-
صوتٌ واحد شقَّ حجاب الصمتاستيقظ! ١٩٩٥ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
صوتٌ واحد شقَّ حجاب الصمت
قبل خمسين سنة قُضي على وحش. وعندما رفع العالم اخيرا الستار ليلقي نظرة على الرايخ الثالث المنهار، كان المنظر المروِّع الذي تراءى امامه كابوسا افظع من ان يُستوعَب. ولم يكن في وسع الجنود والمدنيين على السواء إلا ان يحدِّقوا برعب صامت الى المخلَّفات المخيفة لآلة قتل وحشية.
في اوائل هذه السنة احيا الآلاف الذكرى الـ ٥٠ لتحرير معسكرات الاعتقال، وذلك بالسير بصمت في باحاتها المقفرة. وكانوا يجاهدون ليستوعبوا هول الجريمة. والسبب هو ان نحو ٠٠٠,٥٠٠,١ شخص قُتلوا في معسكر الموت في أوشڤيتس وحده! لقد كان وقتا للصمت، وقتا للتأمل في عدم انسانية الانسان نحو الانسان. وكان يتردد صدى اسئلة مزعجة في الافران الباردة، في الثكنات الفارغة، وعبر الاكوام الباقية من الاحذية المنهوبة.
واليوم يشعر الناس بالرعب والغضب مما حصل. فالمحرقة، التي قُتل فيها عدة ملايين بطريقة منظمة، تكشف مدى الوحشية الشريرة التي بلغتها النازية. ولكن ماذا عن ذلك الوقت؟ مَن رفعوا الصوت عاليا؟ ومَن لم يفعلوا ذلك؟
كثيرون عرفوا اولا عن المذابح الجماعية بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها. يوضح كتاب قبل خمسين سنة — ثورة وسط الظلام: «ان الصور الفوتوڠرافية والشرائط الإخبارية عن مراكز ومعسكرات القتل التي حرَّرها الحلفاء سنة ١٩٤٤ و ١٩٤٥ عرَّفت الناس للمرة الاولى بالحقيقة الصاعقة، وخصوصا في الغرب.»
ولكن حتى قبل انشاء معسكرات الموت، كان هنالك صوتٌ يعلن اخطار النازية من خلال استيقظ!، المجلة التي بين ايديكم الآن. لقد عُرفت اولا باسم العصر الذهبي ثم دُعيت التعزية سنة ١٩٣٧. وابتداء من سنة ١٩٢٩ كانت هاتان المجلتان اللتان اصدرهما شهود يهوه تحذِّران بجرأة من اخطار النازية، انسجاما مع الاعلان على الغلاف، «مجلة واقع، رجاء وشجاعة.»
«كيف يمكن للمرء ان يلزم الصمت،» سألت التعزية سنة ١٩٣٩، «حيال فظائع تُرتكب كما في المانيا حيث يُعتقل ٠٠٠,٤٠ شخص بريء في وقت واحد؛ حيث يُعدم ٧٠ منهم في ليلة واحدة في احد السجون؛ . . . حيث تُدمَّر كل دور ومؤسسات ومستشفيات المسنين والفقراء والعاجزين وكل دور الايتام للاولاد؟»
فعلا، كيف يمكن للمرء ان يلزم الصمت؟ وفي حين ان العالم عموما لم يكن عارفا او متأكدا من التقارير المريعة التي كانت ترد شيئا فشيئا من المانيا والبلدان المحتلة، لم يقوَ شهود يهوه على البقاء صامتين. فقد كانوا يعرفون بشكل مباشر اعمال النظام النازي الوحشية، ولم يخافوا من ان يرفعوا الصوت عاليا.
[مصدر الصورة في الصفحة ٣]
U.S. National Archives photo
-
-
لماذا لم يخافوا من رفع الصوت عاليااستيقظ! ١٩٩٥ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
لماذا لم يخافوا من رفع الصوت عاليا
بالنظر الى الماضي، يمكن القول ان الصدام بين شهود يهوه والنازية، او الاشتراكية الوطنية، كان امرا لا مفر منه. ولماذا؟ لأن مطالب النازيين المتصلبة كانت تتعارض مع ثلاثة من معتقدات الشهود الاساسية المؤسسة على الكتاب المقدس. وهي: (١) يهوه اللّٰه هو المتسلط الاسمى. (٢) المسيحيون الحقيقيون حياديون سياسيا. (٣) سيقيم اللّٰه من الاموات الاشخاص الذين برهنوا عن امانتهم له حتى الموت.
ان هذه المعتقدات المؤسسة على الكتاب المقدس حدَّدت موقف شهود يهوه الثابت في وجه مطالب النازيين الاثيمة. وهكذا رفعوا الصوت عاليا بشجاعة وشهَّروا النازية على ما هي عليه من شر.
رفض شهود يهوه اداء التحية الهتلرية. وسبب رفضهم هو انهم ينسبون خلاصهم الى اللّٰه ولأنهم نذروا حياتهم له وحده. يقول الكتاب المقدس عن يهوه: «وحدك العلي على كل الارض.» — مزمور ٨٣:١٨.
وفي الواقع تشير عبارة «هايل هتلر» الى ان الخلاص هو بواسطة هتلر. ولذلك لم يكن ممكنا ان يحافظ الشهود على امانتهم للّٰه وفي الوقت نفسه يؤدوا تحية كهذه لأيّ انسان. فحياتهم وولاؤهم هما للّٰه.
