مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • صوتٌ واحد شقَّ حجاب الصمت
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • صوتٌ واحد شقَّ حجاب الصمت

      قبل خمسين سنة قُضي على وحش.‏ وعندما رفع العالم اخيرا الستار ليلقي نظرة على الرايخ الثالث المنهار،‏ كان المنظر المروِّع الذي تراءى امامه كابوسا افظع من ان يُستوعَب.‏ ولم يكن في وسع الجنود والمدنيين على السواء إلا ان يحدِّقوا برعب صامت الى المخلَّفات المخيفة لآلة قتل وحشية.‏

      في اوائل هذه السنة احيا الآلاف الذكرى الـ‍ ٥٠ لتحرير معسكرات الاعتقال،‏ وذلك بالسير بصمت في باحاتها المقفرة.‏ وكانوا يجاهدون ليستوعبوا هول الجريمة.‏ والسبب هو ان نحو ٠٠٠‏,٥٠٠‏,١ شخص قُتلوا في معسكر الموت في أوشڤيتس وحده!‏ لقد كان وقتا للصمت،‏ وقتا للتأمل في عدم انسانية الانسان نحو الانسان.‏ وكان يتردد صدى اسئلة مزعجة في الافران الباردة،‏ في الثكنات الفارغة،‏ وعبر الاكوام الباقية من الاحذية المنهوبة.‏

      واليوم يشعر الناس بالرعب والغضب مما حصل.‏ فالمحرقة،‏ التي قُتل فيها عدة ملايين بطريقة منظمة،‏ تكشف مدى الوحشية الشريرة التي بلغتها النازية.‏ ولكن ماذا عن ذلك الوقت؟‏ مَن رفعوا الصوت عاليا؟‏ ومَن لم يفعلوا ذلك؟‏

      كثيرون عرفوا اولا عن المذابح الجماعية بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها.‏ يوضح كتاب قبل خمسين سنة —‏ ثورة وسط الظلام:‏ «ان الصور الفوتوڠرافية والشرائط الإخبارية عن مراكز ومعسكرات القتل التي حرَّرها الحلفاء سنة ١٩٤٤ و ١٩٤٥ عرَّفت الناس للمرة الاولى بالحقيقة الصاعقة،‏ وخصوصا في الغرب.‏»‏

      ولكن حتى قبل انشاء معسكرات الموت،‏ كان هنالك صوتٌ يعلن اخطار النازية من خلال استيقظ!‏،‏ المجلة التي بين ايديكم الآن.‏ لقد عُرفت اولا باسم العصر الذهبي ثم دُعيت التعزية سنة ١٩٣٧.‏ وابتداء من سنة ١٩٢٩ كانت هاتان المجلتان اللتان اصدرهما شهود يهوه تحذِّران بجرأة من اخطار النازية،‏ انسجاما مع الاعلان على الغلاف،‏ «مجلة واقع،‏ رجاء وشجاعة.‏»‏

      ‏«كيف يمكن للمرء ان يلزم الصمت،‏» سألت التعزية سنة ١٩٣٩،‏ «حيال فظائع تُرتكب كما في المانيا حيث يُعتقل ٠٠٠‏,٤٠ شخص بريء في وقت واحد؛‏ حيث يُعدم ٧٠ منهم في ليلة واحدة في احد السجون؛‏ .‏ .‏ .‏ حيث تُدمَّر كل دور ومؤسسات ومستشفيات المسنين والفقراء والعاجزين وكل دور الايتام للاولاد؟‏»‏

      فعلا،‏ كيف يمكن للمرء ان يلزم الصمت؟‏ وفي حين ان العالم عموما لم يكن عارفا او متأكدا من التقارير المريعة التي كانت ترد شيئا فشيئا من المانيا والبلدان المحتلة،‏ لم يقوَ شهود يهوه على البقاء صامتين.‏ فقد كانوا يعرفون بشكل مباشر اعمال النظام النازي الوحشية،‏ ولم يخافوا من ان يرفعوا الصوت عاليا.‏

      ‏[مصدر الصورة في الصفحة ٣]‏

      U.‎S.‎ National Archives photo

  • لماذا لم يخافوا من رفع الصوت عاليا
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • لماذا لم يخافوا من رفع الصوت عاليا

      بالنظر الى الماضي،‏ يمكن القول ان الصدام بين شهود يهوه والنازية،‏ او الاشتراكية الوطنية،‏ كان امرا لا مفر منه.‏ ولماذا؟‏ لأن مطالب النازيين المتصلبة كانت تتعارض مع ثلاثة من معتقدات الشهود الاساسية المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وهي:‏ (‏١)‏ يهوه اللّٰه هو المتسلط الاسمى.‏ (‏٢)‏ المسيحيون الحقيقيون حياديون سياسيا.‏ (‏٣)‏ سيقيم اللّٰه من الاموات الاشخاص الذين برهنوا عن امانتهم له حتى الموت.‏

      ان هذه المعتقدات المؤسسة على الكتاب المقدس حدَّدت موقف شهود يهوه الثابت في وجه مطالب النازيين الاثيمة.‏ وهكذا رفعوا الصوت عاليا بشجاعة وشهَّروا النازية على ما هي عليه من شر.‏

      رفض شهود يهوه اداء التحية الهتلرية.‏ وسبب رفضهم هو انهم ينسبون خلاصهم الى اللّٰه ولأنهم نذروا حياتهم له وحده.‏ يقول الكتاب المقدس عن يهوه:‏ «وحدك العلي على كل الارض.‏» —‏ مزمور ٨٣:‏١٨‏.‏

      وفي الواقع تشير عبارة «هايل هتلر» الى ان الخلاص هو بواسطة هتلر.‏ ولذلك لم يكن ممكنا ان يحافظ الشهود على امانتهم للّٰه وفي الوقت نفسه يؤدوا تحية كهذه لأيّ انسان.‏ فحياتهم وولاؤهم هما للّٰه.‏

