَا ٱلسَّبَبُ؟ لَقَدْ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَقُودَ بُولُسَ وَرَفِيقَيْهِ عَبْرَ آسِيَا ٱلصُّغْرَى وَبَحْرِ إِيجَه إِلَى ضِفَّةِ ذَاكَ ٱلنَّهْرِ ٱلصَّغِيرِ ٱلْمَدْعُوِّ جَانْجِيتِيس، فَٱسْتَخْدَمَ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لِهٰذَا ٱلْغَرَضِ.
٣ وَبِٱلْفِعْلِ تَوَجَّهَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى مَقْدُونِيَةَ. وَٱلْأُسْلُوبُ ٱلَّذِي ٱعْتَمَدَهُ يَسُوعُ فِي تَوْجِيهِهِمْ خِلَالَ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلِٱسْتِثْنَائِيَّةِ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ دُرُوسًا قَيِّمَةً لَنَا نَحْنُ ٱلْيَوْمَ. فَلْنَتَوَقَّفْ إِذًا عِنْدَ بَعْضِ ٱلْمَحَطَّاتِ فِي جَوْلَةِ بُولُسَ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ ٱلَّتِي ٱسْتَهَلَّهَا نَحْوَ ٱلْعَامِ ٤٩ بم.
«اَللّٰهُ قَدِ ٱسْتَدْعَانَا» (اعمال ١٦:٦-١٥)
٤، ٥ (أ) مَاذَا حَدَثَ لِبُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ قُرْبَ بِيثِينِيَةَ؟ (ب) أَيُّ قَرَارٍ ٱتَّخَذَهُ ٱلتَّلَامِيذُ، وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟
٤ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ وَرَفِيقَاهُ بَعْدَمَا مُنِعُوا مِنَ ٱلْكِرَازَةِ فِي آسِيَا؟ تَوَجَّهُوا شَمَالًا لِيُبَشِّرُوا مُدُنَ بِيثِينِيَةَ. وَلِبُلُوغِ وُجْهَتِهِمْ رُبَّمَا مَشَوْا أَيَّامًا عَلَى طُرُقَاتٍ غَيْرِ مُعَبَّدَةٍ تَرْبِطُ بَيْنَ مِنْطَقَتَيْ فَرِيجِيَةَ وَغَلَاطِيَةَ حَيْثُ ٱلْكَثَافَةُ ٱلسُّكَّانِيَّةُ مُنْخَفِضَةٌ. وَلٰكِنْ عِنْدَمَا دَنَوْا مِنْ بِيثِينِيَةَ، ٱسْتَخَدَمَ يَسُوعُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لِمَنْعِهِمْ مِنْ مُتَابَعَةِ سَيْرِهِمْ. (اع ١٦:٦، ٧) فَمَاذَا إِذًا؟! لَا بُدَّ أَنَّ ٱلرِّجَالَ وَقَعُوا فِي حَيْرَةٍ. فَقَدْ عَرَفُوا بِمَ يَكْرِزُونَ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ، لٰكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا أَيْنَ يَكْرِزُونَ. قَرَعُوا بَابَ آسِيَا، وَإِذَا بِهِ مُوْصَدٌ فِي وَجْهِهِمْ. قَرَعُوا بَابَ بِيثِينِيَةَ، فَلَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ حَالًا. فَهَلْ أَلْقَوُا ٱلسِّلَاحَ وَٱسْتَسْلَمُوا؟ إِطْلَاقًا! فَٱلرَّسُولُ بُولُسُ كَانَ عَازِمًا أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى ٱلْقَرْعِ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ. عِنْدَئِذٍ ٱتَّخَذُوا قَرَارًا يَبْدُو لِلْوَهْلَةِ ٱلْأُولَى ٱعْتِبَاطِيًّا. فَقَدْ مَشَوْا غَرْبًا نَحْوَ ٥٥٠ كلم مُتَجَاوِزِينَ ٱلْمَدِينَةَ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى حَتَّى بَلَغُوا مَرْفَأَ تَرُوَاسَ، بَوَّابَةَ مَقْدُونِيَةَ ٱلطَّبِيعِيَّةَ. (اع ١٦:٨) وَهُنَاكَ قَرَعَ بُولُسُ بَابًا ثَالِثًا؛ فَإِذَا بِهِ يُفْتَحُ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ!
٥ يُطْلِعُنَا كَاتِبُ ٱلْإِنْجِيلِ لُوقَا ٱلَّذِي ٱنْضَمَّ إِلَى بُولُسَ وَرَفِيقَيْهِ فِي تَرُوَاسَ عَلَى تَفَاصِيلِ مَا جَرَى. يَقُولُ: «فِي ٱللَّيْلِ تَرَاءَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا: رَجُلٌ مَقْدُونِيٌّ وَاقِفٌ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: ‹اُعْبُرْ إِلَى مَقْدُونِيَةَ وَأَعِنَّا›. فَمَا إِنْ رَأَى ٱلرُّؤْيَا حَتَّى طَلَبْنَا أَنْ نَنْطَلِقَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ، إِذِ ٱسْتَنْتَجْنَا أَنَّ ٱللّٰهَ قَدِ ٱسْتَدْعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ».a (اع ١٦:٩، ١٠) وَأَخِيرًا، عَرَفَ بُولُسُ أَيْنَ يَكْرِزُ! فَأَبْحَرَ ٱلرِّجَالُ ٱلْأَرْبَعَةُ مِنْ فَوْرِهِمْ إِلَى مَقْدُونِيَةَ. وَيَا لَلْفَرْحَةِ ٱلَّتِي غَمَرَتْ بُولُسَ إِذْ أَكْمَلَ ٱلْمَسِيرَةَ وَلَمْ يَسْتَسْلِمْ!
«فأقلعنا من ترواس». — اعمال ١٦:١١
٦، ٧ (أ) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِمَّا حَدَثَ خِلَالَ رِحْلَةِ بُولُسَ؟ (ب) مَاذَا نَسْتَخْلِصُ مِنْ مُثَابَرَةِ بُولُسَ؟
٦ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ هٰذِهِ ٱلرِّوَايَةِ؟ لَاحِظْ مَا يَلِي: لَمْ يَتَدَخَّلْ يَسُوعُ مِنْ خِلَالِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ إِلَّا بَعْدَمَا ٱنْطَلَقَ بُولُسُ فِي رِحْلَتِهِ؛ وَلَمْ يُوقِفْهُ عَنِ ٱلتَّقَدُّمِ إِلَّا بَعْدَمَا ٱقْتَرَبَ مِنْ بِيثِينِيَةَ؛ وَلَمْ يُوَجِّهْهُ إِلَى مَقْدُونِيَةَ إِلَّا بَعْدَمَا وَصَلَ إِلَى تَرُوْاسَ. وَٱلْيَوْمَ، قَدْ يَتَعَامَلُ مَعَنَا يَسُوعُ رَأْسُ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ بِطَرِيقَةٍ مُشَابِهَةٍ. (كو ١:١٨) فَلَعَلَّكَ تُفَكِّرُ مُنْذُ بَعْضِ ٱلْوَقْتِ فِي ٱلِٱنْهِمَاكِ فِي خِدْمَةِ ٱلْفَتْحِ أَوِ ٱلِٱنْتِقَالِ إِلَى مِنْطَقَةٍ حَيْثُ ٱلْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إِلَى نَاشِرِينَ لِلْمَلَكُوتِ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَلَّا يُوَجِّهَكَ يَسُوعُ بِوَاسِطَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ إِلَّا بَعْدَمَا تَتَّخِذُ خُطُوَاتٍ مُحَدَّدَةً لِبُلُوغِ هَدَفِكَ. فَهَلْ لِلسَّائِقِ أَنْ يُوَجِّهَ سَيَّارَتَهُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا إِذَا لَمْ تَكُنْ تَسِيرُ؟! بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، لَا يُرْشِدُنَا يَسُوعُ لِنُوَسِّعَ خِدْمَتَنَا فِي حَالِ لَمْ نَبْذُلْ جُهْدًا حَقِيقِيًّا لِبُلُوغِ هَدَفِنَا.
٧ وَلٰكِنْ مَاذَا لَوْ لَمْ تُثْمِرْ جُهُودُنَا عَلَى ٱلْفَوْرِ؟ هَلْ نَسْتَسْلِمُ ظَنًّا مِنَّا أَنَّ رُوحَ ٱللّٰهِ لَا يُوَجِّهُنَا؟ لِنَتَذَكَّرْ أَنَّ بُولُسَ أَيْضًا وَاجَهَ ٱلْعَرَاقِيلَ، إِلَّا أَنَّهُ ثَابَرَ عَلَى ٱلسَّعْيِ حَتَّى وَجَدَ بَابًا يُفْتَحُ لَهُ. وَفِي حَالِ ثَابَرْنَا نَحْنُ أَيْضًا، سَيُفْتَحُ أَمَامَنَا دُونَ شَكٍّ «بَابٌ كَبِيرٌ يُؤَدِّي إِلَى ٱلنَّشَاطِ». — ١ كو ١٦:٩.
٨ (أ) صِفُوا مَدِينَةَ فِيلِبِّي. (ب) أَيُّ حَدَثٍ سَارٍّ نَجَمَ عَنْ كِرَازَةِ بُولُسَ فِي «مَكَانِ صَلَاةٍ»؟
٨ بَعْدَ ٱلْوُصُولِ إِلَى إِقْلِيمِ مَقْدُونِيَةَ، سَافَرَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى فِيلِبِّي، مَدِينَةٍ يَعْتَزُّ سُكَّانُهَا بِمُوَاطِنِيَّتِهِمِ ٱلرُّومَانِيَّةِ. وَقَدْ أَقَامَ فِيهَا جُنُودٌ رُومَانٌ مُتَقَاعِدُونَ، فَكَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمُسْتَعْمَرَةُ فِي نَظَرِهِمْ نُسْخَةً مُصَغَّرَةً عَنْ إِيطَالِيَا؛ بِمَثَابَةِ رُومَا صَغِيرَةٍ نَابِتَةٍ فِي أَحْضَانِ مَقْدُونِيَةَ. وَخَارِجَ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ صَغِيرٍ، وَجَدَ ٱلْمُرْسَلُونَ مَوْضِعًا ظَنُّوا أَنَّهُ «مَكَانُ صَلَاةٍ».b فَنَزَلُوا فِي ٱلسَّبْتِ إِلَى هُنَاكَ وَوَجَدُوا عِدَّةَ نِسَاءٍ مُجْتَمِعَاتٍ لِعِبَادَةِ ٱللّٰهِ. فَجَلَسُوا إِذَّاكَ وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ مَعَهُنَّ. «وَكَانَتْ تَسْمَعُ ٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا لِيدِيَةُ . . . فَفَتَحَ يَهْوَهُ قَلْبَهَا». وَقَدْ تَأَثَّرَتْ جِدًّا بِمَا سَمِعَتْهُ لِدَرَجَةِ أَنَّهَا ٱعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا. ثُمَّ «أَلْزَمَتْ» بُولُسَ وَرِفَاقَهُ أَنْ يَمْكُثُوا عِنْدَهَا.c — اع ١٦:١٣-١٥.
٩ كَيْفَ يَقْتَدِي كَثِيرُونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ بُولُسَ، وَأَيَّ بَرَكَاتٍ يَحْصُدُونَ؟
٩ تَخَيَّلِ ٱلسَّعَادَةَ ٱلَّتِي غَمَرَتِ ٱلْحَاضِرِينَ جَمِيعًا عِنْدَ مَعْمُودِيَّةِ لِيدِيَةَ. فَكِّرْ بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ بِشَكْلٍ خَاصٍّ. كَمْ فَرِحَ دُونَ شَكٍّ لِأَنَّ يَهْوَهَ قَرَّرَ ٱسْتِخْدَامَهُ هُوَ وَرِفَاقِهِ لِٱسْتِجَابَةِ صَلَوَاتِ ٱلنِّسَاءِ ٱلْمُتَعَبِّدَاتِ! وَكَمْ سُرَّ لِأَنَّهُ قَبِلَ ٱلدَّعْوَةَ أَنْ ‹يَعْبُرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ›! وَفِي أَيَّامِنَا، يَنْتَقِلُ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ كَثِيرُونَ — صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا، عُزَّابًا أَوْ مُتَزَوِّجِينَ — إِلَى مَنَاطِقَ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى مُنَادِينَ بِٱلْمَلَكُوتِ. صَحِيحٌ أَنَّهُمْ يُوَاجِهُونَ ٱلصُّعُوبَاتِ، لٰكِنَّهَا تَبْدُو كَلَا شَيْءٍ بِٱلْمُقَارَنَةِ مَعَ ٱلِٱكْتِفَاءِ ٱلَّذِي يَلْمُسُونَهُ عِنْدَ إِيجَادِ أَشْخَاصٍ يَعْتَنِقُونَ حَقَائِقَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ كَمَا فَعَلَتْ لِيدِيَةُ. فَهَلْ فِي وِسْعِكَ أَنْ تُعَدِّلَ فِي حَيَاتِكَ بِحَيْثُ ‹تَعْبُرُ› إِلَى مُقَاطَعَةٍ ٱلْحَاجَةُ فِيهَا مَاسَّةٌ؟ تَأَكَّدْ أَنَّ بَرَكَاتٍ وَافِرَةً فِي ٱنْتِظَارِكَ. وَثَمَّةَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذٰلِكَ. تَأَمَّلْ مَثَلًا فِي آرُون، أَخٍ فِي عِشْرِينَاتِهِ ٱنْتَقَلَ إِلَى أَمِيرْكَا ٱلْوُسْطَى. يُعَبِّرُ قَائِلًا: «سَاعَدَتْنِي ٱلْخِدْمَةُ خَارِجَ بَلَدِي أَنْ أَنْمُوَ رُوحِيًّا وَأَقْتَرِبَ إِلَى يَهْوَهَ. وَخِدْمَةُ ٱلْحَقْلِ هُنَا رَائِعَةٌ، فَأَنَا أُدِيرُ ثَمَانِيَةَ دُرُوسٍ فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ!».
كيف ‹نعبر الى مقدونية› اليوم؟
«قَامَ ٱلْجَمْعُ مَعًا عَلَيْهِمَا» (اعمال ١٦:١٦-٢٤)
١٠ كَيْفَ سَاهَمَتْ يَدٌ إِبْلِيسِيَّةٌ فِي إِيقَاعِ بُولُسَ وَرِفَاقِهِ فِي وَرْطَةٍ؟
١٠ مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ ٱسْتَشَاطَ غَضَبًا لِأَنَّ بِذَارَ ٱلْحَقِّ ٱنْغَرَسَ فِي مِنْطَقَةٍ مِنَ ٱلْعَالَمِ حَيْثُ كَانَ هُوَ وَأَبَالِسَتُهُ يَعْمَلُونَ عَلَى كَيْفِهِمْ. فَلَا نَسْتَغْرِبْ إِذًا أَنَّ يَدًا إِبْلِيسِيَّةً سَاهَمَتْ فِي إِيقَاعِ بُولُسَ وَرِفَاقِهِ فِي وَرْطَةٍ. إِلَيْكَ مَا حَدَثَ: بَيْنَمَا وَاصَلَ ٱلْمُبَشِّرُونَ زِيَارَةَ مَكَانِ ٱلصَّلَاةِ، لَاقَتْهُمْ جَارِيَةٌ بِهَا رُوحٌ شَيْطَانِيَّةٌ كَانَتْ تُكْسِبُ أَرْبَابَهَا ٱلْمَالَ بِٱلتَّكَهُّنِ. وَٱسْتَمَرَّتْ تَتْبَعُهُمْ وَتَصْرُخُ: «هٰؤُلَاءِ ٱلنَّاسُ هُمْ عَبِيدُ ٱللّٰهِ ٱلْعَلِيِّ، ٱلَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ ٱلْخَلَاصِ». لَرُبَّمَا جَعَلَهَا ٱلشَّيْطَانُ تُنَادِي بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ لِيُوهِمَ ٱلسَّامِعِينَ أَنَّ تَكَهُّنَاتِهَا وَتَعَالِيمَ بُولُسَ مِنَ ٱلْمَصْدَرِ نَفْسِهِ. وَهٰكَذَا يُشَتِّتُ ٱنْتِبَاهَهُمْ عَنْ أَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ ٱلْحَقِيقِيِّينَ. غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ أَسْكَتَهَا بِإِخْرَاجِ ٱلشَّيْطَانِ مِنْهَا. — اع ١٦:١٦-١٨.
١١ مَاذَا حَدَثَ لِبُولُسَ وَسِيلَا بَعْدَ طَرْدِ ٱلشَّيْطَانِ مِنَ ٱلْجَارِيَةِ؟
١١ حَالَمَا عَلِمَ أَرْبَابُ ٱلْجَارِيَةِ أَنَّ مَصْدَرَ رِبْحِهِمِ ٱلسَّرِيعِ قَدْ تَبَخَّرَ، حَزَّ ٱلْغَيْظُ فِي قُلُوبِهِمْ. فَجَرُّوا بُولُسَ وَسِيلَا إِلَى سَاحَةِ ٱلسُّوقِ حَيْثُ كَانَ مَأْمُورُو ٱلْإِدَارَةِ (رَسْمِيُّونَ يُمَثِّلُونَ ٱلسُّلْطَةَ ٱلرُّومَانِيَّةَ) يَبُتُّونَ بِٱلدَّعَاوَى ٱلْقَضَائِيَّةِ. ثُمَّ خَاطَبُوا رُوحَهُمُ ٱلْوَطَنِيَّةَ وَحَرَّكُوا ٱلنُّعَرَةَ ٱلْعُنْصُرِيَّةَ لَدَيْهِمْ، إِذْ قَالُوا مَا فَحْوَاهُ: ‹هٰذَانِ ٱلْيَهُودِيَّانِ يُثِيرَانِ ٱضْطِرَابًا بِتَعْلِيمِ عَوَائِدَ لَا يَحِلُّ لَنَا نَحْنُ ٱلرُّومَانِيِّينَ قُبُولُهَا›. وَكَانَ لِكَلِمَاتِهِمْ مَفْعُولٌ فَوْرِيٌّ. «فَقَامَ ٱلْجَمْعُ [فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ] مَعًا عَلَيْهِمَا [بُولُسَ وَسِيلَا]» وَأَمَرَ ٱلْقُضَاةُ أَنْ «يُضْرَبَا بِٱلْعِصِيِّ». بَعْدَئِذٍ ٱقْتِيدَ ٱلرَّجُلَانِ ٱلْجَرِيحَانِ إِلَى ٱلْحَبْسِ، فَأَلْقَاهُمَا ٱلسَّجَّانُ فِي ٱلسِّجْنِ ٱلدَّاخِلِيِّ وَثَبَّتَ أَرْجُلَهُمَا فِي ٱلْمِقْطَرَةِ. (اع ١٦:١٩-٢٤) وَحِينَ أَوْصَدَ ٱلْبَابَ خَلْفَهُمَا، جَلَسَا فِي عَتَمَةِ ٱلزِّنْزَانَةِ بِٱلْكَادِ يَرَيَانِ وَاحِدُهُمَا ٱلْآخَرَ. مَعَ ذٰلِكَ، كَانَ ثَمَّةَ مَنْ يُرَاقِبُ! — مز ١٣٩:١٢.