كان شهود يهوه يعرفون حوادث سابقة وواضحة تدعم رفضهم اطاعة مطالب هتلر الخاطئة. مثلا، عندما أُمر رسل يسوع في القرن الاول ان يكفُّوا عن التبشير بالمسيح، رفضوا. فقد قالوا: «ينبغي ان يطاع اللّٰه اكثر من الناس.» ويقول الكتاب المقدس انه بسبب موقفهم الحازم قامت السلطات ‹بجلدهم وأوصتهم ان لا يتكلموا باسم يسوع.› ولكنَّ الرسل رفضوا اطاعة هذا الامر الذي يتحدى اللّٰه. ‹فكانوا لا يزالون يعلِّمون ويبشِّرون.› — اعمال ٥:٢٩، ٤٠-٤٢.
مات كثيرون من المسيحيين الاوائل لأنهم اطاعوا اللّٰه اكثر من الناس. وهلكت اعداد كبيرة في الميادين الرومانية لأنهم رفضوا اداء التحية لقيصر بتقديم عمل عبادة له. ولكن في نظر هؤلاء كان البرهان عن الامانة للّٰه حتى الموت شرفا وانتصارا، كما يكون الجندي الباسل مستعدا للموت من اجل وطنه.
ولأن شهود يهوه يؤيدون حكومة واحدة فقط، ملكوت اللّٰه، اعتبرهم البعض اشخاصا يسعون الى قلب الانظمة. لكنَّ ذلك عارٍ عن الصحة تماما. فتمثُّلا برسل يسوع هم «ليسوا (جزءا) من العالم.» (يوحنا ١٧:١٦) انهم حياديون سياسيا. وبسبب ولائهم للّٰه يطيعون قوانين الحكومات البشرية في بلدهم. وهم فعلا مثال في ‹الخضوع للسلاطين الفائقة.› (رومية ١٣:١) ولم يؤيدوا قط التمرد على اية حكومة بشرية!
ولكن هنالك حدّ لا يمكن تجاوزه مهما تكن الظروف. انه الحدّ بين واجب شهود يهوه نحو الانسان وواجبهم نحو اللّٰه. فهم يعطون لقيصر، او السلطات الحكومية، ما لقيصر، ولكنهم يعطون للّٰه ما هو له. (متى ٢٢:٢١) وإذا حاول احد ان يغتصب منهم ما هو للّٰه، فتلك المحاولة ستفشل.
وماذا اذا هُدِّد شاهد بالموت؟ يملك شهود يهوه ثقة لا تتزعزع بقدرة اللّٰه على ردِّهم الى الحياة. (اعمال ٢٤:١٥) وهكذا يملك الشهود الموقف نفسه الذي كان عند الاحداث العبرانيين الثلاثة في بابل القديمة. فعندما هُدِّدوا بالموت في اتون النار، قالوا للملك نبوخذنصَّر: «هوذا يوجد الهنا الذي نعبده يستطيع ان ينجينا. . . . فليكن معلوما لك ايها الملك اننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته.» — دانيال ٣:١٧، ١٨.
وهكذا، كما ذُكر سابقا، عندما ابتدأ هتلر يرتقي سلَّم الالوهية التي منحها لنفسه، كان شنّ معركة ايديولوجية امرا لا مفر منه. فالرايخ الثالث، وقد استلَّ سيفه، وجد نفسه وجها لوجه مع فريق صغير من شهود يهوه الذين قطعوا على انفسهم عهدا ان يبقوا اولياء للاله الحقيقي، الاله القادر على كل شيء، يهوه. ولكن حتى قبل ان تبدأ المعركة كانت النتيجة مقرَّرة.
[الاطار في الصفحة ٥]
امينان حتى الموت
كان ڤولفڠَنڠ كوسِرو احد الذين أُعدموا لأنه حافظ على الامانة للّٰه ورفض تأييد النازية. وقبيل قطع رأسه في ٢٨ آذار ١٩٤٢ كتب الى والديه وأشقائه: «الآن، كابنكم وأخيكم الثالث، عليَّ ان اغادركم صباح غد. لا تحزنوا، لأنه سيأتي الوقت حين نجتمع ثانية . . . وكم سيكون ابتهاجنا عظيما آنذاك حين نتحد من جديد! . . . الآن مُزِّقنا بعضنا عن بعض، وكل واحد منا عليه ان يحتمل التجربة. أما آنذاك فسنكافَأ.»
قبيل تنفيذ حكم الاعدام، في ٨ كانون الثاني ١٩٤١، كتب يوهانس هارمز في رسالة اخيرة الى ابيه: «لقد أُعلن الحكم عليَّ بالموت وأنا مقيد بالسلاسل ليلا ونهارا — والعلامات (على الورقة) هي من قيد يديّ . . . والدي العزيز، ادعوك بالروح، ابقَ امينا كما حاولت انا ان ابقى امينا، ومن ثم سيرى كل منا الآخر ثانية. سأفكر فيك حتى النهاية.»
-
-
فضح شرور النازيةاستيقظ! ١٩٩٥ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
فضح شرور النازية
في عشرينات الـ ١٩٠٠، فيما كانت المانيا تجاهد لتستعيد عافيتها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولى، كان شهود يهوه مشغولين بتوزيع كميات هائلة من مطبوعات الكتاب المقدس. ولم يُسهم ذلك في تقديم التعزية والرجاء فقط للشعب الالماني انما حذَّرهم من ارتفاع موجة التسلط العسكري. وبين السنتين ١٩١٩ و ١٩٣٣ وزع الشهود ما معدله ثمانية كتب، كراريس، او مجلات لكل عائلة من الـ ١٥ مليون عائلة تقريبا في المانيا.