      كان شهود يهوه يعرفون حوادث سابقة وواضحة تدعم رفضهم اطاعة مطالب هتلر الخاطئة.‏ مثلا،‏ عندما أُمر رسل يسوع في القرن الاول ان يكفُّوا عن التبشير بالمسيح،‏ رفضوا.‏ فقد قالوا:‏ «ينبغي ان يطاع اللّٰه اكثر من الناس.‏» ويقول الكتاب المقدس انه بسبب موقفهم الحازم قامت السلطات ‹بجلدهم وأوصتهم ان لا يتكلموا باسم يسوع.‏› ولكنَّ الرسل رفضوا اطاعة هذا الامر الذي يتحدى اللّٰه.‏ ‹فكانوا لا يزالون يعلِّمون ويبشِّرون.‏› —‏ اعمال ٥:‏٢٩،‏ ٤٠-‏٤٢‏.‏

      مات كثيرون من المسيحيين الاوائل لأنهم اطاعوا اللّٰه اكثر من الناس.‏ وهلكت اعداد كبيرة في الميادين الرومانية لأنهم رفضوا اداء التحية لقيصر بتقديم عمل عبادة له.‏ ولكن في نظر هؤلاء كان البرهان عن الامانة للّٰه حتى الموت شرفا وانتصارا،‏ كما يكون الجندي الباسل مستعدا للموت من اجل وطنه.‏

      ولأن شهود يهوه يؤيدون حكومة واحدة فقط،‏ ملكوت اللّٰه،‏ اعتبرهم البعض اشخاصا يسعون الى قلب الانظمة.‏ لكنَّ ذلك عارٍ عن الصحة تماما.‏ فتمثُّلا برسل يسوع هم «ليسوا (‏جزءا)‏ من العالم.‏» (‏يوحنا ١٧:‏١٦‏)‏ انهم حياديون سياسيا.‏ وبسبب ولائهم للّٰه يطيعون قوانين الحكومات البشرية في بلدهم.‏ وهم فعلا مثال في ‹الخضوع للسلاطين الفائقة.‏› (‏رومية ١٣:‏١‏)‏ ولم يؤيدوا قط التمرد على اية حكومة بشرية!‏

      ولكن هنالك حدّ لا يمكن تجاوزه مهما تكن الظروف.‏ انه الحدّ بين واجب شهود يهوه نحو الانسان وواجبهم نحو اللّٰه.‏ فهم يعطون لقيصر،‏ او السلطات الحكومية،‏ ما لقيصر،‏ ولكنهم يعطون للّٰه ما هو له.‏ (‏متى ٢٢:‏٢١‏)‏ وإذا حاول احد ان يغتصب منهم ما هو للّٰه،‏ فتلك المحاولة ستفشل.‏

      وماذا اذا هُدِّد شاهد بالموت؟‏ يملك شهود يهوه ثقة لا تتزعزع بقدرة اللّٰه على ردِّهم الى الحياة.‏ (‏اعمال ٢٤:‏١٥‏)‏ وهكذا يملك الشهود الموقف نفسه الذي كان عند الاحداث العبرانيين الثلاثة في بابل القديمة.‏ فعندما هُدِّدوا بالموت في اتون النار،‏ قالوا للملك نبوخذنصَّر:‏ «هوذا يوجد الهنا الذي نعبده يستطيع ان ينجينا.‏ .‏ .‏ .‏ فليكن معلوما لك ايها الملك اننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته.‏» —‏ دانيال ٣:‏١٧،‏ ١٨‏.‏

      وهكذا،‏ كما ذُكر سابقا،‏ عندما ابتدأ هتلر يرتقي سلَّم الالوهية التي منحها لنفسه،‏ كان شنّ معركة ايديولوجية امرا لا مفر منه.‏ فالرايخ الثالث،‏ وقد استلَّ سيفه،‏ وجد نفسه وجها لوجه مع فريق صغير من شهود يهوه الذين قطعوا على انفسهم عهدا ان يبقوا اولياء للاله الحقيقي،‏ الاله القادر على كل شيء،‏ يهوه.‏ ولكن حتى قبل ان تبدأ المعركة كانت النتيجة مقرَّرة.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٥]‏

      امينان حتى الموت

      كان ڤولفڠَنڠ كوسِرو احد الذين أُعدموا لأنه حافظ على الامانة للّٰه ورفض تأييد النازية.‏ وقبيل قطع رأسه في ٢٨ آذار ١٩٤٢ كتب الى والديه وأشقائه:‏ «الآن،‏ كابنكم وأخيكم الثالث،‏ عليَّ ان اغادركم صباح غد.‏ لا تحزنوا،‏ لأنه سيأتي الوقت حين نجتمع ثانية .‏ .‏ .‏ وكم سيكون ابتهاجنا عظيما آنذاك حين نتحد من جديد!‏ .‏ .‏ .‏ الآن مُزِّقنا بعضنا عن بعض،‏ وكل واحد منا عليه ان يحتمل التجربة.‏ أما آنذاك فسنكافَأ.‏»‏

      قبيل تنفيذ حكم الاعدام،‏ في ٨ كانون الثاني ١٩٤١،‏ كتب يوهانس هارمز في رسالة اخيرة الى ابيه:‏ «لقد أُعلن الحكم عليَّ بالموت وأنا مقيد بالسلاسل ليلا ونهارا —‏ والعلامات (‏على الورقة)‏ هي من قيد يديّ .‏ .‏ .‏ والدي العزيز،‏ ادعوك بالروح،‏ ابقَ امينا كما حاولت انا ان ابقى امينا،‏ ومن ثم سيرى كل منا الآخر ثانية.‏ سأفكر فيك حتى النهاية.‏»‏

  • فضح شرور النازية
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • فضح شرور النازية

      في عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ فيما كانت المانيا تجاهد لتستعيد عافيتها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولى،‏ كان شهود يهوه مشغولين بتوزيع كميات هائلة من مطبوعات الكتاب المقدس.‏ ولم يُسهم ذلك في تقديم التعزية والرجاء فقط للشعب الالماني انما حذَّرهم من ارتفاع موجة التسلط العسكري.‏ وبين السنتين ١٩١٩ و ١٩٣٣ وزع الشهود ما معدله ثمانية كتب،‏ كراريس،‏ او مجلات لكل عائلة من الـ‍ ١٥ مليون عائلة تقريبا في المانيا.‏