١٢ (أ) كَيْفَ نَظَرَ تَلَامِيذُ ٱلْمَسِيحِ إِلَى ٱلِٱضْطِهَادِ، وَلِمَاذَا؟ (ب) أَيَّةُ أَسَالِيبَ لَا يَزَالُ ٱلشَّيْطَانُ وَعُمَلَاؤُهُ يَعْتَمِدُونَهَا فِي مُقَاوَمَةِ شَعْبِ ٱللّٰهِ؟
١٢ قَبْلَ سَنَوَاتٍ، قَالَ يَسُوعُ لِأَتْبَاعِهِ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ: «سَيَضْطَهِدُونَكُمْ». (يو ١٥:٢٠) لِذٰلِكَ حِينَ عَبَرَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى مَقْدُونِيَةَ كَانُوا مُهَيَّئِينَ لِمُوَاجَهَةِ ٱلْمُقَاوَمَةِ. وَحِينَ ٱضْطُهِدُوا لَمْ يَسْتَنْتِجُوا أَنَّ يَهْوَهَ غَيْرُ رَاضٍ عَنْهُمْ، بَلِ ٱعْتَبَرُوا هٰذِهِ ٱلْمِحْنَةَ دَلَالَةً عَلَى غَضَبِ ٱلشَّيْطَانِ. وَٱلْيَوْمَ أَيْضًا، يَعْمِدُ عُمَلَاءُ إِبْلِيسَ إِلَى أَسَالِيبَ مُشَابِهَةٍ. فَٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْمَاكِرُونَ يُشَوِّهُونَ صُورَتَنَا فِي ٱلْمَدَارِسِ وَأَمَاكِنِ ٱلْعَمَلِ مُؤَجِّجِينَ بِٱلتَّالِي نَارَ ٱلِٱضْطِهَادِ. وَفِي بَعْضِ ٱلْبُلْدَانِ، يَجُرُّنَا ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلدِّينِيُّونَ إِلَى ٱلْمَحَاكِمِ. وَٱلتُّهْمَةُ فِي ٱلْحَقِيقَةِ هِيَ كَمَا يَلِي: ‹هٰؤُلَاءِ ٱلشُّهُودُ يُثِيرُونَ ٱضْطِرَابًا بِتَعْلِيمِ عَوَائِدَ لَا يَحِلُّ لَنَا نَحْنُ «ٱلْمُحَافِظِينَ» قُبُولُهَا›. وَفِي بَعْضِ ٱلْحَالَاتِ، يُضْرَبُ رُفَقَاؤُنَا ٱلْمُؤْمِنُونَ وَيُزَجُّونَ فِي ٱلسِّجْنِ. وَلٰكِنْ لِنَتَذَكَّرْ، ثَمَّةَ مَنْ يُرَاقِبُ! — ١ بط ٣:١٢.
«اِعْتَمَدَ فِي ٱلْحَالِ» (اعمال ١٦:٢٥-٣٤)
١٣ مَاذَا دَفَعَ ٱلسَّجَّانَ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عَنِ ٱلسَّبِيلِ إِلَى ٱلْخَلَاصِ؟
١٣ لَا بُدَّ أَنَّ ٱسْتِيعَابَ أَحْدَاثِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلصَّعْبِ ٱسْتَلْزَمَ وَقْتًا، لٰكِنَّهُ لَمْ يَعْصِ عَلَى بُولُسَ وَسِيلَا. فَبِحُلُولِ مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ نَجِدُهُمَا «يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ ٱللّٰهَ بِٱلتَّرْنِيمِ». وَلٰكِنْ فَجْأَةً ضَرَبَ زِلْزَالٌ عَظِيمٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ ٱلْحَبْسِ. فَٱسْتَيْقَظَ ٱلسَّجَّانُ وَإِذَا بَٱلْأَبْوَابِ مَفْتُوحَةٌ! فَتَمَلَّكَهُ ٱلْخَوْفُ ظَانًّا أَنَّ ٱلسُّجَنَاءَ قَدْ هَرَبُوا. عِنْدَئِذٍ «ٱسْتَلَّ سَيْفَهُ وَأَوْشَكَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ»، عَالِمًا أَنَّهُ سَيُعَاقَبُ عَلَى هُرُوبِهِمْ. فَصَاحَ بُولُسُ قَائِلًا: «لَا تُؤْذِ نَفْسَكَ، لِأَنَّنَا جَمِيعًا هُنَا!». فَسَأَلَ ٱلسَّجَّانُ مَذْعُورًا: «يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟». إِلَّا أَنَّ خَلَاصَهُ لَمْ يَكُنْ لَا بِيَدِ بُولُسَ وَلَا سِيلَا، بَلْ بِيَدِ يَسُوعَ وَحْدَهُ. فَأَجَابَا: «آمِنْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». — اع ١٦:٢٥-٣١.
١٤ (أ) كَيْفَ سَاعَدَ بُولُسُ وَسِيلَا ٱلسَّجَّانَ؟ (ب) كَيْفَ بُورِكَ بُولُسُ وَسِيلَا لِٱحْتِمَالِهِمَا ٱلِٱضْطِهَادَ بِفَرَحٍ؟
١٤ فَهَلْ طَرَحَ ٱلسَّجَّانُ سُؤَالَهُ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ؟ لَمْ يُشَكِّكْ بُولُسُ إِطْلَاقًا فِي صِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ. وَبِمَا أَنَّ ٱلرَّجُلَ كَانَ أُمَمِيًّا غَيْرَ مُطَّلِعٍ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، لَزِمَ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَيَقْبَلَ حَقَائِقَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ ٱلْأَسَاسِيَّةَ قَبْلَ ٱعْتِنَاقِهِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ. فَخَصَّصَ بُولُسُ وَسِيلَا ٱلْوَقْتَ لِيُكَلِّمَاهُ «بِكَلِمَةِ يَهْوَهَ». وَلَعَلَّ ٱنْهِمَاكَهُمَا فِي تَعْلِيمِهِ أَلْهَاهُمَا عَنْ وَجَعِهِمَا نَتِيجَةَ ٱلضَّرْبِ ٱلْمُبَرِّحِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلسَّجَّانَ ٱنْتَبَهَ لِحَالَتِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا وَغَسَّلَ جِرَاحَاتِهِمَا. ثُمَّ «ٱعْتَمَدَ فِي ٱلْحَالِ» هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ. فَيَا لَلْبَرَكَاتِ ٱلَّتِي حَصَدَهَا بُولُسُ وَسِيلَا إِذِ ٱحْتَمَلَا ٱلِٱضْطِهَادَ بِفَرَحٍ! — اع ١٦:٣٢-٣٤.
١٥ (أ) كَيْفَ يَتَّبِعُ شُهُودٌ عَدِيدُونَ ٱلْيَوْمَ مِثَالَ بُولُسَ وَسِيلَا؟ (ب) لِمَ عَلَيْنَا ٱلْمُوَاظَبَةُ عَلَى زِيَارَةِ ٱلنَّاسِ فِي مُقَاطَعَتِنَا ٱلْمَرَّةَ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى؟
١٥ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ وَسِيلَا، يَكْرِزُ شُهُودٌ عَدِيدُونَ ٱلْيَوْمَ فِيمَا هُمْ مَسْجُونُونَ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ، فَيَحْصُدُونَ نَتَائِجَ رَائِعَةً. خُذْ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ بَلَدًا كَانَ عَمَلُنَا مَحْظُورًا فِيهِ. فَفِي وَقْتٍ مِنَ ٱلْأَوْقَاتِ، بَلَغَتْ نِسْبَةُ ٱلشُّهُودِ ٱلَّذِينَ تَعَرَّفُوا إِلَى ٱلْحَقِّ وَهُمْ فِي ٱلسِّجْنِ ٤٠ فِي ٱلْمِئَةِ مِنْ مَجْمُوعِ ٱلْإِخْوَةِ هُنَاكَ! (اش ٥٤:١٧) لَاحِظْ أَيْضًا أَنَّ ٱلسَّجَّانَ لَمْ يَطْلُبِ ٱلْمُسَاعَدَةَ إِلَّا بَعْدَمَا ضَرَبَ ٱلزِّلْزَالُ. بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، لَا يَتَجَاوَبُ ٱلْبَعْضُ ٱلْيَوْمَ مَعَ رِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ إِلَّا بَعْدَمَا يَهْتَزُّ عَالَمُهُمْ بِفِعْلِ كَارِثَةٍ مَا. لِذَا لِنُوَاظِبْ بِأَمَانَةٍ عَلَى زِيَارَةِ ٱلنَّاسِ فِي مُقَاطَعَتِنَا ٱلْمَرَّةَ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى، فَنُوَفِّرَ لَهُمُ ٱلْمُسَاعَدَةَ حَالَمَا يَطْلُبُونَهَا.
«أَفَٱلْآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟» (اعمال ١٦:٣٥-٤٠)
١٦ كَيْفَ ٱنْقَلَبَتْ كُلُّ ٱلْمَوَازِينِ فِي ٱلصَّبَاحِ ٱلتَّالِي؟
١٦ فِي ٱلصَّبَاحِ ٱلتَّالِي، قَرَّرَ مَأْمُورُو ٱلْمَدِينَةِ إِخْلَاءَ سَبِيلِ بُولُسَ وَسِيلَا. إِلَّا أَنَّ بُولُسَ أَجَابَ: «جَلَدُونَا عَلَانِيَةً غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلَانِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي ٱلسِّجْنِ. أَفَٱلْآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلَّا! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا». وَمَا إِنْ عَلِمَ ٱلْمَسْؤُولُونَ أَنَّ بُولُسَ وَسِيلَا مُوَاطِنَانِ رُومَانِيَّانِ حَتَّى «خَافُوا» كَثِيرًا لِأَنَّهُمُ ٱنْتَهَكُوا حُقُوقَهُمَا.d فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ ٱنْقَلَبَتْ كُلُّ ٱلْمَوَازِينِ! فَبَعْدَ أَنْ ضُرِبَ ٱلتِّلْمِيذَانِ عَلَى ٱلْمَلَإِ، وَجَبَ ٱلْآنَ عَلَى مَأْمُورِي ٱلْمَدِينَةِ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يُقَدِّمُوا لَهُمَا ٱعْتِذَارًا عَلَنِيًّا! فَأَتَوْا وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِمَا طَالِبِينَ مِنْهُمَا ٱلِٱنْصِرَافَ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. أَمَّا ٱلتِّلْمِيذَانِ فَلَمْ يَرُدَّا طَلَبَهُمْ، وَلٰكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِمَا ٱلْقِيَامُ بِأَمْرٍ أَخِيرٍ. فَقَدْ أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا وَيُشَجِّعَا ٱلتَّلَامِيذَ ٱلْجُدُدَ أَوَّلًا وَمِنْ ثَمَّ يُغَادِرَا.
١٧ أَيُّ دَرْسٍ مُهِمٍّ أُتِيحَ لِلتَّلَامِيذِ ٱلْجُدُدِ تَعَلُّمُهُ بِفَضْلِ ٱحْتِمَالِ بُولُسَ وَسِيلَا؟
١٧ لَوْ لَمْ تُنْتَهَكْ حُقُوقُ بُولُسَ وَسِيلَا ٱلْقَانُونِيَّةُ، لَتَمَكَّنَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مِنْ تَفَادِي ٱلضَّرْبِ. (اع ٢٢:٢٥، ٢٦) وَلٰكِنْ رُبَّمَا يُخَيَّلُ عِنْدَئِذٍ لِلتَّلَامِيذِ فِي فِيلِبِّي أَنَّهُمَا ٱسْتَغَلَّا وَضْعَهُمَا لِلْإِفْلَاتِ مِنَ ٱلْمُعَانَاةِ فِي سَبِيلِ ٱلْمَسِيحِ. وَأَيُّ أَثَرٍ سَيَتْرُكُهُ ذٰلِكَ فِي إِيمَانِ ٱلتَّلَامِيذِ ٱلَّذِينَ لَا يَحْمِلُونَ ٱلْجِنْسِيَّةَ ٱلرُّومَانِيَّةَ؟ فَهٰؤُلَاءِ لَمْ يُؤَمِّنْ لَهُمُ ٱلْقَانُونُ ٱلْحِمَايَةَ مِنَ ٱلْجَلْدِ. لِذٰلِكَ حِينَ تَحَمَّلَ بُولُسُ وَسِيلَا ٱلْعِقَابَ، أَظْهَرَا لِلْمُؤْمِنِينَ ٱلْجُدُدِ بِمِثَالِهِمَا أَنَّ أَتْبَاعَ ٱلْمَسِيحِ قَادِرُونَ عَلَى ٱلثَّبَاتِ فِي وَجْهِ ٱلِٱضْطِهَادِ. مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، حِينَ سَعَيَا إِلَى ٱلْحُصُولِ عَلَى حُقُوقِهِمَا ٱلرُّومَانِيَّةِ، أَجْبَرَا ٱلْمَأْمُورِينَ عَلَى ٱلِٱعْتِرَافِ بِخَرْقِ ٱلْقَانُونِ أَمَامَ ٱلرَّأْيِ ٱلْعَامِّ. وَلَعَلَّ هٰذَا يَرْدَعُهُمْ مِنَ ٱلْإِسَاءَةِ إِلَى ٱلرُّفَقَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَيُوَفِّرُ لِلْإِخْوَةِ مِقْدَارًا مِنَ ٱلْحِمَايَةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ فِي وَجْهِ هَجَمَاتٍ مُمَاثِلَةٍ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ.
١٨ (أ) كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ بُولُسَ؟ (ب) كَيْفَ نَعْمَلُ عَلَى «ٱلدِّفَاعِ عَنِ ٱلْبِشَارَةِ وَتَثْبِيتِهَا قَانُونِيًّا» فِي أَيَّامِنَا؟
١٨ وَفِي أَيَّامِنَا، يَقُودُ ٱلنُّظَّارُ أَعْضَاءَ ٱلْجَمَاعَةِ بِرَسْمِ ٱلْمِثَالِ أَمَامَهُمْ. فَهُمْ لَا يَتَوَقَّعُونَ مِنْ رُفَقَائِهِمِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أُمُورًا لَيْسُوا مُسْتَعِدِّينَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ لِلْقِيَامِ بِهَا. وَفِي مَجَالٍ آخَرَ أَيْضًا نَتَمَثَّلُ جَمِيعُنَا بِبُولُسَ حِينَ نَدْرُسُ جَيِّدًا كَيْفَ وَمَتَى نَسْتَعْمِلُ حُقُوقَنَا ٱلْقَانُونِيَّةَ لِطَلَبِ ٱلْحِمَايَةِ. فَعِنْدَ ٱلْحَاجَةِ، نَرْفَعُ دَعْوَانَا إِلَى ٱلْمَحَاكِمِ ٱلْقَضَائِيَّةِ، ٱلْمَحَلِّيَّةِ وَٱلْوَطَنِيَّةِ وَٱلدُّوَلِيَّةِ، لِلْحُصُولِ عَلَى حِمَايَةٍ قَانُونِيَّةٍ تَكْفِلُ لَنَا حُرِّيَّةَ ٱلْعِبَادَةِ. وَهَدَفُنَا مِنْ ذٰلِكَ لَيْسَ ٱلْإِصْلَاحَ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّ، بَلِ «ٱلدِّفَاعُ عَنِ ٱلْبِشَارَةِ وَتَثْبِيتُهَا قَانُونِيًّا»، حَسْبَمَا كَتَبَ بُولُسُ إِلَى جَمَاعَةِ فِيلِبِّي بَعْدَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ تَقْرِيبًا. (في ١:٧) وَمَهْمَا كَانَتْ نَتَائِجُ هٰذِهِ ٱلدَّعَاوَى، فَنَحْنُ مُصَمِّمُونَ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ وَرُفَقَائِهِ أَنْ نُوَاصِلَ ‹ٱلْبِشَارَةَ› حَيْثُمَا يُوَجِّهُنَا رُوحُ يَهْوَهَ. — اع ١٦:١٠.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «لُوقَا: كَاتِبُ سِفْرِ ٱلْأَعْمَالِ».
b يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلْيَهُودَ مُنِعُوا مِنْ إِقَامَةِ مَجْمَعٍ فِي ٱلْمَدِينَةِ بِسَبَبِ طَابِعِهَا ٱلْعَسْكَرِيِّ. أَوْ رُبَّمَا لَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهَا عَشَرَةُ رِجَالٍ يَهُودٍ، وَهُوَ ٱلْحَدُّ ٱلْأَدْنَى ٱلْمَطْلُوبُ لِتَأْسِيسِ مَجْمَعٍ.
c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «لِيدِيَةُ: بَائِعَةُ ٱلْأُرْجُوَانِ».
d كَفِلَ ٱلْقَانُونُ ٱلرُّومَانِيُّ حَقَّ ٱلْمُوَاطِنِينَ فِي ٱلْخُضُوعِ لِمُحَاكَمَةٍ بِحَسَبِ ٱلْأُصُولِ ٱلْمَرْعِيَّةِ، وَمَنَعَ إِنْزَالَ أَيِّ عِقَابٍ عَلَنِيٍّ فِي مُتَّهَمٍ لَمْ تَثْبُتْ إِدَانَتُهُ.