وغالبا ما كانت مجلتا العصر الذهبي و التعزية تلفتان الانتباه الى تطورات التسلط العسكري في المانيا. وفي سنة ١٩٢٩، قبل ان يتسلم هتلر السلطة بأكثر من ثلاث سنين، ذكرت بجرأة الطبعة الالمانية من العصر الذهبي: «الاشتراكية الوطنية هي . . . حركة تعمل . . . بشكل مباشر لمصلحة عدو الانسان، ابليس.»
وقبيل تسلُّم هتلر السلطة، قالت العصر الذهبي عدد ٤ كانون الثاني ١٩٣٣: «ها قد ابتدأ يلوح المنظر المرعب للحركة الاشتراكية الوطنية كجرف شاهق محفوف بالمخاطر. يبدو من غير المعقول ان حزبا سياسيا كان تافها في بدايته، حزبا مبتدعا في سياساته، يتمكن في غضون سنين قليلة من النمو حتى يفوق بنية حكومة وطنية. ومع ذلك فقد تمكن ادولف هتلر وحزبه الاشتراكي الوطني (النازيون) من تحقيق هذا الانجاز النادر الحدوث.»
مناشدة للتفهُّم
صار هتلر رئيس الوزراء في المانيا في ٣٠ كانون الثاني ١٩٣٣، وبعد شهرين، في ٤ نيسان ١٩٣٣، صودر مكتب فرع شهود يهوه في ماڠدَبورڠ. لكنَّ الامر أُبطل في ٢٨ نيسان ١٩٣٣ واستُعيدت الملكية. فماذا كان يُنتظر بعد؟
على الرغم من العداء الواضح من جهة نظام هتلر، نظم شهود يهوه محفلا في برلين، المانيا، ليعقد في ٢٥ حزيران ١٩٣٣. واجتمع فيه نحو ٠٠٠,٧ شخص. وأوضح الشهود علنا نواياهم: «هيئتنا ليست سياسية بأيّ معنى كان. نحن نصرّ فقط على تعليم كلمة يهوه اللّٰه للناس، وعلى القيام بذلك دون اية اعاقة.»
وهكذا بذل شهود يهوه جهدا مخلصا لعرض قضيتهم. فماذا كانت النتائج؟
الهجوم يبتدئ
ان موقف الشهود الحيادي وغير المتقلقل، بالاضافة الى ولائهم لملكوت اللّٰه، لم يكن امرا مقبولا لدى حكومة هتلر. ولم تكن نية النازيين ان يسمحوا بأيّ رفض لتأييد ايديولوجيتهم.
ومباشرة بعد انتهاء المحفل في برلين، صادر النازيون من جديد مكتب الفرع في ماڠدَبورڠ في ٢٨ حزيران ١٩٣٣. وأوقفوا اجتماعات الشهود واعتقلوا البعض. وسرعان ما ابتُدئ بصرف الشهود من وظائفهم. وعانوا المداهمات لبيوتهم، الضرب، والاعتقالات. وفي مطلع سنة ١٩٣٤ كان النازيون قد صادروا من الشهود ٦٥ طنًّا من مطبوعات الكتاب المقدس وأحرقوها خارج ماڠدَبورڠ.
موقف الشهود العازم
على الرغم من هذه الاعتداءات الاولية، حافظ شهود يهوه على ثباتهم وشهَّروا علنا القمع والظلم. وقد أبرز عدد ١ تشرين الثاني ١٩٣٣ من برج المراقبة المقالة «لا تخافوهم.» وكانت المقالة معدَّة خصوصا للشهود الالمان، وفيها جرى حضُّهم على التشجُّع في وجه الضغط المتفاقم.
وفي ٩ شباط ١٩٣٤ بعث ج. ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة، رسالة احتجاج الى هتلر ذكر فيها: «قد تنجحون في مقاومة كل الناس، لكنكم لن تنجحوا في مقاومة يهوه اللّٰه. . . . فباسم يهوه اللّٰه وملكه الممسوح، المسيح يسوع، اطلب منكم ان تصدروا امرا الى كل المسؤولين والموظفين في حكومتكم بأن يُسمح لشهود يهوه في المانيا بالاجتماع بسلام وعبادة اللّٰه دون اعاقة.»
وحدَّد رذرفورد موعدا اخيرا لذلك في ٢٤ آذار ١٩٣٤. وقال انه اذا لم يرتح الشهود الالمان من الاضطهاد بحلول ذلك التاريخ، فستُنشر الوقائع المتعلقة بالاضطهاد في كل انحاء المانيا وباقي العالم. أما جواب النازيين على طلب رذرفود فكان المزيد من الاساءات، مرسلين كثيرين من شهود يهوه الى معسكرات الاعتقال التي أُنشئت حديثا. وهكذا كانوا بين اول الداخلين الى هذه المعسكرات.
الشهود يفضحون الفظائع النازية
وكما وعد شهود يهوه، ابتدأوا يفضحون الفظائع التي تحصل في المانيا. وأخذ الشهود من كل انحاء العالم يبعثون رسائل احتجاج الى حكومة هتلر.
وفي ٧ تشرين الاول ١٩٣٤ اجتمعت كل جماعات شهود يهوه في المانيا للاستماع الى رسالة أُرسلت الى المسؤولين في حكومة هتلر. ذكرت الرسالة: «هنالك تناقض بين قانونكم وشريعة اللّٰه . . . وبهذا نُعلمكم بأننا مهما كان الثمن سنطيع وصايا اللّٰه، سنجتمع معا لدرس كلمته، وسنعبده ونخدمه كما امر.»
وفي اليوم نفسه اجتمع شهود يهوه في ٤٩ بلدا آخر في محفل خصوصي وأرسلوا البرقية التالية الى هتلر: «ان معاملتكم السيئة لشهود يهوه تصدم جميع الاشخاص الصالحين على الارض وتحقِّر اسم اللّٰه. كفّوا عن اضطهاد شهود يهوه؛ وإلا فإن اللّٰه سيهلككم انتم وحزبكم الوطني.»