      وغالبا ما كانت مجلتا العصر الذهبي و التعزية تلفتان الانتباه الى تطورات التسلط العسكري في المانيا.‏ وفي سنة ١٩٢٩،‏ قبل ان يتسلم هتلر السلطة بأكثر من ثلاث سنين،‏ ذكرت بجرأة الطبعة الالمانية من العصر الذهبي:‏ «الاشتراكية الوطنية هي .‏ .‏ .‏ حركة تعمل .‏ .‏ .‏ بشكل مباشر لمصلحة عدو الانسان،‏ ابليس.‏»‏

      وقبيل تسلُّم هتلر السلطة،‏ قالت العصر الذهبي عدد ٤ كانون الثاني ١٩٣٣:‏ «ها قد ابتدأ يلوح المنظر المرعب للحركة الاشتراكية الوطنية كجرف شاهق محفوف بالمخاطر.‏ يبدو من غير المعقول ان حزبا سياسيا كان تافها في بدايته،‏ حزبا مبتدعا في سياساته،‏ يتمكن في غضون سنين قليلة من النمو حتى يفوق بنية حكومة وطنية.‏ ومع ذلك فقد تمكن ادولف هتلر وحزبه الاشتراكي الوطني (‏النازيون)‏ من تحقيق هذا الانجاز النادر الحدوث.‏»‏

      مناشدة للتفهُّم

      صار هتلر رئيس الوزراء في المانيا في ٣٠ كانون الثاني ١٩٣٣،‏ وبعد شهرين،‏ في ٤ نيسان ١٩٣٣،‏ صودر مكتب فرع شهود يهوه في ماڠدَبورڠ.‏ لكنَّ الامر أُبطل في ٢٨ نيسان ١٩٣٣ واستُعيدت الملكية.‏ فماذا كان يُنتظر بعد؟‏

      على الرغم من العداء الواضح من جهة نظام هتلر،‏ نظم شهود يهوه محفلا في برلين،‏ المانيا،‏ ليعقد في ٢٥ حزيران ١٩٣٣.‏ واجتمع فيه نحو ٠٠٠‏,٧ شخص.‏ وأوضح الشهود علنا نواياهم:‏ «هيئتنا ليست سياسية بأيّ معنى كان.‏ نحن نصرّ فقط على تعليم كلمة يهوه اللّٰه للناس،‏ وعلى القيام بذلك دون اية اعاقة.‏»‏

      وهكذا بذل شهود يهوه جهدا مخلصا لعرض قضيتهم.‏ فماذا كانت النتائج؟‏

      الهجوم يبتدئ

      ان موقف الشهود الحيادي وغير المتقلقل،‏ بالاضافة الى ولائهم لملكوت اللّٰه،‏ لم يكن امرا مقبولا لدى حكومة هتلر.‏ ولم تكن نية النازيين ان يسمحوا بأيّ رفض لتأييد ايديولوجيتهم.‏

      ومباشرة بعد انتهاء المحفل في برلين،‏ صادر النازيون من جديد مكتب الفرع في ماڠدَبورڠ في ٢٨ حزيران ١٩٣٣.‏ وأوقفوا اجتماعات الشهود واعتقلوا البعض.‏ وسرعان ما ابتُدئ بصرف الشهود من وظائفهم.‏ وعانوا المداهمات لبيوتهم،‏ الضرب،‏ والاعتقالات.‏ وفي مطلع سنة ١٩٣٤ كان النازيون قد صادروا من الشهود ٦٥ طنًّا من مطبوعات الكتاب المقدس وأحرقوها خارج ماڠدَبورڠ.‏

      موقف الشهود العازم

      على الرغم من هذه الاعتداءات الاولية،‏ حافظ شهود يهوه على ثباتهم وشهَّروا علنا القمع والظلم.‏ وقد أبرز عدد ١ تشرين الثاني ١٩٣٣ من برج المراقبة المقالة «لا تخافوهم.‏» وكانت المقالة معدَّة خصوصا للشهود الالمان،‏ وفيها جرى حضُّهم على التشجُّع في وجه الضغط المتفاقم.‏

      وفي ٩ شباط ١٩٣٤ بعث ج.‏ ف.‏ رذرفورد،‏ رئيس جمعية برج المراقبة،‏ رسالة احتجاج الى هتلر ذكر فيها:‏ «قد تنجحون في مقاومة كل الناس،‏ لكنكم لن تنجحوا في مقاومة يهوه اللّٰه.‏ .‏ .‏ .‏ فباسم يهوه اللّٰه وملكه الممسوح،‏ المسيح يسوع،‏ اطلب منكم ان تصدروا امرا الى كل المسؤولين والموظفين في حكومتكم بأن يُسمح لشهود يهوه في المانيا بالاجتماع بسلام وعبادة اللّٰه دون اعاقة.‏»‏

      وحدَّد رذرفورد موعدا اخيرا لذلك في ٢٤ آذار ١٩٣٤.‏ وقال انه اذا لم يرتح الشهود الالمان من الاضطهاد بحلول ذلك التاريخ،‏ فستُنشر الوقائع المتعلقة بالاضطهاد في كل انحاء المانيا وباقي العالم.‏ أما جواب النازيين على طلب رذرفود فكان المزيد من الاساءات،‏ مرسلين كثيرين من شهود يهوه الى معسكرات الاعتقال التي أُنشئت حديثا.‏ وهكذا كانوا بين اول الداخلين الى هذه المعسكرات.‏

      الشهود يفضحون الفظائع النازية

      وكما وعد شهود يهوه،‏ ابتدأوا يفضحون الفظائع التي تحصل في المانيا.‏ وأخذ الشهود من كل انحاء العالم يبعثون رسائل احتجاج الى حكومة هتلر.‏

      وفي ٧ تشرين الاول ١٩٣٤ اجتمعت كل جماعات شهود يهوه في المانيا للاستماع الى رسالة أُرسلت الى المسؤولين في حكومة هتلر.‏ ذكرت الرسالة:‏ «هنالك تناقض بين قانونكم وشريعة اللّٰه .‏ .‏ .‏ وبهذا نُعلمكم بأننا مهما كان الثمن سنطيع وصايا اللّٰه،‏ سنجتمع معا لدرس كلمته،‏ وسنعبده ونخدمه كما امر.‏»‏

      وفي اليوم نفسه اجتمع شهود يهوه في ٤٩ بلدا آخر في محفل خصوصي وأرسلوا البرقية التالية الى هتلر:‏ «ان معاملتكم السيئة لشهود يهوه تصدم جميع الاشخاص الصالحين على الارض وتحقِّر اسم اللّٰه.‏ كفّوا عن اضطهاد شهود يهوه؛‏ وإلا فإن اللّٰه سيهلككم انتم وحزبكم الوطني.‏»‏