-
-
«حاجَّهم منطقيا من الاسفار المقدسة»اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٧
«حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ»
أَسَاسُ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْفَعَّالِ وَمِثَالُ أَهْلِ بِيرِيَةَ ٱلْحَسَنُ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:١-١٥
١، ٢ مَنْ يُسَافِرُ مِنْ فِيلِبِّي إِلَى تَسَالُونِيكِي، وَأَيُّ تَسَاؤُلَاتٍ رُبَّمَا تَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ؟
يَخُوضُ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ، بُولُسُ وَسِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ، غِمَارَ سَفْرَةٍ جَدِيدَةٍ. يَسِيرُونَ عَلَى طَرِيقٍ رُومَانِيَّةٍ مُتْقَنَةٍ تَمْتَدُّ مَعَ ٱمْتِدَادِ ٱلْجِبَالِ ٱلْوَعِرَةِ. تَتَنَاهَى إِلَى مَسَامِعِهِمْ أَصْوَاتُ ٱلدَّوَالِيبِ مُقَرْقِعَةً عَلَى ٱلْحِجَارَةِ ٱلْمُتَرَاصِفَةِ، نَهِيقُ ٱلْحَمِيرِ تَنُوءُ بِأَثْقَالِهَا، وَجَلَبَةُ ٱلْمُسَافِرِينَ عَلَى أَجْنَاسِهِمْ مِنْ جُنُودٍ وَتُجَّارٍ وَحِرَفِيِّينَ. رِحْلَتُهُمْ طَوِيلَةٌ. هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ١٣٠ كلم تَفْصِلُ بَيْنَ فِيلِبِّي وَتَسَالُونِيكِي. فَيَتَقَدَّمُونَ بِشِقِّ ٱلنَّفْسِ، وَلَا سِيَّمَا بُولُسُ وَسِيلَا ٱللَّذَانِ ذَاقَا طَعْمَ عِصِيِّ فِيلِبِّي. فَكَيْفَ لِلسَّفَرِ أَنْ يَهُونَ عَلَيْهِمَا وَجِرَاحَاتُهُمَا لَمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ؟! — اع ١٦:٢٢، ٢٣.
٢ لَا بُدَّ أَنَّ ٱلْأَحَادِيثَ ٱلْمُشَجِّعَةَ تَشْغَلُهُمَا عَنِ ٱلتَّفْكِيرِ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ أَمَامَهُمَا. فَهَلْ يُنْسَى ٱلسَّجَّانُ ٱلَّذِي ٱعْتَنَقَ ٱلْحَقَّ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فِي فِيلِبِّي؟! لَا شَكَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلذِّكْرَى لَا تَزَالُ حَيَّةً فِي أَذْهَانِ ٱلْمُسَافِرِينَ ٱلثَّلَاثَةِ، فَتُشَدِّدُ عَزْمَهُمْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ عَلَى ٱلْمُنَادَاةِ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ. وَلٰكِنْ إِذْ تَلُوحُ مَدِينَةُ تَسَالُونِيكِي ٱلسَّاحِلِيَّةُ فِي ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ، لَعَلَّهُمْ يَتَسَاءَلُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: ‹تُرَى كَيْفَ يُعَامِلُنَا ٱلْيَهُودُ هُنَاكَ؟ هَلْ يُهَاجِمُونَنَا أَوْ يَضْرِبُونَنَا كَمَا أَهْلُ فِيلِبِّي؟›.
٣ كَيْفَ يُفِيدُنَا مِثَالُ بُولُسَ فِي ٱسْتِجْمَاعِ ٱلْجُرْأَةِ ٱللَّازِمَةِ لِلْكِرَازَةِ؟
٣ كَشَفَ لَنَا بُولُسُ عَنْ مَشَاعِرِهِ فِي رِسَالَةٍ كَتَبَهَا لَاحِقًا إِلَى مَسِيحِيِّي تَسَالُونِيكِي. ذَكَرَ: «بَعْدَمَا تَأَلَّمْنَا أَوَّلًا وَلَقِينَا ٱلْإِهَانَةَ وَٱلْإِسَاءَةَ فِي فِيلِبِّي (كَمَا تَعْرِفُونَ)، ٱسْتَجْمَعْنَا ٱلْجُرْأَةَ بِإِلٰهِنَا لِنُكَلِّمَكُمْ بِبِشَارَةِ ٱللّٰهِ بِجِهَادٍ كَثِيرٍ». (١ تس ٢:٢) تَدُلُّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ أَنَّ ٱلرَّسُولَ كَانَ مُتَوَجِّسًا نَوْعًا مَا مِنْ دُخُولِ ٱلْمَدِينَةِ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ مَا حَدَثَ فِي فِيلِبِّي. فَهَلْ سَبَقَ أَنْ مَرَرْتَ بِحَالَةٍ مُمَاثِلَةٍ؟ هَلْ شَعَرْتَ أَحْيَانًا أَنَّكَ تُجَاهِدُ لِتُنَادِيَ بِٱلْبِشَارَةِ؟ بُولُسُ مِنْ جِهَتِهِ ٱتَّكَلَ عَلَى يَهْوَهَ لِيُقَوِّيَهُ وَيُسَاعِدَهُ عَلَى ٱسْتِجْمَاعِ ٱلْجُرْأَةِ. وَإِذَا تَفَحَّصْتَ تَجْرِبَتَهُ، يُمْكِنُكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَحْذُوَ حَذْوَهُ فَتَخْتَبِرُ ٱلْمُسَاعَدَةَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ. — ١ كو ٤:١٦.
«حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ» (اعمال ١٧:١-٣)
٤ لِمَ يُرَجَّحُ أَنَّ إِقَامَةَ بُولُسَ فِي تَسَالُونِيكِي دَامَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ؟
٤ تُخْبِرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّ بُولُسَ كَرَزَ فِي ٱلْمَجْمَعِ ثَلَاثَةَ سُبُوتٍ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِ فِي تَسَالُونِيكِي. فَهَلْ يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ زِيَارَتَهُ دَامَتْ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ فَقَطْ؟ لَيْسَ بِٱلضَّرُورَةِ. فَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ كَمِ ٱنْقَضَى مِنَ ٱلْوَقْتِ بَيْنَ وُصُولِهِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَذَهَابِهِ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ رِسَالَتَيْهِ إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي تَكْشِفَانِ أَنَّهُ عَمِلَ هُوَ وَرَفِيقَاهُ لِإِعَالَةِ أَنْفُسِهِمْ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِمْ فِي ٱلْمَدِينَةِ. (١ تس ٢:٩؛ ٢ تس ٣:٧، ٨) وَفِي تِلْكَ ٱلْمُدَّةِ أَيْضًا، ٱسْتَلَمَ بُولُسُ مَرَّتَيْنِ مَعُونَةً مِنَ ٱلْإِخْوَةِ فِي فِيلِبِّي. (في ٤:١٦) لِذَا مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّهُ مَكَثَ هُنَاكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ.
٥ كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى جَذْبِ ٱنْتِبَاهِ ٱلنَّاسِ؟
٥ بَعْدَمَا ٱسْتَجْمَعَ ٱلرَّسُولُ ٱلْجُرْأَةَ لِلْكِرَازَةِ، تَحَدَّثَ إِلَى ٱلْحُضُورِ فِي ٱلْمَجْمَعِ. وَحَسَبَ عَادَتِهِ، «حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ . . . شَارِحًا وَمُبَرْهِنًا بِشَوَاهِدَ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ وَيَقُومَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، وَقَائِلًا: ‹هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ، إِنَّهُ يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ›». (اع ١٧:٢، ٣) لَاحِظْ أَنَّ بُولُسَ لَمْ يَهْدِفْ إِلَى تَهْيِيجِ مَشَاعِرِ سَامِعِيهِ، بَلْ عَمَدَ إِلَى مُخَاطَبَةِ عُقُولِهِمْ. فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ وَيُكِنُّونَ لَهَا ٱلِٱحْتِرَامَ، لٰكِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَهَا كَامِلًا. لِذٰلِكَ حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا شَارِحًا وَمُبَرْهِنًا مِنْ هٰذِهِ ٱلْأَسْفَارِ أَنَّ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ هُوَ ٱلْمَسِيَّا أَوِ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمَوْعُودُ بِهِ.
٦ كَيْفَ حَاجَّ يَسُوعُ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟
٦ اِتَّبَعَ بُولُسُ مِثَالَ ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي ٱعْتَمَدَ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أَسَاسًا لِتَعْلِيمِهِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، أَخْبَرَ يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ خِلَالَ خِدْمَتِهِ ٱلْعَلَنِيَّةِ أَنَّ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ تُنْبِئُ بِمُعَانَاةِ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ. (مت ١٦:٢١) وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَرَّدَ ظُهُورِهِ عَلَى تَلَامِيذِهِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ كَانَ كَافِيًا لِيُبَرْهِنَ صِدْقَ كَلِمَاتِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ هٰذَا ٱلْحَدِّ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُطْلِعُنَا أَنَّهُ ظَهَرَ لِٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ «وَفَسَّرَ لَهُمَا، مُبْتَدِئًا مِنْ مُوسَى وَكُلِّ ٱلْأَنْبِيَاءِ، مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ كُلِّهَا». وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُ تَرَكَ أَبْلَغَ ٱلْأَثَرِ فِيهِمَا. فَقَدْ قَالَا: «أَلَمْ تَكُنْ قُلُوبُنَا مُتَّقِدَةً إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيَشْرَحُ لَنَا ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ؟». — لو ٢٤:١٣، ٢٧، ٣٢.
٧ مَا أَهَمِّيَّةُ ٱلِٱسْتِنَادِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ فِي تَعْلِيمِنَا؟
٧ تَحْمِلُ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ فِي طَيَّاتِهَا رِسَالَةً فَعَّالَةً. (عب ٤:١٢) لِذٰلِكَ نَبْنِي نَحْنُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ تَعَالِيمَنَا عَلَيْهَا أُسْوَةً بِيَسُوعَ وَبُولُسَ وَبَاقِي ٱلرُّسُلِ. فَنَحْنُ نُحَاجُّ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا، شَارِحِينَ لَهُمُ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ وَمُبَرْهِنِينَ تَعَالِيمَنَا بِقِرَاءَةِ ٱلْآيَاتِ مُبَاشَرَةً مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. فَفِي ٱلنِّهَايَةِ إِنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي نَحْمِلُهَا لَيْسَتْ مِنَّا، بَلْ مِنَ ٱللّٰهِ. وَحِينَ نَفْتَحُ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ مِرَارًا، نُسَاعِدُ سَامِعِينَا عَلَى ٱلتَّمْيِيزِ أَنَّنَا نُنَادِي بِتَعَالِيمَ إِلٰهِيَّةٍ، لَا بِأَفْكَارِنَا ٱلْخَاصَّةِ. وَلْنُبْقِ فِي بَالِنَا أَيْضًا أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي نَكْرِزُ بِهَا جَدِيرَةٌ بِٱلثِّقَةِ مِئَةً فِي ٱلْمِئَةِ لِأَنَّ لَهَا أَسَاسًا مَتِينًا مِنْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. وَهٰكَذَا نَتَشَجَّعُ عَلَى ٱلْمُنَادَاةِ بِٱلْبِشَارَةِ بِجُرْأَةٍ مِثْلَمَا فَعَلَ بُولُسُ.
«صَارَ بَعْضٌ مِنْهُمْ مُؤْمِنِينَ» (اعمال ١٧:٤-٩)
٨-١٠ (أ) أَيُّ أَثَرٍ تَرَكَتْهُ ٱلْبِشَارَةُ فِي أَهْلِ تَسَالُونِيكِي؟ (ب) لِمَ غَارَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ مِنْ بُولُسَ؟ (ج) مَاذَا فَعَلَ ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْيَهُودُ؟
٨ سَبَقَ لِبُولُسَ أَنْ لَمَسَ صِحَّةَ كَلِمَاتِ يَسُوعَ ٱلتَّالِيَةِ: «لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ ٱضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلِمَتِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلِمَتَكُمْ أَيْضًا». (يو ١٥:٢٠) وَمَدِينَةُ تَسَالُونِيكِي لَا تَشِذُّ عَنْ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةِ. فَقَدِ ٱنْقَسَمَ مُسْتَمِعُو بُولُسَ إِلَى فَرِيقَيْنِ. فَمِنْهُمْ مَنْ حَفِظُوا ٱلْكَلِمَةَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَاوَمُوهَا. يَصِفُ لُوقَا ٱلْفَرِيقَ ٱلْأَوَّلَ قَائِلًا: «صَارَ بَعْضٌ مِنَ [ٱلْيَهُودِ] مُؤْمِنِينَ [مَسِيحِيِّينَ] وَٱنْضَمُّوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلَا، وَكَذٰلِكَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْعَابِدِينَ ٱللّٰهَ وَعَدَدٌ غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأَعْيَانِ». (اع ١٧:٤) وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلتَّلَامِيذَ ٱلْجُدُدَ فَرِحُوا لِأَنَّهُمْ نَالُوا ٱلْمُسَاعَدَةَ عَلَى فَهْمِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ.
٩ فِي ٱلْمَقْلَبِ ٱلْآخَرِ، ٱغْتَاظَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ مِنْ بُولُسَ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. فَقَدْ غَارُوا مِنْهُ لِأَنَّهُ ٱسْتَمَالَ قُلُوبَ «جُمْهُورٍ كَثِيرٍ مِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ». فَهُمْ كَانُوا يَصُبُّونَ جُهُودَهُمْ عَلَى تَهْوِيدِ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْأُمَمِيِّينَ، وَرَاحُوا يُعَلِّمُونَهُمُ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْعِبْرَانِيَّةَ. فَبَاتُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةً تَمَلُّكِيَّةً. وَإِذَا بِبُولُسَ «يَسْرِقُ» مِنْهُمْ هٰؤُلَاءِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَفِي عُقْرِ دَارِهِمْ أَيْضًا!