وكان تجاوب النازيين سريعا تقريبا اذ ضاعفوا اضطهادهم. وهتلر نفسه صاح قائلا: «هذا الجنس سيباد من المانيا!» ولكن مع اشتداد المقاومة زاد تصميم الشهود صلابة بالمقابل.
وفي سنة ١٩٣٥ فضحت العصر الذهبي وسائل التعذيب المشابهة لوسائل محكمة التفتيش وفضحت شبكة التجسس التابعة للنظام النازي. وكشفت ايضا ان الهدف من منظمة الشبيبة الهتلرية هو تجريد الشبان الالمان من ايمانهم باللّٰه. وفي السنة التالية قام الڠستاپو بحملة شملت البلد كله وأدت الى اعتقال آلاف الشهود. وبعيد ذلك، في ١٢ كانون الاول ١٩٣٦، ردَّ الشهود بحملة قاموا هم بها، موزعين في كل انحاء المانيا عشرات الآلاف من النسخ من قرار احتجاج على اضطهاد شهود يهوه.
وفي ٢٠ حزيران ١٩٣٧ وزَّع الشهود الذين كانوا لا يزالون احرارا رسالة اخرى عن الاضطهاد مفصَّلة جدا. وقد ذكرت اسماء المسؤولين وحددت التواريخ والاماكن. فارتاع الڠستاپو من هذا التشهير ومن قدرة الشهود على مواصلته بنجاح.
ان محبة القريب هي التي دفعت الشهود الى تحذير سكان المانيا من الانخداع بالرؤيا المهيبة لحكم مجيد الف سنة في ظل الرايخ الثالث. قال كراس واجهوا الوقائع الصادر سنة ١٩٣٨: «يجب ان نقول الحقيقة ونعطي التحذير.» وتابع: «نحن ندرك ان هذه الحكومة الكليانية . . . هي نتاج الشيطان وقد أُوجدت كبديل لملكوت اللّٰه.» كان شهود يهوه بين الاشخاص الاوائل الذين استهدفتهم الاساءة من النازيين، إلا انهم شجبوا ايضا بصوت عالٍ الفظائع المرتكبة ضد اليهود، الپولنديين، المعاقين، وغيرهم.
وقال القرار «تحذير!» الذي جرى تبنّيه في محفل لشهود يهوه في سيياتل، واشنطن، الولايات المتحدة الاميركية، في السنة ١٩٣٨: «ان الفاشيين والنازيين، منظمتان سياسيتان راديكاليتان، استولوا على الحكم بشكل غير شرعي في بلدان اوروپية كثيرة . . . وجميع السكان سيخضعون لنظام متشدد، وستُسلب حرياتهم، وسيُجبرون على الاذعان لحكم دكتاتور استبدادي وعندئذ سيُعاد احياء محكمة التفتيش القديمة.»
كان رذرفورد يتكلم بانتظام عبر الراديو، ملقيا محاضرات قوية حول الطبيعة الشيطانية للنازية. وكان يُعاد بث المحاضرات في كل انحاء العالم وكانت تُطبع لتوزَّع بالملايين. وفي ٢ تشرين الاول ١٩٣٨ القى الخطاب «الفاشية ام الحرية،» وفيه شهَّر هتلر بعبارات صريحة.
اعلن رذرفورد: «الناس في المانيا يحبون السلام،» وتابع قائلا ان «ابليس وضع ممثله هتلر في مركز السلطة، وهو رجل مريض عقليا، متوحش، ماكر وعديم الرحمة . . . انه يضطهد اليهود بوحشية لأنهم كانوا ذات مرة شعب عهد يهوه وحملوا اسمه، ولأن المسيح يسوع كان يهوديا.»
ومع اشتعال النازيين غضبا على شهود يهوه، صارت عبارات الشجب التي يستعملها الشهود اكثر قسوة. فقد ذكر عدد ١٥ ايار ١٩٤٠ من التعزية: «ان هتلر ولد مثالي لإبليس حتى ان خطاباته وقراراته تتدفق منه كما يتدفق الماء من مجرور حسن الصنع.»
فضح اهوال المعسكرات
مع ان الناس الى حد بعيد لم يكونوا على علم بوجود معسكرات الاعتقال حتى السنة ١٩٤٥، فكثيرا ما كانت تظهر رسوم مفصَّلة عنها في مطبوعات برج المراقبة في ثلاثينات الـ ١٩٠٠. ففي السنة ١٩٣٧، مثلا، اخبرت التعزية عن اختبارات الغاز السام في داخاو. وبحلول العام ١٩٤٠ كانت مطبوعات الشهود قد ذكرت اسم ٢٠ معسكرا مختلفا وأخبرت بالاوضاع المريعة هناك.
لماذا كان شهود يهوه يعرفون الكثير عن معسكرات الاعتقال؟ عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩، كان هنالك ٠٠٠,٦ شاهد في المعسكرات والسجون. ويقدِّر المؤرخ الالماني دتْلف ڠاربي ان الشهود شكَّلوا في ذلك الوقت ما بين ٥ و ١٠ في المئة من مجموع الموجودين في المعسكرات!
وفي ندوة عن الشهود والمحرقة، ذكر ڠاربي: «من الـ ٠٠٠,٢٥ شخص الذين اقروا بأنهم شهود ليهوه عند بداية الرايخ الثالث، سُجن نحو ٠٠٠,١٠ شخص لفترات مختلفة. ومن هؤلاء أُخذ اكثر من ٠٠٠,٢ الى معسكرات الاعتقال. ويعني ذلك ان شهود يهوه، باستثناء اليهود، كانوا الفريق الديني الذي عانى اسوأ اضطهاد من وحدات الحماية SS.»