      وكان تجاوب النازيين سريعا تقريبا اذ ضاعفوا اضطهادهم.‏ وهتلر نفسه صاح قائلا:‏ «هذا الجنس سيباد من المانيا!‏» ولكن مع اشتداد المقاومة زاد تصميم الشهود صلابة بالمقابل.‏

      وفي سنة ١٩٣٥ فضحت العصر الذهبي وسائل التعذيب المشابهة لوسائل محكمة التفتيش وفضحت شبكة التجسس التابعة للنظام النازي.‏ وكشفت ايضا ان الهدف من منظمة الشبيبة الهتلرية هو تجريد الشبان الالمان من ايمانهم باللّٰه.‏ وفي السنة التالية قام الڠستاپو بحملة شملت البلد كله وأدت الى اعتقال آلاف الشهود.‏ وبعيد ذلك،‏ في ١٢ كانون الاول ١٩٣٦،‏ ردَّ الشهود بحملة قاموا هم بها،‏ موزعين في كل انحاء المانيا عشرات الآلاف من النسخ من قرار احتجاج على اضطهاد شهود يهوه.‏

      وفي ٢٠ حزيران ١٩٣٧ وزَّع الشهود الذين كانوا لا يزالون احرارا رسالة اخرى عن الاضطهاد مفصَّلة جدا.‏ وقد ذكرت اسماء المسؤولين وحددت التواريخ والاماكن.‏ فارتاع الڠستاپو من هذا التشهير ومن قدرة الشهود على مواصلته بنجاح.‏

      ان محبة القريب هي التي دفعت الشهود الى تحذير سكان المانيا من الانخداع بالرؤيا المهيبة لحكم مجيد الف سنة في ظل الرايخ الثالث.‏ قال كراس واجهوا الوقائع الصادر سنة ١٩٣٨:‏ «يجب ان نقول الحقيقة ونعطي التحذير.‏» وتابع:‏ «نحن ندرك ان هذه الحكومة الكليانية .‏ .‏ .‏ هي نتاج الشيطان وقد أُوجدت كبديل لملكوت اللّٰه.‏» كان شهود يهوه بين الاشخاص الاوائل الذين استهدفتهم الاساءة من النازيين،‏ إلا انهم شجبوا ايضا بصوت عالٍ الفظائع المرتكبة ضد اليهود،‏ الپولنديين،‏ المعاقين،‏ وغيرهم.‏

      وقال القرار «تحذير!‏» الذي جرى تبنّيه في محفل لشهود يهوه في سيياتل،‏ واشنطن،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ في السنة ١٩٣٨:‏ «ان الفاشيين والنازيين،‏ منظمتان سياسيتان راديكاليتان،‏ استولوا على الحكم بشكل غير شرعي في بلدان اوروپية كثيرة .‏ .‏ .‏ وجميع السكان سيخضعون لنظام متشدد،‏ وستُسلب حرياتهم،‏ وسيُجبرون على الاذعان لحكم دكتاتور استبدادي وعندئذ سيُعاد احياء محكمة التفتيش القديمة.‏»‏

      كان رذرفورد يتكلم بانتظام عبر الراديو،‏ ملقيا محاضرات قوية حول الطبيعة الشيطانية للنازية.‏ وكان يُعاد بث المحاضرات في كل انحاء العالم وكانت تُطبع لتوزَّع بالملايين.‏ وفي ٢ تشرين الاول ١٩٣٨ القى الخطاب «الفاشية ام الحرية،‏» وفيه شهَّر هتلر بعبارات صريحة.‏

      اعلن رذرفورد:‏ «الناس في المانيا يحبون السلام،‏» وتابع قائلا ان «ابليس وضع ممثله هتلر في مركز السلطة،‏ وهو رجل مريض عقليا،‏ متوحش،‏ ماكر وعديم الرحمة .‏ .‏ .‏ انه يضطهد اليهود بوحشية لأنهم كانوا ذات مرة شعب عهد يهوه وحملوا اسمه،‏ ولأن المسيح يسوع كان يهوديا.‏»‏

      ومع اشتعال النازيين غضبا على شهود يهوه،‏ صارت عبارات الشجب التي يستعملها الشهود اكثر قسوة.‏ فقد ذكر عدد ١٥ ايار ١٩٤٠ من التعزية:‏ «ان هتلر ولد مثالي لإبليس حتى ان خطاباته وقراراته تتدفق منه كما يتدفق الماء من مجرور حسن الصنع.‏»‏

      فضح اهوال المعسكرات

      مع ان الناس الى حد بعيد لم يكونوا على علم بوجود معسكرات الاعتقال حتى السنة ١٩٤٥،‏ فكثيرا ما كانت تظهر رسوم مفصَّلة عنها في مطبوعات برج المراقبة في ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ ففي السنة ١٩٣٧،‏ مثلا،‏ اخبرت التعزية عن اختبارات الغاز السام في داخاو.‏ وبحلول العام ١٩٤٠ كانت مطبوعات الشهود قد ذكرت اسم ٢٠ معسكرا مختلفا وأخبرت بالاوضاع المريعة هناك.‏

      لماذا كان شهود يهوه يعرفون الكثير عن معسكرات الاعتقال؟‏ عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩،‏ كان هنالك ٠٠٠‏,٦ شاهد في المعسكرات والسجون.‏ ويقدِّر المؤرخ الالماني دتْلف ڠاربي ان الشهود شكَّلوا في ذلك الوقت ما بين ٥ و ١٠ في المئة من مجموع الموجودين في المعسكرات!‏

      وفي ندوة عن الشهود والمحرقة،‏ ذكر ڠاربي:‏ «من الـ‍ ٠٠٠‏,٢٥ شخص الذين اقروا بأنهم شهود ليهوه عند بداية الرايخ الثالث،‏ سُجن نحو ٠٠٠‏,١٠ شخص لفترات مختلفة.‏ ومن هؤلاء أُخذ اكثر من ٠٠٠‏,٢ الى معسكرات الاعتقال.‏ ويعني ذلك ان شهود يهوه،‏ باستثناء اليهود،‏ كانوا الفريق الديني الذي عانى اسوأ اضطهاد من وحدات الحماية SS.‏»‏