«طلبوا إحضارهما الى الحشد الهائج». — اعمال ١٧:٥
١٠ فَمَاذَا فَعَلَ ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْيَهُودُ؟ يَكْشِفُ لُوقَا رَدَّةَ فِعْلِهِمْ، قَائِلًا: «وَغَارَ ٱلْيَهُودُ، فَٱتَّخَذُوا رِجَالًا أَشْرَارًا بَطَّالِينَ مِنْ سَاحَةِ ٱلسُّوقِ، وَأَلَّفُوا جَمْعًا مِنَ ٱلرَّعَاعِ، وَأَثَارُوا ٱلشَّغَبَ فِي ٱلْمَدِينَةِ. ثُمَّ هَجَمُوا عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ وَطَلَبُوا إِحْضَارَهُمَا [بُولُسَ وَسِيلَا] إِلَى ٱلْحَشْدِ ٱلْهَائِجِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا جَرُّوا يَاسُونَ وَبَعْضَ ٱلْإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ ٱلْمَدِينَةِ، صَارِخِينَ: ‹إِنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلَّذِينَ قَلَبُوا ٱلْمَسْكُونَةَ هُمْ حَاضِرُونَ هُنَا أَيْضًا، وَقَدْ أَضَافَهُمْ يَاسُونُ. وَهٰؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ مَرَاسِيمِ قَيْصَرَ، قَائِلِينَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ هُوَ يَسُوعُ›». (اع ١٧:٥-٧) فَكَيْفَ أَثَّرَ جَمْعُ ٱلرَّعَاعِ هٰذَا فِي بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ؟
١١ بِمَ ٱتُّهِمَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ، وَإِلَى أَيِّ مَرْسُومٍ رُبَّمَا لَمَّحَ ٱلْمُتَّهِمُونَ؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
١١ تَخَيَّلْ هُجُومَ ٱلرَّعَاعِ ٱلْبَشِعَ عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ. نَهْرٌ عَنِيفٌ هَائِجٌ يَجْتَاحُ كُلَّ مَا يَقِفُ فِي طَرِيقِهِ. هٰكَذَا هُمُ ٱلرَّعَاعُ، وَهٰكَذَا ٱخْتَارَ ٱلْيَهُودُ ٱلتَّخَلُّصَ مِنْ بُولُسَ وَسِيلَا! ثُمَّ بَعْدَ أَنْ «أَثَارُوا ٱلشَّغَبَ» فِي ٱلْمَدِينَةِ، حَاوَلُوا إِقْنَاعَ ٱلْحُكَّامِ بِخُطُورَةِ جُرْمِ ٱلرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ. فَٱتَّهَمُوهُمْ أَوَّلًا بِأَنَّهُمْ «قَلَبُوا ٱلْمَسْكُونَةَ» مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَنْ أَغْرَقَ ٱلْمَدِينَةَ فِي ٱلْفَوْضَى. أَمَّا ٱلتُّهْمَةُ ٱلثَّانِيَةُ فَكَانَتْ أَخْطَرَ بِكَثِيرٍ. فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُنَادُونَ بِمَلِكٍ آخَرَ هُوَ يَسُوعُ، مُنْتَهِكِينَ بِذٰلِكَ مَرَاسِيمَ ٱلْإِمْبَرَاطُورِ.a
١٢ مَا مَدَى خُطُورَةِ وَضْعِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي تَسَالُونِيكِي؟
١٢ تَذَكَّرْ أَنَّ ٱلْقَادَةَ ٱلدِّينِيِّينَ وَجَّهُوا تُهْمَةً مُمَاثِلَةً إِلَى يَسُوعَ. فَقَدْ قَالُوا لِلْحَاكِمِ بِيلَاطُسَ: «وَجَدْنَا هٰذَا يُفْسِدُ أُمَّتَنَا . . . وَيَقُولُ إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ». (لو ٢٣:٢) فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِيلَاطُسُ بِٱلْمَوْتِ، إِذْ رُبَّمَا خَافَ أَنْ يَظُنَّ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ أَنَّهُ غَضَّ ٱلطَّرْفَ عَنْ خِيَانَةٍ عُظْمَى. وَٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي تَسَالُونِيكِي لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ حَالًا مِنْ مُعَلِّمِهِمْ. يَذْكُرُ أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ: «أَحْدَقَ بِهِمْ خَطَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا. ‹فَمُجَرَّدُ ٱلتَّلْمِيحِ إِلَى خِيَانَةِ ٱلْأَبَاطِرَةِ أَوْدَى فِي أَغْلَبِ ٱلْأَحْيَانِ بِحَيَاةِ ٱلْمُتَّهَمِينَ›». فَهَلْ يُؤَدِّي هٰذَا ٱلْهُجُومُ ٱلضَّارِي ٱلْغَرَضَ مِنْهُ وَيَقْضِي عَلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ؟
١٣، ١٤ (أ) لِمَ فَشِلَ ٱلرَّعَاعُ فِي هُجُومِهِمْ؟ (ب) كَيْفَ تَصَرَّفَ بُولُسُ بِحَذَرٍ عَمَلًا بِمَشُورَةِ ٱلْمَسِيحِ، وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِهِ؟
١٣ فَشِلَ ٱلرَّعَاعُ فِي وَضْعِ حَدٍّ لِعَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ فِي تَسَالُونِيكِي. لِمَاذَا؟ مِنْ جِهَةٍ، لَمْ يَعْثُرُوا عَلَى بُولُسَ وَسِيلَا. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَقْتَنِعْ حُكَّامُ ٱلْمَدِينَةِ بِصِحَّةِ ٱلتُّهْمَتَيْنِ عَلَى مَا يَبْدُو. لِذٰلِكَ طَلَبُوا «كَفَالَةً» ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَ يَاسُونَ وَسَائِرِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ ٱقْتِيدُوا إِلَيْهِمْ. (اع ١٧:٨، ٩) فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ، عَمِلَ ٱلرَّسُولُ بِمَشُورَةِ يَسُوعَ أَنْ يَكُونَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ «حَذِرِينَ كَٱلْحَيَّاتِ، وَأَبْرِيَاءَ كَٱلْحَمَامِ»، فَتَفَادَى بِحِكْمَةٍ ٱلْخَطَرَ لِيُوَاصِلَ ٱلْبِشَارَةَ فِي مَنَاطِقَ أُخْرَى. (مت ١٠:١٦) مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ رَسَمَ خَطًّا فَاصِلًا بَيْنَ ٱلْجُرْأَةِ وَٱلتَّهَوُّرِ. فَكَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِهِ؟
١٤ غَالِبًا مَا يُهَيِّجُ رِجَالُ دِينِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلرَّعَاعَ ضِدَّ شُهُودِ يَهْوَهَ. وَهُمْ أَيْضًا يَلْعَبُونَ بِعُقُولِ ٱلْحُكَّامِ مُحَرِّضِينَهُمْ عَلَى ٱلشُّهُودِ بِتُهْمَةِ إِثَارَةِ ٱلْفِتَنِ وَٱلْخِيَانَةِ. وَعَلَى غِرَارِ ٱلْمُقَاوِمِينَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، تَغْلِي ٱلْغَيْرَةُ فِي قُلُوبِهِمْ. وَلٰكِنْ تَحْتَ أَيِّ ظَرْفٍ كَانَ، لَا يُعَرِّضُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْخَطَرِ عَمْدًا. لِذٰلِكَ نَتَجَنَّبُ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ مُوَاجَهَةَ مَنْ يَفْقِدُونَ أَعْصَابَهُمْ وَيَتَصَرَّفُونَ بِغَيْرِ عَقْلَانِيَّةٍ. وَنَسْعَى إِلَى مُوَاصَلَةِ عَمَلِنَا بِسَلَامٍ، فَنَخْتَارُ رُبَّمَا ٱلْعَوْدَةَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ حِينَ يَهْدَأُ ٱلْجَوُّ.
«كَانَ هٰؤُلَاءِ أَشْرَفَ خُلُقًا» (اعمال ١٧:١٠-١٥)
١٥ كَيْفَ تَجَاوَبَ أَهْلُ بِيرِيَةَ مَعَ ٱلْبِشَارَةِ؟
١٥ حِرْصًا عَلَى سَلَامَةِ بُولُسَ وَسِيلَا، أَرْسَلَهُمَا ٱلْإِخْوَةُ إِلَى بِيرِيَةَ ٱلَّتِي تَبْعُدُ ٦٥ كلم تَقْرِيبًا. وَعِنْدَ وُصُولِهِمَا، ذَهَبَ بُولُسُ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ وَخَاطَبَ ٱلْحَاضِرِينَ هُنَاكَ. وَكَمْ سَرَّهُ دُونَ شَكٍّ أَنْ يَخْطُبَ فِي حُضُورٍ مُتَعَطِّشٍ لِلْحَقِّ! فَقَدْ ذَكَرَ لُوقَا أَنَّ يَهُودَ بِيرِيَةَ كَانُوا «أَشْرَفَ خُلُقًا مِنَ ٱلَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، لِأَنَّهُمْ قَبِلُوا ٱلْكَلِمَةَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ، فَاحِصِينَ بِٱعْتِنَاءٍ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ يَوْمِيًّا هَلْ هٰذِهِ ٱلْأُمُورُ هٰكَذَا». (اع ١٧:١٠، ١١) وَلٰكِنْ هَلْ تَحُطُّ كَلِمَاتُهُ هٰذِهِ مِنْ شَأْنِ يَهُودِ تَسَالُونِيكِي ٱلَّذِينَ ٱعْتَنَقُوا ٱلْحَقَّ؟ إِطْلَاقًا! فَقَدْ رَاسَلَهُمْ بُولُسُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، قَائِلًا: «نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ، لِأَنَّكُمْ لَمَّا تَسَلَّمْتُمْ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ حَقًّا كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ». (١ تس ٢:١٣) فَلِمَ ٱلْقَوْلُ إِذًا إِنَّ يَهُودَ بِيرِيَةَ كَانُوا «أَشْرَفَ خُلُقًا»؟
١٦ لِمَ ٱسْتَحَقَّ أَهْلُ بِيرِيَةَ ٱلْمَدْحَ مِنْ لُوقَا؟
١٦ رَغْمَ أَنَّ أَهْلَ بِيرِيَةَ كَانُوا يَسْمَعُونَ مَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةً، لَمْ يَرْتَابُوا فِيهَا وَلَا بَالَغُوا فِي ٱنْتِقَادِهَا. لٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُقَابِلُوهَا بِسَذَاجَةٍ. فَقَدْ أَصْغَوْا أَوَّلًا بِٱنْتِبَاهٍ إِلَى بُولُسَ، ثُمَّ تَحَقَّقُوا مِمَّا تَعَلَّمُوهُ بِٱلرُّجُوعِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ ٱلَّتِي شَرَحَهَا لَهُمْ. أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّهُمُ ٱجْتَهَدُوا فِي دَرْسِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ كُلَّ يَوْمٍ، لَا يَوْمَ ٱلسَّبْتِ فَقَطْ. وَقَدِ ٱتَّخَذُوا كُلَّ هٰذِهِ ٱلْخُطُوَاتِ «بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ» بَاذِلِينَ غَايَةَ جُهْدِهِمْ فِي ٱلتَّنْقِيبِ عَنِ ٱلْحَقَائِقِ ٱلْمُخَبَّأَةِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ عَلَى ضَوْءِ مَا تَعَلَّمُوهُ حَدِيثًا. وَفَوْقَ هٰذَا كُلِّهِ تَحَلَّوْا بِٱلتَّوَاضُعِ ٱللَّازِمِ لِصُنْعِ ٱلتَّغْيِيرَاتِ، «فَصَارَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ مُؤْمِنِينَ». (اع ١٧:١٢) فَهَلْ مِنْ عَجَبٍ أَنْ يُشِيدَ لُوقَا بِذِكْرِهِمْ؟!
١٧ لِمَ مِثَالُ أَهْلِ بِيرِيَةَ جَدِيرٌ بِٱلِٱقْتِدَاءِ، وَكَيْفَ نُوَاصِلَ ٱلتَّمَثُّلَ بِهِمْ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنْ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ ٱلَّتِي قَضَيْنَاهَا فِي ٱلْحَقِّ؟
١٧ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلُ بِيرِيَةَ أَنَّ تَجَاوُبَهُمْ مَعَ ٱلْبِشَارَةِ سَيُحْفَظُ فِي كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَيَتَرَدَّدُ صَدَاهُ حَتَّى يَوْمِنَا هٰذَا. غَيْرَ أَنَّهُمْ حَقَّقُوا آمَالَ بُولُسَ وَفَعَلُوا بِٱلضَّبْطِ مَا يَطْلُبُهُ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ. وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، نُشَجِّعُ نَحْنُ أَيْضًا ٱلنَّاسَ عَلَى تَفَحُّصِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ بِدِقَّةٍ، فَيُبْنَى إِيمَانُهُمْ بِشَكْلٍ مَتِينٍ عَلَيْهِ. وَلٰكِنْ هَلِ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِأَهْلِ بِيرِيَةَ ضَرُورِيٌّ فَقَطْ لِمَنْ يَدْرُسُونَ ٱلْحَقَّ؟ قَطْعًا لَا! بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ، تَتَضَاعَفُ بِمُرُورِ ٱلْوَقْتِ حَاجَتُنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ يَهْوَهَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ وَنُطَبِّقَ مَا نَتَعَلَّمُهُ دُونَمَا تَأْخِيرٍ. وَهٰكَذَا نُتِيحُ لِأَنْفُسِنَا ٱلْفُرْصَةَ أَنْ يَصُوغَنَا يَهْوَهُ وَيُدَرِّبَنَا وَفْقَ مَشِيئَتِهِ. (اش ٦٤:٨) فَنَظَلُّ نَافِعِينَ لِأَبِينَا ٱلسَّمَاوِيِّ وَمَرْضِيِّينَ جِدًّا أَمَامَهُ.
١٨، ١٩ (أ) لِمَ غَادَرَ بُولُسُ بِيرِيَةَ، وَكَيْفَ أَعْرَبَ عَنْ مُثَابَرَةٍ جَدِيرَةٍ بِٱلِٱقْتِدَاءِ؟ (ب) أَيْنَ كَرَزَ بُولُسُ تَالِيًا، وَمِمَّنْ تَأَلَّفَ حُضُورُهُ؟
١٨ لَمْ يُطِلْ بُولُسُ ٱلْمُكُوثَ فِي بِيرِيَةَ. نَقْرَأُ: «حِينَ عَلِمَ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ تَسَالُونِيكِي أَنَّ بُولُسَ يُنَادِي بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ فِي بِيرِيَةَ أَيْضًا، جَاءُوا إِلَى هُنَاكَ لِيُحَرِّضُوا ٱلْحُشُودَ وَيُهِيجُوهُمْ. حِينَئِذٍ أَرْسَلَ ٱلْإِخْوَةُ بُولُسَ حَالًا لِيَذْهَبَ إِلَى ٱلْبَحْرِ، أَمَّا سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ فَبَقِيَا هُنَاكَ. وَٱلَّذِينَ رَافَقُوا بُولُسَ أَتَوْا بِهِ إِلَى أَثِينَا، ثُمَّ رَحَلُوا بَعْدَمَا أَخَذُوا وَصِيَّةً إِلَى سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ بِأَنْ يَأْتِيَا إِلَيْهِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ». (اع ١٧:١٣-١٥) لَمْ يَكْتَفِ يَهُودُ تَسَالُونِيكِي بِطَرْدِ بُولُسَ مِنْ مَدِينَتِهِمْ، بَلْ سَافَرُوا إِلَى بِيرِيَةَ وَحَاوَلُوا أَنْ يُعِيدُوا ٱلْكَرَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا. حَقًّا، عِنَادٌ مَا بَعْدَهُ عِنَادٌ! لٰكِنَّ جُهُودَهُمْ كُلَّهَا ذَهَبَتْ هَبَاءً. فَقَدْ عَرَفَ بُولُسُ أَنَّ مُقَاطَعَتَهُ شَاسِعَةٌ، فَٱنْتَقَلَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ لِلْكِرَازَةِ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى. وَفِي ذٰلِكَ مِثَالٌ لَنَا. فَلْنَعْقِدِ ٱلْعَزْمَ عَلَى إِحْبَاطِ أَيِّ مَسْعًى يَهْدِفُ إِلَى إِيقَافِ عَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ!
١٩ لَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ تَعَلَّمَ ٱلْكَثِيرَ عَنْ أَهَمِّيَّةِ ٱلْكِرَازَةِ بِجُرْأَةٍ وَٱلْمُحَاجَّةِ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ بَعْدَمَا أَدَّى شَهَادَةً كَامِلَةً لِيَهُودِ تَسَالُونِيكِي وَبِيرِيَةَ. وَنَحْنُ بِدَوْرِنَا ٱسْتَقَيْنَا دُرُوسًا قَيِّمَةً مِنْ تَفَحُّصِ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثِ. لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ كَانَ سَيُوَاجِهُ فِي مُقَاطَعَتِهِ ٱلتَّالِيَةِ حُضُورًا مُخْتَلِفًا كُلِّيًّا، أَلَا وَهُوَ أُمَمِيُّو أَثِينَا. فَمَاذَا جَرَى فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ؟ هٰذَا مَا يُنَاقِشُهُ ٱلْفَصْلُ ٱلتَّالِي.
a وَفْقًا لِأَحَدِ ٱلْعُلَمَاءِ، كَانَ هُنَاكَ فِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ مَرْسُومٌ أَصْدَرَهُ قَيْصَرُ يَمْنَعُ ٱلتَّنَبُّؤَ «بِقِيَامِ مَمْلَكَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ مَلِكٍ جَدِيدٍ، وَخُصُوصًا فِي حَالِ قِيلَ إِنَّ هٰذَا ٱلْمَلِكَ سَيُحَاسِبُ ٱلْإِمْبَرَاطُورَ ٱلْحَالِيَّ أَوْ يَحِلُّ مَحَلَّهُ». وَمِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ أَعْدَاءَ بُولُسَ شَوَّهُوا رِسَالَتَهُ وَصَوَّرُوهَا عَلَى أَنَّهَا ٱنْتِهَاكٌ لِهٰذَا ٱلْمَرْسُومِ. اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «اَلْقَيَاصِرَةُ فِي حِقْبَةِ أَعْمَالِ ٱلرُّسُلِ».
-
-
‹اطلبوا اللّٰه فتجدوه›اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٨
‹اُطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَتَجِدُوهُ›
بُولُسُ يَتَكَيَّفُ مَعَ سَامِعِيهِ وَيَبْنِي عَلَى نِقَاطٍ مُشْتَرَكَةٍ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:١٦-٣٤
١-٣ (أ) لِمَ ٱضْطَرَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ فِي أَثِينَا؟ (ب) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلتَّأَمُّلِ فِي مِثَالِ بُولُسَ؟
يَغْلِي ٱلدَّمُ فِي عُرُوقِ بُولُسَ. إِنَّهُ ٱلْآنَ فِي مَدِينَةِ أَثِينَا ٱلْيُونَانِيَّةِ، عَاصِمَةِ ٱلثَّقَافَةِ حَيْثُ حَاضَرَ قَبْلَ قُرُونٍ سُقْرَاطُ وَأَفْلَاطُونُ وَأَرِسْطُو. لٰكِنَّ أَهْلَ أَثِينَا ٱلْمُتَدَيِّنِينَ أَغْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِتَمَاثِيلَ لآِلِهَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. أَصْنَامٌ عَلَى أَصْنَامٍ تَمْلَأُ ٱلْهَيَاكِلَ وَٱلسَّاحَاتِ وَٱلشَّوَارِعَ! يَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّسُولُ ٱلْأَمِينُ رَأْيَ يَهْوَهَ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ فِي ٱلصَّنَمِيَّةِ، فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يُطِيقَ رُؤْيَتَهَا؟! — خر ٢٠:٤، ٥.
٢ وَفَوْرَ دُخُولِ بُولُسَ سَاحَةَ ٱلسُّوقِ ٱلْمَلْأَى بِٱلْمَزَارَاتِ، يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَنْظَرٍ تَقْشَعِرُّ لَهُ ٱلْأَبْدَانُ: عَدَدٍ هَائِلٍ مِنْ تَمَاثِيلِ ٱلْإِلٰهِ هِرْمِسَ ٱلَّتِي تُبْرِزُ أَعْضَاءَهُ ٱلتَّنَاسُلِيَّةَ تَشْغَلُ ٱلنَّاحِيَةَ ٱلشَّمَالِيَّةَ ٱلْغَرْبِيَّةَ قُرْبَ ٱلْمَدْخَلِ ٱلرَّئِيسِيِّ! فَكَيْفَ سَيُنَادِي ٱلرَّسُولُ ٱلْغَيُورُ بِٱلْبِشَارَةِ فِي جَوٍّ مُشْبَعٍ بِٱلصَّنَمِيَّةِ؟ هَلْ يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ وَيَجِدُ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةً مَعَ حُضُورِهِ؟ وَهَلْ يُوَفَّقُ فِي مُسَاعَدَةِ أَيٍّ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِ وَإِيجَادِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ؟
٣ إِنَّ خِطَابَ بُولُسَ أَمَامَ رِجَالِ أَثِينَا ٱلْمُثَقَّفِينَ كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي ٱلْأَعْمَال ١٧:٢٢-٣١ لَمِثَالٌ فِي ٱللَّبَاقَةِ وَٱلْفَصَاحَةِ وَحُسْنِ ٱلتَّمْيِيزِ. وَبِٱلتَّمَعُّنِ فِيهِ نَسْتَقِي ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلدُّرُوسِ عَنْ إِيجَادِ أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِينَا وَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى ٱلتَّحْلِيلِ مَنْطِقِيًّا.