وفي حزيران ١٩٤٠ قالت التعزية: «كان هنالك ٠٠٠,٥٠٠,٣ يهودي في پولندا عندما بدأت المانيا حربها الخاطفة . . .، وإذا كانت التقارير التي تصل الى العالم الغربي صحيحة فإن عملية اهلاكهم كما يبدو جارية.» وفي سنة ١٩٤٣ ذكرت التعزية: «ان شعوبا بكاملها كاليونانيين، الپولنديين والصربيين تُباد بشكل منظم.» وبحلول سنة ١٩٤٦ كانت العصر الذهبي و التعزية قد حددتا ٦٠ سجنا ومعسكر اعتقال مختلفا.
الشهود يخيِّبون النازيين
مع ان النازيين حاولوا ايقاف تدفق مطبوعات برج المراقبة، فقد اعترف مسؤول في برلين: «من الصعب ايجاد الاماكن السرية في المانيا حيث لا تزال تُطبع مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس؛ فلا احد منهم يحمل اسماء او عناوين ولا احد يخون الآخر.»
ورغم جهود الڠستاپو الجنونية، لم يتمكنوا قط من اعتقال اكثر من نصف مجموع عدد الشهود في المانيا. تخيلوا خيبة شبكة التجسس النازية المعقدة — فلم يكن بإمكانها ان تجمع كل افراد هذا الجيش الصغير وتسكتهم او توقف تدفق المطبوعات. فقد كانت المطبوعات تصل الى ايدي الناس في الشوارع حتى انها كانت تدخل معسكرات الاعتقال عبر سياجات الاسلاك الشائكة!
الانتصار على البربرية
ان النازيين، الذين اعتُبروا خبراء بتحطيم الارادة البشرية، حاولوا جاهدين حمل شهود يهوه على انتهاك حيادهم المسيحي، ولكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا. قال كتاب نظرية وممارسة الجحيم: «لا يستطيع المرء إلا ان يعترف بأن وحدات الحماية SS، من الناحية النفسية، لم تكن قط بمستوى التحدي الذي واجههم به شهود يهوه.»
فعلا، بدعم من روح اللّٰه، ربح الشهود المعركة. والمؤرخة كريستين كينڠ، رئيسة جامعة ستافوردشير في انكلترا، وصفت طرفَي النزاع قائلة: «الاول [النازيون] هائل، قوي، ويبدو انه لا يُقهر. الآخر [الشهود] صغير جدا جدا . . . ليس لهم إلا ايمانهم، دون ايّ سلاح آخر . . . لقد هزم شهود يهوه معنويا جبروت سلطة الڠستاپو.»
كان شهود يهوه فريقا مسالما صغيرا يحيط به من كل الجهات الحيِّز النازي. ومع ذلك شنوا معركة بطريقتهم الخاصة وربحوها — معركة الحق في عبادة الههم، معركة المحبة لقريبهم، ومعركة قول الحقيقة.
[الاطار في الصفحة ٩]
الشهود فضحوا وجود المعسكرات
مع انه لم تكن الاسماء اوشڤيتس، بوكنْوُلد، داخاو، وزاكسنهاوزن معروفة عند معظم الناس الى ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كانت معروفة جيدا عند قراء العصر الذهبي و التعزية. فتقارير شهود يهوه، التي كانت تُسرَّب الى خارج المعسكرات بمخاطرة كبيرة والتي كانت تُنشر في مطبوعات برج المراقبة، فضحت نية الرايخ الثالث الاجرامية.
في سنة ١٩٣٣ نشرت العصر الذهبي اول التقارير الكثيرة عن وجود معسكرات اعتقال في المانيا. وفي سنة ١٩٣٨ نشر شهود يهوه كتاب حملة صليبية ضد المسيحية بالفرنسية والالمانية والپولندية. وتحدث الكتاب، مدعوما بالوثائق الدقيقة، عن الاعتداءات النازية الوحشية على الشهود واحتوى على رسوم تخطيطية لمعسكري الاعتقال زاكسنهاوزن واستِرْوَڠِن.
كتب الدكتور توماس مان الحائز جائزة نوبل: «بتأثر بالغ قرأتُ كتابكم وما تضمنه من وثائق مريعة. لا يمكنني ان اصف شعور الاشمئزاز والتقزُّز الذي ملأ قلبي وأنا اقرأ هذه السجلات التي تصف انحطاط الانسان والوحشية البغيضة. . . . ان الصمت لا يخدم إلا اللامبالاة الاخلاقية في العالم . . . لقد قمتم بواجبكم عندما نشرتم هذا الكتاب وكشفتم النقاب عن هذه الحقائق.» — الاحرف المائلة لنا.
[الاطار في الصفحة ١٠]
الشهود بين الاشخاص الاوائل في المعسكرات
كانت مدام جنڤياڤ ديڠول، ابنة شقيق رئيس فرنسا السابق شارل ديڠول، عضوا في المقاومة الفرنسية. وعندما أُلقي القبض عليها وسُجنت لاحقا في معسكر الاعتقال رڤنسْبروك سنة ١٩٤٤، التقت شهود يهوه. وبعد الحرب العالمية الثانية القت مدام ديڠول محاضرات في كل انحاء سويسرا وتكلمت في اغلب الاحيان عن استقامة الشاهدات وشجاعتهن. وفي مقابلة أُجريت معها في ٢٠ ايار ١٩٩٤ قالت عنهن:
«كنَّ بين الاشخاص الاوائل الذين أُخذوا الى المعسكر. وكثيرات كنَّ قد متن . . . كنا نعرفهن من شارتهن المتميزة. . . . كان ممنوعا منعا باتا ان يتحدثن عن معتقداتهن او ان تكون معهن اية كتب دينية، وخصوصا الكتاب المقدس الذي كان يُعتبر اخطر كتاب محرِّض على الفتنة . . . اعرف [واحدة من شهود يهوه]، وقيل لي انه كانت هنالك اخريات ايضا، أُعدمت لأنه وُجدت معها صفحات قليلة من مقاطع من الكتاب المقدس. . . .