      وفي حزيران ١٩٤٠ قالت التعزية:‏ «كان هنالك ٠٠٠‏,٥٠٠‏,٣ يهودي في پولندا عندما بدأت المانيا حربها الخاطفة .‏ .‏ .‏،‏ وإذا كانت التقارير التي تصل الى العالم الغربي صحيحة فإن عملية اهلاكهم كما يبدو جارية.‏» وفي سنة ١٩٤٣ ذكرت التعزية:‏ «ان شعوبا بكاملها كاليونانيين،‏ الپولنديين والصربيين تُباد بشكل منظم.‏» وبحلول سنة ١٩٤٦ كانت العصر الذهبي و التعزية قد حددتا ٦٠ سجنا ومعسكر اعتقال مختلفا.‏

      الشهود يخيِّبون النازيين

      مع ان النازيين حاولوا ايقاف تدفق مطبوعات برج المراقبة،‏ فقد اعترف مسؤول في برلين:‏ «من الصعب ايجاد الاماكن السرية في المانيا حيث لا تزال تُطبع مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس؛‏ فلا احد منهم يحمل اسماء او عناوين ولا احد يخون الآخر.‏»‏

      ورغم جهود الڠستاپو الجنونية،‏ لم يتمكنوا قط من اعتقال اكثر من نصف مجموع عدد الشهود في المانيا.‏ تخيلوا خيبة شبكة التجسس النازية المعقدة —‏ فلم يكن بإمكانها ان تجمع كل افراد هذا الجيش الصغير وتسكتهم او توقف تدفق المطبوعات.‏ فقد كانت المطبوعات تصل الى ايدي الناس في الشوارع حتى انها كانت تدخل معسكرات الاعتقال عبر سياجات الاسلاك الشائكة!‏

      الانتصار على البربرية

      ان النازيين،‏ الذين اعتُبروا خبراء بتحطيم الارادة البشرية،‏ حاولوا جاهدين حمل شهود يهوه على انتهاك حيادهم المسيحي،‏ ولكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا.‏ قال كتاب نظرية وممارسة الجحيم:‏ «لا يستطيع المرء إلا ان يعترف بأن وحدات الحماية SS،‏ من الناحية النفسية،‏ لم تكن قط بمستوى التحدي الذي واجههم به شهود يهوه.‏»‏

      فعلا،‏ بدعم من روح اللّٰه،‏ ربح الشهود المعركة.‏ والمؤرخة كريستين كينڠ،‏ رئيسة جامعة ستافوردشير في انكلترا،‏ وصفت طرفَي النزاع قائلة:‏ «الاول [النازيون] هائل،‏ قوي،‏ ويبدو انه لا يُقهر.‏ الآخر [الشهود] صغير جدا جدا .‏ .‏ .‏ ليس لهم إلا ايمانهم،‏ دون ايّ سلاح آخر .‏ .‏ .‏ لقد هزم شهود يهوه معنويا جبروت سلطة الڠستاپو.‏»‏

      كان شهود يهوه فريقا مسالما صغيرا يحيط به من كل الجهات الحيِّز النازي.‏ ومع ذلك شنوا معركة بطريقتهم الخاصة وربحوها —‏ معركة الحق في عبادة الههم،‏ معركة المحبة لقريبهم،‏ ومعركة قول الحقيقة.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٩]‏

      الشهود فضحوا وجود المعسكرات

      مع انه لم تكن الاسماء اوشڤيتس،‏ بوكنْوُلد،‏ داخاو،‏ وزاكسنهاوزن معروفة عند معظم الناس الى ما بعد الحرب العالمية الثانية،‏ فقد كانت معروفة جيدا عند قراء العصر الذهبي و التعزية.‏ فتقارير شهود يهوه،‏ التي كانت تُسرَّب الى خارج المعسكرات بمخاطرة كبيرة والتي كانت تُنشر في مطبوعات برج المراقبة،‏ فضحت نية الرايخ الثالث الاجرامية.‏

      في سنة ١٩٣٣ نشرت العصر الذهبي اول التقارير الكثيرة عن وجود معسكرات اعتقال في المانيا.‏ وفي سنة ١٩٣٨ نشر شهود يهوه كتاب حملة صليبية ضد المسيحية بالفرنسية والالمانية والپولندية.‏ وتحدث الكتاب،‏ مدعوما بالوثائق الدقيقة،‏ عن الاعتداءات النازية الوحشية على الشهود واحتوى على رسوم تخطيطية لمعسكري الاعتقال زاكسنهاوزن واستِرْوَڠِن.‏

      كتب الدكتور توماس مان الحائز جائزة نوبل:‏ «بتأثر بالغ قرأتُ كتابكم وما تضمنه من وثائق مريعة.‏ لا يمكنني ان اصف شعور الاشمئزاز والتقزُّز الذي ملأ قلبي وأنا اقرأ هذه السجلات التي تصف انحطاط الانسان والوحشية البغيضة.‏ .‏ .‏ .‏ ان الصمت لا يخدم إلا اللامبالاة الاخلاقية في العالم .‏ .‏ .‏ لقد قمتم بواجبكم عندما نشرتم هذا الكتاب وكشفتم النقاب عن هذه الحقائق.‏» —‏ الاحرف المائلة لنا.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٠]‏

      الشهود بين الاشخاص الاوائل في المعسكرات

      كانت مدام جنڤياڤ ديڠول،‏ ابنة شقيق رئيس فرنسا السابق شارل ديڠول،‏ عضوا في المقاومة الفرنسية.‏ وعندما أُلقي القبض عليها وسُجنت لاحقا في معسكر الاعتقال رڤنسْبروك سنة ١٩٤٤،‏ التقت شهود يهوه.‏ وبعد الحرب العالمية الثانية القت مدام ديڠول محاضرات في كل انحاء سويسرا وتكلمت في اغلب الاحيان عن استقامة الشاهدات وشجاعتهن.‏ وفي مقابلة أُجريت معها في ٢٠ ايار ١٩٩٤ قالت عنهن:‏