يُعَلِّمُ «فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ» (اعمال ١٧:١٦-٢١)
٤، ٥ أَيْنَ بَشَّرَ بُولُسُ فِي أَثِينَا، وَمَنْ ضَمَّ حُضُورُهُ؟
٤ زَارَ بُولُسُ أَثِينَا نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٠ بم خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ.a وَفِيمَا كَانَ مُنْتَظِرًا وُصُولَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ مِنْ بِيرِيَةَ، أَخَذَ ٱلرَّسُولُ كَعَادَتِهِ «يُحَاجُّ مَنْطِقِيًّا ٱلْيَهُودَ» فِي ٱلْمَجْمَعِ. غَيْرَ أَنَّهُ حَاوَلَ أَيْضًا بُلُوغَ سُكَّانِ أَثِينَا غَيْرِ ٱلْيَهُودِ، فَقَصَدَ «سَاحَةَ ٱلسُّوقِ» أَوِ ٱلْأَغُورَا. (اع ١٧:١٧) كَانَتِ ٱلْأَغُورَا تَقَعُ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُول، وَقَدْ بَلَغَتْ مِسَاحَتُهَا حَوَالَيْ خَمْسِينَ أَلْفَ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ. وَلَمْ تَكُنْ هٰذِهِ مُجَرَّدَ رُقْعَةٍ مِنَ ٱلْأَرْضِ مُخَصَّصَةٍ لِعَمَلِيَّاتِ ٱلْبَيْعِ وَٱلشِّرَاءِ. فَقَدْ كَانَتِ ٱلسَّاحَةَ ٱلْعَامَّةَ فِي ٱلْمَدِينَةِ. يَصِفُهَا أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ بِأَنَّهَا «قَلْبُ ٱلْمَدِينَةِ ٱلِٱقْتِصَادِيُّ وَٱلسِّيَاسِيُّ وَٱلثَّقَافِيُّ». وَقَدْ سُرَّ ٱلْأَثِينِيُّونَ بِٱلِٱلْتِقَاءِ هُنَاكَ لِيَخُوضُوا فِي نِقَاشَاتٍ فِكْرِيَّةٍ.
٥ وَفِي هٰذِهِ ٱلسَّاحَةِ، وَاجَهَ بُولُسُ حُضُورًا صَعْبًا. فَمِنْ جُمْلَةِ سَامِعِيهِ كَانَ هُنَاكَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ ٱلَّذِينَ ٱنْتَمَوْا إِلَى مَدْرَسَتَيْنِ فَلْسَفِيَّتَيْنِ مُتَنَافِسَتَيْنِ.b اِعْتَقَدَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ مِنْ جِهَتِهِمْ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ وُجِدَتْ بِٱلصُّدْفَةِ. وَعُصَارَةُ فِكْرِهِمْ تُلَخَّصُ بِٱلْآتِي: «لَا خَوْفَ مِنَ ٱللّٰهِ؛ لَا عَذَابَ بَعْدَ ٱلْمَوْتِ؛ اَلْخَيْرُ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ؛ اَلشَّرُّ يُمْكِنُ تَحَمُّلُهُ». أَمَّا ٱلرِّوَاقِيُّونَ فَشَدَّدُوا عَلَى ٱلْعَقْلِ وَٱلْمَنْطِقِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّ ٱللّٰهَ كَائِنٌ لَهُ شَخْصِيَّةٌ. وَلٰكِنْ لَا ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَلَا ٱلرِّوَاقِيُّونَ آمَنُوا بِٱلْقِيَامَةِ كَمَا عَلَّمَهَا تَلَامِيذُ ٱلْمَسِيحِ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مَفَاهِيمَهُمُ ٱلْفَلْسَفِيَّةَ لَمْ تَتَوَافَقْ مَعَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلسَّامِيَةِ ٱلَّتِي حَمَلَتْهَا ٱلْمَسِيحِيَّةُ ٱلْحَقَّةُ وَنَادَى بِهَا ٱلرَّسُولُ بُولُسُ.
٦، ٧ كَيْفَ قَابَلَ بَعْضُ ٱلْمُثَقَّفِينَ ٱلْيُونَانِيِّينَ تَعْلِيمَ بُولُسَ، وَكَيْفَ نُوَاجِهُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ حَالَةً مُمَاثِلَةً؟
٦ فَكَيْفَ قَابَلَ ٱلْمُثَقَّفُونَ ٱلْيُونَانِيُّونَ تَعْلِيمَ بُولُسَ؟ لَقَدْ وَصَفَهُ ٱلْبَعْضُ بِأَنَّهُ «مِهْذَارٌ»، مُسْتَعْمِلِينَ كَلِمَةً يُونَانِيَّةً تَعْنِي حَرْفِيًّا «مُلْتَقِطَ ٱلْحَبِّ». (اع ١٧:١٨) يُعَلِّقُ أَحَدُ ٱلْعُلَمَاءِ عَلَى هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ كَمَا يَلِي: «قِيلَتْ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَسَاسُ فِي وَصْفِ طَائِرٍ صَغِيرٍ يَتَنَقَّلُ مُلْتَقِطًا ٱلْحَبَّ. ثُمَّ ٱسْتُخْدِمَتْ فِي وَصْفِ مَنْ يَلْتَقِطُونَ بَقَايَا ٱلطَّعَامِ وَٱلْفَضَلَاتِ مِنْ كُلِّ مَا هَبَّ وَدَبَّ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ. بَعْدَئِذٍ بَاتَتْ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَنْ يُجَمِّعُ ٱلْمَعْلُومَاتِ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ ٱلرَّبْطِ بَيْنَهَا مَنْطِقِيًّا». بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، زَعَمَ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنَّ بُولُسَ جَاهِلٌ مُتَّهِمِينَهُ بِسَرِقَةِ أَفْكَارِ ٱلْآخَرِينَ. لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَأْبَهْ بِهٰذِهِ ٱلْإِهَانَاتِ كَمَا سَنَرَى تَالِيًا.
٧ أَلَا يُذَكِّرُنَا هٰذَا ٱلِٱخْتِبَارُ بِمَا يُوَاجِهُهُ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ؟ فَغَالِبًا مَا يُقَالُ بِحَقِّنَا كَلَامٌ جَارِحٌ بِسَبَبِ مُعْتَقَدَاتِنَا ٱلْمُؤَسَّسَةِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، يُعَلِّمُ بَعْضُ ٱلْأَسَاتِذَةِ أَنَّ ٱلتَّطَوُّرَ وَاقِعٌ أَكِيدٌ. فَيَفْرِضُونَ عَلَى كُلِّ «عَاقِلٍ» ٱلتَّسْلِيمَ بِهِ، وَكَأَنَّهُمْ بِذٰلِكَ يَنْعَتُونَ بِٱلْجَهْلِ كُلَّ مَنْ يَرْفُضُ هٰذِهِ ٱلنَّظَرِيَّةَ. وَيُحَاوِلُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنْ يَغْرِسُوا فِي عُقُولِ ٱلنَّاسِ أَنَّنَا ‹نَهْذِرُ› فِي كَلَامِنَا كُلَّمَا أَوْضَحْنَا مَاذَا يُعَلِّمُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ وَأَشَرْنَا إِلَى ٱلْأَدِلَّةِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ عَلَى وُجُودِ مُصَمِّمٍ. أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَأْبَهُ بِذٰلِكَ أَلْبَتَّةَ! بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ، نُدَافِعُ بِٱلْفَمِ ٱلْمَلْآنِ عَنْ إِيمَانِنَا بِأَنَّ ٱلْحَيَاةَ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنْ تَصْمِيمِ خَالِقٍ ذَكِيٍّ، هُوَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ. — رؤ ٤:١١.
٨ (أ) كَيْفَ نَظَرَ ٱلْبَعْضُ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ إِلَى كِرَازَةِ بُولُسَ؟ (ب) مَاذَا رُبَّمَا عَنَى ٱقْتِيَادُ بُولُسَ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
٨ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى بُولُسَ، نَجِدُ ٱلْبَعْضَ ٱلْآخَرَ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ يَنْظُرُونَ إِلَى كِرَازَتِهِ نَظْرَةً مُخْتَلِفَةً. قَالُوا: «يَبْدُو مُنَادِيًا بِمَعْبُودَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ». (اع ١٧:١٨) فَهَلْ نَادَى بُولُسُ حَقًّا لِلْأَثِينِيِّينَ بِآلِهَةٍ جَدِيدَةٍ؟ مَا كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةُ لِتَمُرَّ مُرُورَ ٱلْكِرَامِ. فَكَلِمَاتُهُمْ تُذَكِّرُ بِإِحْدَى ٱلتُّهَمِ ٱلَّتِي حُوكِمَ سُقْرَاط بِسَبَبِهَا قَبْلَ قُرُونٍ وَأُدِينَ بِٱلْمَوْتِ. فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنِ ٱقْتِيدَ ٱلرَّسُولُ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَ ٱلتَّعَالِيمَ ٱلْغَرِيبَةَ فِي نَظَرِ أَهْلِ أَثِينَا.c فَكَيْفَ سَيُدَافِعُ عَنْ رِسَالَتِهِ أَمَامَ أَشْخَاصٍ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ؟
«يَا رِجَالَ أَثِينَا، أَرَى أَنَّكُمْ . . .» (اعمال ١٧:٢٢، ٢٣)
٩-١١ (أ) كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى إِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِيهِ؟ (ب) كَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟
٩ تَذَكَّرْ كَمِ ٱنْفَعَلَ بُولُسُ لِرُؤْيَةِ ٱلصَّنَمِيَّةِ ٱلْمُسْتَشْرِيَةِ فِي ٱلْمَدِينَةِ. لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَفْقِدْ أَعْصَابَهُ، مُطْلِقًا حَمْلَةً شَعْوَاءَ عَلَى عِبَادَةِ ٱلْأَوْثَانِ، بَلْ حَافَظَ عَلَى رِبَاطَةِ جَأْشِهِ. فَحَاوَلَ بِمُنْتَهَى ٱللَّبَاقَةِ ٱسْتِمَالَةَ حُضُورِهِ بِإِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ تَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ. فَٱسْتَهَلَّ خِطَابَهُ بِٱلْقَوْلِ: «يَا رِجَالَ أَثِينَا، أَرَى أَنَّكُمْ، مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، تَخَافُونَ ٱلْمَعْبُودَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِكُمْ». (اع ١٧:٢٢) فَكَمَا لَوْ أَنَّهُ يَقُولُ: ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكُمْ أَشْخَاصٌ مُتَدَيِّنُونَ›. وَقَدْ أَصَابَ بُولُسُ فِي مَدْحِ سَامِعِيهِ عَلَى ٱهْتِمَامِهِمِ ٱلدِّينِيِّ. فَهُوَ أَدْرَكَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّنْ تُعْمِي ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلْبَاطِلَةُ بَصِيرَتَهُمْ يَمِيلُونَ فِي ٱلْوَاقِعِ إِلَى قُبُولِ ٱلْحَقِّ. أَوَلَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسُهُ ذَاتَ يَوْمٍ «جَاهِلًا وَبِعَدَمِ إِيمَانٍ عَمِلَ»؟! — ١ تي ١:١٣.
١٠ وَلِيَبْنِيَ عَلَى أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ شَاهَدَ دَلِيلًا مَلْمُوسًا عَلَى تَعَبُّدِ أَهْلِ أَثِينَا: مَذْبَحًا مُكَرَّسًا «لِإِلٰهٍ مَجْهُولٍ». بِحَسَبِ أَحَدِ ٱلْمَرَاجِعِ، «كَانَ مِنْ عَادَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ تَكْرِيسُ مَذَابِحَ ‹لآِلِهَةٍ مَجْهُولَةٍ› خَشْيَةَ أَنْ يَغْفُلُوا عَنْ أَحَدِهَا، فَيُثِيرُوا بِٱلتَّالِي غَضَبَهُ». لِذٰلِكَ دَلَّ مَذْبَحٌ كَهٰذَا أَنَّ ٱلْأَثِينِيِّينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ إِلٰهٍ يَجْهَلُونَهُ. فَٱسْتَغَلَّ ٱلرَّسُولُ هٰذَا ٱلْمَذْبَحَ تَمْهِيدًا لِلْبِشَارَةِ ٱلَّتِي يَكْرِزُ بِهَا. قَالَ: «اَلَّذِي تَتَعَبَّدُونَ لَهُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ، هٰذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ». (اع ١٧:٢٣) لَقَدْ حَلَّلَ بُولُسُ ٱلْمَوْضُوعَ بِأُسْلُوبٍ دِبْلُومَاسِيٍّ مُقَدِّمًا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ حُجَجًا مُقْنِعَةً. فَهُوَ لَمْ يُنَادِ بِإِلٰهٍ جَدِيدٍ أَوْ غَرِيبٍ كَمَا زَعَمَ ٱلْبَعْضُ، بَلْ كَشَفَ لَهُمْ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لَا يَعْرِفُونَهُ.
١١ وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟ حِينَ نَكُونُ دَقِيقِي ٱلْمُلَاحَظَةِ، قَدْ نَنْتَبِهُ إِلَى تَفَاصِيلَ مُعَيَّنَةٍ فِي هِنْدَامِ سَامِعِنَا أَوْ مَنْزِلِهِ تَكْشِفُ لَنَا أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ. إِذَّاكَ بِإِمْكَانِنَا أَنْ نَسْتَهِلَّ ٱلْحَدِيثَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ: ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكَ شَخْصٌ مُتَدَيِّنٌ. وَأَنَا أَرْغَبُ فِي ٱلتَّحَدُّثِ مَعَ أَشْخَاصٍ يَهْتَمُّونَ بِٱلدِّينِ مِثْلَكَ›. فَعِنْدَمَا نَمْدَحُ سَامِعَنَا بِلَبَاقَةٍ عَلَى تَدَيُّنِهِ، قَدْ نَجِدُ أَرْضِيَّةً مُشْتَرَكَةً يُمْكِنُنَا ٱلْبِنَاءُ عَلَيْهَا. وَلٰكِنْ لِنُبْقِ فِي بَالِنَا أَنَّ هَدَفَنَا لَيْسَ ٱلْحُكْمَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدَاتِهِمِ ٱلدِّينِيَّةِ. فَمَا أَكْثَرَ مَنْ آمَنُوا ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ بِعَقَائِدَ دِينِيَّةٍ بَاطِلَةٍ، لٰكِنَّهُمْ أَصْبَحُوا فِي مَا بَعْدُ إِخْوَةً لَنَا!
ابحث عن ارضية مشتركة وابنِ حديثك عليها
اَللّٰهُ «لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا» (اعمال ١٧:٢٤-٢٨)
١٢ بِأَيَّةِ طَرَائِقَ كَيَّفَ بُولُسُ أُسْلُوبَهُ مِنْ أَجْلِ سَامِعِيهِ؟
١٢ وَجَدَ بُولُسُ قَاسِمًا مُشْتَرَكًا. وَلٰكِنْ هَلْ يَنْجَحُ فِي إِبْقَاءِ ٱلْحَدِيثِ دَائِرًا فِي فَلَكِهِ؟ لَقَدْ أَدْرَكَ ٱلرَّسُولُ أَنَّ سَامِعِيهِ مُثَقَّفُونَ فِي ٱلْفَلْسَفَةِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرُ مُطَّلِعِينَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، فَكَيَّفَ أُسْلُوبَهُ عَلَى هٰذَا ٱلْأَسَاسِ. أَوَّلًا، قَدَّمَ حَقَائِقَ مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ دُونَ ٱلِٱقْتِبَاسِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً. ثَانِيًا، ٱسْتَعْمَلَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِلْإِيحَاءِ أَنَّهُ يَتَفَهَّمُ سَامِعِيهِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. ثَالِثًا، ضَمَّنَ كَلَامَهُ ٱقْتِبَاسَاتٍ مِنَ ٱلْأَدَبِ ٱلْيُونَانِيِّ لِيُرِيَهُمْ أَنَّ كِتَابَاتِهِمْ تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ ٱلْأَفْكَارِ ٱلَّتِي يُنَادِي بِهَا. فَلْنُفَنِّدْ فِي مَا يَلِي خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُقْنِعَ وَلْنَتَأَمَّلْ فِي مَا كَشَفَهُ مِنْ حَقَائِقَ مُهِمَّةٍ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ أَهْلُ أَثِينَا.
١٣ مَاذَا قَالَ بُولُسُ عَنْ نَشْأَةِ ٱلْكَوْنِ، وَمَا فَحْوَى كَلِمَاتِهِ؟
١٣ اَللّٰهُ خَلَقَ ٱلْكَوْنَ. قَالَ بُولُسُ: «إِنَّ هٰذَا ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، إِذْ هُوَ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ، لَا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِ ٱلْأَيْدِي».d (اع ١٧:٢٤) فَٱلْكَوْنُ إِذًا لَيْسَ وَلِيدَ ٱلصُّدْفَةِ؛ اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ ٱلْأَشْيَاءِ. (مز ١٤٦:٦) وَخِلَافًا لِلْإِلَاهَةِ أَثِينَا وَسَائِرِ ٱلْمَعْبُودَاتِ ٱلَّتِي يَعْتَمِدُ مَجْدُهَا عَلَى ٱلْهَيَاكِلِ وَٱلْمَزَارَاتِ وَٱلْمَذَابِحِ، فَإِنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْمُتَسَلِّطَ عَلَى ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ لَا تَسَعُهُ هَيَاكِلُ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ. (١ مل ٨:٢٧) وَعَلَيْهِ، يَكُونُ فَحْوَى ٱلْكَلِمَاتِ وَاضِحًا لَا لُبْسَ فِيهِ: اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ أَعْظَمُ مِنْ أَيَّةِ أَصْنَامٍ أَوْجَدَهَا ٱلْبَشَرُ وَأَسْكَنُوهَا هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِهِمْ. — اش ٤٠:١٨-٢٦.