«ما كان يعجبني فيهن كثيرا هو انهن كنَّ قادرات على الرحيل في ايّ وقت كان بمجرد التوقيع على وثيقة انكار لايمانهن. وفي النهاية فإن اولئك النساء، اللواتي بَدَوْنَ ضعيفات ومرهقات جدا، كنَّ اقوى من وحدات الحماية SS الذين كانت السلطة وكل الوسائل تحت تصرفهم. أما [شاهدات يهوه] فكانت لديهن قوتهن، ولم يستطع احد ان يهزم قوة ارادتهن.»
[الاطار في الصفحة ١١]
سلوك الشهود في المعسكرات
بدافع المحبة للقريب — الرفيق في الزنزانة، الرفيق في الثكنة، الرفيق في المعسكر — لم يكن الشهود يعطون الآخرين الطعام الروحي فحسب بل ايّ طعام مادي يحصلون عليه ايضا.
اوضح يهودي نجا من معسكر الاعتقال بوكنْوُلد: «هناك التقيت بيبلفورشر. كانوا دائما يشهدون بمعتقداتهم. وفي الواقع، لم يكن هنالك شيء يوقفهم عن التحدث عن الههم. وكانوا يساعدون السجناء الآخرين كثيرا. وعندما أُرسلت اعداد كبيرة من اليهود الى المعسكر في ١٠ تشرين الثاني ١٩٣٨ ضمن حملة المذبحة المنظمة، قام ‹يِهوفاس شْڤاين› [خنازير يهوه]، كما كان الحراس يسمونهم، بتوزيع حصتهم من الخبز على اليهود المسنين والجائعين، رغم انهم كانوا يبقون بلا طعام طيلة اربعة ايام.»
وبشكل مماثل، قالت امرأة يهودية سُجنت في معسكر ليخْتنْبورڠ عن الشاهدات: «لقد تحلَّين بالشجاعة، وتحمَّلن مختلف الظروف بصبر. ومع ان السجينات غير اليهوديات مُنعن من التحدث الينا، لم تتقيد اولئك النساء بهذا القانون. وكنَّ يصلين لاجلنا كما لو كنا افرادا من عائلاتهن، وقد توسلن الينا ان لا نستسلم.»
[الاطار في الصفحة ١٢]
توقُّع المحاولات الرامية الى انكار حدوث المحرقة
في عدد ٢٦ ايلول ١٩٤٥، ذكرت التعزية انه قد تُبذل محاولات في المستقبل لتحوير وقائع التاريخ وإنكار ما قد حدث. قالت المقالة «هل دُمِّرت النازية؟»:
«ان مروِّجي الدعايات يعتقدون ان الناس ينسون بسرعة. وهم ينوون محو التاريخ الماضي، فيَظهرون بالمظهر العصري الخادع للمحسِنين، فيُخفى سجلهم الذي يدين جريمتهم.»
وذكرت المجلة هذا التحذير الذي يدل على نفاذ البصيرة: «الى ان يحارب يهوه في هرمجدون، ستستمر النازية في الكشف عن وجهها القبيح.»
[الرسمان في الصفحة ١١]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
هذان الرسمان التخطيطيان لمعسكرات الاعتقال ظهرا في مطبوعات الشهود سنة ١٩٣٧
[الصورة في الصفحة ٧]
العمال الـ ١٥٠ في مكتب فرع شهود يهوه في ماڠدَبورڠ سنة ١٩٣١
[الصورتان في الصفحة ٨]
فضحت مطبوعات شهود يهوه تعاون الكنيسة مع النازية
-
-
لماذا لزمت الكنائس الصمتاستيقظ! ١٩٩٥ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
لماذا لزمت الكنائس الصمت
في ٨ كانون الاول ١٩٩٣ القى الدكتور فرانكلين ليتل من جامعة بايلور محاضرة في متحف الولايات المتحدة التذكاري للمحرقة عن «حقيقة قاطعة» مزعجة. فماذا كانت؟
ان الحقيقة، كما قال ليتل، هي ان «ستة ملايين يهودي استُهدفوا وقُتلوا بطريقة منظمة في قلب العالم المسيحي، من قِبل كاثوليك معمَّدين، پروتستانت، وأرثوذكس شرقيين لم يُوبَّخوا قط، هذا إن لم نذكر الحرم الكنسي.» لكنَّ صوتا واحدا استمر يعلو مجاهرا بحقيقة تورُّط رجال الدين في نظام هتلر. وهذا الصوت، كما رأينا، كان صوت شهود يهوه.
كان هتلر كاثوليكيا معمَّدا، كما كان كثيرون من القادة في حكومته. فلماذا لم يُحرَموا؟ لماذا لم تدِنْ الكنيسة الكاثوليكية الفظائع التي ارتكبها هؤلاء الرجال؟ لماذا لزمت الكنائس الپروتستانتية الصمت هي ايضا؟
وهل بقيت الكنائس فعلا صامتة؟ هل هنالك دليل على دعمها لمجهودات هتلر الحربية؟
دور الكنيسة الكاثوليكية
كتب المؤرخ الكاثوليكي إ. آي. واتكن: «بقدر ما يكون الاعتراف مؤلما، لا يمكننا، لمصلحة تثقيف زائف او ولاء غير مستقيم، ان ننكر او نتجاهل الحقيقة التاريخية بأن الاساقفة دعموا بثبات كل الحروب التي شنتها حكومة بلدهم. . . . وحيثما يتعلق الامر بالقومية في حالة الحرب تكلَّموا كناطقين بلسان قيصر.»