      «كنَّ بين الاشخاص الاوائل الذين أُخذوا الى المعسكر.‏ وكثيرات كنَّ قد متن .‏ .‏ .‏ كنا نعرفهن من شارتهن المتميزة.‏ .‏ .‏ .‏ كان ممنوعا منعا باتا ان يتحدثن عن معتقداتهن او ان تكون معهن اية كتب دينية،‏ وخصوصا الكتاب المقدس الذي كان يُعتبر اخطر كتاب محرِّض على الفتنة .‏ .‏ .‏ اعرف [واحدة من شهود يهوه]،‏ وقيل لي انه كانت هنالك اخريات ايضا،‏ أُعدمت لأنه وُجدت معها صفحات قليلة من مقاطع من الكتاب المقدس.‏ .‏ .‏ .‏

      «ما كان يعجبني فيهن كثيرا هو انهن كنَّ قادرات على الرحيل في ايّ وقت كان بمجرد التوقيع على وثيقة انكار لايمانهن.‏ وفي النهاية فإن اولئك النساء،‏ اللواتي بَدَوْنَ ضعيفات ومرهقات جدا،‏ كنَّ اقوى من وحدات الحماية SS الذين كانت السلطة وكل الوسائل تحت تصرفهم.‏ أما [شاهدات يهوه] فكانت لديهن قوتهن،‏ ولم يستطع احد ان يهزم قوة ارادتهن.‏»‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١١]‏

      سلوك الشهود في المعسكرات

      بدافع المحبة للقريب —‏ الرفيق في الزنزانة،‏ الرفيق في الثكنة،‏ الرفيق في المعسكر —‏ لم يكن الشهود يعطون الآخرين الطعام الروحي فحسب بل ايّ طعام مادي يحصلون عليه ايضا.‏

      اوضح يهودي نجا من معسكر الاعتقال بوكنْوُلد:‏ «هناك التقيت بيبلفورشر.‏ كانوا دائما يشهدون بمعتقداتهم.‏ وفي الواقع،‏ لم يكن هنالك شيء يوقفهم عن التحدث عن الههم.‏ وكانوا يساعدون السجناء الآخرين كثيرا.‏ وعندما أُرسلت اعداد كبيرة من اليهود الى المعسكر في ١٠ تشرين الثاني ١٩٣٨ ضمن حملة المذبحة المنظمة،‏ قام ‏‹يِهوفاس شْڤاين›‏ [خنازير يهوه]،‏ كما كان الحراس يسمونهم،‏ بتوزيع حصتهم من الخبز على اليهود المسنين والجائعين،‏ رغم انهم كانوا يبقون بلا طعام طيلة اربعة ايام.‏»‏

      وبشكل مماثل،‏ قالت امرأة يهودية سُجنت في معسكر ليخْتنْبورڠ عن الشاهدات:‏ «لقد تحلَّين بالشجاعة،‏ وتحمَّلن مختلف الظروف بصبر.‏ ومع ان السجينات غير اليهوديات مُنعن من التحدث الينا،‏ لم تتقيد اولئك النساء بهذا القانون.‏ وكنَّ يصلين لاجلنا كما لو كنا افرادا من عائلاتهن،‏ وقد توسلن الينا ان لا نستسلم.‏»‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٢]‏

      توقُّع المحاولات الرامية الى انكار حدوث المحرقة

      في عدد ٢٦ ايلول ١٩٤٥،‏ ذكرت التعزية انه قد تُبذل محاولات في المستقبل لتحوير وقائع التاريخ وإنكار ما قد حدث.‏ قالت المقالة «هل دُمِّرت النازية؟‏»:‏

      «ان مروِّجي الدعايات يعتقدون ان الناس ينسون بسرعة.‏ وهم ينوون محو التاريخ الماضي،‏ فيَظهرون بالمظهر العصري الخادع للمحسِنين،‏ فيُخفى سجلهم الذي يدين جريمتهم.‏»‏

      وذكرت المجلة هذا التحذير الذي يدل على نفاذ البصيرة:‏ «الى ان يحارب يهوه في هرمجدون،‏ ستستمر النازية في الكشف عن وجهها القبيح.‏»‏

      ‏[الرسمان في الصفحة ١١]‏

      ‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

      هذان الرسمان التخطيطيان لمعسكرات الاعتقال ظهرا في مطبوعات الشهود سنة ١٩٣٧

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      العمال الـ‍ ١٥٠ في مكتب فرع شهود يهوه في ماڠدَبورڠ سنة ١٩٣١

      ‏[الصورتان في الصفحة ٨]‏

      فضحت مطبوعات شهود يهوه تعاون الكنيسة مع النازية

  • لماذا لزمت الكنائس الصمت
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • لماذا لزمت الكنائس الصمت

      في ٨ كانون الاول ١٩٩٣ القى الدكتور فرانكلين ليتل من جامعة بايلور محاضرة في متحف الولايات المتحدة التذكاري للمحرقة عن «حقيقة قاطعة» مزعجة.‏ فماذا كانت؟‏

      ان الحقيقة،‏ كما قال ليتل،‏ هي ان «ستة ملايين يهودي استُهدفوا وقُتلوا بطريقة منظمة في قلب العالم المسيحي،‏ من قِبل كاثوليك معمَّدين،‏ پروتستانت،‏ وأرثوذكس شرقيين لم يُوبَّخوا قط،‏ هذا إن لم نذكر الحرم الكنسي.‏» لكنَّ صوتا واحدا استمر يعلو مجاهرا بحقيقة تورُّط رجال الدين في نظام هتلر.‏ وهذا الصوت،‏ كما رأينا،‏ كان صوت شهود يهوه.‏

      كان هتلر كاثوليكيا معمَّدا،‏ كما كان كثيرون من القادة في حكومته.‏ فلماذا لم يُحرَموا؟‏ لماذا لم تدِنْ الكنيسة الكاثوليكية الفظائع التي ارتكبها هؤلاء الرجال؟‏ لماذا لزمت الكنائس الپروتستانتية الصمت هي ايضا؟‏

      وهل بقيت الكنائس فعلا صامتة؟‏ هل هنالك دليل على دعمها لمجهودات هتلر الحربية؟‏

      دور الكنيسة الكاثوليكية

      كتب المؤرخ الكاثوليكي إ.‏ آي.‏ واتكن:‏ «بقدر ما يكون الاعتراف مؤلما،‏ لا يمكننا،‏ لمصلحة تثقيف زائف او ولاء غير مستقيم،‏ ان ننكر او نتجاهل الحقيقة التاريخية بأن الاساقفة دعموا بثبات كل الحروب التي شنتها حكومة بلدهم.‏ .‏ .‏ .‏ وحيثما يتعلق الامر بالقومية في حالة الحرب تكلَّموا كناطقين بلسان قيصر.‏»‏