١٤ كَيْفَ بَيَّنَ بُولُسُ أَنَّ ٱللّٰهَ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ؟
١٤ اَللّٰهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ. اِعْتَادَ ٱلْوَثَنِيُّونَ أَنْ يُلْبِسُوا ٱلْأَصْنَامَ أَثْوَابًا غَالِيَةً أَوْ يُمْطِرُوهَا بِهَدَايَا نَفِيسَةٍ أَوْ يُقَدِّمُوا ٱلطَّعَامَ وَٱلشَّرَابَ إِلَيْهَا؛ كَمَا لَوْ أَنَّ أَوْثَانًا لَا حَيَاةَ فِيهَا بِحَاجَةٍ أَسَاسًا إِلَى عَطَايَا كَهٰذِهِ! وَلٰكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِئَةً مِنَ ٱلْفَلَاسِفَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ بَيْنَ سَامِعِي بُولُسَ آمَنَتْ أَنَّ ٱلْآلِهَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ ٱلْبَشَرِ. وَهٰؤُلَاءِ وَافَقُوا دُونَ شَكٍّ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ ٱللّٰهَ «لَا يُخْدَمُ بِأَيْدٍ بَشَرِيَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ». فِعْلًا، كَيْفَ لِلْبَشَرِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّ عَطِيَّةٍ مَادِّيَّةٍ لِخَالِقِ ٱلْكَوْنِ؟! فَهُوَ مَنْ يَهَبُهُمْ كُلَّ حَاجَاتِهِمْ وَيُعْطِيهِمْ «حَيَاةً وَنَسَمَةً وَكُلَّ شَيْءٍ»، بِمَا فِي ذٰلِكَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْمَطَرُ وَٱلتُّرْبَةُ ٱلْخِصْبَةُ. — اع ١٧:٢٥؛ تك ٢:٧.
١٥ كَيْفَ قَارَبَ بُولُسُ ٱعْتِقَادَ ٱلْأَثِينِيِّينَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ، وَأَيُّ دَرْسٍ قَيِّمٍ نَتَعَلَّمُهُ؟
١٥ اَللّٰهُ صَنَعَ ٱلْإِنْسَانَ. اِعْتَقَدَ ٱلْأَثِينِيُّونَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ. لٰكِنَّ ٱلْعَصَبِيَّةَ ٱلْوَطَنِيَّةَ أَوِ ٱلْعِرْقِيَّةَ فِي وَادٍ وَحَقُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ فِي وَادٍ! (تث ١٠:١٧) لِذٰلِكَ قَارَبَ بُولُسُ هٰذِهِ ٱلنُّقْطَةَ ٱلْحَسَّاسَةَ بِلَبَاقَةٍ وَحَذَاقَةٍ. فَقَالَ إِنَّ ٱللّٰهَ «صَنَعَ مِنْ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ»، مُشِيرًا إِلَى رِوَايَةِ ٱلتَّكْوِينِ عَنْ آدَمَ أَبِي ٱلْبَشَرِ. (اع ١٧:٢٦؛ تك ١:٢٦-٢٨) وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَاتِهِ حَمَلَتْ مُسْتَمِعِيهِ عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ. فَإِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ جَمِيعًا مُتَحَدِّرِينَ مِنْ سَلَفٍ وَاحِدٍ، فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَتَفَوَّقَ عُرُوقٌ أَوْ جِنْسِيَّاتٌ عَلَى أُخْرَى؟! كَانَ كَلَامُ بُولُسَ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ يُوَضَّحَ. وَفِي مِثَالِهِ دَرْسٌ قَيِّمٌ لَنَا. فَنَحْنُ نَسْعَى أَنْ نَتَّصِفَ بِٱللَّبَاقَةِ أَثْنَاءَ كِرَازَتِنَا وَنُنَاقِشَ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا، لٰكِنَّنَا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ لَا نُلَطِّفُ حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِمْ قُبُولُهُ.
١٦ مَا قَصْدُ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ؟
١٦ اَللّٰهُ قَصَدَ أَنْ يَتَقَرَّبَ مِنْهُ ٱلْبَشَرُ. لَطَالَمَا جَادَلَ ٱلْفَلَاسِفَةُ بَيْنَ حُضُورِ بُولُسَ حَوْلَ ٱلْهَدَفِ مِنَ ٱلْحَيَاةِ، لٰكِنَّهُمْ بَقُوا عَاجِزِينَ عَنْ إِيجَادِ ٱلْجَوَابِ ٱلشَّافِي. أَمَّا هُوَ فَكَشَفَ بِوُضُوحٍ قَصْدَ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ، قَائِلًا إِنَّهُمْ صُنِعُوا «لِكَيْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُونَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا». (اع ١٧:٢٧) فَمَعْرِفَةُ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي يَجْهَلُهُ ٱلْأَثِينِيُّونَ لَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً. فَهُوَ فِي ٱلْوَاقِعِ غَيْرُ بَعِيدٍ عَمَّنْ يَرْغَبُونَ حَقًّا فِي إِيجَادِهِ وَٱلتَّعَلُّمِ عَنْهُ. (مز ١٤٥:١٨) وَمِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَخْدَمَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ هُوَ أَيْضًا وَاحِدٌ مِمَّنْ عَلَيْهِمْ أَنْ «يَطْلُبُوا» ٱللّٰهَ ‹وَيَتَلَمَّسُوهُ›.
١٧، ١٨ لِمَ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ، وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ أُسْلُوبِ بُولُسَ فِي مُخَاطَبَةِ مُسْتَمِعِيهِ؟
١٧ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ. ذَكَرَ بُولُسُ أَحَدَ ٱلْأَسْبَابِ لِذٰلِكَ، قَائِلًا إِنَّنَا «نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» بِفَضْلِ ٱلْخَالِقِ. وَوَفْقًا لِبَعْضِ ٱلْعُلَمَاءِ، يَتَكَلَّمُ ٱلرَّسُولُ هُنَا تَلْمِيحًا عَنْ أَقْوَالِ إِبِيمِنِيدِيس، شَاعِرٍ كِرِيتِيٍّ عَاشَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّادِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ ٱعْتُبِرَ «شَخْصِيَّةً لَهَا مَكَانَتُهَا فِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلدِّينِيِّ ٱلْأَثِينَوِيِّ». هٰذَا وَقَدْ أَوْرَدَ بُولُسُ سَبَبًا إِضَافِيًّا يَدْفَعُ ٱلْبَشَرَ إِلَى ٱلِٱقْتِرَابِ مِنَ ٱللّٰهِ. ذَكَرَ: «قَالَ بَعْضُ ٱلشُّعَرَاءِ بَيْنَكُمْ: ‹لِأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ›». (اع ١٧:٢٨) عَلَى ضَوْءِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، لَا عَجَبَ أَنْ نَشْعُرَ أَنَّنَا شَدِيدُو ٱلْقُرْبِ مِنَ ٱللّٰهِ. فَهُوَ مَنْ خَلَقَ ٱلْإِنْسَانَ ٱلَّذِي تَتَحَدَّرُ مِنْهُ ٱلْبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ. وَمَرَّةً جَدِيدَةً، ٱقْتَبَسَ ٱلرَّسُولُ كِتَابَاتٍ يُونَانِيَّةً لَا بُدَّ أَنَّ مُسْتَمِعِيهِ أَقَامُوا لَهَا وَزْنًا.e وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَتَشَبَّهُ بِبُولُسَ. فَفِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ، نَقْتَبِسُ إِلَى ٱلْحَدِّ ٱلْمَعْقُولِ مِنَ ٱلتَّارِيخِ ٱلدُّنْيَوِيِّ وَٱلْمَوْسُوعَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلْمَرَاجِعِ ٱلْمُحْتَرَمَةِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، قَدْ يُسَاهِمُ ٱقْتِبَاسٌ مُنَاسِبٌ مِنْ مَرْجِعٍ مَقْبُولٍ فِي إِقْنَاعِ ٱلنَّاسِ بِأَصْلِ بَعْضِ ٱلْمُمَارَسَاتِ أَوِ ٱلِٱحْتِفَالَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْبَاطِلَةِ.
١٨ نَقَلَ بُولُسُ حَتَّى ٱلْآنَ حَقَائِقَ أَسَاسِيَّةً عَنِ ٱللّٰهِ، مُكَيِّفًا كَلِمَاتِهِ بِمَهَارَةٍ لِتُلَائِمَ حُضُورَهُ. وَلٰكِنْ مَا ٱلْمَطْلُوبُ مِنَ ٱلْأَثِينِيِّينَ بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُهِمَّةَ؟ لِنَنْتَقِلْ إِلَى ٱلْجُزْءِ ٱلتَّالِي مِنَ ٱلْخِطَابِ وَنَكْتَشِفِ ٱلْجَوَابَ.
‹تُوبُوا جَمِيعًا› (اعمال ١٧:٢٩-٣١)
١٩، ٢٠ (أ) كَيْفَ فَضَحَ بُولُسُ بِلَبَاقَةٍ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟ (ب) أَيُّ إِجْرَاءٍ وَجَبَ عَلَى ٱلْحَاضِرِينَ ٱتِّخَاذُهُ؟
١٩ حَانَ ٱلْوَقْتُ ٱلْآنَ لِيَحُثَّ بُولُسُ سَامِعِيهِ عَلَى ٱتِّخَاذِ مَوْقِفٍ مُحَدَّدٍ. فَنَجِدُهُ يَبْنِي عَلَى مَا ٱقْتَبَسَهُ مِنَ ٱلْكِتَابَاتِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَيَقُولُ: «فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ ٱللّٰهِ، لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ أَنَّ ٱلذَّاتَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ، بِمَنْحُوتَةٍ مِنْ فَنِّ ٱلْإِنْسَانِ وَٱخْتِرَاعِهِ». (اع ١٧:٢٩) وَبِٱلْفِعْلِ، إِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ مِنْ صُنْعِ ٱللّٰهِ، فَكَيْفَ يَتَّخِذُ ٱللّٰهُ شَكْلَ صَنَمٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟! هٰكَذَا فَضَحَ بُولُسُ بِتَحْلِيلِهِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱللَّبِقِ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ صَنَعَتْهَا أَيْدٍ بَشَرِيَّةٌ. (مز ١١٥:٤-٨؛ اش ٤٤:٩-٢٠) وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفَّفَ مِنْ وَطْأَةِ ٱنْتِقَادِهِ لَهُمْ حِينَ شَمَلَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ بِٱلْقَوْلِ: «لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ . . .».
٢٠ بَعْدَئِذٍ سَلَّطَ ٱلرَّسُولُ ٱلضَّوْءَ عَلَى ضَرُورَةِ ٱتِّخَاذِ إِجْرَاءٍ مُعَيَّنٍ. شَرَحَ: «قَدْ تَغَاضَى ٱللّٰهُ عَنْ أَزْمِنَةِ هٰذَا ٱلْجَهْلِ [اَلِٱعْتِقَادِ بِأَنَّ ٱللّٰهَ يَرْضَى عَمَّنْ يَعْبُدُونَ ٱلْأَصْنَامَ]، لٰكِنَّهُ يَقُولُ ٱلْآنَ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا جَمِيعًا». (اع ١٧:٣٠) لَرُبَّمَا نَزَلَ نِدَاءُ ٱلتَّوْبَةِ هٰذَا نُزُولَ ٱلصَّاعِقَةِ عَلَى بَعْضِ ٱلْحَاضِرِينَ. غَيْرَ أَنَّ خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُفْحِمَ بَرْهَنَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِحَيَاتِهِمْ لِلّٰهِ، وَهُمْ بِٱلتَّالِي مَسْؤُولُونَ أَمَامَهُ. لِذٰلِكَ لَزِمَ أَنْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ، يَتَعَلَّمُوا ٱلْحَقِيقَةَ عَنْهُ، وَيُغَيِّرُوا حَيَاتَهُمْ بِرُمَّتِهَا وَفْقًا لَهَا. وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلْأَثِينِيِّينَ، عَنَى ذٰلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ ٱلصَّنَمِيَّةَ مُمَارَسَةٌ خَاطِئَةٌ وَيَرْجِعُوا عَنْهَا.
٢١، ٢٢ بِمَ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ، وَأَيَّ مَعَانٍ تَحْمِلُ كَلِمَاتُهُ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟
٢١ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ بِكَلِمَاتٍ مُدَوِّيَةٍ: «حَدَّدَ [ٱللّٰهُ] يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْبِرِّ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، وَزَوَّدَ ضَمَانَةً لِلْجَمِيعِ إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ». (اع ١٧:٣١) وَهَلْ مِنْ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ تَرَقُّبِ يَوْمٍ لِلدَّيْنُونَةِ حَتَّى يَنْدَفِعَ ٱلنَّاسُ إِلَى طَلَبِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ وَإِيجَادِهِ؟! ثُمَّ إِنَّ بُولُسَ لَمْ يُسَمِّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ، بَلْ قَدَّمَ مَعْلُومَاتٍ تَدْعُو إِلَى ٱلْعَجَبِ: إِنَّهُ رَجُلٌ عَاشَ وَمَاتَ ثُمَّ أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ!
٢٢ تَحْمِلُ لَنَا هٰذِهِ ٱلْخَاتِمَةُ ٱلْمُؤَثِّرَةُ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْمَعَانِي. فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ مِنَ ٱللّٰهِ هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمُقَامُ. (يو ٥:٢٢) كَمَا نُدْرِكُ أَنَّ يَوْمَ ٱلدَّيْنُونَةِ طُولُهُ أَلْفُ سَنَةٍ، وَقَدْ بَاتَ قَرِيبًا عَلَى ٱلْأَبْوَابِ. (رؤ ٢٠:٤، ٦) مَعَ ذٰلِكَ نَحْنُ لَا نَخَافُهُ، إِذْ نُدْرِكُ مَا يُخَبِّئُ مِنْ بَرَكَاتٍ جَزِيلَةٍ لِمَنْ يُدَانُونَ دَيْنُونَةً مُؤَاتِيَةً. وَأَمَلُنَا بِهٰذَا ٱلْمُسْتَقْبَلِ ٱلْمَجِيدِ مَدْعُومٌ بِضَمَانَةٍ. أَيُّ ضَمَانَةٍ؟ إِنَّهَا أَعْظَمُ ٱلْعَجَائِبِ قَاطِبَةً: قِيَامَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ!
«أُنَاسٌ . . . صَارُوا مُؤْمِنِينَ» (اعمال ١٧:٣٢-٣٤)
٢٣ أَيُّ رُدُودِ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةٍ أَثَارَهَا خِطَابُ بُولُسَ؟
٢٣ أَثَارَ خِطَابُ بُولُسَ رُدُودَ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةً. فَقَدِ «ٱبْتَدَأَ ٱلْبَعْضُ يَسْخَرُونَ» لَمَّا سَمِعُوا بِقِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ. أَمَّا ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ فَلَمْ يَتَصَرَّفُوا بِفَظَاظَةٍ، وَلٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُحَرِّكُوا سَاكِنًا، إِذْ قَالُوا: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هٰذَا مَرَّةً أُخْرَى». (اع ١٧:٣٢) «غَيْرَ أَنَّ أُنَاسًا ٱنْضَمُّوا إِلَيْهِ وَصَارُوا مُؤْمِنِينَ، وَمِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ، قَاضٍ فِي مَحْكَمَةِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ، وَٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا دَامَرِسُ، وَآخَرُونَ مَعَهُمَا». (اع ١٧:٣٤) وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا نُوَاجِهُهُ فِي كِرَازَتِنَا. فَٱلْبَعْضُ يَهْزَأُونَ بِنَا، فِيمَا يَتَبَنَّى ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ مَوْقِفًا دِبْلُومَاسِيًّا. وَلٰكِنْ كَمْ نُسَرُّ حِينَ يَقْبَلُ ٱلْبَعْضُ رِسَالَةَ ٱلْمَلَكُوتِ وَيَصِيرُونَ مُؤْمِنِينَ!