عندما قال واتكن ان اساقفة الكنيسة الكاثوليكية «دعموا . . . كل الحروب التي شنتها حكومة بلدهم،» كان يشمل الحروب العدوانية التي شنها هتلر. وكما اعترف فريدْرخ هير، پروفسور كاثوليكي في التاريخ في جامعة ڤيينا: «من الوقائع الثابتة في التاريخ الالماني ان تعاون الصليب الكنسي والصليب المعقوف ازداد لُحمة، الى ان صار الصليب المعقوف يعلن رسالة النصر من ابراج الكاتدرائيات الالمانية، وظهرت رايات الصليب المعقوف حول المذابح ورحَّب علماء اللاهوت الكاثوليك والپروتستانت، القسوس، رجال الدين ورجال الدولة بالتحالف مع هتلر.»
وكان دعم قادة الكنيسة الكاثوليكة لحروب هتلر مطلقا حتى ان الپروفسور الكاثوليكي ڠوردن تْسان كتب: «ان الكاثوليكي الالماني الذي تطلع الى رؤسائه الروحيين طلبا للارشاد والتوجيه الروحيَّين بشأن الخدمة في حروب هتلر، حصل في الواقع على الاجوبة نفسها التي كان سيحصل عليها من الحاكم النازي نفسه.»
وواقع ان الكاثوليك اتَّبعوا بإذعان توجيه قادة كنيستهم دعمه الپروفسور هير بالوثائق. فقد ذكر: «من نحو اثنين وثلاثين مليون كاثوليكي الماني — خمسة عشر مليونا ونصف منهم رجال — رفض علانية سبعة [افراد] فقط الخدمة العسكرية. وستة من هؤلاء كانوا نمساويين.» وتشير الادلة الاحدث الى ان بعض الكاثوليك الآخرين وبعض الپروتستانت وقفوا في وجه الدولة النازية بسبب الاقتناعات الدينية. حتى ان البعض دفعوا حياتهم ثمنا لذلك، في الوقت الذي كان فيه قادتهم الروحيون يخونونهم للاستفادة من الرايخ الثالث.
مَن ايضا لزم الصمت، ومَن لم يلزمه
كما ذُكر آنفا، شمل الپروفسور هير القادة الپروتستانت بين الذين رحبوا «بالتحالف مع هتلر.» فهل هذا صحيح؟
عانى پروتستانت كثيرون مشاعر اتهام الذات لأنهم بقوا صامتين خلال حروب هتلر العدوانية. مثلا، اجتمع ١١ رجل دين بارزا في شهر تشرين الاول ١٩٤٥ لصياغة ما يدعى اعتراف شتوتڠارت بالذنب. وقالوا: «نحن نتهم انفسنا بأننا لم نكن اكثر شجاعة في الاقرار بمعتقداتنا، اكثر امانة في رفع صلواتنا، اكثر فرحا في التعبير عن ايماننا، وأكثر حرارة في الاعراب عن محبتنا.»
وقال پول جونسون في تاريخ المسيحية: «من الـ ٠٠٠,١٧ قس انجيلي، لم يكن هنالك قط اكثر من خمسين قسًّا يقضون عقوبات طويلة في السجن [بسبب عدم تأييد النظام النازي] في ايّ وقت كان.» وبمقارنة هؤلاء القسوس بشهود يهوه كتب جونسون: «الاشجع كانوا شهود يهوه، الذين نادوا بمقاومتهم العقائدية الصريحة من البداية وتألموا بموجب ذلك. لقد رفضوا ايّ تعاون مع الدولة النازية.»
في السنة ١٩٣٩، السنة التي اندلعت فيها الحرب العالمية الثانية، اقتبست التعزية من رجل الدين الپروتستانتي ت. بروپاخر قوله: «فيما اخفق الاشخاص الذين يدَّعون انهم مسيحيون في الامتحانات المصيرية، يصرُّ شهود يهوه غير المعروفين هؤلاء، كشهداء مسيحيين، على المقاومة غير المتزعزعة لقهر الضمير والصنمية الوثنية. ولا بد ان يعترف المؤرخ في المستقبل بأنه ليست الكنائس الكبيرة بل هؤلاء الاشخاص المفترى عليهم والمزدرى بهم هم مَن وقفوا اولا في وجه غضب الشيطان النازي . . . انهم يرفضون عبادة هتلر والصليب المعقوف.»
وبشكل مماثل، اذ كان مارتن نيمولر، وهو احد القادة الكنسيين الپروتستانت، في معسكر اعتقال نازي، اعترف في وقت لاحق: ‹يُذكر بكل صدق ان الكنائس المسيحية، عبر العصور، وافقت دائما على مباركة الحرب، الجنود، والاسلحة وصلّت بطريقة غير مسيحية على الاطلاق للقضاء على اعدائها.› وأقرَّ قائلا: «كل هذا خطأنا وخطأ آبائنا، انما من الواضح انه ليس خطأ اللّٰه.»
ثم اضاف نيمولر: «وها نحن المسيحيين اليوم نخجل من انفسنا بسبب التلاميذ الجديين للكتاب المقدس [شهود يهوه] الذين يسمَّون بدعة، الذين دخلوا معسكرات الاعتقال بالمئات والآلاف وماتوا لأنهم رفضوا ان يشتركوا في الحرب وأبوا ان يطلقوا الرصاص على الكائنات البشرية.»