      عندما قال واتكن ان اساقفة الكنيسة الكاثوليكية «دعموا .‏ .‏ .‏ كل الحروب التي شنتها حكومة بلدهم،‏» كان يشمل الحروب العدوانية التي شنها هتلر.‏ وكما اعترف فريدْرخ هير،‏ پروفسور كاثوليكي في التاريخ في جامعة ڤيينا:‏ «من الوقائع الثابتة في التاريخ الالماني ان تعاون الصليب الكنسي والصليب المعقوف ازداد لُحمة،‏ الى ان صار الصليب المعقوف يعلن رسالة النصر من ابراج الكاتدرائيات الالمانية،‏ وظهرت رايات الصليب المعقوف حول المذابح ورحَّب علماء اللاهوت الكاثوليك والپروتستانت،‏ القسوس،‏ رجال الدين ورجال الدولة بالتحالف مع هتلر.‏»‏

      وكان دعم قادة الكنيسة الكاثوليكة لحروب هتلر مطلقا حتى ان الپروفسور الكاثوليكي ڠوردن تْسان كتب:‏ «ان الكاثوليكي الالماني الذي تطلع الى رؤسائه الروحيين طلبا للارشاد والتوجيه الروحيَّين بشأن الخدمة في حروب هتلر،‏ حصل في الواقع على الاجوبة نفسها التي كان سيحصل عليها من الحاكم النازي نفسه.‏»‏

      وواقع ان الكاثوليك اتَّبعوا بإذعان توجيه قادة كنيستهم دعمه الپروفسور هير بالوثائق.‏ فقد ذكر:‏ «من نحو اثنين وثلاثين مليون كاثوليكي الماني —‏ خمسة عشر مليونا ونصف منهم رجال —‏ رفض علانية سبعة [افراد] فقط الخدمة العسكرية.‏ وستة من هؤلاء كانوا نمساويين.‏» وتشير الادلة الاحدث الى ان بعض الكاثوليك الآخرين وبعض الپروتستانت وقفوا في وجه الدولة النازية بسبب الاقتناعات الدينية.‏ حتى ان البعض دفعوا حياتهم ثمنا لذلك،‏ في الوقت الذي كان فيه قادتهم الروحيون يخونونهم للاستفادة من الرايخ الثالث.‏

      مَن ايضا لزم الصمت،‏ ومَن لم يلزمه

      كما ذُكر آنفا،‏ شمل الپروفسور هير القادة الپروتستانت بين الذين رحبوا «بالتحالف مع هتلر.‏» فهل هذا صحيح؟‏

      عانى پروتستانت كثيرون مشاعر اتهام الذات لأنهم بقوا صامتين خلال حروب هتلر العدوانية.‏ مثلا،‏ اجتمع ١١ رجل دين بارزا في شهر تشرين الاول ١٩٤٥ لصياغة ما يدعى اعتراف شتوتڠارت بالذنب.‏ وقالوا:‏ «نحن نتهم انفسنا بأننا لم نكن اكثر شجاعة في الاقرار بمعتقداتنا،‏ اكثر امانة في رفع صلواتنا،‏ اكثر فرحا في التعبير عن ايماننا،‏ وأكثر حرارة في الاعراب عن محبتنا.‏»‏

      وقال پول جونسون في تاريخ المسيحية:‏ «من الـ‍ ٠٠٠‏,١٧ قس انجيلي،‏ لم يكن هنالك قط اكثر من خمسين قسًّا يقضون عقوبات طويلة في السجن [بسبب عدم تأييد النظام النازي] في ايّ وقت كان.‏» وبمقارنة هؤلاء القسوس بشهود يهوه كتب جونسون:‏ «الاشجع كانوا شهود يهوه،‏ الذين نادوا بمقاومتهم العقائدية الصريحة من البداية وتألموا بموجب ذلك.‏ لقد رفضوا ايّ تعاون مع الدولة النازية.‏»‏

      في السنة ١٩٣٩،‏ السنة التي اندلعت فيها الحرب العالمية الثانية،‏ اقتبست التعزية من رجل الدين الپروتستانتي ت.‏ بروپاخر قوله:‏ «فيما اخفق الاشخاص الذين يدَّعون انهم مسيحيون في الامتحانات المصيرية،‏ يصرُّ شهود يهوه غير المعروفين هؤلاء،‏ كشهداء مسيحيين،‏ على المقاومة غير المتزعزعة لقهر الضمير والصنمية الوثنية.‏ ولا بد ان يعترف المؤرخ في المستقبل بأنه ليست الكنائس الكبيرة بل هؤلاء الاشخاص المفترى عليهم والمزدرى بهم هم مَن وقفوا اولا في وجه غضب الشيطان النازي .‏ .‏ .‏ انهم يرفضون عبادة هتلر والصليب المعقوف.‏»‏

      وبشكل مماثل،‏ اذ كان مارتن نيمولر،‏ وهو احد القادة الكنسيين الپروتستانت،‏ في معسكر اعتقال نازي،‏ اعترف في وقت لاحق:‏ ‹يُذكر بكل صدق ان الكنائس المسيحية،‏ عبر العصور،‏ وافقت دائما على مباركة الحرب،‏ الجنود،‏ والاسلحة وصلّت بطريقة غير مسيحية على الاطلاق للقضاء على اعدائها.‏› وأقرَّ قائلا:‏ «كل هذا خطأنا وخطأ آبائنا،‏ انما من الواضح انه ليس خطأ اللّٰه.‏»‏

      ثم اضاف نيمولر:‏ «وها نحن المسيحيين اليوم نخجل من انفسنا بسبب التلاميذ الجديين للكتاب المقدس [شهود يهوه] الذين يسمَّون بدعة،‏ الذين دخلوا معسكرات الاعتقال بالمئات والآلاف وماتوا لأنهم رفضوا ان يشتركوا في الحرب وأبوا ان يطلقوا الرصاص على الكائنات البشرية.‏»‏