٢٤ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ خِطَابِ بُولُسَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ وَسَطَ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟
٢٤ يَزْخَرُ خِطَابُ بُولُسَ بِٱلدُّرُوسِ ٱلْقَيِّمَةِ. فَهُوَ يُعَلِّمُنَا ٱلْكَثِيرَ عَنِ ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱلْمُنَاقَشَةِ ٱلْمُقْنِعَةِ وَٱلتَّكَيُّفِ مَعَ سَامِعِينَا. وَيُسَاعِدُنَا أَيْضًا أَنْ نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ ٱلتَّحَلِّي بِٱلصَّبْرِ وَٱللَّبَاقَةِ مَعَ أَشْخَاصٍ تُعْمِي بَصِيرَتَهُمُ ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ ٱلْبَاطِلَةُ. كَمَا أَنَّهُ يُبْرِزُ دَرْسًا بَالِغَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ، إِذْ يَحُثُّنَا أَلَّا نُلَطِّفَ أَبَدًا حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ لِمُجَرَّدِ إِرْضَاءِ مُسْتَمِعِينَا. وَحِينَ نَقْتَدِي بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ، تَزْدَادُ فَعَّالِيَّتُنَا كَمُعَلِّمِينَ فِي خِدْمَةِ ٱلْحَقْلِ. أَمَّا ٱلنُّظَّارُ فَيُصْبِحُونَ مُعَلِّمِينَ أَكْثَرَ كَفَاءَةً فِي ٱلْجَمَاعَةِ. بِٱلنَّتِيجَةِ، نَصِيرُ جَمِيعُنَا مُجَهَّزِينَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ لِنُسَاعِدَ ٱلْآخَرِينَ أَنْ ‹يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَيَجِدُوهُ›. — اع ١٧:٢٧.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «أَثِينَا: عَاصِمَةُ ٱلثَّقَافَةِ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ».
b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «اَلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ».
c كَانَ أَرِيُوسُ بَاغُوسُ، تَلٌّ وَاقِعٌ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُولَ، ٱلْمُلْتَقَى ٱلتَّقْلِيدِيَّ لِلْمَجْلِسِ ٱلْأَعْلَى فِي أَثِينَا. لٰكِنَّ عِبَارَةَ «أَرِيُوسَ بَاغُوسَ» كَانَتْ تُشِيرُ إِمَّا إِلَى ٱلْمَجْلِسِ أَوْ إِلَى ٱلتَّلِّ نَفْسِهِ. لِذٰلِكَ يَعْتَقِدُ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ أَنَّ بُولُسَ ٱقْتِيدَ إِلَى هٰذَا ٱلتَّلِّ أَوْ جِوَارِهِ، فِيمَا يَظُنُّ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ سِيقَ إِلَى مَكَانِ ٱنْعِقَادِ ٱلْمَجْلِسِ فِي مَوْقِعٍ آخَرَ، كَٱلْأَغُورَا مَثَلًا.
d إِنَّ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْيُونَانِيَّةَ ٱلْمَنْقُولَةَ إِلَى «عَالَمٍ» هِيَ كوسموس ٱلَّتِي ٱسْتَخْدَمَهَا ٱلْيُونَانُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى ٱلْكَوْنِ ٱلْمَادِّيِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَعْمَلَهَا بِهٰذَا ٱلْمَعْنَى فِي مُحَاوَلَةٍ لِلتَّرْكِيزِ عَلَى ٱلنِّقَاطِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُضُورِهِ ٱلْيُونَانِيِّ.
e اِقْتَبَسَ بُولُسُ مِنَ ٱلْقَصِيدَةِ ٱلْفَلَكِيَّةِ فِينُومِينَا لِلشَّاعِرِ ٱلرِّوَاقِيِّ أَرَاتُوس. وَقَدْ وَرَدَتْ كَلِمَاتٌ مُشَابِهَةٌ فِي مُؤَلَّفَاتٍ يُونَانِيَّةٍ أُخْرَى مِثْلِ نَشِيدٌ لِزِيُوس لِلْكَاتِبِ ٱلرِّوَاقِيِّ كِلِيَانْتِيس.
-
-
«واظب على التكلم ولا تسكت»اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٩
«وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ»
بُولُسُ يَعْمَلُ لِإِعَالَةِ نَفْسِهِ لٰكِنَّهُ يُعْطِي ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِخِدْمَتِهِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٨:١-٢٢
١-٣ لِمَ قَصَدَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ مَدِينَةَ كُورِنْثُوسَ، وَأَيَّ تَحَدِّيَيْنِ وَاجَهَ هُنَاكَ؟
إِنَّهُ خَرِيفُ ٱلْعَامِ ٥٠ بم. يَصِلُ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ إِلَى كُورِنْثُوسَ، مَدِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ مُزْدَهِرَةٍ تُقِيمُ فِيهَا أَعْدَادٌ كَبِيرَةٌ مِنَ ٱلْيُونَانِ وَٱلرُّومَانِ وَٱلْيَهُودِ.a لٰكِنَّهُ لَمْ يَأْتِهَا بَحْثًا عَنْ عَمَلٍ أَوْ سَعْيًا وَرَاءَ صَفْقَةٍ تِجَارِيَّةٍ. فَهَدَفُ زِيَارَتِهِ أَسْمَى بِأَشْوَاطٍ: تَأْدِيَةُ ٱلشَّهَادَةِ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ بِحَاجَةٍ إِلَى مَكَانٍ يَنْزِلُ فِيهِ، وَهُوَ مُصَمِّمٌ أَلَّا يُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ وَيُعْطِيَ ٱلِٱنْطِبَاعَ أَنَّهُ يَتَكَسَّبُ مِنْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. فَمَا عَسَاهُ يَفْعَلُ؟
٢ كَانَ بُولُسُ مُتَمَرِّسًا بِصِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ. حِرْفَتُهُ هٰذِهِ شَاقَّةٌ، لٰكِنَّهُ مُسْتَعِدٌّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا كَيْ يُعِيلَ نَفْسَهُ. فَهَلْ يَسْتَطِيعُ مُزَاوَلَةَ مِهْنَتِهِ فِي مَدِينَةِ كُورِنْثُوسَ ٱلْمُزْدَحِمَةِ؟ وَهَلْ يَهْتَدِي إِلَى مَكَانٍ مُلَائِمٍ لِلسَّكَنِ؟ حَتَّى فِي وَجْهِ تَحَدِّيَاتٍ كَهٰذِهِ، لَا يُحَوِّلُ ٱلرَّسُولُ بَصَرَهُ عَنْ عَمَلِهِ ٱلْأَهَمِّ، أَلَا وَهُوَ ٱلْمُنَادَاةُ بِٱلْبِشَارَةِ.
٣ بِٱلنَّتِيجَةِ، يَبْقَى بُولُسُ فِي كُورِنْثُوسَ بَعْضَ ٱلْوَقْتِ وَيَجْنِي ثَمَرًا جَزِيلًا مِنْ خِدْمَتِهِ. فَأَيَّةُ دُرُوسٍ نَسْتَقِيهَا مِنْ نَشَاطَاتِ ٱلرَّسُولِ تُسَاعِدُنَا عَلَى تَأْدِيَةِ شَهَادَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ فِي مُقَاطَعَتِنَا؟
«كَانَا صَانِعَيْ خِيَامٍ» (اعمال ١٨:١-٤)
٤، ٥ (أ) أَيْنَ مَكَثَ بُولُسُ خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ، وَأَيَّ عَمَلٍ دُنْيَوِيٍّ زَاوَلَ؟ (ب) لِمَ تَعَلَّمَ بُولُسُ صُنْعَ ٱلْخِيَامِ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ؟
٤ بَعْدَ وُصُولِ بُولُسَ إِلَى كُورِنْثُوسَ، ٱلْتَقَى يَهُودِيًّا يُدْعَى أَكِيلَا وَزَوْجَتَهُ بِرِيسْكِلَّا، أَوْ بِرِيسْكَا. وَكَانَ هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْمِضْيَافَانِ قَدِ ٱسْتَقَرَّا فِي كُورِنْثُوسَ بِسَبَبِ مَرْسُومٍ أَصْدَرَهُ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ كُلُودِيُوسُ أَمَرَ فِيهِ «كُلَّ ٱلْيَهُودِ أَنْ يَرْحَلُوا عَنْ رُومَا». (اع ١٨:١، ٢) فَعَرَضَا عَلَى بُولُسَ ٱلْمُكُوثَ فِي بَيْتِهِمَا وَمُشَارَكَتَهُمَا ٱلْعَمَلَ أَيْضًا. نَقْرَأُ: «لِكَوْنِهِ مِنْ صَنْعَتِهِمَا مَكَثَ فِي بَيْتِهِمَا وَعَمِلَ مَعَهُمَا، لِأَنَّهُمَا فِي صَنْعَتِهِمَا كَانَا صَانِعَيْ خِيَامٍ». (اع ١٨:٣) فَأَصْبَحَ مَنْزِلُهُمَا مَحَلَّ إِقَامَةِ ٱلرَّسُولِ طِيلَةَ فَتْرَةِ خِدْمَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ. وَلَرُبَّمَا كَتَبَ وَهُوَ فِي ضِيَافَتِهِمَا بَعْضَ رَسَائِلِهِ ٱلَّتِي أُدْرِجَتْ فِي مَا بَعْدُ فِي قَانُونِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.b
٥ وَلٰكِنْ لَعَلَّكَ تَتَسَاءَلُ: ‹كَيْفَ لِرَجُلٍ مِثْلِ بُولُسَ تَثَقَّفَ «عِنْدَ قَدَمَيْ غَمَالَائِيلَ» أَنْ يَكُونَ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ صَانِعَ خِيَامٍ؟›. (اع ٢٢:٣) عَلَى مَا يَبْدُو، لَمْ يَنْظُرْ يَهُودُ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ نَظْرَةً دُونِيَّةً إِلَى تَعْلِيمِ أَوْلَادِهِمْ صَنْعَةً مَا، وَلَوْ حَصَّلَ بَنُوهُمْ تَعْلِيمًا عَالِيًا. وَبُولُسُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ مَدِينَةِ طَرْسُوسَ فِي كِيلِيكِيَةَ، مِنْطَقَةٍ ٱشْتُهِرَتْ بِإِنْتَاجِ قُمَاشٍ ٱسْمُهُ كِيلِيكِيُومُ ٱسْتُخْدِمَ فِي صِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ. لِذٰلِكَ يُرَجَّحُ أَنَّهُ تَعَلَّمَ هٰذِهِ ٱلصَّنْعَةَ فِي صِغَرِهِ. وَعَلَامَ ٱشْتَمَلَتْ؟ كَانَ ٱلصَّانِعُ يَنْسِجُ ٱلْأَقْمِشَةَ أَوْ يُفَصِّلُ وَيَخِيطُ ٱلْأَنْسِجَةَ ٱلْخَشِنَةَ وَٱلْقَاسِيَةَ. وَفِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ، تَطَلَّبَتْ هٰذِهِ ٱلْمِهْنَةُ جُهْدًا وَعَنَاءً كَبِيرَيْنِ.
٦، ٧ (أ) كَيْفَ نَظَرَ بُولُسُ إِلَى صِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ، وَمَاذَا يَدُلُّ أَنَّ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا شَاطَرَاهُ نَظْرَتَهُ؟ (ب) كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ وَأَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا؟
٦ لَمْ يَعْتَبِرْ بُولُسُ صُنْعَ ٱلْخِيَامِ شُغْلَهُ ٱلشَّاغِلَ، أَوْ عَمَلَهُ ٱلرَّئِيسِيَّ. فَقَدِ ٱمْتَهَنَ هٰذِهِ ٱلْحِرْفَةَ لِمُجَرَّدِ إِعَالَةِ نَفْسِهِ فِيمَا يُنَادِي بِٱلْبِشَارَةِ «بِغَيْرِ كُلْفَةٍ». (٢ كو ١١:٧) وَمَاذَا عَنْ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا؟ كَيْفَ نَظَرَا إِلَى صَنْعَتِهِمَا؟ لَا رَيْبَ أَنَّ شَخْصَيْنِ مَسِيحِيَّيْنِ مِثْلَهُمَا شَاطَرَا بُولُسَ نَظْرَتَهُ إِلَى ٱلْعَمَلِ ٱلدُّنْيَوِيِّ. فَحِينَ غَادَرَ ٱلرَّسُولُ كُورِنْثُوسَ عَامَ ٥٢ بم، وَضَّبَا أَمْتِعَتَهُمَا وَلَحِقَا بِهِ إِلَى أَفَسُسَ حَيْثُ عَقَدَتِ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلْمَحَلِّيَّةُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ فِي مَنْزِلِهِمَا. (١ كو ١٦:١٩) وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، عَادَا إِلَى رُومَا ثُمَّ إِلَى أَفَسُسَ ثَانِيَةً. حَقًّا لَقَدْ وَضَعَ هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْغَيُورَانِ مَصَالِحَ ٱلْمَلَكُوتِ أَوَّلًا وَبَذَلَا أَنْفُسَهُمَا طَوْعًا فِي خِدْمَةِ ٱلْآخَرِينَ، فَٱسْتَحَقَّا ٱمْتِنَانَ «جَمِيعِ جَمَاعَاتِ ٱلْأُمَمِ». — رو ١٦:٣-٥؛ ٢ تي ٤:١٩.
٧ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ وَأَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا. فَيَجْتَهِدُ ٱلْخُدَّامُ ٱلْغَيُورُونَ كَيْ لَا يَضَعُوا «عِبْئًا مُكَلِّفًا عَلَى أَحَدٍ». (١ تس ٢:٩) مَثَلًا، إِنَّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ ٱلْمُبَشِّرِينَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ يَعْمَلُونَ إِمَّا بِدَوَامٍ جُزْئِيٍّ أَوْ شُهُورًا قَلِيلَةً فِي ٱلسَّنَةِ كَيْ يُعِيلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي عَمَلِهِمِ ٱلرَّئِيسِيِّ، أَيِ ٱلْخِدْمَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. أَوَلَا يَسْتَحِقُّ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةُ ٱلْمَدْحَ؟! فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ، يَفْتَحُ مَسِيحِيُّونَ مِضْيَافُونَ كَثِيرُونَ بُيُوتَهُمْ لِلنُّظَّارِ ٱلْجَائِلِينَ عَلَى غِرَارِ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا. وَبِٱتِّبَاعِهِمْ «مَسْلَكَ ٱلضِّيَافَةِ»، يَتَشَجَّعُونَ وَيَتَشَدَّدُونَ لِلْغَايَةِ. — رو ١٢:١٣.
«كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ . . . آمَنُوا» (اعمال ١٨:٥-٨)
٨، ٩ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ حِينَ قُوبِلَتْ بِشَارَتُهُ ٱلْمُكَثَّفَةُ لِلْيَهُودِ بِٱلْمُقَاوَمَةِ، وَأَيْنَ رَاحَ يَكْرِزُ؟
٨ حِينَ وَصَلَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَقْدُونِيَةَ حَامِلَيْنِ مُسَاعَدَاتٍ سَخِيَّةً، لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لِلشَّكِّ أَنَّ بُولُسَ ٱعْتَبَرَ ٱلْعَمَلَ ٱلدُّنْيَوِيَّ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ، لَا هَدَفًا بِحَدِّ ذَاتِهِ. (٢ كو ١١:٩) فَدُونَ إِبْطَاءٍ، أَصْبَحَ «بُولُسُ أَكْثَرَ ٱنْشِغَالًا بِٱلْكَلِمَةِ [«تَفَرَّغَ بُولُسُ تَمَامًا لِلتَّبْشِيرِ»، كِتَابُ ٱلْحَيَاةِ — تَرْجَمَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ]». (اع ١٨:٥) غَيْرَ أَنَّ بِشَارَتَهُ ٱلْمُكَثَّفَةَ لِلْيَهُودِ قُوبِلَتْ بِمُقَاوَمَةٍ شَرِسَةٍ. فَنَفَضَ ٱلرَّسُولُ عِنْدَئِذٍ ثِيَابَهُ، رَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ مَسْؤُولِيَّةَ رَفْضِهِمْ بِشَارَةَ ٱلْخَلَاصِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ. وَقَالَ لِمُقَاوِمِيهِ ٱلْيَهُودِ: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ! أَنَا طَاهِرٌ مِنْهُ. مِنَ ٱلْآنَ أَذْهَبُ إِلَى ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ». — اع ١٨:٦؛ حز ٣:١٨، ١٩.
٩ فَأَيْنَ لِبُولُسَ أَنْ يَكْرِزَ ٱلْآنَ؟ عِوَضًا عَنِ ٱلْمَجْمَعِ، رَاحَ ٱلرَّسُولُ يُبَشِّرُ فِي مَنْزِلِ تِيطِيُوسَ يُوسْتُسَ، وَهُوَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُتَهَوِّدٌ كَانَ بَيْتُهُ مُلَاصِقًا لِلْمَجْمَعِ. (اع ١٨:٧) صَحِيحٌ أَنَّ بُولُسَ ظَلَّ سَاكِنًا مَعَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ، غَيْرَ أَنَّهُ ٱتَّخَذَ مِنْ بَيْتِ يُوسْتُسَ مَرْكَزًا لِبِشَارَتِهِ.
١٠ مَا ٱلْبُرْهَانُ أَنَّ بُولُسَ لَمْ يَقْصُرْ كِرَازَتَهُ عَلَى ٱلْأُمَمِيِّينَ فَقَطْ؟
١٠ وَلٰكِنْ هَلْ عَنَى قَوْلُ بُولُسَ: «مِنَ ٱلْآنَ أَذْهَبُ إِلَى ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ» أَنَّهُ صَرَفَ ٱلنَّظَرَ كُلِّيًّا عَنْ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ وَٱلْمُتَهَوِّدِينَ، حَتَّى ٱلْمُتَجَاوِبِينَ مِنْهُمْ؟ إِطْلَاقًا! عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، «آمَنَ كِرِيسْبُسُ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ بِٱلرَّبِّ، وَكَذٰلِكَ كُلُّ أَهْلِ بَيْتِهِ». وَعَلَى مَا يَبْدُو، ٱنْضَمَّ إِلَيْهِ أَيْضًا عَدَدٌ مِمَّنْ تَرَدَّدُوا عَلَى ٱلْمَجْمَعِ. فَٱلسِّجِلُّ يَذْكُرُ: «كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا آمَنُوا وَٱعْتَمَدُوا». (اع ١٨:٨) وَهٰكَذَا أَصْبَحَ مَنْزِلُ تِيطِيُوسَ يُوسْتُسَ مُلْتَقَى ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ فِي كُورِنْثُوسَ. وَفِي حَالِ كَانَ سِجِلُّ ٱلْأَعْمَالِ يَتَّبِعُ أُسْلُوبَ لُوقَا ٱلْمَعْهُودَ، أَيْ تَرْتِيبَ ٱلْأَحْدَاثِ وَفْقًا لِلتَّسَلْسُلِ ٱلزَّمَنِيِّ، يَكُونُ ٱهْتِدَاءُ هٰؤُلَاءِ ٱلْيَهُودِ أَوِ ٱلْمُتَهَوِّدِينَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ ‹نَفَضَ بُولُسُ ثِيَابَهُ›. وَإِذَا صَحَّ ذٰلِكَ، فَإِنَّ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةَ تُشَكِّلُ بُرْهَانًا سَاطِعًا عَلَى مُرُونَةِ ٱلرَّسُولِ.
١١ كَيْفَ يَقْتَدِي شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ فِي مُحَاوَلَتِهِمْ بُلُوغَ ٱلْمُنْتَمِينَ إِلَى ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ؟
١١ وَمَا ٱلْقَوْلُ فِي عَالَمِنَا ٱلْيَوْمَ؟ إِنَّ كَنَائِسَ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ مُتَجَذِّرَةٌ بِعُمْقٍ فِي بُلْدَانٍ عَدِيدَةٍ، وَلَهَا سَطْوَةٌ عَلَى أَعْضَائِهَا. هٰذَا وَقَدْ نَجَحَ مُرْسَلُوهَا فِي «هِدَايَةِ» أَعْدَادٍ كَبِيرَةٍ فِي بَعْضِ ٱلْمَنَاطِقِ. وَعَلَى غِرَارِ ٱلْيَهُودِ فِي كُورِنْثُوسِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، غَالِبًا مَا يَتَشَبَّثُ مُدَّعُو ٱلْمَسِيحِيَّةِ بِٱلتَّقَالِيدِ. غَيْرَ أَنَّ شُهُودَ يَهْوَهَ يُحَاوِلُونَ بِغَيْرَةٍ أَنْ يَبْلُغُوا هٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْخَاصَ وَيُحَسِّنُوا فَهْمَهُمْ لِلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، تَمَثُّلًا بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ. وَهُمْ لَا يَفْقِدُونَ ٱلْأَمَلَ وَلَوْ قَاوَمَهُمْ عُمُومُ ٱلنَّاسِ أَوِ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ. فَمِنْ بَيْنِ مَنْ «لَهُمْ غَيْرَةٌ لِلّٰهِ، وَلٰكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلدَّقِيقَةِ»، هُنَاكَ حُلَمَاءُ مِنْ وَاجِبِنَا ٱلْبَحْثُ عَنْهُمْ وَإِيجَادُهُمْ. — رو ١٠:٢.
«إِنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ» (اعمال ١٨:٩-١٧)
١٢ أَيُّ تَأْكِيدٍ نَالَهُ بُولُسُ فِي رُؤْيَا؟
١٢ فِي حَالِ سَاوَرَتْ بُولُسَ أَيَّةُ شُكُوكٍ حَوْلَ مُوَاصَلَةِ ٱلْكِرَازَةِ فِي كُورِنْثُوسَ، لَا بُدَّ أَنَّهَا ٱنْجَلَتْ لَيْلَةَ تَرَاءَى لَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ فِي رُؤْيَا، قَائِلًا: «لَا تَخَفْ، بَلْ وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، فَإِنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ». (اع ١٨:٩، ١٠) يَا لَهٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا ٱلْمُشَجِّعَةِ! فَٱلرَّبُّ نَفْسُهُ أَكَّدَ لِبُولُسَ أَنَّهُ يُصَانُ مِنَ ٱلْأَذَى وَأَنَّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ ٱلسُّكَّانِ يَسْتَحِقُّونَ سَمَاعَ ٱلْبِشَارَةِ. فَكَيْفَ تَجَاوَبَ ٱلرَّسُولُ؟ نَقْرَأُ: «مَكَثَ هُنَاكَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ». — اع ١٨:١١.
١٣ مَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ فِي بَالِ بُولُسَ فِيمَا دَنَا مِنْ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ، وَلٰكِنْ لِمَ عَرَفَ أَنَّهُ لَنْ يَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ؟
١٣ بَعْدَ قَضَاءِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا فِي كُورِنْثُوسَ، لَمَسَ ٱلرَّسُولُ بُرْهَانًا إِضَافِيًّا عَلَى دَعْمِ ٱلرَّبِّ. فَقَدْ «قَامَ ٱلْيَهُودُ مَعًا عَلَى بُولُسَ وَسَاقُوهُ إِلَى كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ» ٱلْمَدْعُوِّ بِما. (اع ١٨:١٢) وَكُرْسِيُّ ٱلْقَضَاءِ فِي ٱعْتِقَادِ ٱلْبَعْضِ مِنَصَّةٌ مُرْتَفِعَةٌ مِنَ ٱلرُّخَامِ ٱلْأَزْرَقِ وَٱلْأَبْيَضِ مُزَخْرَفَةٌ بِٱلنُّقُوشِ ٱلْجَمِيلَةِ، تَقَعُ كَمَا يَبْدُو بِٱلْقُرْبِ مِنْ وَسَطِ سَاحَةِ ٱلسُّوقِ فِي كُورِنْثُوسَ. وَٱلْبَاحَةُ أَمَامَ ٱلْكُرْسِيِّ كَانَتْ كَافِيَةً لِتَسَعَ حَشْدًا كَبِيرًا. وَتُشِيرُ ٱلِٱكْتِشَافَاتُ ٱلْأَثَرِيَّةُ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمِنَصَّةَ لَمْ تَكُنْ تَبْعُدُ سِوَى بِضْعِ خُطُوَاتٍ عَنِ ٱلْمَجْمَعِ ٱلْمُلَاصِقِ لِبَيْتِ يُوسْتُسَ. فَبِمَ كَانَ بُولُسُ يُفَكِّرُ فِيمَا دَنَا مِنْ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ؟ لَرُبَّمَا ٱسْتَذْكَرَ رَجْمَ إِسْتِفَانُوسَ ٱلْمُشَارِ إِلَيْهِ عُمُومًا بِصِفَتِهِ أَوَّلَ شَهِيدٍ مَسِيحِيٍّ. آنَذَاكَ، كَانَ شَاوُلُ، ٱلْمَعْرُوفُ ٱلْآنَ بِبُولُسَ، «رَاضِيًا بِقَتْلِهِ». (اع ٨:١) فَهَلْ يَذُوقُ هُوَ ٱلْيَوْمَ ٱلْكَأْسَ نَفْسَهَا؟ كَلَّا، فَيَسُوعُ وَعَدَهُ: «لَنْ يُؤْذِيَكَ أَحَدٌ». — اع ١٨:١٠، الترجمة العربية الجديدة.
«أبعَدَهم عن كرسي القضاء». — اعمال ١٨:١٦
١٤، ١٥ (أ) بِمَ ٱتَّهَمَ ٱلْيَهُودُ بُولُسَ، وَلِمَ رَدَّ غَالِيُونُ ٱلدَّعْوَى؟ (ب) مَاذَا جَرَى لِسُوسْتَانِيسَ، وَإِلَامَ رُبَّمَا آلَتِ ٱلْحَادِثَةُ؟
١٤ وَمَاذَا حَصَلَ عِنْدَمَا مَثَلَ بُولُسُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ؟ كَانَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْكُرْسِيِّ هُوَ غَالِيُونَ وَالِيَ أَخَائِيَةَ وَٱلْأَخَ ٱلْأَكْبَرَ لِلْفَيْلَسُوفِ ٱلرُّومَانِيِّ سَنِيكَا. هُنَاكَ وَجَّهَ ٱلْيَهُودُ إِلَى بُولُسَ ٱلِٱتِّهَامَ ٱلتَّالِيَ: «إِنَّ هٰذَا يُقْنِعُ ٱلنَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا ٱللّٰهَ بِخِلَافِ ٱلشَّرِيعَةِ». (اع ١٨:١٣) فَلَمَّحُوا بِكَلِمَاتِهِمْ أَنَّهُ مُذْنِبٌ بِٱلْهِدَايَةِ غَيْرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّ غَالِيُونَ رَأَى أَنَّ بُولُسَ بَرِيءٌ مِنْ أَيِّ «خَطَإٍ أَوْ جِنَايَةٍ فَاحِشَةٍ». (اع ١٨:١٤) فَلَمْ يَكُنِ ٱلْوَالِي يَنْوِي ٱلتَّدَخُّلَ فِي مُجَادَلَاتِ ٱلْيَهُودِ. حَتَّى إِنَّهُ رَدَّ ٱلدَّعْوَى نِهَائِيًّا قَبْلَ أَنْ يَتَفَوَّهَ بُولُسُ بِأَيِّ كَلِمَةٍ! فَٱسْتَشَاطَ ٱلْمُتَّهِمُونَ غَيْظًا وَصَبُّوا جَامَ غَضَبِهِمْ عَلَى سُوسْتَانِيسَ، رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ ٱلَّذِي رُبَّمَا حَلَّ مَحَلَّ كِرِيسْبُسَ. فَأَمْسَكُوا بِهِ «وَأَخَذُوا يَضْرِبُونَهُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ». — اع ١٨:١٧.
١٥ وَلٰكِنْ لِمَ لَمْ يَكُفَّ غَالِيُونُ ٱلْجَمْعَ عَنْ ضَرْبِ سُوسْتَانِيسَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا؟ لَرُبَّمَا ٱعْتَقَدَ ٱلْوَالِي أَنَّ سُوسْتَانِيسَ هُوَ مَنْ حَرَّضَ ٱلرَّعَاعَ عَلَى بُولُسَ، فَٱسْتَحَقَّ بِٱلتَّالِي جَزَاءَ فَعْلَتِهِ. فِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ، يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلْحَادِثَةَ آلَتْ إِلَى نِهَايَةٍ سَعِيدَةٍ. فَحِينَ رَاسَلَ بُولُسُ جَمَاعَةَ كُورِنْثُوسَ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى بَعْدَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ، ذَكَرَ بِٱلِٱسْمِ أَخًا يُدْعَى سُوسْتَانِيسَ. (١ كو ١:١، ٢) فَهَلْ هٰذَا ٱلْأَخُ هُوَ نَفْسُهُ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ ٱلَّذِي ضُرِبَ فِي تِلْكَ ٱلْحَادِثَةِ؟ لَا نَعْرِفُ يَقِينًا. وَلٰكِنْ إِذَا صَحَّ هٰذَا ٱلتَّخْمِينُ، فَمِنَ ٱلْمَعْقُولِ أَنَّ ٱلِٱخْتِبَارَ ٱلْأَلِيمَ ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ سَاهَمَ فِي ٱعْتِنَاقِهِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ.
١٦ كَيْفَ تُؤَثِّرُ كَلِمَاتُ ٱلرَّبِّ إِلَى بُولُسَ فِي خِدْمَتِنَا؟
١٦ فَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ؟ تَذَكَّرْ مَا قَالَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ لِبُولُسَ بَعْدَمَا رَفَضَ ٱلْيَهُودُ كِرَازَتَهُ: «لَا تَخَفْ، بَلْ وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ». (اع ١٨:٩، ١٠) وَيَحْسُنُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نُبْقِيَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ فِي بَالِنَا، خُصُوصًا حِينَ تُرْفَضُ رِسَالَتُنَا. وَلَا نَنْسَ أَيْضًا أَنَّ يَهْوَهَ يَرَى ٱلْقَلْبَ وَيَجْتَذِبُ أَصْحَابَ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ إِلَيْهِ. (١ صم ١٦:٧؛ يو ٦:٤٤) فَٱلْمِئَاتُ يَعْتَمِدُونَ كُلَّ يَوْمٍ، وَمِئَاتُ ٱلْآلَافِ كُلَّ سَنَةٍ. أَوَلَا يُشَجِّعُنَا ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُثَابَرَةِ فِي ٱلْخِدْمَةِ مِنْ كُلِّ ٱلنَّفْسِ؟! وَيَسُوعُ يُطَمْئِنُ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَتْبَعُونَ وَصِيَّتَهُ ‹مُتَلْمِذِينَ أُنَاسًا مِنْ جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ›، فَيَقُولُ: «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱخْتِتَامِ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ». — مت ٢٨:١٩، ٢٠.
«إِنْ شَاءَ يَهْوَهُ» (اعمال ١٨:١٨-٢٢)
١٧، ١٨ فِيمَ تَأَمَّلَ بُولُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِلَى أَفَسُسَ؟
١٧ لَا يُمْكِنُنَا ٱلْجَزْمُ هَلْ أَسْفَرَ مَوْقِفُ غَالِيُونَ مِنْ مُتَّهِمِي بُولُسَ عَنْ فَتْرَةِ سَلَامٍ لِلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْفَتِيَّةِ فِي كُورِنْثُوسَ. غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ «مَكَثَ أَيَّامًا كَثِيرَةً» قَبْلَمَا وَدَّعَ ٱلْإِخْوَةَ هُنَاكَ. ثُمَّ فِي رَبِيعِ عَامِ ٥٢ بم، خَطَّطَ لِلْإِبْحَارِ إِلَى سُورِيَّةَ مِنْ مَرْفَإِ كَنْخَرِيَا عَلَى بُعْدِ ١١ كلم تَقْرِيبًا شَرْقِيَّ كُورِنْثُوسَ. وَلٰكِنْ قَبْلَ مُغَادَرَةِ كَنْخَرِيَا، «قَصَّ شَعْرَهُ قَصِيرًا . . . لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ».c (اع ١٨:١٨) ثُمَّ ٱصْطَحَبَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا وَأَبْحَرَ عَبْرَ بَحْرِ إِيجَه إِلَى أَفَسُسَ فِي آسِيَا ٱلصُّغْرَى.
١٨ وَفِيمَا تَوَارَى مَرْفَأُ كَنْخَرِيَا عَنِ ٱلْأَنْظَارِ، ٱسْتَعْرَضَ ٱلرَّسُولُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مَا ٱخْتَبَرَهُ فِي كُورِنْثُوسَ، مُسْتَرْجِعًا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلذِّكْرَيَاتِ ٱلْحُلْوَةِ وَٱلْأَسْبَابِ ٱلَّتِي تَبُثُّ فِيهِ ٱكْتِفَاءً عَمِيقًا. فَٱلسَّنَةُ وَٱلنِّصْفُ ٱلَّتِي قَضَاهَا فِي كُورِنْثُوسَ أَثْمَرَتْ بِوَفْرَةٍ. فَقَدْ تَأَسَّسَتِ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلْأُولَى فِي ٱلْمَدِينَةِ. وَمِنْ جُمْلَةِ أَعْضَائِهَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ يُوسْتُسَ كَانَ كِرِيسْبُسُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، إِضَافَةً إِلَى كَثِيرِينَ غَيْرِهِمْ. وَلَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ أَعَزَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْجُدُدَ ٱلَّذِينَ سَاعَدَهُمْ عَلَى ٱعْتِنَاقِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. فَقَدْ رَاسَلَهُمْ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ وَاصِفًا إِيَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ رِسَالَةُ تَوْصِيَةٍ، مَكْتُوبَةً فِي قَلْبِهِ. أَوَلَا نَشْعُرُ نَحْنُ أَيْضًا أَنَّ رِبَاطًا وَثِيقًا يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ نُسَاعِدُهُمْ عَلَى إِيجَادِ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ؟! فَكَمْ نَفْرَحُ لِرُؤْيَتِهِمْ، هُمُ ٱلَّذِينَ يُعْتَبَرُونَ «رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ» حَيَّةً لَنَا! — ٢ كو ٣:١-٣.
١٩، ٢٠ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ حَالَمَا وَصَلَ إِلَى أَفَسُسَ، وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْهُ عَنِ ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ أَهْدَافٍ رُوحِيَّةٍ؟
١٩ حَالَمَا وَصَلَ بُولُسُ إِلَى أَفَسُسَ، بَاشَرَ عَمَلَهُ دُونَمَا تَأْخِيرٍ. «فَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ وَحَاجَّ ٱلْيَهُودَ مَنْطِقِيًّا». (اع ١٨:١٩) وَهٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ، لَمْ يُطِلِ ٱلْبَقَاءَ فِي أَفَسُسَ. فَرَغْمَ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَبْقَى زَمَانًا أَطْوَلَ، «لَمْ يُوَافِقْ» عَلَى طَلَبِهِمْ. قَالَ لَهُمْ وَهُوَ يُوَدِّعُهُمْ: «سَأَعُودُ إِلَيْكُمْ ثَانِيَةً، إِنْ شَاءَ يَهْوَهُ». (اع ١٨:٢٠، ٢١) فَقَدْ أَدْرَكَ دُونَ شَكٍّ أَنَّ هُنَاكَ بَعْدُ عَمَلًا كَثِيرًا يَجِبُ إِنْجَازُهُ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ. لِذٰلِكَ خَطَّطَ لِلْعَوْدَةِ إِلَيْهَا، لٰكِنَّهُ فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ تَرَكَ ٱلْأُمُورَ بَيْنَ يَدَيْ يَهْوَهَ. وَفِي هٰذَا مِثَالٌ لَنَا. فَمِنْ جِهَةٍ، عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ ٱلْمُبَادَرَةَ فِي ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ ٱلْأَهْدَافِ ٱلرُّوحِيَّةِ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ أَنْ نَتَّكِلَ دَائِمًا عَلَى إِرْشَادِ يَهْوَهَ وَنَسْعَى لِلْعَمَلِ ٱنْسِجَامًا مَعَ مَشِيئَتِهِ. — يع ٤:١٥.
٢٠ تَرَكَ بُولُسُ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا فِي أَفَسُسَ وَنَزَلَ بَحْرًا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. ثُمَّ «صَعِدَ» إِلَى أُورُشَلِيمَ عَلَى مَا يَبْدُو حَيْثُ سَلَّمَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ هُنَاكَ. (اع ١٨:٢٢؛ حاشية الكتاب المقدس — ترجمة العالم الجديد، بشواهد [بالانكليزية]) بَعْدَئِذٍ عَادَ ٱلرَّسُولُ إِلَى نُقْطَةِ ٱنْطِلَاقِهِ، أَيْ أَنْطَاكِيَةِ سُورِيَّةَ. وَهٰكَذَا ٱخْتَتَمَ بِنَجَاحٍ رِحْلَتَهُ ٱلْإِرْسَالِيَّةَ ٱلثَّانِيَةَ. فَمَاذَا تُخَبِّئُ لَهُ رِحْلَتُهُ ٱلْأَخِيرَةُ يَا تُرَى؟
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «كُورِنْثُوسُ: سَيِّدَةُ ٱلْبَحْرَيْنِ».
b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «رَسَائِلُ مُلْهَمَةٌ تَمُدُّ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ».
c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «نَذْرُ بُولُسَ».
-