ووجدت سوسنة هشل، پروفسورة في الدراسات اليهودية، وثائق كنسية تثبت ان رجال الدين اللوثريين كانوا مستعدين، نعم، تواقين الى تأييد هتلر. وقالت انهم توسلوا ليحصلوا على امتياز عرض الصليب المعقوف في كنائسهم. وقد اظهرت ابحاثها ان الاغلبية الساحقة من رجال الدين لم تكن من الاشخاص الذين أُجبروا على التعاون بل كانت من المؤيدين الحماسيين لهتلر ولمُثُله الآرية.
وعندما تلقي محاضرات يسأل اعضاء الكنائس هشل تكرارا، «ماذا كان يمكن ان نفعل؟»
فتجيب، «كان يمكن ان تكونوا مثل شهود يهوه.»
لماذا بقيت صامتة
ان سبب بقاء الكنائس صامتة يصير جليا. فقد حدث ذلك لأن رجال دين العالم المسيحي ورعاياهم تركوا تعاليم الكتاب المقدس مفضِّلين تأييد الدولة السياسية. ففي سنة ١٩٣٣ ابرمت الكنيسة الكاثوليكية اتفاقية مع النازيين. كتب الكردينال فولهابر من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الى هتلر: «ان هذه المصافحة مع البابوية . . . هي عمل بركة لا تقاس. . . . فليحفظ اللّٰه مستشار الرايخ [هتلر].»
فعلا، صارت الكنيسة الكاثوليكية وكنائس اخرى ايضا ادوات في ايدي الحكومة الهتلرية الشريرة. ومع ان يسوع المسيح قال ان أتباعه الحقيقيين «ليسوا (جزءا) من العالم،» صارت الكنائس وأعضاؤها جزءا لا يتجزأ من عالم هتلر. (يوحنا ١٧:١٦) ونتيجة لذلك فشلت في المجاهرة بحقيقة الفظائع التي ارتكبها النازيون ضد البشرية في معسكرات الموت.
صحيح ان افرادا شجعانا قليلين من الكاثوليك والپروتستانت وأديان اخرى مختلفة وقفوا في وجه الدولة النازية. ولكن، مع ان بعضهم دفع حياته ثمنا لذلك، كان قادتهم الروحيون، الذين ادَّعوا خدمة اللّٰه، دمى يحرِّكها الرايخ الثالث.
ولكن كان هنالك صوتٌ واحد استمر يرتفع عاليا. ومع ان وسائل الاعلام عموما تغاضت عن الادوار الرئيسية التي مثَّلتها الكنائس في المسرحية النازية، شعر شهود يهوه بواجب تشهير غدر رجال الدين وريائهم، مع ذكر تفاصيل تواطئهم السري. وفي صفحات مجلة التعزية، ومطبوعات اخرى في ثلاثينات وأربعينات الـ ١٩٠٠، طبعوا إدانات قوية للهيئات الدينية التي صارت ادوات في ايدي النازية.
تحديد هوية أتباع المسيح الحقيقيين
شهود يهوه مختلفون تماما عن اديان العالم. ولأنهم ليسوا جزءا من العالم لا يشتركون في حروب الدول. وإطاعة لأوامر اللّٰه «يطبعون سيوفهم سككا.» (اشعياء ٢:٤) نعم، انهم يحبون بعضهم بعضا اطاعةً لأوامر المسيح. (يوحنا ١٣:٣٥) وهذا يعني انهم لا يحاربون ابدا ولا يتعمدون اذية واحدهم الآخر.
أما في ما يتعلق بتحديد هوية عبَّاد اللّٰه الحقيقيين فالكتاب المقدس واضح جدا عندما يقول: «بهذا اولاد اللّٰه ظاهرون وأولاد ابليس. كل من لا يفعل البر فليس من اللّٰه وكذا من لا يحب اخاه. لأن هذا هو الخبر الذي سمعتموه من البدء ان يحب بعضنا بعضا. ليس كما كان قايين من الشرير وذبح اخاه.» — ١ يوحنا ٣:١٠-١٢.
نعم، يكشف التاريخ ان شهود يهوه كانوا يعربون على الدوام عن محبتهم لرفيقهم الانسان حتى في وجه الضغط الشديد. وعندما شنَّ هتلر حربه في كل انحاء اوروپا، وقف الشهود بثبات في وجه محاولات النازيين الوحشية لجعلهم ينضمون الى حملة التقتيل الواسعة. وقد احسنت الپروفسورة كريستين كينڠ تلخيص المسألة عندما قالت: «لقد رفع شهود يهوه الصوت عاليا. رفعوه من البداية. رفعوه باتحاد. رفعوه بشجاعة كبيرة، وهذا درس لنا جميعا.»
الى ان يصير هذا العالم في امان في ظل الرياسة الحبية لحكومة يهوه وخاليا من الحرب والشر، سيستمر شهود يهوه في رفعهم الصوت عاليا. وما دام الرب المتسلط يهوه يشاء، ستفضح هذه المجلة شرور هذا العالم الابليسي وتنادي بالرجاء الحقيقي الوحيد للجنس البشري، ملكوت اللّٰه. — متى ٦:٩، ١٠.
[الصور في الصفحة ١٣]
الصحافة الاميركية اثبتت تأييد الكنيسة للنازية
15 August 27, 1940, Blue Final Edition, page New York Post,
33 December 7, 1941, Late City Edition, page The New York Times,
6 September 25, 1939, Late City Edition, page The New York Times,
[الصورة في الصفحة ١٥]
بخلاف الكنائس، رفع شهود يهوه الصوت عاليا ضد النازية
-