      ووجدت سوسنة هشل،‏ پروفسورة في الدراسات اليهودية،‏ وثائق كنسية تثبت ان رجال الدين اللوثريين كانوا مستعدين،‏ نعم،‏ تواقين الى تأييد هتلر.‏ وقالت انهم توسلوا ليحصلوا على امتياز عرض الصليب المعقوف في كنائسهم.‏ وقد اظهرت ابحاثها ان الاغلبية الساحقة من رجال الدين لم تكن من الاشخاص الذين أُجبروا على التعاون بل كانت من المؤيدين الحماسيين لهتلر ولمُثُله الآرية.‏

      وعندما تلقي محاضرات يسأل اعضاء الكنائس هشل تكرارا،‏ «ماذا كان يمكن ان نفعل؟‏»‏

      فتجيب،‏ «كان يمكن ان تكونوا مثل شهود يهوه.‏»‏

      لماذا بقيت صامتة

      ان سبب بقاء الكنائس صامتة يصير جليا.‏ فقد حدث ذلك لأن رجال دين العالم المسيحي ورعاياهم تركوا تعاليم الكتاب المقدس مفضِّلين تأييد الدولة السياسية.‏ ففي سنة ١٩٣٣ ابرمت الكنيسة الكاثوليكية اتفاقية مع النازيين.‏ كتب الكردينال فولهابر من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الى هتلر:‏ «ان هذه المصافحة مع البابوية .‏ .‏ .‏ هي عمل بركة لا تقاس.‏ .‏ .‏ .‏ فليحفظ اللّٰه مستشار الرايخ [هتلر].‏»‏

      فعلا،‏ صارت الكنيسة الكاثوليكية وكنائس اخرى ايضا ادوات في ايدي الحكومة الهتلرية الشريرة.‏ ومع ان يسوع المسيح قال ان أتباعه الحقيقيين «ليسوا (‏جزءا)‏ من العالم،‏» صارت الكنائس وأعضاؤها جزءا لا يتجزأ من عالم هتلر.‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٦‏)‏ ونتيجة لذلك فشلت في المجاهرة بحقيقة الفظائع التي ارتكبها النازيون ضد البشرية في معسكرات الموت.‏

      صحيح ان افرادا شجعانا قليلين من الكاثوليك والپروتستانت وأديان اخرى مختلفة وقفوا في وجه الدولة النازية.‏ ولكن،‏ مع ان بعضهم دفع حياته ثمنا لذلك،‏ كان قادتهم الروحيون،‏ الذين ادَّعوا خدمة اللّٰه،‏ دمى يحرِّكها الرايخ الثالث.‏

      ولكن كان هنالك صوتٌ واحد استمر يرتفع عاليا.‏ ومع ان وسائل الاعلام عموما تغاضت عن الادوار الرئيسية التي مثَّلتها الكنائس في المسرحية النازية،‏ شعر شهود يهوه بواجب تشهير غدر رجال الدين وريائهم،‏ مع ذكر تفاصيل تواطئهم السري.‏ وفي صفحات مجلة التعزية،‏ ومطبوعات اخرى في ثلاثينات وأربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ طبعوا إدانات قوية للهيئات الدينية التي صارت ادوات في ايدي النازية.‏

      تحديد هوية أتباع المسيح الحقيقيين

      شهود يهوه مختلفون تماما عن اديان العالم.‏ ولأنهم ليسوا جزءا من العالم لا يشتركون في حروب الدول.‏ وإطاعة لأوامر اللّٰه «يطبعون سيوفهم سككا.‏» (‏اشعياء ٢:‏٤‏)‏ نعم،‏ انهم يحبون بعضهم بعضا اطاعةً لأوامر المسيح.‏ (‏يوحنا ١٣:‏٣٥‏)‏ وهذا يعني انهم لا يحاربون ابدا ولا يتعمدون اذية واحدهم الآخر.‏

      أما في ما يتعلق بتحديد هوية عبَّاد اللّٰه الحقيقيين فالكتاب المقدس واضح جدا عندما يقول:‏ ‏«بهذا اولاد اللّٰه ظاهرون وأولاد ابليس.‏ كل من لا يفعل البر فليس من اللّٰه وكذا من لا يحب اخاه.‏ لأن هذا هو الخبر الذي سمعتموه من البدء ان يحب بعضنا بعضا.‏ ليس كما كان قايين من الشرير وذبح اخاه.‏»‏ —‏ ١ يوحنا ٣:‏١٠-‏١٢‏.‏

      نعم،‏ يكشف التاريخ ان شهود يهوه كانوا يعربون على الدوام عن محبتهم لرفيقهم الانسان حتى في وجه الضغط الشديد.‏ وعندما شنَّ هتلر حربه في كل انحاء اوروپا،‏ وقف الشهود بثبات في وجه محاولات النازيين الوحشية لجعلهم ينضمون الى حملة التقتيل الواسعة.‏ وقد احسنت الپروفسورة كريستين كينڠ تلخيص المسألة عندما قالت:‏ «لقد رفع شهود يهوه الصوت عاليا.‏ رفعوه من البداية.‏ رفعوه باتحاد.‏ رفعوه بشجاعة كبيرة،‏ وهذا درس لنا جميعا.‏»‏

      الى ان يصير هذا العالم في امان في ظل الرياسة الحبية لحكومة يهوه وخاليا من الحرب والشر،‏ سيستمر شهود يهوه في رفعهم الصوت عاليا.‏ وما دام الرب المتسلط يهوه يشاء،‏ ستفضح هذه المجلة شرور هذا العالم الابليسي وتنادي بالرجاء الحقيقي الوحيد للجنس البشري،‏ ملكوت اللّٰه.‏ —‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠‏.‏

      ‏[الصور في الصفحة ١٣]‏

      الصحافة الاميركية اثبتت تأييد الكنيسة للنازية

      15 August 27,‎ 1940,‎ Blue Final Edition,‎ page New York Post,‎

      33 December 7,‎ 1941,‎ Late City Edition,‎ page The New York Times,‎

      6 September 25,‎ 1939,‎ Late City Edition,‎ page The New York Times,‎

      ‏[الصورة في الصفحة ١٥]‏

      بخلاف الكنائس،‏ رفع شهود يهوه الصوت عاليا ضد النازية

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة